تقديم عام:
تعتبر وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية - اللينينية" إحدى أهم الوثائق السياسية لمنظمة "إلى الأمام" في المرحلة الممتدة من 1970 إلى 1980. وهي بالإضافة إلى ذلك من الوثائق الاستراتيجية الثلاث الأهم لنفس الحقبة. ولو أن الوثيقة جاءت مطبوعة بخصائص سياسية معينة مستمدة من طبيعة الفترة التي شخصت ملامحها الأساسية وشكلت ردا حاسما على الأطروحات اليمينية داخل الحركة الماركسية- اللينينية المغربية وخاصة تلك المبلورة من طرف منظمة 23 مارس في وثيقة "خطة عمل في الطبقة العاملة"، فلم تغفل الوثيقة الاهتمام بالجانب الاستراتيجي سواء من خلال التقييم النقدي لاستراتيجية "حركة 3 مارس" الثورية المتسمة بالبلانكية أو من خلال التأكيد على تصور إلى الأمام للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ولاستراتيجيتها الثورية بل وتقديم بديلها الثوري المصاغ كبرنامج للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. وفي سياق تفاعلها مع الأحداث وضرورة تدقيق المهام المنوطة بالمنظمة والحملم قدمت إسهامات جديدة للفكر الاستراتيجي لدى "إلى الأمام" من خلال تعريفها لمفهوم العنف الثوري وبمزيد من التدقيق لاستراتيجية المنظمة سائرة على طريق "المسودة" وتعميقها وذلك بطرحها لمفهوم "مواقع الصدام" (او مناطق الصدام كما كانت تسمى كذلك في نقاشاتها الداخلية) وطرحها لضرورة بناء الخط العسكري وتأسيس المدرسة العسكرية كمهمتين عاجلتين لا تقبلان التأجيل.
إن هذا الجانب من تاريخ المنظمة ظل مجهولا لدى الكثير ساهمت فيه ظروف السرية التي كانت تعيشها وكون وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" قد تم إصدارها بصيغتين مختلفتين الأولى وهي المعروفة أكثر قد نشرت كطبعة شبه جماهيرية موجهة إلى عموم مناضلي التنظيمات الشبه الجماهيرية المرتبطة بالتنظيم المركزي المكون أساسا من "المحترفين الثوريين" وأطر المنظمة. وجاءت الصيغة الثانية موجهة لأطر ونواة التنظيم المركزي ولذلك تميزت بفقرات خاصة عن المدرسة العسكرية.
لهذا وجب التوضيح بأن الصيغة الأولى كانت موجهة أساسا إلى أعضاء "لجان النضال" و "لجان النضال الأساسية" والحلقات المرتبطة بها كما تم توزيعها على مناضلي 23 مارس سواء من داخل الحركة الطلابية أو الحركة التلاميذية أو في القطاعات النقابية وتم نشرها بالخارج بشكل واسع أكثر. الجيل الثاني من المناضلين لم يطلع على النسخة الثانية بل حتى الصيغة الأولى ظلت مجهولة لدى الكثير منه. وإذا كانت النسخة الثانية محدودة الانتشار فكذلك النقاشات الداخلية التي دارت حولها والتي ساهم فيها أطر التنظيم المركزي وخاصة محترفوه الثوريون. وكانت قيادة المنظمة قد حسمت الأمر وفي جو من الكتمان كان التفكير يسير نحو بلورة خطة عملية من أجل الوصول إلى الهدف. ومن الطبيعي أن تظل هذه النقطة غامضة في تاريخ المنظمة خاصة بعدما تعرضت له من تطورات لاحقة نتيجة القمع والاعتقالات ونتيجة التحولات الطارئة على خطها بعد 1980. وما يمكن تأكيده الآن هو كون مخطط بناء المدرسة العسكرية ومعها الخط العسكري والأطر العسكرية الأولى لم يكن مجرد فكرة عابرة بل ذهب بعيدا إلى حد وضع سيناريوهات لإنجازه من خلال العلاقة بفصيل فلسطيني يساري آنذاك(الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) ومن خلال تحديد أسماء الأطر التي ستنجز هاته المهمة.
بالعودة إلى الوراء نجد أن فكرة "المدرسة العسكرية" لم تكن جديدة تماما على المنظمة في تلك الفترة بل سبق طرحها في لحظات سابقة سواء في بداية التأسيس حين طرح مجموعة من الرفاق ضرورتها وذلك في سنة 1970 وفي 1971 ثم عادت سنة 1973 قبيل صدور الوثيقة في أبريل 1973. الطرح الأول جاء من مجموعة من التلاميذ الذين كانوا يرون ضرورة الربط بين العمل السياسي والعمل المسلح وكانت القيادة وخصوصا بعض الرفاق منهم السرفاتي وآخرون يتعذرون بأسباب تقنية. في المرة الثانية، وفي جو خلافات قوية داخل ناحية الرباط، تقدمت الخلية الأساسية للتلاميذ –وكانت تضم أعضاء من ثانوية يوسف وثانوية الليمون- بورقة ضمنتها رأيها حول ضرورة الاهتمام الاستعجالي بالعمل المسلح. لكن هاته المحاولات –ولا شك أن رفاق آخرون كانت لهم نفس الفكرة- قد ظلت دون تجاوب أو تأثير يذكر حتى حدود انطلاق حركة 3 مارس 1973.
وعندما انفجرت أحداث 3 مارس 1973 كان لها الأثر الكبير على رفاق ومناضلي المنظمة وظهرت أفكار عديدة تنتقد المنظمة على تأخرها في موضوع إطلاق العنف الثوري والإعداد له بل كان هناك من تأثر بالأطروحات البلانكية ودافع عنها. في هاته الأجواء جاءت وثيقة "الوضع الراهن ومهام الحملم" لتعيد المبادرة للخط الثوري داخل المنظمة وذلك من خلال تحليلها الدقيق للمرحلة وللمهام المنوطة بالحركة الماركسية اللينينية من أجل إنجازها. كان لصدورها وقع جيد داخل التنظيم الذي درسها وناقشها على كل المستويات، تنظيمات شبه جماهيرية، خلايا، لجان محلية، لجنة وطنية وكتابة وطنية. أعادت الوثيقة اللحمة الضرورية لاستمرار المنظمة في إنجاز مهامها وفي خوض صراعها السياسي والإيديولوجي في التيار اليميني داخل الحملم.
الجزء الثاني: بصدد وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية - اللينينية :
عند صدور وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" كانت ثلاث أحداث أساسية قد هزت الوضع السياسي العام بالبلاد، ووضعت على المحك التحاليل السياسية السابقة للحملم، تلك التحاليل التي اعتبرتها الوثيقة متميزة "برد انفعالي، وتبقى مطروحة على مستوى الأحداث الرسمية دون ربط بالعلاقات الطبقية" "أخذها شكل تحاليل صحافية، وقتية دون نظر اليها ضمن مرحلة تاريخية من نمو الصراع الطبقي."...
هاته الأحداث السياسية المشار إليها أعلاه هي:
1- الهجوم الواسع الذي دشنه النظام ضد الحركة الثورية.
2- بروز حركة "3 مارس 1973" وعملياتها المسلحة وتأثيرها على اليسار الثوري.
3- ظهور "خط ردة الحركة الجماهيرية والتراجع" داخل منظمة "23 مارس" الذي يرى أن الإتجاه الأساسي للنظام هو جمع قواه وحل تناقضاته والتفاف مختلف القوى الإمبريالية حوله وتدعيمه وتصعيده للإرهاب والبطش الذي يمارسه ضد نمو الحركة الجماهيرية وضد اليسار الثوري والجناح البورجوازي الصغير البلانكي.
ارتبط هذا الخط السياسي الجديد داخل منظمة 23 مارس باسم منظره آنذاك محمد الكرفاتي أحد أبرز قادتها (بعد 1972) بالداخل ولذلك سمي بخط الكرفاتي وفعلا محمد الكرفاتي هو الذي كان قد صاغ الوثيقة المؤسسة لهذا الخط تحت عنوان "خطة عمل في الطبقة العاملة" الصادرة سنة 73 (الأرجح شهر مارس من نفس السنة).
دشنت الوثيقة صراعا مفتوحا بين التنظيمين، صراع خطين مختلفين ومتناقضين على جميع المستويات بحيث كل القضايا التاكتيكية والاستراتيجية وحتى الخط الإيديولوجي قد أصبحت مجال صراع واسع عم القواعد المناضلة للتنظيمين والإطارات الشبه الجماهيرية المرتبطة بها. ومن المعلوم أن منظمة إلى الأمام قد انفردت بإصدار جريدة "إلى الأمام" بعد التحول الطارئ على خط منظمة23 مارس التي قامت بدورها بإصدار جريدة خاصة بها تحت اسم "23 مارس". وبعد احتدام الخلاف بين الخطين بادرت منظمة "إلى الأمام" إلى خوض الصراع جماهيريا وأصدرت وثيقة "الوضع الراهن ومهام الحركة الماركسية اللينينية" التي تعتبر ردا على وثيقة "خطة عمل داخل الطبقة العاملة" التي أصدرتها منظمة 23مارس. وخدمة لهذا الهدف (أي الصراع الجماهيري بالإضافة للوثيقة والدور المركزي لجريدة "إلى الأمام" ساهمت النشرة المركزية الداخلية "الشيوعي" في نشر مجموعة من الوثائق لتعميق النقاش والنقد الماركسي اللينيني للأطروحات اليمينية داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية.
ساهمت الوثيقة في نقد الخط اليميني "خط الردة والتراجع" وزودت المناضلين من التنظيمين بالعديد من الأطروحات الأمامية". مما كان له أثر كبير في تطور الصراع داخل 23 مارس نفسها وساهم في انبثاق تيار معارض لخط الكرفاتي وهو الاتجاه الذي أسمته إلى الأمام ب "الاتجاه الإيجابي". وقد أرخت الندوة الوطنية لمنظمة 23 مار س في أبريل 74 لظهور هذا التيار الذي أحرز أغلبية الأعضاء في اللجنة الوطنية (انتخبت الندوة الوطنية 13 عضوا انتمى منها إلى التيار اليساري كل من محمد حسان، السملالي حسن، الحبابي عبد الحفيظ، شيحاح ميمون وآخرون (الأغلبية). أما الأقلية ويحسب عليها اليمين ثلاثي "مغربية الصحراء" عبد السلام المؤذن وعبد العالي بن شقرون وعلال الأزهر، وباختلاف في بعض القضايا كذلك محمد الكرفاتي، رشيد الفكاك (هذا الأخير انسحب من 23 مارس قبل اعتقالات نونبر 1974). الصراع بين التيارين داخل منظمة 23 مارس امتد إلى حدود شتنبر 1974 حيث خصصت ندوة وطنية في نفس التاريخ للحسم في الموقف من قضية الصحراء التي انتهت بحل وسط يقر بمغربية الصحراء تاريخيا مع تبني حق تقرير المصير "لجماهير الصحراء".
وكان من التقدم الحاصل ان استعادت لجنة التنسيق بين التنظيمين مهامها وستصدر في أكتوبر 1974 وثيقة مشتركة تحت عنوان "الخطة التاكتيكية المشتركة" التي أكدت في بنودها على الخطوط العامة التالية:
1- النضال من أجل عزل النواة الفاشية للنظام.
2- جبهة عريضة ضد النظام تستطيع لف كل القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية (هناك تغيير تاكتيكي في الموقف من الأحزاب الوطنية والديمقراطية لذى إلى الأمام).
- برنامج ديمقراطي يستجيب للمطالب الديمقراطية المستعجلة للشعب المغربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
- الموقف من الصحراء: (تأجيل "إلى الأمام" لإعلان موقفها المبدئي الكامل والاكتفاء بصيغة "جماهير الصحراء" وتأكيد حقها في تقرير مصيرها بدل صيغة "الشعب الصحراوي" وحق تقرير المصير.
وأصدرت منظمة "إلى الأمام" كراس "طريقان لتحرير الصحراء" التي تضمن موقف "جماهير الصحراء وحق تقرير المصير".
إن سياق هذا الموقف يستدعي منا المزيد من التوضيح الشيء الذي نتركه لحلقات لاحقة. وفي انتظار ذلك نسجل أن الطابع التاكتيكي للموقف لم يكن فقط وليد التحالف مع التيار الإيجابي داخل منظمة 23 مارس والعمل على دعمه ضد الاتجاه اليميني والشوفيني بل كذلك نتيجة خلاف داخل الكتابة الوطنية للمنظمة بين موقفين أحدهما كان يؤكد على مغربية الصحراء تاريخيا وإن تبنى مبدأ تقرير المصيروهو موقف اقلية بينما كانت الأغلبية مع صيغة تقرير المصير للشعب الصحراوي.
وعموما في هاته الحقبة كانت "إلى الأمام" تربط بين كفاح جماهير الصحراء والثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالمغرب كما يتجلى ذلك في بعض أدبياتها (انظر وثيقة : "طريقان لتحرير الصحراء" ووثائق أخرى).
إن هذا الموقف هو بالضبط الذي سيتجاوزه التيار الثوري للمنظمة بإعلانه عن تبنيه لاستراتيجية الثورة في الغرب العربي (انظروثيقة13 نقطة الصادرة سنة 1976 من داخل سجن غبيلا بالدار البيضاء.)
عموما كان الصراع السياسي بين المنظمتين خلال حقبة 73 – 74 مصحوبا بصراع إيديولوجي عميق انتقل إلى مستوى تطلب من "إلى الأمام" تعرية الجذور الإيديولوجية والطبقية البورجوازية الصغيرة للخط اليميني (خط الردة والتراجع). ومن هناوللإلمام بالمزيد من معطيات الخلاف والصراع حولها بالإضافة إلى وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" لابد من الإشارة للوثائق التي ساهمت في نقد الأطروحات المارسية (نسبة لمنظمة 23 مارس) في عدة جوانب من أطروحاتها حول الأطر، الحزب الثوري، النظرية الثورية، التحالف العمالي – الفلاحي، مفهوم التجذر وسط الطبقة العاملة، مفهوم الصمود... وفي هذا الصدد وسياسيا شكلت وثيقة "نحو تهييء شروط قيادة النضال الدفاعي للجماهير" استمرارا وتعميقا للنقاش حول وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" وذلك على مستوى تحديد الفترة الراهنة آنذاك للنضال الجماهيري ومميزاته مساهمة في بلورة مفاهيم جديدة كمفهوم "النضال الدفاعي للجماهير" كتحديد لطبيعة الفترة التي تجتازها الحركة الجماهيرية وكذا بلورة اكثر لشعار الصمود والارتباط بالجماهير وابتداء من هاته الفترة بدأ استعمال صيغة العنف الدفاعي للجماهير. ودافعت وثائق أخرى من زاوية إيديولوجية وسياسية عن مواقف "إلى الأمام" من القضايا التي أشرنا إليها أعلاه نذكر منها: "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو"، "بناء الحزب البروليتاري، بناء التحالف العمالي الفلاحي مسيرة واحدة"، "أهمية سلاح النظرية"، "ما هو الإطار الشيوعي"...
لقد كان الصراع شاملا لكل قضايا الثورة المغربية وكان بالفعل صراعا بين خطين داخل الحملم. ومما لا يعرف لذى الكثير كون المواقف اليمينية سواء لذى تيار محمد الكرفاتي أولذى تيار عبد السلام المؤذن (أبو مارس) كانت لها مواقف استراتيجية فيما يخص مسألة حسم السلطة. فالأول سيقدم أطروحته (أي الكرفاتي) امام لجنة التنسيق الوطنية بين المنظمتين في يناير 1974 وكان يتصور قيام انتفاضة يقوم بها المناضلون التلاميذيون بالدار البيضاء وتجر معها الطبقة العاملة بالمدينة...، أما أبو مارس فكان صاحب تصور يرى قيام انتفاضة من أجل إسقاط الملكية...).
الجزء الثالث: في مفهوم أزمة النظام ونتائج الخلاف حولها بين منظمة "إلى الأمام" ومنظمة "23 مارس".
في مفهوم أزمة النظام والخلاف حول طبيعتها ومضمونها وآفاقها: عند انطلاق الخلاف بين المنظمتين ("إلى الأمام" و "23 مارس") لم يكن سبب الخلاف هو الإقرار بوجود أزمة للنظام من عدمها بل يعود أساسا إلى كيفية النظر إلى هاته الأزمة وتحليلها واستنتاج مضمونها واستخراج المهام المرتبطة بذلك.
فبعد نقدها (نعني وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينة") للتحاليل السياسية السابقة للحملم واعتبارها متميزة برد انفعالي وبقائها مطروحة على مستوى الأحداث الرسمية دون أن تستطيع ربط ذلك بالعلاقات الطبقية مما جعلها تأخذ شكل تحاليل صحافية مما غيب لذيها النظرة إلى الأحداث ضمن مرحلة تاريخية من نمو الصراع الطبقي بالمغرب.
اعتبرت "إلى الأمام" هاته النظرة خاطئة في منهجيتها وفي النتائج الموصلة إليها حينما لا ترى مثلا أزمة النظام وتناقضاته في أساسها الموضوعي، وفي ربط تلك الأزمة كذلك بتناقضات الامبريالية من جهة وبالحركة الجماهيرية وتطورها ضمن احتداد الصراع الطبقي بالمغرب.
1- في أزمة النظام: طبيعتها، تناقضاتها، أسبابها ومنهجية تحليلها: انطلاقا من وصفها لتحاليل الحملم ولوثيقة "خطة عمل وسط الطبقة العاملة" بالطابع الصحافي والانفعالي أي الاتسام بنظرة ذاتية للمعطيات السياسية الطارئة آنذاك (نحن في فترة مارس – أبريل 1973) ستقوم وثيقة "الوضع الراهن ومهام الحركة الماركسية – اللينينية" بوضع إشكالية أزمة النظام على ثلاث مستويات:
أ- أزمة النظام وتناقضاته في سياقها وأساسها الموضوعي.
ب- وضع تلك الأزمة في سياق أزمة الامبريالية وتناقضاتها وانعكاساتها على أزمة النظام.
ج- أزمة النظام وعلاقتها بالحركة الجماهيرية: بناء على المنهجية أعلاه تقوم الوثيقة بنقد مقولة "اختيار النظام للطريق الفاشي كما جاءت في أطروحة "خطة عمل وسط الطبقة العاملة".
2- حول أطروحة اختيار النظام للطريق الفاشي:
صوبت إلى الأمام نقدها لهاته الاطروحة معتبرة أن اعتمادها وتحليلها بناء على معطيات لا اختلاف حول وجودها من قبيل حل النظام لأوطم (الإتحاد الوطني لطلبة المغرب) وقمع الحركة الطلابية، استعماله للطرود البريدية الملغومة، إعدام الضباط، الاختطافات والاعتقالات في صفوف اليسار الثوري والجناح البلانكي، توقيف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حجز وقمع الحريات العامة (منع التجمعات، منع الصحافة المعارضة)، تدعيم الأجهزة القمعية وبناء جهاز فاشي بوليسي بدعم من الامبريالية الفرنسية (DST تحت قيادة ادريس البصري)( إدارة الوثائق السرية تحت قيادة الدليمي)، لم يرق إلى مستوى التحليل العلمي وبقي وصفيا دون عمق تحليلي وعملي.
وبإدراكها للمعنى التاريخي لظهور الفاشية عالميا (أوربا، أمريكا اللاتينية، إيران...) وبفهم لجذورها الطبقية والإيديولوجية والسياسية في تلك البلدان، حيث لعبت البورجوازية الصغيرة والمتوسطة أدوارا أساسية في مواجهة الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة وتقديمها قاعدة عريضة لتلك الأنظمة مما دعم مرتكزاتها الطبقية وسهل مهامها في خدمة الرأسمال الامبريالي الاحتكاري وعزل وضرب الحركة العمالية والحركة الشيوعية.
ومن المعطيات أعلاه رفضت الوثيقة وجود نفس العناصر بالمغرب تسمح بتوسيع القاعدة الإجتماعية للنظام مما يسمح له ببناء نظام فاشي بالمعنى العلمي المذكور اعلاه.
بالنسبة لمنظمة "إلى الأمام" تقوم الوضعية المغربية على أربعة عناصر لا يمكن القفز عليها:
1- نمو الطبقة الحاكمة في المغرب - خاصة منذ الاستقلال الشكلي – بشكل مضاد للبرجوازية الوطنية نفسها.
2- هذا النمو قام بنسف الأساس الاقتصادي الموضوعي للبرجوازية الوطنية بارتباط مباشر بالنهب الذي تعرضت له البلاد على يد الاستعمار الجديد.
3- تطور الانحلال والتفسخ المتزايد للبورجوازية الوطنية سياسيا واقتصاديا.
4- تمركز كل موارد البلاد في يد أقلية تتقلص قاعدتها الاجتماعية باستمرار من المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي وعل رأسهم الملكية المغربية التي تشكل رمز هاته الأقلية الحاكمة وضامن وحدة وتماسك فئاتها.
وفي هذا السياق نقرأ ما يلي: "في بلدنا نمت الطبقة الحاكمة، بشكل مضاد للبورجوازية الوطنية نفسها، وفي اتجاه نسف أساسها الاقتصادي الموضوعي، بارتباط مباشر بالنهب الجديد. إن إحدى المميزات الرئيسية لدينامية الصراع الطبقي في بلدنا هي الانحلال والتفسخ المتزايد للبورجوازية الوطنية اقتصاديا وسياسيا، وتمركز كل موارد اقتصاد البلاد في يد أقلية تتقلص قاعدتها الاجتماعية باستمرار من المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي وعلى رأسهم الملكية المغربية التي تشكل رمز هذه الأقلية الحاكمة وضامن وحدة وتماسك فئاتها."
وتضيف الوثيقة عناصر هامة لتحليل طابع أزمة النظام وعمقها منها ذلك النمو الذي يعرفه جهاز الدولة الطفيلي وفساده بارتباط مع عملية اشتداد النهب الذي تتعرض له البلاد على يد الطبقة الحاكمة من خلال سياسة السدود وانتزاع الأرض وتطوير الرأسمالية في البادية والسياسة السياحية وعبر تأسيس مجموعة من المكاتب مثل مكتب التسويق والتصدير، ومكاتب الزراعة، الري، الشاي والسكر...
تقوم سياسة الطبقة الحاكمة الاقتصادية على التبعية المطلقة للإمبريالية ومعاداة التصنيع الحقيقي للبلاد والتحرر الاقتصادي.
وتولد هاته السياسة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي قطبين داخل التشكيلة الاجتماعية المغربية:
أ- القطب الأول: يتميز بالثراء والبدخ...ويتشكل من المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي ...
ب- القطب الثاني: يعيش الفقر والبطالة والجوع والجهل والأمية, إنه قطب الجماهير الكادحة.
إن سياسات النظام عاجزة عن تحسين وضعية الجماهير لأنه يتخبط في أزمة عميقة من أبرز مظاهرها تراكم الديون باستمرار لتغطية تكاليف الأزمة، العجز الدائم في الميزان التجاري...
وبطبيعة الحال يعتمد سياسة الارتكاز على إرهاق الجماهير الكادحة بالضرائب المباشرة والغير المباشرة في محاولة للهروب من أزمته وتغطية تكاليفها على ظهر الجماهير.
إن هاته السياسات تؤدي إلى تفقير وتفكيك البورجوازية الصغيرة والمتوسطة وخنقها اقتصاديا ودفع أقسام منها إلى الجماهير الكادحة. إنها سيرورة كذلك تقوم على الدمج الاقتصادي وتحويلها إلى أطر في جهاز الدولة المتضخم باستمرار ثم تفكيكها ودمجها سياسيا.
على هذا الأساس من التحليل اعتبرت منظمة "إلى الأمام" أن النظام يفتقد الأساس الموضوعي لبناء نفسه كنظام فاشي ذو جذور اجتماعية وطيدة، وليس في مقدوره إلا الأساليب الفاشية في القمع والإرهاب لوقف زحف الجماهير المسحوقة.
