Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الأخيرة: الجزء الرابع: أبراهام السرفاتي و الأطروحات التحريفية الجديدة: الأطروحة الرابعة ــ 29 يونيو 2017

Pin it!

خ1.gif

لقد عمل الموقع طيلة أزيد من نصف السنة على نشر حلقات دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام": الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج"، وهي الحلقات التي تعرضت بالدراسة و التحليل و النقد لتاريخ عمل البعض على طمسه كليا و كأن لا وجود له، في حين عمل البعض الاخر على انتقاء ما يعتقد أنه به قد يحجب، من جهة، راهن إفلاسه السياسي و الإيديولوجي، و من جهة أخرى، قرابة أربعة عقود من التخلي و القطع مع الأسس السياسية و الإيديولوجية لمنظمة "إلى الأمام"، و خطها الاستراتيجي الثوري.

نضع اللحظة أمام كل المناضلين والقراء، اخر حلقة من دراسة "مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام" "، وهي حلقة الاطروحة الرابعة التي تحمل عنوان: "نظرية الاختراق الديمقراطي السرفاتية ــ الاختراق والاختراق المضاد"، وتتألف من جزئين، الأول بعنوان: " الاختراق الديمقراطي"، والثاني بعنوان: "الاختراق المضاد، السقوط والانبطاح"

 

 

 

 تنبيهسيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الرابع

الأطروحة الرابعة  

نظرية الاختراق الديموقراطي السرفاتية

الاختراق و الاختراق المضاد  

الجزء الأول: الاختراق الديموقراطي  

-1- تخبطات ما قبل النهاية

لعل خير ما نبدأ به هذا الجزء، مقتطفان من رسالة لأحد أقرب رفاق أبراهام السرفاتي إلى هذا الأخير، و قد هالته القفزات السياسية، التي ميزت مواقف أبراهام السرفاتي، في السنوات الأخيرة السابقة عن الرسالة.

يقول صاحب الرسالة، واصفا تلك القفزات، ما يلي:

"من ملكية بدون الحسن الثاني، مررنا إلى ملكية بدون إدريس البصري، ذلك الذي كنت تسميه من سنوات ليست بعيدة، الحسن الثاني جلاد تازممارت، أصبح "صاحب الجلالة الحسن الثاني"، "الخائن" الذي دشن الحرب ضد الشعب الصحراوي سنة 1976، عن طريق "القنبلة بالنابالم سكانا صحراويين مدنيين في الساقية الحمراء (مع إشارة الهامش يحيل كاتب الرسالة على كتاب للسرفاتي تحت عنوان "الحسن الثاني، حياة خائن" -1986-).

بعد تعويض الحسن الثاني بإدريس البصري، الذي أصبح الهدف الأساسي لحملات السرفاتي السياسية، دخل هذا الأخير في تناقضات مع تصريحاته السابقة، من قبيل نص نشره في مارس 1992، يقول فيه :

"كل المعارضين المبدئيين، يعرفون أن مثل هذا الهدف (هدف الديموقراطية و بناء دولة القانون)، متعارض مع إبقاء الحسن الثاني في السلطة، ليس فقط لكون هذا الرجل، لا يمكن أن يتغير، بل من المعروف أن رئيس المافيا يكون مرتبطا بمافياته . بإمكانه تصفية هذا أو ذاك من أعوانه، كما فعل مع الدليمي، وبالإمكان ومن الممكن، أن يقوم به غدا مع إدريس البصري، لكنه لا يمكنه التخلص من المافيا نفسها".

تعددت التصريحات، و تغيرت المواقف بسرعة كبيرة، وتبدلت المصطلحات بسرعة أكبر، حد أن حكومة اليوسفي، اعتبرت من طرفه حكومة "وسط يسار" لحد إطلاقه شعار "اليوسفي أو الفوضى". كان أبراهام السرفاتي، يسير بسرعة كبيرة نحو الإفلاس السياسي التام.

قبل ذلك، أسس لمساره الجديد خطوة خطوة، لقد كان هذا التأسيس لمساره السياسي الجديد تدريجيا، منذ 1979، بل و قبل ذلك.

لقد حمل السرفاتي معه بذور ذلك التحول، في الفترة الممتدة بين مارس 1977 ويناير 1979، لكن تلك البذور ظلت انحرافات جزئية، ضمن خط سياسي ثوري.

تنقسم أهم المراجع التي تؤرخ لهذه التحولات، إلى كتابات، إما نظرية، و إما كتابات سياسية، و منها: -

"تأملات نظرية" (مجلة إلى الأمام، عدد 7، باريس، شتنبر1993).

-"انبثاق المجتمع المدني في السياسي في زمن الحداثة" (محاضرة ألقاها أبراهام السرفاتي في 11 –12 – 95 ببروكسيل).

-"مغرب 98: من الاستبداد إلى الديموقراتورية"، أبريل 1998.

-"الانتقال إلى الديموقراتوية في المغرب، و الأشكال الجديدة للعمل السوسيوسياسي" ، نونبر 1996.

-"استجواب مع الرفيق أبراهام السرفاتي"، أجرته مجلة "إلى الأمام" في أوائل مارس1992 (مجلة "إلى الأمام" عدد 1، أبريل 1992).

- البيان الصادر عن منظمة "إلى الأمام" ، بمناسبة الذكرى 22 لتأسيس منظمة "إلى الأمام" المغربية (مجلة "إلى الأمام"، عدد 8، شتنبر 1993).

- انظر كذلك رسالة س. ب إلى أبراهام السرفاتي ، 4 -5 -98.

- "الفاعلون الاجتماعيو- سياسيين الجدد في الجنوب" (مقاربة نظرية و تجربة مغربية)، و هذا النص، سيتحول عنوانه النهائي إلى : "الانتقال إلى الديموقراتورية..."

قبل السقوط النهائي، قام أبراهام السرفاتي ،و على مراحل، بالتخلي عن كل الأطروحات الإديولوجية و السياسية المؤسسة للحملم و لمنظمة "إلى الأمام". و لأن الطبيعة تكره الفراغ، فقد قام بمحاولات لملإ ذلك الفراغ، بأطروحات جديدة على طريق السقوط النهائي، و وجد ضالته في مفهوم فضفاض ل "النضال الديموقراطي"، صاحبه على المستوى النظري و الاستراتيجي و الشعاراتي بتصورات جديدة ، تصب كلها، فيما يمكن أن نطلق عليه "نظرية الإختراق الديموقراطي".  

-2- نظرية الاختراق الديموقراطي:

لعل البيان الذي أصدره التحريفيون الجدد، بمناسبة الذكرى 22 لتأسيس منظمة "إلى الأمام"، حيث تظهر اللمسات السرفاتية فيه واضحة، وثيقة رسمية تؤرخ لبداية مرحلة ما قبل السقوط النهائي، لدى ابراهام السرفاتي، و مريديه من تحريفيين جدد.

جاء في بيان الذكرى 22 : "إن القوى الثورية و الجذرية، استخلاصا منها للدروس من انسداد الطرق لسنوات الستينات و السبعينات، تعلمت أن تدمج النضال السياسي من أجل هدف مرحلي في استراتيجيتها. و هذا صحيح بالنسبة للمناضلين الذين وضعوا منذ نهاية السبعينات، و طيلة الثمانينات أسس حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، و هذا أيضا بالنسبة لمنظمتنا "إلى الأمام" و التي استطاعت منذ الثمانينات، رغم ظروف القمع القاسية، أن تتجاوز تصورات السبعينات، التي كانت ترتكز على نظرة مثالية للاستراتيجية الثورية المغربية، لتتعلم دمج النضال الديموقراطي في مسلسل إنضاج شروط الثورة".

