Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
" تشكل مهمة بناء حزب البروليتاريا الماركسي ــ اللينيني المهمة المركزية الحاسمة المطروحة على الماركسيين ــ اللينينيين في المرحلة الراهنة، من أجل قيادة النضال الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين و الجماهير الكادحة و القوى الوطنية، لدك الحكم القائم و سيدته الإمبريالية. إن مهمة بناء الحزب هي إذن المهمة المركزية الراهنة لكل الماركسيين ــ اللينينيين : فهي البوصلة التي يجب أن ترشدهم في صياغة مهامهم الأخرى. تلك هي نقطة الانطلاق الضرورية الأولى في تحديد الخط السياسي بالنسبة للماركسيين ــ اللينينيين المغاربة.".
" من أجل خط ماركسي ــ لينيني لحزب البروليتاريا المغربي ".
تقديم: تنتمي وثيقة " نحو تهييئ شروط قيادة النضال الدفاعي "إلى مجموعة الوثائق الأمامية الجدالية التي جاءت كرد على قضايا الخلاف الذي نشأ وأصبح جماهيريا في ربيع العام 1973 بين منظمة " إلى الأمام " و منظمة " 23 مارس".و هي بذلك تعبر عن مواقف "إلى الأمام " من مجموعة من القضايا الخلافية . فبعد صدور وثيقة "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية – اللينينية "انبرت جريدة " 23 مارس "(الجريدة المركزية لمنظمة "23 مارس") للرد على الأطروحات التي جاءت بها الوثيقة , فظهرت مجموعة من الاتهامات الموجهة للمنظمة كوصف مواقفها بالعفوية و غير ذلك من النعوت و الردود التي قامت بتشويه المواقف المنشورة بجريدة" إلى الأمام ". و كان لابد من الرد على مجموعة من المواقف و التحليلات لتي اعتبرتها " إلى الأمام " مشوهة لمواقفها. فكان صدور وثيقة " لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو " وهي أول رد للمنظمة بعد وثيقة " الوضع الراهن .." بينما شكلت وثيقة" نحو تهييئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية" الرد الثاني و كان صادرا عن ا لكتابة الوطنية قام بصياغته الرفيق الشهيد عبد اللطيف زروال .
عموما قامت الوثيقة بتحيين مجموعة من التحليلات التي جاءت بها وثيقة" الوضع الراهن ..." تهم مستجدات الوضع الإجتماعي والإقتصادي والسياسي وذلك لدعم الأطروحات التي دافعت عنها " إلى الأمام " في صراعها مع التيار اليميني السائد داخل " 23 مارس ". سوف لن نقف عند هذه المعطيات رغم أهميتها بقدر ما نهتم بالكيفية التي عالجت بها الوثيقة واقع الحركة الجماهيرية مؤسسة لبعض المفاهيم الجديدة و مسطرة انطلاقا من ذلك مهام الحركة الماركسية – اللينينية تجاهها .
لقد أدرجنا هذه الوثيقة هي الأخرى ضمن الحلقة الثانية من سلسلة وثائق المنظمة الماركسية – اللينينية "إلى الأمام " لاعتبارات محددة و هي كونها تسمح باستخراج جوانب من الفكر التنظيمي لمنظمة" إلى الأمام" في علاقته بالحركة الجماهيرية.
1 الحركة الجماهيرية : الوضع , المرحلة و شروط القيادة
-أ- السمة الرئيسية للحركة الجماهيرية و خصوصيات نموها :
انطلاقا من استمرار أزمة النظام الطبقية والبنيوية و دورها في تكثيف و تعميق الشروط الموضوعية لنمو الحركة الجماهيرية ,أزمة تتطور في سياق عالمي يعرف نموا مضطردا للأزمة العامة للامبريالية . فالطابع الأول للحركة الجماهيرية هو النمو , لكن هذا النمو لا يسير في خط مستقيم بل ملتو و معقد بسبب غياب الأداة الثورية. أما الطابع الثاني فهو اتسامها بالعفوية كخط أساسي لكل المرحلة التاريخية التي تجتازها .
إن هذا الوضع يحمل في طياته مخاطر التفجرات التي تكون عفوية مما يهدد بخطر الركود كما وقع مباشرة بعد انتفاضة 23 مارس 1965.
ضدا على خطة التراجع ( " خطة عمل داخل الطبقة العاملة "هو عنوان الوثيقة التي تنظر لخطة التراجع) تطرح الوثيقة على الحركة الماركسية اللينينية مهمات نضالية ملموسة لتجاوز هاته العفوية( عفوية الجماهير) علما أن ذلك يتم في ظروف تتميز إضافة إلى تعمق أزمة النظام بمجموعة من السمات منها :الاندحار السياسي البلانكي( المعني هنا حركة 3مارس التي قامت بعمليات مسلحة في مارس 73) و إفلاس البورجوازية الصغيرة الإصلاحية و انفضاح دور البيروقراطية النقابية و التحاق حزب الاستقلال بالنظام مما يلقي على الحملم (الحركة الماركسية-اللينينية المغربية)مهاما جسيمة تجاه الحركة الجماهيرية و تجاه نموها العفوي .
- ب – طبيعة المرحلة الاستراتيجية للحركة الجماهيرية :
حددت الوثيقة الطابع العام للمرحلة التي تجتازها الحركة الجماهيرية دفاعيا( مرحل دفاعية كسمة رئيسية ),و بذلك اعتبرت أن الشعار الرئيسي للحملم هو " الصمود و الالتحام بالجماهير " ليتم التمكن من الانتقال من النضال العفوي إلى النضال الدفاعي المنظم تمهيدا لتغيير ميزان القوى عن طريق بناء الحزب البروليتاري . و لكي يكون الشعار فعالا لابد أن تجسيده عبرإنجاز مهمات محددة لكل فترة محددة وهذا في كل مجالات العمل الثوري.
- ج- شروط قيادة النضال الدفاعي المنظم للجماهير:
لتوفير شروط قيادة النضال الدفاعي المنظم للحركة الجماهيرية لابد من بلورة الشروط الذاتية لتنظيم عفوية الحركة الجماهيرية طبقا للإمكانيات المتوفرة حاليا ل الحملم حاليا للوصول تدريجيا لتغيير ميزان القوى و الانتقال إلى النضال الهجومي مستقبلا, و في هذا السياق ترفض الوثيقة مفهوم التركيز على الطبقة العاملة كما طرحته " خطة عمل" التي قدمتها منظمة "23 مارس ".
تقول الوثيقة (" نحو تهييئ شروط قيادة النضال الدفاعي...") في هذا الصدد:
" إن مهمة بناء الحزب الثوري البروليتاري هي تلك المسيرة التي ينخرط فيها اليسار بنضالات الطبقة العاملة و يعمل على قيادتها . و يعمل فيها على توفير أسس التحالف العمالي – الفلاحي , من خلال دمج الماركسية – اللينينية بواقع بلادنا الملموس , و هي مسيرة نضالية يعمل فيها اليسار على الانخراط في الكفاح الجماهيري بمختلف الأساليب ,و فق خطط معينة في كل مرحلة من أجل الوصول إلى التأثير فيه و قيادته . و بهذا الطريق وحده يمكن للأطر البروليتارية أن تتبلور و للحزب الثوري أن ينشأ ".
2) من مهام المرحلةإلى مهام الفترة :
تنطلق الوثيقة من اعتبار نفسها استمرارا لوثيقة" الوضع الراهن ..." من حيث أن الأولى قامت بتحديد مهام المرحلة بينما جاءت الثانية لتحديد مهام الفترة و بناءا عليه حددت مهمات المنظمة داخلها و ذلك على طريق إنجاز مهام المرحلة.
أ – المهمات التنظيمية :
تحت شعار تصليب المنظمة سطرت الوثيقة المهمات التنظيمية التالية :
-1- توسيع التنظيمات التي تشكل محور الربط العضوي بين المنظمة و التنظيمات الجماهيرية و يتعلق الأمر ب:
+ اللجان الأساسية .
