Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

بيان الذكرى الخمسون لتأسيس المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام"ـ

Pin it!

الذكرى الخمسون لتأسيس

المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية

"إلى الأمام"

 

يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة، اتحدوا!

 

في أسفل هذه الصفحة، يوجد رابط هذا البيان بصيغة بدف.

 

بيان

في السمات الأساسية للوضع الدولي والإقليمي والوطني

 

1 ـــ أهم سمات الوضع الدولي: الأزمة العميقة للرأسمال المالي الإمبريالي

عند كل تعمق لأزمة الرأسمال الإمبريالي، كما شهد الوضع العالمي في صيف 2007 (أطلق عليها بأزمة 2007/2008)، وقبلها أزمة 1997 / 1998، وكما يشهد الوضع الراهن استمرارها أكثر عمقا وحدة، تكون البروليتاريا العالمية والشعوب المضطهدة والمستغَلة أولى كل الطبقات والفئات الاجتماعية من يكتوي بنارها ويدفع ثمنها من حياتها ووجودها، بسبب سياسات التقشف والقهر الاقتصادي والضغط الاجتماعي والقمع السياسي.

ففي هذا الوقت الذي لم تنتهي فيه بعد البلدان الرأسمالية الإمبريالية من استكمال كل ترسانتها الوقائية وضوابطها وإجراءاتها السياسية والاقتصادية لفرملة سيرورة انهيارها والحد من المخلفات الكارثية لسياساتها الاقتصادية التي أدت إلى أزمة 2007 / 2008، هي في الجوهر ضوابط تقنية لا غير (مثلا ما سمي بلائحة "Volcker " التي ابتدأ بها العمل سنة 2014، و " MIFID II "سنة 2018، و "Bâle III" التي انطلقت أواخر سنة 2010 والتي من خلالها فرض على البنوك تطبيقها قبل نهاية 2019....)، دخلت هذه البلدان في الفترة الراهنة منعطفا أكثر عمقا وحدة، وذلك بداية من الشطر الأول لهذه السنة مع السياسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والمالية التي سنتها، كما تشهر هي بذلك، لمواجهة ما أصبح يعرف ب "الجائحة العالمية كوفيد ـــ 19".

ومن المعلوم، فإن أزمة 2007 / 2008 هزت في البداية "الأسواق المالية"، وهذه الأخيرة ما هي في حقيقتها الفعلية إلا وسيلة لتداول رأس المال الإمبريالي، وهي ثانوية في بنية هذا الأخير، ولا تمثل بأي حال قاعدته المادية، لأن الأساسي في إنتاج الثروة هي جدلية تراكم رأس المال ــــ استغلال العمل. وستبرز بعد تلك الهزة المالية وبسرعة كبيرة جدا حقيقتها بما هي أزمة فائض إنتاج رأس المال (وجود كتلة هائلة من رأس المال لم تجد طريقا للاستثمار) في إطار الأزمة العامة للرأسمالية، وصفها الاقتصاديون اللبراليون أنفسهم بأخطر أزمة منذ أزمة 1929 (أطلق عليها ب "الركود العظيم"، والانخفاض الحاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي للقوى الاقتصادية الكبرى)،

هكذا، ففي صيف 2007، تم اعتبار أن البنوك الكبرى لا تتوفر على ما يكفي من الموارد، ولتجنب حدوث انهيار النظام المالي العالمي، قامت البنوك المركزية (الأمريكية والأوروبية بالأساس) بإنتاج كميات هائلة من السيولة، أي أموال قابلة للاستخدام المباشر، إلا أن هذا الأمر لم يغير من طبيعة المشكلة ولم تسمح هذه الوفرة من الأموال لرأس المال الزائد بأن يكون في وضع أفضل عن طريق استخدامه في الاستثمار الرأسمالي، بل وجدت نفسها كليا في فلك المضاربات، "أو" كما هو الحال بالدول الرأسمالية الأوروبية التي تم فيها "استثمار" هذه الكتلة المالية الزائدة في "تديين" (ائتمان) الدول و البنوك التجارية والشركات الكبرى، وهو في الحقيقة ليس استثمارا بالمعنى الرأسمالي للكلمة، ولكنه مضاربة عن طريق الائتمان، تنفجر آلتها حين لا يتوافق الدين مع ثروات البلد (نفس منطق هذا الانفجار هو ما حدث مع الرهون العقارية بأمريكا)، وهو الأمر الذي حدث مع دولة اليونان سنة 2010 التي انهارت فعليا، كما انوجدت دول أخرى حينها على نفس طريق الانهيار كإيرلندا والبرتغال وإسبانيا، بالإضافة إلى إيطاليا وفرنسا...، فما كان من البنك المركزي الاوروبي (نفس العملية وفي نفس الفترة، ماي 2010، قام بها البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، وهي العملية التي نهجتها قبل ذلك البنوك المركزية بدولة اليابان بين 2001 و2006، والمملكة المتحدة ابتداء من 2008 / 2009) إلا نهج نفس سياسة إنتاج سيولة مالية إضافية، والسقوط في نفس الأزمة التي ابتدأت في صيف2007، أي فرط في إنتاج رأس المال المغدي لسوق المضاربات، والذي يسمح "بعوائد" مصطنعة (فقاعات) لرأس المال.

