Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري و التنظيم الثوري للجماهير ـ 29 مايو 1972

Pin it!

تقديم عام:

تعتبر وثيقة "الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري والتنظيم الثوري للجماهير" من أهم الوثائق التي ساهمت في توضيح الخط الإيديولوجي و الاستراتيجي و التنظيمي لمنظمة "إلى الأمام" في الحقبة الممتدة من الندوة الوطنية الأولى للمنظمة المنعقدة بالرباط بتاريخ 31 دجنبر 1971 – 1 يناير 1972 إلى 10 نونبر 1972 تاريخ صدور "تقرير 20 نونبر: عشرة أشهر من كفاح التنظيم –نقد ونقد ذاتي". وهي إلى جانب وثائق أخرى ننشرها تباعا نظرا لكونها تركت بصمات في التاريخ الاستراتيجي لمنظمة إلى "الأمام":

1. "الثورة في الغرب العربي في الفترة التاريخية لاندحار الإمبريالية": 4 ماي 1972.

2. "من أجل الجبهة الثورية الشعبية، ظروف النضالات الشعبية و أحداث 10 يوليوز (موقعة ب: "لجنة العمال من أجل الجبهة الثورية الشعبية") ـ 3 يونيو 1972.

3. "تناقضات العدو والآفاق الثورية بالمغرب": 10 سبتمبر 1972.

و قد عرفت فترة 1976 - 1977 بعض التدقيقات و التغيرات في الأطروحات الاستراتيجية لمنظمة "إلى الأمام" على إثر التطورات التي عرفتها منطقة الغرب العربي و استدعت ذلك و سنعود إلى ذلك لاحقا.

عموما تعتبر الوثيقة ذات أهمية بل و راهنية من حيث الموضوعات التي أثارتها انطلاقا من نقد ممارسات وتصورات خاطئة لدى اليسار الثوري الماركسي –اللينيني انطلاقا من تجارب ملموسة و معروفة آنذاك. و هي بذلك ساهمت في نقد العديد من الجوانب التي تتميز بها الخطوط التحريفية. و قد أشارت منذ البداية إلى وجود جدليتان مرتبطتان بالممارسة العملية لليسار الثوري وهما:

1. جدلية النضال الثوري و العنف الجماهيري أو جدلية النضال السياسي و الكفاح المسلح.

2. جدلية بناء الحزب الثوري و بناء التنظيم الثوري للجماهير أو جدلية الحزب – اللجان الثورية، الحزب – الجبهة الشعبية الثورية.

و تناولت الوثيقة بالنقاش الجدلية الثانية مؤجلة النقاش في الجدلية الأولى إلى تاريخ لاحق (و هذا الجزء لم يصدر أبدا). و عند تركيزها على هذا الجانب اعتمدت فكرة عدم التفريق بين استراتيجية الثورة و استراتيجية التنظيم و العمل على الدفع بالتقدم الذي حققته المنظمة من خلال استبعادها الأسلوب العفوي لمفهوم "الانطلاقة الثورية" و ضرورة تدقيق السيرورات التي يمكن للعنف الثوري للجماهير بواسطتها أن يؤدي إلى "القواعد الحمراء المتحركة".

لكن الوثيقة لم تكتف بإبعاد خط العفوية و مفهوم "الانطلاقة الثورية" في أبعادها العسكرية و التنظيمية، بل طرحت للنقاش ضرورة مواجهة انحراف ثان أطلقت عليه اسم "الإطاروية" (Le cadrisme) انطلاقا من وجود هذا الانحراف داخل المنظمة سواء على مستوى الممارسة أو على مستوى الفكر.

بالنسبة للوثيقة العفوية و الإطاروية لهما نفس الجدر و نفس المنبع: "محاولة المثقف البورجوازي الصغير التموقع كمربي فوق الجماهير".

و لمواجهة هذا الانحراف حاولت الوثيقة إعادة الاعتبار لكتاب "ما العمل" للنين الذي يعرف آنذاك انتشار صورة مشوهة عنه.

وقد أدى هذا التشويه إلى انتشار صورة الحزب الثوري كطائفة فوق الجماهير و مفهوم النواة القائدة لدى لينين إضافة إلى ضرب الصورة الحقيقية لمفهوم المحترف الثوري الذي أصبح عند المثقفين البورجوازيين الصغار "ذلك الذي اكتسب مؤهلات مهنية أي الحاصل على دبلوم في الثورة فهو إذن المختص في الماركسية -اللينينية ممتلك علم الماركسية –اللينينية."

هكذا استطاعت الوثيقة من خلال دحض المفاهيم الإطاروية باعتبارها انحرافا بورجوازيا صغيرا مشوها للماركسية –اللينينية و لمجموعة من المفاهيم التنظيمية الأساسية التي جاءت بها اللينينية. و هي بذلك ساهمت في توضيح العلاقة بين خط الجماهير والتنظيم اللينيني الشيء الذي مهد للتطور اللاحق في خط المنظمة السياسي و التنظيمي و الاستراتيجي. (انظر الوثائق اللاحقة ك "تقرير 20 نونبر" و "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو" و غيرها).

و ننشر هاته الوثيقة تعميما للفائدة. وقد كان أبراهام السرفاتي هو الذي قام بصياغتها باللغة الفرنسية.


الـــوثيــقــة:

"الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري والتنظيم الثوري للجماهير"

مـدخـل عـام:

في إطار ممارسة النضال، عملت الحركة الثورية المغربية ذات المرجعية الماركسية – اللينينية أكثر فأكثر على إدماج الفكر الجدلي في الواقع الحي للثورة المغربية بشكل ملموس.
هناك محورين أساسيين ينبثقان عن هذا التطبيق:

1. جدلية النضال الثوري والعنف الجماهيري، أو بصياغة تخطيطية، جدلية النضال السياسي والنضال المسلح، من جهة،

2. جدلية بناء الحزب الثوري وبناء التنظيم الثوري للجماهير من جهة أخرى، أو بكل بساطة، جدلية الحزب – اللجان الثورية، الحزب – الجبهة الشعبية الثورية.

