Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الندوة التحضيرية للقطاع الطلابي

Pin it!

تقديم :

بعد صدور وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم : نقد و نقد ذاتي" و المعروفة "بتقرير 20 نونبر" شرعت منظمة "إلى الأمام" تحت قيادة لجنتها الوطنية المنبثقة عن الندوة الوطنية الأولى و المدعمة بأطر جديدة تم اختيارها لدعم هاته الأخيرة، بعدما تعرض مجموعة من أعضائها إلى الاعتقال، في الإشراف على تعميم الخلاصات المستنتجة من تجربتها وربطها بالتجارب الخاصة لخلاياها ولجانها المحلية وفروعها بالداخل والخارج ومختلف قطاعاتها.

هكذا و في سياق ترجمة المهام المسطرة في تقرير 20 نونبر نظمت "إلى الأمام" مجموعة من الندوات الوطنية القطاعية بهدف الوقوف على التجارب و البحث في النواقص و الأخطاء الناتجة عن تجربة الخط السياسي السابق المتميز بالعفوية ومن تمة بداية تشطيب النتائج السلبية لذلك الخط الذي طبع ممارستها السياسية و التنظيمية وانعكس على أداء مناضليها في مجالات عملهم القطاعية.

فإذا كان"تقرير 20 نونبر" يعبر عن تقييم شامل للتجربة السابقة للمنظمة فإن مجموعة من الوثائق قد حاولت تقييم التجارب الفرعية القطاعية و استخلاص دروسها تمشيا مع الروح النقدية التي جاء بها ذلك التقرير

و كان لابد للمنظمة أن تبدأ بتقييم تجربتها الشبيبية عموما و داخل الحركة الطلابية خصوصا. هكذا عرف صيف سنة 1973 نقاشات واسعة حول تجربة المنظمة داخل الحركة الطلابية، ساهمت فيها كل الخلايا الطلابية للمنظمة، و قد كانت تتمركز داخل كلية الآداب و كلية الحقوق و كلية العلوم و المدرسة المحمدية للمهندسين و المدرسة الوطنية للمعادن بالرباط و كلية الحقوق بالدار البيضاء.

و في سياق الإعداد للندوة الوطنية الطلابية، اجتمعت الكتابة الوطنية للمنظمة مع المكتب الطلابي الذي كان آنذاك يشرف على عمل المنظمة داخل الحركة الطلابية.

و تمخض عن هذا الاجتماع صدور هاته الوثيقة التي كانت ثمرة للنقاشات الجماعية التي ساهم فيها الرفاق الطلبة للمنظمة.

و عقدت المنظمة الندوة الوطنية في مدينة الدار البيضاء في أحد مقراتها السرية و في ظل إجراءات أمنية مشددة. و قد تمت الندوة في دورتين و ذلك بعدما تبين أن الدورة الأولى غير كافية لاستكمال النقاش و تعميق الآراء، فتقرر عقد دورة ثانية ستتم هي الأخرى بمدينة الدار اليبضاء بنفس الشروط و ذلك نهاية شتنبر - بداية أكتوبر 73. و قد حضر هذه الندوة الشهيد عبد اللطيف زروال، أبراهام السرفاتي، مشتري بلعباس، فؤاد الهيلالي، التمسماني مصطفى، السريفي محمد، دركال، لعريش عزوز، ف.م، م. ك و رفاق آخرون يمثلون الكليات و المعاهد المذكورة أعلاه.

و تعتبر هاته الوثيقة إحدى الوثائق الطلابية للمنظمة، حيث تعتبر الأفكار الرئيسية الواردة فيها، بمثابة التصور العام، رغم بعض التعديلات الطفيفة التي صارت عليها ممارسة المنظمة داخل الجامعة منذ ذلك الوقت إلى حدود مارس 1976 حيث سيعتقل آخر أطرها وقياداتها.

الوثيقة التي بين أيدينا الآن تلقي الضوء على الكيفية التي كانت تعمل بها المنظمة داخل الجامعة بعد صدور "تقرير 20 نونبر". و ننشرها هنا كذلك لتعميق الجوانب التنظيمية ذات الصلة بمرحلة نونبر 1972 – مارس 1976. وللوثيقة جوانب كثيرة تفيد تاريخ منظمة "إلى الأمام" في الحركة الطلابية والتغييرات التي صاحبت عملها من 1970 حتى صيف 1973. و للوثيقة قيمة تاريخية أخرى لأنها أهم وثيقة أصدرتها في مجال عملها الطلابي إضافة أنها شكلت الأرضية الأساسية للقطاع الطلابي الأمامي من أكتوبر 1973 إلى اعتقالات 1976. و لأن الحركة التلاميذية و الحركة الطلابية لم يكونا منفصلين نضاليا ويخضعان للمنظور العام للمنظمة فيما يخص الشبيبة المدرسية و دورها التكتيكي في تفجير الصراع ضد النظام، تقدم الوثيقة بعض المعطيات عن الحركة التلاميذية خصوصا فيما يتعلق بنضالها المشترك مع الحركة الطلابية و اللافت للنظر و بعد سنة على تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ (تأسست النقابة الوطنية للتلاميذ في أبريل 1972) تتبنى المنظمة في ظروف سياسية معقدة (قام النظام الكمبرادوري بحل "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" في 24 يناير 1973 وشن هجوما واسعا على الحركة الطلابية و أطرها وقياداتها وهو نفس الشئ الذي تعرضت النقابة الوطنية للتلاميذ من خلال اعتقال جزء كبير من قيادتها الوطنية في مارس 1973) فكرة تأسيس النقابة السرية للإتحاد الوطني لطلبة المغرب في سياق خط الإستمرارية النضالية والصمود الذي أسست له جل وثائقها الصادرة منذ نونبر 1972.

لقد سطرت الوثيقة مهام المنظمة بدقة كبيرة وبشجاعة رغم القمع الشديد و رغم الحصار الذي ضرب على الحركة الطلابية و رغم تراجع البعض و هي مهام ثلاثية الأبعاد :تنظيمي داخلى، شبه جماهيري و جماهيري. و تلخص الفقرة التالية تلك المهام الثلاثية ذات الصلة بالتنظيم المركزي (الخلايا) و التنظيمات الشبه الجماهيرية (الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين) و التنظيم النقابي الجماهيري (الإتحاد الوطني لطلبة المغرب):

"علينا أن نبني تنظيمنا بناء محكما حتى يكون بالفعل القيادة الفعلية للهجوم المقبل، كما يجب أن نبني الجبهة بناء جديدا من المناضلين الصامدين و الذين عبروا عن التحامهم ونضالهم في أوقات الشدة هذه، و لفظ كل الغازات السامة التي عبرت عن انتهازيتها و انهزاميتها كما يجب علينا كذلك أن ندرس بجد إمكانية جعل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنظمة الطليعية الوحيدة في الظروف الجديدة الشيء الذي يستلزم منا أن نفكر في البناء الصحيح للنقابة السرية الجماهيرية حتى نضمن استمراريتها وصمودها."


تقديم الرفيق فؤاد الهيلالي

 

 

الوثيقة


الندوة التحضيرية للقطاع الطلابي


أيها الرفاق:

في إطار التحضير للندوة الوطنية السنوية للعمل داخل القطاع الطلابي، وفي إطار تعميق تجربتنا و خطنا السياسي و ممارستنا داخل القطاع الطلابي، انعقدت ندوة تهييئية بمساهمة (الكتابة الوطنية) و المكتب الطلابي، أنجزت هذه الأرضية التي نطرحها للرفاق من أجل دراستها بجدية و تعميقها حتى يساهموا بشكل فعال في الندوة الوطنية السنوية المقبلة للقطاع الطلابي من أجل تجديد مهامنا بشكل دقيق و واضح داخل هذا القطاع، في إطار التوجيه السياسي لمنظمتنا في هذه المرحلة. و نتحمل مسؤولياتنا كاملة، وذلك في إطار الجهود المبذولة داخل تنظيمنا من أجل السير قدما في بناء خط سديد محكم ومنظمة ثورية طليعية صلبة، راسخة جماهيرية.

فعلى كل الرفاق أن يشرعوا عاجلا في دراسة هذه الأرضية بحماس وعزيمة لا تقهر.


الكتابة الوطنية ـ 29 غشت 1973


لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات على انبثاق اليسار الماركسي اللينيني وسط الحركة الطلابية إبان المعارك البطولية الكبرى سنة 70. وقطع مرحلة جديدة من حياته النضالية المليئة بالنجاحات والنكسات، غنية بالدروس المستمدة من ممارسته النضالية داخل هذا القطاع الحيوي وقاد أكثر من معركة مجيدة ضد مخططات الحكم التصفوية وساهم بشكل كبير بتقريب النهاية المحتومة للفكر الإصلاحي و التحريفي الذي كان إلى ذلك الوقت متربعا – و بدون منازع - على الساحة الطلابية، ونال نتيجة كل ذلك عطف و تأييد الحركة الطلابية التي رفعته حاليا إلى قيادة المنظمة المناضلة أ.و.ط.م غداة المؤتمر 15 التاريخي. وبعد هذا المؤتمر مباشرة و نظرا لتغيير الوضع السياسي الذي سنأتي على ذكره، واجه حكم سماسرة الإمبريالية و المعمرين الجدد الحركة الطلابية بقمع لم تعرف له مثيلا طوال سنوات نضالها المجيد و المستميت. و ما كان هذا الوضع الجديد الذي عرفته الساحة الوطنية ليمر دون أن تبرز بعض الخلافات داخل اليسار الماركسي اللينيني حول الحركة الطلابية و دورها في الوضعية التي تعرفها البلاد.

هذه الخلافات التي ستعمق خلافات سياسية و إيديولوجية حول قضايا الثورة المغربية ككل. و لم يتوان بعض الرفاق في ظل هذه الوضعية باتهامنا بتشتيت الحركة الطلابية نتيجة استيلائنا على الجهاز. هذا الاستيلاء الذي سبب في نظرهم جل المشاكل التي يعاني منها اليسار الماركسي اللينيني والحركة الطلابية.

كل هذا التاريخ الحافل من سجل اليسار الماركسي اللينيني و كل هذه التطورات الجديدة تستلزم منا وقفة نقدية لممارستنا داخل الحركة الطلابية من أجل استخراج خلاصات واضحة تقود عملنا المقبل و تصحح خطنا السياسي داخل الحركة الطلابية سيما و أن تنظيمنا يفتقر إلى وثيقة حول الحركة الطلابية رغم الندوات التي عقدناها في السنوات الماضية.

