Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

"المرحلوية أو النيومنشفية" إشارات حول أحد المظاهر الأساسية للفكر اليميني في الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية

Pin it!

 

"المرحلوية أو النيومنشفية"

إشارات حول أحد المظاهر الأساسية للفكر اليميني

في الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية

29 ـ 30 نونبر 1976

السجن المدني (غبيلة) الدار البيضاء

طرح المسألة:

ترمي هذه الملاحظة، إلى تحديد أسس نقد فكر اليمين داخل الحركة الماركسية – اللينينية المغربية، فيما يتعلق بواحدة من المظاهر الأساسية التي نعنونها "المرحلوية". المظهر الثاني الأساسي في هذا الفكر اليميني هو "النخبوية"، و سنخص ذلك بملاحظة في نفس النسق، وسنبين بالأخص، أن هذين المظهرين الأساسيين في هذا الفكر اليميني تعودان في النهاية إلى الأساس المشترك التالي:

- بالنسبة لمجموعة اليمين، التي استحوذت بطريقة ملتوية على قيادة 23 مارس، هناك استحالة تجاوز التصور البورجوازي للمعرفة، من أجل أن تدمج في ممارستها الفعلية، التصور البروليتاري للمعرفة، تلك التي تم تعريفها من طرف ماركس، في أطروحته الثالثة حول فيورباخ، والتي طورها ماو تسي تونغ في "في الممارسة"

إذا كانت النخبوية، التي لم تقر بها هذه المجموعة أبدا، بل حتى أنها ذهبت إلى إدانتها شكليا، تطبع بشكل واضح التصورات السياسية و الإيديولوجية و التنظيمية لهذه المجموعة و سلوكها السياسي، فالمرحلوية أكثر مكرا. في هذا، كما يظهر، فهذه المجموعة اليمينية تبقى مطابقة لما تتميز به الانتهازية، كما أكد عليها لينين، أي لا تظهر أبدا بوجهها المكشوف1.

إلا أن "المرحلوية"، يمكن أن توضح انطلاقا من مواقف متعددة لهذه المجموعة، وبالأخص، انطلاقا من "ملاحظات باريسية حول الصحراء "2.

و بالأساس، فهذا التصور يمكن تلخيصه كالتالي:

- المرحلة الحالية من الثورة الديموقراطية المغربية، هي مرحلة بورجوازية تقودها البورجوازية، ووحده نجاح هذه المرحلة، هو الذي سيسمح بالتطور الرأسمالي للبلاد، وبالتالي تطور البروليتاريا، و يمكن من الدخول إلى المرحلة العليا من الثورة البروليتارية. من هنا يلزم بالنسبة للحركة الماركسية اللينينية، ضرورة أخذ موقعها التبعي تجاه الأحزاب البورجوازية حتى بالنسبة للصحراء.

إذا كان هذا التصور، لم يعبر عنه بصفة واضحة من طرف مجموعة اليمين هاته، فإن "منظمة العمل الشيوعي" في لبنان ، التي تمثل مع "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" القطب الإيديولوجي، الذي تستند إليه هذه المجموعة، فقد قامت بذاك في استجواب منشور من طرف الصحيفة الفرنسية "ليبراسيون" بتاريخ 22 – 3 – 76، حيث يصرح أحد قادة هذه المنظمة: "إن شيوعيا لبنانيا، هو ثوري بالمعنى الذي كان عندكم في القرن 18، إننا نناضل من أجل ديمقراطية بورجوازية حقيقية، من أجل أن تتحمل البورجوازية اللبنانية في النهاية قيادة دولة عصرية" ( ورد هذا المقتطف في مجلة " خمسين" العدد 2) ( حول نقد هذا التصور في لبنان، انظر مجلة " شؤون فلسطينية "، مارس 1976 )