هذا المظهر الثاني هو الذي سنعمل على تطويره هنا. و مع ذلك، فمن البديهي أن لا نتمكن من التفريق بين التصورات الإستراتيجية، حيث إستراتيجية الثورة و إستراتيجية التنظيم تظلان مرتبطتان بعمق و تابعتان لبعضهما البعض. لكن بالمقارنة مع النص المكتوب قبل الآن بسنة تحت هذا العنوان "1"، فقد استطاعت أفكارنا أن تتطور، و تتدفق وتصحح بفضل التطبيق الثوري. فالنقاشات المرتبطة بهذا التطبيق و عدد من النصوص أتاحت استبعاد الأسلوب العفوي "للانطلاقة الثورية" "2" و تدقيق السيرورات التي بواسطتها يمكن للعنف الثوري للجماهير أن يؤدي إلى القواعد الحمراء المتحركة، المرحلة الأولى من تطور حرب التحرير الشعبية.

نريد هنا أن نسلط الضوء على مشاكل التنظيم بدون أن نفصلها مع ذلك عن الإستراتيجية، فالقطبان الاثنان الميكانيكيان غير الجدليان، و التي تتأرجح بينهما نظرية و ممارسة المنظمة الثورية هما العفوية و ما انتقده الحزب الشيوعي الألباني تحت عنوان "العفوية و الإطاروية" "cadrisme) "3). وتجدر الإشارة هنا إلى انه بالنسبة لتاريخ الحركة العمالية، ليس بدون معنى أن القطب الأول للانحرافية البرجوازية الصغيرة في مجال التنظيم قد أطلق عليها خلال تاريخ طويل اسم كالعفوية بينما القطب الثاني لا يتوفر على ذلك.
سنركز في هذه الورقة على نقد "الإطاروية" دون أن نسيء تقدير أو نتجاهل "العفوية". من المعلوم فيما يتعلق بنا أن هناك تصورات خاطئة وعلى الخصوص فيما يتعلق بالأهمية الكبرى المفرطة المخولة للمنشور (le tract)، وحتى بالنسبة لمفهوم "الانطلاقة الثورية"، فقد كان مصدرها: "العفوية". و دون ادعاء الانتهاء من هذا الانحراف، نعتقد أنه علينا حاليا أن نعمل بالخصوص على تصحيح الممارسة "الإطاروية" أي "تقويم العود" كما قال لينين بالنسبة للتصورات "الإطاروية".

لذلك فإن القسم الأول من هذا النص تم تخصيصه بالكامل لهذا الموضوع. إضافة إلى ذلك، فإن "العفوية" و "الإطاروية" لهما نفس المنبع الذي يقوم على محاولة المثقف البورجوازي الصغير التموقع كمربي فوق الجماهير.

سنحاول في جزء ثان، التطرق للجدلية الملموسة الحزب - الجماهير، ففي هذا الجزء الأول سنعمل على التدليل بأنه إذا كانت معركة لينين قد تم توجيهها أساسا ضد "العفوية"، و من هذه الزاوية يبقى كتابه "ما العمل؟" مفيدا. أبدا لم تكن أفكار أو ممارسات لينين تعتبر "إطاروية"، دائما كان فكره و ممارسته جدليين، لكن هو نفسه كان في المنفى أغلب الوقت في الفترة الممتدة ما بين 1900 و 1917، في وقت كانت الممارسة الداخلية للحزب البلشفي تتطور و تتنظم بشكل فعلي في إطار هيمنة تصورات "إطاروية". لنتذكر رسالة لينين إلى رفاقه في الداخل في فبراير 1905، الرسالة التي أشرنا إليها في وثيقة "إستراتيجية الثورة وإستراتيجية التنظيم" و التي من خلالها يثور ضد العراقيل البيروقراطية التي تعيق انفتاح الحزب على الحلقات الثورية التي كانت تتطور في كل الاتجاهات، تلك الرسالة التي تنتهي هكذا: "إذا لم نغير ممارستنا سنتلاشى كالبيروقراطية المرهونة بالأختام" "4".
إن هذه الممارسة الداخلية المتسمة بهيمنة "الإطاروية" هي التي شكلت مصدرا أساسيا لما أصبح يشكل نظرية و ممارسة الأحزاب الشيوعية تحت وصاية ستالين و الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي (لنشر حول هذه النقطة إلى التطابق فيما بين المفهوم التروتسكي و المفهوم الستاليني للحزب، وهو التطابق الذي يبدو غريبا إذا لم يفسر بنفس المصدر بخصوص التاريخ الدموي الذي جعل من الحزب البلشفي أداة ثورة أكتوبر وأول سلطة للعمال والفلاحين).

في مرحلة الأممية الثالثة، و كحزب كبير، نجا الحزب الشيوعي الصيني بفضل الدور المهم لماوتسي تونغ من مثل هذه الوصاية البيروقراطية و الانحرافية التي تفرضها على الخصوص "الإطاروية". و اليوم، ممارسة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، جاءت لتحمل إلى العالم و لكل الماركسيين اللينينيين في العالم، ما يكفي من الانفجارات التي ظهرت كإحدى أسس اللينينية.

نجد اليوم كل المناضلين الثوريين الذين يتبنون الماركسية اللينينية و فكر ماو لا يمكنهم الهروب من إعادة النظر الذي فرضته الثورة الثقافية الصينية. و نعتقد فيما يخصنا، أن نكون اليوم لينينيين في ظل الواقع العملي للثورة المغربية – و حول هذه النقطة بالأساس فيما يتعلق ببناء الحزب الثوري – يعني معرفة التحكم في جدلية بناء الحزب الثوري و التنظيم الثوري للجماهير.

I – نـظريـة ومـمارسـة "الإطارويـة":

1 – ضـمانـة "ما الـعمـل؟" و واقـعـها:

الضمانة النظرية ل"لإطاروية" جاءت عبر "ما العمل؟" للينين، و بشكل أكثر دقة من الصورة التي بقيت حول "ما العمل؟" و فكر لينين حول التنظيم. يجب الاعتراف بأن هذه الصورة التي تم المغالاة فيها و تشويهها سواء عبر التوجه الذي فرضه ستالين على الأحزاب الشيوعية في العالم، و عبر تقديم عمل لينين من طرف دور النشر البرجوازية و المنشورات التروتسكية. إنها صورة جد قوية خاصة في هذه المنطقة من العالم (المغرب)، حيث المعلومة النظرية تأتينا أساسا، من الغرب الأوروبي، وحتى عندما تعبر عبر بيروت، أو عندما تأتي من الصين أو من الفيتنام.