+ لجان النضال العمالية بالأخص.
+ تحويل الاتصالات إلى حلقات.
لتطوير هذا العمل لابد من القيام بعمل إديولوجي و تسطير برامج نضالية و استعمال الجريدة المركزية .
- 2- توثيق الارتباط العضوي مع الإطارات الجماهيرية السرية أو العلنية و يتعلق الأمر بالنقابة الوطنية للتلاميذ(نوت) و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب(اوطم) و الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين و النقابة العمالية , و اللجان النقابية الموسعة.
- 3 – توسيع العمل الدعائي من خلال توسيع دائرة تأثيرالجريدة المركزية ("إلى الأمام " : الجريدة المركزية لمنظمة إلى الأمام )وسط الحركة الجماهيرية.
3) البرنامج المطلبي العام للحركة الجماهيرية و قيادة نضالها الدفاعي المنظم:
اعتبرت الوثيقة أن طرح برنامج مطلبي عام للحركة الجماهيرية يخدم أفق قيادة نضالها الدفاعي و يساهم في توسيع النضال الديموقراطي . و في منظور الوثيقة فإن مفهوم البرنامج الديموقراطي لابد أن يعتمد على استلهام البرنامج الديموقراطي الشعبي ( برنامج الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية ) , برنامج قادر على تطوير نضالية الحركة الجماهيرية نحو شن النضال السياسي العام ضد النظام و قادر كذلك على كسب القوى الديموقراطية الثورية لصف اليسار الثوري.
4) حول وحدة الحركة الماركسية – اللينينية :
حددت " وثيقة عشرة أشهر من كفاح التنظيم: نقد ونقد ذاتي" المعروفة اختصارا بتقرير 20 نونبر المهمة الرئيسية للمنظمة من خلال شعار : " من أجل بناء منظمة ثورية طليعية صلبة و راسخة جماهيريا ". و بشكل موازي شكل شعار " من أجل منظمة ماركسية – لينينية واحدة" شعارا آخرا لإنجاز وحدة الحملم المنشودة دون إغفال أن ذلك يمر عبر الصراع الديموقراطي الجماهيري المنظم لأن الوحدة الاندماجية لن تتحقق بدون الارتكاز على خط ثوري سديد يستقطب حوله كل الماركسيين اللينينيين المغاربة . و بالنسبة للفترة التأكيد على ضرورة الصراع ضد الانتهازية اليمينية السائدة داخل منظمة " 23 مارس ", مع البحث عن أسس العمل المشترك على قاعدة : صراع وحدة صراع بما يعني تغليب طابع الصراع الجماهيري المنظم وصولا إلى وحدة جديدة على قاعدة خط ثوري سديد.
فؤاد الهيلالي
نحو تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية
الوثيقة
إن الوصف المبسط الذي سنسوقه هنا لتطور الوضع ببلادنا ولمهامنا في الفترة المحددة التي تجتازها, ليس إلا إعادة تأكيد لتلك الخلاصات التي طرحناها في وثيقتنا "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية" الصادرة في أبريل, فالتطورات الجديدة في الوضع الراهن لم تفعل سوى تأكيد, وبشكل قاطع, صحة الخطوط التي رسمناها في تلك الوثيقة للوضع الراهن ببلادنا والمهمات المستخلصة منه. وبذلك فقد تكلفت الأحداث نفسها بالإجابة على ذلك السيل من الإفتراءات والأكاذيب الذي انصب على الوثيقة. وكما رفضنا من قبل أن نجيب على تلك الإفتراءات فسنرفض اليوم أيضا الغوص في تلك المستنقعات التي قبع فيها أولئك الذين يطلقون هذه الأكاذيب في نشرة "23 مارس". ولكن هل ينبغي الوقوف عند ذلك التحليل الشمولي الذي طرحته وثيقة "الوضع الراهن ..."؟
إن التحليل الدائب والمتواصل لتطورات الوضع في كل فترة محددة مهمة أساسية ومطروحة بالنسبة لنا, وكما سجلنا ذلك في تلك الوثيقة بالذات فإن هذا التحليل لابد أن يستند على رؤية طبقية سديدة للأوضاع وربط الأحداث الجارية الآن بتحليلنا الشامل للأوضاع في وثيقة "الوضع الراهن ..." واستخراج مهمات محددة لهذه الفترة في طريق إنجاز المهمات التي طرحناها في تلك الوثيقة التي تشمل مرحلة تاريخية بأكملها, مرحلة السير نحو بناء أداة الثورة.
فما هي السمات البارزة في هذه الفترة التي نجتازها؟
ما نؤكد عليه في البداية هي استمرار تطور أزمة النظام. فتلك السلسلة من الإجراءات التي بادر بها النظام للخروج من أزمته لم تفعل سوى أنها عمقت الشروط الموضوعية لهذه الأزمة, وذلك هو عمق تناقض النظام, إذا تجاوزنا تلك النظرة المعاكسة التي تكتفي للبرهنة على صحة تحليلها حول "تجاوز النظام لأزمته" و"التفاف القوى الإمبريالية حوله" بعملية حسابية فقط بعدد المعتقلين والمحاكمات.
فالقمع الذي يتحول تدريجيا إلى الخبز اليومي للجماهير الكادحة, ليس في حد ذاته إلا تعبيرا عن أزمة النظام, ذلك لأن تحول سياسة النظام إلى نهج الإرهاب كوسيلة أساسية (وهي ليست سياسة جديدة تماما) دليل على عجز النظام على إقرار وضع اجتماعي قار يسمح له بوضع طلاء ليبرالي لوجهه الفاشي (1). إنه نتاج تقلص قاعدة الحكم الاجتماعية بحكم سياسة النهب والاضطهاد القائمة على التبعية للإمبريالية واستمرار أزمته الاقتصادية المتواصلة.
ولا يبدو أن أولئك الذين يروجون أطروحات "تجاوز النظام لأزمته" في نشرة "23 مارس" يستطيعون اليوم إدعاء أن "المغربة" تعبير عن "توسيع" القاعدة الاجتماعية للحكم. فالكل يعرف اليوم أن هذه العملية الديماغوجية ليست في العمق إلا تركيزا لاندماج الطبقة الحاكمة بالإمبريالية الفرنسية المهيمنة على اقتصاد البلاد. ومرة أخرى فهذا الاندماج لا يعني ازدياد عدد الفرنسيين والأجانب في دواليب أجهزة الدولة ومجالس إدارات الشركات بقدر ما يعني توسيع سيطرة الرأسمال المالي الفرنسي الذي يحكم شباكه على اقتصاد البلاد عن طريق تعميق البنية الكمبرادورية للنظام(2). فمقابل ذلك العدد من شركات ومؤسسات القطاع الثالث "الممغربة" التي سيدخلها الرأسمال الكمبرادوري, تتقوى وتحكم سيطرة الرساميل الفرنسية على القطاعات الاقتصادية الأساسية. ويعبر قانون الاستثمارات الجديد بشكل أكثر وضوحا وأقل ديماغوجية على تعميق اندماج الطبقة الحاكمة بالإمبريالية الفرنسية, فقد أزال هذا القانون الجديد تلك العوائق البسيطة الموضوعية زمن تجربة البرجوازية الوطنية لأحلامها مع حكومة عبد الله إبراهيم. ونلمس أكثر هذا الاتجاه في عملية استرجاع 170 ألف هكتار التي تمت بسرعة غير معهودة مقابل رقم خيالي : 180 مليار سنتيم, وهو الثمن المرتفع الذي يدفعه النظام من أجل الاستقرار الداخلي وضمان دعم الإمبريالية الفرنسية له. فهؤلاء المعمرين الذين استثمروا هذه الأراضي عشرات السنين مقابل تشريد وتفقير جماهير الفلاحين الفقراء سيحولون أغلب هذه الأموال إلى الصناعة والتجارة والسياحة كما نصت الاتفاقية, وبذلك فإن المستفيد الأول من هذه العملية هو الأبناك والمصالح الاحتكارية التي ستعمل على استثمار هذه الأموال في المشاريع الصناعية والتجارية من أجل تركيز هيمنتها الكبرى. وقد أعلن السيد بنهيمة الذي طار إلى باريس لطمأنة أسياده الإمبرياليين الفرنسيين عن مساواة الرأسمال الفرنسي بالرأسمال المغربي حتى يتم توظيف تلك الأموال بالمغرب. وهكذا ينفضح المغزى الحقيقي لعملية المغربة أيضا, التي لا تعني سوى حذف مصالح صغار التجار الفرنسيين والمعمرين القدامى الذين حملهم الجيش الاستعماري الفاتح في مطلع هذا القرن من أجل تطهير الواجهة, وتركيز رؤوس الأموال الاحتكارية اللامرئية المتحركة في دواليب الأبناك والشركات الكبرى. إنها بالتعبير الموفق والدقيق للسيد بنهيمة المتدفق حيوية : "خدمة مصالح فرنسا بدل مصالح الفرنسيين"(3).