نشير في هذا الموضوع، إلى أن نفس هذه "المرحلوية" المطبقة على سيرورة التحرر الوطني الفلسطيني، هي التي أدت ب"الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين" إلى الإفلاس الإيديولوجي و السياسي الذي نعرفه، وهذا، دون أن نحسب الخطورة القصوى لموقفها حول " الكيان القومي الإسرائيلي" ( انظر نقد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، مجلة شؤون فلسطينية ، ابريل 1976 ) (الكاتب )

لأجل ذلك، على الحركة الماركسية اللينينية المغربية، لكي تحترز من السقوط في نفس الإفلاس الإيديولوجي و السياسي، عليها أن تقود صراعا دون رحمة ضد الفكر اليميني، الذي ما زال يوجد بين صفوفها.

لهذه الغاية، وحول هذه النقطة بالذات، أي" المرحلوية "، من الضروري التذكير ب :

1- تعاليم لينين، حول القيادة البرولتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية، كما جاء في كتابه: "خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الروسية ".

2- تعاليم ماو تسي تونغ، حول القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية الشعبية، في ظروف بلد شبه مستعمر في الفترة الإمبريالية .

3- تعاليم الثورة الوطنية الديمقراطية الفيتنامية، كما تم تعميمها على يد تريونغ شينه، في كتابه "على خطى كارل ماركس "3.

هذا التذكير سيكون موضوعا لإشارات خاصة.

نريد هنا، أن نعبر عن بعض الأسس النظرية للجدلية المادية، التي تسمح بتحديد، لماذا هذه الأخيرة، تتموقع في اتجاه معاكس للمحاولة الميكانيكية البرجوازية التي تقود إلى "المرحلوية ".

1 ـ بعض الأسس النظرية للمادية الجدلية

ـ 1 ـ التناقض و الحركة

في بداية دراسته "في التناقض"، ذكر ماو تسي تونغ بجملة لينين التالية : "الجدلية هي دراسة التناقض في جوهر الأشياء نفسها"4.

فما المقصود ب "جوهر الأشياء" ؟ إن الجوهر في التعريف الكلاسيكي هو عكس "ظاهر الأشياء"، فهذا الأخير هو المظهر، و ظاهر حقيقة، أكثر عمقا، التي هي الجوهر.

غير أن مثل هذا التعريف غير كاف، لأنه لا يضع "الأشياء" في ديناميتها، ف"الشيء" في الفلسفة، ليس هو "الشيء" الجامد، لكنه يشير إلى الحقيقة الملموسة، وهذه لم تكن أبدا جامدة، فلا يمكن إدراك هذه الحقيقة الملموسة إلا في ديناميتها .

"كل شيء يتدفق"، كما قال الديالكتيكي الأول في التاريخ، الفيلسوف الإغريقي "هيراكليت"، الذي خصص ماركس لمدرسته الفلسفية، أطروحتـه في الدكتوراه. كل شيء يجري، لكن ليس كما يجري النهر من منبعه في اتجاه البحر، بحكم تأثير الجاذبية وحدها. لو أخذنا مصطلح من علم الفيزياء، يكون بإمكاننا القيام بالتدقيق التالي: "كل شيء هو تدفق (مد) (مثال كلاسيكي للتدفق (المد)، هو المد التأثيري الذي يخلقه فعل تيار كهربائي في حقل مغناطيسي). و هذا صحيح أكثر بالنسبة للحياة من المادة المسماة جامدة، التي هي الأخرى حركة، كما تبين ذلك الفيزياء الحديثة.

في سيرورة الحياة، ولا نعني هنا حياة واحدة، لكن، الحركة العامة للحياة، التي أعطت تطور الأنواع، وصولا إلى الإنسان، المتوفر على ملكة المعرفة، والتي تمثل حركة الإنسانية ذاتها، كل شيء يتطور من البسيط إلى المعقد، و إن محرك هذا التطور و هذه الحركة، هو التناقض داخل جوهر الأشياء نفسها.