إن أولى محاولات طرح هذه القضايا لإعادة النظر ظهرت كما لو أنها إعادة الاعتبار للنظريات العفوية لروزا لكسمبورغ، الشيء الذي سارع المثقفون اليساريون البورجوازيون إلى دعمه و ذلك لنفي اللينينية و الدور القائد للحزب الثوري.

إنها صورة جد قوية بحيث أن النص الكامل ل"ما العمل؟" لا نجده عمليا متوفرا هنا باللغة العربية و أنه يبقى صعب التناول لكونه مليئ بمراجع ذات صلة بالصراع السياسي في روسيا 1902.
وكما أشرنا إلى ذلك أعلاه، فإنه منذ أن أصبحت تعاليم الثورة الثقافية واضحة جدا و أكثر قابلية للولوج بحيث لا يمكن إخفائها أو تشويهها، فمنذ السنتين الأخيرتين حدثت مراجعة نظرية لهذه الصورة "المصغرة" (shématisée) للحزب الثوري الاحترافي – الفوق جماهيري و التي تم التطرق لها بشكل مفتوح من طرف التيارات و المنظمات الماركسية اللينينية بأوروبا الغربية. و حاليا سواء في فرنسا أو إيطاليا تنبثق على الخصوص مغالطات السنوات الأخيرة. و إذا ما أكدنا على هذا الطابع، فمن أجل الإشارة إلى أية درجة يبلغ عمق القاعدة الإيديولوجية "للإطاروية". فهي تقوم في العمق على محاولات المثقف البورجوازي الصغير، التي تمت مراجعتها بشكل جذري من طرف ماركس في أطروحته الثالثة حول فيورباح "5". لكن هذه المحاولات لأنها على الخصوص تقوم على التفوق المفترض اتجاه الجماهير و التي تحمل نفسها خضوع هذا المثقف لحجة أو سلطة فكر فلان (La soumission de ce même intellectuel à l’argument d’autorité en l’espèce la Pensée de…) و هذا صحيح كذلك بالنسبة للمناضلين المغاربة ذوي تكوين مثقفي.

و كما أشرنا إلى ذلك، حتى عندما تأتينا المعلومة النظرية الماركسية اللينينية من بيروت، و لا نقدر مدى بقاء تأثرها – رغم قيمة الممارسة الثورية لمناضلي الشرق، "بالمكائد الثقافية" (grenouillage) – ليس هناك كلمة أخرى – للدوائر الباريزية أو اللندنية حيث يلجا الكتاب السياسيون العرب للبحث عن شهادة التنظير. لأجل ذلك و عبر منح أكبر أهمية للتطور الفعلي للحركة الثورية الماركسية اللينينية في الغرب العربي (و تحت هذه الزاوية هناك رفاق يمكنهم التفكير في ظفار (Dhofar) و بدرجة أقل التوبامروس (Tupamaros))، فيجب أن نكون واعين بمسؤوليتنا الخاصة من أجل بناء في الغرب العربي لنظرية و ممارسة الثورة العربية. و مهما كررنا القول فليس كافيا، يجب أن ننطلق من هذا:


أ – الـماركـسيـة عـبارة عـن منـهجـيـة:

علينا أن نبني بمواد واقعنا الملموس، و بالماركسية كمنهجية للتحليل، النظرية الملموسة للثورة في الغرب العربي. لكن استيعاب هذه المنهجية، وهذا الأسلوب في التفكير، ليس أمرا بسيطا أو مباشرا و أيضا بدرجة أقل، عندما يكون التكوين الجامعي قد قطع شوطا مهما، إن هاته المنهجية في تعارض بالفعل مع مناهج التفكير الجامعية.

* استيعاب الماركسية اللينينية، فكر ماوتسي تونغ (la pensée Mao tsé Toung)و التي لا تعني في نفس الوقت (la pensée de Mao Tsé Toung) يعني انطلاقا من ممارستنا الثورية الذاتية، في سياق المجهود من أجل الاستيعاب، إغناءنا نحن كذلك للماركسية عن طريق تطويرها في واقعنا الملموس.

* أن يكون المرء لينينيا في روسيا في بداية القرن العشرين، هو أن يتجرأ كما فعل لينين على "الثورة ضد رأس المال" بالمعنى الذي أشار إليه غرامشي بشكل رائع. لينين تجرأ على القيام بالثورة في سياق سوسيو اقتصادي لم يكن هو ذلك الذي تم تحليله في كتاب ماركس حول "رأس المال"، هنا أيضا قام لينين بثورة ضد الصورة المصغرة schématisée لرأس المال التي فرضتها الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، طبعا ليس ضد الجوهر نفسه لرأس المال الذي أشار إليه ماركس نفسه في رسالته إلى المناضلة الروسية « Verra Zassoulich ». اليوم بطبيعة الحال، في المغرب نحن في حاجة كبيرة لكي نكون لينينيين أن نقوم بثورة ضد "الصورة المصغرة" (schématisée) "لما العمل؟".

هناك طابعين أساسيين، مرتبطين فيما بينهما لهذه الصورة التي تظهر:

ـ الحزب الثوري كطائفة فوق الجماهير.

ـ مفهوم النواة القائدة.


ب – "الـصـورة المـشوهـة" لـحـزب الـثوريـيـن الـمحـتـرفيـن:

نؤكد على عبارة "الصورة المشوهة"، عن طريق فكر المثقفين البورجوازيين الصغار. فعبارة محترف (professionnel) تتضمن مباشرة بالنسبة للمثقف ذلك الذي اكتسب المؤهلات المهنية، ذلك الحاصل على دبلوم في الثورة. الثوري المحترف سيكون إذن هو المختص في الماركسية – اللينينية، ذلك الذي يمتلك علم الماركسية – اللينينية.

