Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

تناقضات العدو و الأفق الثوري بالمغرب ـ 10 سبتمبر 1972

Pin it!

 

تقديم:

تنتمي الوثيقة إلى تلك الفترة النضالية من تاريخ المغرب و التي عرفت أوجها في تلك النضالات الجماهيرية الهائلة ضد النظام الكمبرادوري و التي ساهمت في تفجير تناقضاته عبر انقلابين عسكريين في 10 يوليوز 1971 و 16 غشت 1972. إنها الفترة التي ستطرح على اليسار الماركسي-اللينيني عموما و منظمة "إلى الأمام" خصوصا عدة تحديات جعلت مهمة بلورة و تدقيق أطروحاتها الاستراتيجية و التنظيمية و السياسية على جدول الأعمال كمهمات مستعجلة إن هي أرادت الاستمرار في الطريق الثوري الصحيح. لقد طرحت الفترة بنضالاتها و انفجار تناقضات النظام و باعتقالاتها و بالضربات التي تعرضت لها الحركة الماركسية –اللينينية أسئلة كثيرة حول قضايا استراتيجية تتعلق بطبيعة النظام السياسي و مرتكزاته الطبقية و جذوره التاريخية و كذلك بطبيعة و مضمون و مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية و وسائل و طرق حسم السلطة السياسية لصالح العمال و الفلاحين الفقراء و الكادحين إضافة إلى قضايا متفرعة حول واقع البورجوازية الصغيرة و المتوسطة و دورها في الصراع الطبقي الدائر في البلاد و دور الجيش في الصراع الطبقي... 

و على منوال الوثائق السابقة التي نشرناها قدمت الوثيقة عشر أطروحات تحاول تكثيف الجواب عن مجموعة من القضايا انطلاقا من المعالجة التاريخية و الاستراتيجية و الاقتصادية و السياسية. 

إن العديد من الأطروحات التي تناولتها الوثيقة قد ساهمت في تطوير الخط السياسي و الاستراتيجي لمنظمة إلى "الأمام" منها من أصبح جزءا من خطها العام و منها من ساهم في فتح نقاش ظل مستمرا داخلها و خاصة ما يتعلق بطبيعة الطبقات السائدة في بلادنا. 

و عموما قامت الوثيقة التي قام بصياغتها كل من الشهيد عبد اللطيف زروال و أبراهام السرفاتي بتقديم مجموعة من المفاهيم الطبقية و السياسية و التاريخية عبر نقد مجموعة من الاطروحات كانت منتشرة داخل الحركة الماركسية -اللينينية المغربية. هكذا تم نقد أطروحة أولى ترى طبيعة السلطة كطغمة عسكرية بوليسية ملتفة حول الملكية و احتلال بورجوازية الأعمال حسب نظرها موقعا ثانويا داخل السلطة. و في نفس الاتجاه تم نقد الأطروحة التي كانت تضع بورجوازية الأعمال في مركز السلطة واضعة الجهاز القيادي للجيش على هامش تلك السلطة. إضافة قد تم نقد بشكل غير مباشر للمفهوم الغامض للأوليغارشيا الكمبرادورية الذي كانت تحمله المنظمة في بداياتها الأولى (انظر وثيقة "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري").

 

و جاء طرح الوثيقة لطبيعة الطبقة السائدة من حيث تشكلها التاريخي معتبرة إياها بنية ذات قطبية مزدوجة تشكل الملكية إسمنتها. و قطبي هاته البنية: 

1- بوجوازية مخزنية مركنتيلية بيروقراطية ذات ملكية عقارية حول المدن مطلعة بوظيفة إيديولوجية مركزية على جانب العلماء.

2- Les mandataires المكلفون بجباية الضرائب و تحويل المنتوجات الفلاحية للتصدير لحسابهم و لحساب السلطة.

و يتشكل هؤلاء من أعيان القبائل المندمجين بالمخزن أو الشرفاء و اعتماد هؤلاء على الجهاز المركزي العسكري للمخزن. و تعتمد البنية القطبية المزدوجة على المبدإ الموحد للملكية و على قوة مبدأ "الإمام". أما طبيعة الصراع الطبقي الذي ساد تاريخ المغرب ما قبل الحماية الاستعمارية فقد كان صراعا بين من جهة: القبائل: باعتبارها بنيات جماعية فلاحية منظمة قبليا. و من جهة أخرى: طبقة المخزن.

و في سياق التحليل التاريخي الممتد حتى فترة الستينيات وبداية السبعينيات سجلت الوثيقة مجموعة من الملاحظات حول طبيعة هذا الصراع الطبقي المشار إليه أعلاه من خلال التأكيد على وجود طابع وطني للصراع منذ البداية واستمراره في مواجهة المحاولات الاستعمارية و على وجود الطابع الاستراتيجي لتحالف طبقة المخزن و الإمبريالية و دور تحالفهما في ضرب نضال التحرر الوطني للشعب المغربي. ثم في سياق التحليل أبرزت الوثيقة كيف قامت الطبقة السائدة و الإمبريالية الحليفين الحميميين بخلخلة بنية البورجوازية الوطنية في الحقبة ما بعد الاستعمارية و بناء أسس هيمنة تحالف طبقة المخزن و البورجوازية الكبيرة. في ذات السياق قدمت الوثيقة تحليلا لتناقضات النظام و لدور الجيش في الصراع الطبقي مع توضيح الآفاق الثورية بالمغرب عبر تقديم محورين لتلك الثورة:

v الثورة المغربية ثورة معادية للإمبريالية و الصهيونية وضد طبقة المخزن تقوم بها الجماهير العمالية و الفلاحية بقيادة البروليتاريا كجزء من الثورة العربية.

v الثورة المغربية ثورة من أجل استعادة أراضي القبائل من طرف الجماعات الفلاحية المبلترة ضمن تحالف عمالي فلاحي يقوم ببناء سلطة ثورية للجان العمالية المسلحة و الجماعات المبلترة للفلاحين الفقراء المسلحين، سلطة الديكتاتورية الديمقراطية الثورية للعمال و الفلاحين الفقراء.

 

بقلم فؤاد الهيلالي

 

الوثيقة:

"تناقضات العدو و الأفق الثوري بالمغرب"

عبد اللطيف زروال – أبراهام السرفاتي

10 شتنبر 1972

ترجمة: سامية المجداوي

 

تقديم: 

لقد ظل التحليل المقدم لحد الآن من طرف التيار الثوري المغربي المنتمي للماركسية – اللينينية للتناقضات وسط العدو موشوما بذاتوية البورجوازية الصغيرة، إذ هناك اتجاهان :

- اتجاه أول يقوم بوضع طبيعة السلطة كطغمة عسكرية بوليسية متجمعة حول الملكية في مرتبة أولى بينما بورجوازية الأعمال تحتل مرتبة ثانية في ميادين التسيير الاقتصادي للبلاد.