أما محاولات بناء أساس إيديولوجي لنظام فاشي تمنحه الشرعية في أعين الجماهير محكوم عليها بالفشل من قبيل ما يسميه بالانبعاث الإسلامي والهيبة الدينية الشعبية لأمير المؤمنين، خلق جماعات الإخوان المسلمين إلخ...
على قاعدة هذا التحليل رفضت منظمة "إلى الأمام" أطروحة "بناء نظام فاشي" لانعدام أسسها الموضوعية ولعدم انبنائها على تحليل علمي رصين. بذلك أكدت على طبيعة النظام كنظام رجعي ينهج أساليب فاشية في مواجهة الحركة الجماهيرية والقوى الثورية وتتقلص قاعدته الاجتماعية باستمرار.
وفي سبيل تعميق هذا الطرح قدمت الوثيقة تحليلا لتناقضات المصالح الإمبريالية ببلادنا انطلاقا من رؤيتها لصراع استراتيجيتين:
الأولى: فرنسية تنطلق من ثقل مصالح الإمبريالية الفرنسية وضعفها النسبي عالميا وهي تشكل السند الأساسي للنظام من أجل "إصلاحه" ودفعه في طريق ليبرالي أكثر بهدف امتصاص نقمة الجماهير بل وفئات من الطبقة الحاكمة نفسها وذلك حفاظا على مصالحها.
الثانية: أمريكية وهي تعتمد على دورها في قيادة المعسكر الإمبريالي ضد حركات التحرر والمعسكر الاشتراكي وبالاستناد إلى قوتها الاقتصادية والعسكرية الضخمة تدفع إلى بناء أنظمة عسكرية فاشية.
- وتتفاعل هاته التناقضات مع واقع الطبقة الحاكمة حيث تنخرها تناقضات حادة بين كمشة تحول المغرب إلى ضيعة لها وتشد الخناق على باقي الفئات الأخرى من داخل الطبقة الحاكمة. ويشكل هذا الوضع الأرضية المادية لظهور فكرة إزاحة العرقلة التي تمثلها الأوتوقراطية الطفيلية لمصالح الطبقة ككل، وتعويضها بدكتاتورية عسكرية فاشية تضمن مصالح الطبقة الحاكمة وضمان الهيمنة الإمبريالية بالبلاد وتوقيف الزحف الجماهيري ونمو القوى الثورية المتزايد.
- وفي سياق متابعة تحليلها لواقع البورجوازية الوطنية أبرزت الوثيقة تناقضات هاته الطبقة من خلال تبيان إصلاحيتها ودعمها السياسي للنظام للتنفيس عن أزمته ومن هنا تحولها إلى قوة احتياطية للنظام. وقد برهنت الوثيقة على أمثلة كثيرة منها حضور عبد الله إبراهيم حفل زفاف أخت الحسن أمينة وظهور علال الفاسي إلى جانب عصمان في حفل تأسيس المقاومين العملاء والبوليس والحملة التي قامت بها جرائد حزب الاستقلال ضد اليسار الثوري والفكر الثوري والدعوة إلى حل أوطم والصمت اتجاه تصفية المناضلين الاتحاديين وتوقيف ا.و.ق.ش، إضافة إلى دور البيروقراطية النقابية المتعفنة في توقيف النضالات والإضرابات العمالية بأشد الأساليب فاشية (مطاردة المناضلين، اعتقالهم واستعمال القمع ضدهم وتعذيبهم في كهوف مقراتها).
لم تكتف الوثيقة برصد هذا التعفن السياسي وهذا الانحلال، بل بحثت في أساسه الموضوعي الذي يقوم على اتجاه التفكيك الاقتصادي الشديد للبورجوازية المتوسطة حيث يضيق باستمرار هامشها، وانزوائها في قطاعات مثل الصناعات الخفيفة والتحويلية وقطاع الخدمات.
أما عملية توزيع الأراضي التي قام بها النظام لم تؤدي مطلقا إلى نموها فقط دعمت فئة من الفلاحين المتوسطين الذين يريد النظام لهم أن يقوموا ب "دور صمام أمان بالنسبة لاستحواذ الملاكين الكبار على الأراضي".
وخلصت الوثيقة بناء على التحليل أعلاه أن هذا الأساس الموضوعي لانحلال البورجوازية الوطنية هو ما يفسر تقلص الأجهزة السياسية البورجوازية إلى فئات من المحترفين السياسيين، لا مستقبل لهم إلا في إطار خدمة النظام كأطر له، وتحولهم إلى قوة احتياطية له".
بعد هذا كان على الوثيقة أن توجه نقدها للجناح البلانكي البورجوازي الصغير الذي عبرت عنه حركة 3 مارس الثورية، وذلك باعتبارها إياه يتبع نهجا تآمريا ومغامرا وفي ذات الآن يتبع خطا إصلاحيا انتهازيا تفاوضيا كواجهة للأول ضمن نفس الحزب أي إ. ش.ق. ش حيث فئتان داخله تقوم بالتوفيق فيما بينها كل منهما يستخدم الآخر خدمة لمصالحه. وساهمت الوثيقة في توضيح موقف "إلى الأمام" أكثر فيما يتعلق بمواقفها الاستراتيجية وذلك من خلال تبيان نظرتها لمفهوم الظرف الثوري وخصائصه وقامت بذلك من خلال نقد تقديرات "حركة 3 مارس" لطبيعة الوضع السياسي آنذاك ومراهنتها على خلق ظرف ثوري يجر الجماهير إلى معمعان النضال لإسقاط الملكية وإقامة الجمهورية, وفي صميم تحليلها المراهنة كذلك على انفجار التناقضات داخل الجيش في شكل انقلاب يحمل المجموعة إلى السلطة (أي المجموعة البلانكية) أو في شكل انضمام قوات الجيش إلى المجموعات المقاتلة.
في عمق هذا الطرح البورجوازي الصغيرهناك احتقار لدور الجماهير في بناء طريق الثورة وهناك اعتماد تقدير خاطئ لضعف النظام, فإذا كان هذا الأخير ضعيفا فهو في نفس الوقت مركزي. وبعد نقد برنامج "حركة 3 مارس" باعتباره برنامجا ديمقراطيا بورجوازيا لا يختلف في مضمونه عن البرنامج الإصلاحي للحزب الذي تنتمي له المجموعة (ا. و. ق. ش).
وأخيرا أكدت الوثيقة على أهمية وصحة خط حرب التحرير الشعبية, ذلك الخط الذي يرى "صحة طريق الحرب الشعبية، الطريق الوحيد للثورة في بلادنا، طريق بناء الطليعة البروليتارية وبناء جبهة العمال والفلاحين الفقراء والمعتمدة على نضال الفلاحين في الاستيلاء على الأرض وتصفية المعمرين الجدد، وتأسيس الكتائب الأولى من الجيش الأحمر في شكل "القواعد الحمراء المتحركة"، لتجنب سرعة تدخل قوات العدو، وتوسيع وتعميق نضال الجماهير الشعبية في المدن، وصولا إلى بناء المناطق المحررة الأولى لجمهورية مجالس العمال والفلاحين، وتوسيع جبهة الكفاح في المنطقة إلى معركة التحرر الوطني في الصحراء الغربية وكفاح الشعب الموريتاني".
إن هدف الثورة حسب الوثيقة هو بناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية وعمادها سلطة مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريون، سلطة تقوم تحت قيادة البروليتاريا التي من خلال مجالسها تقوم بممارسة سلطتها في مراقبة كل اقتصاد البلاد وبناء ثقافة ديمقراطية شعبية.
وفي منظور "إلى الأمام" الثورة الزراعية –وليس "الإصلاح الزراعي" – هي عماد الثورة الديمقراطية بما يعني انتزاع الأرض من طرف مجالس الفلاحين المسلحة. وجعلت المنظمة من الثورة العربية إطارا وحيدا لبناء الاشتراكية وأكدت على ضرورة الالتزام بالأممية البروليتارية ورفع عاليا راية الثورة العالمية وراية الماركسية اللينينية.
في نمو الحركة الجماهيرية وخصائصها:
لتحديد طابع الحركة الجماهيرية ومسار تطورها ولرصد خصائصها عادت الوثيقة إلى مرحلة ما بعد انتفاضة 1965 التي أغرقها النظام الرجعي في الدم الشئ الذي تولد عنه انحسار قصير للحركة الجماهيرية في فترة عرفت انطلاقا للنظام في تعميق نهب البلاد.
لكن لم تدم هاته الفترة طويلا، ففي سنة 1968 استأنفت الحركة الجماهرية نموها من جديد من خلال نضالات العمال والفلاحين (خريبكة، جرادة). وقد صاحب هذا النمو المتزايد تجذيرا لشعاراتها ومطامحها وأساليب نضالها. وتأتي في مقدمة هاته النضالات المعارك التي خاضتها الطبقة العاملة منذ 1971 حيث تصدرتها شعارات ضد الطرد وفصل العمال وإقفال المعامل والقمع والدفاع عن الحريات النقابية...
وهو ما أعطى تحولا نوعيا لنضالاتها بعدما كانت مقتصرة على الزيادة في الأجور فيما قبل 1971. وقد صاحب هذا التحول تطور في أساليب النضال تجلى في احتلال المعامل ومواجهة عنف القمع (مثال قطارة، خريبكة (احتلال المساكن) عمال الكارطون في القنيطرة، عمال النسيج). ودشن عمال قطارة وخريبكة والسكك الحديدية العمل بأساليب تنظيمية جديدة حيث يتنظم العمال قاعديا في لجن الإضراب التي تسهر على تنظيم الإضراب والسهر عليه بل أحيانا قامت الطبقة العاملة بخوض النضال خارج تأطير البيروقراطية ودورها التخريبي مما جعل لجانها تكون سرية.
وفي نفس السياق نهج الفلاحون اسلوب احتلال الأرض (مثال أولاد خليفة، سطات، أولاد تايمة، تسلطانت، انكاد، آيت علة...).
وخاض الأساتذة والمعلمون إضرابا وطنيا موحدا سنة 1973 بالإضافة إلى خوض المهندسين والتقنيين وصغار التجار لنضالات مهمة.
هكذا إذن بدأ ينمو اتجاه نحو الوحدة داخل الحركة الجماهيرية كما حصل مع التلاميذ والطلبة وفي قطاع السكك الحديدية ولدى الأساتذة والمعلمين. وقامت هاته الوحدة حول شعارات موحدة، غير أن هاته الوحدة تظل عفوية وجزئية ولازالت في مراحلها البدائية الأولى وتعاني من عراقيل نتيجة قصور الوعي الجماهيري وغياب الحزب الثوري ودور البيروقراطية الانتهازي...
وعموما اعتبرت الوثيقة ان نمو الحركة الجماهيرية لا يسير في خط مستقيم وصاعد في خط واحد، إنه نمو في التصاعد والتجذير والوحدة عبر النكبات والأخطاء التي تفرضها بشكل أساسي عفوية الحركة الجماهيرية التي تمثل الطابع الأساسي لها في ظل الوضع الراهن , نمو كذلك لا يقاس بالتراجعات الجزئية في هذا القطاع أو ذاك بل هو طابع المرحلة التاريخية ككل ابتداء من 1968 وتحدده عوامل موضوعية قوامها تصعيد النهب والاستغلال والاضطهاد الذي يقوم به النظام.
الجزء الرابع: المهام المطروحة على الحملم (الحركة الماركسية – اللينينية المغربية)
يأتي على رأس مهام الحملم حسب الوثيقة تحقيق شعار التجذر داخل الطبقة العاملة الذي يجب إعطاؤه المكانة الأساسية في مجال العمل الثوري ووسائله الدعائية والتنظيمية. وهذا يتطلب بدوره رؤية سياسية واضحة للوضع الراهن وشعارات واضحة للنضال وتوفر حركة ماركسية لينينية صلبة وطليعية وربط نضالات الشبيبة المدرسية بالطبقة العالمة. واعتبرت الوثيقة أن الشبيبة المدرسية بإمكانها أن تصبح مزودا للحركة بالأطر الثورية المتمرسة التي بالإمكان تحويلها إلى محترفين ثوريين,. وبإمكانها كذلك أن تقدم سندا تاكتيكيا للحملم في العمل داخل البوادي بحكم اتساع جماهير التلاميذ من أبناء الفلاحين الفقراء. كما أن إرسال المناضلين إلى جماهير الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين يمثل محور الاتصال بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.
ولتطوير العمل والرفع من وعي الجماهير لابد من اعتماد أساليب عمل دعائية كالمناشير، والكراسات، والتحريض والدعاية الشفوية. لكن في كل هاته الأساليب تمثل الجريدة الشكل الرئيسي التي يجب أن ينتظم حولها شبكة من الموزعين وتنتظم لها لجان القراءة وجمع التقارير في كل البلاد.
في اللجان العمالية السرية:
وبالنسبة للعمل وسط الطبقة العاملة اعتبرت "إلى الأمام" من خلال الوثيقة أن خلق اللجان العمالية السرية هو الوسيلة الرئيسية للتجذر وسط الطبقة العاملة وبالأخص داخل القلعات البروليتارية والمعامل الكبرى. ومن أجل خلقها يعمل المناضلون –العمال الثوريون- من داخل المجالس النضالية القاعدية باعتبارها الشكل الديمقراطي للقيام بالنضال في لجان الإضراب.
أما صيغ تشكيل اللجان العمالية السرية فهي متنوعة وتأخذ بداية أشكال أولية كحلقات للمناضلين من اجل تنظيم إضراب نقابي، حلقات لدراسة الجريدة، لجان لجمع المساعدات المادية للعمال المضربين أو المطرودين، لجان سياسية في حالة توفر عمال متقدمين إلخ... ويقوم المناضلون الثوريون بتحويل هاته الحلقات واللجان إلى لجان ثورية...
وللتقدم في إنجاز المهام لابد من تطوير أساليب العمل وخاصة أسلوب التحقيقات الذي يسمح بمعرفة الواقع فتتضح أكثر طريقة تغييره.
في وحدة الحملم:
لإنجاز كل تلك المهام المسطرة أعلاه سجلت الوثيقة أن: "في كل المهام التي طرحناها، والتي يتطلبها الوضع الراهن، فإن توفر منظمة ثورية موحدة، لكل الماركسيين اللينينيين، هو الشرط الحاسم لإنجازها بالشكل المطلوب...".
وردت الوثيقة أسباب قصور الحركة الماركسية اللينينية إلى سببين:
أولهما هو بنيتها الطبقية التي تستند إلى البورجوازية الصغيرة مما يعرضها لخطر الانزلاقات عن الخط البروليتاري السديد.
ثانيهما وضعية التجزئة والتشتت التي تعيشها مما يجعلها قاصرة على بلورة خط سياسي موحد، وعلى تركيز القوى بشكل منظم، في إطار منظمة واحدة قوية لإنجاز المهام الضرورية.
ونقرأ في الوثيقة ما يلي:
"إن عملية بناء الطليعة البروليتارية عملية شاقة وطويلة كما رأينا، تفترض نضالا مستميتا داخل الطبقة العاملة، وتبرهن فيه الحركة الماركسية على صحة خطها وبرنامجها، لهذا فإن الحركة الماركسية اللينينية مطروح عليها التشبت في ممارستها بخط الماركسية اللينينية، وتربية أطرها ومناضليها على المبادئ الماركسية اللينينية، والمثابرة على استعمالها في تحليل الواقع والصعوبات التي يثيرها، وعلى معالجة وضعيتها التنظيمية، وأساليب عملها الجماهيري والسري، وأساليب الدعاية والتحريض بروح بروليتارية صلبة، وهذا يشترط أول ما يشترط، منظمة صلبة وواحدة لمجموع الماركسيين اللينينيين، فإذا كان الأساس الطبقي البورجوازي الصغير يعرض الحركة الماركسية اللينينية للمزالق المتعددة، وفي شروط القمع الرهيب الذي تعيشه حركتنا منذ أكثر من سنة بلا انقطاع, سواء نحو الانتهازية اليسارية وكل مظاهر الليبرالية وروح المغامرة... فإن سلبيات وأخطاء الحركة الماركسية اللينينية لا يجب أن تحل دفعة واحدة "بشعار الذهاب إلى العمال" وإلى حد يصبح فيه الأساس البورجوازي الصغير وسيلة للتخلص من مسؤولية الخطأ والتوجيه، وكان الطبقة العاملة هي المطهر التي يغتسل فيها الرفاق من أخطائهم وممارستهم البورجوازية الصغيرة.".
لتركيز موقفها من وحدة الحركة الماركسية اللينينية وانطلاقا من تحليلها العام للوضع السياسي رفعت "إلى الأمام" شعار "من أجل منظمة ماركسية لينينية، موحدة طليعية، صلبة وراسخة جماهيريا". وبعد تشخيص مواقع الخلل داخل الحملم، أكدت على مجموعة من التصورات وشعار واحد "الصمود والارتباط بالجماهير" في مواجهة تصاعد فاشية النظام ونمو الحركة الجماهيرية.
واحتل شعار "الصمود والارتباط بالجماهير" موقعا أساسيا في أدبيات "إلى الأمام" لهاته الفترة. وقد قامت الوثيقة بتكثيف لمعناه ومضمونه انطلاقا من أنه شعار مضاد لشعار "الردة داخل الحركة الجماهيرية" المؤدي إلى التراجع والانعزال.
فما معنى الصمود والارتباط بالجماهير؟
1- الصمود يعني تصليب الأنوية والتنظيمات داخل الجماهير بحيث تلتحم الطليعة التحاما حقيقيا وعضويا بالجماهير وفق شروطها الذاتية. إنه طول النفس في العمل داخل الحركة الجماهيرية التي هي محرك قدرة تنظيماتنا وصحة خططنا "فالتنظيم القائد يفقد جميع مبررات وجوده، إذا كان غاية لحد ذاته، وإذا لم يلتحم بالجماهير في أحلك شروط العمل وأكثرها قسوة، ويصبح التنظيم مغلقا على ذاته في الثرثرة الداخلية...".
2- الصمود يعني كذلك عدم الانطلاق من التحليل الذاتي والتشخيص الإيديولوجي الذي يضع الأهداف السياسية في شعارات سياسية لم تعانيها الجماهير بعد من خلال نضالها الملموس، ويصبح كافيا لدفعها للنضال تبعا لذلك ببضع شحنات تحريضية سريعة "إن الشعارات تنبع من معايشة وضعية الجماهير الملموسة، وبناء على تجديد الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوضعيتها وذلك حتى يكون الصمود والالتحام بالجماهير علميا، ينبني على المعايشة الملموسة لوضعية الجماهير لا من التحليل السياسي والإيديولوجي.
3- الصمود كذلك يعني صمود مناضلي الحملم أمام القمع الشرس بكل أشكاله وامام التعذيب كيفما كانت أشكاله، ويجب أن يصمدوا، فلم تنعدم مواجهة الحملم للقمع من أمثلة مجيدة في مواجهة القمع، منذ مراحل القمع الأولى إلى الحملات الأخيرة في ضرب اليسار، أمثلة تقيم الدليل الأكيد في وجه المزاعم البورجوازية الصغيرة باستحالة المقاومة في التعذيب، على قدرة المناضل على الصمود بالصمت الكامل، وعلى ضرورته، إن الموت لا يخيف المناضل، بل هو واجب نستعد لتأديته كلما كان ذلك ضروريا، ويستطيع الماركسيون اللينينيون مقاومة التعذيب لأنهم:
أ- يدركون أن تعذيبهم جزء بسيط، وبسيط جدا من العذابات اليومية التي تعيشها الجماهير، جزء بسيط من آلاف التضحيات التي تقدمها الشعوب في كفاحاتها، في فلسطين، في الفيتنام والكامبودج واللاووس، في ظفار، في أنغولا، في الموزمبيق، في أمريكا اللاتينية، في كل مكان.
ب- لأنهم يحملون معهم الإيمان بانتصار قضية البروليتاريا.
ت- لأنهم يحملون معهم الإيمان بالجماهير وقدرتها على هزم الأعداء، وأن بناء وتدعيم منظمة ماركسية لينينية موحدة، صلبة، سيمكن من تصليب وتقوية أطر الحركة ومناضليها بحكم التماسك والقوة في منظمة مهيكلة بمتانة ومن أشد المناضلين صلابة وعنادا داخل كفاح الجماهير، ولأنها ستكون من المرونة في الحركة وأشكال النضال، ومن الحماسة والثقة لدى المناضلين، إنها تجعل من الصمود والالتحام بالجماهير واقعا ملموسا تدعمه وتبنيه منظمة طليعية وراسخة.
وعموما، قامت الوثيقة بتقديم مجموعة من التصورات حول الوحدة تلخص نظرة "إلى الأمام" لوحدة الحركة الماركسية اللينينية منها مثلا: "التوحيد ليس عملية جمع عددي، بل هو مسيرة نضالية، خلاصة مركزة لمكتسباتهم السياسية والإيديولوجية والتنظيمية من أجل ذلك لابد من دراسة تجاربهم وتعميقها وممارسة النقد الذاتي بما هو تحديد للسلبيات والإيجابيات والبحث عن جذورهما الطبقية، السياسية والإيديولوجية والتنظيمية من أجل منظمة ثورية طليعية، صلبة وراسخة جماهيريا، قائمة على قاعدة صلبة من دروس الممارسة ومرتكزة إليها.".
ولكي تكون الوحدة حقيقية وشاملة ينبغي - حسب الوثيقة – أن تأخذ الحركة الماركسية اللينينية مجموعة من الاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول: في كل مرحلة تاريخية لا يمكن أن يكون هناك إلا خط سياسي واحد سديد، لا خطوط عديدة، وبالضرورة قيادة بروليتارية واحدة وحزب ثوري واحد لا عدة أحزاب، ومن أجل امتلاك خط سياسي واحد سديد والوصول إليه ينبغي توفر منظمة ماركسية لينينية واحدة، فلا يحق لأي فصيل من فصائل الحركة الماركسية اللينينية أن يدعي وحده امتلاك هذا الخط أو الحقيقة الثورية. إن هذان الإدعاءان التافهين الضيقي الأفق يؤديان إلى الحلقية بكل مظاهرها، وإلى فهم التوحيد على أنه نوع من الاستيعاب والضم، الشيء الذي لن يؤدي إلى التوحيد، لأن كل فصيل يملك هذا الادعاء، ولا أحد يجادل أن هذه الظاهرة موجودة وتمارس بهذا الحد أو ذاك داخل الحملم.
الاعتبار الثاني: احتياج الحملم في علاقاتها أفقيا وعموديا إلى المركزية الديموقراطية، أكثر مما تحتاج إلى المركزية الشديدة أو إلى اللامركزية المفرطة بسبب أن المرحلة التي تجتازها هي مرحلة بناء الخط السياسيي السديد، المركزية لتثبيث المكتسبات الوحدوية وتدعيمها وتوحيد خطة النضال والمواجهة، والديمقراطية التي تفتح حرية نقد الخطة المتفق عليها وإبراز أخطائها وإغنائها، وهذا يتطلب قبل كل شيء ضمان حق الأقلية في التعبير عن آرائها وإلى ضرب اساليب التقيد بالمواقف الرسمية في النقاش.
الاعتبار الثالث: ضرورة توفر الحملم على برنامج متكامل يضمن سير عملية التوحيد وينقلها من مرحلة إلى أخرى، من توحيد الرؤية والاهداف والخطة لكل قطاع إلى بداية الاندماج، إلى نقاش كل قضايا الثورة المغربية والعربية والعالمية، وصولا إلى أطروحات موحدة ونظاما داخليا موحدا، إلى مؤتمر التوحيد الذي تنبثق عنه منظمة موحدة.