يجب أن لا يقال لنا أنه بتوضيحنا لهاته الصورة فإننا نشوهها. فعندما يأتي مناضل في منظمة ماركسية-لينينية إلى حلقة للتلاميذ الثوريين – الذين هم كذلك مثله ينتمون إلى ممارسة نضالية، نظرا لأنهم يقودون و ينظمون إضراب آلاف التلاميذ في الثانويات، لكنهم لا ينتمون إلى المنظمة – لتقديم دروس حول الثورة الفيتنامية، حول النظرية الثورية، لكن هذا المناضل يتنحى عند ساعة العمل لأنه يجب أن يحافظ على نفسه، من أجل أن يحافظ على المنظمة. و عندما يأتي مناضل من منظمة ماركسية – لينينية، معروف لدى البوليس بسبب أنشطته الطلابية، للعمل في مركز عمالي، و يدافع عن فكرة أن المناضلين الشباب لهذا المركز يجب أولا أن يتم تكوينهم من طرفه قبل أن يباشروا أي اتصالات عملية مع هذا الوسط العمالي. و هكذا يترك شهورا ثمينة من الوقت تمضي دون أن تتم مثل هاته الاتصالات. ففي كلتا الحالتين التي اختيرت إراديا من تجربة منظمتين مختلفتين، فبماذا يتعلق الأمر إذا لم يكن هذا تطبيق عملي لما يعتبر تشويها كبيرا و شاذا للتصور اللينيني للحزب. لكننا نكتفي بحملها كما هي مع الأسف و بتطبيقات مفرطة كذلك.
النتيجة المباشرة لهذا التشويه هو أنه يؤدي إلى استبعاد بناء الحزب على قاعدة بروليتارية ذلك لأن "المحترف الثوري" هو أولا ذلك "الخبير في الماركسية – اللينينية"، لنكونه إذن هناك حيث وسطه الطبيعي، أي الوسط الطلابي، عبر الإكثار من الندوات الطلابية بما أن العامل في المعمل البروليتاري الحقيقي أو المنجمي أو الميكانيكي، العامل المتخصص، هو في غالب الأحيان إنسان أمي لا يعرف القراءة و الكتابة، و بعيد بمسافة ثلاثين أو أربعين سنة عن التفكير في النقاشات النظرية، سنذهب بعيدا حد التأكيد (Decreter) على أن البروليتاريا تتكون من أولئك الذين يكتسبون (Accédent) وعيا بروليتاريا، بمعزل عن الأصل الطبقي و الموقع الفعلي في الإنتاج، و بهذه الطريقة يمكن إطلاق تسمية "بروليتارية" على منظمة مكونة من مثقفين بورجوازيين صغار. و هذا بطبيعة الحال هو تماما ما قام به التحريفيون عندنا. النتيجة المباشرة لمثل هذا التشويه هو خلق طائفة تضع نفسها فوق الجماهير. بطبيعة الحال، في إطار الطائفة، إن التقدم الحاصل مقارنة مع التحريفيين، هو ممارسة الديمقراطية. فأي نص لا يمكن بلورته نهائيا إلا بعد أن يتم نقاشه و إعادة نقاشه، تعديله و تدقيقه داخل المنظمة من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى حتى إن اقتضى الأمر شهورا عدة. لكن من البديهي بالنسبة للمناضلين المنطلقين من مفهوم "الخبير في الماركسية – اللينينية"، أن مثل هذا النص الذي تم إتمامه، سيعبر عن حقيقة نهائية بالنسبة للجماهير، الحقيقة الموحى بها (révelée) التي ليس أمام الجماهير سوى الانحناء أمامها لاكتشاف نور الثورة. لكن في النهاية، لأن هذا الإتقان يبدو شديد الصعوبة بلوغه، و لأنه في العمق لا يكون المناضلون متأكدين من امتلاك الحقيقة، ذلك أن الزمن يحول النص إلى نص متقادم، و بالتالي البدء من جديد دورة التوضيح و الإتقان، فإن لا شيء يخرج. فتنغلق المنظمة و يا لقمة الضلال، في سرية تامة عن الجماهير، في سرية إيديولوجية (clandestinisme idéologique) الشيء الذي لا يمنع النصوص أو مشاريع النصوص من التراكم ، عند كل حملة بوليسية في أرشيفات الشرطة.

2 – جـوهـر الـتـصـور الليـنيـني حـول الـحـزب:

لينين بنفسه، بعد سنوات من نشر "ما العمل؟"، بمناسبة نشر في سنة 1907 لمؤلفاته الرئيسية في مصنف "recueil En douze ans"، أكد على الظروف المصاحبة لتحرير كراس "ما العمل؟"، فيذكر بأنه كان يجب القضاء على عقلية الحلقات، أي المجموعات الصغيرة الضيقة المنغلقة، المؤسسة تقريبا دائما على روابط الصداقة الشخصية.
كذلك أوضح على أنه فقط دخول العنصر البروليتاري إلى الحزب يمكنه، بارتباط مع حركية الجماهير المفتوحة، من اقتلاع بشكل نهائي جميع آثار العقلية الحلقية الموروثة عن الماضي و الغريبة عن مهام المرحلة. الصيغة المكتوبة أو العبارة سنة 1907 في أوج القمع القيصري هي: "بارتباط مع نشاط الجماهير المفتوح".

و حتى لا يكون هناك خلط حول مصطلح "البروليتاريا" فقد أضاف بأن بقاء "منظمة الثوريين المحترفين" المؤسسة بفضل الاسكرا، يتأتى أساسا من واقعة أن الطبقة العاملة، و على الخصوص عمال المعامل الكبيرة، و حيث أحسنهم أسسوا "الاشتراكية الديمقراطية، متميزين عن جميع باقي طبقات المجتمع الرأسمالي، نتيجة أسباب اقتصادية موضوعية، بقابليتهم العالية للتنظيم، و بدون هذه القابلية، فإن منظمة الثورين المحترفين لن تكون سوى لعبة، مغامرة أو شعار بدون مضمون.