و لطمأنة المناضلين المغاربة حول عدم تخلي المنظمة عن خطها، جاء في البيان:

"إن منظمتنا تبقى مخلصة لدروس لينين، و للماركسية الحية، معتبرة أن الثورة المغربية سيرورة متواصلة عبر مراحل مندمجة بعضها ببعض".

و بعد هذه الطمأنة الزائفة (نعلم جيدا كم هي كاذبة)، يتم الإعلان عن مفهوم "الاختراق الديموقراطي"، كتصور نظري و استراتيجي، يقول البيان :

- حول الإختراق الديموقراطي:

"إن النضال الديموقراطي مهمة رئيسية في الفترة الراهنة. لكن في إطار هذا النضال الديموقراطي نفسه، الذي يهدف إلى انتزاع اختراق ديموقراطي..."

و بطبيعة الحال، كان من الطبيعي، أن يختار التحريفيون الجدد شعارا مركزيا لهذا الاختراق الديموقراطي المزعوم، فوجدوا ضالتهم في شعار"المجلس التأسيسي"، و مما جاء في البيان حول الموضوع:

- المجلس التأسيسي:

"إن هذه الاتجاهات الجذرية، تركز اليوم جهودها ،على فضح أي إصلاح دستوري ممنوح، الذي لا يمكنه إلا أن يكون كاريكاتورا للديموقراطية، و تصر على أن الدستور يجب أن يعد من مجلس تأسيسي منتخب و منبثق من الشعب".

أما الهدف المركزي للمرحلة، فهو دستور يعده مجلس تأسيسي منتخب . ثم هناك رهان على الكنفدرالة الديموقراطية للشغل، كقوة أساسية لتحقيق الشعار.

- الهدف المركزي في المرحلة الحالية:

"إن هذا الطريق ممكن ... إنه لواضح أن هذا الطريق لا يمكن أن يؤدي إلى الانتصار، بدون نضال الجماهير الشعبية، و الكادحة منها، بالدرجة الأولى. من هنا الدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه ك. د.ش في هذا المسلسل، إذا ما استطاعت أن تستقل بنضالها عن الأحزاب السياسية. و هذا ما سيسمح لها بالخصوص، بأن تساهم بصفة حاسمة في بناء الوحدة النضالية للطبقة العاملة، بما في ذلك، مع القوى المناضلة في الاتحاد المغربي للشغل".

يظهر أن البيان، كان يبحث عن قوى سياسية، ستنجز الهدف المركزي للمرحلة المتكلم عنها، أي دستور يعده مجلس تأسيسي.

هكذا تم الرهان على دور حاسم مزعوم ل ك د ش، من أجل تحقيق ذلك الهدف المركزي، بعدما طالبها البيان بالابتعاد عن الأحزاب السياسية، و أوهمنا كذلك بوجود قوى جدرية قادرة على إنجاز ذلك، متمثلة في حزب الطليعة، و اتجاه المواطنة، و "إلى الأمام"، و بالإمكان إضافة الشبيبة الاتحادية، و اتجاه نوبير الأموي.

و في محاضرة له تحت عنوان "انبثاق المجتمع المدني في السياسي في زمن الحداثة"، حيث التأسيس لمفهوم الحداثة، و جوهرها، و رفض الجواب "الجمعي" (كولكتفيست) الذي كان قد فشل، و قبل ذلك كان قد حجب عنا الحداثة، و جوهرها القائم على الفرد الخلاق، ثم ، و بعد رفض مفهوم الحزب الثوري، و الرهان على دور المجتمع المدني، و ما أسماه بالأنوية الثورية، المنبثقة عن هذا الأخير، قدم السرفاتي مفاهيمه حول سياسة الإئتلافات (انظر الفقرات الواردة سابقا)، و هو هنا يتخلى بشكل واضح،عما طمأن به المناضلين، في بيان الذكرى 22:

"إن منظمتنا تبقى مخلصة لدروس لينين و للماركسية الحية، معتبرة أن الثورة المغربية سيرورة متواصلة عبر مراحل مندمجة بعضها ببعض".

بين سنتي 1992 و1995، تم التخلي نهائيا عن استراتيجية الثورة المتواصلة عبر مراحل، التي كانت تشكل عماد الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، لصالح استراتيجية الإختراق الديموقراطي، القائمة على ما يسمى بالإئتلافات المتتالية بحسب الظرفية الملموسة، و حسب الفترات، و على قاعدة تنظيمات مؤقتة، تحل نفسها باستمرار، و تعيد بناء نفسها، حسب كل ظرفية أو فترة.

لقد سدد السرفاتي الضربة الأخيرة لمفهوم الاستراتيجية الثورية بشكل واضح و جلي، و قد أسس لها نظريا من خلال رفض مفهوم الثورة اللينيني، لصالح مفهوم يقوم على دور للمجتمع المدني، و لقوى سياسية لا يتعدى سقف نضالها الطابع الديموقراطي، مثال : الأنوية الثورية – انظر التحليل أعلاه-

و قام أبراهام السرفاتي في نفس الوقت، و في أماكن أخرى، بمدح الفوضوية، لأنها لم تجعل من الإستيلاء على السلطة هدفا مركزيا للعمل السياسي.

إن هذا التأسيس، سينجم عنه تغيير في العديد من المواقف السياسية، التي ستتدحرج من موقف واضح من الملكية، إلى قبول بها و التعايش معها، قبل أن يصبح الموقف، دعوة صريحة لقيادتها للنضال من أجل الحداثة و الديموقراطية و دولة الحق و القانون.

في قلب هذا التحول، و هذا الانعطاف (رجوع إلى الوراء)، سيبرز المفهوم السرفاتي الجديد، حول ما أسماه بالديموقراتورية، التي انبنت في المغرب، في الفترة الممتدة بين 1995 و1998.

في مقاله "من الاستبداد إلى الديموقراتورية"، سيعتبر السرفاتي تشكيل حكومة اليوسفي، اختراقا بارزا (واضحا، ملحوظا)، فأطلق على تلك الحكومة صفة "حكومة وسط - يسار" الذي - حسب زعمه - ينطبق على الأغلبية داخل مجلس النواب، المنبثقة عن الاقتراع العام المباشر، الذي لم يحصل منذ 34 سنة، و يعني به انتخابات 14 نونبر 1997.

لقد بدأ المغرب، حسب السرفاتي يخرج من الإرهاب، منذ 1986. و استمر هذا الوضع إلى سنة 1991، وابتداءا من 1992، انتقل المغرب إلى مرحلة جديدة، أطلق عليها منظر التحريفية الجديدة اسم "الديموقراتورية"، أي حالة بين – بين: بين الدكتاتورية و الديموقراطية، و بمعنى آخر منتصف الطريق.

لقد أصبحت المقاربة السرفاتية للديموقراطية شبيهة بالمقاربة الكاوتسكية، أي تناول للمفهوم، خارج النظرة الطبقية للماركسية.