وكنتيجة لهذه السيرورة، واجهت البنوك المركزية للبلدان الرأسمالية الإمبريالية أزمة ديون سيادية أدت بهم إلى "إعادة شراء" ديون الدول (والبنوك والشركات الكبرى) لتجنب انهيار سوق الديون (بمعدل 80 مليار يورو شهريا ابتداء من ربيع 2015، حيث اشترى البنك المركزي ما قيمته 2600 مليار يورو من الديون، وخاصة الدين العام لكل من دولة اليونان ودولة إيطاليا)، مطبقة سياسة سعر الفائدة المنخفضة "لإنعاش النمو". ومرة أخرى يتعلق الأمر هنا باللعب بالعملة على أمل التغلب على معضلات الرأسمال، فكانت أن اصطدمت مباشرة هذه السياسات الاقتصادية بارتفاع الديون العامة لهذه الدول. هكذا، فعند بداية أزمة 2007/ 2008 وفي الشطر الأول لسنة 2008، كان مثلا الدين العام ببعض الدول بأوروبا كفرنسا هو: 66.0%، بلجيكا 90.7%، اليونان 103.7%، اسبانيا 35.0%، إيطاليا 106.2%...، وعند نهاية 2019، أي بعد تطبيق جزء مهم من الوصفات التقنية لإيقاف الكارثة، وقبل انطلاق الدعاية الهوجاء عن ما يعرف "بالجائحة العالمية"، نجد أن هذا الدين قد وصل بهذه البلدان: فرنسا 98.1 %، بلجيكا 98.7%، اليونان 176.6%، اسبانيا 95.5%، إيطاليا 134.8 %... وعند الشطر الأول من سنة 2020، أي مع بدايات الانتشار الواسع ل "مرض كوفيد ــ 19" والدعاية الضخمة المصاحبة له، وصل الدين العام بفرنسا إلى 101.2 %، بلجيكا 104.4%، اليونان 176.7%، اسبانيا 98.8%، إيطاليا 137.6%... وبالنسبة للدولة الإمبريالية الأمريكية، فكانت نسبة الدين سنة 2007 هي 86.2%، وسنة 2008 هي 102.2%، ووصلت هذه النسبة سنة 2019 إلى 135.3%، ودون أن ننسى أن هناك دول أخرى نسبة ديونها العامة مرتفعة جدا إلا أن لها ديون على دول أخرى كحالة "جمهورية الصين الشعبية"والدولة الإمبريالية الأمريكية، حيث تعرف هذه المرحلة التاريخية الدقيقة جدا، تداخلا غير مسبوق للرأسمال المالي الإمبريالي لم يشهد التاريخ له مثيلا (إن التسلسل المتصاعد لهذه الاحصائيات ، وبهذا الشكل ،هو ما يصطلح عليه ب " l’effet boule de neige "، وهي في الحقيقة ،لا تقدم إلا نظرة جزئية للأزمة العميقة التي فيها تتخبط هذه البلدان الرأسمالية، كون هناك العديد من العناصر الأخرى التي لم نأتي عليها، كي لا نثقل هذا البيان بأرقام خدام رأس المال، والتي لها تأثير مباشر على ثروة الدول، وبالتالي على ديونها العامة).

في هذا الإطار من ضخ كميات هائلة من الأموال في الاقتصاد دون القدرة على التوجه إلى الاستثمار، هي بمثابة عملية تخدير للمعضلة البنيوية لنظام الرأسمال، وكذا من ارتفاع الديون العامة للدول الرأسمالية، جاءت صيحة إحدى مؤسسات سياسات التخريب الاقتصادي والمالي الإمبريالية، صندوق النقد الدولي، حيث أعلن كبار خبرائها ومجرميها الماليين والاقتصاديين خدام الرأسمال الإمبريالي، أن الدين العام العالمي سيرتفع هذه السنة إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ، ليمثل 101.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي أكثر مما كان عليه عند نهاية الحرب العالمية الثانية.

إن هذه السياسات الاقتصادية التي تنهجها هذه البلدان، والتي يطلق عليها "التيسيرية"، هي في نظر خبرائها اللبراليين أنفسهم "اقتصادات انتقلت من استخدام الديون لتغذية نشاطها الاقتصادي، إلى اقتصادات تقودها الديون"، وهي، في نظرهم دائما، تشكل خطرا وتهديدا لهذه الدول نفسها في حالة ما إذا نشأت أزمة عالمية جديدة، حيث لن تكون البنوك المركزية بقادرة على استخدام ما يسمى ب "الرافعة المالية" المتمثلة في خفض الأسعار لإنعاش الاقتصاد. وها نحن اليوم سنعيش هذا الخراب الذي أدى إليه نظام الرأسمال وسياساته الاقتصادية الإجرامية، وستتحمل الشعوب، وكل المضطهدين والمستغلين والكادحين، وعلى رأسهم البروليتاريا العالمية، تبعات وكوارث هذا النظام الهمجي. إنه ل "فظيع جدا" أن تدفع الشعوب المقهورة والمستغَلة حياتها ثمنا لتعفن وتحلل هذا النظام الوحشي، وإنه ل "رائع جدا" أن يستمر تعفن وتحلل هذا النظام ليقف على حافة قبره.

ومرة أخرى، وعلى نفس النهج اللبرالي، وسياسات الهروب إلى الأمام، كما كان الحال خلال أزمة 2007 / 2008، ومن أجل مواجهة ما يعرف اليوم "بالجائحة العالمية ــ كوفيد ــ 19"، تم ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد لمعظم العملات، بما في ذلك العملات التي تعتبر ضعيفة، حيث وفي وقت مبكر (مارس 2020 ومع ابتداء ما سمي بسياسة "الحجر الصحي") أعلن البنك المركزي الأوربي عن "برنامج الشراء الطارئ لمواجهة الجائحة" (PEPP ـــــ Pandemic Emergency Purchase Programme)، بقيمة حددها بداية في 750 مليار يورو (شراء ديون عاجلة تحتفظ بها دول وشركات)، لأجل تجنب الانهيار، وهي القيمة التي أصبحت في منتصف يوليوز تصل إلى 1350 مليار يورو (بمعدل 20 مليار يورو شهريا، وظرف إضافي يصل إلى 120 مليار يورو). وفي نفس الفترة ،أعلنت فيها الدولة الإمبريالية الأمريكية عن تريليونات من الدولارات. في الحقيقة، لا يتعلق الأمر في هذه السياسة النقدية، بإعادة شراء الديون بالمعنى الدقيق للكلمة، بل بخلق النقود. فمعلوم أن البنوك المركزية لا تملك الأموال التي تنفقها عن طريق شراء المليارات من الديون، فهي تقوم فقط بتحويلها إلى نقود عن طريق أخذ هذه الديون إلى حسابها الخاص مقابل اليورو الذي تخلقه من "العدم" (النقد السحري). كما اعتمدت البنوك المركزية سياسة توفير السيولة مباشرة للبنوك الكبرى (دائما عن طريق هذا النقد السحري) بهدف إقراضها للشركات والأفراد (ما أطلق عليه ب TLTRO III في مارس 2020)، فإن لم يكن كل هذا كافيا، في نظر خبراء الرأسمال الإمبريالي، لتفادي الانهيار السريع، فقد أعلنوا عن طريق البنوك المركزية عما أسموه ب " OMT ــــ opérations monétaires sur titres "، مما يسمح لها "بشراء" الديون (ديون الدول والبنوك والشركات...) بشكل غير محدود، ودائما عن طريق الخلق النقدي (النقد السحري). لهذا، هناك كتلة هائلة وكبيرة جدا من الأموال السحرية، تسير جنبا إلى جنب مع الديون المتزايدة وبنسب لم يشهدها التاريخ من قبل، فالدولة الإمبريالية الفرنسية مثلا وحدها، يبلغ دينها العام ضعف ما كان عليه قبل عشرين سنة، وهذا الدين (العام والخاص) يتم تحمله مباشرة من خلال "النقد السحري". إن هذه الكميات الهائلة من الأموال التي يتم ضخها عن طريق "النقد السحري"، لم تحل أزمة البلدان الرأسمالية (أزمة 2007 / 2008) ولن تحلها، وهي كذلك لا تنقص من حدتها، على العكس من ذلك، فهي تزيد من تفاقمها وتعمقها وترفع من حدتها (أصبح وضعها الحالي كالثعبان الذي يعض ذيله).