الجزء الخامس - حول ضرورة بناء الخط العسكري للمنظمة:
ليس جديدا على منظمة "إلى الأمام" نقدها للخطوط البرجوازية الصغيرة في مجال العنف الثوري واستراتيجياته المختلفة البلانكية والفوكوية وغيرها والتي كانت تعج بها كتب ومقالات قادمة من أمريكا اللاتينية ومن أوربا ومن غيرها. كما كان إطلاعها مواكبا للتجارب التي كانت تطبيقا لها والتي عرفت الفشل كنتيجة حتمية لأخطاء نظرية وسوء تقدير للخصوصيات المحلية وللقوى الذاتية والشروط الموضوعية التي قامت فيها تلك التجارب، وقد قامت المنظمة بتوجيه نقدها الصارم لأحد أبرز منظري تلك التجارب من خلال نقد اطروحات ريجيس ديبري الذي طرحها في كتابه الشهير: "الثورة في الثورة".
ومن الوثائق الهامة في هذا المجال: "مختلف أشكال العنف الثوري" (دراسة) و"دور العنف في التحول الثوري" و "الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري والتنظيم الثوري للجماهير" و "من أجل خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي". في كل هاته الوثائق وغيرها دافعت المنظمة عن خطها الاستراتيجي (انظر "مسودة حول الاستراتيجية الثورية").
1- جدلية العنف الدفاعي الجماهيري والعنف الثوري الهجومي:
النقد الجديد الذي جاءت به المنظمة من خلال وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" هو اعتماده على تجربة مغربية ملموسة من صنع "حركة 3 مارس الثورية" في مستهل مارس 1973. وارتبط ذلك النقد بتحليل شامل للمرحلة وتحديد دقيق لمميزاتها ومهامها.
وفي مجال الاستراتيجية الثورية والعنف الثوري اكدت على ضرورة نهوض اليسار الماركسي اللينيني بمهامه في طرح الإستراتيجية الثورية جماهيريا وكذا طرح مفهومه للعنف الثوري ودوره في المسيرة الثورية. "إن الأحداث الأخيرة قد برهنت بشكل حاسم عن مدى هيمنة الإيديولوجية البورجوازية الصغيرة على الجماهير الكادحة، ومدى ما تسببه هذه الهيمنة من تأخير نمو وتجذير الحركة الجماهيرية وتأخير إطلاق مبادراتها الكفاحية وتفجير طاقاتها الثورية، وما تزكيه من مفاهيم فوقية في وعي الجماهير عن الثورة، كعمل يمكن أن تقوم به نخبة من الوطنيين المخلصين في شكل انقلاب بورجوازي صغير يقوم به "الضباط الأحرار" أو خارج الجيش عن طريق شبكة مسلحة يمكن أن تقوم بتحطيم الحكم، ويزداد هذا الثقل في تكبيل طاقات الجماهير حينما تنتهي هذه العمليات إلى نهاية مأساوية..."
على عاتق الماركسيين اللينينيين بالدرجة الأولى، مهمة إزاحة هذه الهيمنة وإعادة توضيح العنف الثوري في استراتيجية الثورة.
وترى الوثيقة أن الحركة الماركسية اللينينية ستحكم على نفسها بالتخلف عن الحركة الجماهيرية بل وستصبح ذيلية لها وستتجاوزها إن هي لم "تدمج العنف الثوري بإحكام في خطها السياسي وفي عملها الدعائي".
هكذا إذن دعت المنظمة إلى دمج العنف الثوري في خطها الجماهيري وخط الحملم. وهي على هذا الأساس قامت بتحديد طبيعة الوضع على مستوى الحركة الجماهيرية (انظر وثيقة "نحو تهييء شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية" والذي اعتبرته دفاعيا ونضالاته ستكون دفاعية (من هنا مصطلح "النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية" المستعمل في الوثيقة. بالمقابل لهذا المصطلح بلورت منظمة "إلى الأمام" مفهوم "العنف الدفاعي" للجماهير وتعني به تمرس الجماهير على العنف الثوري في أبسط أشكاله دفاعا عن مصالحها وعن نفسها ومن ثمة الاستعداد في المراحل اللاحقة لإطلاق العنف الثوري الهجومي ذو الطبيعة الاستراتيجية: "إن العنف الثوري هو الشكل الأعلى لكفاح الجماهير الكادحة في تحطيم العدو، وإرساء الجمهورية الديمقراطية الشعبية، شكل الكفاح الذي تمارسه في مواجهة العنف الرجعي الذي تمارس به الطبقة الحاكمة استغلال واضطهاد الجماهير."
لم يفت الوثيقة التأكيد على دور الحزب الثوري –حزب البروليتاريا المتحالفة مع جماهير الفلاحين – في تاطير وتنظيم العنف الثوري وتفجيره في الوقت المناسب "من المظاهرة التي ترد على قوات القمع في الأحياء الشعبية إلى تظاهرات الفلاحين في البادية، مرورا إلى المنجم والمعامل والاراضي وحراثتها بقوة، إلى تأسيس القواعد الحمراء المتحركة، المرحلة الحاسمة الأولى في الحرب الشعبية" ونقرأ كذلك "إن الحزب الثوري هو الذي يقود عملية إدراك الجماهير لطاقاتها الملموسة ولقدرتها على تحطيم العدو، باعتباره استراتيجيا نمرا من ورق، وهو إدراك لا يتم بعمل دعائي نظري من خلال الجرائد والمناشير والتحريض الخطابي فقط، بل بتفجير العنف من أبسط أشكاله وفي أبسط مراحل النضال، في النضال النقابي من أجل الزيادة في الأجور أو من أجل إصلاح التعليم، وبتنظيم وتأطير مبادرات الجماهير، وتصعيدها وفق الشروط الملموسة وفي خطة محكمة، في المعامل والأحياء، في الدواوير والضيعات، في المدارس والكليات، إن الماركسيين-اللينينيين هم طليعة هذا النضال وهم الذين يقومون بتأطيره وتنظيمه عبر كل مراحله.".
2- في المرتكزات النظرية للخط العسكري وضرورة إنشاء المدرسة العسكرية لمنظمة "إلى الأمام".
إن جدلية العمل السياسي والعمل المسلح وعلاقة العنف الدفاعي الجماهيري بالعنف الثوري الهجومي تقومان على مرتكزات نظرية عامة قوامها التبني الحازم والحي للماركسية اللينينية كسلاح ثوري في يد البروليتاريا والكادحين وحزبهما الثوري. وعلى هذا الأساس يتفرع الخط العسكري من الخط النظري ومن استعماله الخلاق في معرفة الواقع من أجل تغييره. وترى الوثيقة "أن الخط العسكري بالنسبة للماركسيين اللينينيين هو جزء من خطهم السياسي العام، ومن النظرية الثورية العامة التي يبلورونها حول الصراع الطبقي والواقع المحدد الذي يستهدفون تغييره، فهو ينبني أيضا على الدمج الخلاق لمبادئ الماركسيين اللينينيين بالحرب، واستنتاج قوانينها وفق التحليل العملي الملموس، لهذا فإن المجهود من اجل بناء الخط العسكري للثورة المغربية، الذي سيتأسس عبر ممارسة اليسار داخل الحركة الجماهيرية، لا يتطلب مجرد إعداد الكوادر العسكرية –السياسية فقط بل يتطلب إنشاء مدرسة عسكرية، تكون مهمتها بناء خط عسكري، وبناء كوادر عسكرية سياسية تكون قادرة على إعداد هذا الخط وتطويره، انطلاقا من تجربة شعبنا التي ينبغي أن تندمج فيه وتتعلم منه، ثم تجربة الحركة الثورية العالمية ويمكن إجمال مهام هذه المدرسة العسكرية فيما يلي:
1- الإعداد التقني العالي للكوادر العسكرية.
2- دراسة قوانين الحرب الشعبية في التجارب الثورية الرائدة مثل التجربة الصينية والفيتنامية والعربية في ظفار... إلخ والنظريات العظيمة للرفيق ماوتسي تونغ والرفيق جياب حول الحرب الشعبية، ودراسة حتى التجارب الفاشلة واستخراج الدروس منها.
3- دراسة التاريخ الحربي لشعبنا، هذا الميراث الغني بالدروس والذي يشكل الماركسيون –اللينينيون ورثته الشرعيون (حروب القبائل، حرب الريف، حروب الأطلس، جيش التحري والمقاومة...).
4- إعداد الدراسات العسكرية الدقيقة المرتبطة بالوضع الطبقي في مواقع الصدام، وإعداد التخطيطات العسكرية وفق إمكانيات الانطلاقة العسكرية الأولى حين نضج شروطها.
بقلم فؤاد الهيلالي
الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية
تشتد حاجة الماركسيين-اللينينيين في مثل الظروف التي نجتازها إلى تقييم شامل للوضع الراهن ولمهامهم، يفوق حاجتهم إلى ذلك في أي ظرف آخر، ويحتاجون إلى ذلك بأكثر ما يمكن من الوضوح والدقة. ففي مثل هذه الظروف حين تطرأ على الوضع العام تحولات جديدة كالتي نعيشها حاليا، يكون الماركسيون-اللينينيون أشد عرضة لاحتمالات الانزلاق في التحليل وتحديد المهام، وارتكاب الأخطاء. ويكون لزاما عليهم حينئذ إعادة تدقيق رؤيتهم وتحليلهم للوضع وتقييم التحولات الطارئة عليه وتحديد المهام المطلوبة، وذلك بطريق التشبث بالمنهج الجدلي العلمي في التحليل.
هذا ما أثبته بشكل قاطع عديد من الآراء الخاطئة التي تروج داخل حركة اليسار الماركسي-اللينيني حاليا، وبشكل خاص حين انطلاق عمليات الجناح الاتحادي البلانكي التي جرفت عديدا من الرفاق إلى الإعجاب والتبني وحتى إلى محاولة اتهام اليسار ب"الانتظارية" و"الإصلاحية".
وتزداد هذه الحاجة إلحاحا حين تكون الحركة الماركسية-اللينينية في طور النشوء والتبلور، ويكون الخط السياسي العام والوضوح النظري لمختلف قضايا الثورة في بلادنا ما يزال في أطواره الأولى، حيث يكون بناء تكتيك سديد لهذه المرحلة بأكملها في المسيرة الثورية أشد صعوبة.
وبصفة عامة فإن معظم التحاليل السابقة لليسار الماركسي-اللينيني لم تكن تتوفر فيها شروط الوضوح الدقيق للمرحلة التاريخية الراهنة من نمو الصراع الطبقي ببلادنا، فهي غالبا ما تظل مطروحة على مستوى الأحداث اليومية والأحداث الرسمية بصفة خاصة، وفي رد انفعالي بها، دون أن تربط الأحداث الجارية بالعلاقات الطبقية التي تعبر عنها الأحداث، ولهذا فهي تتخذ شكل التحليل الصحافي، وتكون وقتية، لأنها لا تنظر إليها ضمن مرحلة تاريخية من نمو الصراع الطبقي لا تكون الأحداث إلا تعبيرا عنه، ليس بشكل مبسط ومباشر ولكن بشكل معقد وملتوي، وهذا النقص كثيرا ما يضطر الرفاق الى محاولات الربط بين الأحداث بشكل متعسف وإيجاد الخطوط والعلاقات الوهمية التي تشدها بعضها إلى بعض.
إن الرؤية التي سنسوقها في الصفحات التالية للوضع الراهن، وبصفة خاصة لمهامنا العاجلة، هي محاولة للإسهام في الجهود المبذولة داخل اليسار الثوري من أجل الوصول إلى رؤية أوضح للوضع الراهن وللمهام التي يتطلبها، وبذلك فهي استمرار في نفس العمل الشاق الذي بدأناه من أجل قفزة كيفية في خط وممارسة الحركة الماركسية-اللينينية بصفة عامة.
أولا : مميزات الوضع الراهن
يمكن إجمالها في المميزات الرئيسية الأربعة التالية : أزمة النظام – انحلال البرجوازية الوطنية – اندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير – الحركة الجماهيرية.
I- أزمة النظام
تشكل أزمة النظام التي ما انفكت تتعمق باستمرار الميزة الرئيسية الأولى للوضع الراهن، إن آراء مخالفة داخل الحركة الماركسية-اللينينية تطمس هذه الأزمة وتطمس تناقضاتها، وترى أن الاتجاه الأساسي للنظام هو جمع قواه وحل تناقضاته والتفاف مختلف القوى الإمبريالية حوله وتدعيمه، وتصعيده للإرهاب والبطش الذي يمارسه ضد نمو الحركة الجماهيرية، وضد اليسار الثوري والجناح البرجوازي الصغير البلانكي (1). وفي رأينا أن هذه النظرة خاطئة جدا، وهي بعيدة النتائج حول تحديد مجمل الوضع الراهن ومهام الحركة الماركسية-اللينينية وهي غير جدلية كما سنرى لأنها لا ترى أزمة النظام وتناقضاته، في أساسها الموضوعي، وفي ربطها بتناقضات الإمبريالية من جهة، والحركة الجماهيرية من جهة أخرى.
1. لقد تردد كثيرا في تحاليلنا الأخيرة أن النظام قد اختار الطريق الفاشي. إن هذه الموضوعة صحيحة تماما، تؤكدها سياسة النظام تجاه الحركة الجماهيرية في الأسابيع الأخيرة التي تميزت بشراسة لم يسبق لها مثيل، فمن قمع الحركة الطلابية وحل منظمتها المناضلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ.و.ط.م) واعتقال مناضليها، إلى الطرود البريدية الملغومة، وعشرات الاختطافات والاعتقالات، إلى إعدام الضباط،, إلى الاعتقالات الأخيرة في صفوف اليسار الثوري والجناح الاتحادي الانقلابي وتوقيف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بالإضافة إلى حجز وقمع الحريات العامة (حجز الصحافة المعارضة، منع التجمعات ...)، كل هذا في الوقت الذي يقوم فيه النظام بعملية تدعيم وبناء جهاز بوليسي فاشي خبراء الإمبريالية الفرنسية بصفة خاصة (تأسيس إدارة "حماية الأراضي الوطنية" بقيادة البصري، و"إدارة الوثائق السرية" بقيادة الدليمي). بيد أن هذه الموضوعة لا تطرح إلا كوصف لسياسة النظام الإرهابية تجاه نمو الحركة الجماهيرية دون أن ترقى لإلى مستوى التصنيف العلمي الذي تضمنته كلمة الفاشية تاريخيا، وهذا ما يتطلب مزيدا من دراسة النظام وتناقضاته الداخلية وارتباطاته بالإمبريالية، وتعميق طبيعة هذا الاختيار الفاشي وعلاقاته بتناقضاته وبنمو تجذير الحركة الجماهيرية وحدوده ضمن أزمة النظام الراهنة واستراتيجية الإمبريالية وتناقضاتها.
2. لقد نشأت الفاشية تاريخيا في السنوات العشرين من هذا القرن، كحل للأزمة الشديدة للرأسمالية الاحتكارية، من جراء انطلاق المد الثوري البروليتاري الهائل الذي كان يهدد بالعصف بها، والذي دشنته ثورة أكتوبر 1917 الكبرى. وحين عجزت الرأسمالية ببنيتها الليبرالية أن تقف في وجه الزحف الهائل للبروليتاريا ابتداء من أكتوبر 1917، وضعت سياسة الإرهاب والبطش وسيلة لحل هذه الأزمة في صورة الدكتاتورية الاستبدادية. هذه الأزمة المتعاظمة أيضا بفعل التطاحن بين مختلف الإمبرياليات، فالبرجوازية الألمانية كانت قد عجزت عن فرض إعادة تقسيم "عادل" بالنسبة لها في تقاسم المستعمرات، كما أن البرجوازية الإيطالية واليابانية كانت تبحث عن حل جديد لنموها، وإعادة تقسيم جديد للمستعمرات يناسب مطامحها، في وجه الإمبريالية البريطانية والفرنسية والأمريكية، كل هذا تطلب بناء هذه الدكتاتورية الاستبدادية. وقد استندت الفاشية بشكل أساسي إلى الطبقات الوسطى التي كانت تعاني من البؤس وتفاقم وضعيتها، واستطاعت هذه الفاشيات أن تكسب طابعا وطنيا شوفينيا، وأن تملك جذورا اجتماعية أكثر ثباتا وأساسا جماهيريا، حين طرحت نفسها بديلا لحل الأزمة الثورية الناشبة التي لم يكن بمقدور البروليتاريا الأوربية أن تحسم فيها نتيجة خيانات الأممية الثانية.
3. كما أن الفاشية الجديدة والنامية في عدة بلدان داخل ما يسمى "العالم الثالث" تملك هذه الجذور، فهي تدخل ضمن الاستراتيجية الجديدة للإمبريالية الأمريكية بصفة خاصة في بناء أنظمة إرهابية قوية، تلعب دور الإمبريالية في قمع وسحق نضالات الشعوب المتنامية، مثل البرازيل داخل أمريكا اللاتينية وإيران في منطقة الخليج العربي وجنوب إفريقيا وتركيا ... وهذه الأنظمة ترتكز إلى تدعيم برجوازيات هذه البلدان، ذات الطبيعة الكمبرادورية، بحيث تتحكم في كل موارد البلاد، وتعتمد إلى جيش قوي وجهاز بوليسي إرهابي منظم، يديره خبراء الإمبريالية بطريق غير مباشر عن طريق عملاء CIA أو "كتائب السلام"، وتدعمها اقتصاديا بالمساعدات والقروض والبعثات ... وتستند هذه البرجوازيات إلى نخب عسكرية منظمة تشكل أساس هذه البرجوازيات الكمبرادورية.
4. في بلادنا نمت الطبقة الحاكمة، بشكل مضاد للبرجوازية الوطنية نفسها، وفي اتجاه نسف أساسها الاقتصادي الموضوعي، بارتباط مباشر بالنهب الاستعماري الجديد. إن إحدى المميزات الرئيسية لدينامية الصراع الطبقي في بلادنا هي الانحلال والتفسخ المتزايد للبرجوازية الوطنية اقتصاديا وسياسيا، وتمركز كل موارد اقتصاد البلاد في يد أقلية تتقلص قاعدتها الاجتماعية باستمرار من المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي وعلى رأسهم الملكية المغربية التي تشكل رمز هذه الأقلية الحاكمة وضامن وحدة وتماسك فئاتها.
إن هذا الاتجاه في نمو هذه الطبقة الحاكمة يرجع إلى الاستراتيجية الموضوعة في ايكس ليبان في إطار استراتيجية الإمبريالية في الاستعمار الجديد، فقد استطاعت الإمبريالية الفرنسية أن تصحح خطأها بالتحالف من جديد مع الملكية والطبقة الحاكمة والبرجوازية الوطنية في شكل الاستعمار الجديد، وذلك حين بدأت الثورة الشعبية المنطلقة تحمل بذور نمو جذري لحركة شعبية-ديمقراطية مسلحة تهدد بنسف مستقبل مصالح الإمبريالية الفرنسية في بلادنا كلية، كانت تلك الاستراتيجية تقوم على بناء الطبقة الحاكمة العميلة وعلى رأسها الملكية الإسمنت الذي يلحم مختلف فئات الطبقة الحاكمة. وتبع ذلك تكسير وتفتيت المنظمات الشعبية ذات الأفق الجذري المتزايد (المقاومة، جيش التحرير) بالقمع الدموي من جهة، والمناورات السياسية من جهة أخرى، في غياب أي استراتيجية وفراغ سياسي هائل لدى هذه المنظمات، وتبع ذلك إفراغ منظمة العمال النقابية الاتحاد المغربي للشغل (ا.م.ش) المنبثقة في إطار المعركة الوطنية من مضمونها النضالي على يد بيروقراطية نقابية. كل هذا تحت الضمانات الأكيدة للبرجوازية الوطنية بكل أجنحتها، وبتنفيذ من حكوماتها الوطنية، وتحت غطاء الوحدة الوطنية والحماس الوطني ...، وتوج هذا بلفظ البرجوازية الوطنية من الحكم على مرحلتين في 1960 و1962، والشروع بشره لا مثيل له في عملية تصعيد النهب الاستعماري الجديد وتفقير وتشريد الجماهير الكادحة.
5. ويشكل نمو جهاز الدولة الطفيلي وفساده أيضا الوجه البارز لعملية اشتداد النهب وبشكل لا مثيل له، حيث يتوسع ويتضخم جهاز الدولة ونفوذه وهيمنته على كل القطاعات عن طريق ما يسمى المكاتب الوطنية بصفة خاصة؛ مكتب التسويق والتصدير، مكاتب الزراعة، مكتب الري، مكتب الشاي والسكر ...).
وتشكل سياسة السدود القائمة على تطوير الرأسمالية في البادية با نتزاع الأراضي من أيدي الفلاحين الفقراء وتحويل المغرب إلى مزرعة لأوربا، ونمو قطاع السياحة الذي يضمن أرباحا سهلة وسريعة ودون مصاعب للرساميل الأجنبية، أبرز مظاهر مجالات نشاط سياسة الطبقة الحاكمة الاقتصادية القائمة على التبعية المطلقة للإمبريالية ومعاداة التصنيع الحقيقي للبلاد والتحرر الاقتصادي.
ويبلغ نمو جهاز الدولة الطفيلي إلى الحد الذي يمتص في ميزانية 1972 ما يقرب من 600 مليار فرنك قديمة من مجموع 1500 مليار تشكل كل الدخل الوطني السنوي، إن نتائج هذه السياسة هي تمركز الثراء والبذخ لدى الطبقة الحاكمة وتمركز البؤس والفقر والبطالة والجوع والجهل لدى الجماهير الكادحة. فالنظام عاجز عن أي تحسين لوضعية الجماهير ولو في حدود تخفيف حدة البطالة الشديدة أو تعميم جزئي للتعليم من أجل امتصاص مؤقت لنقمتها، وينتج عن ذلك تعمق الأزمة الاقتصادية الدائمة للنظام وتسرع به نحو الإفلاس الاقتصادي، وأبرز النتائج لهذه الأزمة :
1. تراكم الديون بشكل مستمر لتغطية الأزمة.
2. الارتكاز على إرهاق الجماهير الكادحة بالضرائب المباشرة وغير المباشرة.
3. العجز الدائم في الميزان التجاري.
وتؤدي سياسة النظام هذه إلى تفكيك وتفقير البرجوازية الصغيرة المتوسطة وخنقها اقتصاديا، ودفع أقسام منها إلى صف الجماهير الكادحة، ثم دمجها اقتصاديا وتحويلها إلى أطر في جهاز الدولة المتضخم باستمرار، ثم تفكيكها ودمجها سياسيا.
كل هذا يفقد النظام الأساس الموضوعي لبناء نظام فاشي ذو جذور اجتماعية وطيدة، وليس في مقدوره إلا الأساليب الفاشية في القمع والإرهاب، لوقف زحف الجماهير المسحوقة.
6. كما أن محاولات النظام الرامية إلى عملية بناء أساس إيديولوجي لنظام فاشي، تمنحه المشروعية في أعين الجماهير، محكوم عليها بالفشل.
إن ارتكاز هذه العملية في عملية الانبعاث الإسلامي، والهيبة الدينية الشعبية"لأمير المؤمنين" "الإمام"، وخلق جماعات الإخوان المسلمين، هذه العملية التي يقودها الكاهن المكي الناصري تفتقد أسسها الموضوعية، لأنها ترمي إلى إعطاء المشروعية إلى نظام يعيش يوميا على قمع وامتصاص دماء الجماهير الكادحة، إن النجاح النسبي الذي لاقته حركة الإخوان المسلمين قبل 1952 بصفة خاصة، داخل الجماهير العربية في الشرق يرجع لكونها كانت إيديولوجية معارضة، إيديولوجية تنطلق من موقع نقد الأنظمة الخائنة والمتخاذلة في الشرق، كما أن أفراد الطبقة الحاكمة هم أول من يسيء إلى الدين في سلوكهم اليومي. والأوتوقراطية التي تزرع الاضطهاد في كل مكان ولا تحصد إلا الحقد على الطبقة الحاكمة، أصبحت -بحكم رغبة الحسن وعبد الله في تحويل المغرب إلى ضيعة لهما- مفاهيم "أمير المؤمنين" و"الإمام" تفقد مفعولها الإيديولوجي لدى الجماهير الكادحة، وهذا ما أعلنه ضباط 16 غشت بشجاعة داخل المحكمة، وعلى لسان الجلاد أوفقير.