وبطبيعة الحال فإن اتجاه نظام المعمرين الجدد وسماسرة الرأسمال الأجنبي نحو الاندماج بصورة أشد تحت هيمنة الإمبريالية الفرنسية, وتوطيد الإمبريالية الفرنسية لمواقعها السياسية والاقتصادية داخل النظام, هو جزء من تناقضات الإمبريالية على المستوى العالمي(4) مع الإمبريالية الأمريكية بصفة خاصة حول المواقع الاستراتيجية في المغرب وفي غرب البحر الأبيض المتوسط. وهكذا فالعلاقات بين النظام والإمبريالية( تزداد برودة, بل تحتد تناقضات الإمبريالية الأمريكية مع الرجعية العربية في الشرق (قرارات الدول المصدرة للبترول اتجاه الولايات المتحدة الأخيرة). ولم تلعب القروض الأمريكية أي دور أساسي في حل أزمة تمويل التصميم الخماسي الجديد الخانقة بالنسبة للنظام. فالإمبريالية الفرنسية التي تدرك أزمة نظام الحسن تعمل على تركيز مواقعها الاقتصادية والسياسية داخل النظام وتشرف بشكل مباشر على بناء الجهاز الفاشي للنظام بحكم ضعفها الموضوعي ذاته, وليس بحكم قوة النظام. ذلك ما عبرت عنه بوضوح جريدة "لوموند ديبلوماتيك" : "ليس سريا بالنسبة لأحد ان المحاولتين الإنقلابيتين في الصخيرات والقنيطرة قد أقنعت القادة الفرنسيين (على الأقل أولئك الذين لم يدركوا ذلك بعد) بهشاشة الملكية (...) أن نظام الحسن المهدد أكثر لفترة ليست قصيرة, يظل هو الشريك في هذه اللحظة وحتى أجل جديد, شريكا نتساءل ما إذا كان من الأفضل أن نتمنى له الاستمرار أكثر بدل مواجهة الأخطار التي يمكن أن تنتج عن تقلبات سياسية بالنسبة للجالية الفرنسية المهمة وبالنسبة لجميع المصالح(5).
فإذا ما انتقلنا إلى الوجه الرئيسي لعملية تدعيم وتركيز البنية الكمبرادورية للنظام من زاوية التناقض الأساسي بين الجماهير الكادحة والنظام الكمبرادوري, وجه تفقير وتشريد واضطهاد الجماهير الكادحة, أدركنا سيرورة تعمق الشروط الموضوعية لأزمة النظام.
فهذه الأزمة تبرز بصورة جلية في ظاهرة الغلاء المهول للمعيشة, التعبير الملموس لأزمة النظام, التي لا يمكن أن تغطيها اطنان الديماغوجية والتهريج حول تحسين وضعية الجماهير الذي يغدو مجرد البقاء على قيد الحياة بالنسبة لها أمرا صعبا. وأطنان أخرى أيضا من أطروحات "تجاوز النظام لأزمته" وإعادة ترتيب أوضاعه, تصطدم كلها بالصخرة الصلبة للواقع المعاش من طرف الجماهير الكادحة. فتلك المكتسبات الضئيلة التي حصلت عليها الطبقة العاملة في نضالاتها من أجل الزيادة في الأجور وكذلك بالنسبة للموظفين قد امتصها الغلاء الفاحش الذي تجاوز معدل الأجور بصورة مفجعة, بينما وضع تلازم غلاء المعيشة مع رداءة الموسم الفلاحي السابقة جماهير الفلاحين الفقراء على أبواب المجاعة في تلك المناطق الفلاحية الفقيرة المتضررة من الجفاف.
إن غلاء المعيشة هو التعبير الملموس أيضا عن ارتباط أزمة النظام بالأزمة العامة للإمبريالية, حيث تعرف السوق الإمبريالية نفسها ارتفاعا في الأثمان, بسبب جشع الكمبرادوريين الذين يكدسون الأرباح بارتباط مع الاحتكارات الإمبريالية, مما يجعل جهاز الدولة عاجزا عن التحكم في الجهاز الاقتصادي للبلاد وضمان وضع مستقر في الأسعار.
ومن نتائج أزمة النظام اتساع عزلته عربيا ودوليا, ومثال الصحراء الغربية كاف لإبراز ذلك باعتبارها مركز الأطماع الإمبريالية المتناقضة, والمتجلية في تناقض عملائها في المنطقة. وقد عجز النظام عن تحقيق أية خطوة إيجابية في هذا المجال حيث تستمر إسبانيا في إحكام سيطرتها على ثروات الصحراء وتحويلها إلى إقليم إسباني في حين تستمر الجزائر وموريطانيا في التمسك ب"حقوقهما المشروعة" في الصحراء الغربية. وقد برز إفلاس النظام جليا في إقناع الأطراف الأخرى بالتخلي عن المطالبة بالحقوق المزعومة في قمة أكادير الثلاثية في شهر يوليوز. وبدون شك, فإن أزمة النظام الداخلية هي التي تدفعهم إلى المزيد من التشبث بهذه "الحقوق" المزعومة في الصحراء الغربية العربية. وإن مهزلة خلق منظمات "مقمومة" موجودة فقط في أجهزة إعلام هذه الدول دليل على الإفلاس التام لسياسة النظام في هذا المجال ودليل تعمق عزلته, التي لن تفكها دينامية السيد بنهيمة الفائقة ولا الزيارات والحفلات الفخمة المقامة لبيادق مثل "بوانيي" و"النميري" أو أمير الكويت, التي يراد منها بصورة أساسية تمويل التصميم الخماسي الجديد الذي لم يدخل بعد حيز التطبيق.
والمثال البارز في هذا الصدد هو طرح بورقيبة لمشروعه إنشاء كنفدرالية لدول المغرب العربي يستثنى منها المغرب, نظرا ل"تشابه هذه الدول وجديتها في إنماء بلدانها". وهكذا تمتد عزلة النظام حتى إلى أقرب أصدقائه, عميل الإمبريالية الأمريكية : بورقيبة. ولنذكر هنا بانزعاج الصحف البرجوازية الوطنية لعملية استثناء المغرب هذه التي تميزت لسوء الحظ بإدراك أكثر سلامة من إدراك رفاق 23 مارس الذين يصرون على أن النظام بخير, ولنورد كنموذج منها ما كتبته جريدة "العلم" (لسان حزب الاستقلال) التي أضافت معلقة على الخبر : "يبقى بعد هذا أن نعبر عن قلقنا الممزوج بالخيبة من أن نرى عزلة المغرب تزداد بهذا الشكل لأسباب داخلية, وأخرى ترجع لجيراننا"(6).
أما عملية إرسال قوات مغربية مسلحة إلى الجبهات العربية المحاربة التي أبرزنا خلفياتها في إبانها(7), وكذلك فتح باب التطوع, فهي عملية ديماغوجية المراد منها امتصاص الحس الوطني المتنامي داخل الجيش, ومحاولة تكسير طوق العزلة المنكمش داخله عربيا في وسط حماس المعركة, ولكنها لا يمكن أن تشكل قناعا لنظام سياسته قائمة على التعامل النشط مع الصهيونية والإمبريالية.