سيرفع السرفاتي شعاره الشهير: "اليوسفي أو الفوضى"، و سيسلط نقده اللاذع على القوى الجذرية، التي لم تساند حكومة عبد الرحمان اليوسفي. يقول السرفاتي:

"في الأسابيع التي شكل فيها حكومته، حاول اليوسفي وحده إبراز هذا التقدم الديموقراطي ". "لكن التيارات الجذرية رفضت الدستور بالجملة، حارمة إياه من دعمها في هذا المجهود، و وحده سيطر التأويل المخزني، الذي انحنى أمامه عبد الرحمان اليوسفي"

"... إن هاته التيارات الجدرية، لم تفهم أن الإستراتيجية الوحيدة، من أجل تغيير جذري في المغرب، - التي تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الإبقاء على وحدة القوى الديموقراطية، و بدون ذلك يقع التنازل لللإسلاميين – هي العمل انطلاقا من هذا الدستور، حتى تفجير تناقضاته، و فرض دستور ديموقراطي حقيقي، منبثق من المجلس التأسيسي...".

في عام 1994، حسب السرفاتي، انتقل المغرب إلى الديموقراتورية، و يقول في هذا الصدد :"تراجع الخوف و تفتح المجتمع المدني و تعززت المعارضة و تم عزل النظام".

هكذا اعتبر أبراهام السرفاتي دستور97 :

"ان هذا الدستور هو بذلك دستور ل"ديموقراتورية"، ليس فقط دستور مخزن، إنه يسمح، في ظل الوضع الحالي لموازين القوى في المغرب، بنضال موحد للقوى الديموقراطية.

و رأى السرفاتي في "رؤياه"!! أن موازين القوى بدأت تنتقل لصالح قوى الديموقراطية، و ذلك من خلال استشهاده بإضراب 1990، و انتفاضة فاس، و بني مكادة في طنجة، و بمسيرة 700 ألف مغربي بالرباط، يوم 3 فبراير 1991 لمساندة العراق، ثم إطلاق آخر معتقلي سجن القنيطرة في غشت 1991 و يناير 1992، ثم إغلاق معتقل تازمامارت في 15- 9 – 91.

بمسلسل الاختراق الديموقراطي، و علاقته بالأنوية الثورية، قدم السرفاتي الجواب من خلال رده على سؤال : لماذا تنظيم ثوري يعني "الأنوية الثورية"، و سيقوم كذلك عبر الجواب بتوضيح معنى "ثوري".

"نقول و يقول كل المناضلين الديموقراطيين و التقدميين المغاربة "ديموقراطية حقيقية". في الحقيقة تتحدد هذه الديموقراطية أكثر بالسلب،أي نهاية نظام السلطة المخزنية،لكن، بما يتعلق الأمر بعد ذلك؟ ماهي الديموقراطية الحقيقية؟

بإمكان جميع المناضلين تبني شعار سيادة الشعب، لكن كيف تمارس بالملموس؟ و حتى اصطلاح فصل السلط عندما يستعمل كشعار مركزي يفسح المجال أمام مساومة مفتعلة مع الحكم المخزني: احتفظوا بالسلطة التنفيذية لكن اتركوا لنا التشريعية، هذا دون أن يتم حتى الإشارة إلى السلطة القضائية، بل حتى شعارالمجلس التأسيسي الذي هو أكثر بكثير جذرية و انسجاما من سابقه غير خال من الغموضات و الإحتواءات الكاملة.

ليس فقط حول مسألة من سيستدعي انتخابات مثل هذا المجلس إذا ما ظل المخزن قائما. و لكون هذا الشعار(المجلس التأسيسي) يظل حسب حدود الديموقراطية التمثيلية (البرلمانية) التي حللها ماركس منذ أولى كتاباته"

لذلك فإن مفهوم مؤتمر الشعب التأسيسي المركز على الديموقراطية المباشرة هو أكثر انفتاحا على دينامية اجتماعية ثورية تشق الطريق لمسلسل إزاحة سلطة المخزن من طرف الشعب".

هنا لب نظرية"الإختراق الديموقراطي" كاستراتيجية و تاكتيك لذى التحريفيين الجدد، و مهما اختلفت الصياغات فكل التحريفيين المغاربة الجدد ينهلون منها،و قد لعب ابراهام السرفاتي دورا بارزا في بلورتها،و منذ ذلك انتقل التحريفيون الجدد من نظرية "الغموض الإستراتيجي" إلى نظرية "الإختراق الديموقراطي" الإصلاحية و التحريفية.

3) الديموقراتورية و المسلسل الديموقراطي

في سياق مساره التحريفي الجديد، و في محاولاته لتحطيم المبادئ و المفاهيم الأساسية للفكر الماركسي ــ اللينيني، لجأ أبراهام السرفاتي، إلى استعمال العديد من المصطلحات، و المفاهيم، من بينها مفهوم "الديموقراتورية".

من خلال هذا المفهوم، حاول أبراهام السرفاتي، توجيه ضربة أساسية لمفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية من كل الجوانب، فهو يسمح بالسير في اتجاه، ثم الانحراف في اتجاه آخر،مع فقدان الجاذبية :

- بعد التخلي عن مفهوم الدولة الكمبرادورية، و سلطتها السياسية، باعتبارها نظاما دكتاتوريا، و إقتراح مفهوم غير علمي لنظام هو بين – بين، يجمع بين الديموقراطية و الدكتاتورية، نظام تصبح فيه، أي استراتيجية، قائمة على مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، ملغاة، ذلك أن المفهوم الجديد، قد وجه الضربة إلى حلقة أساسية في هذه الاستراتيجية، ألا و هي الديموقراطية.

هكذا انكسرت إحدى الحلقات المكونة لهذه الاستراتيجية إلى نصفين، سيسمحان للتحريفيين الجدد، بفصل النضال الديموقراطي، عن النضال من أجل السلطة الثورية للشعب، المشكلة من الطبقات الوطنية (عمال، فلاحون، بورجوازية الصغيرة، بورجوازية وطنية) بقيادة البروليتاريا و حزبها الثوري الماركسي ــ اللينيني، ذلك أن هذا الطرح، يفصل النضال من أجل مجتمع ديموقراطي، عن البعد الوطني لهذا النضال ضد الامبريالية، و عن البعد الشعبي، باعتبار أن هدفه هو السلطة الشعبية، و عمادها الأساسي التحالف العمالي ــ الفلاحي، و القيادة السياسية للجبهة الثورية الموحدة. فمادام النظام قد دخل مرحلة انتقالية نحو الديموقراطية، فلا يعقل أن يعرقل هذا المسار بتصور ثوري للسلطة، بل تدعيم ميزان القوى عبر الضغط السلمي، و بالتحالف مع القوى الديموقراطية الإصلاحية، و التركيز عليها، لتحقيق هذه الديموقراطية المنشودة، و التي لن تعدو في آخر المطاف، أن تكون ديموقراطية للبرجوازية الكمبرادورية المتحالفة مع فئات من البرجوازية المتوسطة، تحت رعاية، و مساعدة، و حماية القوى الامبريالية.

إن هذا الطرح، يجعل الانخراط في المرحلة الانتقالية، هي أولى الأولويات، الشيئ الذي يطرح ضرورة تبني خط النضال السلمي، و هو ما سار عليه تلامذة أبراهام السرفاتي، و قد ذهب هذا الأخير بمواقفه المتخاذلة بعيدا، حد الدعوة إلى تسليم قيادة المرحلة لملك البلاد، رأس النظام الكمبرادوري.

- يتضح مما سبق، أن صاحب النظام الديموقراتوري بالمغرب، قد تخلى نهائيا عن الجوهري في الفكر الماركسي ــ اللينيني :

* قيادة البرولتاريا و حزبها للثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية.