و تأتي الندوة الحالية كذلك في مرحلة جديدة يعرفها التنظيم والحركة الطلابية، فالتنظيم بعد تقرير 20 نونبر التاريخي (عشرة أشهر من كفاح التنظيم، نقد ونقد ذاتي) عرف تقدما هائلا على مستوى خطه السياسي. هذا الخط الذي لم تزده الخلافات الحالية داخل الحركة الماركسية اللينينية إلا رسوخا و وضوحا. هكذا يأتي شعار (الصمود والالتحام بالجماهير) ليعبر بالفعل على أن أي عمل خارج الجماهير محكوم عليه مسبقا بالفشل لأنه ينطلق من مفهوم المثقف الذي يأتي بالحقيقة للجماهير عوض الثوري الحقيقي الذي يتمرس داخل الجماهير. و لكن قليلون هم أولئك الذين يمكنهم أن يدركوا كنه هذه الشعارات و بالتالي الصمود مع الجماهير.
أما الحركة الطلابية فإنها مقبلة على مرحلة جديدة من حياتها. مرحلة مخالفة لما عرفته خلال السنوات الماضية نتيجة التطورات الأخيرة على الساحة الجماهيرية و التي تمثلت بالنضال المشروع داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. إن المرحلة الحالية تأتي في غياب هذه المنظمة المناضلة أو بالأحرى غياب شرعيتها و الإمكانيات التي كانت توفرها. نظرا للقمع المسلط على القطاع الطلابي فإن المهام المنوطة بالحركة الماركسية اللينينية لجد شاقة و عسيرة، فما كان لنا أن نتخلى على الحركة الطلابية في أحلك ظروفها. إننا كماركسيين لينينيين نؤمن إيمانا راسخا أن الهجوم المضاد الذي شنه الحكم على الحركة الطلابية سيقابله – و لا شك - هجوم مقبل من طرف الحركة الطلابية. فلهذا الهجوم المقبل يجب توفير كل الشروط حتى يكون هجوما مظفرا تستعيد فيه الحركة الطلابية كل مكتسباتها المسلوبة.
فعلينا أن نبني تنظيمنا بناء محكما حتى يكون بالفعل القيادة الفعلية للهجوم المقبل، كما يجب أن نبني الجبهة بناء جديدا من المناضلين الصامدين والذين عبروا عن التحامهم ونضالهم في أوقات الشدة هذه، و لفظ كل الغازات السامة التي عبرت عن انتهازيتها و انهزاميتها كما يجب علينا كذلك أن ندرس بجد إمكانية جعل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنظمة الطليعية الوحيدة في الظروف الجديدة الشيء الذي يستلزم منا أن نفكر في البناء الصحيح للنقابة السرية الجماهيرية حتى نضمن استمراريتها و صمودها.

و أخيرا: ففي تقييمنا للحركة الطلابية يجب أن نبحث و نركز على دورها في الصراع الطبقي، إذ لا يمكن لنا بأي حال أن نفصل خطنا السياسي داخل الحركة الطلابية عن خطنا مع الجماهير الشعبية ونضالنا الطبقي. لهذا فإن التصميم المقترح في هذه الندوة يراعي هذه النقطة و يحدد بشكل واضح دور الحركة الطلابية في تأجيج الصراع الطبقي ببلادنا.

أولا: الشروط الموضوعية لنمو الحركة الجماهيرية في نهوضها الجديد:

أ ـ شكلت انتفاضة 23 مارس 1965 منعطف تحول حاسم في نمو المسيرة النضالية لشعبنا الكادح، وكانت بمثابة نقد دموي بالنسبة لأحزاب الإصلاح في المغرب معلنة عن بداية القطيعة العفوية و الحسية للجماهير لخط العمل الإصلاحي البرلماني و مسجلة بداية الإفلاس الذريع للخط البرجوازي الصغير الذي عرف انتعاشا في الفترة الممتدة ما بين 1958 - 1965.

و لقد كشفت الأحزاب الإصلاحية التي كانت آنذاك في مقدمة المعركة الجماهيرية عن انتهازيتها و مساومتها غداة هذه الانتفاضة حيث سارعت – و دماء الشهداء لم تجف بعد بشوارع الدار البيضاء - إلى دخول المساومات المشهورة مع النظام على ظهر هذه النضالات، مادة أحسن مساعدة له للخروج من العزلة التي أوقعته فيها الحركة الجماهيرية، وما كان لأحزابنا أن تفعل أكثر من ذلك نتيجة مواقعها و انتماءاتها الطبقية التي جعلتها عاجزة عن مسايرة هذا النمو الهائل للحركة الجماهيرية. فما كان لها إلا أن تقف للتفرج عليها و اتخاذ أزمة النظام الجديدة هذه كفجوة تتسرب منها إلى السلطة.

نفس الموقف أظهرته أحزابنا الإصلاحية و الانتهازية و التحريفية بعد هزيمة الأنظمة العربية في يونيو 1967. فلما كان الشعب الفلسطيني خاصة و الشعوب العربية عامة تتعرض للمؤامرة الدنيئة التي تحيكها الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية العالمية كان موقف الأحزاب الإصلاحية و الانتهازية و التحريفية في بلادنا - تمشيا مع خطها البرجوازي الصغير- هو الاكتفاء برفع شعارات جوفاء متخلية عن تعبئة الشعب المغربي لمساندة الثورة الفلسطينية و القبول ضمنيا بالقرارات التصفوية و المشاريع التي صاغتها الامبريالية الأمريكية بمساعدة التحريفية السوفياتية (قرار مجلس الأمن – مشروع روجرز..). و إن موقف التحريفية المغربية في هذا الصدد لجد مخزي حيث لم يتردد زعيمها في استخدام جدليته المعهودة لمساندة الثورة الفلسطينية، و في نفس الوقت تأييد المشاريع التصفوية التي صيغت لتصفيتها في آن واحد.

ولقد انفضح الخط الإصلاحي البرجوازي الصغير لأحزابنا الإصلاحية بصورة أكبر غداة النضالات الهائلة التي خاضتها الشبيبة المدرسية في سنة 1970 والتي توجت بمؤامرة إيفران التي شكلت رصيدا جديدا للإصلاحية في المساومة على النضالات الجماهيرية – الشعبية. فبعد انطلاق حركة التلاميذ سنة 1970 و بعد سنوات الركود التي أعقبت انتفاضة مارس، في نضالها المجيد ضد مخططات الحكم التصفوية في ميدان التعليم، هذه الانطلاقة التي كانت شمولية و التي طبعت بالروح النضالية العالية، أولت الإصلاحية و التحريفية – مرة أخرى - بظهرها لهذه النضالات و ساهمت بقسط كبير في فصل الطلبة عن التلاميذ بدعوى تباين المشاكل المطروحة. إلا أنها لم تتوان - كعادتها - في المساومة على هذه النضالات المجيدة من أجل انتزاع مكاسب ذاتية انتهازية على حسابها. إلا أن موقفها هذا ساهم بشكل كبير في تعجيل نهايتها في قطاع الشبيبة المدرسية.

ب ـ على الصعيد العربي شكلت هزيمة الأنظمة العربية في يونيو 1967 بداية لخط هذه الأنظمة البرجوازية و بداية نمو حركة التحرر العربية و نهوضها الجديد. ففي سنة 1967 بدأت الجماهير العربية تدرك كنه طبيعة الأنظمة البرجوازية التي استطاعت – و لمدة طويلة - تخدير الشعب العربي ببعض الإصلاحات الطفيفة و بالديماغوجية الثورية. فهزيمة 1967 كانت بالفعل صدمة بالنسبة للشعب العربي، إلا أنها كانت إيجابية من حيث أنها كشفت عن الخط البرجوازي الصغير الذي كانت تسير على هداه تلك الأنظمة نتيجة انتماءاتها الطبقية. و لقد احتد هذا التناقض بين الشعب العربي و هذه الأنظمة خصوصا غذاة الهجمة الشديدة التي شنتها الطبقة الحاكمة في الأردن على الشعب الفلسطيني و على المقاومة الفلسطينية، هذه الهجمة التي ساعدت في تعميق الوعي العربي و إدراك الجماهير العربية أن النضال ضد الصهيونية لا يمكن أن ينتصر إلا إذا كان نضالا طبقيا ضد كل أعداء الشعب العربي و ضد كل عائق لتحرره. كما لا يمكن أن نغفل ما كان لهزيمة 1967 من أثر بليغ على المقاومة الفلسطينية و حركة التحرر العربية و تجذرها. فها هي الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين تبرز على الساحة الفلسطينية متشبعة بالفكر الماركسي اللينيني كمرشد لنضالها الشاق. و في اليمن الديموقراطية استطاع اليسار الماركسي اللينيني من جهته أن يصحح مسار الثورة هاته بعد يونيو 1969 ودفعها إلى الأمام ضمن آفاق الثورة الديموقراطية الوطنية, وفي الخليج العربي جاء توحيد الجبهتين المناضلتين وتشبعها بالماركسية اللينينية خير رد حاسم على مخططات الامبريالية في المنطقة.

ج ـ على الصعيد العالمي اشتدت الثورة العالمية في مواجهة الإمبريالية العالمية بدفع علم الثورة الأحمر عاليا. ففي الصين شكل قيام الثورة الثقافية انتصارا للخط البروليتاري الذي ينتهجه الحزب الشيوعي الصيني بقيادة الرفيق ماو تسي تونغ و ذلك من أجل إعطاء نفس جديد للثورة البروليتارية الكبرى وكسر الهيمنة البيروقراطية و التحريفية التي يمكن أن تكبل مسيرتها. و في الفيتنام خاصة و الشعوب الهند الصينية عامة جسدت انتصارات الشعوب هناك مدى قدرة الشعوب إن هي أخذت مصيرها بنفسها على دحر العدوان حتى و إن كانت تتزعمه أكبر دولة عدوانية في العالم. و لقد ساهم نضال هذه الشعوب بشكل كبير في رفع معنوية الشعوب المكافحة و إحرازها على النضال من أجل تحررها الشيء الذي زاد في توسيع معسكر الثورة سواء في إفريقيا – الموزمبيق، غينيا بساو – أو في أمريكا اللاتينية - بوليفيا، الأروغواي... كما أخذت التحريفية العالمية تعرف في هذه المرحلة بداية إفلاسها الشنيع أمام تزايد تواطؤها و خيانتها للثورة العالمية.
في ظل هذه الشروط الموضوعية أخذت الجماهير و ضمنها الحركة الطلابية تستعيد نهوضها الجديد، فهكذا أخذت الطبقة العاملة تستعيد طاقاتها النضالية كما تجلى ذلك في نضالاتها الكبرى التي امتازت بطول النفس و الروح الكفاحية العالية التي صاحبتها (إضراب مناجم خريبكة، مناجم جرادة، نضالات عمال النسيج و المطاحن ...) كما بدأ الفلاحون يدخلون في المعركة بنضالاتهم العفوية نتيجة اشتداد حملة النهب التي يتعرضون لها من طرف المعمرين الجدد، هكذا بدأ يأخذ شعار الأرض الصدارة لكل النضالات السلمية و العنيفة التي يقومون بها، و لقد تطورت نضالاتهم هذه إلى انتفاضات دموية عنيفة كانتفاضة بني ملال، سطات، تسلطانت وأولاد خليفة. و لقد سجلت نضالات الحركة الجماهيرية ظاهرة العنف الجماهيري الذي قابلت به العنف الرجعي. فلقد ضرب العمال في مناجم قطارة المثال في الصمود والتضحية لما هددوا بتهديم المنجم إذا لم تلب مطالبهم المشروعة، كما لم يتوان الفلاحون الفقراء في أولاد خليفة من سقي أراضيهم المغصوبة بدمائهم الجارية دفاعا عنها من جشع الإقطاعيين الجدد.
و في هذا الظرف كذلك أخذت الشبيبة المدرسية (التلاميذ والطلبة) تسترجع قوتها بنهوضها الجديد الذي سجلته معارك 1970 نظرا لنمو الشروط الموضوعية داخلها. فكان نضالها في 1970 بشير حقيقي لنمو الحركة الجماهيرية، الشيء الذي سيؤكد صحته.