تبقى سياسة الإرهاب والقمع وتصعيد النهب والاستغلال هي النهج الوحيد لنظام يفقد الأسس الموضوعية لاستمراره وتناميه, وذلك ما ينهجه النظام بصورة متزايدة, مصحوبا بتوسيع الدعاية للفكر الرجعي لخلق أسس إيديولوجية لسياسته الإرهابية وسط الجماهير, بواسطة العصابات الإجرامية, وتوسيع عملية تشطيب الساحة من أية قوة مناضلة وتركيز الإرهاب والرعب لدى جماهيرنا الكادحة وقواها الديمقراطية والثورية.
تزايد الاندماج بالإمبريالية الفرنسية, تشديد الإرهاب كوسيلة رئيسية, نمو العزلة, تلك هي العلائم البارزة لأزمة النظام العميل في هذه الفترة, ويبقى تعميق هذه الأزمة الموضوعية وتوسيعها رهين بقدرة الحركة الجماهيرية على التنامي باستمرار وفي اتجاه منظم نحو بناء أداتها الثورية, وتحقيق ذلك يضع حركتنا أمام واجباتها التاريخية.
* * * * * * * *
أما جماهيرنا الكادحة, التي تواجه ظروفا أشد من تشريدها وتفقيرها والمرتبطة بنمو وتعمق أزمة النظام, لا بد أن تهيأ الشروط الموضوعية لنمو مقبل للحركة الجماهيرية, في المسار العفوي نفسه, ولنسطر على الطابع العفوي لهذا النمو ولجسامة مهامنا اتجاهه في وجه التنظيرات الانهزامية والانسحابية.فجماهير العمال التي واجهت عملية النهب وتوسيع سيطرة كمشة الكمبرادوريين (سماسرة الرأسمال الأجنبي) والمعمرين الجدد على كل خيرات البلاد, بالنضالات النقابية الكبرى منذ سنة 1968 بهدف تحسين وضعيتها وانتزاع الزيادة في الأجور. هذه الجماهير تجد اليوم نفسها في شروط أعمق من الاستغلال والاضطهاد وقد امتص غلاء المعيشة تلك المكتسبات الضئيلة التي حصلت عليها في هذه النضالات, وأمام تواطؤ الجهاز البيروقراطي ضد نضالاتهم المطلبية, وتزايد الإرهاب والقمع الملازم لعملية تشديد الاستغلال بواسطة إجهاض أبسط الحقوق النقابية والسياسية, كما أبرزت ذلك نضالات العمال الأخيرة بشكل ملموس في عدد من القطاعات الأساسية خلال شهري ماي ويونيو, حيث واجه النظام البوليسي هذه النضالات بشراسة لا تناسب مطلقا تلك النضالات.
أما جماهير الفلاحين الفقراء, فإن توزيع 90 ألف هكتار التي شكلت "الثورة الزراعية", لم تستطع أن تشكل صمام أمن للطبقة الحاكمة كما كانت تنشد إلى ذلك الإمبريالية عبر تصاميم خبراء "بيرد BIRD". ولهذا فإن 70 ألف هكتار المسترجعة أخيرا من يد المعمرين القدامى قد آلت هذه المرة إلى ملكية الدولة نهائيا, حيث قامت بتجنيد مجموعات من الفلاحين والجنود بواسطة أجهزتها القمعية لحراثتها مقابل الخمس. وهكذا تقوم الدولة بالاستعباد الجماعي للفلاحين الفقراء في أراضيهم لتجعل منهم خماسين جدد. إن رداءة الموسم الفلاحي السابق جعلت جماهير غفيرة من الفلاحين الفقراء في حالة قريبة من المجاعة, نذكر بتلك المجاعات الرهيبة في مطلع هذا القرن, كما هو الحال في مناطق الجنوب, أي تلك المناطق التي تعاني من سياسة التفقير. كما أن تفاحش أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لم يمس فقط جماهير المدن الكادحة, فأثمان القمح والشعير عرفت ارتفاعا صاروخيا, فالقنطار الواحد من القمح أصبح يساوي 120 درهم بينما أصبح ثمن القنطار من الشعير 80 درهم, في حين سقطت أثمان الماشية إلى نسبة منخفضة جدا, بسبب ارتفاع ثمن التبن أيضا, كمادة أساسية للعلف, ارتفاعا مرهبا.
فإذا أضفنا إلى ذلك سياسة انتزاع الأراضي التي تمارس بوحشية, محولة جموعا من جماهير الفلاحين الفقراء إلى مدن القصدير (معسكرات الاعتقال الجماعية في المدن) وإلى قمامات الأزبال في المدن, أدركنا الوضعية التي تضع سياسة الطبقة الحاكمة فيها جماهير الفلاحين الفقراء, وأدركنا قبل كل شيء سخافة المزاعم حول وجود الشروط الموضوعية داخل جماهير الفلاحين الفقراء لترسيخ الحكم لجذوره الفاشية(8), إنها تجعلهم في تلك الوضعية التي وصفها إنجلس : "إذا وضعت الناس في ظروف لا تناسب إلا البهائم, فما عليهم إلا أن يثوروا أو أن يخضعوا للحيوانية".
وفعلا فإن علامات التمرد على ذلك الوضع تبرز من جديد, فهاهم فلاحو قبيلة "آيت خويا" يحولون السوق إلى غضب هادر في وجه عملاء السلطة ورجال الدرك الذين فروا أمام الجماهير المتظاهرة في السوق ضد شيخ عميل عليهم(9). وهاهم فلاحو "آيت أورير" يحطمون السور الذي نصبه المعمر الجديد على أراضيهم "المسترجعة" التي كانوا ينتظرون عودتها إليهم بعد استرجاعها من طرف الدولة. وهاهم أبناء الفلاحين الفقراء الشباب في إفني يشعلون النار في مكاتب التسجيل لتهجير الشباب إلى أسواق النخاسة في أوربا تودي بحياة عشرين ضحية. وهاهي معركة جديدة تخوضها قبيلة "تسلطانت" التي لا تزال صامدة في نضالها من أجل الأرض, تهاجم فيها قوات القمع جماهير الفلاحين بعنف وحشي بالغ على طريقة القرون الوسطى(10).
أما بالنسبة لجماهير البرجوازية الصغرى, فإن غلاء المعيشة يجعل منها تدريجيا في صف الجماهير الكادحة. فصغار التجار لا يتضررون من حملة الغلاء هذه فقط, بل أيضا من عسف جهاز الدولة التي تفسر ظاهرة الغلاء بأنها نتيجة "شره بعض التجار", فتسلط عليهم سيف المراقبة البوليسية. وكذلك صغار الموظفين الذين حظوا بزيادة في الأجور خلال سنة 1971 و1972, والذي يجعل منها الغلاء مجرد عملية ديماغوجية.
وبالنسبة لقطاعاتها المثقفة (الطلبة والمثقفون عموما), فإن ثقل الإرهاب البوليسي والفكري المتصاعد يدفع بقطاعات منها إلى صف الجماهير الكادحة. أما حركة التلاميذ المعبر عن الوعي الحسي لمطامح الجماهير الكادحة, فإن استمرار سياسة التعليم النخبوي المتنامية هذه السنة بطرد جماهير أوسع من التلاميذ بكل الأساليب الإدارية القمعية, يوسع نمو تلك التيارات الحسية العميقة من السخط الجماهيري الذي يعبر عنها التلاميذ ويترجمونها في نضالاتهم ضد التعليم النخبوي.