إذا أخذنا سيرورة تطور الأنواع، فكل نوع، يمثل تجاوزا للتناقضات الموجودة في النوع الأدنى (بالمعنى الأقل تعقيدا)، لكن هذا نفسه يحتوي على تناقضات جديدة، التي لا يمكن أن يتم تجاوزها، إلا بمرحلة أكثر تعقيدا أيضا، و هكذا دواليك.

هكذا، لخص ماركس الخاصية الأساسية للحركة البيولوجية، في جملة وردت في نص له، خصص ل: "منهج الاقتصاد السياسي"، " التركيب العضوي للإنسان هو مفتاح التركيب العضوي للقرد"5، وهذا يعني أنه في مستقبله يتضح الحاضر. في المرحلة الحالية ل "الإنسان المفكر" أو "الأموسابيان"، كما يقول البيولوجيون، تتموقع التناقضات في داخل علاقات الإنتاج، و تجاوزها في المجتمع الشيوعي، يكشف تناقضات جديدة، ليست اجتماعية بالضرورة، والتي لا يمكن التنبؤ بشأنها منذ الآن.

هكذا إذن، لتحليل التناقضات داخل جوهر الأشياء نفسها، يجب وضع الأشياء في صيرورتها، لأن هذه الصيرورة هي التي توضح القوى المضمرة للحاضر.

بهذا المجهود، هناك بطبيعة الحال، علاقة جدلية بين معرفة الحاضر و تصور المستقبل. هذا الربط يتحقق بالبراكسيس، بالممارسة الاجتماعية الثورية، من أجل تغيير هذا الحاضر في صيرورته الكامنة.

وللتدقيق، فالمرحلة الحالية للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في المغرب، تحتوي على بذور الثورة البروليتارية. ولا يمكن فهم الواقع الحالي، و التأثير فيه إلا بارتباطه بهذه الصيرورة .

إذا أخذنا مثالا من البيولوجيا، و بالضبط في ما يتعلق بتطور الجنين الحيواني، هناك دراسة (انظر غاستون مايير: "التطور الحيواني" في خانة : فيزيولوجيا : موسوعة لابلياد) ﴿الكاتب﴾ تهم هذه المسألة، تسطر على ما يلي :

"في البداية كل الأجنة تتشابه. فخلال الشهر الأول، يكون جنين الإنسان ثدييا، وفي الشهر الثاني يأخذ ملامح الإنسان".

نفس هذه الدراسة، فيما يتعلق بتطور بذور الجسم، توضح، أن "التوجيهات العامة لهذا التطور، لا تظهر إلا في صيرورة "الأشكال الأولية"، و بالقدر الذي تنبني فيه، لأنه في البداية لا شيء يجعلها تنكشف.

في الفترة الحالية للثورة الوطنية ا لديمقراطية الشعبية في المغرب، حيث أن قيادة النضالات ليست في يد البروليتاريا و حزبها، وحيث التحالف بين العمال و الفلاحين لم يتحقق بعد، فإن ميكانكيينا من اليمين، يعتبرون أن هذه المرحلة هي مرحلة بذرة ثديية، بمعنى الثورة البرجوازية كما حدثت قي القرن 18 الفرنسي. لكن الحقيقة أن صيرورة هذه الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية هي بذرة الإنسان، بمعنى أن الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، تتأسس على التحالف بين العمال و الفلاحين، و على قيادة البروليتاريا بواسطة حزبها.

منذ الآن، فالحيوية العميقة للوضعية الحالية بالمغرب، و التناقض داخل جوهر الأشياء نفسها- الذي يصنع هذه الحيوية- تكمن في التناقض الأساسي بين الطبقة العاملة و طبقة الفلاحين من جهة، و البنية الإمبريالية – الكمبرادورية من جهة أخرى.