كما أخذت الحركة الطلابية تأخذ موقعا متقدما في النضال بحكم توفر و نمو الشروط الموضوعية و الذاتية والتي كان من بينها توسيع قاعدتها من أبناء الجماهير الكادحة. فإلى حدود 1966 - 1967 كان الالتحاق بالجامعة حلما لا يتحقق إلا لأبناء الطبقات الميسورة، و لكن بعد سنة 1967 – 1968 خاصة أخذت أفواج هائلة من أبناء الجماهير تصل تدريجيا إلى الجامعة – هذه الأفواج التي أتيح لها أن تلج أبواب التعليم النصف المفتوحة غذاة الاستقلال الشكلي، و التي استطاعت أن تتخطى العراقيل المزروعة في طريقها الطويل، فشكل هذا التغيير تبدلا كميا و كيفيا داخل الحركة الطلابية التي أخذت تجذر مواقفها من المشاكل المطروحة على صعيد التعليم، فأصبح القطاع الطلابي تنعكس فيه بكل وضوح السياسة النخبوية للنظام المتعفن التي ترمي إلى تجهيل الشعب المغربي و حرمانه من حقه المشروع في التعليم. و لقد زاد انبثاق اليسار الماركسي اللينيني و نضاله السياسي و الإيديولوجي داخل الحركة الطلابية من إدراك الجماهير الطلابية لذلك. و لقد برزت هذه التحولات داخل القطاع الطلابي خاصة في بداية المعارك المجيدة للشبيبة المدرسية في فبراير – مارس التي ستتوج بمؤامرة إيفران السيئة الذكر. كما سيزيدها نضال الحركة الطلابية في فترة ماي – يونيو أكثر وضوحا بفعل النضالات الهائلة التي صاحبت هذه التحركات.

ثانيا: مرحلة النشأة:

أ ـ فمرحلة النشأة في النهوض للحركة الطلابية الجديد لا يمكن لنا بأية حال من الأحوال أن نأخذها بمعزل عن تنامي الحركة الجماهيرية و لا يمكن لنا كذلك أن نأخذها مجردة عن تطور و نمو الشروط الموضوعية و الذاتية الذي عرفها القطاع الطلابي. كما لا يمكن أن نعزل النهوض للحركة الطلابية الجديد عن نشوء التنظيم الماركسي اللينيني داخلها، إن التنظيم نفسه ليس قفزة معزولة عن الحركة الجماهيرية بل هو في نفس الوقت نتيجة و منتج لهذه الحركة.

فتنظيمنا للقطاع الطلابي هو نتيجة لتصاعد هذه النضالات الجماهيرية التي سيكون لها بالتالي دور مهم في توسيعها و تعميقها. ففي الظروف الجديدة أخذت قاعدة الحركة الطلابية في تحول مستمر بفضل وصول الأفواج الهائلة من أبناء الجماهير الكادحة التي حملت معها كل المآسي التي يعاني منها الشعب المغربي، الشيء الذي ساعد على انتشار الفكر الثوري وجعل القطاع الطلابي نتيجة لذلك مركزا متقدما للصراع الإيديولوجي. فجنب النضالات الأولى للحركة الطلابية في نهوضها الجديد الذي لعبت فيه دورا مهما في مساندة جماهير التلاميذ التي ناضلت ضد السياسة النخبوية للحكم في ميدان التعليم، هذه النضالات التي توجت بمصيدة إيفران التي خسرت فيها الحركة الطلابية (المدرسة العليا للأساتذة) المنفذ الوحيد لجماهير التلاميذ الفقيرة نحو التعليم العالي، كما شكلت زيارة (لوبيز برافو) للمغرب للتآمر على الشعب الصحراوي و إضراب 4 ماي الذي قابلته به الحركة الطلابية، يشكل هذا تحولا حاسما داخل الحركة الطلابية حيث تعدى الإضراب إطاره التقليدي من إضراب حول مشاكل التعليم إلى إضراب سياسي عام. فالانبثاق الحقيقي لليسار الماركسي اللينيني يرجع إلى هذه الفترة المجيدة التي عرفت حركة نضالية عالية في تاريخ الحركة الطلابية التي أخذت تطرح البديل و لو بشكل غامض للإصلاحية و التحريفية فكانت معارك التجنيد في ماي – يونيو هي أول المعارك التي خاضتها الحركة الطلابية في استقلال شبه تام عن الأحزاب الإصلاحية و التحريفية التي تخلت – كعادتها - عن المعركة و عن مناضلي الحركة الطلابية المعتقلين، فكانت بداية الصراع السياسي و الإيديولوجي مع الإصلاحية و التحريفية الذي كان في معركة التجنيد تلك، أول مشهد من نوعه داخل القطاع الطلابي و عكس بالفعل نمو الحركة الطلابية الذي لم يكن إلا انعكاسا لنمو الصراع الطبقي على الساحة الوطنية.
ففي خضم هذه النضالات برز التنظيم و في وسطها انبثق اليسار الماركسي اللينيني كقوة ثالثة في الميدان في وجه النظام و الإصلاحية، فالجماهير الشعبية و الحركة الطلابية خاصة لم تعرف اليسار الثوري إلا عند انبثاقه الصحيح في هذه النضالات وتصدره لها.

أما تنظيميا فإن تأسيسه جاء مباشرة بعد انفصال صيف 1970 (غشت)، إلا أن الجذور الحقيقية لهذا الانفصال تنحدر إلى مؤامرة إيفران التي سجلت غضب المناضلين داخل الحزب التحريفي على مواقف هذا الأخير، إلا أن هذا الغضب لم يتعدى شكله الحسي في تلك الفترة ضد طغمة الأساتذة التحريفيين التي حاولت في إيفران وشاركت في تدبير المؤامرة. فبعد سنة 1967 – 1968، أخذ الفكر الماركسي اللينيني ينتشر داخل طلبة الحزب التحريفي و بعض مثقفيه نتيجة نمو الثورة العربية بعد 1967، و إنجاح الثورة الثقافية و باعتبار الحزب التحريفي آنذلك هو الممثل الرسمي للماركسية - اللينينية. و إذا قلنا الطلبة فإننا نعني الجزء المهم و الدينامي من أعضاء هذا الحزب. إذ أن البقية من أعضائه ليس لها أي دور يذكر في الحركة الجماهيرية. بعد سنة 1969 بدأت تشكل أنوية للماركسيين اللينينيين، هذه الأنوية التي كانت متحلقة حول (أنفاس). إلا أن البديل للحزب التحريفي لم ينضج لهؤلاء المناضلين إلا بعد معارك الشبيبة المدرسية في فبراير مارس 1970، حيث بدأت تظهر لهم أهمية هذا القطاع و خصوصا دور التلاميذ، ليس في حد ذاتهم و لكن لدورهم في الحركة الجماهيرية كمثقفين عضويين للحركة الجماهيرية الشيء الذي أبرزه نضال فبراير – مارس بشكل ملموس و مباشرة بعد مؤامرة إيفران، و كرد فعل على مواقف التحريفية هناك تشكلت حلقة من هؤلاء الماركسيين مستقلة عن توجيه الحزب التحريفي بين الطلبة و مثقفي مجلة (أنفاس)، و ما نضال ماي – يونيو و الدور الذي لعبه فيه طلبة التحرر و الاشتراكية، إلا تنسيق لهؤلاء الرفاق خارج إطار حزب التحرر و الاشتراكية الشيء الذي سيؤدي إلى الانفصال في غشت 1970، خصوصا بعد مواقف التحريفية المتناقضة من الدستور و الكتلة الوطنية، و أخيرا من مشروع روجرز. و بعد الانفصال و تأسيس التنظيم ظلت فترة طويلة من الغموض داخل التنظيم لصعوبة طرح البديل الثوري، هذا البديل الذي لا يمكن أن يتضح دون الممارسة الثورية و لقد كان هذا الغموض على جميع الأصعدة: على مستوى الخط السياسي الذي كان في تلك الفترة مزيجا من العفوية و التجريبية بحيث لا يمكن أن نتكلم أساسا على الخط السياسي في غياب تام له. و كتنظيم انبثق أساسا من الحركة الطلابية فقد كان بورجوازيا صغيرا يحمل رواسب عميقة للممارسات التحريفية و الإصلاحية و يحمل معه جميع الممارسات البورجوازية الصغيرة للحركة الطلابية

و في غياب وضوح في الخط السياسي، فقد كانت ممارستنا التنظيمية تحمل معها بذور اللامركزية التنظيمية التي جاءت كرد على المركزية المفرطة التي كانت سائدة داخل الحزب التحريفي التي تحصر التنظيم في جماعة من الزعماء البرجوازيين الصغار. و زاد من غموض الرؤية التنظيمية ضآلة الأجهزة حيث لم يكن هناك إلى حدود المؤتمر 14، إلا خلية واحدة داخل كلية الآداب كل مهماتها تنحصر في إتمام الانسحاب من داخل الحزب التحريفي. أما بعد المؤتمر 14، فقد تم إقرار صيغة تنظيمية جديدة عبرت فيما بعد عن فشلها، مجلس التنسيق الذي كان هو قيادة القطاع الطلابي و الذي كان يعاني من ضعف سياسي و إيديولوجي لكونه لم يكن قيادة التوجيه بل تنسيقا بين مختلف الخلايا، و زيادة على ذلك كان وجوده شكليا تماما في الوقت الذي كان هناك مجلس للأطر هو الذي يقوم فعليا بقيادة التنظيم في القطاع الطلابي. و لقد كان لتداخل هذه الأطر دور كبير في تفشي الليبرالية الخطيرة داخل التنظيم و لغياب الخط السياسي في هذه المرحلة، كان طبيعيا إبدال إطار بآخر دون أن تحل المشاكل المطروحة على الصعيد التنظيمي. و لقد كان التنظيم ككل يعاني من فراغ سياسي و إيديولوجي هائل بحكم انتماء جل أعضائه إلى الحزب التحريفي الذي كان يضرب حصارا كثيفا على الماركسية اللينينية.

و منذ انبثاقنا داخل القطاع الطلابي، حددنا شعارات لتجاوز هذا القطاع البرجوازي الصغير و التحام القطاع بالقطاعات الجماهيرية الأخرى كالطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء خصوصا لما أخذت نضالات هؤلاء القطاعات تتصدر الأحداث (إضراب خريبكة، أولاد خليفة ..) إلا أن ذلك ظل مجرد شعارات نظرا لانعدام الخطة و التوجيه و نظرا للعفوية و التجريبية التي كانت إلى تلك الفترة راسخة في كيان تنظيمنا.

ب ـ يمكن لنا أن نقرن الظهور التاريخي لليسار الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية بانعقاد المؤتمر 14 في دجنبر 1970 يناير 1971، إلا أن هذا الأخير، لم يشكل مرحلة فاصلة في تاريخ الحركة الطلابية، فمن جهة لم يكن لنا خط سياسي نسير على هداه داخل الحركة الطلابية الشيء الذي سيدفعنا إلى المؤتمر والحركة الطلابية شبه جاهلة بأهدافنا و خطتنا، فجل مندوبينا في هذا المؤتمر حشروا في لائحة اليسار الماركسي اللينيني بل الأكثر من ذلك هو أن جلهم انتقلوا آليا بحكم الصداقة التي كانت تربطهم مع رفاق لنا من صفوف الحزب التحريفي إلى صفوف الحركة الماركسية اللينينية. فرغم النجاح الذي لاقيناه في الانتخابات، كان من البديهي أن نتقدم في ظل هذه الوضعية إلى المؤتمر والغموض يكتنفنا حول الحركة الطلابية و دورها في غياب خط سياسي و برنامج نضالي عام. حيث اكتفينا داخل المؤتمر برفع صيغ عامة لتجاوز الإصلاحية و التحريفية و التعرية عن ممارستها خلال تاريخها الطويل. و لقد تم - داخل المؤتمر - الالتقاء مع رفاق "ب" في إطار (الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين) هذا الالتقاء الذي كان في تلك الفترة مجرد تحالف انتخابي لمواجهة الاصلاحية و ذلك لغياب الوضوح التام في مشكل الجبهة. إلا أن الايجابية التي سجلها المؤتمر 14 هو الانسحاب الجماعي لليسار، هذا الانسحاب الذي كان منطقيا تماما للظروف الموضوعية المحيطة به.