إن الوضع على حافة الانفجار، لدرجة أن جزء من البرجوازية الأوروبية، الألمانية بالتحديد، رفض المشاركة في هذه السياسة النقدية ، وأعلن الانسحاب منها ، ودعا إلى التخلي عن "مساعدة" إيطاليا حتى ولو سارت نحو الانهيار (انظر موقف هذه البرجوازية بخصوص حالة المديونية لصالح دولة إيطاليا)، إلا أن الأطراف البرجوازية الأقوى إلى حدود اللحظة تراهن على استقرار النظام بأي ثمن، وفي إطار التناقضات البين برجوازية، تأتي تحفظات دول هولندا والنمسا والدنمارك والسويد بشأن خطة الإنعاش الأوروبية -الفرنسية الألمانية - في منتصف يوليوز 2020، حيث اعتبرت أن وضع الدولة الإيطالية محفوف جدا بالمخاطر(أكثر بكثير مما كانت عليه دولة اليونان في 2010، وهي هنا في هذه الفترة الدقيقة تشكل الحلقة الضعيفة في هذه السلسلة، وبدرجة أقل منها كل من إسبانيا وفرنسا) وسيكون من الأفضل التخلي نهائيا عنها (انظر حجم المديونية المخصصة لإيطاليا والشروط المصاحبة لها).

ولتجنب التهديد المباشر الذي تشكله فقاعات المضاربات اتجاه الزيادات الهائلة في الكتلة النقدية ("السحرية")، وفي ظل الانحصار الاقتصادي الشامل الذي نتج عن سياسات الحجر الصحي بسبب ما يعرف ب "جائحة كوفيد ــ 19"، والذي لا يسمح لها بتوجيه تلك الأموال نحو الاستثمار، إن كانت لها القدرة على ذلك، يتم تحويل كمية منها نحو القطاعات التي تعتبر "مستقرة ومستدامة". فإلى جانب تديين الدول، وهو الأكثر شيوعا، يتم اللجوء إلى العقارات كملاذ آمن لإنعاش "سوق الإسكان والعقار" (لا يخرج هو الآخر عن منطق المضاربة). وهو ما سيكون له بالفعل عواقب اجتماعية تساهم بشكل كبير في تعزيز الأزمة العامة والاتجاه بها نحو الانفجار. إن أقوى تعبير عن هذا الاتجاه، هو ما حصل من انفجار في سعر الذهب بسبب تدفق "النقد السحري" والبحث عن ملاذ في "الأسهم السحرية" مثل الذهب، الذي وصل مستوى تاريخي في نهاية يوليوز (بزيادة وصلت إلى 27 بالمئة)، مع خطر الانهيار الشامل والمعمم للبنية المالية بأكملها، لأن المشكلة الأساسية هي فرط إنتاج رأس المال، المرتبط طبعا بفرط إنتاج السلع.

إما الاشتراكية وإما الفاشية والهمجية

سيرورة الإفلاس المحتوم هذه، ليست "بجديدة" في تاريخ البلدان الرأسمالية، إلا ان تبعاتها السياسية والاجتماعية كانت سابقا كارثية على البشرية كلها. فتاريخ شعوب البلدان الرأسمالية، يشهد أنه عندما بدأت سلسلة إفلاس البنوك الكبرى والصناديق الاستئمانية في سنة 1931 (انظر المرسوم الاستثنائي للحكومة الألمانية في تلك السنة)، بدأ رأس المال الاحتكاري في استخدام خزينة الدولة بشكل مكثف لإنقاذ الشركات المفلسة ولمنع المزيد من الإفلاس، حيث منحت الدولة لهذه الشركات إعانات ضخمة في صورة شراء جزء من أسهمها، وتأمين الوسائل للقيام بذلك عن طريق زيادة الضرائب وتخفيض المساعدات للعاطلين عن العمل... وخفض الإنفاق على المؤسسات العمومية.... وهي في الحقيقة عملية تمرير الدولة للأموال من جيوب الجماهير الشعبية المستغلة إلى جيوب الرأسماليين المفلسين. سيرورة الإفلاس هذه في الفترة الراهنة، هي أعمق وأكثر حدة من كل سابقاتها، فالأموال التي بها تنقد الدول الرأسمالية مجموع الشركات والبنوك...، ويتم ضخها لوقف سلسلة الإفلاس والانهيار، هي في جزئها الأكبر ديون على هذه الدول، ومصدرها هو "النقد السحري" للبنوك المركزية، حيث لا يتعلق الأمر هنا بصك النقود وتمريرها للدولة أو لكبريات الأبناك والشركات، لأن العملية كلها أصبحت مجرد أرقام سحرية (النقد السحري) مع ضمانات "الأسهم السحرية" في العقارات والذهب.