إن ميكانكيينا من اليمين، يمكن أن يعتقدوا أن محرك المرحلة الحالية هو التناقض بين الطبقة البرجوازية المتوسطة و الصغيرة، التي تتطلع (تطمح) إلى مجتمع رأسمالي وطني أو لبرجوازية الدولة من النوع الناصري من جهة، و الطبقة الكمبرادورية الحاكمة من جهة أخرى ، لكن الحقيقة هي أن:

-1- بناء مجتمع رأسمالي وطني مستحيل في زمن الإمبريالية.

-2- برجوازية الدولة الناصرية انتهت إلى الإفلاس الذي نعرفه.

-3- البرجوازية المتوسطة و الصغيرة ليست لها القدرة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، لتقود نضالات الشعب لتصل لمثل هذا الهدف، من هنا، توجهها الطبيعي التوافقي مع الطبقة الكمبرادورية الحاكمة. إن ما يعيد النظر في كل مرة في هذا الاتجاه نحو التسويات الإصلاحية (خاصة فيما يتعلق بالبرجوازية الصغيرة)، هو نضال الجماهير الشعبية المحكوم بالتناقض الرئيسي الذي تم تحديده أعلاه، لكن المخرج الوحيد الممكن لمثل هذه التذبذبات، بما في ذلك جر البرجوازية المتوسطة إلى السير بشكل حازم على طريق ث و د ش، هو العمل في الفترة الحالية على بناء قيادة البروليتاريا في نضالات الجماهير الشعبية و تحالف العمال و الفلاحين.

لنعد إلى البيولوجيا، فالدراسة المشار إليها أعلاه، تشير إلى أنه، منذ تلقيحها، تصبح مادة البويضة ممزوجة وخاصة المادة التي توجد في العمق، كما يصل هذا إلى السطح.

إنه داخل هذه المادة التي توجد في العمق، يوجد محرك تغييرات المستقبل، أي ما يجعل المظهر الأولي لبذرة ثديي جنين إنسان.

ليس من سطح الأشياء يمكن تحديد صيرورتها، و ليس من خلال سطح الأحداث السياسية في المغرب، يمكن تحديد صيرورة الوضعية الحالية (الراهنة). ففي هذا السطح، يتيه ميكانكيونا من اليمين، سطح الانتخابات و غير الانتخابات و الصحافة و الأنشطة السياسية للأحزاب البرجوازية و الإجماع الوطني المزعوم حول الصحراء.

لقد عرف ماركس كيف يحدد و يكشف المهمة التاريخية للبروليتاريا، من خلال استيعابه العميق للديالكتيك، التي ربطها بسنواته الأولى من الممارسة الثورية في ألمانيا، ثم باتصاله بالبرولتاريا الباريسية.

في نصه الأول، حيث يعلن عن مهمة كهاته "مقدمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل" التي كتبها أواخر 1843، شهورا قليلة بعد مجيئه إلى باريس، يشير صراحة لمهمة كهاته، ليس فقط بالنسبة لفرنسا، حيث البروليتاريا لها ماضي من النضالات الثورية، و لكن بالنسبة لألمانيا التي ما زالت بعد، لم تتعد فيها هذه النضالات المرحلة الجنينية والتي لم تتجذر فيها بعد الثورة البرجوازية. يمكننا - حقا ـ الاعتراض على أن بروليتاريا الدول الرأسمالية، لم تنجز بعد مهمة مثل هذه، و هذا صحيح بصفة خاصة بالنسبة لألمانيا الغربية حاليا، لكن يجب التذكر هنا أن في تفكير ماركس نفسه، فمهمة مثل هذه، لم يكن من الممكن تحقيقها إلا بصفة واعية. و هذا ما يميز، هنا، بين الحركة الاجتماعية في مرحلة الثورة البروليتارية عن الحركة البيولوجية، و من هنا أهمية التنظيم الثوري للبروليتاريا، و ضرورة محاربة كل جذور الفكر و الإيديولوجية البرجوازية داخله.

