Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

في الذكرى الثانية والأربعين لاستشهاد الرفيقة الشيوعية الماركسية ــ اللينينية الثورية المغربية: سعيدة لمنبهي

Pin it!

تحل اليوم الذكرى الثانية و الأربعون لاستشهاد المناضلة الرفيقة الماركسية – اللينينية المغربية سعيدة لمنبهي، التي سقطت في معمعان النضال الثوري من داخل سجون النظام الكومبرادوري المغربي العميل، التي حولتها سعيدة و رفاقها إلى قلعات للنضال الثوري، حيث يستمر المناضل و المناضلة في تحمل مسؤوليتهما تجاه شعبهما، و من أجل أن تنتصر مهام الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية على طريق الاشتراكية و الشيوعية، فلا مجال هنا لتغليب المصالح الشخصية و الخاصة على حساب مصالح شعب بكامله يعاني أشد المعاناة من القمع و الاضطهاد و الاستغلال على يد إحدى أعتى الدكتاتوريات في العالم و إحدى قلاع الرجعية في المنطقة العربية.

تحل الذكرى، و كل الماركسيين – اللينينيين الثوريين، و معهم كل الثوريين و التقدميين، يقفون إجلالا و احتراما لروح الشهيدة الثورية سعيدة لمنبهي، التي جسدت بنضالها و مواقفها أسمى القيم الشيوعية الحمراء.

تحل الذكرى و تختلف الإحياءات من موقع إلى آخر، و تستوقفنا في السنوات الأخيرة بعض الإحياءات، التي تثير الكثير من الاشمئزاز لدى الماركسيين – اللينينيين الثوريين، لا لكون أصحابها لا يتبنون النظرية الثورية فذاك شأنهم، و لا لكوننا نحتكر هذا الإحياء، ذلك لأن سعيدة هي كذلك شهيدة الشعب المغربي، بل لأننا نرفض كل الإحياءات ، التي تعمل على طمس و تشويه الهوية النضالية و الفكرية للشهيدة، التي اختطتها بدمها في وصيتها الشهيرة : "سأموت ماركسية – لينينية"، و سنقف في وجه كل الإحياءات، سواء كانت احتوائية احتفالية تعمل على تقديم الشهيدة قربانا للنظام الكمبرادوري من أجل مصالح مشبوهة، أو كانت إحياءات خطابية فرجوية تلفها "الجملة الثورية" و تعمل على طمس الحقيقة الثورية التي يجسدها استشهاد سعيدة لمنبهي، رمز تحرر الشعب المغربي، و مشعل تحرر المرأة المغربية .

إن منظورنا، نحن الماركسيين – اللينينيين الثوريين، ككل عمل ثوري نضالي، يقف على قاعدة الماركسية – اللينينية الصلبة و الممارسة الثورية، فعندما نستحضر ذكرى و مغزى الاستشهاد، لا يمكننا أن نتجاهل كل محاولات الاحتواء، و تهريب روح سعيدة إلى ضفة أعدائها الطبقيين تحت غطاءات شتى، تهدف إلى اختزال نضالها إلى أدنى المستويات ليقبل بها الجلاد، فأبدا لن نقبل بذلك، و سنرفع راية العقل الثوري في مواجهة العقل البورجوازي الصغير و الشرعية الثورية في مواجهة الشرعية البورجوازية و الإصلاحية، و ندعم الحق في الثورة كحق أسمى يعلو ولا يعلى عليه، و بالنسبة للذين يخفون مواقفهم من الاستشهاد، باعتباره سلوكا لا عقلانيا انتحاريا، دون أن يجرؤوا على الصدح بذلك، نذكرهم بأن النضال من أجل الثورة حتى التضحية الأسمى قيمة ثورية شيوعية، تنتصب في وجه القيم البورجوازية المصلحية و الانتفاعية و الفردانية، و سعيدة لمنبهي الشهيدة الثورية جسدت بنضالها و استشهادها قمة و سمو أولوية القيم الشيوعية على غيرها، نقول لهؤلاء و أولئك، ممن انبطحوا أمام النظام الكمبرادوري و جثموا على ركبهم، إننا نرفض أن نجعل من منطق الانتماء العائلي مدخلا لشرعية لا يكتسبها إلا من وقف على خط النضال و سار عليه، و لنا في ذلك أمثلة لمن لا زال على العهد سائرا و لم يبدل تبديلا، أيها السادة! لكم أخلاقكم و لنا أخلاقنا.