- اتجاه ثاني ظهر بعد 10 يوليوز، و بعكس الأول وضع بورجوازية الأعمال في مركز السلطة بينما وضع الجيش على هامش السلطة. هذان الاتجاهان المتميزان بالذاتوية البورجوازية الصغيرة - و التي وحدها الممارسة الثورية تستطيع محوها - تنطلقان من تحليل سطحي للبنية الطبقية للعدو و المتأثرة بالمصطلح الغامض للأوليغارشيا الكومبرادورية .

و أخيرا فإن هذان الاتجاهان كلاهما أغفل تطور التناقضات المابينية للإمبريالية الناتجة عن تسارع الأزمة العامة للامبريالية و عدم أخذها ايضا بعين الاعتبار تغيرات الاستراتيجية الامبريالية الأمريكية في إطار تداخلها مع السوسيال – امبريالية (المعني هنا الاتحاد السوفياتي) ضد الحركة الثورية العالمية. هذا التحليل يحاول وضع عناصر تفكير ضرورية من أجل مقاربة أحسن للتناقضات في صفوف العدو، تلك التناقضات التي ظهرت بوضوح أكثر يوم 16 غشت 1972 و كل هذا بهدف وضع أحسن للأفق الثوري .

I – طبقة السلطة وازدواجية القطبية:

1 – في طبقة المخزن و إسمنتها الملكي :

تهيكلت الطبقة التي توجد في موقع السلطة تاريخيا في السيرورة التي انطلقت ابتداءا من الانحطاط المريني وبشكل أكثر انسجاما في ظل الأسرة العلوية، حيث قامت بتنظيم المخزن كجهاز استغلال للبنيات الجماعية الفلاحية المنظمة في القبائل (في النص الفرنسي، نحتفظ بمصطلح قبيلة "Kbila"، لأن هاته الأخيرة تمايزت تاريخيا عن المضمون الإثني الذي يحافظ عليه المصطلح الفرنسي للقبيلة، و تمثل "اتحادا" وثيقا بين الجماعة الفلاحية و الأرض التي تتبع لها). تهيكلت طبقة المخزن على أساس فئتين اجتماعيتين رئيسيتين متداخلتين بهذا القدر أو ذاك:

- بورجوازية المخزن المركنتيلية، البيروقراطية، المالكة العقارية "Absenteiste" انطلاقا من المدن الرئيسية و تقوم إلى جانب العلماء بالوظيفة الإديولوجية المركزية.

- الوكلاء - "Les Mandataires" نقترح هذا المصطلح بدل مصطلح الإقطاعيين المستعمل عموما و الذي لا يوافق الواقع التاريخي للمغرب، وكذا مصطلح إقطاع "Iqtaa" المستعمل من طرف العروي و مؤلفين آخرين و الذي يناسب أحد أوجه هذه الفئة الاجتماعية – المكلفون بجبي الضرائب (لصالح المخزن و لصالحهم) و نقل المنتوجات الزراعية الموجهة للتصدير، هؤلاء الوكلاء هم من الأعيان المنبثقين من الجماعات الفلاحية و الذين يتم إدماجهم بالجهاز المخزني عن طريق السيرورة الدينية (الشرفاء) أو الاجتماعية (القواد و أمغارات) و يتم إسنادهم بالجهاز العسكري المركزي للمخزن. هاته البنية المزدوجة القطبية تعتمد على مبدأ موحد هو الملكية خصوصا عن طريق الدور الموهم لمبدأ "الإمام" الذي سييتدعم مع انبثاق السلالات المسيحية.

إن مبدأ انتخاب الإمام من وسط السلالة من طرف العلماء و مجموع "المؤسسات المنظمة" (أي مجموع ممثلي طبقة المخزن يظهر التضامن الحاصل في الواقع كما في القانون بين الملكية و مجموع طبقة المخزن التي في نفس الوقت تنبثق عنها و تقوم بدور الحكم وسطها). و في آخر الأمر فإن الصراع الطبقي بين القبائل (مجموعات الفلاحين المسلحين) و طبقة المخزن هو ما ميز الصراع الطبقي في الغرب العربي منذ الانحطاط المريني إلى السلطة الاستعمارية.

2- صراع الطبقات : القبائل و طبقة المخزن

إن بنية المجتمع المغاربي – و التي وضعت في تعارض مع طبقة المخزن سلطة المقاومة للقبائل باعتبارها جماعات فلاحية مسلحة – دفعت طبقة المخزن إلى الاعتماد على الراسمالية الأوربية الصاعدة و ذلك بالتنازل لها عن احتكار التجارة الخارجية. طبقة المخزن هاته، و منذ الفترة الأولى لتهيكلها تميزت بجوهر كومبرادوري (أول سلطان علوي الرشيد استفاد من أجل تأمين حكمه من دعم فرنسا في مقابل حصولها على الاحتكار التجاري على مصب وادي باديس بالبحر الأبيض المتوسط الذي يربط فاس بهذا الأخير. و قد وقفت القبائل الريفية حاجزا ضد هذا الاحتكار.

هكذا و منذ هذه الفترة اخذ الصراع الطبقي بين القبائل و طبقة المخزن طابعا وطنيا، فالقبائل تهيكلت في الجماعة الوطنية العربية بفضل الاندماج الاجتماعي و الثقافي العربي – الأمازيغي. من هنا خطأ الزعم القائل بالتعارض الإثني العربي الأمازيغي. لقد أدمجت البنيات الجماعية الأمازيغية إسهام الإديولوجيا الإسلامية و الثقافة العربية و ذلك فيما تتضمنه من إديولوجيا و ثقافة تسمح بتجاوز حدود البنيات الجماعية البدائية و من هنا تعزيز جوهرها، و هكذا فالروابط الثقافية، الإديولوجية و الاقتصادية التي تطورت أدمجت المغرب في بناء الأمة العربية، إلا أن هذا البناء لم يتم إلا على يد طبقات مسيطرة بقاعدة تيوقراطية و مركنتيلية (أوليغارشيات مركنتيلية) بالمعنى الجمعي و بالمعنى الذي يرى أنه بمجرد ما تم تحويل المبادئ الموحدة و المساواتية للأمة العربية – الإسلامية إلى نقيضها عن طريق تهيكل هاته الطبقات المسيطرة حتى انقسمت الوحدة السياسية للأمة إلى مناطق نفوذ.