و هكذا، فليس من غير المجدي التذكير، أنه في أواخر القرن 19 و بداية القرن 20، أن أول حزب عمالي في العالم، كان هو الحزب الاشتراكي – الديمقراطي الألماني، لكنه كان متعفنا بوجود الانتهازيين و الشوفينيين داخله، هؤلاء الذين انكشفوا بوضوح خلال الحرب العالمية الأولى.

و هذا ما يفسر في قسمه الأكبر، السحق الدموي الذي استهدف الثورة البروليتارية الألمانية في أواخر 1918، والذي تم على يد قادة اليمين أنفسهم، في هذا الحزب، فقد قاد الاجتماعي الديمقراطي نوسكي، وزير الداخلية، القمع الدموي في برلين في يناير 1919، حيث اغتيل كارل ليبنخت و روزا لوكسمبورغ.

واليوم، و حتى نعود إلى البلدان التي توجد تحت الهيمنة الإمبريالية، كم من الثورات تم تحطيمها في مسارها، بسبب انتهازية و تحريفية الأحزاب التي تعلن انتسابها إلى الماركسية اللينينية.

إن اللائحة مع الأسف طويلة، من إيران إلى الشيلي، و تلك التي انتصرت، هي تلك التي عرفت أحزابها الماركسية- اللينينية، كيف تحارب الانتهازية و التحريفية و تنفلت من وصاية الأحزاب البرجوازية، و بناء قيادة بروليتارية، في إطار تحالف بين العمال و الفلاحين، و الجبهة الوطنية الديمقراطية، إنها الصين، الفيتنام، كوريا، ألبانيا، الكامبودج و اليمن الجنوبي .

إنه من مسؤوليتنا، أن يكون نفس الشيء، بالنسبة للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية المغربية.

-2- عدة مراحل داخل الحركة:

هل يمكن القول أن الحركة، التدفق (مد) مستمر أو خطي منتظم ؟ مستمر نعم، لكنه غير "خطي" و غير منتظم.

إن الديالكتيك يبرز أن الحركة تقوم على مراحل، و التي يمكن أن تكون طويلة في تراكماتها الكمية، فتتبعها مراحل قصيرة تنفجر بتحولات كيفية.

لنذكر صورة قدمها هيجل عن ذلك، مع استحضار، عملية القلب الجدلي الذي قام به ماركس حول جدلية هيجل، عندما جعلها تمشي على قدميها، هذا الذي يجب أن نقوم به هنا عندما يتكلم هيجل عن حركة الفكر (العقل):

"في الحقيقة فإن العقل لا يوجد في حالة راحة، لكنه مأخوذ دائما في حركة متدرجة غير محدودة، الأمر هنا، كما هو في حالة الطفل الذي، بعد تغذية طويلة و صامتة، فإن أول شهيق له يعد قفزة نوعية، تقطع فجأة استمرارية النمو الكمي فقط، وهكذا يولد الطفل. و هكذا، فالعقل الذي يتكون، ينضج ببطء و صمت إلى أن يصل إلى وجهه الجديد، بتفكيكه قطعة قطعة، صرح عالمه السابق. إن زعزعة هذا العالم، لا يتم التعبير عنها إلا بأعراض متفرقة. إن النزق والملل الذي يجتاح ما يستمر في البقاء، و الحدس الملتبس ﴿الغامض﴾ للمجهول، هي إشارات معلنة لشيء آخر يتحرك. هذا التفتيت المستمر الذي لا يفسد وجه الكل، ينقطع فجأة بطلوع الشمس، و التي في ومضة ترسم دفعة واحدة شكل عالم جديد "( انظر هيجل : "مقدمة لفينومنولوجيا العقل") (الكاتب﴾.