و اليوم، و نحن نستحضر روح شهيدتنا في ذكراها الثانية و الأربعين، تحضر أمامنا الأجواء التي تحل فيها هذه الذكرى، حيث يعيش المغرب احتدادا للصراع الطبقي يؤججه تصاعد الاستغلال و النهب و القمع و الاضطهاد من طرف النظام الكمبرادوري، و تتصدى لذلك حركة الجماهير في كل مكان، التي تنامى وعيها السياسي و إبداعاتها (مظاهرات، وقفات، مسيرات، احتجاجات، و تعبيرات شعرية و غنائية و رياضية مواكبة لهذا الزخم النضالي ... إضافة إلى تطور في الأشكال التنظيمية و الشعارات في سياق انبثاق مثقفين عضويين للجماهير يحركون نضالاتها و يقودونها و يحظون بثقتها و بمصداقية عالية) في معمعان المواجهات الطبقية ضد النظام الكمبرادوري .

تحل الذكرى إذن، و الحاجة إلى فكر و قيم سعيدة لمنبهي تزداد يوما بعد يوم، في ظل غياب شبه تام للقيادة الثورية، فأي فكر هذا الذي استشهدت من أجله الشهيدة؟

لقد سقطت سعيدة شهيدة كماركسية – لينينية تدافع عن خط الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و منخرطة في سيرورة النضال من أجل بناء الحزب الماركسي – اللينيني للطبقة العاملة المغربية، و من أجل تحرر المرأة المغربية.

لقد كانت سعيدة مناضلة أممية ثورية، فعن أي خط أممي دافعت سعيدة؟

إن هذا الخط هو الخط العام للحركة الشيوعية العالمية، الذي يعكس بطبيعته القانون العام لتطور العالم، و الذي كان يرى أن النضالات الثورية لدى البروليتاريا و الشعوب في مختلف البلدان سوف تسير عبر مراحل مختلفة، لها خصائصها المميزة ضمن ذلك القانون العام لتطور العالم، و من هنا التزام الأحزاب الشيوعية الثورية بمبدأ ربط الحقيقة العامة للماركسية – اللينينية بالممارسة العملية الملموسة للثورة و البناء الاشتراكي في كل بلد، من هنا كانت القضية الأساسية المطروحة في زمن سعيدة لمنبهي هي قبول أو عدم قبول المبادئ الثورية التي جاءت بها الماركسية – اللينينية، أي قبول حقائقها العامة من عدمه، و كان ذلك يعني الاعتراف بالأهمية العامة لطريق ثورة أكتوبر المجيدة أو رفضه، و هي كذلك قبول حقيقة أن الشعوب التي لا زالت تعيش تحت النظام الامبريالي الرأسمالي، و التي تشكل ثلثي سكان العالم، لا زالت في حاجة إلى القيام بثورة أم لا؟ ، و كذلك قبول حقيقة أن الشعوب التي كانت تسير في طريق الاشتراكية لا تزال في حاجة إلى السير بثورتها إلى النهاية أم لا ؟

و اختصارا، فإن هذه المبادئ الأممية الثورية، اختزلتها مجموعة من الشعارات و هي:

يا عمال العالم اتحدوا، يا عمال العالم و شعوبه المضطهدة و أممه المضطهدة اتحدوا، و عارضوا الاستعمار و رجعيي مختلف البلدان، و ناضلوا في سبيل السلم العالمي و التحرر الوطني و الديموقراطية الشعبية و الاشتراكية، و سيروا بالثورة البروليتارية العالمية خطوة خطوة إلى النصر الكامل، و أقيموا عالما جديدا خاليا من الاستعمار و الرأسمالية و نظام استغلال الإنسان للإنسان.