إن توهيم "المجتمع العربي - الإسلامي" تحت قيادة هاته الأوليغارشية التي حولتها إلى مجتمع طبقي تتعارض فيه البنيات الفلاحية مع الأوليغارشيات، مما ولد لا استقرارية هاته الأوليغارشيات، و من تم التراجع التدريجي و النسبي للقدرة العسكرية و الاقتصادية للمجتمع العربي في مواجهة الميركنتيلية الأوربية القائمة على إقطاعية (بالمعنى الدقيق للكلمة) تتوفر على قدرة عالية على التراكم الناتج بدوره عن ضعف قدرة المقاومة لدى الفلاح الأوربي الذي تحول إلى قن. هذا ما يفسر بالنسبة للمغرب الكبير (المغارب) ذلك المرور العابر للأسر الحاكمة – و التي كانت تحمل في فتراتها الأولى (بداية حكمها) دينامية عميقة للمجتمع القائم على الجماعة العربية – الأمازيغية – إلى الانحطاط البنيوي تحت قيادة طبقة المخزن التي اعتمدت في بناء استقرارها على التحالف الكومبرادوري مع الرأسمالية ما قبل امبريالية.

على مستوى هاته الأوليغارشيات التيوقراطية – المركنتيلية في مراحلها المنحطة و على مستوى طبقة المخزن كانت الثقافة العربية و الإديولوجية الإسلامية تعبر عن نفسها كإديولوجيا لاستغلال البنيات الجماعية الفلاحية. و هناك مثال مميز يتجلى في المسار الذي اتخذته الحركة الصوفية التي لحمت نضال القبائل الوطني ضد المستعمرين الأوائل في القرنين 15 و 16، و التي ستقوم السلطة العلوية بتحويلها إلى نقيضها عن طريق تدجين الزوايا. إن مبدأ الإمام، تثبيث و تكليس الدوغما، تدجين الزوايا، الدور الحذر للعلماء، استعباد المرأة، تطور الثقافة المسماة أندلسية المقدمة كثقافة نخبة الطامحة إلى الأبهة و الارتقاء إلى النخبة الراقية كلها تمظهرات لثقافة طبقية مسيطرة و التي تعبر عن انحطاطها.

و بالمقابل ظلت ثقافة القبائل حية عن طريق الضمنية الحضورية (l'immanentisme sous-jacent) للتصوف، كذلك عن طريق الحياة الجماعية و ديمقراطية جماعة (jmaa)، عن طريق الغنى الكبير و المتنوع للموسيقى و المسرح و الفنون الشعبية، كذلك عن طريق الدور الفعلي للمرأة في الحياة الجماعية داخل الجماعة و في دفاعها الذاتي. و هكذا فالتعارض الذي يقدم من طرف مؤرخي الاستعمار باعتباره تعارضا إثنيا هو في الحقيقة تعارض عميق و حي بين ثقافتين طبقيتين : ثقافة القبائل و ثقافة طبقة المخزن. و في مقابل طبقة تنزلق أكثر فأكثر نحو التواطؤ مع الرأسمالية الأوروبية وحدها ثقافة القبائل مثلت الثقافة الوطنية العربية. إلا أن نضال القبائل الذي كان يفتقد إلى وجود طبقة موحدة (البروليتاريا) ظل مشتتا و خاضعا للتأثيرات الإديولوجية لطبقة المخزن.

II - مقاومة القبائل للتدخل الاستعماري :

ساهم الانتقال إلى نظام الاستعمار المباشر – كثمرة لتحول الرأسمالية إلى امبريالية – للمغرب الذي تم بتعاون مع طبقة المخزن، في تطوير التناقضات وسط هاته الأخيرة. لقد اشرك الاستعمار الامبريالي الوكلاء (كبار القواد و زعماء الزوايا) في تعزيز سلطته لاستغلال القبائل و ذلك بتحويل الوكلاء إلى إقطاعيين حقيقيين و الشروع في سيرورة بلترة و تفكيك القبائل. و بالمقابل فإن دخول الدوائر الصناعية و التجارية للامبريالية و وضعها اليد على القنوات الداخلية لاجتذاب المواد الفلاحية للبلاد (دون الحديث عن الموارد المنجمية) قد اصطدم مباشرة مع مصالح البورجوازية المركنتيلية ليس فقط للبورجوازية الصغيرة و المتوسطة التي يمكن تسميتها بالبورجوازية الوطنية بل كذلك بورجوازية المخزن أو البورجوازية الكبيرة.

و هكذا بينما واجهت القبائل وحدها الدخول العسكري الامبريالي عبر مقاومة مسلحة مدة 25 سنة قامت البورجوازية ابتداءا من 1930 ضمن حركة لا تميز فيها بين البورجوازية الوطنية و البورجوازية الكبيرة بتأسيس قيادة سياسية للحركة الوطنية، و حين بلغت هاته الحركة حجما أصبحت معه بنية الحماية موضع تساؤل، قامت الملكية ابتداءا من 1940 بقيادة محمد الخامس بتبني اختيار استراتيجي للحفاظ على مستقبل طبقة المخزن و ذلك باصطفافها إلى جانب الحركة الوطنية.

قام الاستعمار بمحاولات لفصل القبائل عن الحركة الوطنية التي تقودها البورجوازية، و ذلك باستعمال القواد الكبار و تحويل التناقض العدائي بين القبائل و طبقة المخزن إلى تناقض عدائي أمازيغي – عربي، لكن هاته المحاولات باءت بالفشل إلى حد أن القبائل رأت في هؤلاء القواد مستغليها المباشرين، كما كانت القاعدة الاجتماعية و الثقافية لمقاومتها طبقة المخزن في نفس الوقت نضالا من اجل ارضها و شخصيتها الجماعية و نضالا من أجل شخصيتها الوطنية العربية.

III- التحالف الاستراتيجي بين طبقة المخزن والامبريالية:

 

1 - تحريف اتجاه نضال التحرير الوطني:

في الوقت الذي عرف فيه تطور النضال الوطني التباسا كبيرا استطاعت الامبريالية الاستفادة منه لتضمن تراجعا استراتيجيا عندما أخذ نضال الجماهير الشعبية – برولتاريا و أشباه البرولتاريا – في المدن المنظمة في مقاومة مسلحة، و قبائل منظمة في جيش التحرير الوطني – مضمونا أكثر فأكثر شعبية و ثورية من خلال أشكال النضال، ارتفع معها العنف الثوري للجماهير بشكل متسارع. لكن مع مشاركة بورجوازية المخزن و الملكية في الحركة الوطنية سينبثق من جديد كل العمق الإديولوجي الموهم لمبدأ "الإمام" و الذي تجسد بقوة استثنائية في شخص محمد الخامس (من هنا معنى الأمان الذي أعطاه محمد الخامس للجلاوي). ساهمت القيادة السياسة للبورجوازية و التي كانت عبارة عن خليط من البورجوازية الوطنية – الصغيرة و المتوسطة – و بورجوازية المخزن – التي لعبت دور حصان طروادة لصالح طبقة المخزن – في هاته الاستراتيجية، مما ساهم في ضرب تعبئة الجماهير الشعبية، و سمح لطبقة المخزن التي ستشكل بدعم من الامبريالية جهازها البوليسي و العسكري و القيام بتفكيك بنية نضال المقاومة المغربية في المدن عن طريق الاغتيالات و عمليات مجموعاتها الخاصة الأولى. و في لحظة ثانية عزل جيش التحرير و تفكيكه ثم دمجه. و في بضع سنوات قامت طبقة المخزن التي استعادت وحدتها تحت قيادة محمد الخامس و بالإستقواء بهيبة هذا الأخير و بدعم من الامبريالية و بالاستفادة من غياب أية استراتيجية لدى البورجوازية الوطنية، الشيئ الذي فكك التعبئة الشعبية للجماهير، بسحق حركة الانتفاضات العفوية في مناطق مختلفة من البلاد، مناطق القبائل التي قدمت الكثير من التضحيات في نضالها ضد الامبريالية و عارضت سرقة ثمار نضالها. لقد كان هذا حال القمع الدموي تحت قيادة الحسن – الذي كان وقتها وليا للعهد - و أوفقير لانتفاضة القبائل الريفية ذلك السحق الذي تم بمباركة مزدوجة من محمد الخامس و حكومة عبد الله ابراهيم. و نفس الشيئ بالنسبة لتوقيف معركة التحرر الوطني لقبائل آيت باعمران التي قادها جيش التحرير و بالتالي إنقاذ الامبريالية الاسبانية من رمي مخجل لها في بحر إيفني. ثم أخيرا تخلص تحالف الامبريالية – طبقة المخزن من سياسيي البورجوازية الوطنية الذين كفلوا مختلف هاته العمليات.

2 - هيمنة ائتلاف طبقة المخزن – الامبريالية

إذا كانت البنية الجديدة لائتلاف طبقة المخزن – الامبريالية و كذا الاستراتيجية الجديدة للامبريالية الفرنسية قد فرضها تنامي نضال التحرر الوطني للجماهير الشعبية المغربية، فإن ذلك توافق أيضا مع النفوذ السائد وسط الامبريالية الفرنسية لأبناك الأعمال على حساب الرأسمالية القديمة التنافسية و الاستعمارية.

إن الاستغلال الاستعماري الجديد تطور بإيقاع غير مسبوق بفضل التعاون الخاص (الحميمي) بين طبقة المخزن و ابناك الأعمال الفرنسية و الذي في إطاره تم نقل الملكية الاستعمارية إلى طبقة المخزن و تداخل الشريكين في الدوائر الصناعية، المالية و التجارة الخارجية .

و قد ساهم في هذا الاستغلال المتزايد للبلاد في اتحاد وثيق مع الراسمال الأجنبي الطرفين المكونين تحت قيادة الملكية التي ضمنت لنفسها قسمة وافرة أكثر فأكثر. فالطرفان معا استفادا من نقل الأراضي التي كانت في يد المعمرين و كذا من البلترة للقبائل التي أصبحت من الآن فصاعدا بلا حدود. فقد تم تقليص الجماعات الفلاحية إلى حالة فلاحين بلا أراضي و عمال زراعيين و فلاحين فقراء، هذا إذا لم يتحولوا إلى معاش احتمالي في مدن القصدير بالمدن الكبرى. و رغم ذلك استمرت البنيات القديمة للجماعة كشكل من الدفاع الذاتي الثقافي و السياسي كما ظهر جليا في النضالات الفلاحية منذ ثلات سنوات و خصوصا في أولاد خليفة. غذ كان هناك تنسيق عمل نسبي بين الطرفين المكونين لطبقة المخزن وسط اجهزة الدولة و التي تعود إلى أصولهم (قدماء ضباط الجيش الفرنسي و الاسباني، أبناء القواد الكبار، يصبحون ضباط سامين للجيش، بينما بورجوازية المخزن القديمة تحولت إلى بورجوازية بيروقراطية و بورجوازية أعمال) هذا التقسيم كان نسبيا حيث نجد أبناء بورجوازية المخزن القديمة في صفوف الجيش بينما نجد ابناء الإقطاعية القديمة في أوساط الأعمال (فليس صدفة أن يقوم محمد الخامس الذي كان بإمكانه ان يتوفر احسن على نظرة استراتيجية جيدة لمصالح طبقة المخزن اكثر من ابنه لتعيين مجموع الذين حصلو ا على البكالوريا عند الاستقلال و المنحدرين اساسا من البورجوازية المتوسطة و الكبيرة و ذلك في مرتبة ضباط الجيش الجديد. في الواقع كانت الستينات بمثابة العصر الذهبي لطبقة المخزن و شهر عسل بلا تلبد غيوم بين مكوناتها و مع ابناك الأعمال الفرنسية (في اللحظات الأكثر خطورة لقضية بن بركة فإن انخراط أوفقير في الأعمال التجارية الرابحة مع تلك الأوساط لم يتباطئ قط).

IV - تحطيم بنية البورجوازية الوطنية :

في ظل نفس الحقبة تم إخضاع البنية الاجتماعية و الاقتصادية للبورجوازية الوطنية لسيرورة مزدوجة قائمة على التفكيك و الإدماج:

- تفكيك اقتصادي بكل الوسائل الموحدة لشراكة الرأسمال الأجنبي ببورجوازية المخزن و باستعمال جهاز الدولة .

- إدماج في جهاز الدولة نفسه الذي كان كل سنة و بشكل مباشر و غير مباشر يتباهى بموظفين و مستخدمين و اطر مكاتب الدولة و مستشاري البلديات و الجماعات و البرلمانيين و البوليس و العسكريين.

- إدماج أيضا عن طريق النفوذ المتزايد لطبقة المخزن و من خلاله نفوذ الملكية على مجموع الدوائر الاقتصادية للبلاد.

و في الواقع إذا لم يكن هناك مقاولون مغاربة فلأنه لم يكن بالإمكان أن يكون سوى وكلاء.

إن شره الملكية بدون حدود، طموحها إلى تحويل كل المغرب إلى ملكية شخصية، إرادتها في التقليص الفعلي حتى بالنسبة لأعضاء طبقة المخزن و بالأحرى بالنسبة للبورجوازية المتوسطة، إلى وضع و كيل و إلى الاستعباد المعنوي، كذلك خضوعها الثقافي للأشكال الأكثر انحطاطا للثقافة الأمبريالية الفرنسية و الغربية مما يدفع مجموع الحياة الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد للخضوع لنفوذ جهاز عصابة السطو المكونة من طرف عملاء الملكية الأقوياء.

في ظل هذه الفترة، حيث ظاهريا لا أحد يستطيع معارضة جهاز الملكية القائم على الرعب و النهب، كانت القيادة السياسية للبورجوازية الوطنية، الفاقدة لقاعدتها التي لا مستقبل لها في حالة انحلال تحت تأثير الالتواءات المتتالية التي دفعتها إليها مناورات و تلاعبات طبقة المخزن.