و لقد شكل المؤتمر 14 بداية الصراع الإيديولوجي و السياسي مع الإصلاحية بشكل واسع، فبعده مباشرة طرحنا على الجماهير الطلابية أفكارنا الجديدة و العوامل التي دفعتنا إلى الانسحاب من المؤتمر. فكان مؤتمرنا الفعلي هو أن الحركة الطلابية بدأت تدرك – بحكم عملنا و دعايتنا داخلها- عمق تحاليلنا و مواقفنا.

و لقد كانت معركة التضامن مع التلاميذ التي تلت المؤتمر مباشرة مهمة في هذا الصدد لطرح البديل الثوري و إعطاء الخلفيات السياسية و الإيديولوجية لمواقف الإصلاحية و التحريفية: و ساهمت دعايتنا المكثفة هذه بقسط كبير على إظهار الفكر الثوري و مدى دوره في القضاء على سيطرة التحريفية في الحركة الطلابية إيديولوجيا و تنظيميا.

فيما يخص معركة التضامن مع التلاميذ (يناير – فبراير). لم تكن آنذاك لنفوذها في فترة الضعف و الغموض - هذه المرحلة لا يمكن لنا أن نغفل فيها كذلك الدور الذي لعبته هذه النضالات في هذه المرحلة حيث الجماهير الطلابية بدأت تدين الإصلاحية و التحريفية. فهذه المرحلة (الفترة) تبقى لها – رغم سلبياتها المتعددة - عدة جوانب إيجابية خصوصا بالنسبة للمراحل التالية.

ج ـ في هذه المرحلة طرح مشكل الجبهة بين التنظيمين الشيء الذي أدى إلى ظهور موقفين متباينين منه:

- موقف رفاق "ب" الذي كان يرى أن الجبهة مجرد حلقات للعاطفين على التنظيم، و بالتالي هي حلقات يتحكم فيها التنظيمان و مخصصة للاستقطاب الشيء الذي يحيل مناضلي الجبهة في ظل هذا التوجيه إلى مجرد مطبقي القرارات دون أن يكون لهم أي دور فعال في بلورتها و صياغتها، و بالتالي فإن هذا الفهم الخاطئ للجبهة يقضي على مبادرات المناضلين. لقد كان مفهوما نخبويا مجحفا، وهذا ما طبع ممارسة (ب) داخل القطاع الطلابي حيث كانوا يتهربون من النقاش داخل الجبهة لمشاكل يطرحها المناضلون عن حسن نية بدعوى أنها ليست من اختصاص الجبهة. كما يظهر ذلك جليا في كون جل المؤسسات التي كانوا يعملون فيها لم تناقش و لم تساهم في مسائل مصيرية في حياة الحركة الطلابية كما سيحدث فيما بعد بالنسبة للمؤتمر 15.

- موقفنا من الجبهة كان يرى أنها تيار جماهيري للحركة الطلابية، فلجانها يجب أن تكون جماهيرية و ديموقراطية، بحيث تبنى قياداتها على أساس انتخابي، فكما أن موقف "ب" نخبوي فإن موقفنا طبعته العفوية في أجلى مظاهرها رغم أنه كان يهدف أساسا إلى تطوير المناضلين و فتح باب المبادرة في وجههم، و تربيتهم على الروح الديموقراطية. فإنه كان يغفل الدور القيادي للتنظيم حيث ترك اللجان التي كانت تعاني من فراغ سياسي و إيديولوجي هائل لتقود الجبهة، الشيء الذي أسقطها في النقابية الضيقة. أما المفهوم الإنتخابي الذي كنا نطرحه كشرط لبناء الجبهة فإنه كان يضرب سرية تنظيم الجبهة من الأساس. و الخلاصة هو أن كلا الموقفين يعبران عن الخط السياسي الذي كان يفهمه كلا التنظيمين.

و لم يجد مشكل الجبهة الحل الصحيح في هذه المرحلة لعدة أسباب، من أهمها المهام العاجلة التنظيمية التي كانت مطروحة على الحركة الماركسية اللينينية التي كانت تتمثل في الاستعداد إلى انتخاب التعاضديات من جهة والمهام السياسية و الإيديولوجية التي كانت مطروحة آنذاك: ظهور جريدة المناضل الموحدة و الملصقات.

د ـ و عقدت في هذه المرحلة كذلك ندوة بين التنظيمين حول مشكل الجهاز. و في هذا المشكل كذلك ظهرت عدة آراء متباينة، حيث جاء رفاق "ب" بثلاثة مواقف مختلفة:

1 – موقف عدم الاستيلاء على الجهاز: و ذلك لفقدان اليسار الماركسي اللينيني لسند جماهيري على الصعيد الوطني مما سيسهل على الحكم قمع اليسار بسهولة و تصفيته، لذا فالموقف الصحيح هو عدم الاستيلاء و التجذر داخل الطبقة العاملة و الفلاحين دون إهمال القطاع العمالي.

2 – موقف الاستيلاء على الجهاز: و ذلك لكون اليسار أخذ يشكل قوة بارزة داخل الحركة الطلابية لذا فإن استيلائنا على هذا الجهاز ما هو إلا إعطاء الشرعية لهذا الوضع. أما الحكم فبإمكانه أن يقمعنا سواء كنا في قيادة المنظمة أو قاعدتها، أما عملنا داخل الجماهير الشعبية فهو بدوره رهين بعملنا داخل الحركة الطلابية.

3 – موقف الإستيلاء على الجهاز بأقلية و ذلك لمراقبة تحركات الإصلاحية.
أما موقف تنظيمنا فكان يرى الاستيلاء على الجهاز، هذا الموقف الذي تبلور في ندوة لتنظيمنا في القطاع الطلابي التي عقدت لتحديد دور الحركة الطلابية كمفجر للتناقضات بين الحكم و الجماهير الشعبية على صعيد مشكل التعليم. فمن هذه الزاوية يصبح الجهاز مهما ليس في حد ذاته بل من أجل إزالة كل العوائق التي تمنعها من القيام بهذا الدور المطلوب خصوصا و أن القيادة المسيطرة عليه كانت تستعمل الجهاز كورقة ضغط في كل حوارها مع الحكم العميل لضرب نضالات الجماهير الطلابية.

و لقد طبع آخر السنة أساسا – في غياب و انعدام الممارسة النضالية بعد المعركة - باشتداد الصراع الإيديولوجي و السياسي بين الإصلاحية و اليسار الثوري حيث ظهرت الملصقات و المناقشات الجماعية كشكل جديد و أسلوب يومي متواصل ساعد من جديد على فضح الفكر البرجوازي الصغير و طرح البديل الثوري الشيء الذي سيكون له أثر كبير في المراحل التالية. فنهاية السنة كان يغلب عليها الطابع الدعائي و التحريضي إذا استثنينا منها نضال الانتخابات في آخر السنة في كلية الآداب و المقاطعة الناجحة في كل من كليتي العلوم و الحقوق.

هكذا انتهت هذه المرحلة من تاريخ الحركة الطلابية في نهوضها الجديد و اليسار يرسي قواعده داخلها رغم غياب الخط السياسي السديد و تبقى هذه المرحلة –رغم سلبياتها المتعددة - ذات دور كبير على مستقبل الحركة الطلابية، حيث ساعدت بشكل مهم على انتشار الفكر الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية الشيء الذي سيؤدي بدوره إلى لفظ الإصلاحية شيئا فشيئا عن الحركة الطلابية فكانت هذه المرحلة بمثابة بناء بعض الأسس للتبلور والانطلاقة التي ستعرفها الحركة الطلابية في المرحلة الثانية.

ثالثا: مرحلة التبلور والانطلاقة:

لقد ساهمت المرحلة اللاحقة من تاريخ الحركة الطلابية بشكل كبير في بلورة الفكر الثوري داخل القطاع الطلابي و وضع بعض الأسس التي ستنهض عليها الحركة الطلابية. فالتبلور يعني تبلور الخط السياسي الذي أخذ يتكامل خصوصا بعد هزة 10 يوليوز 1971. و الانطلاقة تعني انطلاقة الحركة الجماهيرية و ضمنها الحركة الطلابية، فالتبلور و الانطلاقة هما نفس المفهوم بحكم الجدلية التي تربط بينهما.

أ ـ لقد تميزت هذه المرحلة بالأزمة الخانقة التي وصل إليها النظام خصوصا بعد محاولة 10 يوليوز الانقلابية التي أظهرت عمق التناقضات التي تنخر النظام و التي اتخذت في الصخيرات شكل انفجار دموي عنيف. فحتى تلك اللحظة كان الجيش بالنسبة للنظام هو المؤسسة القمعية الرئيسية التي يستند عليها. و هكذا وجد النظام نفسه بعد الصخيرات يفتقد هذه المؤسسة، ركيزته الأساسية و عموده الفقري. لقد خرج الحكم من أحداث الصخيرات مفكك القوى و هو في أشد الحاجة إلى مساندة سياسية قوية لاستعادة بناء وتنظيم جهازه القمعي، و استرجاع أنفاسه. فدخل الحكم الرجعي في مناورات سياسية مع القوى الإصلاحية المجتمعة في إطار الكتلة الوطنية، هذه القوى التي كانت تنتظر مثل هذه الفرص للاستفادة من أزمة الحكم بسبب عزلتها عن الحركة الجماهيرية، و فشلها تاريخيا، بطبيعتها البورجوازية الصغيرة، في تجاوز أزمتها و تبنيها لاستراتيجية الانتظار و المساومة في وقت كانت فيه طبقتنا العاملة تخوض أكبر نضالاتها النقابية بعد الاستقلال الشكلي، تلك النضالات التي انطلقت متجاوزة قيود البيروقراطية النقابية، وضاربة عرض الحائط الحملة الديماغوجية التي بدأها الحكم مباشرة بعد الصخيرات لتجميد الحركة الجماهيرية، كما تجندت حركة الشبيبة للنضال في أعنف معاركها منذ مارس 1965 مما عمق أزمة الحكم و تشكل إدانة صارمة لمساومات الاصلاحية. فكان من واجب الحركة الماركسية اللينينية خوض النضال الجماهيري لإفشال مخططات الحكم للالتقاء مع القوى البرجوازية و الدفع بحركة الجماهير في طريق النضال من أجل تعميق أزمة الحكم و عزله.

و نظرا للبنية البرجوازية الصغيرة و ارتكازه أساسا على الطلبة و المثقفين، و في ظروف تنامي الحركة الجماهيرية الجديد و الوضع السياسي العام، وجد التنظيم نفسه في طريق مسدود. فجاء انعقاد الندوة الوطنية في بداية يناير لترسى الأسس السياسية و التنظيمية لمرحلة جديدة، و رغم السلبيات العديدة التي فاجأت اللجنة الوطنية، فقد شكلت قفزة هامة نحو تنظيم ثوري و سجلت اندحار المفاهيم الاصلاحية و توطيد الخط الجماهيري و انبثاق مثقفين بروليتاريين الشيء الذي شكل بداية التحول الطبقي داخل التنظيم. كما سجلت هذه الندوة خطوة مهمة في درب التوحيد بين اليسار الثوري الشيء الذي سيكون له دور حاسم في الفترة المقبلة.