ففي ظل سياسات "الحجر الصحي"، توقفت الآلة الرأسمالية عن العمل، إلا في بعض أجزائها الأساسية، وتحملت الدول، عن طريق "النقد السحري"، ضمان التعويضات عن فقدان العمل، وتم "فرض" بطرق ملتوية وعن طريق الدعاية الضخمة في هذا الباب، تجنب استعمال المال "الحي" في كل المعاملات النقدية، وتشجيع المعاملات الإلكترونية التي ارتفعت بنسبة كبيرة جدا.

كما قامت هذه الدول بدعم الشركات الصغرى والمتوسطة بطرق مختلفة، سواء بضخ الأموال (السحرية)، أو عن طريق تخفيض الضرائب والإيقاف المؤقت لدفع الديون... والإعفاء من الواجبات الاجتماعية، ومع ذلك، ورغم كل تلك الإجراءات التي تقدر بمليارات اليورو والدولارات، فالإفلاس أخذ طريقه الفعلي، ومن المنتظر أن تفوق نسبة الإفلاس مثلا بالدولة الإمبريالية الأمريكية أكثر من 50 بالمئة، وببريطانيا ستتجاوز 40 بالمئة، وبالعديد من الدول الرأسمالية الأوروبية نفس الشيء (يحددها خبراء المال والاقتصاد اللبرالي أنفسهم بين 45 و85 بالمئة بفرنسا وإسبانيا وإيطاليا...)، في حين عملت بعض الدول، عن طريق المزيد من التدخل المالي، على تأجيل الإفلاس إلى نهاية هذه السنة وبداية السنة القادمة، والتي من المؤكد أنها ستكون على شكل سلسلة إفلاس غير مسبوقة. إن أكثر المتفائلين من خبراء الرأسمال المالي، يضع إمكانية نجاح "برنامج الطوارئ المالي" على الأقل بعد مرور أربع إلى خمس سنوات، للعودة إلى الوضع المالي والاقتصادي لما قبل الجائحة.

إن هذا الوضع الذي أصبح كارثيا بالنسبة لشعوب البلدان الرأسمالية، مع هذه "الجائحة"، أبرز فعلا أن الرأسمالية ودولها "نمر من ورق". فلا القطاع الصحي له القدرة الاستيعابية ولا الوسائل والموارد الكافية بعد تحطيمه عن طريق السياسات التقشفية. ولا "سوق الشغل"، الذي يتمركز في قطاعه الثالث العدد الأكبر من جماهير العمال بهذه البلدان، بقادر على استيعاب الأعداد الهائلة من الذين تم تسريحهم ليجدوا أنفسهم بين مطرقة الديون وهزالة التعويضات وغلاء المعيشة، فتسريح العمال لا يعني سوى انخفاض معدل الاستغلال الذي يحققه الرأسمالي، أي انخفاض معدل الربح. ولا حتى العمال المتبقين، والذين تم التقليص من ساعات عملهم ، وبالتالي من مداخيلهم... مع ما يستتبع هذه السلسلة المتداخلة من انفجار قطاعات / حلقات تشكل شرايين يومية في حياة الاقتصاد الرأسمالي. ففي اللحظة التي يرى فيها هؤلاء اللبراليون وخبراؤهم أن هذه الأزمة هي مالية وصحية...، ترى فيها الطبقة العاملة على أنها فعلا أزمة عامة وشاملة، وأن العاصفة قادمة بالفعل.

إن سيرورة إفلاس الرأسمال المالي الإمبريالي هذه، تسير جنبا إلى جنب، وبشكل مباشر مع الإفلاس السياسي للدمقراطية البرجوازية وللأحزاب السياسية التي عملت طيلة هذه السنين على الانصياع التام لبرامجه وتطبيق وصفاته. ولم تعد، لا الأحزاب، ولا البنية السياسية لدمقراطية البرجوازية بقادرة على الاستجابة لمطالب وانتظارات جماهير هذه الشعوب، وعلى الخصوص جموع العمال التي بدأت تبادر بالنضال أحيانا خارج الإطارات النقابية الغارقة في نظرية التعاون الطبقي، وخارج دعوات الأحزاب السياسية، متجاوزة الإطار الإيديولوجي البراغماتي المهيمن باسم الممكن والمعقول والواقعي (الظرفي). فقد برزت بوضوح الشمس، مع هذه "الجائحة"، المراكز الحقيقية للسلطة السياسية الفعلية، ولم تعد تلك الأحزاب، ولا برلمانها ومؤسساتها... بقادرة على التحرك لا يمينا ولا شمالا إلا بأمر من الرأسمال وخبرائه. وظهرت على السطح، في بعض البلدان (ملكية وجمهورية، لا فرق هنا في هذه الحالة)، وبعد أن كانت مختفية، مواقع قديمة / جديدة، على ساحة القرارات السياسية والاقتصادية والصحية، حيث أصبحت قرارات الرأسماليين وخبرائهم تصدر مباشرة على لسان عمال الأقاليم والجهات، وانفضحت ذيلية السياسيين، برلمانيين وحكوميين، ودورهم ككومبارس في البنية السياسية برمتها.

أمام هذا الإفلاس السياسي للأحزاب اللبرالية والديمقراطية الاجتماعية المغلفة باسم الاشتراكية، تنوجد شعوب البلدان الرأسمالية وعلى رأسها جماهيرها العمالية أمام خيارين تاريخيين مصيريين:

إما الاشتراكية وإما الفاشية والهمجية.

فإما الاشتراكية، وهو ما يفرض على التيارات الثورية الماركسية ـــ اللينينية، بملحاحية في هذه الظرفية التاريخية الدقيقة، القطع مع الحلقية والذاتوية، ومواجهة الدعاية اللبرالية التي تستهدف منذ بضع سنين التجارب الاشتراكية وقاداتها الثوريين (لينين، ستالين وماو تسي تونغ)، وعلى الخصوص عليها طرح البديل الاشتراكي وبناء خط الثورة الاشتراكية بهذه البلدان الرأسمالية، مع ما يفرض عليها هذا من مواجهة حازمة للدعاية الفاشية الجديدة الصاعدة، وربط النضال ضد هذه الأخيرة بالنضال ضد الرأسمالية من جهة، وبنضال الشعوب المضطهدة للتحرر من الرأسمالية الإمبريالية من جهة ثانية. إن النضال ضد العنصرية يتحقق انتصاره في هزم الرأسمالية وفي تحرر الشعوب المضطهدة من الإمبريالية.