إن هذا الانتقال من الكمي إلى الكيفي، هو الذي يميز حركة الحياة و الطبيعة بكاملها، لكنها مرتكزة على المادة، و مميزة بالنسبة للمجتمعات البشرية بجدلية المادة و الفكر، كما حددها ماو تسي تونغ في نصيه : "في الممارسة" و "من أين تأتي الأفكار الصحيحة".

إن هذا يسمح بإدراك مفهوم ماو تسي تونغ "ثورة متواصلة عبر مراحل. هنا يجب تقديم تدقيق لغوي (لساني) مهم للمصطلح الفرنسي(ÉTAPE) ، المترجم هكذا، من طرف الماركسيين اللينينين الفرنسيين في لغتهم الفرنسية، والذي لا يعكس دينامية المصطلح المناسب باللغة الصينية المستعمل من طرف ماو تسي تونغ، و لا أيضا المصطلح الروسي المستعمل من طرف لينين ( انظر إشارة من س. شرام ، في طبعة لنصوص ماو تسي تونغ ، ألبير كولان ) . فالكلمة الفرنسية ÉTAPE تعني انقطاع، الشيء الذي يناقض الديالكتيك، و المصطلح الفرنسي الصحيح STADE (طور)، وهو بالمناسبة قريب من المصطلح العربي "مرحلة". لذلك يجب الحديث بالفرنسية عن "ثورة متواصلة عبر أطوار" و إعطاء كل المضمون الدينامي باللغة العربية لكلمة "مرحلة".

سنعطي هنا مثالا من الفيزياء الحديثة لتوضيح هذه الحركة

إن القاعدة النظرية للفيزياء الحديثة هي النظرية المسماة نظرية " الكوانطا "، و حسب هذه الأخيرة، فإن البنية الداخلية للمادة تتكون من تدفق طاقي و مادي و من حبات الطاقة، و كل هذا يسمى الكوانطا (لنتذكر، أنه منذ إنشتاين، نعرف أن الطاقة والمادة كلاهما يتحول إلى الآخر).

إن الإيديولوجية البرجوازية قد استنتجت بأن الكوانطا ظاهرة متقطعة ظاهريا، لا يمكن أن تفسر بالمادية. في الواقع هذا خطأ، فبصفة خاصة، قام أحد الفيزيائيين، ينتسب إلى الفكر المادي الجدلي (Jean Vigier)، بتوضيح أن الكوانطا تمثل في حقل طاقة – مادة نقط عقدية ذات تراكم طاقي مكثف.

إن كل لحظة من لحظات التاريخ، التي تتميز بتحول كيفي، هي النقطة التي تكون فيها السيرورة المتراكمة عميقا في المرحلة السابقة، قد وقع فيها الانفجار، إنها النقطة حيث تحل بالضربة الأولى التناقضات المتراكمة. هذه النقطة المسماة نقطة عقدية ليست هدفا في حد ذاتها و نقطة النهاية، حيث كل الماضي تتم تصفيته و تطهيره دفعة واحدة. إن مفهوما مثاليا مثل هذا، يقدم صورة متداولة كثيرا حول ثورة أكتوبر، ولا تسمح إذن بفهم التطور اللاحق للاتحاد السوفياتي.

لنرجع هنا للصورة التي قدمها هيجل، كما طورها بلغته الخاصة :

"لكن هذا العالم الجديد له واقع فعلي أقل كمالا، كالطفل الحديث الولادة، و بشكل جوهري، لا يجب إهمال هذه النقطة.