ثم إن كراس "ما العمل؟" يشير في مقاطع كثيرة أنه فقط وجود طبقة ثورية حقيقية منطلقة بشكل عفوي في الصراع تعطي معنى لهذه المنظمة. (إن نص هذه المقولة مأخوذة من كتاب "ما العمل؟" الصادر عن Edition de Poche du seuil)، وقد تم تصحيحه عن طريق الذاكرة عبر اعتماد النص الصادر في المؤلفات الكاملة الذي يؤكد على عبارة "عمال المعامل الكبرى" الشيء الذي لا يشير إليه JJ Marie المسؤول عن الصدور لدى دار النشر le seuil، و نفس الشيء بالنسبة لكلمة "نخبة" في هذا الإصدار الأخير. لكن نص المؤلفات الكاملة نفسه ليس "نخبويا". إننا أمام نموذج للتشويه التي تقوم به المنشورات البورجوازية. وإذا رجعنا إلى النص نفسه "لما العمل؟" – وهو النص الذي استخرجنا منه الخلاصات الأساسية في نقد حديث لديماغوجية المحجوب بن الصديق" – يمكننا أن نشير أنه في هذا النص الذي يركز بكامله على وسائل تطوير الوعي الثوري البروليتاري داخل الطبقة العاملة، و على ضرورة محاربة "الاقتصادوية" و النزعة العمالوية (انكباب الطبقة العاملة على مشاكلها فقط)، فلينين يفضل منظمة للطبقة العاملة تقوم على مستويين:
1- تنظيم مرن واسع فضفاض (lache) – كما يقول – يرتكز على العمال المناضلين الذين يتوجهون نحو العمل السياسي الثوري، منفلتين من الوصاية الاقتصادوية، تنظيم مكون من العمال الأكثر ثقة، الأكثر تجربة، و الأكثر انغماسا (لنشر إلى المعايير التي ليست معارف نظرية)، ومفهوم التنظيم "الفضفاض" الذي يسطر عليه لينين حد القول: إذا كانت الانتقادات لا تسمي هذا تنظيما، فإن ذلك عنده سواء.

2- المستوى الثاني:

إن هذا التنظيم يكون مرتبطا – حسب قواعد العمل "التآمري" السري الأكثر صرامة – "بمنظمة المحترفين الثوريين" أي بمعنى الحزب.

نستعيد هنا أساسا مفهوم الأنوية الثورية و اللجان الثورية المنبثقة من الجماهير و المتمفصلة مع الحزب. هنا كذلك، و حتى لا يكون هناك غموض – كما اعتقد بعض الرفاق – فضرورة هذا التنظيم المرن الواسع، (الأنوية أو اللجان العمالية الثورية)، لا يمحيه وجود النقابة العمالية الشرعية. لقد كرس لينين لهذا الموضوع كتابات حول الأنوية البوليسية لهاته النقابة الشرعية و التي تمكن ممارستنا هنا من تأكيده بشكل واسع. الشيء الذي لا يعني أننا لا يجب علينا أن نتعلم كيفية العمل داخل هاته النقابات الشرعية. لكن يبقى الأساسي هو تنظيم اللجان أو الأنوية الثورية.

نرى إذن، أن المفهوم اللينيني "لمنظمة المحترفين الثوريين" غير ذي صلة بمفهوم الطائفة (secte) بل تنظيم، حزب متمفصل حول التنظيم الثوري للجماهير. لكن علينا أن نشير هنا إلى أن هذا المفهوم كان فقط في طوره الجنيني لدى لينين. ثم إن التاريخ العملي للحزب البلشفي لا يظهر بأنه قد تم تطويره بشكل منهجي.

لقد ظهرت الأشكال العفوية لهذا التنظيم الثوري للجماهير في فترات الانفجار الثوري مع ظهور السوفيتات. وقد عرف لينين سنة 1905 كما هو الحال في 1917 كيف يمنحها كامل الأهمية.

لكن ممارسة التطوير المنظم للتنظيم الثوري للجماهير المرتبط جدليا بالحزب، في مرحلة النضال السري لم يقم الدليل على وجودها من خلال تاريخ الحزب البلشفي، من هنا كذلك قوة الضمانة "الإطاروية" لهذا التاريخ ما عدا إذا قمنا بالتفكير في النتائج البيروقراطية والتحريفية اللاحقة.

II – لنتعلم عدم السقوط في النقل الحرفي لما العمل؟: مفهوم النواة القائدة:

بعد هذا التوضيح علينا أن نتعلم أن لا ننقل، أن لا نستعيد ميكانيكيا ما العمل؟ إن ذلك صحيح على الخصوص بالنسبة لمفهوم "النواة القائدة" بطبيعة الحال، علينا أن نبين كيف أن الفكر اللينيني الذي استعمل على الخصوص مصطلح "منظمة القادة" للإشارة إلى مجموع الحزب، قد تم اختزاله وتكليسه عبر التطبيق الستاليني ثم الممارسة التحريفية التي حولته إلى مفهوم للنواة يقوم على فكرة الحيازة الرئيسية إذا لم نقل الحصرية للحقيقة الماركسية اللينينية.

فالرفاق القاعديون تم اختزالهم في دور التلاميذ المنضبطين. لكن علينا قبل كل شيء تحديد الاختلاف الملموس (على هذا المستوى) فيما بين روسيا 1902 و مغرب 1972.
1 – في روسيا سنة 1902:

في سنوات نهاية القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن ق.20، لم يكن رعب البوليس القيصري سائدا فقط، الشيء الذي لا يختلف عن الوضعية التي نعيشها هنا، بل كان مخيما هناك أيضا ضباب إيديولوجي كثيف، الماركسية كانت معروفة لدى دوائر المثقفين المنبثقين عن البرجوازية، و قلة منهم كانت قد تنظمت في صفوف البروليتاريا.
إضافة إلى ذلك فإن ما كان يبدو كما لو أنه ماركسية لم يكن سوى صورتها المشوهة، الميكانيكية و الاقتصادوية السائدة آنذاك في أوربا في إطار الأممية الثانية.