من جهتهم استطاع البيروقراطيون النقابيون المنحدرون من الجهاز السياسي للبورجوازية الوطنية خلال عشر سنوات تحييد الطبقة العاملة لتسليمها مقيدة اليدين و مسلسلة لتعسف الباطرونا و الحكومة.

خلال نفس الحقبة الممتدة من 1955 إلى 1970، لم يكن يطفو على السطح اي تناقض محسوس بين الامبريالية الأمريكية و الامبريالية الفرنسية فيما يتعلق بمشاكل المغرب. كانت الاستراتيجية الامبريالية الأمريكية على المستوى السياسي – العسكري تقوم على ضمان الاستقرار للنظام العالمي على المستوى الاقتصادي بالنسبة لهاته المنطقة من العالم و توسيع مراقبتها غير المباشرة عبر وضع اليد المتزايد على المناجم الأوروبية ما عدا و بشكل مباشر بالنسبة للموارد المنجمية الاستراتيجية و البترول بشكل رئيسي، إلى جانب توزيع المسؤوليات بين الامبرياليات و الذي اشتغل بشكل صحيح خلال هاته الحقبة. يتضح ذلك جليا عندما رفضت الحكومة الأمريكية سنة 1966 استقبال الحسن الثاني خلال فترة مشاكله الدبلوماسية العابرة مع فرنسا (دفع بعدم القبول).

V- نظام في حالة انحلال (تعفن):

بينما كانت طبقة المخزن و على رأسها الملكية تعتقد أنها عن طريق تفكيك التنظيمات المناضلة للجماهير الشعبية بعد الاستقلال، بالانحلال السياسي للبورجوازية الوطنية و عن طريق تواطؤ البيروقراطية النقابية و الدعم المضمون للامبريالية، أن لا حدود للصوصيتها و نهبها الممنهج و المنظم للبلاد، لبلترة الجماهير الفلاحية و سرقة الأراضي (و السرقة عموما) الممنهجة و المنظمة في كل الدوائر الاقتصادية للبلاد و خنق و وضع اليد على كل مبادرة اقتصادية، و إخضاع الطبقة العاملة لتعسف الباطرونا و للقمع السياسي، و الحكم على الشباب بحياة دون أمل و بالسحق الثقافي و حكم العصابات الإجرامية و الجلادين و التعفن و الترف و الفضائح.

كل هذا التفسخ و الانحلال حفر لطبقة المخزن و الملكية بالدرجة الأولى، قبرا مفتوحا من الوحل و الدم و الحقد، لا سيما و أن سياسة الحسن الثاني لتصفية كل معارضة وسط طبقة المخزن، كل احتجاج شخصي من طرف أولئك الذين يتخوفون من حالة الانحلال، ستدفعه إلى إهانة البعض عن طريق الآخريين كترقية الكولونيلات المجرمين من أمثال الدليمي و جنرالات الأوبريت (Généraux d opérette) من أمثال "مولاي حفيظ" و الاعتماد على الخدام المخلصين للرأسمال الفرنسي (الكبير )مثل كريم العمراني، و إحاطة نفسه و بشكل صريح، بالاعتماد أولا على عملاء الرأسمال الفرنسي، بتكريس الاحتقار للثقافة الوطنية و للثورة العربية، بالتفاهم مع الصهيونية و عملائها، بالاعتماد في المغرب على عصاباته الإجرامية من الجلادين و الغوص كل يوم في مزيد من الوحل و الدم. لقد وضعت كل بنية تأطير الاقتصاد النيوكولونيالي من طرف الجهاز البيروقراطي المرتبط بطبقة المخزن و شركائهما الامبرياليين الفرنسيين محط اتهام من طرف هاته الاندفاعة. هكذا اصبحت مصالح جهاز الأعمال التقنوقراطي و مجموع مصالح الامبريالية الفرنسية بالمغرب مهددة في أساسها من خلال المطالبة بالتعريب و بالوزن المتزايد لإديولوجية الثورة العربية بالمغرب.

VI- تطور التناقضات في صفوف العدو:

في ذات الآن كانت أزمة النظام العالمي الامبريالي قد بدأت ترتسم بشكل واضح في سنوات العشرية الأخيرة :1960 - 1970. مع اهتمام بعدم عزل هذه العوامل، يمكن لنا ان نسجل أن العامل الأساسي على الصعيد العالمي هو حرب الفيثنام. و بالنسبة لنا و بشكل مباشر تعمق سيرورة الثورة العربية منذ يونيو 1967.

من بين النتائج يمكن أن نسجل:

أ ـ تطور التناقضات المابينية للامبريالية المرتسمة خصوصا من خلال أزمة النظام النقدي الامبريالي.

ب ـ إضعاف القدرة العسكرية و السياسية للولايات المتحدة الأمريكية يؤدي إلى استراتيجية "متعددة القطبية" المتسمة بالسياسة المسماة ب "الفتنمة" في الهند الصينية، و بهوامش كبيرة من الحرية للامبرياليات الفرعية، الهندية، البرازيلية، الإيرانية، الإسرائيلية و الجنوب افريقية. هذه الاستراتيجية تفرض تعزيز سياسة تقسيم العالم مع السوسيال - امبريالية و ذلك بمقابل تنازلات متبادلة الشيئ الذي لاينفي التناقضات و الصراعات، و لكن تعتمد على توافق (تفاهم) أساسي ضد الحركة الثورية العالمية (تشيكوسلوفاكيا، الشرق الأوسط، البنغال ...).

إن تطبيق هذه الاستراتيجية على الأمة العربية بالإضافة إلى دور الامبرياليتين الفرعيتين، الصهيونية و الإيرانية، و تعزيز الفاشيتين اليونانية و الاسبانية هو السياسة غير المعلنة المطبقة للتعريب (التعريب على وزن الفتنمة): دور جيش الحسين (الأردن) و فيصل.... و دور ليبيا.