إن الانبثاق الأول (الظهور) هو حالته المباشرة، أو مفهومه. و بقدر ما يكون بنيانا أقل اكتمالا عند وضع الأسس، بقدر ما يكون مفهوم الكلية الذي تم التوصل إليه، هو الكل نفسه. إنما، كما نريد أن نرى شجرة البلوط في صلابة جذعها، و في تمدد أغصانها، و في حجم أوراقها، لا نكون راضين، إذا عرضوا لنا مكانها حبة بلوط. هكذا العلم تاج عالم العقل، ليس بعد مكتملا عند بدايته، إن بداية العقل الجديد، هي نتاج انقلاب واسع لأشكال الثقافة المتعددة و المتنوعة، إنها مكافئة مسار منعرج و معقد، و كذلك مجهودا ليس أقل عسرا و صعوبة. إن هاته البداية هي الكل الذي، خارج التتابع و الامتداد، يعود إلى ذاته ليصبح المفهوم البسيط لهذا الكل، لكن الواقع الفعلي لهذا الكل البسيط يشتمل على السيرورة التي عن طريقها تتطور التشكيلات السابقة، التي أصبحت الآن مجرد لحظات، تعطي لنفسها مظهرا جديدا، و هذا في ظل عنصرها الجديد، و مع المعنى الجديد الذي اكتسبته هنا" ( انظر هيجل: "مقدمة لفينومنولوجيا العقل") (الكاتب).

يجب هنا، أن ندقق، فكل سيرورة تكون محددة (موسومة) بفترات من داخل كل مرحلة. و بالفعل، فداخل كل مرحلة، لا توجد كذلك حركة خطية، فسيرورة التراكم، و سيرورة الانفجار، الجزئي على الأقل، تسجل كذلك تناقضات داخل السيرورة الطويلة التي تشمل المرحلة كلها.

إن هذا التمييز بين المرحلة و الفترة، يشرح الفرق بين التناقض الأساسي و التناقض الرئيسي. فالتناقض الأساسي يحدد المرحلة كلها، لكن كل فترة في هذه المرحلة تتميز بتناقض رئيسي.

باستعادة مفهوم الفيلسوف الفرنسي ألتوسير، فالتناقض الأساسي هو تحديد تظافري، بينما بالنسبة لكل فترة يكون التناقض الرئيسي محددا ( بكسر الدال).

هكذا فإن الثورة الديمقراطية الشعبية الصينية منذ بزوغها سنة 1911، تحت قيادة سن يات سن، وحتى انتصارها سنة 1949، تحت قيادة لحزب الشيوعي الصيني، عرفت عدة فترات، ليس فقط في الانقسامات الكبرى التي أعطت قيادة برجوازية و قيادة بروليتارية، و لكن بداخل هاته الأخيرة كذلك، عبر فترات متتالية من النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبيرة، و القمع و المذابح، إلى تشكيل القواعد الحمراء الأولى و المسيرة الطويلة، من الحرب الوطنية ضد اليابان، و من العودة إلى الحرب الأهلية ضد البرجوازية الكمبرادورية.

نفس الشيء حدث ابتداء من 1949، لكن على مستوى آخر: في المرحلة الأولى من الثورة الصينية، التي تم الوصول إليها في هذا التاريخ، تم تحويل المجتمع القديم من أساسه، وبالخصوص عبر حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد ( نشير في هذا الصدد إلى المصطلح الصيني "FANSCHEN" الذي كان مستعملا آنذاك، يعني بالتدقيق، العودة إلى الذات).

لكن التحول الكيفي الذي تحقق سنة 1949، لم يكن مرة أخرى، إلا ثمرة ﴿بلوطة﴾ شجرة البلوط المستقبل، "المفهوم البسيط لكل الديمقراطية الجديدة، ثم الاشتراكية التي يجب بناؤها، أو كما قال ما وتسي تونغ "الخطوة الأولى لمسيرة طويلة من 10 آلاف" ليس" ( وحدة قياسية صينية ).

و في كل هذا الذي يجب بناؤه، فتحطيم جهاز الدولة الكمبرادوري لن يمنع الأشكال السابقة من التطور من جديد، في هيئات جديدة، و أيضا، فصراع الطبقات سيستمر بأشكال جديدة تحت قيادة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية، و هنا أيضا نجد فترات متتالية من التراكم و الانفجار، لكن يمكن التحكم فيها في هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري، داخل جدلية حزب – جماهير الذي رسمت نموذجه العظيم الثورة الثقافية البروليتارية الصينية.