* معاصرة الثورة الديموقراطية في البلدان التابعة للمرحلة الامبريالية، و ضرورة ترابط المراحل الثورية، من خلال استراتيجية الثورة المتواصلة عبر مراحل، إنه سقوط في منشفية "عالم ثالثية" كاريكاتورية، خاصة في زمن استحالة الثورة الديموقراطية بقيادة البرجوازية، التي تجاوزها أبراهام السرفاتي إلى أطروحة إصلاحية، تبني مفهوم الانتقال الديموقراطي السلمي، بتحالف و بدعم لشرائح من البرجوازية الإصلاحية، بل،و حتى من فئات متنورة داخل الكتلة الطبقية السائدة.

و ليكتمل المشهد، تحتاج هذه الاستراتيجية الإصلاحية الجديدة، إلى تكتيكات جديدة تجعل من القوى الإصلاحية و البورجوازية رأس الرمح في التغيير الديموقراطي المنتظر، و ما الجماهير الشعبية، إلا كتلة لدعم هذا التحول نحو الديموقراطية، بطريقة "سلمية حضارية" (على الطريقة السرفاتية)، و بذلك برز خط النضال السلمي، الذي تبناه السرفاتي، كما تبناه تلامذته.  

4) الديموقراطية و الموقف من النظام.  

من المعروف في علم الاستراتيجية الثورية، أن الموقف من النظام يعتبر نقطة محورية، لكون الاستيلاء على السلطة، هو الهدف الأساسي لكل ثورة حقيقية، و هو قانون تؤكده جميع الثورات التاريخية الأساسية، من الثورة الانجليزية إلى الثورات الفرنسية، و البلشفية، و ثورات التحرر الوطني في بلدان المستعمرات و شبه المستعمرات.

إن تغيير طبيعة النظام، من دكتاتورية إلى نصف دكتاتورية و نصف ديموقراطية، ضمن ما يسميه السرفاتي، انتقال المغرب من الأسود (الدكتاتورية) إلى الرمادي (الديموقراتورية)، في انتظار أن ينجلي الأبيض ناصعا شفافا، بسقوط نصف الدكتاتورية ،هنا تصبح السياسة هي إيجاد الأسلوب الأنجع، لإسقاط ذلك النصف الدكتاتوري،وت حقيق الديموقراطية (البرجوازية هنا، طبعا)، و لذلك يتم إبداع استراتيجية للنضال الديموقراطي، ذي طبيعة إصلاحية، فليس هناك حاجة لثورة، أو حاجة لتغيير جهاز الدولة، بل تغيير للنظام المخزني، بما يعني الفصل بين الأجهزة الطبقية للدولة، و بين السلطة السياسية، و هو الشئ الذي أصبحت الامبريالية متخصصة فيه، في إطار استراتيجيتها الإستباقية للحد من الزحف الجماهيري على السلطة الحقيقية.

و مما يسهل لعبتها القذرة، سقوط أغلب قوى اليسار العربي، و المغاربي، في استراتيجية" النضال الديموقراطي"، مع إبعاد البعد الوطني المعادي للامبريالية، و البعد الشعبي، الذي يؤسس لكل ثورة ديموقراطية حقيقية، تخدم المصالح الاستراتيجية للشعوب، بدل لعبة ديموقراطية الصناديق، و الاقتراع العام لأحزاب و قوى متنافسة، الغالب فيها يكون ممولا و مدعما من النظام، و دول رجعية، تعتمد على الريع البترولي، لدعم حركات سلفية و إسلامية تشكل جدارا منيعا ضد أي تحول ديموقراطي حقيقي، الذي لن يكون إلا على حساب المصالح الاقتصادية و الاستراتيجية للامبريالية و الكمبرادورية.

و من المؤسف، أن أغلبية المثقفين و اليساريين قدسقطوا في هذه اللعبة، و هم اليوم يكتشفون (نعني المخلصين منهم) بمرارة، طبيعة هذا الربيع العربي المزيف، الذي ليس إلا خريفا إسلاميا ظلاميا. إن مفهوم الديموقراتورية في عمقه، ينزع عن النظام طبيعته الكمبرادورية، و يؤسس لإمكانية التعايش معه في إطار لعبة ديموقراطية مشوهة و جوفاء.

إذن، فالمفهوم الجديد للتحريفيين، قد وجه ضربة لمفهوم الديموقراطية بمعناه الماركسي ــ اللينيني، فهو يشطر النظام إلى نصفين، ديموقراطي و دكتاتوري، و من تمة القضاء على الطرح الإستراتيجي للماركسيين ــ اللينينيين، بإفراغه من أي مضمون ديموقراطي، شعبي،و ثوري، و لذلك سبق للتحريفيين الأوائل داخل الحملم، في السبعينات، بلورة "مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية و الشعبية" بدل الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية (بدون واو العطف)، أما نظراؤهم الحاليون، فقد وجدوا ضالتهم في مفهوم النضال من أجل التحرر الوطني و الديموقراطية و الاشتراكية، في سياق أسلوب النضال السلمي، و التغيير الديموقراطي و الاشتراكي، عبر صناديق الاقتراع.  

5) الديموقراطية، و الأحزاب السياسية الإصلاحية، و سياسة التحالفات.  

بتغيير طبيعة النظام، و شطره إلى شطرين، يصل التحريفيون الجدد إلى اكتشاف مفاده، أن داخل النظام نفسه يوجد ديموقراطيون ( و هنا نجد أنفسنا أمام المقولات المشهورة، للقوى الإصلاحية المغربية، حول ما يسمى بخصوم الديموقراطية داخل أجهزة الدولة المخزنية)، و بذلك سيلجؤون باستمرار، إلى ملئ الكراسي الوزارية و البرلمانية و مؤسسات الدولة الشاغرة، لدعم القوى و الاتجاهات الديموقراطية داخل الدولة، و قد سبق لمنظمة العمل الديموقراطيي الشعبي، بعد مخاض طويل، تعرضت له منظمة "23مارس"، أن أفرزت شعارها الشهير: دمقرطة الدولة، و دمقرطة المجتمع....

أما أنصار الديموقراتورية، الظاهر منهم، و المستتر وراء شعارات فارغة من أي مضمون، فقد طبخوا شعارات لا تختلف من حيث الجوهر، تؤكد على ما تسميه بمهمة المرحلة: "النضال من أجل دستور ديموقراطي شعبي، و إسقاط النظام المخزني...".

على قاعدة هذه التصورات، تنبني التحالفات، و تحل حسب الظروف و الفترات، و لنا في تجربة "حركة 20 فبراير"نتائج كثيرة، لما تم تغييب الشعارات المعادية للامبريالية، و الابتعاد، بل و مواجهة أي طرح يعيد النظر في طبيعة النظام الطبقية و الاقتصادية و السياسية ، و التركيز على رموز الفساد.

إن جوهر كل التحالفات السياسية التي لا تقوم على أي طرح استراتيجي لتغيير طبيعة النظام، تسقط في وهم إصلاحات ترقيعية تعطي لبعض الفئات من البرجوازية الصغيرة و المتوسطة، و من النخب السياسية التائهة وراء السراب، إمكانية ولوج المؤسسات السياسية للنظام، و تنمية مشاريعها المقاولاتية، التي تتعرض، بحكم السياسات الاقتصادية و المالية الكمبرادورية، لضربات مستمرة في ظل الاستراتيجيات الامبريالية، لما يسمى بالعولمة، التي لا يرى الأغلبية منهم في الاندماج فيها أية غضاضة،و خير دليل على ذلك، تغييبهم لأي طرح وطني معادي للامبريالية، على المستوى الاقتصادي و السياسي، و وهمهم حول إمكانية تحقيق التنمية، في إطار التبعية للامبريالية، تلك التنمية التي تقوم على مجرد إيجاد استثمارات إمبريالية، لتوفير فرص الشغل، و الحد من أزمة البطالة، و يا لها من تنمية تأخذ و لا تعطي، بل لا تبقي و لا تذر، و لا تسمن و لا تغني من جوع على المدى البعيد ،لأنها لا تنمي ثروات البلاد الحقيقية بل تنزفها عبر النهب و الإستحواذ على فائض القيمة.  