وإن الانتصارات الجديدة لحركة التحرر العربية, المتمثلة أساسا في انتهاء حالة اللاحرب واللاسلم في جبهتي المواجهة الأماميتين الجنوبية والشمالية, ستدعم خط التحرير المسلح الذي نادت به القوى الثورية العربية, كما أنه يعمق تناقضات الرجعية العربية مع الإمبريالية الأمريكية التي تدعم وتمول العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية(قرارات توقيف ضخ البترول إلى الولايات المتحدة, الدعم المالي والدبلوماسي لدول المواجهة...), ثم انكسار كل المؤامرات التصفوية ضد المقاومة الفلسطينية على صخرة صمودها التي تعرف نهوضا جديدا لرفع معنويات الشعوب العربية ومن ضمنها الشعب المغربي, كما هو ملموس في الحياة اليومية للجماهير, وكما هو واضح في توسع السخط على الإمبريالية الأمريكية في عموم الوطن العربي, وازدياد التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية, حتى وإن كانت برجوازيات الدولة في الشرق تكسب سياسيا من هذه الشروط في هذه المرحلة.
كل ذلك يمكننا من التشديد على الخلاصة التالية : إن أزمة النظام الطبقية الدائمة, المتمثلة راهنا في عجزه بصورة اساسية في ضمان وضع مستقر لعيش الجماهير الكادحة يكثف ويعمق الشروط الموضوعية لنمو الحركة الجماهيرية, في مرحلة نمو الأزمة العامة للإمبريالية على نطاق عالمي.
هذا النمو العفوي كما شددنا على ذلك من قبل هو الخط الأساسي لكل المرحلة التاريخية التي نجتازها والتي لم تستنفد كل طاقاتها الموضوعية فقط, بل تتسع هذه الطاقات وتنمو. ومرة أخرى هذا النمو ليس خطا مستقيما صاعدا يمكن لمن تعودوا لمس ظاهر الأشياء ان يلمسوه بسهولة, ولكنه نمو ملتوي ومعقد, بسبب غياب الأداة الثورية بدرجة أساسية, القادرة على صهر هذه الطاقات وتغيير موازين القوى ورص صفوف الجماهير الكادحة كقوة تاريخية حاسمة قادرة على تحطيم العدو الطبقي.
إن البحث عن ميزات الحركة الجماهيرية في شروطها الموضوعية تلك, وليس بالنظر إلى شرط ذاتي لفئة هامشية عن الصراع الطبقي, هو ما يحدد تقييم الثوريين ويشكل القاعدة الصلبة التي تلهمهم واجباتهم الثورية تجاه الحركة الجماهيرية.
وإن الشكل الأساسي الذي سوف يتخذه نمو الحركة الجماهيرية, كما بدأت تبدو بوادرها لدى الطبقة العاملة في شهري ماي /يونيو, وبصفة خاصة لدى الفلاحين الفقراء وشبه البروليتاريا هو شكل التفجيرات العفوية, أمام تصاعد الإرهاب الشرس للنظام وعزمه على إجهاضها بالنار والدم, تهدد بمرحلة الركود التي أعقبت القمع الدموي في شوارع البيضاء في مارس 1965, إذ تقدم عنق الحركة الجماهيرية لمذابح النظام في ظل غياب الحزب الثوري الطليعي وقصور اليسار الثوري عن القيام بدوره الطليعي المنشود.
ولنحدد قبل كل شيء اتجاه الطريق بالنسبة لنا, إنه طريق تكثيف الإمكانيات المتواضعة مرحليا من أجل اكتساب مواقع ثابتة تمكننا من تنظيم وقيادة الحركة الجماهيرية للخروج من عفويتها قدر الإمكان, وذلك حتى نميز أنفسنا منذ البداية عن أولئك الذين اختاروا بمحض إرادتهم طريق مستنقعات العمل الداخلي, بالانزواء في الحلقات المغلقة المنتفخة بالثرثرة الداخلية على هامش الحركة الجماهيرية. إن تجاوز هذا النمو العفوي هو ما ينبغي أن يحدد مهماتنا بما يضمن للحركة الجماهيرية نموا مضطردا ومنتظما وتغيير موازين القوى تدريجيا لمصلحة هذا النمو, أي بما يطور ويحدد انبثاق الأداة الثورية الطليعية, إذ في هذا العمل الشاق والطويل تبلور وتنصهر الطليعة البروليتارية. فنحو هذه الواجبات ينبغي أن تتجه تحليلاتنا ومهماتنا, وليس إلى تنظير عزلة الحركة الماركسية-اللينينية وسحبها من الساحة, ووضعها في مصاف الفئات الضالة طبقيا, وذلك بتقليص مهماتنا الكفاحية الشاقة إلى مجرد مسألة تثقيف الأطر, واختزال مهمة بناء الحزب الثوري البروليتاري إلى عملية تثقيف مجموعة من العمال يفترض أنهم متقدمين (بالنقاش طبعا ما دامت المسألة في إطار خطة التراجع والانسحاب من النضالات الجماهيرية).
إن هذا التنظير اليميني المشبع بروح التعالي لدى المثقف البرجوازي الصغير الذي تقدمه نشرة "23 مارس" لمهام الحركة الماركسية-اللينينية في الوضع الراهن (إما أن تناضل الحركة الجماهيرية في عفويتها بعيدا عن تطور تأثير وفعالية الحركة الماركسية اللينينية في الوضع الراهن (إما أن تناضل الحركة الجماهيرية وفق رغباتها وإلا فإنها تسير في ردة يمينية), لا يمكنه إلا أن يترك الحركة الجماهيرية في عفويتها بعيدا عن تطور تأثير وفعالية الحركة الماركسية-اللينينية باعتبارها المرشح الوحيد للقيام بدور طليعي في تنظيم وتعبئة طاقات النضال الثوري لدى الحركة الجماهيرية, وتكريس هامشيتها والتهديد أيضا بإعطاء نفس جديد للسياسيين البرجوازيين الذين تنمو عزلتهم للوصاية على الحركة الجماهيرية. فمن الذي يسير وراء عفوية الحركة الجماهيرية, الذين يطرحون مهمات نضالية ملموسة لتجاوزها وسط النضال الجماهيري ذاته, أم الذين يكتفون بالإدانة الفكرية المجردة في الحلقات المغلقة لما يسمى بتكوين الأطر؟
إن وضعية القوى السياسية البرجوازية تؤكد صحة الطريق الذي نختاره. فاندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير(11) يزيد من تأكيد مسؤولياتنا التاريخية. ذلك الاندحار السياسي الذي أبرزته بشكل ساطع النهاية المفجعة للثورة المزعومة في 3 مارس ومحاكمة القنيطرة. ولا نقصد من طرح الاندحار بطبيعة الحال عملية الاجتثات الرهيب الذي يمارسه النظام ضد هذا الجناح وضد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية, بل نقصد به الاندحار السياسي لهذا الجناح كفصيل من الحركة الوطنية بحكم طبيعته الطبقية البرجوازية الصغيرة المغامرة والإصلاحية, الذي ليس إلا نتاجا لمرحلة تاريخية بأكملها من نمو الصراع الطبقي ببلادنا, من سماتها إفلاس البرجوازية الصغيرة الإصلاحية بأشكالها البرلمانية أو البلانكية في قيادة الحركة الجماهيرية والسير بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على طريق الانتصار(12).
وإن عملية النقد التي نمارسها ضرورية من أجل فرز الطريق الثوري السديد لدى جماهيرنا الكادحة, دون أن يسد ذلك الباب في وجه تطور مناضليه كفصيل من القوى الديمقراطية الثورية, ضد الخط الانقلابي نفسه.