كانت البروليتاريا و الفلاحين في مجموعها خاضعة للإيديولوجيات الأبوية والمثالية للنظام القيصري. نعلم كيف ستنفجر هذه الإيديولوجيات في يناير 1905 عبر المجزرة الدموية التي تعرض لها الشعب الذي جاء بكثافة لتقديم عريضة الراهب كابون GABONE إلى القيصر، في ذلك العهد. وباستعادة الأضواء التي ألقاها غرامشي على هذه القضايا، كانت الطبقات الشعبية في وضع لم تفرز فيه مثقفيها الخاصين، مثقفيها العضويين. كان المثقفون المرتبطون بالشعب يأتون من الطبقة البورجوازية، حاملين معهم كل انحرافاتهم البورجوازية الصغيرة.

إن من الصعب في مثل هذه الظروف أن ينبثق ثوريون قادرون على إحياء الجوهر الثوري (Substance révolutionnaire) للماركسية و إدماجه بالواقع الملموس لروسيا في ذلك العهد. و بدون انبثاق نواة من الثوريين من أمثال لينين الذي قام بدور حاسم، كان بالإمكان أن تظل الثورة الروسية تراوح مكانها لمدة طويلة في إطار من الضبابية و الأبواب المسدودة بل حتى أن لا تصل إلى غايتها.

هاته النواة، و التي تشكلت عناصرها الأولى مع لينين ضمن النضال في إطار "اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة" ببتروغراد فيما بين 1984 و 1897، سيمكن بالفعل الحفاظ عليها و وضعها في ظروف حيث تضمن استقرارها و استمراريتها كشخص طبيعي. و هذا ما يفسر على الخصوص قرار تنظيم الإسكرا انطلاقا من الخارج ومغادرة لينين إلى المنفى.

2. في مغرب اليوم:

الشروط اليوم في المغرب تعتبر مختلفة بشكل جذري/ على المستوى العالمي كما على المستوى العربي، "الاتجاه الرئيسي هو الثورة"، كما كتب ذلك ماوتسي تونغ.

في مجموع سيرورة الثورة العربية، هناك إفلاس إيديولوجيات البورجوازية الصغيرة التي تنشر الغموض وسط الشعوب، و التي أصبحت أكثر فأكثر وضوحا. هنا في المغرب، هذا الإفلاس يبدو أكثر فأكثر بديهية منه في بقية العالم العربي بسبب السلوك الاستسلامي و الخياني للسياسيين البورجوازيين أمام النظام. و في داخل الطبقة العاملة، هناك انكشاف واسع للمنوعات البيروقراطية و الديماغوجية العمالوية للإيديولوجيات البورجوازية الصغيرة عن طريق السلوك نفسه للقادة البيروقراطيين.

وبالنسبة للإيديولوجيات الأبوية و الأبوية و الدينية التي تريد استعمال الملكية، فمنذ مدة طويلة نجد أن الجرائم و الخيانات والنهب الذي قام بها الحسن قد نزعت عنها أي فعالية.
و أخيرا، و هذا ليس أقل أهمية، فإن إحدى المميزات الرئيسية للفترة التاريخية بالمغرب، هي الانبثاق الكثيف للشبيبة المدرسية عن الجماهير الشعبية، باعتبارها مثقفا عضويا للطبقات الكادحة. نعلم جيدا كيف تسربت الإيديولوجية الثورية إلى صفوف هاته الشبيبة. نعلم كذلك، كم هو كبير تعطشها لاستيعاب الماركسية اللينينية، باعتبارها مفتاحا للثورة.

في هذا السياق، علينا أن نحدد دور الأنوية الأولى للمثقفين الثوريين الذين تمكنوا من كشف ضبابية الخلط التحريفي و البورجوازي الصغير. لا يتعلق الأمر هنا بتقليص دور هؤلاء الرفاق، و لكن فقط الحذر من كل محاولة لجعل هذا الدور و كأنه "لقادة تاريخيين".
الرفاق الأصغر سنا، الذين انبثقوا الآن من النضال التلاميذي أو الطلابي، ليس انبثاقا فقط كمجموعة (collectif) عن الطبقات الكادحة، و لكن من نضالات السنوات الثلاث الأخيرة المندرجة نفسها في عملية توضيح الثورة العربية، مما مكننا من الانفلات من التيهان الضبابي.

و من جهة أخرى، فإن إحدى مميزات الوضع الملموس بالمغرب، هو أنه في ظل غياب شبه كامل للعمل التحريفي داخل الطبقة العاملة، فإن مناضلين عمال ثوريين تكونوا في إطار التوجه الذي حركه المهدي بن بركة وسط الحلقات العمالية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية و ذلك في بداية عقد الستينات.

في هذا الإطار فإن لائحة معتقلي مراكش لذات دلالة هنا. بطبيعة الحال هؤلاء المناضلين قد عاشوا التأثير الإيديولوجي للبورجوازية الصغيرة في شكليها الناصري و البعثي. لكن هنا أيضا سواء بالنسبة لإفلاس هذه الإيديولوجيات في الشرق العربي أو الفشل الحاصل في المغرب، يجعل هؤلاء المناضلين ذوي قابلية لتبني الإيديولوجية الماركسية اللينينية، بشرط أن تكون ثورية و عربية. كذلك يمكننا القول أن عدد من المقاتلين المنبثقين من المقاومة يبقون ذوي قابلية لتبني هذه الإيديولوجية.

إن هذه العناصر تبين بأننا في مرحلة غليان استثنائية و كبيرة، حيث الجماهير تنخرط في حركات، و حيث النظام في طريقه للتفكك، و حيث التيارات البورجوازية الصغيرة أثبثت عجزها، و حيث نضال الشبيبة يبرز وجود قوة تيار ثوري ماركسي لينيني و عربي، في ظل هذه الفترة تنبثق أحسن الطاقات الثورية من داخل الشعب. فهل يمكننا القول بأن الطريق الذي قطعه الرفاق المثقفون الذين أرسوا قواعد الأنوية الأولى للماركسية اللينينية المهيكلة، بأنهم هم أحسن القادة بل القادة الوحيدون؟

هل يمكننا استبعاد إمكانية انبثاق قادة ثوريين بالعشرات أو بالمئات من هاته الثانويات المضربة، من الأجيال الجديدة من الطلبة، من هؤلاء المناضلين العمال الذين صقلتهم المعارك السرية القاسية للعشر السنوات الأخيرة، مناضلون استطاعوا الحفاظ على قيم المقاومة و المسلحون بتجربة المقاومة المسلحة.