ج ـ لفهم كيفية اندماج النظام الليبي كواقع في الاستراتيجية الامبريالية الأمريكية، يجب فهم أن هذه الاستراتيجية هي استراتيجية تراجع أمام صعود قوى الثورة العالمية، إنها تهدف إلى سد الثغرات مع ترك او تشجيع قيام أنظمة عسكرية وطنية من البورجوازية الصغيرة تأخذ مواقف معادية للامبريالية في السياسة الخارجية بل و حتى في بعض المظاهر السياسية الداخلية التي لا تمس المصالح الأساسية للامبريالية الأمريكية و ذلك بالقيام ببعض التأميمات (المثال المدروس أكثر هو مثال البيرو)، هذه الاستراتيجية ليست جديدة، ففي سنة 1952 اي في فترة مبكرة و أمام صعود القوى الشعبية المصرية وجدت الامبريالية الأمريكية مصلحة في ترك النظام الآيل للسقوط لفاروق يعوض بنظام "الضباط الأحرار". بل إنها أكثر منهجية خاصة انها تتجه الآن الى ترك تلك الأنظمة تطور مطامعها الأميريالية بالوكالة. لم تعد الامبريالية الأمريكية تخشى أن ترى خلفاء ناصر يقومون بعمليات جديدة باليمن. كل شئ سيكون احسن مما وصلت اليه اليمن. واليوم كذلك يقف فيصل، حسين، امير عمان و الأسياد مسلوبي السيادة في اليمن الجنوبية، و في الخلفية الأمبريالية الإنجليزية-الأمريكية مع القذافي و السياسيين اليمنيين و أتباع عبد الناصر في محاولة لإسقاط النظام. هاته الأنظمة العسكرية إذا كان لها، كما سيقول انور السادات، مخالب حادة ضد الحركات القائمة في المنطقة التي لا تخضع لمراقبة الإمبريالية، فليس لهاته الأنظمة من حدية سوى اللسان ضد الصهيونية و ضد جرائم الحسين. صحيح أن سياسة االإشتراكية –الإمبريالية (الإشارة هنا الى الإتحاد السوفياتي) و تواطؤ الأحزاب التحريفية العربية مع هاته الأخيرة يسمح لهم بتغطية خوفهم المرضي من أن تأخد البروليتاريا تحت قيادتها طموحات الثورة العربية، التي أدت بها المجموعات العسكرية البورجوازية الصغيرة و البيروقراطية إلى الباب المسدود، و ذلك عبر الإختباء وراء راية العروبة و الدفاع عن الإسلام. و في علاقتها بالإمبريالية تدرك هاته الأنظمة الحدود التي لا يجب تجاوزها. هكذا إذا كان القذافي قد قام بتأميم الشركة البترولية الإنجليزية بريتيش بتروليوم، فان مصالح الشركات البترولية الأمريكية الكبرى في ليبيا ظلت دائما في نفس الأهمية. 

VII– الامبريالية الفرنسية بالمغرب وفك الارتباط ببعض القطاعات الاقتصادية :

ليس للامبريالية الفرنسية نفس الهوامش للتحرك، إذا كانت سياسة ابناك الأعمال قد تخلت في المغرب بكل سرور عن كل ما يتعلق بمصالح البورجوازية الرأسمالية الفرنسية غير الاحتكارية (دعم مغربة التجارة و نقل أراضي الاستعمار) فإن هذا قد تم عبر تعزيز مصالح هاته الأبناك في القطاعات التي تندمج مباشرة باستراتيجيتها الاقتصادية و بطفيليتها المتزايدة (نقل الرساميل من البنية التحتية العامة نحو السياحة) و باتحاد وثيق مع طبقة المخزن في البنية الصناعية للبلاد (معامل الإسمنت، معامل السكر، معامل التصبير، الصيد الصناعي ...) و اتحاد يدمج اكثر هاته البنية الصناعية بالدوائر الاقتصادية و المالية مما تبقى - يدخل في نفس هذا السياق رجال أعمال طبقة المخزن – بالمتروبول.

إن الامبريالية الفرنسية متورطة جدا في البنية الاقتصادية للبلاد، مصالحها هامة جدا. قاعدتها الاقتصادية في المتروبول مهددة جدا في ذات الآن من طرف الاندفاعة الثورية للبروليتاريا الفرنسية و دخول الشركات الكبرى الأمريكية و الألمانية مما لا يدع لها مجالا لفك ارتباط قوي. و الحال أن صراع الطبقات في المغرب و رغم انه له طابع حاد حاليا، والذي اصبح الآن أكثر تسيسا مع حصول التثوير لذى الشبيبة، على المستوى الثقافي سيؤدي هذا ايضا الى فك ذلك الإرتباط القوي. إن النضال ضد الفرنكفونية من أجل تعريب التعليم سيؤدي الى تعريب الإقتصاد.

VIII - الاندفاعة الثورية للجماهير:

نرى إذن لماذا الاندفاعة الثورية للجماهير تولد و تطور التناقضات وسط العدو، سواء بين الامبرياليين الأمريكيين و الفرنيسيين أو بين الفئات الاجتماعية المكونة لطبقة المخزن. إن الميزة الاساسية للوضع في المغرب هي الاندفاعة الثورية للجماهير. إن ضباب الإديولوجية البورجوازية الذي حيد الجماهير عند الاستقلال بدأ ينقشع شيئا فشئيئا بعد 15 سنة من التورطات و الاستسلامات و التواءات سياسيي البورجوازية الوطنية، من إيكس ليبان إلى إفران مرورا بانهيار 1965 بالإضافة إلى الإفلاس المفتوح للتحريفية، في وجه اللصوصية بلا حدود لطبقة المخزن، و في وجه التعفن المفتوح لجهاز الدولة و في وجه التواطؤ غير المستتر لهاته الطبقة مع الصهيونية و الامبريالية. لم يكن أمام الجماهير الشعبية سوى النضال الثوري.

إن التلاقي ما بين يونيو 1967 و شتنبر 1970 لكل السيرورات الوطنية و الدولية للصراع الطبقي في المغرب و بالنسبة للثورة العربية، يفسر ذلك المظهر المتفجر فعلا الذي اخذه في وقت وجيز جدا النضال الثوري للجماهير المغربية و تمفصله المتنامي مع النضال الثوري و التحرري لإخوانهم الصحراويين.

IX - دور الجيش في الصراع الطبقي

لقد دقت الساعة الأخيرة لحكم اللصوص الكمبرادوريين و الامبرياليين في الغرب العربي بفضل الاندفاعة الثورية للجماهير و تطور نضالات الشعب الصحراوي. شهر عسل اللصوصية انتهى بليلة دامية و تصفية حسابات. لكن لايمكن أن نضع المحاولتين الانقلابيتين ليومي 10 يوليوز 1971 و 16 غشت 1972 فقط في مستوى تآمر ضباط كبار لهم توق شره للسلطة أو متقززين من تعفن صارخ، و ليس كمجرد انعكاس لسيرورة قومية عربية حيث "الضباط الأحرار" يريدون الانتقام للكرامة الوطنية المهانة من طرف الخونة، و ليس – و بشكل أقل – كزعماء قبائل أمازيغية يزعزعون نيربورجوازية منحطة، إن الضباط ذوي المراتب العليا سواء انحدروا من عائلات كبار القواد أو من البورجوازية، ينتمون إلى طبقة المخزن. أما أولئك الذين كانوا أقل تعفنا نفسيا و معنويا من طرف الملكية (مثل عبابو و المذبوح)فقد كانو أكثر إحساسا بالحركات العميقة للنضال الوطني و الثوري للجماهير الشعبية التي تخترق الجيش من ضباط الصف و الجنود المنحدرين من الشعب كما ضباط الصف الشباب المنحدرين من البورجوازية الصغيرة و المتوسطة.