و في ظل الشروط الجديدة أخذ تنظيمنا داخل القطاع الطلابي يتهيكل طبقا للتوجيهات الجديدة للندوة الوطنية حيث فرضت قيادة القطاع الطلابي الذي أصبح مباشرة تابعا لقيادة التنظيم عوض الناحية التي كانت تعاني من صعوبات كثيرة، فتم ضرب كل الهياكل السابقة الشكلية مثل مجلس التنسيق و مجلس الأطر –كما تم تطعيم التنظيم – خصوصا داخل المعركة التي سنخوض غمارها – بمناضلين جدد أثبتوا نضاليتهم في المرحلة الأولى في النشوء الجديد للحركة الطلابية، هذه الدماء الجديدة التي سيكون لها دور مهم في بناء النضال المرير الذي ستشهده الساحة الطلابية.

كما تم بناء الجبهة على أسس صلبة أكثر من السابق خصوصا بعد حل الخلاف الذي كان داخل اليسار حولها فأصبحت بالفعل تنظيما شبه جماهيري تحت قيادة و تأطير اليسار. ولقد ساعد وضوح الخط السياسي كثيرا على ذلك. نتج عن كل هذا تطوير الجبهة و المناضلين حيث تم توسيعها و وصلت في ظروف المعركة الجديدة مرحلة عالية من ديناميتها وتطورها نتيجة تطور العمل الدعائي المكثف في كل المعاهد و الكليات الرئيسية. هذه هي الشروط التي مهدت للانطلاقة الجماهيرية في القطاع الطلابي، زيادة على شروط أخرى ساهم الحكم بنصيب وافر فيها نذكر من بينها النظام الجديد للبكالوريا الذي أثار سخط جماهير التلاميذ حيث لمسوا فيه بجلاء الأعباء السياسية التي يرمي إليها إقرار تعليم نخبوي محض بالحكم على مئات التلاميذ بالطرد المقنن. فانطلقت النضالات الأولى من مرحلة أكتوبر – يناير والتي شهدت نضالات محدودة على شكل 48 ساعة متتابعة تفاديا للخطأ الجسيم الذي أسقطتنا فيه الاصلاحية في المعركة السابقة و لقد استفاد التنظيم من هذه النضالات المحدودة لبناء الجبهة و تطويرها استعدادا للمعركة الكبرى، كما عرف التنظيم نفسه بناء متقدما داخل هذه المعارك حيث كان بالفعل طليعة و قائدا لها.

ب ـ و مع انطلاق الحركة الجماهيرية عرف تنظيمنا بداية القمع المسلط عليه منذ نهاية يناير و ذلك نتيجة للنضال السياسي و الإيديولوجي الذي بدأ التنظيم يباشره علنا منذ نشأته، الشيء الذي جعل مجموعة من الرفاق معرضين لهذا القمع نظرا لمساهمتهم الواسعة فيه.

رغم أن حملة القمع هذه استطاعت أن تؤثر على التنظيم فإنها لم تستطع أن تشل المعركة الكبرى، معركة فبراير – مارس المجيدة بل كانت من الدوافع التي زادت من تأجيجها، و كعادتها سارعت الاصلاحية إلى لعب دورها التقليدي، دور رجل الإطفاء الذي يطفئ النضالات الملتهبة. لكن رغم محاولتها المتواصلة، فإنها لم تستطع إجهاض المعركة. فشعارنا السياسي الذي رفعناه في تلك المرحلة و النضال الذي رافقه استطاع أن يضرب كل هذه المحاولات من الأساس حيث شكلت هذه النضالات الخطوة الأولى في ضرب الحوار الذي كان آنذاك جاريا بين الحكم و الأحزاب الاصلاحية.

و لقد تشكل تبني القاعدة الطلابية للشعار السياسي هذا أول ضربة للإصلاحية التي تقلصت من المعركة مما شكل بالنسبة لنا انتصارا جديدا للخط السياسي الذي بدأ يتبلور في هذه المرحلة. فلقد استطاع شعارنا السياسي هذا أن يضرب الشعار النقابي التي حاولت القيادة الاصلاحية للمنظمة الطلابية فرضه على القاعدة الطلابية بمناورتها المعهودة، الشيء الذي يؤكد بالفعل أن اليسار الماركسي اللينيني كان هو القيادة السياسية للحركة الطلابية. و لقد تعددت محاولات الإصلاحية لإجهاض المعركة خصوصا بعد فشل الحوار مع الحكم، و بعد معركة الدستور التي ساهمت الحركة الطلابية بنصيب وافر في إفشاله، إلا أنها كسابقاتها باءت بالفشل.
ج ـ و نظرا للأهمية التي اكتسبتها هذه المعركة البطولية في تاريخ الحركة الطلابية، و نظرا للأساليب الجديدة التي ابتكرتها الحركة الطلابية مع مظاهرات كبيرة و أساليب دعائية جديدة، فإن هذه المعركة تستلزم منا أكثر من وقفة نقدية لاستخلاص أهم دروسها. فلقد أثبتت هذه المعركة النضالية بشكل واضح صحة الدور الذي كنا – و ما زلنا - نسنده للحركة الطلابية في مسيرة الحركة الطلابية الجماهيرية، فالحركة الطلابية في تلك المرحلة لعبت بالفعل دور المفجر للتناقضات بين الحكم والجماهير على صعيد مشكل التعليم باعتباره إحدى واجهات التناقض الأساسي بين الحكم و الجماهير و بارتباط وثيق مع حركة التلاميذ البطولية، وهذا لا يعني أن الحركة الطلابية ستقوم بدور الجماهير في تحطيم النظام، فهذه مهمة القوى الجذرية في المجتمع المؤهلة تاريخيا للقيام بهذا الدور (العمال والفلاحون الفقراء). إلا أن الحركة الطلابية في ظل غياب الحزب الثوري الذي سيقود الجماهير في إنجاز تلك المهمة، تشكل فئة طليعية من حركة الجماهير بجانب حركة التلاميذ و إفراز مناضلين ثوريين سيؤدون مهمتهم بجانب الجماهير الشعبية في بلورة الحزب الثوري قائد الثورة. و يتجلى هذا بشكل واضح في كون الحركة الطلابية قد تمكنت – في معركتها هذه - و عبر التحامها بحركة التلاميذ من تعميق أزمة الحكم و إحباط مخططه الرامي إلى ضم القوى السياسية البرجوازية إليه للخروج من أزمته كما أنها تمكنت بنضالها المجيد من إيصال وعيها بالوضع السياسي إلى جزء من الجماهير الشعبية، هكذا – أيضا - فإن رفع الشعار السياسي في المعركة يساعد على ضرب الخط النقابي الضيق الذي كانت تتشبت به الاصلاحية، حيث عجزت عن فرض شعاراتها الاصلاحية النقابية، بعد أن عجزت عن اجهاضها هادفة من وراء ذلك إلى استعمال الحركة الطلابية كورقة ضغط في الحوار الذي كان يجري آنذاك، و قد أثبتت المعركة بشكل قاطع أن النضال السياسي هو أمر حاسم بالنسبة للنضال النقابي نفسه، لأن تعزيز مركز النقابة في مواجهة مخططات الحكم التصفوية سيقوي مركزها في أي نضال مطلبي و يعطيها حماية الجماهير الطلابية. و هذا ما كان يخدمه شعارنا أيضا. إلا أن النضال السياسي يجب أن يرتبط بعمل كثيف و واسع من أجل تسييس الجماهير الطلابية، تلك المهمة التي طرحناها و لم نستطع أن نخلق الأشكال المتطورة التي تضمن تسييسا أوسع للقواعد الطلابية، و ذلك باستغلال كل الإمكانيات الموجودة و خلق أشكال أخرى مثل (الندوات، الحلقات، أجهزة المنظمة الطلابية).

هناك دروس أخرى تتعلق بأشكال النضال التي بلورتها المعركة السابقة، وهنا كذلك يجب تسجيل عدم قدرة استيعاب كل الطاقات النضالية للحركة الطلابية. فلقد تم تطوير المظاهرات بشكل جماهيري ولكن ظل ينقصنا التأطير و التنظيم و ذلك رغم إحداثنا للجان الصدام و لجان الأخبار و لجن القيادة. فكانت مبادرة الجماهير تتجاوزنا. و لم نستطع أن ننظم العنف الذي واجهت به الجماهير الطلابية عنف قوات القمع و لا أن نكون طليعته فكانت هناك محاولة لتنظيم هذا العنف إلا أنها كانت فاشلة لعزلتها عن التنظيم و لانعدام توجيه محكم في هذا المشكل. كما يجب أن نسجل كذلك عدم إمكانياتنا تحقيق بعض الشعارات التي رفعناها منذ نشأتنا داخل الحركة الطلابية من أجل ضمان التعبئة الدائمة للحركة الطلابية. فشعار الجامعة الموازية لم نستطع – و لو لفترة قصيرة - إنجازه خلال هذه المعركة، الشيء الذي ساعد على تسرب اليأس و السأم للطلبة بل وحتى لبعض المناضلين.
د ـ و في الأخير استطاعت الإصلاحية أن تجهض المعركة مستغلة تنازلات الحكم عن بعض المطالب التي رفعناها كإطلاق سراح المعتقلين من طلبة وتلاميذ و الاعتراف باستقلال الجامعة، و حق الوداديات للتلاميذ، الشيء الذي أعطى نفسا جديدا للإصلاحية و ساعدها على إجهاض المعركة بعقدها للتجمعات على صعيد كل كلية. و مباشرة بعد المعركة مع النظام، خضنا معركتنا الثانية مع الاصلاحية التي وصلت في هذه اللحظة إلى قمة إفلاسها نتيجة خيانتها – من جهة - و نتيجة التحول الموضوعي و الذاتي للحركة الطلابية بين المؤتمر 14 و بداية المؤتمر 15 حيث بدأت قاعدتها تشكل أساسا من ضحايا الاصلاحية و مؤامراتها العديدة بوصول أفواج عديدة من التلاميذ ضحايا مؤامرة إيفران إلى الجامعة، تسرعنا في خوض الانتخابات على صعيد الكليات (انتخابات التعاضديات) حيث شكلت انتخابات تعاضدية الحقوق نجاحا باهرا لممارستنا داخل الحركة الطلابية الشيء الذي شكل مقدمة لانتخابات المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
عرفت هذه الفترة بشكل أساسي انتصارا عظيما لليسار الثوري ببلادنا، فقد سجل المؤتمر 15 انتصارا للخط الثوري داخل الحركة الطلابية و اندحار الخط الإصلاحي في قيادة منظمة أ.و.ط.م. هذا الانتصار تتويج لسنتين من النضال المستميت لمناضلي اليسار الماركسي اللينيني داخل القطاع الطلابي. و لقد كانت التعبئة طوال أيام الانتخابات مهمة جدا عبرت عن اليقظة و الحماس الذي يتشبع بهم مناضلو اليسار الثوري. فبهذا الانتصار استجابت الحركة الطلابية لشعارها الخالد التي كانت ترفعه في كل مناسبة ضد الاصلاحية: "لا إصلاح لا رجعية قيادة ثورية". و في فترة الاستعداد للمؤتمر أي في فترة صياغة القرارات و البيانات السياسية للمؤتمر لم يكن هناك أي توجيه محكم يذكر من طرف التنظيم الذي انكمش على نفسه في صيف 72 نتيجة القمع الشديد الذي وجه إليه في فترة ماي – يونيو. فكان الاعتماد في هذه المهام على مبادرات بعض الرفاق في ظل انعدام التوجيه السياسي المحكم للتنظيم.

هـ ـ تبقى الخلاصة واضحة في هذه الفترة من تاريخ الحركة الطلابية. لقد تمكنت الحركة الطلابية من أن تلعب دورها السياسي العام و أن تكون بالفعل المفجر للتناقضات بين الحكم و الجماهير، إلا أن هذا التفجر لا نشترطه في الحركة الطلابية وحدها، بل يربطها بحركة التلاميذ و باقي الحركة الجماهيرية (مظاهرات المدن الصغيرة والكبيرة في نضالات 1972). أما فيما يخص شن النضال السياسي ضد النظام فلقد استطاعت الحركة الطلابية كذلك أن تثبته خصوصا في المرحلة التي كانت تتميز باللقاء السافر بين الحكم و الإصلاحية. و لم يستطع القمع إلا أن يعمق نضال الحركة الطلابية و يوسعه.