أما بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل الملتصقة أكثر بمصالحها في الجهاز البيروقراطي, فإن الدور الذي تلعبه في تكسير نضالات الطبقة العاملة, وبوحشية بالغة تعادل القمع البوليسي الوحشي كما برز ذلك خلال نضالات الطبقة العاملة الأخيرة, يفضحها بشكل متزايد أمام جماهير العمال, وفي اتجاه سلبي في غياب الوعي البروليتاري. بينما تتآكل واجهاتها السياسية المتمثلة في الكمشة الطبقية الملتفة حول عبد الله إبراهيم. كما يتجلى هذا التآكل في انقلاب شاكر من خلال جريدته "الاتحاد الوطني". ويبقى الاتجاه العام لحزب الاستقلال هو السير نحو الالتحاق بالنظام الملكي الذي يبرز بصورة جلية هذه الأيام في الدرس الديني الذي ألقاه الزعيم المهترئ علال الفاسي أمام الحسن وختمه بالدعاوى له, وفي الحماس الكبير لصحافة الحزب لقرارات الحسن "بالساهمة" في المعركة. ويعكس هذا وذاك القلق العميق داخل البرجوازية المتوسطة التي يتقاسمها تناقض مصالحها الطبقية مع النظام الكمبرادوري من جهة والخوف من نمو الحركة الجماهيرية من جهة أخرى, فتجد نفسها مضطرة لتضييق مفهومها حول الملكية الدستورية إلى مجرد ملكية بدون دستور. وليست خطة النظام في تكسير هذه الأحزاب وتفتيتها بلغته المزدوجة تجاهها : الحوار والإرهاب, هي التي تدفعها إلى ذلك, بل انتهازية هذه الأحزاب التي يتزايد تعارض مصالحها الفئوية مع مصالح الطبقات الاجتماعية التي تمثلها سياسيا, وعجزها بسبب طبيعتها الطبقية عن التوفيق بين مصالح طبقاتها ومصالح النظام الكمبرادوري الذي يمارس تفتيتها.
هكذا تظل حركتنا الماركسية-اللينينية هي القوة الوحيدة المطروح عليها دور عظيم تجاه النمو العفوي للحركة الجماهيرية في ظل تعمق الشروط الموضوعية لأزمة النظام العميل وتجاه انحلال الأجهزة السياسية البرجوازية, بحكم خطها الكفاحي واسترشادها بالنظرية الثورية لأكثر الطبقات قدرة على مناقضة مصالح الطبقة الحاكمة وأسيادها الإمبرياليين. وتتجسد تلك المهام في شعارنا الرئيسي الصمود والالتحام بالجماهير الذي رفعته حركتنا منذ وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية" من أجل مواجهة النظام العميل وتوفير الشروط السياسية والتنظيمية لصمود الحركة الجماهيرية, وتطوير نضاليتها من النضال العفوي إلى النضال الدفاعي المنظم تمهيدا لتغيير ميزان القوى المختل لصالح النظام. على طريق بلورة الحزب البروليتاري الطليعي. وما يزال مطلوبا من منظمتنا إنجاز هذا الشعار وبلورته بحماس أكبر, وتجاوز ذلك الصمود العفوي الذي بدأت تمارسه الحركة الجماهيرية (نضالات العمال في شهري ماي/يونيو, خاصة نضالات النسيج). وينبغي أن لا نتمسك به كشعار عام, بل أن نعمل على تجسيده في مهام محددة في كل فترة محددة وفي كل مجال من مجالات العمل الثوري. إن شعار الصمود والارتباط بالجماهير يهدف تحديدا إلى بلورة شروط النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية, تمهيدا لتغيير ميزان القوى تدريجيا لمصلحة هجوم الحركة الجماهيرية مستقبلا, القادرة على تعميق أزمة النظام التي تتكاثف شروطها الموضوعية. وإن بلورة الصمود والارتباط بالجماهير في الفترة الراهنة من عملنا الثوري يجب أن يهدف إلى بلورة تلك الشروط. إن ترجمته العملية بتحديد أكثر في هذه الفترة بالنظر إلى سماتها التي بسطناها سابقا هي : تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية.
ذلك هو الشعار الذي يجب أن يلهمنا في تحديد وأداء مهماتنا الكفاحية بكل مستوياتها من أجل بلورة الصمود والارتباط بالجماهير نضاليا, تلك المهمات التي تهدف بالأساس إلى تمكين حركتنا من قيادة النضال الدفاعي لحركة الجماهير في مواجهة هجوم الحكم العميل الشرس على الحركة الجماهيرية, وضد الاستغلال المتعاظم, ومن أجل بلورة الشروط الذاتية لتنظيم عفوية الحركة الجماهيرية طبقا للإمكانيات المؤهلة لحركتنا حاليا, وذلك من أجل الوصول تدريجيا إلى تغيير ميزان القوى من أجل تعميق عزلة النظام وتعميق تناقضاته, والانتقال إلى النضال الهجومي مستقبلا وتوفير شروط مد ثوري جديد.
ولا علاقة هنا لهذا النهج الثوري السديد بذلك النهج الذي تذيعه نشرة "23 مارس" والذي يفصل بسور صيني بين مهماتنا النضالية الجماهيرية ومهمة التركيز على الطبقة العاملة. إن مهمة بناء الحزب الثوري البروليتاري هي تلك المسيرة التي ينخرط فيها اليسار بنضالات الطبقة العاملة ويعمل على قيادتها, ويعمل فيها على توفير أسس التحالف العمالي-الفلاحي, من خلال دمج الماركسية-اللينينية بواقع بلادنا الملموس, وهي مسيرة نضالية يعمل فيها اليسار على الانخراط في الكفاح الجماهيري بمختلف الأساليب ووفق خطط معينة في كل مرحلة من أجل الوصول إلى التأثير فيه وقيادته. وبهذا الطريق وحده يمكن للأطر البروليتارية أن تتبلور وللحزب الثوري أن ينشأ. في هذا الإطار نضع مهمة التركيز على الطبقة العاملة, وليس اختزال مهماتنا الصعبة في بناء الحزب الثوري كعملية تاريخية معقدة إلى درجة انتقاء مجموعة من العمال (وفق المقاييس المدرسية البرجوازية التي تغرم بها نشرة "23 مارس") وتثقيفهم بالنظرية الاشتراكية. ونبسط هنا بعض مهمات هذه الفترة في طريق إنجاز المهام التي طرحتها وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية", والتي ينبغي على كل رفيق أن يعمل على تجسيدها في واقعه المحدد واستنباط الأشكال الملائمة لتطبيقها بحماس.
- إن تصليب تنظيماتنا وتمتينها أمر حاسم في هذه الفترة, من أجل تقوية شروط الدفاع الذاتي لدى الجماهير, كما أكدنا على ذلك في وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية", فما يزال هذا العمل يتطلب المزيد من تكثيف الجهود. ونقصد هنا بالتنظيمات تلك التي تشكل محور الربط العضوي بين المنظمة والتنظيمات الجماهيرية التي نعمل داخلها والحركة الجماهيرية بصفة عامة, وفي مقدمة هذه التنظيمات اللجان الأساسية, ولجان النضال داخل القطاعات, وبدرجة أولى اللجان العمالية, من أجل تكثيف العمل الشاق لغرس جذور منظمتنا داخل الطبقة العاملة وبناء أسسها البروليتارية بدرجة مركزية. اعملوا إذن بمزيد من العزم والحماس على إحكام اللجان الموجودة, إضبطوا اجتماعاتها وبرامجها النضالية, كثفوا العمل الإيديولوجي بدون كلل, اجعلوا من "إلى الأمام" أداة تصليبها وتكوينها, إشحذوا عزيمة مناضليها بالحماس الثوري وارفعوا كفاءاتهم النظرية والعملية, حولوا اتصالاتهم المتفرقة إلى حلقات منتظمة واجعلوا من "إلى الأمام" وسيلة للوصول إلى ذلك.
وبهذا العمل وحده, وبإحكام اللجان الأساسية بدرجة أولى سترتبط المنظمة, المتقلصة العدد بالضرورة, ارتباطا عضويا وثيقا بالتنظيمات الجماهيرية المتنوعة (النقابة الوطنية للتلاميذ, الاتحاد الوطني لطلبة المغرب, الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين, النقابة العمالية, اللجان النقابية الموسعة, الحلقات...إلخ) والحركة الجماهيرية بصفة أعم. وحينما تتوفر المنظمة على قواعد صلبة ومتماسكة من المناضلين الطليعيين فإنها ستتوفر على قوى محركة لتنظيم النضال الدفاعي في القطاعات التي تتواجد فيها, وتوسع نطاق العمل الدعائي, وستتوفر أيضا على روافد من الدماء الجديدة التي تحتاج إليها المنظمة باستمرار. كما أن قمع الحكم وهجومه, كما أثبتت التجربة بالملموس, لا يمكن أن يصيب المنظمة المغلفة بحصن منيع من اللجان الأساسية ومجالس المناضلين القاعدية والصلبة... وأي حديث عن تكوين الأطر خارج هذه العلاقة العضوية بين المنظمة والتنظيمات الجماهيرية هو بمثابة جعجعة بلا طحين.