7. إن كون النظام المتعفن قد عجز عن وقف المد الجماهيري المتنامي مما يعرض مستقبل المصالح الإمبريالية للتحطيم، بحكم تضارب مصالحها في الوطن العربي وفي منطقة غرب البحر المتوسط ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة لمختلف الإمبرياليات. وهذه التناقضات ترتبط بتناقضات الطبقة الحاكمة بحكم عمالتها وتفانيها في خدمة مختلف المصالح الإمبريالية ببلادنا.
إن جوهر التناقض يكمن في الخلاف بين الإمبريالية الفرنسية التي تتمركز مصالحها الاقتصادية الضخمة في بلادنا عن طريق الأبناك الكبرى (وضمنها بنك روتشيلد الصهيوني الكبير) والإمبريالية الأمريكية التي يمثل المغرب بالنسبة لها في الدرجة الأولى موقعا استراتيجيا هاما في إطار الصراع حول مناطق النفوذ مع التحريفية السوفياتية وقمع كفاحات الشعوب المتنامية.
كما أن عملية نهب الصحراء الغربية الغنية بالمواد الأولية الهامة وذات الموقع الاستراتيجي الهام هو أحد عوامل هذا التناقض، هذه المنطقة التي تتراكم عليها المؤامرات من كل جانب، فقد تم اكتشاف حقول ضخمة تعادل نفس الحقول الكبيرة في الخليج العربي، وفي شروط مناسبة للاستخراج، وظل هذا الاكتشاف سريا حتى تسوية وضعية المنطقة سياسيا(2).
وبالرغم من كون الإمبريالية الفرنسية، التي كانت تنهج في زمن ديغول سياسة شبه مستقلة عن الإمبريالية الأمريكية، قد بدأت تعود تدريجيا ضمن الهيمنة الإمبريالية الأمريكية التي تقود المعسكر الإمبريالي، فإن ثقل المصالح الاقتصادية للرأسمالية الفرنسية في بلادنا، وضعفها النسبي من جهة أخرى يجعل منها السند الأساسي للنظام الملكي من أجل إصلاحه ودفعه في طريق ليبرالي أكثر، من أجل امتصاص حركة الجماهير المتصاعدة ونقمة فئات الطبقة الحاكمة نفسها، وهذه هي استراتيجية الإمبريالية الفرنسية داخل كل العالم الثالث.
أما الإمبريالية الأمريكية فبحكم دورها في قيادة المعسكر الإمبريالي في الصراع ضد المعسكر الاشتراكي وكفاحات الشعوب المتنامية، نتيجة الآلية الاقتصادية والعسكرية الضخمة التي تتوفر لديها، يجعل استراتيجيتها تنبني من جهة أخرى على بناء أنظمة عسكرية فاشية كما أوضحنا سابقا تكون قادرة بقوة الدعم الإمبريالي، على وقف زحف الجماهير الكادحة وضمان المصالح الإمبريالية والقيام بدور الإمبريالية في سحق وقمع بلدان أخرى مجاورة وتستند في ذلك إلى تدعيم وتقوية برجوازيات هذه البلدان سياسيا واقتصاديا، وبناء نخب عسكرية ذات جهاز فاشي ضخم يكون قادرا على تكسير الحركات الثورية وسحق انتفاضات الجماهير، وعلى امتصاص سخط الجماهير في إطار إصلاحات "وطنية" لا تضر بالمصالح الاستراتيجية للإمبريالية، والأمثلة الشهيرة واضحة في هذا المجال.
في هذا الإطار يجب وضع انقلابي 10 يوليوز 1971 و16 غشت 1972، التي ليست إلا تعبيرا عن استراتيجية الإمبريالية الأمريكية في قلب أوتوقراطية الحسن العاجزة عن القيام بدورها المطلوب في ضمان المصالح الإمبريالية الأساسية، بوقف نمو الحركة الجماهيرية التي يتحول تدريجيا شعار الجمهورية إلى مطمحها المباشر(3). فالأوتوقراطية المتعفنة، وهي رمز الطبقة الحاكمة وضامن وحدتها، لم تعد قادرة على القيام بدورها المطلوب في تجذير الحركة الجماهيرية، وتوازن والتحام فئات الطبقة الحاكمة، حيث يقوم حسن وعبد الله بشره مخيف بعملية تحويل المغرب إلى ضيعة لهما وتضيق الخناق أمام البطون المتوحشة لكمشة الطبقة الحاكمة، مما يزيد في رغبة الطبقة الحاكمة في إزاحة عرقلة الأوتوقراطية الطفيلية، وتعويضها بدكتاتورية عسكرية فاشية تضمن مصالح الطبقة الحاكمة وضمان الهيمنة الإمبريالية وتوقف الزحف الجماهيري ونمو القوى الثورية المتزايد.
8. على مستوى الوطن العربي، فإن عزلة النظام تتعمق بحكم كونه أحد الأنظمة الرجعية التي تمارس التآمر خفية ضد الثورة الفلسطينية طليعة الثورة العربية، أما مهزلة إرسال الجيش إلى سوريا فلن تستطيع ستر خياناته للثورة العربية، ولا مهزلة الثوري الإفريقي تستطيع ذلك. وتزداد هذه العزلة على مستوى المغرب العربي، أمام تخاذل حسن واتجاهه للمساومة على الصحراء الغربية مع الاستعمار الأسباني، مما يدفع النظام الجزائري والموريطاني الذين يعتبران أنفسهما من الأطراف المعنية باستثمار خيرات المنطقة، إلى الابتعاد عن النظام وبصفة خاصة النظام الجزائري (حيث طار خدام الحسن بعد انطلاق عملية البصريين، الذي يتشكك في مساعدة النظام الجزائري لهم وتسربهم من حدودها إلى المغرب)، وبالرغم من التحركات الأخيرة (زيارة وزير خارجية الحسن إلى واشنطن ...) لتمزيق طوق العزلة، والبحث عن علاقات اقتصادية ومساعدات من الاتحاد السوفياتي هي محاولات محكوم عليها بالفشل، ولن تحد من غضب كل الأطراف على نظام الحسن المتعفن.
9. كل هذه العوامل تجعل من النظام العميل، موضوعيا، مركز تناقضات متزايدة تتعمق باستمرار، وقابلة للانفجار والعصف به، وتجعل من عملية تغطية وجهه بقناع ليبرالي مزيف محاولة فاشلة، وقد عدل حسن نفسه عن اللعبة البرلمانية بعد أن انكشف زيفها. إلا أن اشتداد هذه التناقضات وانفجارها، لا يمكن أن يتعمق ويتوسع إلا بمقدار نمو الحركة الجماهيرية وجذريتها، واشتداد قوى الثورة العربية في المنطقة، مما يقرب نهاية النظام، ويجعل من مصلحة كل القوى الإطاحة به، وهو الاتجاه الذي بدأت تظهر بوادره لدى الإمبريالية الفرنسية نفسها (التهديد الأخير من طرف النظام بإعادة النظر في المصالح الفرنسية وحملته على الأساتذة الفرنسيين ...)، وعدم اعتبار هذه العلاقة، يجعل الكثيرين يرون النظام في حد ذاته قويا وبدون تناقضات، لمجرد أنه يستطيع القمع والبطش والإرهاب، لا يكفي أن النظام مفككا وضعيفا، بل إن نمو حركة الجماهير حتى يتم تعميق أزمته وعزلته، وهذا هو اتجاه الأحداث، وما دامت ساحة الصراع لم تفرز القوة البديلة للنظام ولكل الطبقة الحاكمة، فالبرجوازية الوطنية لا يمكنها أن تكون تلك القوة، في الوقت الذي لم تبلغ فيه الحركة الجماهيرية: حركة الطبقة العاملة والفلاحين مرحلة القدرة على الحسم في الصراع مع النظام، فإن الطبقة الحاكمة سترمي بنظام الحسن العاجز، وستوفر الشروط لتخفيف استراتيجية الإمبريالية في المنطقة، في سحق مد الثورة العربية المتنامي هنا في الجناح الغربي للوطن العربي.
II- انحلال البرجوازية الوطنية
1. تقدم البرجوازية هذه الأيام دعما سياسيا سافرا للنظام بصورة لم يسبق لها مثيل، في الحملة الفاشية المتصاعدة للنظام ضد الحركة الجماهيرية وقواها المناضلة، ابتداء من اليسار الماركسي-اللينيني إلى الجناح الاتحادي البلانكي، وإلى الحد الذي تساهم فيه البرجوازية في حفلات النظام دون خجل، فمنذ أيام حين كان مناضلوا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يعذبون في الفيلات السرية، على أيدي جلادي النظام، لم يجد عبد الله إبراهيم أي حرج، وهو الزعيم المزعوم للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في حضور حفلة زفاف "أمينة" علانية ومصافحة حسن المجرم، وحين كان المقاومون الحقيقيون يذوقون صنوف التعذيب الجهنمي كان علال الفاسي المهترئ، يجلس إلى مائدة عصمان في حفلة تأسيس المقاومين-العملاء والبوليس (4). وقبل ذلك قامت صحافة حزب الاستقلال بالتحريض والتغطية الدعائية لعملية الحكم في تصفية اليسار الثوري، وبعملية تهجم شديد ضد الفكر الثوري، والبحث عن أفضل الصيغ القانونية لحل منظمة الجماهير الطلابية المناضلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم بالصمت المتواطئ في تصفية المناضلين الاتحاديين في الأيام الأخيرة وتوقيف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أما البيروقراطية النقابية فإنها تقوم بالدور الموكول إليها في تكسير نضالات الطبقة العاملة وإجهاضها بأشد الطرق الفاشية، وبشكل يغدو معه من المستحيل على طبقتنا العاملة إذا هي أرادت أن تحتل موقعها التاريخي في قيادة كفاح شعبنا أن تفصل بين النضال ضد الباطرونات والبوليس وبين النضال ضد عصابات البيروقراطية النقابية.
إنه الانحلال الذي تعرفه البرجوازية الوطنية منذ صفقة إيكس-ليبان المخزية، الانحلال الذي يجعل من هؤلاء السادة في نهاية المطاف قوة احتياطية أخيرة للنظام، كلما احتاج إلى التنفيس عن أزمته المتنامية.
2. إن الأساس الموضوعي لهذا الانحلال هو التفكيك الاقتصادي الشديد للبرجوازية المتوسطة، وهي التي تسمى عادة بالوطنية أو الليبرالية، في بنية النظام التبعية، وهذه إحدى المميزات الرئيسية لدينامية الصراع الطبقي ببلادنا، ففي نظام التبعية للإمبريالية تنعدم الأسس الموضوعية لنمو وازدهار البرجوازية المتوسطة، بحكم هيمنة المصالح الإمبريالية الاحتكارية وتحويلها بلادنا إلى مصدر للمواد الأولية وسوق لمنتوجاتها الصناعية، واستيلاء الكمشة الحاكمة على موارد البلاد واقتصاده. إن نسف الأساس الاقتصادي وتفكيك الأوصال السياسية للبرجوازية الوطنية، كان الشرط الأول بالنسبة لاستراتيجية الاستعمار الجديد منذ استقلال 1956 الشكلي. وبحكم التخطيط الاقتصادي للاستعمار الجديد لم يكن للبرجوازية المتوسطة إلا مجال هامشي تحت مراقبة جهاز الدولة الطفيلي يتم تضييقه باستمرار يتكون من بعض الصناعات الخفيفة والتحويلية وقطاع الخدمات ... ينتهي إلى الاندماج تدريجيا في جهاز الدولة الذي يتوسع احتكاره وهيمنته على كل اقتصاد البلاد، ويقلص قاعدة البرجوازية المتوسطة ويدفع بأقسام منها إلى خدمة جهاز الدولة في شكل برجوازية تقنوقراطية، وأقسام أخرى منها إلى صف البرجوازية الصغرى وحتى الجماهير الكادحة، أما عملية توزيع الأراضي فلا تؤدي مطلقا لإ إلى نموها لأن هذه الأراضي تبقى في ملك الدولة بشتى الأشكال (التعاونيات، القروض ...) ولا تؤدي إلا إلى نمو فلاحين متوسطين هم من البرجوازية الصغرى، يلعبون دور صمام أمان بالنسبة لاستحواذ الملاكين الكبار على الأراضي.
3. ذلك هو الأساس الموضوعي لهذا الانحلال، والذي يعبر عنه تقلص الأجهزة السياسية البرجوازية إلى فئات من المحترفين السياسيين، لا مستقبل لهم إلا في إطار خدمة النظام كأطر له، وتحولهم كقوة احتياطية له.
في بلدان عديدة مما يسمى بالعالم الثالث استطاعت بعض البرجوازيات الوطنية أن تحقق نموا نسبيا مستقلا، في الإطار التبعي نفسه، وفقا لشروط خاصة، مثل الهند والشيلي ... وبنسبة أقل تونس، واستطاعت هذه البرجوازيات نتيجة لذلك أن نقطع أشواطا في بناء أنظمة ليبرالية نسبيا، بحكم أن هذه البرجوازيات لم تستنفذ شعاراتها الوطنية نهائيا. في بلادنا كما أوضحنا سابقا تنعدم هذه الأسس بتاتا، وتنعدم تبعا لذلك أسس تطور ليبرالي في إطار النظام الحالي، وتنعدم تبعا لذلك أسس النضال الديمقراطي الليبرالي، هذا ما تظهره المحاولات اليائسة لبرجوازياتنا في تحقيق ذلك، وهو ما يظهر عبث هذه المحاولات الآن، تلك التي يريد من خلالها عبد الله ابراهيم أن يجعل من نفسه "ألندي" المغرب، تحت ستار تحليلاته العلمية، وما يظهر أيضا سخافة أوهام علال في ملكية دستورية تحت ظل الحسن ونظامه. إن هذا الانحلال يؤدي بخروج الأجزاء الجذرية من هذه البرجوازيات كما هو الحال في العمليات الأخيرة للجناح الاتحادي البلانكي وفي الطريق الإرهابي المسدود، أما تلك المتحجرة والمتعمقة منها التي تظل سجينة أوهامها "الإصلاحية" والليبرالية فهي ستتحول إلى خدمة النظام في نهاية المطاف، وهو التحول الذي تبدو بوادره منذ الآن.
III- اندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير
1. يشكل اندحار المحاولة المغامرة الجديدة للجناح البلانكي البرجوازي الصغير، المدعو بجناح البصري الميزة الأساسية للوضع الراهن، بسبب ما تفرضه على اليسار من تقويم لاختياراته وخطته، وبسبب ما يتركه على وعي وتطور الحركة الجماهيرية من آثار سلبية، وما يفرضه على النظام من تحويل في سياسته وتصعيد الفاشية. لقد اتضح الآن الى أي مأزق انقاذ إليه هذا الجناح,واتضح أيضا كم هي مخطئة تلك التقديرات المتسرعة التي أفقدت عديدا من المناضلين الرؤية الاستراتيجية السلبية، وواضح أن هذا المأزق لا تسببه أخطاء عسكرية، ولا عدم اختيار الشروط السياسية المناسبة لانطلاق العمل المسلح، بل يرجع في العمق إلى التصور الطبقي البرجوازي الصغير للثورة، الذي يقود إلى النهج التآمري المغامر، يقفز عن حركة الجماهير الثورية وقدرتها على صنع الثورة خلال مسيرة الحرب الشعبية في تحطيم العدو الطبقي وأسياده الإمبرياليين.
2. لم تحمل هذه العمليات تحولا جديدا في النهج الإصلاحي-البلانكي المزدوج لدى هذا الجناح. الجديد هو تمكن الشبكات هذه المرة من إنجاز بعض العمليات مهما كان حجمها وفعالياتها، فقد اعتادت المخابرات البوليسية للنظام اصطياد هذه الشبكات بسهولة كبيرة قبل اكتمال نموها، هكذا كان الحال في 1963 وفي 1969 وفي غشت 1972. إن كثيرا من الرفاق يحاولون تخطئة تحليلنا السياسي السابق حول مراهنة هذا الجناح حول البرلمان والانتخابات. وفي الحقيقة فإن هذا الجناح كان يزاوج دائما بين خط إرهابي تآمري في شكل البحث عن انقلاب أو تنظيم شبكات تقنية مسلحة يمكن أن تقلب الحكم، وبين خط إصلاحي انتهازي تفاوضي يستعمل كواجهة وتغطية للخط الأول، وهو في الحقيقة توفيق بين فئتين، كل منهما يستخدم الآخر لتنفيذ خطته. ونقص التحليل السابق يكمن في عدم طرحه المراهنة على البرلمان ضمن هذه الازدواجية.
إن من بين أهم التقديرات الأساسية التي قادت مجموعة البصري الذي لا يستفيد من الدروس أبدا، إلى المأزق المأساوي الراهن، الذي يعرفه إرهاب البرجوازيين الصغار في كل مكان وزمان وهي :
أ. المراهنة على خلق ظرف ثوري، سيجر الجماهير إلى معمعان النضال لإسقاط الملكية وإقامة الجمهورية.
ب. المراهنة على انفجار التناقضات داخل الجيش، في شكل انقلاب يحمل المجموعة إلى السلطة، أو في شكل انضمام قوات الجيش إلى المجموعات المقاتلة.
3. هل يمكن أن تخلق هذه العمليات وضعا ثوريا مناسبا أو "الثورة" كما تصرح بذلك إذاعة الجناح من ليبيا؟
ما هو أولا بوجه عام الظرف الثوري؟ أن يتميز أولا بأزمة خانقة للطبقة الحاكمة بحيث تكون غير قادرة على الاستمرار في الحكم بأي من الوسائل. أن يتفاقم بؤس الجماهير الكادحة ويشتد تفاوتها أكثر من المألوف ثانيا، وأن تكون هذه الجماهير الثورية ثالثا بحكم نضال طويل ومتعاظم في شكل الحرب الشعبية في مرحلة القوة التاريخية القادرة على استلام السلطة، هذه هي الشروط الموضوعية الثلاثة الأولى. وأن تكون الطبقة الثورية القائدة الطبقة العاملة هي طليعة الكفاح الطويل والشاق لتحطيم العدو الطبقي وإرساء الجمهورية الديمقراطية الشعبية كشرط ذاتي رابعا.
4. قد لا نحتاج إلى تحليل عميق لندرك انهيار هذه المراهنة، فأي من الشروط التي ذكرناها، (والتي تشير اليها الماركسية بوضوح التي تلخص دروس أكثر من قرن وربع قرن من كفاح الحركة العمالية) لا يتوفر بنفس الحجم المطلوب، والذي يشكل فيه عامل نمو حركة الجماهير وتجذرها وتمرسها في النضال وصولا إلى الكفاح المسلح وتحطيم العدو الطبقي وأسياده الإمبرياليين عبر الحرب الشعبية الطويلة المدى الشرط الأساسي، وهي المسيرة التي تفرض قيادة البروليتاريا من خلال ممثلها السياسي الحزب الثوري، الذي لا يتبلور إلا من خلال عمل سياسي وتنظيمي طويل النفس في قلب الحركة الجماهيرية، ويتقوى ويتصلب عبر مرحلة الكفاح المسلح نفسه في مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. وإن تعويض هذا الشرط بإلهاب حماسة الجماهير عن طريق إذاعة مهما بلغت درجة بلاغتها الثورية، أو من خلال حزب سياسي منخور تتحكم فيه ممارسة إصلاحية انتهازية لا يمكن أن تقود إلا إلى المأزق الحالي.
لقد رأينا سابقا أن أزمة النظام لا يمكن أن تأخذ حجمها الكامل كما يستوجب الظرف الثوري، إلا بقدرة الحركة الجماهيرية على التنامي والتجذير بطاقات متعاظمة باستمرار.
وفي ظل غياب هذه الشروط، وغياب الوعي الثوري المقترن بوجود الطليعة البروليتارية المنظمة، فإن هذه العمليات ستترك آثارا سلبية على وعي الحركة الجماهيرية، التي رأت فشل كل المحاولات الفوقية لقلب النظام العميل، ويزكي في وعيها الحسي رسوخ النظام وقوته الزائفة، في نفس الوقت الذي لم تدرك فيه بعد طاقاتها وقدرتها على تحطيم النظام وإقامة الجمهورية الديمقراطية-الشعبية : جمهورية مجالس العمال والفلاحين الفقراء والجنود الثوريين. وستعجز هذه العمليات حتى عن إعطاء المثال الملموس للكفاح المسلح كما يزعم البعض لأن إدراك الجماهير لضرورة العنف الثوري كشكل ضروري لتحطيم عدوها لا يأتي إلا عبر التجربة الملموسة للجماهير وإدراكها الملموس لطاقاتها في النضال الثوري أولا، يقترن ذلك بعمل سياسي دعائي واسع ومنظم للطليعة الثورية ثانيا.
5. إن التدخل السريع والفعال لقوات النظام القمعية وقدرتها بسرعة على عزل المقاتلين وتصفيتهم يرجع إلى سوء تقدير النظام، واحتقار دور الجماهير في بناء طريق الثورة.
فرغم ضعف النظام وتزايد أزمته، إلا أنه لا يعاني انقساما بين فئاته وصراعا مسلحا بينها، يفقد النظام سرعة التدخل والحركة في تصفية المجموعات المسلحة، ويسمح لهم ببناء قواعد صغيرة محررة مستغلة ظروف التطاحن بين فئاته كما وقع في الصين في إقامة مناطق السلطة الحمراء الأولى في السنوات الأولى للثورة الصينية، إن هذه الظاهرة لم يعرفها الحكم في المغرب إلا بساعات قليلة يوم 10 يوليوز 1971. فالنظام ضعيف ولكنه مركزي في الوقت الذي لم تزل فيه حركة الجماهير غير قادرة على تعميق هذه الأزمة وتفجيرها، ومن المؤكد أنه لن يعرفها مستقبلا، وأن طابع الصراع بين فئاته سيأخذ طريقة الحسم السريع (الانقلاب العسكري بصفة خاصة)، بحكم الشروط الملموسة لبلادنا، وفي مقدمتها اهتمام الإمبريالية ببلادنا بحكم موقعها الاستراتيجي الهام والمتمركز في المنطقة عبر قواعدها داخل بلادنا أو قواعدها الضخمة في أسبانيا، وهذه استراتيجية الإمبريالية في عصر اندحارها على نطاق عالمي كما تبرزه أمثلة كوريا والفيتنام والدومينيكان، والعدوان الحاصل الآن في الكامبودج واللاووس ... كل هذه الشروط تجعل من تكتيك حرب العصابات المتنقلة كما وقع في كوبا، يمكن أن تجر الجماهير إلى الكفاح والاستيلاء على السلطة (حيث اقترن في الواقع الكفاح السياسي بالكفاح المسلح) طريقا غير صائب بالنسبة للثوريين، ويؤدي بها حتى في حالة استمرارها إلى عزلها وحصرها في المناطق الجبلية الوعرة التي لا تسمح بتنمية الكفاح الثوري الجماهيري في المناطق الرئيسية التي يتمركز فيها الصراع الطبقي.