ويفرض كذلك عليها مواجهة الأحزاب التحريفية والاصلاحية التي اختارت طريق البرلمانية البرجوازية، حيث أصبحت تركز كل طروحاتها في الرفع من الضرائب على الرأسمال للخروج من الأزمة، علما أنه بالفعل، بادر مجموعة من الرأسماليين بأنفسهم، وعبروا عن رغبتهم واستعدادهم الفعلي للرفع من نسبة ضرائبهم لتجنب الانهيار وللحفاظ على النظام. هذا لنعلم درجة الرعب الذي بدأ يدب وسط مصاصي دماء العمال والشعوب المضطهدة، ولنعلم دور التحريفية والاصلاحية في هذه الظروف التاريخية الدقيقة حين يصبح نظام الرأسمالية على حافة الانهيار.

وإما طريق الفاشية والهمجية، ولنا أن نستحضر سيرورة الإفلاس لسنة 1931 التي تلت أزمة 1929، وصعود النازية في 1933، وهو ما تظهر بعض علاماته في الفترة الأخيرة بمجموعة من البلدان الرأسمالية بأوروبا مع التصاعد الخطير لوثيرة أزمتها العميقة، حيث لم تعد التيارات النازية بها، ولا أحزابها البرلمانية العنصرية تخجل من تاريخها الدموي، ولم تعد تخفي وجهها أو تخفت من أصواتها، لقد أصبحت تمارس دعايتها العنصرية والنازية علنا في الأماكن العامة، وأصبحت تستقطب بشكل كبير وأقوى من السابق، حيث يشكل جزء مهم من الطبقة العاملة والعاطلين والمتقاعدين قاعدة هذه الأحزاب الانتخابية (تقارب الثلثين من كتلتها الانتخابية)، بعد أن أدمجت في برامجها ودعايتها (جد مكثفة في وسائل التواصل الاجتماعي) جزءا مهما من القضايا الاجتماعية المُعلقة، وربط هذه الأخيرة بقضايا المهاجرين.

لقد أعلنها القائد الثوري العظيم فلاديمير لينين: "الفاشية هي الرأسمالية في تحلل / تفكك"، وطبيعي أن نظام الرأسمالية ، وهو على حافة الانهيار والموت، أن يخرج سلاحه الدموي الفاشي لأجل إعادة تشغيل نظامه (restart the system).

ولنا أن نذكر هنا، بصدد هذه الأزمة العميقة للرأسمال الإمبريالي، ببعض ما بلورته الأممية الشيوعية في مؤتمرها السادس بموسكو سنة 1928 حول الظواهر الملازمة والمصاحبة للأزمة العامة للرأسمالية:

ــــ الميول المتزايد نحو الاحتكارات من طرف الشركات الرأسمالية لأجل البحث عن مخرج.

ــــ زيادة الضغط على الجماهير المؤدي إلى تفقيرها، وتحميلها كلفة إعادة تشغيل وإحياء الرأسمالية.

ــــ الهروب إلى الأمام في البحث تقنيا لإيجاد الحلول المعجزة / السحرية.

ــــ التعزيز القوي والعنيف للمنافسة الدولية للسيطرة على المواد الخام ومناطق النفود.

ـــــ تدخل الدولة العميق لخدمة الاحتكارات

ـــــ الانتشار السريع للإيديولوجيات الرجعية واللاهوتية / الصوفية

ـــــ تطور عاجل وسريع للفاشية كحركة معادية للثورة.

2 ـــ أهم سمات الوضع الإقليمي:

إن الأزمة العميقة والحادة التي يرزح تحتها الرأسمال الإمبريالي، خصوصا الأمريكي والأوروبي منذ منتصف 2007، والتي اتخذت منحا غير مسبوق مع ما يعرف ب"الجائحة" الراهنة، يزيد من تعميق صراع الأقطاب الإمبريالية العالمية، والرفع من وثيرة الصراع بينها على مناطق النفوذ والموارد الطبيعية والأسواق، حيث أصبح هذا الصراع يأخذ طابعا شاملا في الفترة الراهنة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا. ومن الواضح أن الإمبريالتين الأمريكية والأوروبية تخوضان منذ مدة معارك خلفية للحفاظ على مواقعهما الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية، أمام تقدم إمبرياليات جديدة آسيوية تتميز أساسا بتفوق اقتصادي وعسكري وتكنولوجي... (الصين، روسيا...)، وهو ما يجعل من هذه السيرورة، حال استمرارها وتعمقها، تتجه نحو انتقال مركز الرأسمال الإمبريالي إلى "الشرق". وطبعا لن يكون هذا الانتقال هكذا من دون حروب إمبريالية، فهذه الأخيرة كانت دائما وأبدا أسلوب الإمبريالية الوحيد لحل أزماتها ومحاولات إدامة الهيمنة في مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري.