- أبرزنا دائما, ومنذ تقرير 20 نونبر الطبيعة الدعائية للمرحلة الراهنة. وأمام تزايد شروط انبثاق النضال العفوي الجماهيري من جهة, وتركيز الحكم لحملته الدعائية ضد الفكر الثوري من جهة أخرى, فإن تكثيف هذا العمل وتوسيعه أمر حيوي بالنسبة لحركتنا. فإذا كانت الشروط الموضوعية لغرس الإيديولوجية الفاشية وسط الطبقة العاملة وباقي الجماهير الكادحة تنعدم بالنسبة للحكم, فإن ذلك لا يكفي في حد ذاته, إذ أن العمل المكثف لحركتنا في ظل انعدام هذه الشروط الموضوعية هو الكفيل بإحباط هذه العملية. ولا تزال وسائلنا الدعائية قاصرة عن ذلك العمل الدعائي الجبار الذي يتطلبه الوضع الراهن, بالرغم من التقدم الذي تحرزه وسائلنا الدعائية و"إلى الأمام" بصفة خاصة. بيد أن ذلك غير كاف إطلاقا, فهو لا يمس إلا قطاعات ضيقة من الحركة الجماهيرية (الطلبة والتلاميذ على الخصوص), في حين لا تزال قطاعات واسعة من الطبقة العاملة ومناطق الصدام بعيدة عن تأثير دعايتنا.
- إن صياغة وطرح برنامج مطلبي عام للحركة الجماهيرية, وفي قطاعاتها الحيوية مهمة ينبغي الشروع فيها من أجل قيادة النضال الدفاعي, برنامج قادر على تشخيص مطامح الجماهير في هذه المرحلة وجمع طاقاتها نحو توسيع النضال الديمقراطي دفاعا عن المكتسبات التي حصلت عليها الحركة الجماهيرية في فترات سابقة, والتي يستهدفها الهجوم الشرس من طرف النظام العميل (الحريات الديمقراطية, مستوى المعيشة...). هذا البرنامج يستلهم البرنامج الديمقراطي الشعبي العام (برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية) وقادر على تطوير نضالية الحركة الجماهيرية نحو شن النضال السياسي العام ضد النظام, وقادر على كسب القوى الديمقراطية الثورية إلى صفنا. ولهذا فنحن نتفق مع تلك الملاحظة التي أبداها رفاقنا في الخارج حول انعدام برنامج نضالي مدقق لهذه المرحلة. ولكن ينبغي قبل كل شيء تحديد مضمون الثورة الديمقراطية الشعبية لكي نتمكن من وضع برنامج مرحلي. وحتى في القطاعات التي أحرزنا فيها على دور قيادي متقدم في نضالاتها (الطلبة والتلاميذ) لازلنا نفتقد إلى هذا البرنامج, رغم طرحنا لشعارات نضالية متقدمة (تعليم شعبي عربي ديمقراطي), الذي يربط نضالاتها بنضالات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.
- إن صياغة هذا البرنامج الديمقراطي الواسع عملية ضرورية من أجل تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية, إذ لا يجب الاكتفاء بشعارات عامة لا تلتصق بواقع الجماهير الملموس ومصالحها المادية, على طريقة البرجوازيين الصغار الذين يطرحون أفكارهم المجردة للجماهير التي يغرونها من قراءات منحرفة عن النضال السياسي والنضال الاقتصادي, وينعتون النضال الاقتصادي بالتخلف, منغلقين على ذواتهم, وتعاليهم في الحلقات المغلقة لتكوين الأطر, لا يريدون أن تتلوث نرجسيتهم البرجوازية الصغيرة بالنضالات المطلبية للجماهير. فلصياغة هذا البرنامج لا يكفي رفع المقولات النظرية وترديدها كالصلوات, بل من خلال المعايشة النضالية للشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحركة الجماهيرية. إن درجة معايشتنا لهذه الشروط حتى الآن لا تكفي للشروع في صياغة هذا البرنامج وطرحه في العمل الدعائي, وعلى القوى الديمقراطية.
- لا يكفي لتنظيم النضالات العفوية وتجاوزها مجرد إدانتها فكريا والابتعاد عنها, بل التواجد ضمنها وفق إمكانياتنا الذاتية وأينما توفرت الشروط, من أجل تنظيمها لمصلحة تقوية شروط النضال الدفاعي المنظم للحركة الجماهيرية وتمتين قوانا وتصليبها. ولهذا فإن خوض نضالات دفاعية جزئية أمر يفرضه واقع تطور النضال العفوي للحركة الجماهيرية وضرورة تنظيمه. وإن اختيار شروط ذلك وإيجاد الأشكال النضالية والشعارات المناسبة وتوحيد العمل مع كل القوى الديمقراطية المناضلة يخضع للشروط الملموسة لكل وضعية محددة. وهو الكفيل بتنظيم النضال الدفاعي وتوسيعه, ويمكن من السير قدما في بلورة شعار الصمود والارتباط بالجماهير.
- يقفز النضال الإيديولوجي والسياسي الحازم ضد الانحرافات المتواجدة داخل اليسار منذ شهر أبريل إلى صف المهام الأولية في هذه الفترة من أجل بناء منظمة ماركسية-لينينية واحدة. ذلك لأن وجه الصراع قد تغلب على وجه الاتفاق في مسيرة التوحيد, بحكم تطورات الوضع ببلادنا, فالاتفاقات التي بنيت سابقا على مجرد نقد الإصلاحية والتحريفية بواسطة طرح شعارات عامة, أصبحت مع نضوج شروط جديدة قاصرة عن أن تشكل اساس الوحدة الاندماجية, إذ فرضت هذه الشروط الجديدة على اليسار طرح مضامين هذه الشعارات بشكل أكثر تحديدا. ولا يمكن حل هذه التناقضات بمجرد اتفاقات سياسية مهزوزة بل يتطلب الأمر الصراع الديمقراطي الجماهيري المنظم, يمكن من مساهمة كل المناضلين الملتفين حول الحركة الماركسية-اللينينية في هذا الصراع, وهدفه الوصول إلى وحدة أمتن وعلى أسس أوضح, باعتبار أن الوحدة الاندماجية لا بد أن ترتكز على بناء خط ثوري سديد يستقطب حوله كل الماركسيين-اللينينيين المخلصين في منظمة ماركسية-لينينية واحدة. وهذا الصراع يتوجه بالدرجة الأولى ضد الانتهازية اليمينية الأكثر خطورة في المرحلة الراهنة, دون أن يغفل البحث عن أسس العمل المشترك على أساس قاعدة الصراع-الوحدة-الصراع.