إن هذه الشروط تظهر بشكل قاطع صحة طريق الحرب الشعبية، الطريق الوحيد للثورة في بلادنا، طريق بناء الطليعة البروليتارية، وبناء جبهة العمال والفلاحين الفقراء المعتمدة على نضال الفلاحين في الاستيلاء على الأرض وتصفية المعمرين الجدد، وتأسيس الكتائب الأولى من الجيش الأحمر في شكل القواعد الحمراء المتحركة لتجنب سرعة تدخل قوات العدو، وتوسيع وتعميق نضال الجماهير الشعبية في المدن، وصولا إلى بناء المناطق المحررة الأولى لجمهورية مجالس العمال والفلاحين، وتوسيع جبهة الكفاح في المنطقة إلى معركة التحرر الوطني في الصحراء الغربية وكفاح الشعب الموريطاني.
هذه العمليات ليست إذن عاجزة فقط عن دفع نمو تجذير الحركة الجماهيرية وبلورة الطليعة البروليتارية، بل إنها تعطي للنظام زمام المبادرة في إنهاء أزمته وتشديد الفاشية وإرهاب الحركة الجماهيرية، من أجل إعادة بناء قواه وتصفية تناقضاته، وبناء جهاز فاشي قوي، وهي العملية التي بدأها النظام في الشهور الأخيرة في بناء البوليس وتشتيت الجيش وإرسال جزء منه إلى سوريا، وأخيرا في بناء منظمة من العملاء والبوليس والانتهازيين، وهذا هو أساس تحركات الديبلوماسية في واشنطن والجزائر وأسبانيا، وتعجل بشكل أساسي الحل الإمبريالي الأمريكي وتدفع فئات الطبقة الحاكمة إلى التعجيل بإنهاء أزمة النظام وأخطار الانفجار التي يحملها الوضع الراهن. إن اتجاه هذا الحل وطابعه الأساسي –كما أوضحنا في تحليلنا لأزمة النظام- يرشح الحل العسكري اليميني، وقد تعلمت الإمبريالية في مثل هذه الظروف، كيف تستوعب نقمة الجماهير وسخطها في انقلاب عسكري فاشي يزعم لنفسه إقامة جمهورية "وطنية" وإصلاحات "وطنية" وحتى "ثورية"، والأمثلة معروفة.
6. إن مبدأ الماركسية اللينينية الأول هو أن الثورة من صنع الجماهير، إن الثورة هي ممارسة الجماهير المنتجة والمنظمة بطليعة البروليتاريا، الطبقة الثورية حتى النهاية، بتحالف مع جماهير الفلاحين الفقراء والمعدمين : الحليف الدائم للبروليتاريا ليس في الثورة الديمقراطية المعادية للإمبريالية والإقطاع، ولكن حتى في الثورة الاشتراكية التي تهدف إلى تحطيم الرأسمالية وبناء الاشتراكية، وصولا إلى المجتمع اللاطبقي الذي تنمحي فيه كل أشكال الاستغلال، وبتحالف مع جماهير البورجوازية الصغيرة والفئات الوطنية داخل البرجوازية المتوسطة : الحليف المؤقت للبروليتاريا، في جبهة عريضة تستهدف إقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية : جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين. هذه هي طريق الماركسيين-اللينينيين الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضعوه موضع تردد أو تحريف، ليست الثورة فقط من صنع الجماهير لأن الجماهير المنتجة والمضطهدة هي القادرة على تحطيم سلطة المعمرين الجدد والوسطاء والرأسمال الأجنبي والجلادين وتدمير جهاز الدولة الاستغلالي والقمعي عبر الحرب الشعبية الطويلة المدى، ولكن لضمان مسيرة الثورة وتأمين قوتها في وجه الأعداء، والقوى التي تريد الارتداد إلى الرأسمالية، وفي وجه أي تحريف بيروقراطي لن يكون إلا لصالح البرجوازية، فالثورة البروليتارية هي أول ثورة في التاريخ يصنعها العبيد هذه المرة لحسابهم الخاص.
فالعنف الثوري إذن هو تتويج لممارسة الجماهير الثورية، وليس عملا تقنيا يمكن أن تقوم به شبكات معدة أحسن إعداد، إن هذا الفهم لا يمكن أن يقود غلا إلا إلى المآزق الدموية للمناضلين، مهما بلغت درجة تنظيمهم وتسليحهم، الشيء الذي أثبتته الأيام الأخيرة حين شملت هذه الاعتقالات كل المجموعات تقريبا (مما يظهر أن الجناح قد زج بكل مناضليه في هذا المأزق) ووصلت إلى سياسيي الحزب المسالمين، وسقوط كميات ضخمة من الأسلحة الجيدة التي لم تعرف طريق الاستعمال بعد.
يمكننا كذلك أن نضيف الخطأين التاليين من نفس المنظور السابق :
أ. لم يكن اختيار الأماكن المحددة للعمليات اختيارا مدروسا، واختيارا سياسيا، إن قيام العمليات في أماكن معزولة لا يحدده فقط وضع جغرافي مناسب، بل حدة الصراع الطبقي في المنطقة وتمركز المصالح الإمبريالية، مما يعطي مناخا جماهيريا مناسبا لعمليات عسكرية تستهدف مصالح الأعداء الطبقيين (المعمرين الجدد) ودفع جماهير الفلاحين إلى احتلال الأرض ومقاومة قوات العدو (تادلة، الغرب، سوس ...) كما وقع بصورة عفوية وجزئية في خنيفرة.
ب. مهاجمة المخزنية ورجال البوليس العاديين، مما سيسيء إلى هذه العمليات، ما دام مطلوبا من هذه الفئات، التي هي جزء لا يتجزأ من الجماهير الشعبية، بان تحول بنادقها إلى صدر النظام بجانب الجماهير وطلائعها المسلحة، الأمر الذي لا يكون عفويا، بل من خلال عمل سياسي وتنظيمي للطليعة البروليتارية داخل هذه الفئات، ولا يمكن هذه العمليات إلا أن تفيد العدو في ضمان إخلاص هذه القوات إليه ومنع أي تصدع داخل جهازه القمعي.
7. أما برنامج "الثورة" المقدم في إذاعة ليبيا، فهو نفس البرنامج الإصلاحي التفاوضي، وهو تعبير عن نفس الروح الطبقية البرجوازية التي تحرك هؤلاء في إقامة جمهورية ديمقراطية برجوازية، وتأكيدا بالتالي لفشلهم التاريخي. وهو يختلف اختلافا جذريا عن البرنامج البروليتاري، الذي يستهدف تصفية المصالح الإقطاعية والرأسمالية وبناء نظامها الاشتراكي الحق، عبر دكتاتوريتها الحقة وتحالف الفلاحين الفقراء. إن النقطتين التاليتين كافيتان لإبراز الخلاف العميق والأساسي بينهما :
- إن شكل الدولة في البرنامج البرجوازي، هو عين الجمهورية الديمقراطية البرجوازية في أعلى أشكالها، جمهورية المجلس التأسيسي، أما دولة البروليتاريا، فتقوم على تنظيم المجالس الشعبية التي تمارس من خلالها السلطة السياسية والاقتصادية. المجلس التأسيسي هو تنظيم البرجوازية ودكتاتوريتها، وهي دكتاتورية الأقلية على الأغلبية، المجالس هي تنظيم سلطة البروليتاريا وحلفائها في الجمهورية الديمقراطية الشعبية، وهي دكتاتورية الأغلبية على الأقلية.
- إن الإصلاح الزراعي المقترح ليس إلا تركيز هيمنة الرأسمالية البرجوازية على جماهير الفلاحين الفقراء، أما الثورة الزراعية التي هي عماد الثورة الديمقراطية. فهي انتزاع الأراضي من المعمرين الجدد من طرف الفلاحين المسلحين والمنظمين في مجالسهم.
IV- نمو الحركة الجماهيرية
1. عرفت الحركة الجماهيرية منذ سنة 68، وبصفة خاصة منذ سنة 1970 نهوضا جديدا أعقب سنوات الركود التي تلت مارس 65 حين أسال رصاص العدو دماء الجماهير الغاضبة في شوارع البيضاء.
لقد شكلت مارس 65، منعطف تحول حاسم في نمو المسيرة النضالية لشعبنا، لا يقاس فقط بمقدار الضحايا والدماء التي صبغت شوارع البيضاء، ولكن بسبب شعاراتها التي تنادي بإسقاط الملكية، ورفع شعار الجمهورية لأول مرة في تاريخ الحركة الجماهيرية.
لقد كانت 1965 حاصلا موضوعيا لاشتداد عملية النهب الاستعماري الجديد، بعد فشل وإبعاد البرجوازية الوطنية من الحكم، وانفراد الطبقة الحاكمة بالسلطة ابتداء من 1962، وتدشين عهد الإرهاب بشكل مباشر منذ سنة 1963، وأدت عملية النهب الشديد إلى تفاحش وضعية الجماهير بشكل لم يسبق له مثيل، جعل منها أيضا في وضعية قابلة للانفجار وبالقدر الذي كانت عليه في مارس 1965.
كانت 1965 أيضا، بعفويتها نقدا دمويا للإصلاحية التي كانت حتى ذلك الحين، في مقدمة الحركة الجماهيرية؛ إدانة لبرامجها وخطها الديمقراطي، الليبرالي، والبلانكي المتستر.
وبسبب غياب الأداة الثورية القادرة على بلورة الطاقات الثورية للجماهير الكادحة، وضمان السير بها نحو انتزاع مكاسب من النظام، بسبب تخاذل الإصلاحية وطبيعتها المساومة وخوفها من الحركة الجماهيرية، فقد تحولت مارس 1965 إلى مذبحة، وركزت الجمود والركود داخل حركة الجماهير لفترة قصيرة، ودفعت النظام إلى تصعيد عملية النهب والقمع في شروط أفضل من مرحلة ما قبل مارس 1965.
لقد كانت هزيمة الأنظمة البرجوازية المتخاذلة في يونيو 1967، ونمو المقاومة الفلسطينية المسلحة عاملا لا يمكن إغفاله في نمو الحركة الجماهيرية ونهوضها. هكذا بدأت تستعيد الحركة الجماهيرية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، طاقاتها النضالية، كما يتجلى ذلك في إضرابات عمال مناجم جرادة وخريبكة الطويلة وإضرابات التلاميذ والطلبة. وتطورت نضاليتها بصفة خاصة ابتداء من 70، سواء داخل القطاع العمالي أو داخل جماهير الفلاحين مع انتفاضة فلاحي أولاد خليفة المجيدة وسطات، أو في حركة الشبيبة المدرسية. فالنضالات الهائلة في فبراير ومارس التي توجت بمناورة إفران التي شكلت رصيدا جديدا للإصلاحية في المساومة على ظهر نضالات الجماهير، وإضراب الجماهير الطلابية الشامل يوم 4 مايو 1970 ضد زيارة "لوبيز برافو" وزير خارجية الاستعمار الأسباني، أو في نضالاتها ضد التجنيد في مايو ويونيو التي حملت معها المظاهرة كوسيلة نضالية دائمة.
2. لقد صحب هذا النمو المتزايد تجذير في نضالية الحركة الجماهيرية، تجذير شعاراتها ومطامحها، وتجذير في أساليبها النضالية.
وشكلت الشبيبة المدرسية، حركة التلاميذ وحركة الطلبة، الفئة المتقدمة داخل الحركة الجماهيرية التي حملت لواء هذا التجذير وعبرت عنه، فجماهير التلاميذ بحكم انتمائهم عضويا إلى الجماهير الكادحة يشكلون مثقفي هذه الجماهير والمعبرين عن وعيها الحسي، فهم يعكسون بداية تبلور الوعي لدى الجماهير، ابتداء من مارس 1965 وابتداء من يوليوز 1967. وهذا ما يفسر انبثاق اليسار وحمله لخط جذري اتجاه مختلف قضايا المسيرة الثورية الجماهيرية/ من داخل طلائع حركة التلاميذ والحركة الطلابية، وهذا الانبثاق هو التعبير الناضج عن تجذير الحركة الجماهيرية واكتسابها طابعا أقوى باعتبار أن اليسار الثوري هو حامل مستقبل أقوى وتنامي الحركة الجماهيرية كقوة تاريخية حاسمة.
أما بالنسبة للطبقة العاملة فإن هذا التجذير، لا يمكن وضعه من زاوية مقياس الدور التاريخي الذي ستلعبه كطليعة للثورة، ولكن من زاوية الشروط الموضوعية التي تحدد وضع الطبقة العاملة، فمنذ 1968 تتواصل وتتعمق إضرابات الطبقة العاملة وبصفة خاصة منذ خريف 1971. وتواجه الطبقة العاملة في نضالها بشكل خاص ظاهرة الاستنزاف القوية، التي تعني تشريد الطبقة العاملة، وهي إحدى النتائج الحتمية لسياسية النظام التبعية القائمة على معاداة التصنيع الحقيقي للبلاد، الذي ينمي البطالة بشكل قوي في ظل تزايد السكان الهائل، وهذا يجعل شعارات الطرد وفصل العمال وإقفال المعامل تتصدر نضالات الطبقة العاملة، بالإضافة إلى شعارات الحريات النقابية والنضال ضد الممثلين النقابيين والقمع ... وهذا تحول كيفي مهم داخل نضالات الطبقة العاملة، إذا قارنا بين نضالات 1971 وما قبلها التي كانت تتصدرها نضالات الزيادة في الأجور، وأدت إلى تحقيق رفع الأجور العام. إن هذا النمو والتجذر في نضالات الطبقة العاملة يجعلها في مواجهة جهاز القمع ويفرض تحولا في أساليبها النضالية يتجلى في احتلال المعامل ومواجهة عنف قوات القمع كما هو واضح في نضال عمال قطارة ونضالات عمال خريبكة الأخير في احتلال المساكن ونضالات عمال الكارطون في القنيطرة ونضالات عمال النسيج، ومن مظاهر هذا التحول الكيفي تحول على مستوى أساليب التنظيم، هذا ما يدشنه عمال المناجم في خريبكة وقطارة، وبرز بشكل واضح في إضراب عمال السكك الحديدية البطولي الأخير حين قام العمال قاعديا بتنظيم لجن الإضراب التي نظمت الإضراب وسهرت عليه. كما أن النضالات والمظاهرات الضخمة التي قامت بها الطبقة العاملة في الخارج في الأسابيع الأخيرة تسير في نفس الاتجاه.
إلا أن البيروقراطية النقابية لا زالت تشكل عرقلة كبيرة في وجه الطبقة العاملة وتمارس تكسير نضالاتها وتفتيتها، وإجهاض ظهور الوعي البروليتاري الذي يتنامى لدى الطبقة العاملة، الشيء الذي يجعل من البيروقراطية النقابية الحليف الموضوعي للرأسمال في تشريد الطبقة واضطهادها، مما يفرض على هذه الأخيرة ربط نضالها ضد الرأسمال والقمع بالنضال ضد البيروقراطية النقابية.
أما داخل حركة الفلاحين فإن هذا التجذير يكتسب طابعا أكثر حدة، فالجماهير الفلاحية الفقيرة تجد نفسها مباشرة في مواجهة نظام المعمرين الجدد وجهازهم القمعي، حيث تمارس عملية انتزاع أراضيهم وتشريدهم وتحويلهم إلى عمال زراعيين أو عاطلين يحالون على معسكرات الاعتقال الجماعية في مدن القصدير، وفي أحسن الأحوال يصدرون إلى الخارج في شكل أيدي عاملة. وبدلا من أن تستطيع مهزلة (حسن) "الثورة الزراعية" تجميد وإخماد التمردات الفلاحية التي تتسع، فإنها خلقت جوا متوترا بسبب طرق التوزيع ووسائله مما يجعل من الأراضي القليلة الموزعة في النهاية ملكا لجهاز الدولة بعدة وسائل ... (ما يسمى بالتعاونيات، القروض الإجبارية، الضرائب، ...إلخ).
هكذا فإن شعار الأرض يتصدر نضالات الفلاحين ومطالبهم وبأساليب أكثر جدرية (احتلال الأرض) مما يضعهم في مواقع الصدام المباشر مع الجهاز القمعي، والأمثلة معروفة في هذا المجال (أولاد خليفة، سطات, أولاد تايمة، تسلطانت، أنكاد، آيت علة ...).
وتعرف جماهير البرجوازية الصغرى بدورها نموا كيفيا في نضالاتها، ليس فقط على مستوى الحركة الطلابية التي ترتبط شديد الارتباط بحركة الجماهير الكادحة وتتأثر بعدة عوامل في مقدمتها تزايد قاعدتها من أبناء الجماهير الكادحة، وتمركز متقدم للفكر الثوري واليسار داخلها، بل كذلك قطاعات الأساتذة والمعلمين الذين شنوا هذه السنة إضرابا وطنيا موحدا وشامل لأول مرة منذ 1965، وكذلك المهندسون والتقنيون وصغار التجار ...، الذين يتعرضون للقمع الاقتصادي والثقافي من طرف كمشة الطبقة الحاكمة.
3. إن إحدى الظواهر الأساسية المميزة لنمو الحركة الجماهيرية، هو اتجاهها في نضالاتها نحو الوحدة، وهذه الظاهرة رغم أنها لا تزال في مرحلتها البدائية إلا أنها تكتسي أهمية خاصة في نظرنا، لأن هذه الوحدة تعني إزاحة لعراقيل التقسيم التي يمارسها الحكم وأذنابه من البيروقراطيين النقابيين والانتهازيين، وتعطي للحركة الجماهيرية قوة أمثل. لقد بدأ ذلك يتجلى في التحام حركتي التلاميذ والطلبة، ودعم الجماهير لهما، وتبلور أكثر في الإضراب الموحد والشامل على مستوى كل قطاع السكك الحديدية، وعلى مستوى إضرابات الأساتذة والمعلمين حول شعارات موحدة، وبدأ يتطور نسبيا داخل قطاع النسيج. كما أن أشكال التضامن قد بدأت تتسع وتهدد بتكسير كل العوائق والحواجز بين مختلف فصائل الحركة الجماهيرية.
وواضح أن هذه الوحدة لا تزال عفوية وجزئية في مراحلها البدائية الأولى، فالقوى الانتهازية والبيروقراطية، وقصور الوعي الجماهيري من بين العراقيل القوية التي لا تزال تمنع هذه الوحدة من أن تأخذ طابعها المتماسك والمتلاحم الذي يخيف بحق النظام والانتهازيين.
غياب الحزب الثوري البروليتاري القادر على بلورة الطاقات الثورية للجماهير في جبهة ثورية واحدة بقيادة البروليتاريا هو العامل الحاسم؛ فهذه الوحدة تشتد وتتماسك في ظل النضال السياسي الثوري في مواجهة النظام ولا يمكن أن تتبلور في ظل نضالات مهنية تفرض تقسيما في نضالات الجماهير بين هذا القطاع وذاك، وهذا المعمل أو الآخر، إلا أن اتجاه الحركة الجماهيرية يحمل بذور وحدتها وقوتها.
4. نريد أن نشدد هنا على طابع هذا النمو، إن هذا النمو والتجذير داخل الحركة الجماهيرية، ليس نموا مستقيما وصاعدا في خط واحد لا انعراج فيه، بل هو نمو في اتجاه التصاعد والتجذير والوحدة عبر النكبات والأخطاء التي تفرضها بشكل أساسي عفوية الحركة الجماهيرية التي تظل الطابع الأساسي للحركة الجماهيرية في الوضع الراهن.
إن هذا النمو لا يقاس بتراجعات جزئية في هذا القطاع أو ذاك، بل هو طابع المرحلة التاريخية ككل ابتداء من 1968، والتي يحددها بشكل أساسي العامل الموضوعي الرئيسي : تصعيد الاضطهاد والاستغلال من طرف الأقلية الحاكمة وتفاحش وضعية وبؤس الجماهير، هذا التصعيد الذي يمركز في هذا القطب الثراء والبذخ، وفي القطب الآخر الفقر والجهل، والعزم على النضال أيضا، إن الواقع الموضوعي يدفع الجماهير إلى النضال بكل أخطاء هذا النضال وقصوره الناتج عن عفوية الحركة الجماهيرية. بيد أن العامل الموضوعي لا يكفي في حد ذاته، ولا يمكنه أن ينقل نضال الجماهير إلى مرحلة النضال الثوري الجذري بل إن هذا الانتقال رهين بعملية نشوء وتبلور الحزب الثوري.
نريد أن نشدد على هذه المسألة لأن نزعات متعددة قد تبلورت داخل المناضلين، بعضها يرى في الحركة الجماهيرية الخصائص التي أشرنا إليها في شكل إيجابي بشكل يدفع إلى نزعة مغامرة قد تجره إلى أخطاء قاتلة في ظل الوضع الذاتي للحركة الماركسية-اللينينية وتصاعد فاشية النظام، (نفس أخطاء البلانكيين). وأخرى تبالغ في تقدير تلك التراجعات الجزئية وتجعل منها ردة يمينية داخل حركة الجماهير وهذا التقدير يهدد بنشوء انعزالية مميتة داخل اليسار الماركسي اللينيني.
إن أخطاء هذا التقدير تقوم أساسا في نظرة ضيقة وسطحية للحركة الجماهيرية، نظرة ضيقة وسطحية في علاقة الحركة الجماهيرية بالقمع المسلط، نظرة ضيقة لتراجعات الحركة الجماهيرية والاضطهاد في قطاعات يوجد داخلها اليسار.
فما يسمى بالردة داخل الحركة الجماهيرية لا يمكن قياسه بتراجعات محدودة داخل هذا القطاع أو ذاك، إنه مرتبط بتصاعد فاشية النظام، وهذا التصاعد نفسه هو رد فعل النظام على نمو الحركة الجماهيرية ونمو جذريتها، كما أن أخطاء اليسار الماركسي اللينيني في التوجيه، وقصوره في العمل الدعائي الثوري وفي التأطير، يفرض ذلك؛ بالإضافة إلى العراقيل التي تزرعها البيروقراطية النقابية والانتهازية في هذا النمو والتي يمكنها استغلال شروط مثل هذه لتحقيق مآربها في تكسير الحركة الجماهيرية وفرض تراجعات داخلها والاحتفاظ بها تحت وصايتها.
إن طابع المرحلة، كما رأينا، هو النمو والجذرية، وهو نمو لا يتم في خط مستقيم وسهل، ووفق رغبات الثوريين الذاتية، إنه تجذير ونمو يفرضه واقع الجماهير المضطهدة نفسها، من خلال الأخطاء والانتصارات، ما دام الطابع الأساسي هو العفوية بكل ما تحمله هذه العفوية من تفكك وتشتيت في قوة الحركة الجماهيرية. وما دام تجاوز هذه العفوية مشروط في المقام الأول، بانبثاق الأداة الثورية البروليتارية، القادرة على بلورة الطاقات الثورية الجماهيرية وبلورتها كقوة متراصة وحاسمة في مواجهة العدو الطبقي وسيدته الإمبريالية، فإن هذا يطرح بالدرجة الأولى على اليسار الماركسي اللينيني مهامه الأساسية في عملية نشوء وتبلور الأداة، باعتباره البديل الناشئ لكل القيادات الإصلاحية والانتهازية المتعفنة والانقلابية، وذلك من خلال قدرته على نهج خط سليم وطرح نفسه في قلب الحركة الجماهيرية، داخل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وقدرته على تعميق تناقضات النظام والإمبريالية، تلك التناقضات المشروطة في تعمقها بنمو قوة وجذرية الحركة الجماهيرية.
ثانيا : مهام الحركة الماركسية-اللينينية
يشكل قصور الحركة الماركسية-اللينينية في تأطير وتنمية نضالات الحركة الجماهيرية : الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والشباب الثوري، عاملا أساسيا في تأخر تبلور الحركة الجماهيرية كقوة حاسمة على ساحة الصراع الطبقي الذي يدخل في الوضع الراهن – كما رأينا- مرحلة جديدة. فما دامت الطبقة العاملة ومجموع الجماهير الكادحة لم تفرز طليعتها البروليتارية، فسيبقى أمامها قطع مراحل طويلة في نضالها، أمام تزايد أزمة النظام وتصعيد فاشيته وأمام انحلال البرجوازية الوطنية واندحار الجناح التآمري البرجوازي الصغير.