بطبيعة الحال فلا ثم لا، بل فلنستعد لأن الأمر هكذا، و لأن تلك هي القوة الكبيرة للثورة المغربية. و قد استطاعت الوقائع أن تثبت لنا ذلك.

لكن لكي تتجسد كل هذه الطاقة وتدعم علينا أن نتخلى عن عقلية الخبير في الماركسية اللينينية، و أن نربط التنظيم بالجماهير الثورية و جعله ينبثق منها، و عمليا علينا أن نبني جدليا و في نفس الوقت التنظيم الثوري للجماهير و الحزب الثوري.
لنر أولا إلى أين تقود الممارسة "الإطاروية"؟

III – الأشكال التطبيقية للإطاروية والاستراتيجيات المرتبطة بها:

سوف لن نتوقف عند هذه الأشكال، فقد قمنا بذلك في وثيقة "مختلف أشكال العنف الثوري" "6".

نريد هنا على الخصوص أن نبين كيف أن هاته التصورات الرئيسية للعنف الثوري الغير الماركسية ترتبط ب"الإطاروية" (cadrisme) بمعنى أنه في النهاية تنبثق من الإحساس بالتفوق لدى المثقف البورجوازي الصغير و احتقاره للجماهير.

لقد قمنا بالإشارة إلى المواقف المستندة إلى إصدار الأوامر الأبوية و الأستاذية و التي تنحو نحو هذا الضلال "الانحراف" الذي هو "الانزواء الإيديولوجي" (clandestinisme idéologique)."السروية الإيديولوجية".

إن ما ذكرناه بخصوص الإطاروية يتيح لنا فهم المنبع الإيديولوجي المشترك للاستراتيجيات من نمط "الفوكو" لصاحبها ريجيس ديبراي (Regis Debray)، و لانتفاضة السيلان و حركة التوبامروس (tupamaros).

إن الاختلاف بين هاته الاستراتيجيات ينبثق من المحاولات المختلفة لملاءمة الأسلوب الإطاروي مع إمكانية بناء شبكة مسلحة في مواجهة القمع.

1 – البؤرة الثورية "الفوكو" و انتفاضة السيلان:

نظرية البؤرة الثورية التي قام بالتنظير لها ريجيس ديبراي تنطلق من الرومانسية اليائسة للمثقف الذي يكتشف بأن الجماهير لم تتغير بمجرد استعمال الأسلوب الشفهي أو المكتوب.

انتفاضة السيلان هي ذلك البناء السري الكامل قبل المرور إلى العمل، إنها تنطلق من وضعية مشابهة لوضعنا، و قد عرفنا أفكارا من نفس الشكل، حيث الجهاز القمعي يتمكن من سحق التنظيم إذا ما تم إطلاق العمل بشكل مبكر، و عليه فيجب أولا و في إطار سري كبير بناء التنظيم.

مع الأسف، لماذا يجب إعادة التجارب السابقة، لنقل لأنفسنا ألا تعلمنا الماركسية أن كل نظرية بدون تطبيق هي غير صالحة. و بالمقابل، فالنظرية التي ليست سوى تطبيقا ممنهجا يجب أن تساعدنا بسرعة على استخلاص و بأقل خسارة، دروس ممارستنا. فليتأمل الرفاق الدروس المكتسبة على ضوء المقطع الذي خصصه لينين في "ما العمل؟" لسؤال ما العمل الحرفي؟

في هذا المقطع يصف لينين الطريقة التي يعمل بها الطلاب وسط الطبقة العاملة، يقضون وقتا طويلا لتنظيم أنفسهم، ثم ينتقلون إلى "العمليات العسكرية" المفتوحة و قد يكون هذا العمل العسكري عبارة عن منشور تحريضي، عدد أول لجريدة، مظاهرة أولى
عادة هذه العمليات، و بمجرد انطلاقها، تؤدي إلى الانهيار المباشر و الكامل. "مباشر وكامل" يضيف لينين، لأن هذه العمليات العسكرية لم تكن نتيجة لمخطط منهجي، و لأن الشرطة، كأمر بديهي، تعرف تقريبا جميع المسيرين الرئيسيين للحركة المحلية التي أثارت الانتباه في إطار الجامعة، فتتحين اللحظة الأكثر ملاءمة للهجوم المباغث. فالشرطة بتأن و إرادة تترك الحلقة تكبر و تتوسع ليتوفر لها جسم اتهامي ملموس."

وهكذا يشير لينين، "إن العمال انطلاقا من حذرهم يبتعدون عن المثقفين، لأن هذا كما يقول يؤدي إلى اعتقالات كثيرة. "فالرفاق الذين لا يصبرون أمام صعوبات العمل وسط طبقة العمال يجدر بهم أن يتساءلوا إذا لم يكونوا هم كذلك قادمين من "العمل الحرفي" (Dilletentisme artisanal).

و عندما يقوم نفس هؤلاء الرفاق بعكس الفشل من خلال القول: العملية بدلا من أن تكون منشورا، يجب أن يكون تمردا مسلحا لكل المنظمة، فماذا يفعلون؟

بدلا من تحليل من جهة القوة نفسها "عملنا الحرفي"، و من جهة أخرى المحاولة العفوية و المثقفية" التي دفعت إلى التفكير بأن منشورا سيؤدي لوحده إلى جر الجماهير، يحولون فشلهم إلى اندفاع رومانسي، إلى رغبة في التضحية: "لكون الجماهير لا تصدقنا، سنعمل على تبيان لها بأننا نعرف كيف نموت!"