والحال، أن منطقة الشرق الأوسط (ما يناهز 4000 كلم من "المضيق التركي" إلى الطرف الجنوبي الشرقي ل"شبه الجزيرة العربية" على المحيط الهندي) ومنطقة شمال إفريقيا (وإن بدرجة أقل في الصراعات البين إمبريالية في الفترة الراهنة)، تشكل مواقع استراتيجية عقدية جغرافيا، غنية بمواردها الطبيعية (الهيدروكاربونات ـــ بشكل أساسي النفط والغاز الطبيعي والفحم ـــ) باحتياطات هائلة واستراتيجية (تمثل المنطقة نصف مصادر الطاقة في العالم ، وهي تتوفر على ثلثي احتياطيات العالم القابلة للاستغلال)، تسود فيها بنيات عشائرية شبه إقطاعية ورأسمالية كمبرادورية مرتبطة ومندمجة بهذا القدر أو ذاك، بالرأسمال الإمبريالي العالمي وضمن التطور اللامتكافئ لهذا الأخير، حيث شكلت، ولا زالت كذلك، مواقع متقدمة من مناطق الصراع بين القوى الإمبريالية العالمية. فمعلوم أن المنطقة العربية، خصوصا بلدان سوريا واليمن وليبيا والعراق، وحاليا لبنان، تشكل في الفترة الراهنة ساحة المعارك السياسية وحتى العسكرية المباشرة من حين إلى آخر، البين إمبريالية، أمريكية و أوروبية وروسية وصينية، حيث تتمقطب حول مشاريعها الاستراتيجية مجموع الأنظمة المسيطرة بالمنطقة، التي، هي الأخرى، تخضع لتأثير تناقضاتها الإقليمية، خصوصا بين المشروع الإقليمي الهيمني لنظام آل سعود (السعودية) والمنخرط ضمن المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني بالمنطقة، وبين مشروع نظام آية الله (إيران) المسنود والمدعم روسيا وصينيا. في نفس الوقت، برزت قوة أخرى، "العثمانيون الجدد"، تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، معتمدة في ذلك، من جهة، على قوتها الاقتصادية الصاعدة وعلى قوتها العسكرية، ومن جهة ثانية على تنظيم "الإخوان المسلمين الدولي" الذي يوفر لها الغطاء الإيديولوجي الديني والمالي (البنوك الإسلامية) لاكتساح المنطقة العربية وبناء أسطورة "دولة الخلافة". ويعتمد "العثمانيون الجدد" كذلك على تكتيك الانتقال من هذه الاستراتيجية إلى تلك فيما هو قائم من تناقضات البين إمبريالية، في محاولة لبناء استراتيجيتها الإقليمية التوسعية على ذلك (انضمام تركيا في بداية الهجوم الإرهابي والدولي على سوريا ضمن قطب التحالف الإمبريالي بقيادة الدولة الأمريكية ثم انفصالها عنه بعد ذلك لعقد اتفاقات جزئية مع روسيا وإيران).

هكذا تعيش المنطقة إذن ،على وقع تناقضات البين إمبريالية العالمية ، وتناقضات بين أوليغارشيات كمبرادورية إقليمية ، وعلى وقع تناقضات طبقية داخلية (محلية) لكل بلد على حدة، طبعا في ارتباط بين كل هذه التناقضات وتداخلها وتبادل التأثير فيما بينها. ولتنضاف إليها التعددية "الإثنية" والثقافية والدينية التي يتم من حين لآخر، إشعالها وتسعير نارها لتبدو كأنها تناقضات تاريخية عدائية لا تحل إلا بالسيف والدم، لخدمة المشاريع الإمبريالية ـــ الصهيونية ـــ الكمبرادورية والرجعية في المنطقة. وفي قلب كل هذه التناقضات، يوجد الصراع ضد الكيان الصهيوني كرأس حربة للإمبريالية الأمريكية في المنطقة، والذي استطاع في الفترة الأخيرة فتح مزاد علني للخيانة والعمالة لتسابق الأنظمة الرجعية القائمة في المنطقة، فكلما تعمق انخراط هذا النظام الرجعي أو ذاك، خصوصا في الاستراتيجية الإمبريالية الأمريكية، كلما استقام وقصر طريق الخيانة، وارتفع منسوب العمالة والانبطاح أمام الكيان الصهيوني.

إن فشل "الثورات الوطنية" السابقة، في بعض بلدان هذه المنطقة، وهي "الثورات" التي قادتها البرجوازيات المحلية، في الغالب بورجوازيات متوسطة، وهو سببها الرئيسي في الفشل في عصر الرأسمالية الإمبريالية ، في ظل غياب الأحزاب البروليتارية الثورية، أو الغياب التام لهذه الثورات في بلدان أخرى من هذه المنطقة، جعل هذه الأخيرة تعيش على إيقاع إنتاج وإعادة إنتاج أنظمة سياسية استبدادية قروسطوية تقبض عليها بشكل مباشر البرجوازيات الكمبرادورية أو الفئات العشائرية الرجعية، وتستخدمها لتعميق نهبها وبيعها لثروات ومقدرات هذه البلدان. ومع ما سمي ب "الربيع العربي"، برز بما لا يقبل أي شك أو جدال، تأكيد ما طرحه الماركسيون ــ اللينينيون الثوريون تاريخيا، وقبلهم أطروحات الأممية الشيوعية، وما أثبتته التجربة التاريخية الثورية الصينية، وإسهامات الرفيق ماو تسي تونغ بهذا الصدد، من أن طبيعة الثورات في هذه البلدان التي فيها تهيمن البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية والشبه الإقطاعية، هي ثورات وطنية معادية للإمبريالية، وهي ثورات ديمقراطية مناهضة للأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية بهدف اقتلاع جذورها الطبقية والثقافية والفكرية، وهي ثورات شعبية ترسخ سلطة الجماهير الشعبية بقيادة الطبقة العاملة عن طريق حزبها الماركسي ـــ اللينيني من أجل نظام المجالس الثورية للعمال والفلاحين.

3 ـــ في الوضع الوطني: الأزمة الخانقة للبرجوازية الكمبرادورية ودولتها القمعية

"الأزمة قادمة، تلوح في الأفق القريب، وهي أقرب إلى الإعصار المدمر منها إلى هطول أمطار الخريف"

إن البرجوازية الكمبرادورية المهيمنة بالمغرب، لا تخرج هي الأخرى عن صراع الاستراتيجيات الإمبريالية العالمية، وكونها لا توجد في الفترة الراهنة في قلب منطقة صراعات الاستراتيجيات العالمية، يسمح لها بهامش من المناورة السياسية الخارحية، ما بين الارتزاق من دول البترودولار بسبب من تناقضاتهم الإقليمية، أو التوجه حينا نحو روسيا أو الصين، أو العودة، وهو الأكيد، من جديد، لحضن سيدتها الإمبريالية الأوروبية. وكل هذه المناورات تكون على حساب حياة شعوب تلك المنطقة وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، وعلى رأس تلك الشعوب جميعها الشعب الفلسطيني البطل، والشعب السوري والشعب اليمني والشعب الليبي.