وعلى الحركة الماركسية اللينينية وهي المرشحة تاريخيا للقيام بدور حاسم في عملية بناء الأداة الثورية البروليتارية، بحكم أنها حاملة إيديولوجية الطبقة العاملة، عليها أن تحقق قفزة كيفية جديدة في خطها وممارستها، من أجل السير قدما في عملية تبلور الأداة، وإذا لم تستطع تحقيق هذه القفزة المطلوبة بشكل حاسم، في الشروط الجديدة للوضع الراهن، الذي يتطلب تحولا جديدا في مختلف مستويات العمل الثوري، السياسية والإيديولوجية والتنظيمية، فإنها ستعجز عن القيام بدورها في عملية انبثاق الأداة الثورية، التي هي بالدرجة الأولى عملية اندماج الطليعة الثورية المنظمة بحركة الطبقة العاملة أولا، ومجموع الجماهير الكادحة، وهي عملية كفاحية شاملة، تتطلب خطا إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا سديدا. إن الحزب الثوري هو حصيلة هذا الاندماج، فهو يتأسس ويتدعم كقيادة عامة لكفاح الجماهير، من خلال تقدم هذا الكفاح نفسه وتعمقه، فليس بناء الحزب الثوري عملية تتم خارج كفاح الجماهير بشكل سلمي وهادئ، ليس الحزب الثوري معطى سابقا على الحركة الجماهيرية أو نتيجة لها، إنه منتج ونتيجة لها في نفس الوقت، يتصلب وينصهر في عنف الكفاحات الشاقة للجماهير الكادحة.
سنحاول من خلال طرح وتحديد المهام الأولية والضرورية في الوضع الراهن معالجة وضعية الحركة الماركسية-اللينينية وقصورها، التي تشكل في نظرنا أرضية لالتقاء وتضافر جهود جميع الماركسيين اللينينيين لمواجهة حازمة لواجباتهم في المرحلة الراهنة. ويبقى واضحا أننا ما لم نواجه بنجاعة هذه الوضعية الذاتية، وما لم ننكب عليها، فلن نستطيع إلا ترديد الشعارات الفارغة والصراع الدائم حول القمع وفاشية النظام، أو تخلف الحركة الجماهيرية، أو خيانة الأحزاب الإصلاحية. ومعالجة وضعية الحركة الماركسية-اللينينية هو أمر لا يمكن أن يتم خارج الحركة الجماهيرية، في نقاش هادئ، بل يتم في صلب الحركة الجماهيرية، ومن خلال الصعوبات اليومية التي تثيرها، من خلال الأخطاء والقمع ذاته، وتمتين الحركة الماركسية اللينينية وتصليبها بدروس النضال ذاته.
1- الطبقة العاملة
يرتبط تبلور الأداة الثورية، بتجذر الحركة الماركسية-اللينينية داخل الطبقة العاملة، بحكم أن الطبقة العاملة هي طليعة الثورة.
ليست موضوعة : الطبقة العاملة طليعة الثورة، موضوعة عقائدية جامدة، بل حقيقة موضوعية تؤكدها نضالات الطبقة العاملة في طليعة كفاح شعبنا، سواء قبل 1955 من أجل الاستقلال، أو ما بعده وبصفة خاصة في السنوات الأخيرة، إنه الدور الذي يبرز يوميا رغم العراقيل العديدة المزروعة في وجه طبقتنا العاملة من طرف البيروقراطية النقابية ذنب الرأسمالية المتدلي داخل الطبقة العاملة، ويشكل غياب الفكر الثوري عرقلة أخرى في استمرار هيمنة البيروقراطية النقابية في تكسير نضالات الطبقة العاملة وتأخر الوعي البروليتاري الذي يشكل العملية الحاسمة في تحول الطبقة العاملة إلى بروليتاريا، إلى طليعة لكفاح شعبنا.
لهذا يتحتم على الماركسيين-اللينينيين تكثيف مجهوداتهم من أجل تبلور الوعي البروليتاري، يجب أن يأخذ شعار التجذر داخل الطبقة العاملة المكانة الأولى والأساسية في مجالات العمل الثوري ووسائله الدعائية والتنظيمية، إلا أن هذا العمل داخل الطبقة العاملة لا يتم فقط ضمن علاقة ضيقة بالطبقة العاملة وبها وحدها فقط، بل إنه يتم من خلال إنجاز كل المهام التي سنعرضها، من خلال إنجاز الجريدة ونشر الفكر الثوري، من خلال رؤية سياسية واضحة للوضع الراهن وشعارات واضحة للنضال، من خلال ربط نضالات حركة الشبيبة المدرسية (حركة التلاميذ والطلبة) بالطبقة العاملة، وفضح طبيعة النظام الفاشية، وقبل ذلك بتوفر حركة ماركسية لينينية صلبة وطليعية، من أجل ذلك فإن هذا العمل لا يمكن إنجازه إلا بمراعاة الاعتبارات الأساسية التالية :
1. ينبغي أولا رفع الوعي السياسي لجماهيرنا العمالية، ولأجل ذلك يجب على الماركسيين-اللينينيين العمل على شن النضال السياسي ضد النظام، وفي جميع فئات الجماهير الكادحة، من أجل فضح النظام وتعرية طبيعته القمعية والاستغلالية، وتبيان ارتباط الباطرونات بالنظام، وببوليسه وسجونه، وداخل أشد فئات الحركة الجماهيرية دينامية وقدرة في المرحلة الراهنة على فضح النظام وتعرية الأقنعة التي يتستر بها أحيانا، داخل حركة التلاميذ وحركة الطلبة التي تمكن من ذلك، والدفع بها إلى الالتحام بجماهيرنا العمالية، والقيام بالدعاية والتحريض وسطها كحركات نضالية، أو لتكوين أطر مناضلة مستعدة للقيام بهذا الدور العظيم.
ينبغي شن النضال السياسي في كل قطاعات المجتمع، حتى يتم تبلور الوعي الثوري لطبقتنا العاملة، لهذا ينبغي أن لا يسقط الماركسيون-اللينينيون في خطر حصر علاقتهم بالطبقة العاملة، وبها لا غير، ذلك لأن الوعي السياسي الطبقي، لا يمكن حمله إلى العامل إلا من الخارج، أي خارج النضال الاقتصادي، من خارج دائرة العلاقات بين العمال وأصحاب الأعمال، فالميدان الوحيد الذي يمكن أن نستمد منه هذه المعرفة هو ميدان علاقات جميع الطبقات والفئات اتجاه الدولة والحكومة، ميدان علاقات جميع الطبقات بعضها تجاه بعض، ولذلك فإنه على سؤال : ماذا ينبغي لحمل المعرفة السياسية إلى العمال ؟؟ لا يمكن تقديم ذلك الجواب الوحيد الذي يكتفي به في معظم الحالات المشتغلون في الميدان العملي، فضلا عن أولائك الذين يميلون إلى "الاقتصادوية"، ونعني جواب : "الذهاب إلى العمال"، ’’فلكي يحمل الاشتراكيون-الديمقراطيون (الشيوعيون) إلى العمال المعرفة السياسية ينبغي لهم التوجه إلى جميع طبقات السكان، ينبغي لهم أن يرسلوا فصائل جيشهم إلى جميع الجهات.‘‘ (لينين، ما العمل ؟ ص 105).
2. هكذا ينبغي على الماركسيين-اللينينيين التوجه إلى جميع طبقات وفئات الحركة الجماهيرية، من أجل النضال السياسي العام ضد النظام وفضحه، وهو عمل يتم في شروطنا الراهنة داخل حركة التلاميذ وحركة الطلبة، التي يمكنها، بنضالاتها المتصاعدة، أن تفضح طبيعته وأن تظهر لجماهير العمال، ارتباط الباطرونات بجهاز الدولة القمعي، وبصفة خاصة حين تنبثق جماهير هذه الحركات من الجماهير الكادحة التي يشكلون مثقفيها، ولا يمكن أن نقلل من التأثير الذي خلقته نضالاتها في السنوات الأخيرة، وفي هذه الحركة يمكن للحركة الماركسية-اللينينية أن تتزود بأطر مناضلة للقيام بمهام العمل الثوري داخل الطبقة العاملة، أطر تكون قد تمرست بالعمل الثوري، الدعائي والتنظيمي داخل حركة الشبيبة المدرسية وأصبحت قادرة على القيام بدور المحترف الثوري. كما أن نضالات جماهير الفلاحين المتزايدة والمتجذرة بشكل أساسي يشكل عاملا أساسيا في دفع الوعي داخل الطبقة العاملة وتعميقه باستمرار، مما يخلق الأسس الأولى لعمليات بناء جبهة العمال والفلاحين الثورية، لأن الطبقة العاملة في شروط بلادنا الملموسة، ترتبط بأشد الروابط بجماهير الفلاحين الفقراء، ليس فقط عمال المناجم الموجودة في قلب البادية، ولكن داخل الصناعات التي ينميها النظام في البوادي، بشكل أساسي (معامل السكر والمصنوعات التي تعتمد على الزراعة)، نفس الشيء بالنسبة لجماهيرنا العمالية في الخارج المتزايدة باستمرار، ويشكل جماهير التلاميذ السند التكتيكي الرئيسي للحركة الماركسية -اللينينية في العمل داخل البادية بحكم اتساع جماهير التلاميذ من أبناء الفلاحين الفقراء.
3. في الشروط الملموسة لبلادنا، لا يشكل كفاح الطبقة العاملة ذاته القوة التي ستسقط النظام، إن هذه المسيرة لا تتم إلا في البلاد الرأسمالية المتقدمة حيث يتمركز الصراع الطبقي بشكل رئيسي بين البروليتاريا والبرجوازية، ويكون مفروضا على الماركسيين اللينينيين عملا سياسيا دعائيا طويلا، مستغلين كل الأشكال الشرعية الموجودة، إلى حين نضج شروط الانتفاضة، فيتم إزاحة البرجوازية من السلطة واستيلاء البروليتاريا عليها؛ وتشرع حالا في بناء الاشتراكية، التي تتوفر كل شروطها المادية. أما في الظروف الملموسة لبلادنا ولأغلب أجزاء الوطن العربي لا تشكل الطبقة العاملة إلا طليعة الثورة، في بنية شبه استعمارية وشبه إقطاعية، يشكل فيها الفلاحون قوة رئيسية في الثورة، وجماهير واسعة من شبه البروليتاريا، فيكون لزاما على الطبقة العاملة وحزبها السياسي بناء تحالف ثوري مع جماهير الفلاحين الفقراء والمعدمين الذين يشكلون 75 في المائة من السكان، ويكون الشكل الرئيسي للكفاح من أجل السلطة تبعا لذلك هو الحرب الشعبية الطويلة الأمد، إن هذه الشروط تفرض على الحركة الماركسية اللينينية تنظيم إرسال مناضليها إلى جماهير الفلاحين الفقراء وبصفة خاصة العمال الزراعيين الذين يشكلون محور الاتصال بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، مما يساعد على بلورة الطليعة البروليتارية وضمان قيادتها للثورة.
4. إن رفع الوعي البروليتاري لطبقتنا العاملة وتكوين الأطر البروليتارية، يتطلب من الحركة الماركسية-اللينينية القدرة على القيام بعمل دعائي لنشر الماركسية اللينينية، باعتبارها النظرية الثورية للطبقة العاملة، بشكل كثيف وواسع، فالطبقة العاملة تعاني من هيمنة الإيديولوجية البرجوازية التي لا تزول من تلقاء نفسها، ولا بحركة الطبقة العاملة العفوية، بل من خلال نضال الثوريين الحازم ضد مختلف أشكال الهيمنة البرجوازية على الطبقة العاملة، وبأبشع صورها المتمثلة في البيروقراطية النقابية، ولا يزال هذا العمل قاصرا جدا ومتخلفا وغير قادر أمام ثقل هذه الهيمنة، الذي يجب أن يتنوع بأشكال عدة ومختلفة من المناشير إلى الكراريس إلى التحريض والدعاية الشفوية، إلا أن الجريدة هي الشكل الرئيسي في هذه المهمة، التي ينبغي أن لا تحصر عملها في نضالات الطبقة العاملة، بل ينبغي أن تقوم بفضح النظام وطبيعته، وبالصراع الطبقي وتناحر مختلف القوى الاجتماعية، يجب أن تتوجه الجريدة إلى كل الشعب وفئاته، وأن تتوفر على شبكة توزيع ولجان القراءة وجميع التقارير في كل البلاد وقطاعات المجتمع، لقد بدأ تحقيق هذه المهمة الحاسمة مع بروز " إلى الأمام" التي يتعمق دورها بيد أنها ما تزال قاصرة عن القيام بهذا الدور على أحسن وجه، وذلك بحكم معاملة المناضلين الثوريين لها، الذين لا يجعلون منها منبرا عاما للتشهير بالنظام وأمام الشعب كله، وذلك عبر توزيعها بالشكل المطلوب داخل الطبقة العاملة وتنظيم لجان قراءتها ومساندتها، وجمع التقارير والأخبار وإرسالها إليها لإنجاز دورها على الوجه المطلوب.
5. إن الوسيلة الرئيسية لمهمة التجذر داخل الطبقة العاملة والدفع بنضالاتها وتكوين الأطر البروليتارية هي اللجان العمالية السرية، إن قدرتنا على بناء اللجان العمالية بشكل كثير وتوسيعها، والقيام داخلها بعمل سياسي وإيديولوجي موسع، ينطلق من الواقع الملموس للعمال ومن مشاكلهم اليومية، هو مقياس تمركزنا داخل الطبقة العاملة، إن اللجان العمالية، هي وسيلة تكوين الأطر البروليتارية التي ستشكل الطليعة البروليتارية، هي وسيلة رفع وعي العمال وتجاوز النضال النقابي، هي وسيلة إيصال الفكر الثوري وحمله إلى جماهير العمال، ليس بشكل سطحي وفوقي، بل وفق الممارسة الملموسة للاستغلال والاضطهاد الذي يعانيه العمال، وبلغة العمال البسيطة والرائعة، وهي الوسيلة الرئيسية في إزاحة هيمنة البيروقراطية النقابية وكل أشكال سيطرة الفكر البرجوازي، وتسيير العمال لنضالهم وفرض المجالس النضالية القاعدية التي يمارس العمال فيها توجيه نضالهم وفق مطامحهم، وهي التي أثبت إضراب عمال السكك الحديدية الأخير ضرورتها كشكل ديمقراطي للقيام بنضالهم بأنفسهم في لجان الإضراب.
ويتم تكوين هذه اللجان العمالية السرية حسب الواقع الملموس لواقع العمال وإمكانيات عمل المناضلين معهم، فهي تتكون كحلقات للمناضلين من أجل تنظيم إضراب نقابي أو كحلقة لدراسة "إلى الأمام" أو كلجان لجمع المساعدات المادية لعمال آخرين مضربين أو مطرودين، أو لجان سياسية في حالة توفر عمال متقدمين، ويتم تحويل هذه اللجان إلى لجان ثورة، بمقدار تطور عملنا معها وبتطور هؤلاء العمال داخل هذه اللجان كأطر بروليتارية متقدمة.
ويجب أن نضع في مقدمة عملنا في بناء اللجان داخل القطاعات البروليتارية الأساسية (المعامل الكبرى + المناجم)، لأن هذه القطاعات توفر الشروط الموضوعية لبناء الأطر البروليتارية (درجة التنظيم العمالية، مستوى العمل المنتج، عدد العمال ...) ولأجل معرفة هذه القطاعات الأساسية وتحديدها يجب القيام بتحقيقات واسعة لمعرفة واقع الطبقة العاملة وتحديد القطاعات البروليتارية الأساسية.
2- البديل الثوري: برنامج الثورة الديمقراطية الشعبية
يفرض الوضع الراهن، وكما رأينا في مهمة التجذر داخل الطبقة العاملة، على الماركسيين-اللينينيين طرح معالم البرنامج الماركسي اللينيني جماهيريا، وفي مقدمة عملهم الدعائي. فمنذ عدة شهور منذ أن كانت الإصلاحية تنشر افتراءاتها المسمومة على اليسار الثوري، لم يقم الماركسيون بهذا العمل بالقدر اللازم. وفي الظرف الراهن حيث يواصل الحكم وحزب الاستقلال هذه الحملة على الفكر الثوري، وحيث يروج البرجوازيون الصغار البلانكيون عبر إذاعتهم في ليبيا برنامجهم البرجوازي بكلمات ثورية، مما يشوش البديل البروليتاري في وعي الجماهير، وحيث يحمل اليسار الماركسي اللينيني بذور البديل الطلائعي الناشيء، يصبح لزاما عليه إبراز معالم البديل التاريخي للنظام المتعفن، البديل الذي تدركه الجماهير الكادحة من خلال كفاحها الشاق، ويجذب أبصارها إلى الطريق الثوري السديد.
أ. تستهدف البروليتاريا في المرحلة الأولى من كفاحها إقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية. فلا تستهدف البروليتاريا إسقاط الملكية فقط، لأن الملكية ليست إلا بنية سياسية لدكتاتورية الطبقة الحاكمة (المعمرين الجدد وسماسرة الرأسمال الأجنبي وكبار البيروقراطيين) والتي يمكن أن تستمر تحت أشكال أخرى أكثر خداعا (جمهورية عسكرية فاشية ...) بل تستهدف تحطيم النظام التبعي كله القائم على دعم الإمبريالية ومساندتها للكمشة الحاكمة، إن شكل السلطة في الجمهورية الديمقراطية الشعبية سيكون هو مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين تحت قيادة البروليتاريا، هي وسيلة ممارسة سلطتها في مراقبة كل اقتصاد البلاد ومواردها وسياستها العربية والأممية، إن السلطة تنبثق عبر الكفاح الثوري الجماهيري في مسيرة الحرب الشعبية الطويلة، حيث تتمرس البروليتاريا وجماهير الفلاحين الفقراء من خلال النضال على ممارسة السلطة ضد أعداء الشعب.
ب. إن الثورة الزراعية هي عماد الثورة الديمقراطية، ولا يمكن أن تكون هي تحديد الملكية كما يروج التقنوقراطيون البرجوازيون، إن الثورة الزراعية هي ممارسة جماهير الفلاحين في انتزاع الأراضي من أيدي المعمرين الجدد، من طرف مجالس الفلاحين المسلحة، وتنظيمها في شكل الكومونات الشعبية في حين تقوم مجالس البروليتاريا بقيادة عملية التحرر الاقتصادي الكاملة من كل أشكال هيمنة مصالح الإمبريالية وعملائها، وتحقيق تطور القوى المنتجة، تمهيدا لعملية البناء الاشتراكي، وبعملية بناء الثقافة الجديدة، ثقافة ديمقراطية شعبية عربية، وتصفية الثقافة الاستعمارية والإقطاعية والبرجوازية.
- تشكل الثورة المغربية جزءا من الثورة العربية الشاملة في أقصى الجناح الغربي للوطن العربي، بجانب الجماهير العربية في الصحراء الغربية، لهذا فإن جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين ستظل مجندة في الكفاح الشاق الذي تخوضه الجماهير العربية من جنوب اليمن وظفار في أقصى شرق الوطن العربي، إلى الصحراء الغربية في أقصى غربه، وفي طليعة كفاح الشعب الفلسطيني البطل، فالثورة العربية هي الإطار الوحيد لبناء الاشتراكية.
- وتلتزم جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين بالأممية البروليتارية، والالتحام بكفاح المعسكر التقدمي العالمي المعادي للإمبريالية والصهيونية ورجعية العالم، المتكون من الدول الاشتراكية الحقيقية والطبقة العاملة في بلدان الإمبريالية وحركات التحرر الوطني، وتحارب التشويه والتحريف الذي تمارسه الطغمة التحريفية الحاكمة في الاتحاد السوفياتي ومن يدور في فلكها، وترفع عاليا راية الماركسية-اللينينية وراية الثورة العالمية.
الاستراتيجية الثورية والعنف الثوري
لم يعد بإمكان اليسار الماركسي -اللينيني أن يتأخر أو يتردد في طرح استراتيجيته الثورية جماهيريا وفي طرح مفهومه للعنف الثوري ودوره في المسيرة الثورية.
إن الأحداث الأخيرة قد برهنت بشكل حاسم عن مدى هيمنة الإيديولوجية البرجوازية الصغيرة على الجماهير الكادحة، ومدى ما تسببه هذه الهيمنة من تأخير نمو وتجذير الحركة الجماهيرية وتأخير إطلاق مبادراتها الكفاحية وتفجير طاقاتها الثورية، وما تزكيه من مفاهيم فوقية في وعي الجماهير عن الثورة، كعمل يمكن أن تقوم به نخبة من الوطنيين المخلصين، في شكل انقلاب برجوازي صغير يقوم به "الضباط الأحرار" أو خارج الجيش عن طريق شبكة مسلحة يمكن أن تقوم بتحطيم الحكم، ويزداد هذا الثقل في تكبيل طاقات الجماهير حينما تنتهي هذه العمليات إلى نهاية مأساوية كما في الأيام الأخيرة.
وتقع على عاتق الماركسيين اللينينيين بالدرجة الأولى، مهمة إزاحة هذه الهيمنة، وإعادة توضيح دور العنف الثوري في استراتيجية الثورة، وما لم تستطع الحركة الماركسية-اللينينية، في الشروط الجديدة للوضع الراهن، لنمو الحركة الجماهيرية، أن تدمج العنف الثوري بإحكام في خطها السياسي وفي عملها الدعائي، فإنها ستحكم على نفسها، ليس فقط بالتخلف عن الحركة الجماهيرية، ولكن بأن تصبح ذيلها وتتجاوزها.
وفي مقدمة ما يجب التأكيد عليه، دور الجماهير الكادحة في القيام بالعنف الثوري ومواجهة العدو الطبقي وأسياده الإمبرياليين، إن العنف الثوري هو الشكل الأعلى لكفاح الجماهير الكادحة في تحطيم العدو، وإرساء الجمهورية الديمقراطية الشعبية، شكل الكفاح الذي تمارسه في مواجهة العنف الرجعي الذي تمارس به الطبقة الحاكمة استغلال واضطهاد الجماهير.
وبحكم التناقض في بنية شبه إقطاعية وشبه استعمارية، بين نظام المعمرين الجدد وجماهير الفلاحين الفقراء، فإن الشكل الرئيسي للعنف الثوري هو الحرب الشعبية الطويلة الأمد بقيادة الطبقة العاملة، إنها المسيرة التي تقود فيها البروليتاريا جماهير الفلاحين المسلحين عبر الجبهة الثورية إلى انتزاع الأراضي وتصفية دولة المعمرين الجدد ووسطاء الرأسمال الأجنبي وطرد الإمبرياليين، وبتأسيس وتدعيم الحكم الثوري للعمال والفلاحين من خلال هذه المسيرة ذاتها، من خلال تأسيس مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين، وهي المسيرة التي تقودها الطليعة البروليتارية المنظمة في الحزب الثوري. ولا يمكن لهذا الكفاح العنيف أن ينفجر إلا إذا مارست الطليعة الثورية عملا سياسيا تنظيميا طويلا وسط جماهير الفلاحين وجماهير المدن، التي تدرك من خلال النضال، طاقاتها الملموسة وقدرتها على تحطيم العدو وبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية، فالحرب ليست إلا "امتدادا للسياسة بوسائل أخرى".
وفي المرحلة الأولى من انفجار طاقات العنف الثوري الجماهيري، تقوم جماهير الفلاحين بقيادة الحزب الثوري، بعملية انتزاع الأراضي وحرثها بقوة بواسطة اللجان الثورية، وانتزاع السلاح من أيدي العدو واستخدامه في تأسيس الكتائب المسلحة الأولى للجيش الأحمر، وتتسلسل هذه النضالات العنيفة من منطقة لأخرى لتشتيت قوات العدو، في الوقت الذي تقوم فيه جماهير المدن باحتلال المعامل والأحياء الشعبية، وبتنظيم المقاومة لتفكيك قوات العدو، التي تكون قادرة على التدخل والقمع بسرعة في المرحلة الأولى وكلما تمكن الحزب الثوري من توسيع هذه النضالات في البادية وفي المدن، وتحريكها من منطقة لأخرى، كلما استطاع تفكيك قوات العدو وتهييء مرحلة جديدة في الكفاح وهذه هي مرحلة "القواعد الحمراء المتحركة".