6)الديموقراتورية و رفض العمل السياسي من منظور لينيني

ليس من قبيل الصدفة، أن يعلن التحريفيون الجدد، بزعامة أبراهام السرفاتي، عن تخليهم سنة 1993، عن المفهوم اللينيني للحزب الثوري، كما لم يكن من قبيل الصدفة، أيضا، إعلانهم عن دخول المغرب مرحلة الديموقراتورية، ابتداءا من العفو شبه الشامل ليوليوز 1994.

لقد كان العمل قائما على امتداد سنوات التسعينات، من أجل تأسيس منظور "جديد" للعمل السياسي ، عبر الهجوم على المفهوم اللينيني للثورة، و النظرية الثورية للحزب الثوري، و على المشروع التاريخي للطبقة العاملة، كقاعدة أساسية للمنظور الماركسي ــ اللينيني للسياسة، هذا إضافة إلى الهجوم على مفهوم دكتاتورية البروليتاريا، و التخلي عن المنظور الطبقي الماركسي للدولة، لصالح منظور ليبرالي.

و قد قامت هذه المراجعات التحريفية، على إعادة قراءة للتاريخ، يطبعها التأكيد على مفهوم الحداثة، و دور الفرد الخلاق.

هكذا حدد أبراهام السرفاتي، مفهوما فلسفيا و تاريخيا، كإطار عام لفهمه للعمل السياسي، يقول أبراهام السرفاتي:

"إن جوهر الحداثة، الذي ظهر مموها في هذا القرن، بالنجاح الظاهر للجواب الجماعي (كوليكتيفيست) على المجتمع الرأسمالي (كانت انتفاضة لبزيغ في اكتوبر 1989 مقدمة لسقوط جدار برلين)، هو انبثاق الفرد ....". ويرى أبراهام السرفاتي، أن سيرورة الحداثة، التي ابتدأت منذ قرون، فهي اليوم تتأكد أكثر بقوة على صعيد الأرض، تحت تأثير قوتين محركتين أساسيتين متلاقيتين:

- أولهما، تأثير الثورة المعلوماتية، التي جعلت الإبداع في متناول الجميع حتى داخل المجالات التكنولوجية، التي كانت مخصصة إلى حد الآن لمالكي الرأسمال.

- ثانيهما ، تحرر النساء الذي فتح الطريق نحو تفتح الذاتية الخلاقة للنساء و الرجال، الشيء الذي لم يكن معروفا من قبل.

و في كل الأحوال، يؤكد أبراهام السرفاتي، على ما يلي:

" ذلك أن هذا الانبثاق ،هو انبثاق الفرد الخلاق. نحن من جوهر إلاهي، و نمتلك قدرة الخلق".

بهذا المنظور التاريخي التحريفي، أخذ أبراهام السرفاتي، موقعه داخل الصف البرجوازي العالمي، لحد أن اصبحت الثورات الاشتراكية في القرن 20، مجرد قوس فتحه التاريخ، ما لبث أن أغلقه، لتستأنف الحداثة مسارها الطبيعي، و ليحتل الفرد الخلاق، موقعه الأساسي كجوهر لهذه الحداثة.

نحن هنا، خارج المنظور الماركسي للتاريخ، و نعوم في منظور ماضوي، رجعي، لما يسمى بالحداثة المنبثقة، من عقالها، الذي وضعته لها الاشتراكية، و بهذا المعنى التحق السرفاتي بمفهوم نهاية التاريخ، لصاحبه فوكوياما، الذي اعتبر أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، الشئ الذي كذبته الحقائق التاريخية على الأرض.

هكذا تخلى أبراهام السرفاتي عن الأفق الشيوعي للثورة العالمية، وأصبح الهدف الأساسي للبشرية لديه، يكمن في:

".. انبثاق الفرد و كل الأفراد، ليس ضد أو بدون الآخرين، بل مع الآخرين، متضامنا مع الآخرين، هو انبثاق للفرد المتجذر في هويته، و متجاوز لها في الكوني".

لقد عدنا هنا، إلى المفاهيم اللبرالية حول المجتمع المتناغم، و حول الأفراد الخلاقين، و حول المجتمع المتوازن، المتمحور حول تفتح الأفراد، إنها العودة إلى حقل الإديولوجيا المثالية البورجوازية، و البورجوازية الصغيرة.

بعد الهجوم، و التخلي، عن المفهوم اللينيني للحزب الثوري، بدأ السرفاتي، يسوق مفاهيمه الجديدة، و في مقدمتها إعطاء الأولوية لانبثاق المجتمع المدني، و الحركات الاجتماعية المنبثقة منه، و لذلك تم التأكيد لديه، على الانتماء لمنظمات المجتمع المدني، بدل التنظيمات الحزبية، كما هو الحال بالنسبة للمفهوم اللينيني للحزب، كشرط للانتماء للأنوية الثورية.

و يقوم المنظور السرفاتي، على الحذر من، و العداء لمفهوم الحزب الممركز، بل حتى لشكل حزب، الذي فقد بالنسبة إليه، أية قيمة. و سيحاول أبراهام السرفاتي، تقديم منظوره الجديد حول العمل السياسي الكلاسيكي، سواء الإصلاحي أو "الثوري"، من خلال رفض الإشكالية الماركسية للحقل السياسي، و يلخص موقفه كما يلي:

"إن الشكل الجديد للعمل الاجتماعي ــ السياسي في طور التكون له أساسه في مسعى جديد. إن بنية العمل السياسي الكلاسيكي ، سواء الإصلاحي أو الثوري، باستثناء الفوضويين، كان متمحورا حول الدولة:إصلاحها، أو تدميرها، لبناء دولة أخرى.

إن الحركة الثورية، القائمة على التأكيد على المجتمع المدني، تقوم كمرحلة أولى بتجاهل الدولة، و بدون انتظار بناء أسس مجتمع آخر، و في مرحلة ثانية،لا مفر منها، منع الدولة من أن تكون حاجزا أمام هذا البناء.

إن هذه الطريقة تقتبس كثيرا من الفوضويين، و أظن، و منذ مدة طويلة، أن النصر السياسي لماركس على باكونين، انتصار قوي جدا،همش لمدة طويلة، الطاقات السياسية لهذا الاتجاه".

يقدم أبراهام السرفاتي هنا مديحه للفوضوية، و يستقي أفكاره كذلك، مما يسمى ب "ما بعد الماركسية"، في سياق منظور "ما بعد حداثي"، إضافة إلى استعارة انتقائية من الغرامشية، و لكن غرامشي بدون الحزب الثوري، و البرنامج الثوري، و الثورة البروليتارية، و دكتاتورية البروليتاريا، أي ما يطلق عليه عموما ب "الغرامشية الجديدة".  

- الديموقراتورية و دستور 1996

يعتبر أبراهام السرفاتي، أن دستور 1996، لم يكن فقط دستورا مخزنيا، بل دستورا يقوم على ازدواجية السلطة، و هو حسب زعمه، يسمح بتوسيع الساحة السياسية، و العمل السياسي الرادكالي، يقول أبراهام السرفاتي:

"إن هذا الدستور هو كذلك دستور الديموقراتورية، و ليس فقط دستور المخزن، إنه يسمح في ظل الحالة الراهنة لعلاقات القوى في المغرب، بكفاح موحد لكل القوى الديموقراطية، حتى تنتصر الإنجازات الديموقراطية ،على آثار المخزن، بما في ذلك على المستوى الإقليمي و المحلي".