أما فيما يخص عملنا التنظيمي داخل القطاع الطلابي، فإن الفترة سجلت تكثيف العمل التحريضي و الدعائي، إلا أنه لم يكن هناك الطرف الجدلي للمسألة و نعني به التنظيم. فلقد ساعد القمع المسلط على هذه الوضعية، زيادة على عدم التوجيه المحكم الذي كان يعاني منه اليسار. فرغم أن المعركة قد أفرزت مناضلين مخلصين في هذه الفترة، لم نستفد تنظيميا منهم، باستيعابهم و هذا ما يشكل إحدى مظاهر الضعف الأساسية لازمة تنظيمنا في المرحلة المقبلة.

لماذا الجهاز؟

والآن بعد أن رفعتنا الحركة الطلابية إلى قيادة المنظمة بعد المؤتمر 15، و بعد حل هذه المنظمة من طرف الحكم العميل، في يناير 1973، فإنه من الضروري أن نعيد تقييمنا لاستيلائنا على الجهاز. هل كان موقفا خاطئا سقط فيه اليسار و بالتالي سبب في ضياع النقابة المناضلة (أ.و.ط.م) و ساهم في تشريد الحركة الطلابية (كما يدعي المنشقون عن تنظيم "ب"). أم هناك ظروف سياسية أخرى غير تلك التي عرفتها الحركة الطلابية في المراحل السابقة؟.

نستطيع الآن أن نجزم بصحة موقفنا من الاستيلاء على الجهاز الطلابي، هذا الموقف الذي لم تزده الخلافات السياسية داخل الحركة الماركسية اللينينية إلا وضوحا و رسوخا. فلقد كان شعار اليسار الماركسي اللينيني منذ انبثاقه داخل الحركة الطلابية هو: (لا إصلاح لا رجعية، قيادة ثورية)، و مع عملنا الدؤوب داخل القطاع الطلابي و خيانات الإصلاحية المتكررة، استطاعت القاعدة الطلابية أن تتبنى هذا الشعار و يصبح شعارها الأساسي لمواجهة التحركات الإصلاحية. و في مرحلة 1972 و مع اشتعال النضالات الكبرى في فبراير مارس، كان اليسار الماركسي اللينيني هو القيادة السياسية للحركة الطلابية في الوقت الذي كانت فيه الإصلاحية هي القيادة الرسمية التي طالما استعملت الجهاز كورقة ضغط على الحكم خلال مساوماتها المتعددة معه. فجاءت انتخابات المؤتمر 15 التي برهنت من جديد على التأييد الذي كانت الجماهير الطلابية تحيطنا به كما تبرهن على ذلك نتائجها، كان المطروح في هذه الفترة الدقيقة أمرين لا ثالث لهما، إما إعطاء للإصلاحية فرصة جديدة للبقاء على حساب الحركة الجماهيرية في الوقت التي لفظتها فيه و بالتالي إعطاؤها فرصة أخرى للمساومة على ظهر النضالات الجماهيرية، و إما ممارسة القناعات التي اتفقت عليها الحركة الطلابية و من ورائها حركة التلاميذ التي كانت تعاني من ويلات القيادات الاصلاحية، فكان الموقف الصحيح بالنسبة لنا هو عدم التملص من هذه المهمة التي ألقتها على عاتقنا الحركة الطلابية بحكم عملنا النضالي داخلها. من جهة ثانية، ليس الاستيلاء على الجهاز انتصارا في حد ذاته، بل أن المهام الصعبة جاءت بعد الاستيلاء عليه، و لقد كان المطروح هو تثوير هذا الجهاز الذي تربى و تطور كجهاز بيروقراطي على امتداد 16 سنة. على هذا المستوى يبرز الخلاف الثاني بين منظمتنا ورفاق "ب". فالجهاز لا ينظر إليه في حد ذاته بل كوسيلة لإعطاء الحركة الطلابية دورها الكامل كمفجر للتناقضات بين الحكم و الجماهير في هذه المرحلة بارتباط وثيق بحركة التلاميذ. في حين أن رفاق "ب" يرون أن الجهاز بريء في حد ذاته، أي إذا كانت قيادة ثورية، فسيصبح بحكم ذلك جهازا ثوريا، إلا أن ممارسة "ب" داخل الجهاز عبرت بما لا يدع الشك في ذلك عن فهمهم للجهاز بتركيز علاقات بيروقراطية مع الجماهير الطلابية و ترك الجهاز كما هو.

من جهة ثالثة يرى رفاق منظمة "ب" أن استيلائنا على الجهاز قد وسع من حملة القمع التي شنها الحكم الرجعي على اليسار الماركسي اللينيني. لذا يجب أن نؤكد من جديد أن القمع ليس بجديد على الحركة الطلابية و لا على الحركة الماركسية اللينينية، فلقد استهدفت هذه إلى أخطر هجمة قمعية عرفتها منذ وجودها و هي بعيدة كل البعد عن النقابة و قيادتها الشيء الذي يؤكد أن القمع ليس رهين استيلائنا عليه، بل أن القمع رهين بمدى النضال الذي نخوضه ضد العدو. فإذا كان هذا النضال متصاعدا فإن القمع بدوره سيتصاعد، إذ كيف يعقل أن يتفرج الحكم على الحركة الماركسية اللينينية و هي تزرع البذور الأولى التي ستقضي عليه. نظرا لكل هذا فإن الاستيلاء على قيادة المنظمة الطلابية لم يكن هو السبب في حلها و ضرب الحركة الطلابية، بل أن تطور الوضع السياسي بعد 16 غشت و الذي اتضح فيه أن النظام يجب أن ينهج الطريق الفاشي للقضاء على أي تحرك مهما كان بسيطا، و في عدم قدرتنا على توفير الشروط الذاتية لمواجهة هجمة الحكم و من انعدام بناء تنظيمنا بناء صلبا، و في انعدام الجبهة كتنظيم شبه جماهيري يشكل وسيلتنا في نضالنا الجماهيري، و في تركنا للميدان الإصلاحي داخل الجهاز الطلابي. تلك هي شروط حل المنظمة الطلابية و إجهاض بعض المكتسبات للحركة الطلابية خلال حملة هجوم العدو المضاد التالية و التي لم نستطع تقديرها تقديرا كاملا.

رابعا: مرحلة هجوم العدو المضاد:

أ ـ فوجئت الحركة الطلابية و المؤتمر 15 لأ.و.ط.م. في بداية أشغاله، بالهزة الجديدة التي تعرض لها الحكم في بلادنا على يد أقرب الأقربين إليه، هذه الهزة التي أفقدت الحكم توازنه مرة ثانية وكشفت عن مبلغ التناقضات التي تنخر الطبقة الحاكمة و ذلك بعد مرور سنة فقط على 10 يوليوز 1971. كما كشفت محاولة 16 غشت 1972 على مبلغ التناقضات بين الإمبريالية الأمريكية و الفرنسية. و أمام تصاعد الحركة الجماهيرية و رغبتها الجسيمة في إسقاط النظام، لم يبق لحكم سماسرة الإمبريالية إلا طريقا واحدا، ألا وهو إحكام قبضته على الجماهير الشعبية و سن الطريق الفاشستي للقضاء على مقوماتها الليبرالية و التصالح الوطني و إلى مناورته التي تمكنه من استرجاع قواته و استرجاع أنفاسه لضرب الحركة الجماهيرية و ضمنها الحركة الطلابية. فمباشرة بعد المؤتمر 15 لأ.و.ط.م. الذي شكل انتصارا للخط الثوري الماركسي اللينيني و اندحار الخط الإصلاحي في قيادة المنظمة الطلابية (أ.و.ط.م) سارع الحكم في ضرب قيادة أ.و.ط.م، و تصعيد مخططاته التصفوية ضد الحركة الطلابية المناضلة في ظرف لم تكن فيه شروطنا الذاتية و الموضوعية و كذلك الحركة الطلابية لتؤهلنا للرد على استفزاز الحكم، هذا الذي كان يرمي إلى الدفع بالحركة الطلابية للدخول في معركة انعدمت فيها الشروط الموضوعية و الذاتية، إلا أن الحركة الماركسية اللينينية التي استطاعت في الأخير أن تدرك مغزى هذا الاستفزاز فوتت على الحكم في تلك الفترة تطبيق المخطط الذي كان يرمي إليه.
هذه الفترة كلها كانت فترة نمو من تاريخ الحركة الطلابية، و التنظيم في شبه غيبة عن الحركة الطلابية فلا توجيه محكم و لا لتكتيكات العدو. و ذلك راجع إلى الانكماش الذي أصابه في الصيف الماضي نتيجة القمع الشديد الذي تعرض له. و لقد كان استفزاز الحكم هذا، عاملا أساسيا في الدفع بالتنظيم إلى تجاوز الانكماش و إلى استيعاب الخصائص الجديدة للوضع الراهن، و الدفع بعملية توحيد الحركة الماركسية اللينينية في مواجهة المخططات التصفوية للحكم العميل. فكانت بذلك انطلاقة التنظيم في القطاع الطلابي بعد فترة من الجمود دامت طوال الصيف حتى أكتوبر. و كانت الندوة الطلابية التي عقدت في أوائل أكتوبر (حضرها ممثل عن رفاق "ب") تجسيدا لعملية التوحيد التي دخلناها بحماس. شكلت هذه الندوة بداية لزوال الغموض الذي كان يسيطر على رفاقنا الذين وجدوا أنفسهم مع انعدام التوجيه في ظل الوضعية الراهنة في طريق مسدود، لكن هذه الندوة سجلت استعادة الثقة و الحماس لجميع رفاق التنظيم، و شعورهم بالمرحلة الجديدة التي يدخلها اليسار الثوري و الحركة الطلابية. و لقد كانت الندوة عاملا مهما لدراسة تجربتنا داخل القطاع الطلابي منذ نشأة اليسار و تهيئ الطريق للمرحلة المقبلة. كما أنها ناقشت مشكل الجهاز و الأعباء التي يطرحها و بعض الممارسة الخاطئة لنا فيه بعد أشهر قلائل من استيلائنا عليه. إلا أن التوجيهات التي طرحت هناك لم تتعد بعض الاقتراحات التي لم تدخل أبدا في حيز التطبيق.

كما زاد بيان التوحيد في أكتوبر و الذي أطلعنا عليه في هذه الندوة من توضيح الوضع السياسي الراهن و بعض المهام المستعملة للحركة الماركسية اللينينية في القطاع الطلابي. و كانت الخلاصات واضحة لبناء التنظيم و الجبهة و المنظمة كحل للمشاكل التي كنا نتخبط فيها.

ب ـ غير أن استفزاز الحكم لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى مراحل عليا من تكتيكه المبني على الاستفزاز و التشتيت. حيث جاء الهجوم على المدارس التقنية الذي لم يكن يوازي شكل النضال الذي قام به الطلبة في هذه المدارس و الذي كان الغرض منه هو تخويف الحركة الطلابية ليتم له إخضاعها فيما بعد. و بعد هذا الهجوم جاء الهجوم على كلية الآداب و الأحياء الجامعية، هذا الهجوم الذي بين الاستفادة الكبيرة للحكم من مخططات الامبريالية القمعية.