إن الثورة الإديولوجية الحقيقية التي استولت على الجيل الجديد من الشباب الممدرسين المنحدرين من الجماهير المبلترة، على ضوء هذا الوضع و تحت تأثير الدروس الدموية لمارس 1965 بالمغرب و يونيو 1967 و سبتمبر 1970 في الشرق العربي، ترسخ أكثر فأكثر الأفق الثوري للجماهير و لنضالاتها. 

إن فهم الجذور الثقافية و السوسيو - ثقافية للجماهير المغربية تسمح لنا بإبعاد كل غموض حول طبيعة هذا الوعي. إن أحجبة الوطنية البورجوازية التي تم كنسها مع انهيار الإديولوجيات البورجوازية، انحلال و تعفن طبقة المخزن و على رأسها الملكية، تواطؤها الصريح، اقتصاديا، ثقافيا و سياسيا مع الامبريالية، كل هذا ترك الجماهير الشعبية المغربية أمام مسؤولية المصير الوطني، ليس ذلك الذي يقتضي إخضاع قبائل الريف و الصحراء الغربية للأطماع الاقتصادية للبورجوازية و طبقة المخزن، و لكن ذلك الذي تحملته القبائل دائما في مواجهة الدخول الاستعماري، ذلك الذي يقتضي الدفاع عن المغارب كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية، و أيضا ذلك الذي في ظل الفترة التاريخية للثورة العربية و قبل كل شيء تعني أن نكون مع الشعب الفلسطيني الشهيد و المكافح ضد الامبريالية، ضد الصهيونية، ضد الإقطاع، ضد كل الخونة و الانتهازيين، أيضا ذلك الذي استعاد حمل العلم من أجدير إلى سمارة و الذي كان قد أخاف الامبريالية و الخونة، إنها المسؤولية التاريخية الملقاة على الشعب العربي بالمغرب و في الصحراء الغربية الموقد الغربي للثورة العربية. آخرون مثل أوفقير الذين تورطوا بنشاط في كل الجرائم و اللصوصية للنظام ظلوا أكثر وضوحا أمام الخطر المتزايد، أكثر جاهزية اتجاه التناقضات المابينية للأمبرياليات و الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، من بنكيي الأعمال و مهرجي الملكية القابعين بين موائد الأعمال الباريسية و كوكتايلات "أوطيل المنصور" إذا لم يكن ذلك في أماكن الدعارة الخاصة بهم. لكن الضباط "السامون" سواء بوعي و بعلاقة مباشرة مع الامبريالية أو بشبه وعي و في إطار الإديولوجية القومية نموذج القذافي، يبقون مرتبطين بطبقتهم. كلهم واعون بأن حقد الشعب على طبقة المخزن يتبلور بحدة متزايدة ضد الملكية و رئيسها الذي يعبر بصراحة أكثر، و بوقاحة أكثر عن التعفن و الخيانة. من هنا يمكن التفكير في حسم الامبريالية الأمريكية بقطع هذه البؤرة التي حولها يتبلور حقد الشعب، حتى يصبح ممكنا عزل الجماهير الشعبية عن المناضلين الثوريين و تسييد الإرهاب الفاشي ضدهم مع فك تعبئة الشعب و البدء من جديد تحت اشكال جديدة و تحت علامة الجمهورية و العروبة، العملية التي نجحت في 1955 تحت بطاقة الملكية و الوطنية المغربية. و حتى لو كان الأمر غير منبثق لدى البعض من استراتيجية مسبقة، فبالتأكيد سيكون نظام عسكري وليد انقلاب مدفوع بمنطق الطبقة التي ينتمي إليها بنيويا الضباط الكبار نحو هاته السياسة. و لكن هل بإمكان حتى نظام يقوده ضباط منحدرون من البورجوازية الصغيرة والمتوسطة و الراغبين بصدق خدمة المثل العليا للقومية العربية تحطيم من الفوق وبطرق تقنوقراطية الجهاز الطفيلي الضخم للدولة هل يمكن من فوق و بطرق تقنوقراطية تحطيم الجهاز الطفيلي الضخم للدولة؟ هل بإمكانهم و من فوق و بطرق تقنوقراطية تحريك الجماهير؟. أجل فالضباط الوطنيون الذين تلقوا الأفكار التقنوقراطية البورجوازية الصغيرة يعتقدون بذلك. لكن التاريخ يظهر أن مثال ناصر يولد دائما مثال أنور السادات. من جهة أخرى تسير اليوم الأشياء بسرعة. حينما لا يقدم نظام بيروقراطي أو عسكري للامبريالية أو للاشتراكية الامبريالية ضمانات مضادة للثورة كما هو الحال بالنسبة للقذافي، كون واقع ضعف قاعدته الاجتماعية، واقع عدم كونه مؤسس على السلطة الثورية للجماهير المسلحة، محكوم عليه بنهاية شبيهة بنهاية طوريس ببوليفيا. بدون ثورة تباشر، عبر طريق طويل من النضال المسلح للجماهير ليس هناك مخرج، ليس هناك سوى طرق مسدودة. الطريق الوحيد هو ذلك الذي عبر الكفاح المسلح للجماهير يؤدي إلى الجمهورية الشعبية و العربية للعمال و الفلاحين، لا يمكن أن تكون جمهورية ضباط. أجل ستحتفظ صورة 10 يوليوز لدىالشعب بشيئ أكثر من مجرد انقلاب. ذلك الحقد المعبر عنه من طرف أبناء الشعب، تلامذة و جنود هرمومو ضد التعفن القائم تحت الشمس. لكن هاته الصورة لا يمكن لها أن تتبلور إيجابيا إلا في ظل العنف الثوري للجماهير و الذي سيقود هاته الفئة أو تلك من الجيش إلى رفض إطلاق النار ضد الشعب، إلى قلب أسلحتها ضد العدو الطبقي و ضد الخونة، إلى الاندماج بالأنوية الأولى المسلحة للشعب في سيرورة حرب تحرير شعبية.