2 – التوبامروس: “ les Tupamaros”

لقد بينا في النصوص المشار إليها أعلاه الشروط الخاصة للأوروغواي التي سمحت لمنظمة بورجوازية صغيرة للنضال المسلح بأن تتطور، تتنطم رغم القمع. لكننا كذلك أشرنا إلى الباب المسدود سياسيا الذي يؤدي له هذا التوجه. و هو باب مسدود بدأ يظهر الآن.
و يؤكد تحليلنا هذا استجوابا في الفترة الأخيرة (récente) لأحد "التوبامروس" مع مبعوث "أسبوعية السياسة" الفرنسية (politique-hébdo) و المنشور بتاريخ 18.5.72. يصرح مسؤول التوبامروس، بعد إشارته إلى أن التصور المعروض من طرفه مختصر جدا، بأن "كل ثورة تتم عبر مراحل:

1. هناك أولا بناء منظمة ثورية.

2. تعزز المنظمة نفسها و تجعل نفسها في شروط للعمل بدرجة أقل أو أكثر منهجية.
3. يجب أن تظهر المنظمة كبديل حقيقي للسلطة بنوع أقل أو أكثر من التوازن بين المعسكرين.

4. أخيرا يجب عليها ـ أي المنظمة ـ أن تأخذ السلطة.

تظهر بقية الاستجواب بان أحد الوسائل الرئيسية للظهور كبديل حقيقي للسلطة هو إقامة عدالة ثورية "عبر سجن الشعب".

و يهدف هذا الأخير إلى تبيان بأننا نتشكل في إطار قوة قادرة على الوصول إلى السلطة و تنظم العدالة.

و هنا لا يمكنا إلا أن نتذكر ما قاله لينين في مثل هؤلاء المثقفين، "مثقفونا الثوريين أخذوا الصراع ضد هذه الشرطة السياسية كنضال سياسي ضد الأتوقراطية".

هذا الاستجواب الذي يؤكد كل ما نعرفه عن التوبامروس، يعبر جيدا عن النظرية الإطاروية و الأبوية اتجاه جماهير هذا التنظيم.

لمن يجب أن تظهر كبديل؟ للسلطة.

و لمن يجب أن نبين؟ (عبر العدالة الثورية و "سجن الشعب").

بطبيعة الحال للجماهير، للشعب، بمعنى أن الأمر يتعلق بتنظيم في ذاته، خارج الجماهير، تنظيم يسعى إلى أخذ السلطة بمعزل عن الجماهير.

لن نستغرب هنا حيث المثقفون البورجوازيون الصغار ليس لهم قواعد اجتماعية كافية ليتنظموا مثل ذلك، فمحاولات من هذا القبيل تعرف الفشل الذريع. و لن نستغرب إن رأينا العمال و الفلاحين لا يمنحون أية ثقة لهاته الأساليب.

و في ختام هذا النقد "للإطاروية"، نطلب من الرفاق أن يفكروا في هذا النص لماركس، المقتطف من أطروحات حول فويرباخ، الأطروحات التي قال عنها انجلس أنها تلخص بشكل عبقري بذرة مفهوم جديد للعالم".

هذا النص هو الأطروحة الثالثة، هنا ينتقد ماركس المذهب المادي البورجوازي، و "علموية" scientisme المثقف البورجوازي الصغير التي نعرفها جيدا.

"إن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف و التربية، و بالتالي بات الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف أخرى و تربية متغيرة، هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف، وأن المربي هو نفسه بحاجة للتربية و لهذا فهي تصل بالضرورة إلى تقسيم المجتمع قسمين أحدهما فوق المجتمع عند روبرت أوين مثلا. إن اتفاق تبدل الظروف و النشاط الإنساني لا يمكن بحثه و فهمه فهما عقلانيا إلا بوصفه عملا ثوريا".

ألا يمكن "للممارسة الثورية" أن تطبق على مجموع هذا الجسم إذا ما كنا نريد أن يكون حيا و الذي هو التنظيم الثوري الماركسي اللينيني.

"المربي نفسه في حاجة إلى تربية"، تنطبق كذلك هذه المقولة على المربي الجماعي الذي هو الحزب أي التنظيم الثوري الماركسي اللينيني.

و لكن إذا كان من اللازم تربيته، فمن طرف من؟ إذا لم يكن عبر الجماهير، و عندنا هنا كل أسس الثورة الثقافية. لكن مشكلتنا الملموسة و التي لن نجد لها جوابا جاهزا في الصين و لا لدى ماركس و لا لدى لينين، هي كيف يمكننا تطبيق هذه الجدلية للحزب و الجماهير في الظروف الملموسة لثورتنا؟

سنحاول في الجزء الثاني، على ضوء ممارستنا المكتسبة تركيب الدروس المستقاة من أجل النضال الحالي: و نريد الإشارة هنا إلى أن ماوتسي تونغ قد أشار إلى أن "نتعلم القيام بالحرب عن طريق القيام بها، و أن نتعلم تنظيم الجماهير و أن لا نتراجع أمام تنظيمها، و أمام مبادراتها". مبادرات الجماهير، التي يقوم واجبنا كثوريين على تشجيعها على فك قيودها و تحريرها. و التي ستعلمنا دائما أكثر مما يمكن أن نبنيه في وعاء مغلق (“offerts en vase clos")

وفي الختام، الوعاء المغلق يكون هكذا مهدى للقمع. لكن ماذا يمكن للقمع أن يفعل أمام مبادرات الجماهير؟

29 مايو 1972

ترجمه عن النص الفرنسي الأصلي: فؤاد الهيلالي

"L unité dialectique de la construction du parti révolutionnaire et l organisation révolutionnaire des masses" 



هوامش:

1. "استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم" وثيقة صادرة عن المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام" مايو سنة 1971.

2. انظر: وثيقة "مسودة الاستراتيجية الثورية" الصادرة عن نفس المنظمة في يونيو 1972.

3. انظر تاريخ حزب العمل الألباني.

4. من رسالة لينين إلى رفاقه في الداخل (فبراير سنة 1905).

5. انظر أطروحات حول فويرباخ.

6. وثيقة صادرة عن منظمة "إلى الأمام" سنة 1972.

7. عنوان لنص المترجم بالفرنسية: "L unité dialectique de la construction du parti révolutionnaire et l organisation révolutionnaire des masses"

 

 

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.