و على قاعدة هذا الطرح، يدعو منظر التحريفية الجديدة، إلى الجمع بين العمل في مقدمة المشهد السياسي (البرلمان)، و الساحة السياسية (العمل النضالي).

إن هذا الطرح، يعتمد على المنظور الاستراتيجي، لما يسمى بالديموقراتورية، الذي يؤسس لهذا الجمع بين الشكلين النضالي و البرلماني، و يزعم أبراهام السرفاتي، أن هناك جدلية بين الشكلين للعمل السياسي، اللذان يسمحان بالانفلات من إكراهات مقدمة المشهد السياسي، الذي لا يجب إهماله، و حسب زعمه، فهاته الجدلية تفتح الباب للتقدم، أما عكسها، فيعزل التيارات الديموقراطية داخل الأحزاب السياسية البرلمانية، و يضعف القطب الرادكالي، فهذا الانفصام يؤدي إلى انقطاع التحالف الضروري مع الطبقات الوسطى، و بالمنظور السرفاتي، لا إمكانية للتغيير دون القوى السياسية المعبرة عن هذه الطبقات الوسطى.  

-7- الإختراق الديموقراطي و استراتيجية القطائع المتتالية :

يقول أبراهام السرفاتي:

" أن الطريق النضالي، يقود إلى الوصول إلى الديموقراطية، انطلاقا من القاعدة يجب الإستيلاء، عبر النضال ،على المستويات المتتالية للسلطة المحلية و الإقليمية، و القيام بطرد المخزن منها".

فدستور 1996، حسب السرفاتي، يحتوي على ازدواجية السلطة حقيقية، في الأقاليم و المدن الكبرى و المناطق، مما يجعل المجالس الإقليمية المنتخبة في تناقض مع السلطة التنفيذية الإقليمية، المشكلة من العمال و الولاة، الذين يتحكمون في السلطة التنفيذية، و في نفس الوقت مكلفون بتنفيذ قرارات هذه المجالس، و المطلوب من المجتمع المدني (المخزن زارع المخزن!)، أن يفرض تسليم السلطة التنفيذية المحلية و الإقليمية إلى ممثلي المجالس المنتخبة.

يقول أبراهام السرفاتي :

"يتعلق الأمر، من خلال ثغرات الديموقراتورية، و عن طريق النضال الشعبي، الوصول إلى قطائع متتالية في الزمان و المكان".

و يعتبر أبراهام السرفاتي، أن هذه الطريق، هو بناء الأشكال السياسية الجديدة للمستقبل، بل الحل المقترح للخروج من المأزق النظري، الذي تركه فشل تجارب الاشتراكية للقرن 20.

هكذا إذن، اكتملت الصورة حول استراتيجية الاختراق الديموقاطي، فهي تقوم على اختراق الأجهزة السياسية للمخزن ( التغيير من الداخل)، عبر بناء الديموقراطية من الأسفل، و الجمع بين العمل البرلماني، و العمل النضالي خارج البرلمان (مقدمة المشهد السياسي و الساحة السياسية)، و استغلال ازدواجية السلطة في دستور 1996، لصالح هذا البناء الديموقراطي من تحت، الذي يقوم على تحالف الكادحين و الطبقات الوسطى من جهة، و تحالف التيارات الديموقراطية داخل الأحزاب السياسية، و من داخل البرلمان، و التيارات الرادكالية.

إن هذا، هو ما سيحقق ما يسميه أبراهام السرفاتي، و من خلال تسلق مجموعة من الدرجات في السلطة، قطائع متتابعة في الزمان و المكان، و بذلك نكون قد أسسنا لأشكال جديدة للعمل السياسي، سماها السرفاتي، أشكال المستقبل.  

 

الجزء الثاني: الاختراق المضاد ، السقوط و الإنبطاح  

السرفاتي و العودة إلى المغرب: فصل النهاية، و إسدال الستار على المرحلة الأخيرة  

عاد السرفاتي إلى المغرب، ليغطي اسمه عناوين جل المجلات، و الجرائد المغربية، و انطلقت التصريحات و الاستجوابات و المقالات، لتغطي جوانب مختلفة من حياة و تجربة ابراهام السرفاتي، و تم التركيز على الفترة الأخيرة، من خلال التركيز على ظروف الدخول، و حيثياته،و عن دور السرفاتي في هذه المرحلة، و ابتهجت الأحزاب الإصلاحية، التي وجدت في ظل هذه الأجواء تأكيدا لطروحاتها، و انتصارا لنهج "الواقعية" و النضج السياسي – كانت آنذاك حكومة اليوسفي، ما زالت قائمة، و الكل يطبل و يزمر للانتقال الديموقراطي، أو التناوب التوافقي، حتى أصبح كل تحرك للنظام يعتبر "إشارة قوية"، لقد دخلنا زمن الإشارات القوية، قبل أن يوضع حد لتلك الأوهام، بوضع حد لحكومة اليوسفي، هذا الأخير، الذي اكتشف فيما بعد، أنه كان طرطورا، أو كومبارس، و واجهة لمن يحركون خيوط السياسة المخزنية، فانتقل مثقفوا، و منظرو أحزاب البرجوازية الصغيرة، إلى الكلام عن تعثر الانتقال الديموقراطي، و عن الانتقال الديموقراطي المعاق، و كأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع الاعتذار لهؤلاء -.

إن الغريب في الأمر، أن هؤلاء، لا يجدون غضاضة في الانتقال من مصطلح لآخر، بدون حياء، او خجل، أو حتى مراجعة حقيقية مقنعة. لقد ابتلي المغرب بهاته الفئة من السياسيين المخضرمين، أو غير المخضرمين، الذين أينما مالت الريح يميلون، و بهؤلاء المثقفين "ذوي الاحتياجات الخاصة" الذين دخلوا غرف الإنعاش، منذ زمن طويل، و كلما خرجوا من "الكوما"، كلما رجعوا إليها مرة ثانية، إنهم قابضو العصا من الوسط، مسوقو الأوهام، و "بائعو الريح".

لقد تنكر أبراهام السرفاتي لماضيه النضالي، و لكل الشهداء، الذين سقطوا دفاعا عن الحرية و الكرامة و الديموقراطية و الاشتراكية، و بدأ يكيل المديح تلو المديح للنظام، فلم يترك مناسبة، إلا و كرر أسطوانته الجديدة.

1) السقوط و الانبطاح: السرفاتي و العودة إلى المغرب، فصل النهاية و إسدال الستار على المرحلة الأخيرة

حل أبراهام السرفاتي بمطار الرباط – سلا على الساعة السابعة و النصف، من مساء يوم الخميس 30 شتنبر 1999، رفقة زوجته، و جاء لاستقباله كل من عمر عزيمان وزير العدل، و فؤاد عالي الهمة رئيس الكتابة الخاصة للملك، و حسن أوريد، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، و أندري أزولاي مستشار الملك، و على الرغم، من أن أعدادا من مناضلي الحركة اليسارية و ممثلي بعض المنظمات الحقوقية، و العديد من الصحافيين قد حضرت إلى المطار، فإن الترتيبات التي تم وضعها في المطار من طرف أجهزة الدولة، لم تمكن هؤلاء جميعا، من استقبال أبراهام السرفاتي، في الوقت الذي تم فيه استقباله من طرف الوفد الرسمي في القاعة الشرفية بالمطار.