نحن ها هنا، بعيدون عن المفاهيم البدائية و التبسيطية و الميكانيكية للفكر البرجوازي و ممثليه داخل الحركة الماركسية – اللينينية المغربية، جماعة 23 مارس، التي استولت بطريقة ملتوية على قيادة منظمة 23 مارس. وهنا يجب أيضا تحديد أن مفهوم المادية الجدلية هذا للحركة التاريخية يختلف جذريا عن المفهوم التروتسكي المزعوم " للثورة الدائمة ".

في الحقيقة، فإن التروتسكيين يكتفون بخلط المصطلحات ذات الأصل الماركسي بفكر برجوازي غير منسجم، للتغطية على فراغهم الإيديولوجي، بالفرازولوجيا الثورية (الجملة الثورية). نشير فيما يتعلق بالنخبوية، أن عمق فكرهم لا يختلف أبدا في هذا عن انتهازية اليمين. و لهذا السبب نجد لدى مجموعتنا اليمينية، هذا الخليط المشوه من النيو منشفية (المنشفية الجديدة) و الجملة و الأسلوب التروتسكي. إن التروتسكيين يزعمون القفز على مرحلة الثورة الديمقراطية تحت قيادة البروليتاريا، للمرور مباشرة إلى مرحلة الثورة البروليتارية عن طريق قوة الطبقة العاملة وحدها !!!هذا الفكر لا يمت للواقع بصلة، و لكنه يترجم أحلامهم البرجوازية الصغيرة، و يؤدي في نفس الوقت إلى النزعة المغامرة، و إلى الإصلاحية. ذلك أن أمام استحالة هذا القفز، فتروتسكيونا العاجزون يسقطون بانتظام في الإصلاحية الأكثر تفاهة مغطاة فقط بالجملة الثورية.

يمكن أن نجد ظاهرة مثل هذه، التي أدت إلى هذا الانحلال و الانحطاط التام عند أحد القادة السابقين ليمين 23 مارس، الذي تميز بصفة خاصة في خط التراجع لسنة 1973، وهو الذي كان يحلم أن يرى في الذكرى العاشرة لانتفاضة 23 مارس، قيام انتفاضة يشعلها المناضلون التلاميذ في ثانويات الدار البيضاء، جارين معهم الطبقة العاملة لنفس المدينة (أطروحة مقدمة من طرف باها ( محمد الكرفاتي﴾ إلى اجتماع لجنة التنسيق بين" منظمة 23 مارس" و منظمة "إلى الأمام"، و ذلك في يناير 1974 ).

هذه هي ببساطة، بعض الأسس النظرية للمادية الجدلية، التي يمكن أن تسمح بتعميق نقد الفكر اليميني ذي الصلة ب"المرحلوية"، وباستيعاب أحسن، على ضوء هذا النقد، لأسس الخط البروليتاري السديد للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية المغربية، ومن أجل مساهمتها في الثورة بالغرب العربي، كجزء من الثورة العربية المجيدة.

 

1 ــ انظرمقالة لينين :"الماركسية و التحريفية" (المترجم)

2 ــ يتعلق الأمر بوثيقة أرسلتها قيادة منظمة "23 مارس" بالخارج إلى السجن المدني "غبيلة" بالدار البيضاء. وتضمنت مواقف يمينية من قضية الصحراء و غيرها (المترجم)

3 ــ تريونغ شينه، هو أحد أبرز قادة "حزب العمل" الفيتنامي الذي قاد الثورة الفيتنامية المجيدة. ـ المترجم ـ

4 ــ انظر مقالة لينين : "حول الديالكتيك" / دفاتر فلسفية.

5 ــ يمكن ترجمة عبارة ماركس كذلك ب : "تشريح الإنسان هو مفتاح تشريح القرد" المترجم -

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.