و خلال هذا الهجوم المتوالي كان تكتيكنا دفاعيا محضا (إضراب 48-24 س) هذا التكتيك الذي كنا نهدف منه المراهنة على شيئين اثنين:

- بناء التنظيمات القاعدية سواء منها تنظيمات الجبهة أو المنظمة الطلابية؛
-
المراهنة على حركة التلاميذ في دخولها المقبل للنضال لفك الحصار على المنظمة الطلابية.

1 – فيما يخص النقطة الأولى، رغم التوجيه الذي سجلناه في الندوة حول القطاع الطلابي لبناء التنظيم بناء صلبا و متينا يضمن قيادة الجبهة و الحركة الطلابية، كانت الخطوات العملية ضئيلة جدا إذا لم نقل منعدمة.

فرغم التقدم الهائل الذي حققناه على مستوى الخط السياسي، لم يقابله الطرف الجدلي أي بناء التنظيم. فقد كان هذا الأخير مقتصرا على بعض الرفاق، جلهم منغمسين في أعمال الجهاز الجديد التي أرهقت كاهلهم. كذلك انعدمت قيادة صلبة للقطاع الطلابي في هذه الفترة حيث لم يكن المكتب الطلابي يجتمع و ذلك رغم إلحاح القيادة المتكرر. و بطبيعة الحال ففي ظل انعدام توجيه في قيادة القطاع، كان من الضروري أن تنعكس نفس الممارسة على الخلايا التي لم تكن تجتمع و لم يكن لها أي عمل يذكر لتنظيم الحركة الطلابية.

أما الجبهة فقد كانت في هذه الفترة كذلك في غياب قيادة موحدة، و خط سياسي محكم. ففي بداية السنة و مع حدود بيان التوحيد سطرنا مهامنا العاجلة في هذه المرحلة: بناء قيادة صلبة للجبهة، بناء الجبهة الأساسية الخ ... و تم تحديد هذه القيادة بالفعل، إلا أنها عبرت بالفعل عن إفلاسها حيث لم تجتمع و لو مرة واحدة بكامل أعضائها و تحولت في الأخير إلى مجرد تنسيق بين التنظيمين، أي إلى عكس ما كان يطلب منها، و بالتالي باءت بالفشل الذريع كل البرامج التي سطرت.

لقد كان لممارسة "ب" في هذه المرحلة الأثر الكبير على إفلاس هذه المشاريع، إلا أن ذلك راجع أساسا كذلك لنا حيث كنا نسقط معهم مرات عديدة في المجاملات المفضوحة و التوفيقية المحضة. و من الطبيعي أن تعاني قاعدة الجبهة من نفس المرض، فإلى حدود حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لم يكن إلا لجان قليلة تجتمع بل أكثر من ذلك هو أن هناك كليات (الحقوق والعلوم) لم تشهد بناء لجانها الأساسية و القاعدية إلا بعد حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بكثير.

فيما يخص المنظمة الطلابية، لقد دخل رفاقنا إليها بعد المؤتمر 15 في بحر من المسؤوليات التي يطرحها الجهاز دون أي توجيه و في غياب قيادة صلبة فغرقوا في بحر هذه المسؤوليات رغم التوجيه الذي سجلناه في ندوة الحركة الطلابية حول تحويل الجهاز من جهاز بيروقراطي إلى جهاز ثوري، إلا أن هذا التوجيه لم نستوعبه و الذي طالما اعترضته ممارسات رفاق "ب" داخل الجهاز.

تبقى الخلاصة واضحة وهي أنه على الصعيد التنظيمي لم نحقق أي تقدم يذكر رغم تأجيلنا للمعركة من أجل ذلك.

2 – أما المراهنة على الدخول المقبل لحركة التلاميذ في المعركة فلا يعدو تفكيرا ميكانيكيا في حد ذاته في غياب الشروط الذاتية و الموضوعية لهذا النضال.

لهذا لما هجم الحكم على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و على الحركة الطلابية وجدنا أنفسنا في نقطة البداية. فلا التنظيم تقوى و لا الجبهة بنيت و لا النقابة تدعمت، فكنا في موقف ضعف خطير، و ما الإضراب اللامحدود الذي أعلنا عنه إلا ردا دفاعيا على مخطط الحكم الذي كان إلى تلك الفترة يملك زمام المبادرة رغم ذلك استطاعت الحركة الطلابية أن تصمد صمودا رائعا أمام الهجمة الشرسة للحكم العميل و مخططاته أكثر من أسبوع. إلا أن الضربة كانت أكثر من أن تتحملها الحركة الطلابية التي تعاني من مثل هذا الضعف الخطير. و رغم استئناف الدراسة، لم تخضع الحركة الطلابية للأمر الواقع، بل ناضلت نضالا متقطعا للتعبير عن تشبثها بأ.و.ط.م. كان أعظم هذه النضالات نضال الحركة الطلابية الشامل في 23 مارس و خروجها بعد ذلك في مسيرة العمال بمناسبة فاتح ماي رغم مقولة (الردة اليمينية) داخل الحركة الجماهيرية التي تروجها منظمة "ب".

ج ـ كان فشلنا في هذه المعركة بمثابة ناقوس خطر بالنسبة للمستقبل إذا ما نحن استمررنا على نفس الوضع، فكان شعار الصمود و الارتباط بالجماهير كرد فعل لنا على هذه الوضعية التي بدا فيها فصيل من اليسار يغادر ساحة النضال، و بدأنا بالفعل في بناء تنظيماتنا القاعدية حيث أخذ التنظيم كذلك يعرف تقدما نسبيا في القطاع الطلابي مسترشدا بالعدد الأول من الشيوعي و من تقرير (عشرة أشهر من كفاح التنظيم: نقد ونقد ذاتي).

و مع تطور الوضع السياسي و استبداد حملة القمع الفاشستية على الصعيد الوطني (هذه الحملة التي أظهرت إصرار الحكم في بناء جهازه القمعي للقضاء على كل تحرك ديموقراطي) و بعد حركة 3 مارس البلانكية أخذت بعض الأفكار الخاطئة و الانهزامية تروج داخل الحركة الماركسية اللينينية تبشر بردة يمينية داخل الحركة الجماهيرية. و تطرح التراجع أمام حملة الحكم الفاشستية. و لقد زادت هذه الأفكار في بث روح الانهزامية داخل صفوف المناضلين الصامدين في هذا الظرف الدقيق من تاريخ الحركة الجماهيرية. إلا أن الوثيقة التي أصدرها تنظيمنا (الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية) استطاعت أن تضع حدا لمثل هذه الأفكار، و تطرح المهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية بكل وضوح الشيء الذي أغاض رفاق "ب" و دفعهم لشن حملة مغرضة على تنظيمنا دون أن تكون لهم الشجاعة لإبداء آرائهم بوضوح حول الوضعية السياسية الراهنة و المهام المطروحة.

ولقد تلخصت آرائهم أول الأمر في أن الحركة الطلابية قد وصلت أوج نضالها بطرحها للشعار السياسي، فآفاق المستقبل مسدود أمامها نظرا لكونها قطاعا بورجوازيا صغيرا. فالمهام العاجلة تطرح علينا –يقول رفاق 23 مارس- الانسحاب من القطاعات البرجوازية الصغرى لكونها مصدر الشرور التي لحقت باليسار الثوري و الذهاب إلى الطبقة العاملة و لها وحدها. و لقد استمر الصراع ليكشف في الأخير عن تناقضات أساسية تعدت الحركة الطلابية إلى مشاكل الثورة المغربية (الحزب – الاستراتيجية) إلا أننا في هذه الوثيقة سنكتفي بالرد على بعض الأفكار الخاطئة المتعلقة بالقطاع الطلابي.

خامسا: أهدافنا داخل الحركة الطلابية:

منذ نشأتنا داخل الحركة الطلابية و نحن في صراع مستميت مع الإصلاحية و التحريفية حول الحركة الطلابية و دورها، ففي الوقت الذي كنا ننادي فيه بكون الحركة الطلابية هي مقدمة تكتيكية للحركة الجماهيرية، كانت الإصلاحية تتهمنا باليسارية و ارتكازنا على الحركة الطلابية لقلب النظام بدل الطبقة العاملة و القوى الجذرية في المجتمع، كل هذا لكبح نضالات الحركة الطلابية و تلطيفها و إبعادها عن النضال السياسي و إسقاطها في النقابية الضيقة. إلا أن نضالات السنوات الماضية برز فيها بشكل لا يدع مجالا للشك، الدور الذي كنا نسنده للحركة الطلابية في مسيرة الحركة الجماهيرية، أي الحركة الطلابية كمفجر للتناقضات بين الحكم و الجماهير في مواجهة مشكل التعليم باعتباره إحدى واجهات التناقض بين الحكم و الجماهير. و الآن نفس الصراع آخذ يتعمق و لكن داخل اليسار الماركسي اللينيني بين من لا يزالون حاملون لنفس الفكرة و من انسحبوا من هذا القطاع من جهة و طارحين شعارا ديماغوجيا حتى يكون انسحابهم مبنيا على أساس نظري متين.

حقا أن القطاع الطلابي قطاع برجوازي صغير، و هذا ما سجلناه دائما في تحاليلنا، إلا أنه لا يكفي تسجيل هذه المقولة فقط. إن القطاع الطلابي برجوازي صغير، إلا أنه يخالف كل القطاعات البرجوازية الصغيرة كالمعلمين و الموظفين الصغار، بحكم شروط خاصة به، وهذا ما أظهرته السنوات الماضية عبر النضال المستميت لهذا القطاع. فالتحول الجذري الذي طرأ على القطاع الطلابي منذ 1969 و ذلك بوصول عدد كبير من أبناء الجماهير الكادحة من عمال و فلاحين، هذا الدم الجديد الذي يحمل كل الويلات التي يعاني منها الشعب الكادح من فقر و جهل و تشريد. و بالتالي يجعله المعبر الأمين عن المشاكل التي يعاني منها الشعب المغربي. كما أن القطاع الطلابي، بخلاف القطاعات البرجوازية الصغيرة الأخرى هو قطاع دينامي و حيوي، تتضارب فيه مختلف التيارات السياسية و الإيديولوجية و ينتشر فيه الفكر الثوري انتشارا يخيف الحكم العميل زيادة على ذلك فإن الحركة الطلابية أصبحت، خصوصا في ظل المرحلة الجديدة التي تتسم بتواجد اليسار الماركسي اللينيني داخلها بشكل رئيسي بعد سنوات النضال ضد الفكر الإصلاحي و التحريفي، أصبحت حركة مهمة في تفجير التناقضات بين الحكم و الجماهير. فالحركة الطلابية نتيجة لكل هذا تخالف كل قطاعات البرجوازية الصغيرة الأخرى، عكس ما يريد رفاق "ب" ادعاءه. تبقى كل التبريرات التي يطرحها رفاق "ب" في هذا العدد مجرد ديماغوجية كتلك التي طرحوها غداة دخولهم في الخط الداخلي لمنظمتهم في 1971. 

أ ـ لقد شكلت الحركة الطلابية بالتحامها مع حركة التلاميذ المقدمة التكتيكية للحركة الجماهيرية مرحليا. و إن المعارك التي خاضتها الشبيبة المدرسية منذ سنة 1970، و خاصة نضالاتها المجيدة في سنة 1972 أثبتت بشكل قاطع صحة الدور الذي كنا – و ما زلنا - نسنده للحركة الطلابية في شن النضال السياسي ضد النظام، إن ذلك يتجلى بشكل واضح في كون الحركة الطلابية قد تمكنت و عبر التحامها بحركة التلاميذ من تعميق أزمة الحكم و إحكام عزلته، و إفشال المفاوضات التي كانت جارية بينه و بين قوى اليمين الإصلاحية. كما تمكنت عبر نضالياتها و شنها للمظاهرات المشهورة في سجل الحركة الطلابية في المدن و القرى من إيصال وعيها بالوضع السياسي إلى جزء مهم من الجماهير الشعبية.