وفي نفس اليوم، أدلى حسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، بتصريح قال فيه، بأن السرفاتي : "التمس في رسالة موجهة إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتاريخ 21 شتنبر 1999، السماح له بالعودة إلى بلده، ليتسنى له استعادة مكانته، في المسلسل الجاري في بناء مغرب عصري و ديموقراطي تحت قيادة صاحب الجلالة، و قرر جلالة الملك السماح للسرفاتي بالعودة إلى المملكة".

عن سؤال : في أي وقت شعرتم بالسماح لكم بالعودة إلى المغرب؟ أجاب السرفاتي: "ألتزم بالصمت لأنني وعدت بذلك".

من المعلوم، أن أبراهام السرفاتي قد تم ترحيله من المغرب، بدعوى أنه "برازيلي" نحو فرنسا، و ذلك في 13 – 9 – 1991. بعد ثمان سنوات، يعود أبراهام السرفاتي إلى المغرب، ضمن صفقة سرية لا زالت العديد من بنودها غامضة، خاصة مع التزام صاحبها بالصمت المطبق حولها، و ادعى أبراهام السرفاتي، أن عودته قد تمت بدون أي قيد أو شرط، لكن النظام في شخص الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، سرعان ما كشف النقاب عن حيثيات رسالة وجهها أبراهام السرفاتي إلى الملك، يعلن فيها انضوائه، تحت لواء القيادة الملكية "للمسلسل الجاري في بناء مغرب عصري و ديموقراطي تحت قيادة صاحب الجلالة".

و قد عممت وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم الخميس بعد الزوال، خبر عودة السرفاتي إلى المغرب، و مضمون تصريح الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، و كذلك تصريح لأبراهام السرفاتي، يعبر فيه عن شكره و امتنانه لجلالة الملك و تأكيده بأنه يضع نفسه رهن إشارة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي.

و أدلى أبراهام السرفاتي، في مقر إقامته بفندق هيلتون بالرباط، بتصريح أكد فيه أن رجوعه إلى الوطن، "جاء بدون شروط أو مفاوضات "، و بناءا على رسالة وجهها إلى جلالة الملك محمد السادس في 21 شتنبر، التمس منه فيها بتمتيعه بحقه في العودة إلى بلاده كمواطن حر، و حتى "يساهم في بناء مغرب حداثي و عصري و ديموقراطي"، و ينقل نفس المصدر تنويه أبراهام السرفاتي ب"خطاب جلالة الملك في ذكرى 20 غشت، معتبرا إياه خطابا مرجعيا، و أعرب عن قناعته بتوفر إرادة ملكية واضحة لتحديث البلاد، مشيرا في نفس الوقت إلى تنامي المجتمع المدني المغربي".

و بطبيعة الحال، شكلت عودة أبراهام السرفاتي إلى المغرب، حدثا إعلاميا وطنيا و دوليا بارزا، غطى الصفحات الأولى للعديد من الجرائد و المجلات المغربية و العربية و الدولية، و تناقلت العديد من وكالات الأنباء الدولية خبر العودة و تصريحات أبراهام السرفاتي، الذي لم تفته فرصة دون كيل المديح للنظام و أزلامه، و تنويهه بالقيادة الرشيدة لجلالة الملك، لمسلسل بناء المجتمع الديموقراطي الحداثي.

و في حوار مع جريدة "لوموند" الفرنسية، و عن سؤال: "مما تحس بعد كل السنوات التي قضيتها بعيدا عن المغرب؟" أجاب السرفاتي: "عاطفة جياشة و طمأنينة كبيرة للغاية، ذلك لأننا دخلنا عهدا تتحرك فيه الأشياء كلها، و أنا أضع أملا كبيرا في محمد السادس".

و حول سؤال إلى ماذا يرجع هذا التحول إزاءك؟ يجيب السرفاتي:"إن التطور العميق الذي عرفه المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة، و المغرب، مع الملك الجديد، يشرع في الديموقراطية و الحداثة".

و اهتمت الجرائد المغربية كذلك، بعودة أبراهام السرفاتي، و خصصت صفحات لتغطية حدث الوصول، إضافة إلى التسابق بينها، من أجل انتزاع تصريحات و استجوابات مع هذا الأخير، و من بين هذه الجرائد، كان هناك اهتمام خاص من طرف جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، حيث ملأ حدث الوصول، صفحات الجريدة، و غطت صفحاتها تصريحات مختلفة لأبراهام السرفاتي، يقول فيها :

"عودتي انتصار لإرادة جلالة الملك و إرادة عبد الرحمان اليوسفي"، و تصريح لأبراهام السرفاتي، يقول فيه: "إن حدث عودتي يمنحنا صورة، عن من هو جلالة الملك محمد السادس، فبمجرد أن كتبت رسالة إلى جلالته، يوم 29 شتنبر، و بدون مفاوضات أو شروط، مباشرة اتخذ قرارا بعودتي إلى المغرب".

و نقرأ كذلك، تصريحات من قبيل "جئت للمساهمة في بناء مغرب عصري ديموقراطي".

و تضمنت الصفحة الأولى لجريدة الاتحاد الاشتراكي، خبر زيارة عبد الرحمان اليوسفي لأبراهام السرفاتي في مقر إقامته بفندق هيلتون (5 نجوم)، و مما قاله الوزير الأول لأبراهام السرفاتي:

"عودتك انطلاقة جديدة للنضال الديموقراطي"، و احتفت الجريدة بهذا الرجوع، بالقول :

"و نحن نتوقع أن عودة أبراهام السرفاتي تتلج صدور الكثيرين، و ستساعد على تعبئة جميع تعبيرات المجتمع المدني، لمساندة التجربة الجارية، تحت قيادة صاحب الجلالة".

و بطبيعة الحال، كان على الجريدة أن توضح حيثيات هذا الوصول، ففي كلمة العدد، تحت عنوان "تحية للسرفاتي"، نقرأ: "و قد جاءت هذه العودة إثر قرار أصدره جلالته، بعد اطلاعه على رسالة طلب فيها السرفاتي، السماح له بالعودة إلى المغرب، ليتسنى له "استعادة مكانه في المسلسل الجاري من أجل بناء مغرب عصري ديموقراطي تحت قيادة الملك محمد السادس".

و على امتداد الأيام، و الشهور، توالت تصريحات أبراهام السرفاتي، و استجواباته، و لم تختلف في جوهرها، و إن اختلفت في مواضيعها و مناسباتها.

يقول أبراهام السرفاتي، في تصريحاته لجريدة "الأحداث المغربية" :

"إننا نعيش الآن فجر عهد جديد، جاء نتيجة نضال طويل، و مجيء ملك تربى و ترعرع في إطار ذلك النضال".

و عن سؤال، ما هو شعوركم، و أنتم تعودون إلى الوطن؟ يقول أبراهام السرفاتي مجيبا:"منذ الأمس أحسست أنني أعيش في جنة وسط أهلي و إخواني،أتمتع بالشمس، و أنا الآن في بلدي، بعبارة واحدة، الجنة من حولي في كل شيئ. إننا نعيش الآن فجر عهد جديد، و الحمد لله، و هذا العهد الجديد نتيجة سببين أساسيين:

أولهما، و قبل كل شيء، نضال طويل، امتد عشر سنوات، خاضه الشعب المغربي من أجل الديموقراطية، و الحرية، و الحمد لله مع الملك الجديد، جلالة الملك محمد السادس، الذي ولد و تربى و ترعرع في هذا الإطار، إنه ملك عصري و ديموقراطي، و إرادته في تعزيز دولة الحق و القانون، تمضي في اتجاه إرساء دولة ديموقراطية و عصرية.