وفي مرحلة أعلى يتم توسيع الكتائب المسلحة وتركيزها في مراكز حصينة، وتوسيع هذه المراكز بفعل نمو الطاقات الكفاحية للجماهير، وتتحول هذه المراكز الثابتة إلى مناطق محررة، وتبدأ عملية تأسيس الحكم الجديد، حكم العمال والفلاحين المسلحين في هذه المناطق والشروع في تطبيق البرنامج الثوري (تسليح كل الشعب، مصادرة أملاك المعمرين الجدد وكبار الرأسماليين، تصفية مصالح الإمبريالية ...)، وفي هذه المرحلة التي يحتمل فيها تدخل الإمبريالية لحماية مصالحها وتدعيم النظام المعرض للانهيار، فإن هذا التدخل لن يزيد كفاح الشعب إلا ضراوة، وبارتباط وثيق بكفاح الجماهير الصحراوية وتوسيع جبهة النضال ضد الإمبريالية في المنطقة حتى النصر النهائي.
هذا هو الطريق الذي أثبتته انتصارات الشعوب في الصين أو في كوريا وظفار... وفي أماكن عديدة من العالم، وتثبته هذه الأيام بشكل خاص انتصارات الشعب الفيتنامي والشعب اللاووسي والشعب الكامبودجي الذي يستعد هذه الأيام لتصفية آخر مواقع أعداء الشعب. إن الحرب الشعبية هي طريق النصر في عصر اندحار الرأسمالية وانتصار الاشتراكية، وهي الطريق الوحيد لشعبنا ولكل الأمة العربية في تصفية الصهيونية والإمبريالية والرجعية.
إن تنظيم هذه المسيرة وتأطيرها لن يتم إلا بطليعة الحزب الثوري، حزب البروليتاريا المتحالفة مع جماهير الفلاحين، فالماركسيون-اللينينيون لا يرمون بالعنف الثوري على عاتق الحركة الجماهيرية، بل إن دور الحزب الثوري هو تأطير وتنظيم العنف الثوري وتفجيره في الوقت المناسب، إبتداء من أبسط مراحله، من المظاهرة التي ترد على قوات القمع في الأحياء الشعبية إلى تظاهرات الفلاحين في البادية، مرورا إلى المناجم والمعامل والأراضي وحرثها بقوة، إلى تأسيس "القواعد الحمراء المتحركة"، المرحلة الحاسمة الأولى في الحرب الشعبية.
إن الحزب الثوري هو الذي يقود عملية إدراك الجماهير لطاقاتها الملموسة ولقدرتها على تحطيم العدو، باعتباره استراتيجيا نمرا من ورق، وهو إدراك لا يتم بعمل دعائي نظري من خلال الجرائد والمناشير والتحريض الخطابي فقط، بل بتفجير العنف من أبسط أشكاله وفي أبسط مراحل النضال، في النضال النقابي من أجل الزيادة في الأجور أو من أجل إصلاح التعليم، وبتنظيم وتأطير مبادرات الجماهير، وتصعيدها وفق الشروط الملموسة وفي خطة محكمة، في المعامل والأحياء، في الدواوير والضيعات، في المدارس والكليات، إن الماركسيين-اللينينيين هم طليعة هذا النضال وهم الذين يقومون بتأطيره وتنظيمه عبر كل مراحله.
مزيدا من الصمود والتماسك والالتحام الحقيقي بالجماهير
لقد أوضحنا أن قصور الحركة الماركسية-اللينينية عامل أساسي في تأخر تبلور الحركة الجماهيرية وانبثاق الأداة الثورية البروليتارية، وترجع بعض الأسباب العميقة لهذا القصور إلى الأساس الطبقي البرجوازي الصغير للحركة الماركسية-اللينينية وغياب تجذر الماركسيين اللينينيين داخل الطبقة العاملة طليعة الثورة بصفة خاصة، مما يعرضهم لخطر الانزلاقات عن الخط البروليتاري السديد.
1. إن عملية بناء الطليعة البروليتارية عملية شاقة وطويلة كما رأينا، تفترض نضالا مستميتا داخل الطبقة العاملة وفي كل واجهات النضال تندمج فيه الماركسية-اللينينية بنضالات الطبقة العاملة، وتبرهن فيه الحركة الماركسية على صحة خطها وبرنامجها، لهذا فإن الحركة الماركسية-اللينينية مطروح عليها التشبث في ممارستها بخط الماركسية-اللينينية، وتربية أطرها ومناضليها على المبادئ الماركسية-اللينينية، والمثابرة على استعمالها في تحليل الواقع والصعوبات التي يثيرها، وعلى معالجة وضعيتها الذاتية، وأساليب عملها الجماهيري والسري، وأساليب الدعاية والتحريض بروح بروليتارية صلبة.
فإذا كان صحيحا أن الأساس الطبقي البرجوازي الصغير يعرض الحركة الماركسية-اللينينية للمزالق المتعددة، وفي شروط القمع الرهيب الذي تعيشه حركتنا منذ أكثر من سنة بلا انقطاع، سواء نحو الانتهازية اليسارية وكل مظاهر الليبرالية وروح المغامرة. فإن سلبيات وأخطاء الحركة الماركسية-اللينينية لا يجب أن تحل دفعة واحدة "بشعار الذهاب إلى العمال"، وإلى حد يصبح فيه الأساس البرجوازي الصغير وسيلة للتخلص من مسؤولية الخطأ والتوجيه، وكأن الطبقة العاملة هي المطهر التي يغتسل فيها الرفاق من أخطائهم وممارستهم البرجوازية الصغيرة.
2. لهذا تحتاج الحركة الماركسية-اللينينية من أجل معالجة وضعيتها الذاتية وقدرتها على تنفيذ المهام الضرورية إلى شعار الصمود والارتباط بالجماهير في مواجهة تصاعد فاشية النظام ونمو الحركة الجماهيرية.
ويفترض هذا الشعار أولا، الإيمان بنمو مقبل تتوفر شروطه الموضوعية داخل الحركة الجماهيرية، فالقول بالردة داخل الحركة الجماهيرية لن يؤدي إلا إلى التراجع والانعزال، إن هذا النمو داخل الحركة الجماهيرية، يتطلب شروطا جديدة غير تلك التي تتطلبها الشروط السابقة، وفي مقدمتها تصاعد فاشية النظام، وهذا يعني إيجاد أساليب تنظيمية ودعائية أكثر قوة وأكثر مرونة أمام تزايد فاشية النظام وتزايد خبرته بأساليب نضال اليسار الماركسي-اللينيني، هكذا فإن تقلص نضالية الحركة الطلابية وحركة التلاميذ، لا يعني ردة داخل الحركة الجماهيرية، بقدر ما يعني عدم قدرة الحركة الماركسية-اللينينية على القيام بتأطير حقيقي للحركتين، أمام تصاعد فاشية النظام من جهة والاعتماد على أساليب فوقية وسطحية في تحريك الجماهير وفق شعاراتنا الذاتية بدلا من العمل المنظم والعميق ونسج أوسع العلاقات بالجماهير، وتتطلب من الماركسيين-اللينينيين نسج علاقات جديدة مع الجماهير، والصمود في مواجهة صعوبات هذا العمل أمام القمع الرهيب للنظام.
وثانيا، لا يعني الصمود الاندفاع في الإضرابات والقيام بتحريض واسع وفوقي والعمل الدؤوب على إنجاح الإضرابات. إن عفوية الجماهير لم تعد كافية، في الشروط الجديدة، إن الصمود يعني التحام الطليعة التحاما حقيقيا وعضويا بالجماهير، وفق شروطها الذاتية، إن شعار الصمود والالتحام بالجماهير ليس شعارا مثاليا، إنه يستند إلى تدعيم التحولات الإيجابية وتصفية السلبيات، وطول النفس في العمل داخل الحركة الجماهيرية، فالتنظيم القائد يفقد جميع مبررات وجوده، إذا كان غاية لحد ذاته، وإذا لم يلتحم بالجماهير في أحلك شروط العمل وأكثرها قسوة، ويعني الصمود ثالثا، عدم الانطلاق من التحليل الذاتي والتشخيص الإيديولوجي الذي يضع الأهداف السياسية في شعارات سياسية لم تعانيها الجماهير بعد من خلال نضالها الملموس، ويصبح كافيا لدفعها للنضال تبعا لذلك ببضع شحنات تحريضية سريعة، إن الشعارات تنبع من معايشة وضعية الجماهير الملموسة، وبناء على تحديد الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوضعيتها وذلك حتى يكون الصمود والالتحام بالجماهير عمليا، ينبني على المعايشة الملموسة لوضعية الجماهير لا من التحليل الإيديولوجي والسياسي العام، وهذا هو شرط انبثاق وصحة التوجيه السياسي، وهو يعني رابعا، صمود مناضلي الحركة الماركسية-اللينينية أمام القمع الشرس بكل أشكاله، وأمام التعذيب بصفة خاصة الذي أثبت نجاعته بالنسبة للبوليس في تحطيم التنظيمات الثورية، منذ تحطيم منظمات المقاومة في 56 إلى 59، إلى تحطيم شبكات البرجوازيين الصغار، إلى حصد مجموعة من مناضلي اليسار الثوري منذ أكثر من سنة، يجب أن نعترف بهذا الواقع المر، بكونه السبب المباشر في قدرة البوليس على اكتشاف عديد من المناضلين وقمعهم، ولم يحدث قط أن كان النضال الجماهيري سببا في تحطيم بعض الأنوية، وما لم يستطع اليسار تقوية صلابة وكفاحية مناضليه في وجه كل أشكال القمع وفي مقدمتها التعذيب، فمن الأكيد أن الاعتقالات والاختطافات ستستمر، وسيكتشف البوليس مزيدا من المعلومات الدقيقة عن الحركة وأشكالها النضالية، إن بإمكان المناضلين الصمود في وجه التعذيب كيفما كانت أشكاله، ويجب أن يصمدوا، فلم تنعدم مواجهة الحركة الماركسية-اللينينية للقمع من أمثلة مجيدة في مواجهة القمع، منذ مراحل القمع الأولى إلى الحملات الأخيرة في ضرب اليسار، أمثلة تقيم الدليل الأكيد، في وجه المزاعم البرجوازية الصغيرة باستحالة المقاومة في التعذيب، على قدرة المناضلين على الصمود بالصمت الكامل، وعلى ضرورته، إن الموت لا يخيف المناضل، بل هو واجب نستعد لتأديته كل ما كان ذلك ضروريا، ويستطيع الماركسيون-اللينينيون مقاومة التعذيب، لأنهم يدركون أن تعذيبهم جزء بسيط، وبسيط جدا، من العذابات اليومية التي تعيشها الجماهير، جزء بسيط من آلاف التضحيات التي تقدمها الشعوب في كفاحاتها، في فلسطين، في الفيتنام والكامبودج واللاووس، في ظفار، في أنغولا، في الموزمبيق، في أمريكا اللاتينية، في كل مكان، يستطيعون ذلك لأنهم يحملون معهم الإيمان بانتصار قضية البروليتاريا، لأنهم يحملون معهم وفي عضويتهم الإيمان بالجماهير وقدرتها على هزم الأعداء.
3. إن تصليب أنويتنا التنظيمية وتقويتها إذن، يشكل مركز عملنا الرئيسي في هذه المرحلة من أجل تقوية حركتنا وتقوية قدراتها على الصمود والالتحام الحقيقي بالجماهير في كل قطاعات الحركة الجماهيرية (الطبقة العاملة، الطلبة، التلاميذ...) بهذا يترتب على المناضلين الثوريين من أجل إنجاز هذه المهمة تكثيف مجهوداتهم وطاقاتهم حول هذا العمل بالذات، ابتداء من تصفية كل المظاهر الليبرالية المتفشية بشكل خطير في أساليب عملنا اليومي، وفي مقدمة هذه المظاهر تصفية التساهل والتهاون في محاسبة الأخطاء واستخلاص الدروس منها، ثم تطعيم وتقوية حركتنا بمناضلين جدد، يجددون طاقات حركتنا ويكسبونها دماء جديدة وحماسا جديدا، وتربيتهم سياسيا وإيديولوجيا، وتتطلب هذه المرحلة أيضا بشكل خاص القيام بمهمة التثقيف الإيديولوجي الحازم من طرف كل المناضلين بحكم دوره الأساسي في تصليب حركتنا وضمان تشبثها بالماركسية-اللينينية ودمجها بواقعنا الملموس، وضرب التخلف النظري الخطير الذي يعاني منه مناضلو حركتنا، بسبب عدم إعطائهم المكانة الخاصة للنظرية الثورية في العمل الثوري، وإهمالهم لما تصدره حركتنا من دراسات في نشراتها ("إلى الأمام"، أنفاس، "المناضل" التي تصدرها النقابة الوطنية للتلاميذ ... إلخ).
4. ويشكل التفاف المناضلين الماركسيين-اللينينيين حول نشرتهم المركزية "إلى الأمام" واهتمامهم الكامل بها وضمان تطويرها واجبا ثوريا لا مندوحة عنه في صمود حركتنا ونسج علاقات حقيقية مع الجماهير الكادحة، وفي تحقيق المهام الرئيسية التي ذكرناها. لقد بدأت "إلى الأمام" في فترة قصيرة جدا تلعب دورا مهما في فضح طبقة النظام المتعفن وكشف مناوراته، وفضح الإصلاحية الانتهازية، والتعريف بواقع الحركة الجماهيرية الكادحة، وتحديد شعاراتها المرحلية الأساسية، وتربي المناضلين وترشدهم في نضالهم الثوري اليومي، ونشر الفكر الثوري، بحكم أن المرحلة الراهنة ذات طبيعة دعائية، وبقدر ما يتسع توزيع "إلى الأمام" ووصولها إلى أعمق وأوسع قطاعات جماهير شعبنا الكادح، بقدر ما يستحيل على البوليس حينئذ اقتلاعها من جذورها الجماهيرية الراسخة. ولا تشكل "إلى الأمام" وسيلة دعائية فقط، بل إنها عامل حاسم في إنجاز شعار الصمود والارتباط بالجماهير، لأنها تلف حولها المناضلين وتوحدهم سياسيا وإيديولوجيا، وتوسع من إمكانياتهم، وتربط علاقات متينة بينهم في ظروف الإرهاب الفاشي الشديد، وتتطلب ضبط علاقات متماسكة والحرص على توزيعها بشكل سديد، وتوسيع شبكة هذا التوزيع، ثم بكتابة المقالات والتقارير حول وضعية الجماهير ونضالاتها، مما يدفع المناضلين إلى الحرص الدائم على تتبع وضعية الجماهير ونضالاتها، ويمكن من استخراج الشعارات السديدة من واقع الجماهير نفسه، لا من رغباتنا الذاتية، فهي تقوم من هذه الزاوية بدورها المنظم. ولهذا فهي تتطلب منا تقوية أساليب عملنا وعلاقاتنا، وتنظيم قوانا بشكل متين، ودعمها حتى تكون في مستوى تأدية مهامها وتكون أقرب إلى التعبير الصادق عن مطامح الجماهير، ومنبرا للدعاية وتعرية واقع النظام العميل، وتناقضاته، وحتى تتوسع هذه الدائرة الصغيرة من المناضلين التي تلتف حولها، والتي ينبغي توسيعها وتعميقها أشد ما يمكن من الاتساع والعمق.
في هذا الاتجاه إذن ينبغي أن تنصب جهود كل المناضلين الثوريين لا في محاولة إطفاء هذه الشرارة الصغيرة التي بدأت تمزق تلك الظلمة الحالكة التي يضربها الفكر الرجعي البرجوازي الصغير حول أبصار ووعي الجماهير الكادحة، الشرارة التي يجب أن تصبح "جزءا من منفاخ حداد هائل ينفخ في كل شرارة من شرارات النضال الطبقي والسخط الشعبي ويجعل منها حريقا عاما".
تلك بعض الوجوه الرئيسية لعملنا الثوري الذي يتوجب على الحركة الماركسية-اللينينية القيام به في هذه المرحلة، من أجل قفزة كيفية في ممارستها وخطها في شروط الوضع الراهن، حيث تنمو فاشية النظام العميل وتتعمق تناقضاته، ويتزايد انحلال وتفسخ البرجوازية الوطنية، واندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير، ونمو الحركة الجماهيرية، الذي أصبح يتطلب شروط جديدة في أساليب عملنا الثوري. وواضح أننا ما لم نستطع توفير هذه الشروط الجديدة، وفي مقدمتها بناء الحركة الماركسية-اللينينية كقوة متراصة ومتماسكة أشد ما يكون التماسك والتلاحم، وبوضوح كامل في الأهداف القريبة والبعيدة، وبالتحام عضوي بالجماهير، لا بروابط وهمية فوقية سرعان ما تتلاشى في القمع، فإننا لن نستطيع تأدية مهامنا الثورية بالصورة التي يفرضها علينا واجبنا اتجاه قضية شعبنا وقضية الثورة العربية التي تشكل مركزها الغربي. يجب أن تنظم هذه الجماعة الصغيرة التي تشكل اليسار الماركسي-اللينيني، والتي يحاصرها الأعداء من كل جانب، في شكل جيش صغير، ولكنه قوي وعنيد، ذو إرادة صلبة وعزيمة لا تقهر، يغير أشكاله النضالية بمرونة فائقة وفقا لتغييرات ظروف النضال، اليوم يقوم ببناء قواه ولحم صفوفه واستخراج الدروس من المعارك السابقة، وغدا يهاجم وفق شروط جديدة، ويقاتل بشراسة وروعة. إن هذا الجيش صغير وصغير جدا، ولكنه ما أن يتنظم بقوة، ويربط نفسه بأشد الروابط متانة وقوة بحركة الجماهير، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، متسلحا بخطة سديدة واستراتيجية سديدة، حتى يصبح جيشا قويا، قادرا على مواجهة الإرهاب الفاشي الشديد، الذي لا يزيده إلا إصرارا وعزما على النضال، والقيام بمهامه في تنمية حركة الجماهير، وبناء الحزب البروليتاري الثوري، الذي لا ينمو إلا من خلال كفاح الجماهير الثورية نفسها من أجل تصفية النظام العميل المتعفن وأسياده الإمبرياليين، وبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية؛ جمهورية مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين.
كسب مواقع الصدام الأولى
مانسميه بمواقع الصدام الأولى هي تلك المناطق المؤهلة بحكم شروطها الموضوعية إلى أن تصبح مناطق الصدام الأولى حيث ستنفجر فيها الشرارة الأولى للكفاح المسلح ببلادنا، مما يطرح على الطليعة الثورية مهمة كسب مواقع سياسية وتنظيمية داخلها، وهي تلك المناطق التي تتوفر على الميزات التالية :
- تبلغ فيها حدة الصراع الطبقي مستوى أعلى، بسبب تمركز مصالح الطبقة الحاكمة والإمبريالية، حيث يمارسون بشراسة متوحشة عملية انتزاع الأراضي وتمركز الملكيات الكبرى، ويتمركز فيها في المقابل تفقير الفلاحين وتحويلهم إلى عمال زراعيين أو تشريدهم وتهجيرهم إلى المدن ليعززوا جيوش البطالة فيها في مدن القصدير، مثال هذه المناطق : تادلة, الغرب، سوس، زمور ...
- في هذه المناطق نفسها، يتراكم رصيد عريق من النضال الشعبي، سواء ضد تسلط المخزن وضرائبه، أو ضد الغزو الاستعماري في القرون الأخيرة، وضد عملية انتزاع الأراضي من طرف المعمرين الجدد في مرحلة الاستعمار الجديد.
- في هذه المناطق تتوفر الشروط الجغرافية المناسبة، فهي محاطة بالمناطق الجبلية حيث تتمركز الجماهير الفلاحية الفقيرة المعروفة بعدائها للنظام، وحيث يمارس الحكم تهجير شبابها إلى أسواق النخاسة الجديدة في أوربا، وحيث تقوم المناجم مما يسهل على البروليتاريا المنجمية قيادة نضالات الفلاحين الفقراء.
في الشروط الجديدة لتطور فاشية النظام العميل، ولنمو الحركة الجماهيرية، يتعين على الحركة الماركسية-اللينينية التمركز في هذه المناطق لتأطير النمو المرتقب في الحركة الجماهيرية، ودمجه في إطار استراتيجية سليمة، بحيث يتمكن اليسار الثوري من إحداث قفزة كيفية تضيق من الفارق النوعي بين مستوى الحركة الجماهيرية وضعف اليسار الثوري، ويسهل عليه مواجهة التحولات المحتملة داخل النظام وداخل استراتيجية الإمبريالية في هذه المنطقة، لهذا يتعين عليه تنظيم إرسال مناضليه للقيام بعمل سياسي ودعائي منظم داخل هذه المناطق، وسط العمال ووسط العمال الزراعيين بالدرجة الأولى، والقيام بتحقيقات ودراسات شاملة على مختلف المستويات، وتوجيه دعايته الثورية بشكل مكثف، وتأطير حركة التلاميذ داخل هذه المناطق التي يمكنها في الشروط الحالية لليسار الثوري، خلق مرتكزات أولى للعمل المكثف الذي يستوجب عليه القيام به داخل هذه المناطق، حيث سيحتدم الصراع الطبقي، ويكون اليسار الثوري الشرارة الأولى التي ستضرم النار في السهل كله.
المدرسة العسكرية
لم يعد الإعداد العملي للاستراتيجية الثورية قابلا للتأجيل تحت أي مبرر، فالمهام التي حددناها سابقا، تطرح أهمية هذا الإعداد وضرورته، في إطار منظمة متينة للحركة الماركسية اللينينية، إنه ليس مهمة كمالية طالما أن شروط الوضع الراهن تفرض على الحركة الماركسية اللينينية مهمة تأطير العنف الثوري وتهيئ شروطه، وتفجيره في الشروط المناسبة لتطور الحركة الجماهيرية، وفي إطار مهمة كسب مواقع الصدام الأولى.
لا يعني هذا الإعداد كما يطرح كثير من الرفاق تنظيم شبكة من المناضلين الذين سيقومون بعمليات معزولة ضد قوات العدو ومصالحه، فقد استطاعت الحركة الماركسية-اللينينية والتجربة الملموسة أخيرا تشطيب هذه النزعة الخاطئة التي تميز البرجوازية الصغيرة المتسرعة، كما أن النهج العفوي الذي يرمي بمهمة الكفاح المسلح على عاتق الحركة الجماهيرية، ويطمس دور الطليعة الثورية في هذا الإعداد، قد تم تجاوزه في إطار وضوح استراتيجي أكثر.
إن الخط العسكري بالنسبة للماركسيين-اللينيين هو جزء من خطهم السياسي العام، ومن النظرية الثورية العامة التي يبلورونها حول الصراع الطبقي والواقع المحدد الذي يستهدفون تغييره، فهو ينبني أيضا على الدمج الخلاق لمبادئ الماركسية-اللينينية بالحرب، واستنتاج قوانينها وفق التحليل العملي الملموس، لهذا فإن هذا المجهود من أجل بناء الخط العسكري للثورة المغربية، الذي سيتأسس عبر ممارسة اليسار داخل الحركة الجماهيرية، لا يتطلب مجرد إعداد الكوادر العسكرية-السياسية فقط بل يتطلب إنشاء مدرسة عسكرية، تكون مهمتها بناء خط عسكري، وبناء كوادر عسكرية-سياسية، تكون قادرة على إعداد هذا الخط وتطويره، انطلاقا من تجربة شعبنا التي ينبغي أن تندمج فيه وتتعلم منه، ثم تجربة الحركة الثورية العالمية. ويمكن إجمال مهام هذه المدرسة العسكرية فيما يلي :
- الإعداد التقني العالي للكوادر العسكرية
- دراسة قوانين الحرب الشعبية في التجارب الثورية الرائدة مثل التجربة الصينية والفيتنامية والعربية في ظفار... إلخ والنظريات العظيمة للرفيق ماوتسي تونغ والرفيق جياب حول الحرب الشعبية، ودراسة حتى التجارب الفاشلة واستخراج الدروس منها.