ومع ذلك، ورغم هامش المناورة السياسية الخارجية ذاك، فإنه من الأكيد، أن الأزمة العميقة والحادة للرأسمال الإمبريالي التي أوردنا سماتها الأساسية أعلاه، ترتد بشدة على هذه البرجوازية الكمبرادورية المهيمنة وسط الكتلة الطبقية السائدة بالمغرب، بحكم ارتباطها التاريخي به منذ تبنينها، وبجكم اندماجها العضوي به والتبعي له، وتحديدا بالرأسمال الإمبريالي الأوروبي.

إن الإجراءات والضوابط التي اتخذها الرأسمال الإمبريالي بسبب من أزمة 2007 / 2008، وهي الأزمة التي ارتدت حينها بقوة على الرأسمال الكمبرادوري بالمغرب، بحكم طبيعة هذا الأخير التبعية المندمجة به، وباعتباره كذلك بوابته الرئيسية لتمرير برامج ومخططات مؤسساته الما فوق الدول التبعية، صاحبتها كذلك إجراءات من طرف الرأسمال الكمبرادوري ودولته، رغم زعيق "مغرب الاستثناء والحكامة الرشيدة" حينذاك، حيث تم بهذا الصدد تشريع تسريح آلاف العمال (قطاع النسيج والبناء...)، وإعفاء الباطرونا من الضرائب ومن أداء الواجبات الاجتماعية، وتقليص الحد الأدنى للأجور الهزيلة أصلا... في نفس الوقت ضاعف هذا الرأسمال الكمبروادوري من هجومه على مقدرات البلد وكثف من مسلسل نهبه لثرواتها ومواردها، ونهج بالموازاة مع هذا، سياسة قمعية اتجاه كل النضالات الجماهيرية والشعبية.

وواقع الحال، فخلال اشتداد الأزمة، فإن البرجوازية الكمبرادورية لا تجد أمامها سوى المزيد من تركيز السلطة السياسية لأجل التحكم أكثر في الصراع الطبقي، عن طريق سن سياسة قمعية ممنهجة، وعن طريق الاعتقالات وفبركة الملفات والمحاكمات وإخراس الأصوات الرافضة لسياساتها. وفي بعض الحالات، حين يشتد عليها المزيد من الخناق، تقوم بمناورات "سياسية إصلاحية" (خطاب 9 مارس 2011 مثلا بعد الموجة الأولى لحركة 20 فبراير) لإخماد شرارة التناقضات الطبقية وإطفاء نار الغضب الشعبي، إلى حين أن يتجاوز الرأسمال الإمبريالي أزماته. ومعلوم أنه في مثل ظروف خانقة كهذه، تكثر الأبواق المرتزقة المدعية ل "الوطنية" ول "نعمة الاستقرار والأمن والأمان"... وتلتف كل القوى السياسية والنقابية والثقافية... وتنظيمات ما يسمى ب "المجتمع المدني"... حول النظام لفك عزلته الداخلية (عن الشعب) و "تمتين جبهته الداخلية" وفرض الاستسلام الاجتماعي والسياسي والحقوقي والإعلامي... هذا ما أثبتته التجربة التاريخية، وتثبته كل يوم تجارب النضالات العمالية والفلاحية والشعبية التي ارتفعت وتيرتها واتسعت مناطقها في العشرية الأخيرة (النضالات المجيدة لمنطقة الريف والأحكام الأسطورية في حق مناضليها، ونضالات جماهير جرادة وما صاحبها من اعتقالات ومحاكمات رجعية... زاكورة...إلى نضالات عمال "أمانور" المضربون عن العمل والمعتصمون بمقرات الشركة، عمال وموظفو قطاع الإنعاش، المعطلين والطلبة، العمال الزراعيون بشتوكة أيت بها وأولاد تايمة، عمال شركة أوزون للنظافة، بني تدجيت ومسيرة الأمهات، الإضرابات عن الطعام للمعتقلين السياسيين...) بسبب من الهجومات المتواصلة للكتلة الطبقية السائدة، وعلى رأسها البرجوازية الكمبرادورية ودولتها القمعية.

هذا، وانكشف المستور كله مع رياح ما يعرف ب "الجائحة العالمية"، وانكشف الوضع الكارثي برمته، وأصبح البلد بالفعل، رغم الثروات الهائلة والاستراتيجية التي يطفح بها، بلد الفقر والفقراء. وتعرت السياسة الصحية بالبلاد عن آخرها، ولم يعد للقابضين على السلطة، وخدامهم الأغبياء، غير تحميل جماهير شعبنا مسؤولية انتشار الوباء، ولما لا تحميل شعبنا المقاوم نتائج جرائم تهريب الثروات والأموال خارج البلاد، أو مسؤولية الوضع الكارثي للسياسة التعليمية (الرتبة 106، ونسبة الأمية في البلاد تقارب 50 بالمئة) أو مسؤولية السياسة السكنية (حوالي 500 ألف براكة) أو مسؤولية سياسة التشغيل والتعطيل والتهجير، ولا حرج، أو مسؤولية التصريح في صندوق الضمان الاجتماعي، والأموال المنهوبة من هذا الأخير... ولم لا مسؤولية الرتب الذيلية والمتأخرة في كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية و"التنموية" (دائما ما بعد الرتبة 120 في "سلم التنمية")،