و تعليقا على رسالته إلى محمد السادس، يقول أبراهام السرفاتي:

"و هذا دليل على أن مليكنا محمد السادس، سيقود حركة المجتمع ككل، و المجتمع المدني،الذي تطور بشكل ملحوظ. و سيساند إرادة القوى السياسية و الحركة الوطنية لتكوين مجتمع حديث و ديموقراطي و عصري، و هذه الشروط كلها تؤكد على اننا نعيش عهدا جديدا".

و حدد أبراهام السرفاتي دوره بعد عودته، في سياق جوابه عن سؤال: ماهي الواجهة التي يمكن أن تخدم فيها في هذه المرحلة لبلدكم المغرب؟

يجيب أبراهام السرفاتي: "...و لكنني لن أتدخل في المجال السياسي ،لأني لا أريد ذلك، و بحكم علاقاتي مع هذه القوى السياسية،و فعاليات المجتمع المدني، و طبعا بتعليمات و إشراف جلالة الملك، سنساعد هؤلاء الشباب الذين فقدوا الأمل، و اصبحوا يعرضون أنفسهم للهلاك، و يركبون مراكب الموت لعبور المضيق. و الآن، توفرت لهم شروط حقيقية لأخذ زمام المبادرة، و رسم مستقبلهم بأيديهم، و الأمل معقود عليهم لبناء هذا البلد.

منذ دخوله إلى المغرب، ظل أبراهام السرفاتي، يردد لمن يريد سماعه، بأنه قد عاد إلى المغرب بدون قيد أو شرط، و بكامل حريته، الشيئ الذي تنفيه العديد من تصريحاته نفسها. و قد تعددت الأسباب، و الموت واحد، و قد حسمت كريستين جوفان، زوجة أبراهام السرفاتي،بطريقتها الفرنسية، الأمر، بقولها : "بحكم السن بدأ زوجي يغير مواقفه، و لكن العالم يعرف تغييرات مهمة، فلا ينبغي أن نبقى في سكون".

و قد تحقق له، و لها ذلك، و عاد أبراهام السرفاتي، إلى "جنة الوطن"، جحيم الكادحين.

من خلال قراءة كل التصريحات، يمكن الجزم بأن الصفقة السياسية، قد تمت على أساس الشروط التالية :

1- الإلتزام بالقيادة الملكية، لما سمي بمسلسل بناء المجتمع الديموقراطي و الحداثي.

2- تطليق العمل السياسي، و الابتعاد عنه.

3- الالتزام بالسياسة الخارجية للنظام.

4- الالتزام بالحفاظ على سرية الصفقة، و عدم الكشف عن فحواها.

منذ سنة 1991، تاريخ طرد أبراهام السرفاتي إلى فرنسا،و إلى حدود إبرام صفقة العودة، التي تمت يوم 30 شتنبر1999، لم تتوقف محاولات السرفاتي من أجل العودة إلى المغرب، فلم تخل المرحلة من تنازلات سياسية كبيرة حول الملكية، و النظام الملكي، و حول القضايا الأساسية للنضال الديموقراطي الثوري ببلادنا. و قد وصلت رغبة السرفاتي الملحة في العودة إلى المغرب، بكل الوسائل، و مهما كان الثمن، و لو على حساب المبادئ الديموقراطية - لا نقول هنا الشيوعية،لأنه كان قد طلقها من زمن- إلى حد التذكير ببيعته لمحمد الخامس، كعربون عن وطنيته و ارتباطه بالوطن، و من تمة، اصبحت مغربية المواطن لدى أبراهام السرفاتي ،مرتبطة بالبيعة.

ففي ندوة صحافية لأبراهام السرفاتي في باريس، و ذلك بتاريخ 9- 11- 97، نقلتها يومية "لومانيتي" بتاريخ 27- 11- 97، خلال الندوة، تكلم أبراهام السرفاتي عن البيعة التي قدمها لمحمد الخامس سنة 1958، معتبرا إياها بيعة دائمة لمحمد الخامس. و تعليقا على هذا الطرح، جاء في رسالة من س.ب إلى ابراهام السرفاتي، ما يلي :"تنازلات تلو تنازلات، ها أنت تحيي بيعة قديمة و دائمة لصاحب الجلالة محمد السادس، يرجع تاريخها إلى سنة 1958. إن الحسن الثاني كما نعلم، لم يسبق له أبدا، أن غفر للحركة الثورية، و بالأخص منظمة "إلى الأمام"، التشكيك في هذا التاريخ، ومن تم شرعية النظام المخزني والملكية.... إن ما هو أخطر، خارج الطابع السياسي للإعلان، أن تجعل الناس يعتقدون بأن تكون مغربيا، يعني أن تقدم البيعة للملكية، لأن هذا يعني ببساطة "إعادة الإعتبار ل 14 قرنا من التاريخ المخزني للمغرب، و أيضا شرعنة النظام المخزني والملكية".

من يهن يسهل الهوان عليه، هكذا انتقلنا من دور الأنوية الثورية إلى دور القيادة الملكية، و انتهت الحكاية عن الإختراق الديموقراطي، و مجلس الشعب التأسيسي، و تحقق الإختراق المضاد للنظام، و سقطت الأطروحات السرفاتية سقوطا مدويا، فانتشرت رائحة الخيانة في كل مكان، و لعل السرفاتي، اعتقد في آخر أيامه ،أنه لا بد من بيعة، حتى لا يموت ميتة "جاهلية".

لقد كان جزء من المدافعين عن عودة أبراهام السرفاتي، ضالعين في خبايا الأسرار، بينما جزء انطلت عليه اللعبة، و كلاهما، رفض أبراهام استقباله عند عودته، و تنكر لكل المجهودات التي بذلت من أجل عودته، فأسقط في أيديهم.

توفي أبراهام السرفاتي يوم 18 نونبر2010 عن عمر يناهز 84 سنة، و بعد 66 سنة من العمل السياسي عرفت مراحل و أطوار مختلفة، قضى منها تسعة سنوات في خدمة الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" و الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، و57 سنة لم يتخلص فيها من ثقل التحريفية الذي سادت داخل الحزب الشيوعي المغربي منذ تأسيسه في 14 نونبر 1943، بل كان مساهما و منظرا للتحريفية الجديدة بالمغرب منذ 1979، و من هذا الموقع ساهم في ضرب المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية، و عمل على تصفيتها، بل شارك في قرار حلها بعدما أصبحت بدون وجود فعلي، و ذلك سنة 1994. التحق أبراهام السرفاتي بالجوقة المصفقة للنظام، و دخل تحت عباءته متنكرا لأرواح الشهداء و لكل الذين تفانوا في خدمة الوطن و الشعب و الكادحين ، ممن امتلأت بهم المعتقلات و الكهوف السرية للنظام الكمبرادوري خلال عشرات السنين. لقد انكسر التمثال و سقطت الأيقونة.

توفي أبراهام السرفاتي و ذهبت في جنازته جموع من ممثلي النظام و القوى الإصلاحية و جماعة من أصدقائه القدامى، الذين تحولوا إلى خدمة النظام، إلى جانب تلامذته و معتنقي أفكاره التحريفية التي انطلقت حناجرهم مرددة"السرفاتي يا رفيق لا زلنا على الطريق"، و بالفعل لازالوا على الطريق........  

15 شتنبر 2016.

 

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.