- دراسة التاريخ الحربي لشعبنا، هذا الميراث الغني بالدروس والذي يشكل الماركسيون -اللينينيون ورثته الشرعيون (حروب القبائل، حرب الريف وحروب الأطلس، جيش التحرير والمقاومة...).
- إعداد الدراسات العسكرية الدقيقة المرتبطة بالوضع الطبقي في مواقع الصدام، وإعداد التخطيطات العسكرية وفق إمكانيات الانطلاقة العسكرية الأولى حين نضج شروطها.
من أجل منظمة ماركسية-لينينية موحدة, طليعية, صلبة وراسخة جماهيريا
في كل المهام التي طرحناها, والتي يتطلبها الوضع الراهن، فإن توفر منظمة ثورية موحدة, لكل الماركسيين-اللينينيين, هو الشرط الحاسم لإنجازها بالشكل المطلوب, وقد سبق أن سجلنا أن قصور الحركة الماركسية اللينينية عامل أساسي في تأخر تبلور الحركة الجماهيرية, وانبثاق الأداة الثورية البروليتارية.
ومن بين الأسباب الرئيسية التي يرجع إليها في نظرنا قصور الحركة الماركسية اللينينية نجد إثنين :
- البنية الطبقية للحركة الماركسية اللينينية, وهي بنية تستند إلى البرجوازية الصغيرة, مما يعرضها لخطر الانزلاقات عن الخط البروليتاري السديد.
- التجزئة والتشتيت, مما يجعلها قاصرة عن بلورة خط سياسي موحد, وعلى تركيز القوى بشكل منظم, في إطار منظمة واحدة قوية لإنجاز المهام الضرورية التي طرحناها.
5. إن عملية بناء الطليعة البروليتارية عملية شاقة وطويلة كما رأينا, تفترض نضالا مستميتا داخل الطبقة العاملة وفي كل واجهات النضال تندمج فيها الماركسية اللينينية بنضالات الطبقة العاملة, وتبرهن فيه الحركة الماركسية على صحة خطها وبرنامجها, لهذا فإن الحركة الماركسية اللينينية مطروح عليها التشبث في ممارستها بخط الماركسية اللينينية, وتربية أطرها ومناضليها على المبادئ الماركسية اللينينية, والمثابرة على استعمالها في تحليل الواقع والصعوبات التي يثيرها, وعلى معالجة وضعيتها التنظيمية, وأساليب عملها الجماهيري والسري, وأساليب الدعاية والتحريض بروح بروليتارية صلبة, وهذا يشترط أول ما يشترط، منظمة صلبة وواحدة لمجموع الماركسيين-اللينينيين. فإذا كان صحيحا أن الأساس الطبقي البرجوازي الصغير يعرض الحركة الماركسية-اللينينية للمزالق المتعددة, وفي شروط القمع الرهيب الذي تعيشه حركتنا منذ أكثر من سنة بلا انقطاع, سواء نحو الانتهازية اليسارية وكل مظاهر الليبرالية وروح المغامرة... فإن سلبيات وأخطاء الحركة الماركسية-اللينينية لا يجب أن تحل دفعة واحدة "بشعار الذهاب إلى العمال"، وإلى حد يصبح فيه الأساس البرجوازي الصغير وسيلة للتخلص من مسؤولية الخطأ والتوجيه، وكأن الطبقة العاملة هي المطهر التي يغتسل فيها الرفاق من أخطائهم وممارستهم البرجوازية الصغيرة.
6. لهذا تحتاج الماركسية-اللينينية من أجل معالجة وضعيتها الذاتية وقدرتها على تنفيذ المهام الضرورية إلى شعار الصمود والارتباط بالجماهير في مواجهة تصاعد فاشية النظام ونمو الحركة الجماهيرية.
ويفترض هذا الشعار أولا الإيمان بنمو مقبل تتوفر شروطه الموضوعية داخل الحركة الجماهيرية, فالقول بالردة داخل الحركة الجماهيرية لن يؤدي إلا إلى التراجع والانعزال, إن هذا النمو داخل الحركة الجماهيرية, يتطلب شروطا جديدة غير تلك التي تتطلبها الشروط السابقة، وفي مقدمتها تصاعد فاشية النظام، وهذا يعني معالجة وضعية التشتت داخل الحركة الماركسية, وإيجاد أساليب تنظيمية ودعائية أكثر قوة وأكثر مرونة أمام تزايد فاشية النظام وتزايد خبرته بأساليب نضال اليسار الماركسي-اللينيني. هكذا فإن تقلص نضالية الحركة الطلابية وحركة التلاميذ، لا يعني ردة داخل الحركة الجماهيرية بقدر ما يعني عدم قدرة الحركة الماركسية-اللينينية على القيام بتأطير حقيقي للحركتين، أمام تصاعد فاشية النظام من جهة والاعتماد على أساليب فوقية وسطحية في تحريك الجماهير وفق شعاراتنا الذاتية بدلا من العمل المنظم والعميق ونسج أوسع العلاقات بالجماهير، إن النضالات الأخيرة لحركة التلاميذ (مراكش، وجدة، الدار البيضاء...) تثبت طاقات الحركة وتعاظمها, وتتطلب من أنوية الماركسيين-اللينينيين إعادة تصليب تنظيماتهم ونسج علاقات جديدة مع الجماهير، والصمود في مواجهة صعوبات هذا العمل أمام القمع الرهيب للنظام.
وثانيا لا يعني الصمود الاندفاع في الإضرابات والقيام بتحريض واسع وفوقي والعمل الدؤوب على إنجاح الإضرابات، إن عفوية الجماهير لم تعد كافية في الشروط الجديدة، إن الصمود يعني تصليب أنويتنا وتنظيماتنا داخل الجماهير بحيث تلتحم الطليعة التحاما حقيقيا وعضويا بالجماهير، وفق شروطها الذاتية، إن شعار الصمود والالتحام بالجماهير ليس شعارا مثاليا، إنه يستند إلى تدعيم التحولات الإيجابية وتصفية السلبيات وطول النفس في العمل داخل الحركة الجماهيرية التي هي محرك قدرة تنظيماتنا وصحة خططنا، فالتنظيم القائد يفقد جميع مبررات وجوده، إذا كان غاية لحد ذاته، وإذا لم يلتحم بالجماهير في أحلك شروط العمل وأكثرها قسوة، ويصبح التنظيم مغلقا على ذاته في الثرثرة الداخلية, ويعني الصمود ثالثا، عدم الانطلاق من التحليل الذاتي والتشخيص الإيديولوجي الذي يضع الأهداف السياسية في شعارات سياسية لم تعانيها الجماهير بعد من خلال نضالها الملموس، ويصبح كافيا لدفعها للنضال تبعا لذلك ببضع شحنات تحريضية سريعة، إن الشعارات تنبع من معايشة وضعية الجماهير الملموسة، وبناء على تحديد الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوضعيتها وذلك حتى يكون الصمود والالتحام بالجماهير علميا، ينبني على المعايشة الملموسة لوضعية الجماهير لا من التحليل الإيديولوجي والسياسي العام، وهذا هو شرط انبثاق وصحة التوجيه السياسي، وهو يعني رابعا، صمود مناضلي الحركة الماركسية-اللينينية أمام القمع الشرس بكل أشكاله، وأمام التعذيب بصفة خاصة الذي أثبت نجاعته بالنسبة للبوليس في تحطيم التنظيمات الثورية، منذ تحطيم منظمات المقاومة في 56 إلى 59، إلى تحطيم شبكات البرجوازيين الصغار، إلى حصد مجموعة من مناضلي اليسار الثوري منذ أكثر من سنة، يجب أن نعترف بهذا الواقع المر، بكونه السبب المباشر في قدرة البوليس على اكتشاف عديد من المناضلين وقمعهم، ولم يحدث قط أن كان النضال الجماهيري سببا في تحطيم بعض الأنوية، وما لم يستطع اليسار تقوية صلابة وكفاحية مناضليه في وجه كل أشكال القمع وفي مقدمتها التعذيب، فمن الأكيد أن الاعتقالات والاختطافات ستستمر، وسيكتشف البوليس مزيدا من المعلومات الدقيقة عن الحركة وأشكالها النضالية، إن بإمكان المناضلين الصمود في وجه التعذيب كيفما كانت أشكاله، ويجب أن يصمدوا، فلم تنعدم مواجهة الحركة الماركسية-اللينينية للقمع من أمثلة مجيدة في مواجهة القمع، منذ مراحل القمع الأولى إلى الحملات الأخيرة في ضرب اليسار، امثلة تقيم الدليل الأكيد، في وجه المزاعم البرجوازية الصغيرة باستحالة المقاومة في التعذيب، على قدرة المناضل على الصمود بالصمت الكامل، وعلى ضرورته، إن الموت لا يخيف المناضل، بل هو واجب نستعد لتأديته كل ما كان ذلك ضروريا، ويستطيع الماركسيون-اللينينيون مقاومة التعذيب، لأنهم يدركون أن تعذيبهم جزء بسيط، وبسيط جدا، من العذابات اليومية التي تعيشها الجماهير، جزء بسيط من آلاف التضحيات التي تقدمها الشعوب في كفاحاتها، في فلسطين، في الفيتنام والكامبودج واللاووس، في ظفار في أنغولا، في الموزمبيق، في أمريكا اللاتينية، في كل مكان، يستطيعون ذلك لأنهم يحملون معهم الإيمان بانتصار قضية البروليتاريا، لأنهم يحملون معهم وفي عضويتهم الإيمان بالجماهير وقدرتها على هزم الأعداء، وإن بناء وتدعيم منظمة ماركسية-لينينية موحدة صلبة، سيمكن من تصليب وتقوية أطر الحركة ومناضليها بحكم التماسك والقوة في منظمة مهيكلة بمتانة ومن أشد المناضلين صلابة وعنادا داخل كفاح الجماهير، ولأنها ستكون من المرونة في الحركة وأشكال النضال، ومن الحماس والثقة لدى المناضلين، إنها تجعل من الصمود والالتحام بالجماهير واقعا ملموسا تدعمه وتبنيه منظمة طليعية وراسخة.
7. إن أخطار النتائج العملية للموقف الذي يرى ضرورة التراجع المؤقت للحركة الماركسية-اللينينية وانعزالها هو توقيف "إلى الأمام" وكل النشرات الجماهيرية.
لقد استطاعت "إلى الأمام" في مرحلة قصيرة جدا وبشكلها المتواضع أن تلعب دورا هائلا في نشر الفكر الثوري والقيام بعمل دعائي واسع للفكر الثوري وخط اليسار الثوري في الأوساط الجماهيرية التي تمكنت ملامستها, واستطاعت أن تلف حولها مزيدا من المناضلين وترشدهم في معرفة تطور الصراع ببلادنا, وفي رفع الشعارات وتحديدها, وبحكم أن المرحلة الراهنة ذات طبيعة دعائية, تتطلب نشرا واسعا للفكر الثوري داخل الطبقة العاملة وفي كل القطاعات الجماهيرية, وتتطلب فضحا دائما لطبيعة النظام القمعية والاستغلالية والتشهير بمؤامرات البرجوازية ومساوماتها وإظهار الطريق الثوري الصحيح والاستراتيجية السليمة في تحقيق مطامح الجماهير والمفهوم الصحيح للعنف الثوري. فإن توقيف "إلى الأمام" سيعرقل تنفيذ العمل الدعائي الهائل الذي يتوجب على الماركسيين-اللينينيين القيام به. ينبغي أن يكون واضحا أن "إلى الأمام" لا تسبب في حد ذاتها القمع, وهي لم تسبب ذلك حتى الآن, إن الوضعية الذاتية وممارسة الحركة الماركسية-اللينينية هي التي تسبب ذلك, فبقدر ما يتسع توزيع "إلى الأمام" وتزداد قدرتها على التعبير عن مطامح الجماهير إلى أبعد قطاعات فئاتها, وعبر شبكة واسعة ومؤطرة, يستحيل على البوليس قمعها, بقدر ما تصبح "إلى الأمام" جريدة الجماهير الكادحة التي تعكس صوتها ومطامحها, بقدر ما يستحيل على البوليس اقتلاعها من جذورها الجماهيرية الراسخة. إن توقيف "إلى الأمام" لن يؤدي إلا إلى تشتيت هذه الدائرة الصغيرة من المناضلين والعاطفين التي بدأت تتوسع والتي ينبغي توسيعها وتعميقها أشد مايمكن من الاتساع والعمق.
لا تشكل "إلى الأمام وسيلة دعائية هائلة فقط،، بل إنها عامل حاسم في إنجاز شعار الصمود والارتباط بالجماهير، لأنها تلعب دور التأطير السياسي لهاته المجموعة من المناضلين التي تلتف حولها وحول اليسار الماركسي-اللينيني، لأنها توحد شعاراتهم وتحاليلهم، وترشدهم إلى أساليب العمل الجماهيري، وترسخ أنوية المناضلين وتمتنها في صلب الحركة الجماهيرية، وتعلمهم ضبط علاقاتهم، وقدرة أعلى في الانضباط والسرية، وتوسيع شبكة التوزيع بالقدر المطلوب وتعلمهم كتابة المقالات والتقارير، وبالتالي تتبع وضعية الجماهير ونضالاتها لاستخراج الشعارات من معرفة ومعايشة الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوضعية الجماهير، فهي تلعب من خلال ذلك دورها المنظم.
ولهذا أيضا فهي تتطلب بالضرورة منظمة ثورية موحدة صلبة وراسخة جماهيريا, في الوقت الذي تتقوى فيه بدورها هذه المنظمة وترسخ جذورها الجماهيرية, منظمة تكون قادرة على ضمان صدورها وبالشكل المطلوب, وقطف ثمارها في المجال الدعائي والتنظيمي, إن عددا واحدا في الشهر غير كاف في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث, وهو لا يصدر إلا بصعوبة شاقة. إن شعارنا وهدفنا ينبغي أن يستهدف في المستقبل القريب إصدارها مرة كل أسبوعين, وهو هدف أثبتت التجربة أنه ليس سهلا.
في هذا الاتجاه ينبغي أن تنصب جهود الماركسيين-اللينينيين, لا في محاولة إطفاء هذه الشرارة التي بدأت تمزق تلك الظلمة الحالكة التي يضربها الفكر الرجعي والفكر البرجوازي والبرجوازي الصغير حول أبصار ووعي جماهيرنا الكادحة.
8. هكذا تصبح مهمة توحيد جميع الماركسيين اللينينيين وجمع شتاتهم وصهر طاقاتهم وإمكانياتهم في منظمة ثورية واحدة, صلبة, طليعية وراسخة جماهيريا, هي المهمة الأولى والحاسمة, لإحداث قفزة كيفية في خط وممارسة الحركة الماركسية-اللينينية والحركة الجماهيرية في الشروط الجديدة للوضع الراهن, وكخطوة ضرورية وحاسمة في بناء الأداة الثورية البروليتارية, وفق برنامج مدقق وشامل وعلى مراحل متماسكة. وما لم يضع الماركسيون اللينينيون هذه المهمة, ليس فقط في المقام الأول, ولكن كشرط أساسي لإنجاز بقية المهام, فإنهم يضعون أمام قضية البروليتاريا واحتلالها موقع قيادة الشعب عرقلة جديدة؛ كما أن شعار الصمود والارتباط بالجماهير, وباقي الشعارات الأخرى ستظل محدودية الفعالية إذا لم يتم بناء المنظمة الموحدة, ولا يظهر حتى الآن أن هذه المهمة قد طرحت بالدرجة المطلوبة, فتلك القفزة التي تم تحقيقها في شهر أكتوبر 1972 بدأت تفقد حرارتها. ولكي تكون الوحدة حقيقية وشاملة ينبغي أن تدخل في حسابها الاعتبارات التالية :
أ. في كل مرحلة تاريخية لا يمكن أن يكون هناك إلا خط سياسي واحد سديد, لا خطوط عديدة, وبالضرورة قيادة بروليتارية واحدة وحزب ثوري واحد لا عدة أحزاب. ومن أجل امتلاك خط سياسي واحد سديد والوصول إليه ينبغي توفر منظمة ماركسية لينينية واحدة, فلا يحق لأي فصيل من فصائل الحركة الماركسية اللينينية أن يدعي وحده امتلاك هذا الخط أو الحقيقة الثورية. إن هذان الادعاءان التافهين الضيقي الأفق يؤديان إلى الحلقية بكل مظاهرها وإلى فهم التوحيد على أنه نوع من الاستيعاب والضم الشيء الذي لن يؤدي إلى التوحيد لأن كل فصيل يملك هذا الادعاء ولا أحد يجادل في أن هذه الظاهرة موجودة وتمارس بهذا الحجم أو ذاك داخل الحركة الماركسية-اللينينية.
ب. لذلك وبسبب حداثة الحركة الماركسية اللينينية وأساسها الطبقي ينبغي على جميع فصائل الحركة الماركسية-اللينينية أن تهدف إلى بناء خط سياسي واحد داخل الحركة الجماهيرية وعبر النضال الملموس معها ينبغي على الماركسيين-اللينينيين التوصل إلى نظرة موحدة لمختلف قضايا الثورة وإلى توجيه سياسي موحد وخطة موحدة تمكنهم من الممارسة داخل الحركة الجماهيرية، وسيصحح النضال هذا الخط وأن تلتحم داخل هذا النضال نفسه, ولسنا في حاجة إلى ضرب الأمثلة من دروس الحركة الثورية العالمية. إن تجربة توحيد حزب العمال الألباني واضحة في هذا المجال, وقبلها توحيد الحلقات الاشتراكية الديمقراطية الروسية, ولنذكر كذلك بأن الحزب الشيوعي الصيني لم يتوصل إلى بناء خط سياسي سديد إلا سنة 1935, أي بعد أربعة عشر سنة من تأسيسه, مليئة بالهزائم أكثر من الانتصارات.
فضلا على أن التجربة القصيرة لعملية التوحيد قد أثبتت أن الفارق في الرؤية السياسية بين مختلف الفصائل سهل التقريب, ويمكن أن يتم بسرعة أكثر من التي يتصورها البعض وأن بعض الخلافات التي تظهر أساسية تختلط فيها الخلافات الموضوعية بمزيج من الحزازات الذاتية والحلقية.
ج. لذلك أيضا فإن الحركة الماركسية-اللينينية تحتاج في علاقاتها أفقيا وعموديا إلى المركزية الديمقراطية, أكثر مما تحتاج إلى المركزية الشديدة أو إلى اللامركزية المفرطة بسبب أن المرحلة التي نجتازها هي مرحلة بناء الخط السياسي السديد, المركزية لتثبيت المكتسبات الوحدوية وتدعيمها وتوحيد خطة النضال والمواجهة, والديمقراطية التي تفتح حرية نقد الخطة المتفق عليها وإبراز أخطائها وإغنائها, وهذا يتطلب قبل كل شيء ضمان حق الأقلية في التعبير عن آرائها, وإلى ضرب أساليب التقيد بالمواقف الرسمية في النقاش.
د. ليس التوحيد عملية تجميع عددي لمجموع الماركسيين اللينينيين, بل هو خلاصة مركزة لمكتسباتهم السياسية والإيديولوجية والتنظيمية المتفرقة, ومن أجل الوصول إلى ذلك, ينبغي على الماركسيين اللينينيين دراسة تجربتهم وتعميقها, وبالضرورة النقد الذاتي حولها, فلا ممارسة بدون أخطاء, ولا تقييم للتجربة بدون نقد ذاتي, وينبغي على كل ماركسي لينيني أن يبدأ النقد الذاتي بنفسه وقبل أن يوجه إليه, وهو تحديد السلبيات كما يعني تحديد الإيجابيات, والبحث عن جذورهما الطبقية, جذورهما السياسية والإيديولوجية والتنظيمية, من أجل منظمة ثورية طليعية، صلبة وراسخة جماهيريا, قائمة على قاعدة صلبة من دروس الممارسة ومرتكزة إليها.
هـ. وبسبب أن التوحيد ليس عملية جمع عددي, بل هو مسيرة نضالية, فإنه لا بد من توفر برنامج متكامل, يضمن سير عملية التوحيد من مرحلة إلى أخرى, من توحيد الرؤية والأهداف والخطة لكل قطاع إلى بداية عملية الإدماج إلى النقاش السياسي حول كل قضايا الثورة المغربية والعربية والعالمية وصولا إلى أطروحات موحدة ونظاما داخليا موحدا إلى مؤتمر التوحيد الذي تنبثق عنه منظمة موحدة.
إن عملية توحيد الحركة الماركسية اللينينية هي مسيرة نضالية شاقة ولكنها أيضا ممكنة ومطلوبة في شروط الوضع الراهن الذي يتطلب من الحركة الماركسية اللينينية قفزة كيفية في خطها وممارستها ويشكل توفر منظمة موحدة لكل الماركسيين اللينينيين الشرط الأول لهذه القفزة من أجل خطوة جديدة في تأمين انتصار قضية البروليتاريا وجماهيرنا الكادحة, إن ذلك يتطلب قبل كل شيء من كل الماركسيين اللينينيين التشبع بالحقيقة التالية التي طرحناها دائما في الوعي كما في الممارسة : تشكل وحدة الماركسيين اللينينيين الخطوة الضرورية الأولى والحاسمة التي لا مندوحة عنها في تأدية واجباتنا الثورية، وفي طليعتها بناء الأداة الثورية البروليتارية.
6 – 4 – 73
الهوامش :
(1) البلانكية هي تيار نشأ في بداية الحركة العمالية يرى أن الثورة هي من عمل أقلية نشيطة وواعية تنوب عن الجماهير في الاستيلاء على السلطة.
(2) بدأ اكتشاف البترول في إقليم طرفاية على يد الإيطاليين في زمن ماتي MATTEI ابتداء من سنة 1960، ثم تخلوا عنه لشركة إيسو (ESSO) في إطار مساومة بينهما التي أعادت التنقيب منذ 1965، وأدى ذلك إلى اكتشاف حقول ضخمة يبلغ طول أحدها 100 كيلومتر داخل ساحل البحر وتمتد إلى داخل الصحراء اللغربية، ورفضت إيسو البدء في هذا الاستخراج سنة 1968 وحتى تسوية المنطقة سياسيا، في الوقت الذي يتقدم فيه التنافس حول مناجم الفوسفاط في بوكراع.
(3) لا يجب أن ننسى ملاحظة أوفقير التي صرح بها أمقران في قاعة المحكمة العسكرية بالقنيطرة (يمكن لجماعة مسلحة أن تأخذ الحكم في المغرب)، وتأثير هذا أيضا على الجناح الاتحادي الانقلابي.
(4) ساهم البشير الفكيكي الذي يدعي لنفسه "الماركسية"، وكذلك سعيد بونعيلات وآخرين في عملية التأسيس.
ملحوظة:
إن تكرار بعض الفقرات خاصة في الفصل المعنون "من أجل منظمة ماركسية - لينينية موحدة، طليعية، صلبة وراسخة جماهيريا" يعود إلى دمج الصيغة الداخلية للوثيقة بالصيغة الشبه الجماهيرية للوثيقة، وقد قام الكاتب بنقل ذلك الجزء الداخلي كما هو دون أدنى تغيير حفاظا على الأمانة التاريخية.