إن الأزمة الخانقة التي يعمل النظام على استباق تبعاتها السياسية والاجتماعية عن طريق نشر قواه القمعية، لتسير نحو المزيد من التعمق والاحتداد، بسبب ارتباطه العضوي، وتبعيته البنيوية للرأسمال الإمبريالي الأوروبي الذي يرزح في الفترة الراهنة تحت وقع أزمة اقتصادية ومالية حادة وعميقة، تسير به هو الأخر نحو الإفلاس، وبسبب النهب والاستغلال والتفقير الذي ينتجه باستمرار منطق تراكم الرأسمال الكمبرادوري وتحويله للقيم المنتجة وللفائض الاقتصادي نحو مراكز الرأسمال الإمبريالي. إن منطق هذا الرأسمال الكمبرادوري الذي يقبض على جهاز الدولة ويستعملها لتكييف سياساتها مع متطلبات تراكمه ونهبه، هو ما يولد باستمرار منطق المواجهة والنضال من طرف الجماهير الشعبية، وهو ما يجعل هذه الأخيرة في مواجهة يومية مع جهاز دولته القمعية. لهذا، أصبحت قضية بناء الحزب الماركسي ــ اللينيني الثوري تطرح بإلحاح شديد، لتمكين جماهيرنا الشعبية، وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء، من قائد أركان حربها الطبقية ضد الكتلة الطبقية السائدة، من أجل التحرر الوطني من قبضة الإمبريالية والكمبرادورية، ومن أجل الديمقراطية تحت السلطة الشعبية للمجالس الثورية للعمال والفلاحين.

4 ــ العناصر الأساسية لمشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية

إن قضية التمفصل بين النضال الوطني والنضال الطبقي، بحكم وجود البلاد تحت سيطرة البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية، ليجد جوابه التاريخي والنظري في مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وفي بناء الأدوات الثورية الضرورية لتحقيق انتصارها. هكذا دعت المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام"، في مرحلتها الثورية، ونحن نحيي اليوم الذكرى الخمسون لتأسيسها، إلى جانب بناء الحزب الماركسي ــ اللينيني الثوري، بناء الجبهة الثورية الشعبية كجبهة طبقية تضم كل الطبقات والفئات الوطنية المعادية للبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية، يكون محورها الأساس التحالف العمالي الفلاحي بقيادة حزب الطبقة العاملة الماركسي ــ اللينيني، وهما شرطان أساسيان لقيامها، وتكون قاعدة هذه الجبهة الثورية الشعبية، اللجان الثورية من العمال والفلاحين والشباب والجنود ومن كل الفئات الوطنية، هي لجان النضال الشعبي التي تشكل في واقع النضالات الجماهيرية أسس والبنيات القاعدية للسلطة الثورية لمجالس العمال والفلاحين والطبقات الوطنية الثورية للشعب. فهي الوسيلة الرئيسية في تطبيق برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية القائم على اجتثاث البنية الاستعمارية والاستعمارية الجديدة للإمبريالية ووكلائها المحليين.

إن مشروع استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، الذي أسست له منظمة "إلى الأمام" الماركسية ــ اللينينية المغربية، قبل استيلاء الخط التحريفي على قيادتها، يمنح الماركسيين ــ اللينينيين الأرضية النظرية الصلبة لفهم طبيعة التناقضات القائمة، والربط الجدلي في المرحلة التاريخية الراهنة، بين النضال الوطني والنضال الطبقي، نحو الأفق الاشتراكي. هكذا حددت منظمة "إلى الأمام" القوة الأساسية للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في البروليتاريا، وقوتها الرئيسية في الفلاحين الفقراء، وحددت تحالفهما تحت قيادة حزب البروليتاريا الثوري كقوة محددة للجبهة الثورية الشعبية المكونة من كل الطبقات الوطنية المعادية للبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية، فهي، الجبهة، قوة محركة للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، بهدف حل التناقض بينها وبين البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار، لأجل تحقيق الاستقلال الوطني واجتثاث الطبقات الكمبرادورية والاقطاعية وإنجاز الثورة الزراعية. كما أن منظمة "إلى الأمام"، في نظرتها للتناقضات القائمة في بنية إمبريالو ــ كمبرادورية وشبه إقطاعية، حيث الإمبريالية والكتلة الطبقية الكمبرادورية الوكيلة تشكل قطبا معاديا لتحرر شعبنا، حددت محرك ذاك التناقض بين الجبهة الثورية الشعبية المشكلة من مجموع الطبقات الوطنية وبين البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية، في تناقض أخر أعمق، هو التناقض بين البروليتاريا والفلاحين الفقراء من جهة والبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية من جهة ثانية، وهذا التناقض في منظور منظمة "إلى الأمام" يحل عن طريق الثورة الاشتراكية.

فهناك إذن، في خط الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية لمنظمة "إلى الأمام"، ربط بين النضال الوطني والنضال الطبقي، بين النضال ضد الإمبريالية، وضد الكتلة الطبقية السائدة في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بواسطة الجبهة الثورية الشعبية تحت قيادة حزب البروليتاريا، والنضال ضد الطبقات المعادية للمشروع البروليتاري في المرحلة الاشتراكية. وهذا الربط لا يتحقق إلا بقيادة البروليتاريا بواسطة حزبها للث. الو. الد. الش، وهو ضمانة تطور هذه الأخيرة وتحولها بواسطة وتحت قيادة حزب البروليتاريا إلى ثورة اشتراكية.

إلى جانب بناء الحزب الماركسي ــ اللينيني الثوري، والجبهة الثورية الشعبية، ومن أجل انتصار الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وفتح الطريق نحو الاشتراكية، طرحت منظمة "إلى الأمام" أسلوب حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، أسلوبا لحسم قضية السلطة السياسية، وهي في منظور خط الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية لمنظمة "إلى الأمام"، الطريق الوحيدة للثورة في بلادنا للقضاء على الكتلة الطبقية السائدة وأسيادها الإمبرياليين.

فالمجد والخلود لشهداء منظمة "إلى الأمام"، والحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، والشعب المغربي المقاوم، في هذه الذكرى الخمسون لتأسيس المنظمة.

عاشت البروليتاريا الثورية، طليعة للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على طريق الاشتراكية.

لنرفع عاليا راية الماركسية ــ اللينينية، من أجل الوحدة الثورية للماركسيين ــ اللينينيين الفعليين.

عاشت نضالات البروليتاريا العالمية، وكل الشعوب والأمم المضطهدة.

 

يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة، اتحدوا!

 

موقع 30 غشت

30 غشت 2020

 

 

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.