X– الأفق الثوري في المغرب :

هكذا فالطريق الوحيد للجماهير هو طريق تطوير النضال الثوري، بالانتقال إلى أشكال عليا و باستمرار للنضال، من المظاهرات الجماهيرية إلى العنف الثوري الجماهيري، ومن العنف الثوري الجماهيري إلى التسلح الذاتي للجماهير عن طريق نزع سلاح قوات العدو هناك حيث الإمكان عزلها، و من العنف الثوري الجماهيري إلى الأشكال الأولى للسلطة الثورية، إلى تأسيس الأنوية الأولى لجيش الشعب، إلى توسيع و تعميق حرب تحرير الشعب حتى انتصار الدكتاتورية الديموقراطية الثورية للعمال و الفلاحين، حتى السلطة الثورية للجان العمالية المسلحة و الجماعات المبلترة للفلاحين بدون أرض، الفلاحون الفقراء و الصغار المسلحون، من أجل الجمهورية الشعبية العربية للعمال و الفلاحين، من أجل تحويل المغرب بؤرة غربية للثورة العربية، من أجل تحرير الغرب العربي كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية. هذا الطريق الطويل و الصعب سيغتني من كل تناقضات العدو، و لكن عليه أن يمر من كل المناورات التي تحيكها كل مكونات العدو – سواء تعلق الأمر بهذا الشكل أو ذاك من الامبريالية أو هذا المكون أو ذاك من طبقة المخزن الذي سيحاول جاهدا أن يرسمها لفك تعبئة الجماهير بدعم نشيط أكثر أو اقل من طرف سياسيي البورجوازية الوطنية و باستعمال الأشكال الحالية أو الجديدة للإديولوجية البورجوازية التي تبقى قادرة على تحريف الجماهير عن النضال. من أجل تجاوز هذه المناورات منتصرة، على الحركة الثورية المغربية و الجماهير الثورية المغربية باستمرار و عبر نضالاتها الخاصة، استيعاب التجربة الغنية لنضال الحركة الثورية العالمية و التي حملها فكر ماو تسي تونغ باعتباره التعبير الأكثر كثافة لعصرنا، و إغنائها عبر إدماجها كل يوم أكثر بالواقع الملموس للمغرب و الثورة بالغرب العربي. في هذا النضال حيث سيحمل العدو أقنعة متعددة، و حيث التيارات البورجوازية الصغيرة التي لا زالت مرتبطة بالجماهير و التي تنخدع بسهولة بهاته الأقنعة، على الحركة الثورية و الشعبية أن تتعلم من النموذج الصيني و الفيتنامي، بالاعتماد على القوى الثورية، كسب القوى الوسطية أو على الأقل تحييدها، تفكيك وحدة الأعداء الرئيسيين، استعمال التناقضات داخلها و بينها و بين حلفائها، هزم الأعداء واحدا واحدا.

هناك محوران أساسيان للنضال الثوري بالمغرب بإمكانهما أن يكونا مرشدا في تقدم الطريق الثوري:

1 – الثورة المغربية : ثورة معادية للامبريالية و الصهيونية و لطبقة المخزن، ثورة تقوم بها : الجماهير العمالية و الفلاحية تحت قيادة البروليتاريا، كثورة تعتبر جزءا لا يتجزأ من الثورة العربية. فعلى محور الثورة العربية تتموقع الثورة المغربية. هكذا و على المستوى المباشر فالعدو الرئيسي هو ائتلاف طبقة المخزن – بقيادة الملكية – و الامبريالية، ائتلاف – يحاصر و يبعد المغرب عن الثورة العربية. و لكن و في نفسس الوقت، ولأنها جزء من الثورة العربية، الحركة و الثورة الشعبية المغربية المستعدة للتحالف مع كل القوى الوطنية المعارضة للملكية، لا يمكنها المساهمة في أي شكل من أشكال التوافقات مع أي شكل من أشكال الامبرياليات لأنها كلها مرتبطة بنيويا فيما بينها بالصهيونية و تمثل الامبريالية الأمريكية بالدرجة الأولى العدو الاستراتيجي الرئيسي للشعب العربي.

2 – الثورة المغربية : ثورة من أجل استعادة أراضي القبائل من طرف الجماعات الفلاحية المبلترة في إطار التحالف الثوري للعمال و الفلاحين. لا يمكن أن تكون إلا من صنع الجماهير العمالية و الفلاحين من أجل تحطيم طبقة المخزن كطبقة و تحطيم النفوذ الامبريالي الصهيوني و كل أنظمة الاضطهاد التي تثقل كاهل الجماهير، من أجل الجمهورية العربية للعمال و الفلاحين، من أجل تشييد السلطة الثورية للجان العمالية المسلحة و الجماعات المبلترة للفلاحين الفقراء المسلحة، من أجل استعادة أراضي القبائل، من أجل تشييد الدكتاتورية الديموقراطية الثورية للعمال و الفلاحين الفقراء، و في إطارها يمكن للبورجوازية الوطنية نفسها التحرر من السيطرة الامبريالية و من سيطرة طبقة المخزن، من أجل تحويل المغرب و الصحراء الغربية إلى بؤرة غربية للثورة العربية. هذا الهدف لا يمكن ان ينبع إلا من فوهة البندقية "السلطة تبع من فوهة البندقية" تعني أن الجماهير عليها أن تنتزع البندقية من العدو و أن لا تسلمها لأحد .

على هاته القاعدة الأساسية ستعرف الحركة الثورية و الشعبية المغربية كيف تبقى حذرة اتجاه محاولات الانقلاب العسكرية أو كل انقلاب تحت أي شكل من الأشكال و كيفما كان مصدره.

كل انهيار داخل العدو بإمكان الجماهير الاستفادة منه لتطوير قدرتها النضالية من أجل نزع الأسلحة من العدو لجر الجنود الثوريين إلى صفوفها، من أجل أن تنتظم كأنوية مسلحة للشعب. وحده الشعب المسلح الضامن الحقيقي لإنجازات الشعب.

كل سلطة تعتبر نفسها معادية للامبريالية، للصهيونية و ضد طبقة المخزن و التي تنبثق من الشعب المسلح ستجد في نفس الوقت دعم الحركة الثورية و الشعبية المغربية لكل خطوة حقيقية معادية للامبريالية و الصهيونية و ضد طبقة المخزن، و في نفس الوقت نضال الحركة الثورية من أجل تسليح الشعب بغرض استعادة الثورة لأراضي القبائل من طرف جماعات الفلاحين الفقراء المدعمة بالنضال الثوري للبروليتاريا من أجل الجمهورية العربية للعمال و الفلاحين.

إن طريق الثورة ليس طريقا مفتوحا بدون حواجز، بدون مفاجآت. تستطيع الجماهير الشعبية، التي تبني بصلابة أكثر فأكثر تنظيماتها الثورية و المسلحة أكثر فأكثر بالإديولوجيا الثورية للبرولتاريا و بنضالها بكسبها سلطة النفوس، فتح طريق الثورة باستمرار ...حتى الانتصار.

 

هوامش:

1 ـ تمت ترجمة النص إلى العربية عن النص الفرنسي. وقد سبق للعديد من المواقع الإلكترونية التقدمية أن نشرت الصيغة الفرنسية للوثيقة وعنها أخذ النص.

2 ـ نظرا لكون وثيقة "الثورة في الغرب العربي في الفترة التاريخية لاندحار الإمبريالية" 4 مايو 1972 لازالت تحت الترجمة، فإن الكاتب سينتقل إلى الحلقة الثانية من سلسلة وثائق المنظمة الماركسية-اللينينية المغربية "إلى الأمام" والتي تعالج قضايا تنظيمية وغيرها وذلك في انتظار عملية الترجمة للوثيقة المذكورة أعلاه التي سيتم إلحاقها بالحلقة الأولى من السلسلة.

 

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.