فمن كان يجهل المشاكل التي كانت تناضل من أجلها الحركة الطلابية و حركة التلاميذ، و من كان يجهل القمع الجهنمي الذي قابل به الحكم هذه النضالات. بل هناك مظاهرات شاركت فيها الجماهير الشعبية لتعبر بنفسها عن السخط الذي تكنه للنظام المتعفن و عن تضامنها مع الحركة الطلابية.

هكذا تكون الحركة الطلابية بالتحامها مع حركة التلاميذ قد لعبت دورها كمقدمة تكتيكية للحركة الجماهيرية، و من حقنا كذلك أن نطرح هذا السؤال: هل في تلك الفترة كانت الحركة الطلابية بروليتارية؟ ثم ما يمنع الحركة الطلابية من مواصلة لعبها لهذا الدور في غياب الأداة الثورية؟ حقا أن هناك ظروفا سياسية جديدة على الساحة الوطنية. إلا أن هذه الوضعية لا تدفعنا إلى التراجع والتخلي عن النضال. خصوصا و أن نفس المشاكل و نفس السياسة ما زالت مطبقة على القطاع الطلابي إذا لم يكن تواجد البوليس سيزيد من استفحالها. فنفس الشروط الموضوعية لا تزال موجودة و لا تنقصنا إلا الشروط الذاتية التي من واجب الحركة الثورية أن توفرها عبر نضالها المستميت. و من هنا تأتي أهمية الشعار: الصمود و الالتحام بالجماهير. فلا صمود بدون الالتحام بالجماهير و لا التحام بالجماهير بدون صمود، فصمود الجماهير وحده هو القادر على إحباط مخططات العدو. أما صمود النخبة فهو التراجع بعينه مهما كانت التنظيرات المطروحة.

و لإزالة كل تشويش فإن أهدافنا داخل القطاع الطلابي ذات طبيعة تكتيكية كما أكدنا على ذلك مرارا، و لها أهميتها من زاوية التكتيك في مسيرة بناء الحزب الثوري البروليتاري و الدفع بحركة الجماهير الكادحة، فما كان للحركة الطلابية أن تنوب عن القوى الجذرية في المجتمع للقيام بالثورة.

إن عقدة المرحلة التاريخية هي بناء الحزب الثوري، و هذه المهمة لا تتسنى إلا بتطوير الحركة الجماهيرية و شن النضال السياسي ضد النظام من أجل إفراز الطليعة البروليتارية. وإذا ألقينا نظرة بسيطة إلى تاريخ الحركة الطلابية و خصوصا الثلاث سنوات الماضية في وجود اليسار داخلها، نرى مدى الدور الذي لعبته الحركة الطلابية بالتحامها مع حركة التلاميذ على هذه الواجهة.

ب ـ تأتي أهمية الحركة الطلابية كذلك من كونها مركز متقدم للصراع الايديولوجي:

فإذا كان الصراع الطبقي يجري داخل المجتمع بين المستغِلين و المستغَلين، فالحركة الطلابية مركز متقدم للصراع الإيديولوجي بحكم حيويتها، فيه تتصارع الإيديولوجية الرجعية و الثورية، الشيء الذي يضع على عاتق اليسار الثوري خصوصا في هذه المرحلة و الظروف التي يريد الحكم بث إيديولوجيته الرجعية داخل الحركة الجماهيرية، عبئا ثقيلا لنشر الفكر الثوري الماركسي اللينيني. من هذه الزاوية كذلك لا يجب أن نقتصر على دراسة مشاكل التعليم فقط بل يجب ربطها بقضايا شعبنا الكادح. و يجب كذلك دراسة الايديولوجية التي يرتكز عليها الحكم و طبيعته كنظام عميل للإمبريالية و لا يجب أن نغفل الثورة العربية و علاقتها مع الثورة المغربية. و إذا بدأنا في إنجاز هذه المهام بالكيفية التي نؤكد عليها، فلا شك أنها ستكون بداية عهد جديد لثورة ثقافية مصغرة داخل القطاع الطلابي.
ج ـ إن للحركة الطلابية بحكم المرحلة التاريخية الراهنة، دور مهم في نشأة و تربية شيوعيين داخل الحركة الطلابية، شيوعيين متمرسين على النضال و قادرين على القيام بمهامهم مع الجماهير الكادحة في ظل غياب أداة ثورية، متمرسين بالنضال الثوري داخل الحركة الطلابية و بصفة خاصة من أبناء العمال و الفلاحين. و نظرة بسيطة إلى أطر اليسار التي تقود مسيرة التجذر داخل الجماهير الشعبية تبرز أهمية ذلك.

سادسا: ما هي المهام العاجلة المطلوبة منا لتحقيق هذه الأهداف؟

هذه المهام منوطة بمنظمتنا أكثر من أي فصيل آخر من فصائل اليسار و لا يمكن أن ننجزها إلا إذا أعدنا تنظيم أنفسنا داخل هذا القطاع و على جميع الأصعدة ضمن التوجيه السياسي العام لمنظمتنا في هذه المرحلة:

1 – في مقدمة هذه المهام يأتي بناء التنظيم على أسس متينة انطلاقا من الدروس المستخلصة في"تقرير 20 نونبر" و شعار المرحلة بناء منظمة ثورية طليعية صلبة و راسخة جماهيريا. إذ يستحيل أن نتصور نهوضا جديدا للحركة الطلابية في ظل الوضع التنظيمي الذي كنا نعاني منه. يجب أن نحكم التنظيم إحكاما جديدا في الظروف الجديدة التي تعرفها الحركة الطلابية، و ضرب كل المسلكيات البرجوازية الصغيرة التي تعرقل عملنا، و لذا يجب على قيادة القطاع الطلابي و على كل رفيق الدخول في المرحلة الجديدة بحماس و ثقة لا يوازيها إلا إنجاز تلك المهام، يجب إحكام الخلايا، و تبني الخلايا المرشحة الدماء الجديدة للتنظيم و تتبع عملها بجد ونشاط.
2 – و يجب أن يكون في مقدمة عملنا هذه السنة بناء الجبهة بناء جديدا و متينا. يجب استيعاب مفهوم الجبهة كتنظيم ثوري شبه جماهيري تحت قيادة و تأطير اليسار. علينا كذلك أن ندرك المفهوم الجدلي الذي يربط تنظيمنا بالجبهة. فالتنظيم لا يمكن له أن يلعب – أبدا - دورا مهما داخل الحركة الطلابية إلا بتوفره على هذه الجبهة. و بالعكس لا يمكن لهذه الجبهة أن تتقدم إلا في توجيه محكم و خط سياسي صلب. كل هذا يضع من مهامنا الأولية بناء الجبهة من جديد و لفظ كل الغازات السامة التي علقت بها، و ذلك ببناء اللجن الأساسية صامدة في كل كلية يسهر عليها التنظيم مباشرة، و يكون من مهامها الرئيسية بناء اللجن القاعدية التي يجب أن تكون بدورها صلبة و صامدة ومتمرسة بالنضال. إلا أن مشكل الجبهة يواجه و سيواجه في المستقبل صعوبات كثيرة نتيجة الخلافات السياسية و الإيديولوجية التي تفجرت داخل اليسار الثوري، و لا يظهر أن هذه المشاكل ستسوى في الأيام المقبلة، فهذا الواقع الجديد يدفعنا إلى بناء الجبهة في شكل مستقل عن رفاق "ب" و أن تكون لجانها الأساسية تابعة لتوجيه تنظيمنا. لذا يجب أن نضرب فكرة مناطق النفوذ التي زكيناها من قبل في ممارستنا. أما اللجان القاعدية فيمكن أن تكون مشتركة بين مناضلي اليسار، على أساس برنامج مشترك وموحد.

3 – إن طبيعة المرحلة الحالية دعائية و تنظيمية أكثر منها تحريضية، الشيء الذي يجعل من مهامنا وضع برنامج دعائي واسع على صعيد الحركة الطلابية أو الجبهة يضمن نشر التوجيهات الأساسية و ضرب الأفكار الانهزامية التي تجد تربة خصبة في ظل هجوم العدو المضاد، و في هذا الاتجاه فإن أهمية النشرة الداخلية للجبهة مطروحة، إلا أن الظروف التي نعيشها داخل الحركة الطلابية حاليا لا تسمح بذلك، لذا فسنكتفي ببيانات منتظمة تحدد التوجيه بالنسبة للمهام المطروحة.

4 – في ظل الوضعية الجديدة التي تعيشها الحركة الجماهيرية و ضمنها الحركة الطلابية، فإنه يستحيل التخمين في استرجاع المشروعية لأ.و.ط.م. و هذا لا يعني التسليم بالأمر الواقع، فلنا مثال المناضلين الثوريين في الأنظمة الدكتاتورية الفاشية في اليونان و البرازيل و اسبانيا و موريطانيا الذين يناضلون رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها. إن هذا يزيدنا ثقة في ضرورة إمكانية بناء النقابة السرية للجماهير و جعلها المعبر الوحيد عن الحركة الطلابية في ظل حكم استبدادي و من اجل إنجاز هذا الهدف ينبغي أولا إنجاز عمل دعائي كثيف لهذا الهدف الذي لا تري الجماهير الطلابية إمكانيته بحكم السنين الطويلة لوضعية "الشرعية".

و إن تطوير و بناء الجبهة أمر حاسم في تحقيق هذا الهدف، فهي التي تشكل محور عملنا السري الجماهيري و تبقى الصيغة الأساسية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب هي صيغة مجالس المناضلين السرية تنظيما، التي تتدرج في السرية إلى الجماهير حسب مراحل المد و الجزر داخل النضال، و كذلك تطوير التنسيق مع كل القوى السياسية المتواجدة على أساس مبدأ النقابة السرية و بناء على برنامج محدد في كل مرحلة، كما أن صدور جريدة باسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يساعد على بناء النقابة السرية.

بيد أن هدف بناء نقابة سرية جماهيرية يبقى مجرد هدف ما لم يتم إنجاز المهام السابقة بالقدر المطلوب.

5 – إن هجوم العدو المضاد يدفعنا أولا إلى توفير الشروط الذاتية لنضال الحركة الطلابية من اجل استرداد الدفاع عن مكتسباتنا و لتحقيق شعاراتها، و ذلك من أجل توفير الشروط لقيادة النضال الدفاعي للحركة الطلابية ضد هذا الهجوم، ذلك النضال الذي يتدرج في شكل نضالات مطلبية و جزئية من أجل تمتين قوانا و تصليبها، و تحضير الشروط لهجوم الحركة الطلابية كجزء لا يتجزأ من الحركة الجماهيرية.

تلك هي مراحل نضالنا داخل القطاع الطلابي و هي غنية بالدروس و التجارب، تلك هي أهدافنا داخل الحركة الطلابية و مهامنا العاجلة من أجل تحقيقها، و هي أهداف لا يمكن أن تنجز إلا بتحقيقنا لشعار الصمود و الالتحام بالجماهير، وبناء تنظيماتنا تحت نيران العدو، ذلك الصمود و ذلك الارتباط بالجماهير الذي يشكل الشرط الأساسي لأي نضال مقبل للحركة الطلابية في ظل تعميق الشروط الموضوعية لنهوض جديد و شامل و أعمق لحركة الجماهير الكادحة. فلهذا النضال المقبل نهييء الأسس الصلبة بعزيمة و صلابة لا تقهر.


"الندوة التهييئية للقطاع الطلابي"

29 غشت 1973

 


Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.