- إن المهمة الرئيسية التي تشكل محور إنجاز هذه المهام يتمثل في تحقيق شعارنا الرئيسي المتبلور منذ "تقرير 20 نونبر" التاريخي : بناء منظمة ثورية طليعية, صلبة وراسخة جماهيريا. إذ أن توفر منظمة من هذا الطراز هو الكفيل بخلق القاعدة الصلبة لإنجاز مهام هذه الفترة في طريق إنجاز المهام التي طرحتها وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية". وبدون تصليب المنظمة وتقويتها, وبناء أسسها البروليتارية وتحويل أعضائها إلى شيوعيين عنيدين, وتوفير كل تلك الأسس التي أوردناها في "تقرير 20 نونبر", يستحيل إنجاز كل المهام المطلوبة والسير نحو بناء الحزب الثوري المنشود. ونحن ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أهمية توفر منظمة بتلك الشروط من أجل تهيئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية. وينبغي في هذا الإطار مواصلة بناء وتوسيع تلك النواة الأولى من المحترفين الثوريين التي تعتبر مكسبا عظيما لمنظمتنا لا ينبغي أن تفوتنا فرصة تثمينه, والرفع من مستوى صمود رفاقنا الذي تجلى هذه السنة بشكل قوي, كما هو بارز في مثال رفاقنا في محاكمة البيضاء, ورفاقنا الذين لا زال مصيرهم مجهولا. وإذا كانت شروط الوضع الراهن توفر الأسس الموضوعية للتراجعات في صفوف المتذبذبين, وهو ما يحدث الآن داخل المنظمة وبعض المناضلين, فإن ذلك يجب ان يدفع الرفاق المخلصين إلى المزيد من الصمود في عملهم اليومي والاحتفاظ بعزيمتهم الثورية حتى في أحلك الظروف. ومواصلة تكوين الأطر داخل المنظمة أمر مطلوب وإيجاد الأشكال الفعالة لذلك ثم توسيع وتعميق الدور المتزايد لجريدتنا المركزية "إلى الأمام" من أجل أن تلعب دورها في تعزيز روابط المنظمة بالحركة الجماهيرية, والعمل بصورة أساسية على استيعاب الحقيقة العامة للماركسية-اللينينية والإسهامات العظيمة للرفيق ماو تسي تونغ والرفاق الفيتناميين والتجارب الأممية ودمجها بواقعنا الملموس. هذه المهمات ضرورية لبناء تلك المنظمة التي يجب ان تشكل النواة المحركة والمؤطرة للحركة الجماهيرية والشرط الرئيسي لقيادة نضالها في هذه المرحلة الراهنة, لقيادة نضالها الدفاعي في المرحلة الراهنة ولنضالها الهجومي مستقبلا.
وبديهي أن صهر وتقوية تلك المنظمة المطلوبة –كما هو أمر حيوي- لا يمكن أن يتم إلا في مراحل العواصف الجماهيرية حين تنطلق الطاقات الكامنة لدى جماهيرنا الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة المغربية وأن ذلك العمل اليومي الصبور والمتواضع, ولربما الممل أحيانا بالنسبة لبعضنا, ضروري لكي تصبح منظمتنا في طليعتها. وبديهي أن هذا الاختيار صعب وشاق, أصعب ألف مرة من اختيار مستنقعات الانعزالية وحلقات تكوين الأطر, إلا أنه الاختيار الوحيد للثوريين الذين يسترشدون بالماركسية-اللينينية, ويحملون في عضويتهم الثقة في الجماهير وفي قدراتها الخلاقة حتى في أحلك شروط القمع الأسود الرهيب. وإذا ما فرض على حركتنا القليلة العدد التضحية بعدد من الأطر فلن يحيدها ذلك قيد شعرة عن ذلك الطريق الذي اختارته كحركة ماركسية-لينينية. فذلك هو اختيار النضال الوحيد, الاختيار الذي يصلب مناضلينا ويكسبهم مناعة صدامية, في ظروف يتكسر الزجاج ويتصلب الفولاذ. إن مناضلين منصهرين في هذه الشروط هم الذين يمكنهم الصمود في أحلك الظروف أفضل من أولئك الذين يتم تجميعهم في زمن السلم والذين سرعان ما ينهارون في الشروط القاسية حتى وإن أسميناهم أطرا. وصحيح أيضا أن حركتنا قليلة العدد, ولكن ذلك ليس حاسما من زاوية الشروط التاريخية لنشوئها, فإذا ما استطاعت أن تنتظم هذه الجماعة القليلة العدد "في شكل جيش صغير, ولكنه قوي وعنيد, ذي إرادة صلبة وعزيمة لا تقهر, يغير أشكاله النضالية بمرونة فائقة وفقا لتغييرات ظروف النضال, اليوم يقوم ببناء قواه ولحم صفوفه واستخراج الدروس من المعارك السابقة, وغدا يهاجم وفق شروط جديدة ويقاتل بشراسة وروعة", إذا تنظمت بهذه الطريقة فسيغدو بإمكانها أن تقوم ليس فقط بقيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية, بل وقيادة نضالها الهجومي مستقبلا, حين يغدو من مهام الجماهير مباشرة تحطيم هذه اللعنة الجاثمة على صدر شعبنا التي يمثلها النظام المتعفن القائم, من أجل أن تكون بلادنا المركز الغربي للثورة العربية الشاملة.
الكتابة الوطنية
في 20 أكتوبر 1973
هوامش
(1) نحن نميز بطبيعة الحال بين النظام الفاشي كنظام اجتماعي ذي جذور اجتماعية راسخة, وبين الجهاز الفاشي والأساليب الفاشية التي ينهجها النظام. ومن المضحك أن رفاقنا المشرفين على نشرة "23 مارس" سقطوا في فخ عدم التمييز هذا, في جدالهم معنا.
(2) أنظر دراسات "إلى الأمام", سلسلة "انحلال المجتمع المغربي في ظل نظام الاستعمار الجديد – 1 – المغربة : مرحلة جديدة في اندماج الطبقة الحاكمة بالإمبريالية الفرنسية".
(3) استجواب الطيبي بنهيمة في جريدة "لوموند" الباريزية, 30 غشت 1973.
(4) لم يكن بمقدور الذين يصدرون نشرة "23 مارس" أن يستوعبوا أن تناقضات الإمبريالية على المستوى الوطني هي جزء فقط من تناقضات الإمبريالية على المستوى العالمي في مرحلة أزمتها العامة, ولذلك راحوا يغترفون, بحذلقة بالغة, الأرقام الاقتصادية المشوهة من النشرة التجارية "لاماليف" لإثبات أن المصالح الاقتصادية للإمبرياليتين الفرنسية والأمريكية متساوية, وذلك بسبب منهجهم التقنوقراطي البرجوازي الصغير الذي يطمس وجود تناقضات في معسكر الإمبريالية على المستوى العالمي.
(5) "لوموند ديبلوماتيك", غشت 1973, عدد 223, ص 1 (خط التشديد من طرفنا).
(6) العلم عدد 480, 17 شتنبر 1973, ص 2.
(7) أنظر العدد السادس من "إلى الأمام" : "ماذا وراء مناورات الحسن العميل؟"
(8) أنظر نقدنا لهذه الأطروحة التي تروجها "23 مارس" في عددنا 11 من "إلى الأمام" في مقال : "بناء الحزب الثوري البروليتاري, بناء التحالف العمالي-الفلاحي, مسيرة واحدة".
(9) العلم عدد 4872, الأحد 10 شتنبر 1973, ص 4.
(10) جريدة الرأي (بالفرنسية) عدد 2977, السبت 20 أكتوبر 1973, ص 7.
(11) قامت نشرة "23 مارس" بعملية تشويه مفضوحة –كما هو الأمر في عدة قضايا أخرى- لقضية اندحار الجناح البلانكي البرجوازي الصغير التي طرحناها في وثيقة "الوضع الراهن..." عن طريق الخلط بين الاندحار السياسي للجناح البرجوازي الصغير كفئة سياسية متميزة وبين البرجوازية الصغيرة كطبقة اجتماعية, وعن طريق الخلط بين الاندحار بمفهومه السياسي والاندحار بمفهومه الحسي. وبهذه الطريقة الجبانة تمارس نشرة"23 مارس" الصراع داخل الحركة الماركسية.
(12) دون أن ينفي هذا بطبيعة الحال إمكانيات محاولات جديدة من نوع محاولات "حركة 3 مارس", وهذا ليس غريبا على طبيعته منذ 10 سنوات, ولن تكون أية محاولة جديدة إلا من نوع إصرار اليائسين على المقاومة حتى النهاية, إذ أنه كما يقول لينين : "من الصعب على من اختار هذا الطريق أن يقلع عنه نهائيا".
Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.