مما جاء أعلاه، و بالاعتماد على وثائق منظمة "إلى الأمام" الماركسية – اللينينية، فالشهيدة سعيدة لمنبهي كانت في خط الثورة العالمية المناهض للتحريفية العالمية بقيادة الاتحاد السوفياتي آنذاك.

و لمن يريد أن يستوعب روح التضحية عند سعيدة و أخلاقها فلابد له أن يقف على فلسفتها و أخلاقها المستمدة من تلك الفلسفة.

إن فلسفة سعيدة لمنبهي هي المادية الجدلية، التي لم تكن أبدا نظاما لفلسفة تأملية، فالإنتاجات الكبرى الفلسفية لأبرز القادة الماركسيين – اللينينيين، جاءت كضرورات ملموسة لخوض الصراع الإيديولوجي و النظري، ماركس ضد برودون، انجلز ضد دوهرينغ، و لينين ضد التجريبيين النقديين، و ماو تسي تونغ ضد الدوغمائيين و التجر يبيين.

و في كل الأحوال، كانت الفلسفة حزبية، تستهدف القضاء على التعابير المثالية الميتافيزيقية للتيارات السياسية الرجعية داخل الطبقة العاملة و منظماتها و خارجها، و من أجل براكسيس ثوري.

إن الماركسية تكون ثورية أو لا تكون، و الماركسية الثورية هي الماركسية – اللينينية فلا خط ثالث بينها و بين نقيضها، ذلك أن المبدأين الأساسيين للفكر الماركسي، هما "الحق في الثورة"، و "خدمة الجماهير" كواجب أسمى. إن الماركسية في جوهرها حق في الثورة بما يعني أن لنا الحق في أن نثور ضد الرجعية و ضد الوضع القائم، الذي يديمها و يبررها، فالإيديولوجيا السائدة في مجتمع ما هي إيديولوجية الطبقة السائدة في هذا المجتمع، و كذلك هي وضعية الأخلاق في المجتمع، فالماركسية تجمع في نفس الوقت بين الالتزام بالثورة و وجوب العمل على ذلك، فمن واجب الشيوعيين أن يقوموا بالثورة، و حقيقة النظرية الماركسية هو ما تجعله الثورة عقلها و روحها و مرشدها من أجل القضاء على العدو الطبقي، و لذلك ارتبطت النظرية بالممارسة، في الماركسية، أي الذهاب من النظرية، العقل الثوري، إلى الثورة، و من الثورة إلى النظرية. إن ذلك شرط داخلي للنظرية نفسها، لأن الحقيقة الثورية هي سيرورة واقعية، بما يعني أن الحقيقة هي الثورة ضد الرجعيين، و لذلك جعلت الماركسية – اللينينية من مبدأ خدمة الجماهير مبدئا أخلاقيا يعلو على كل شيء، فالماركسية هي علم الثورة لأنها علم الجماهير الثائرة ضد الرجعيين، و هذا العلم يقف على قدمين هما : المادية الجدلية، التي هي جبر الثورة، و المادية التاريخية، التي هي علم التاريخ الثوري، الذي يرى أن الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، و الجماهير هي من يصنع التاريخ عبر نضالاتها الثورية، التي يقودها حزبها الثوري الماركسي – اللينيني المسترشد بالنظرية الثورية الماركسية – اللينينية، في سياق جدلية الحركة الثورية و النظرية الثورية ("لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية")، و في سياق جدلية الجماهير – الطليعة الثورية، عبر التصدي لانحرافين أساسيين :

- البلانكية و النزعة الاستبدالية، حيث الحزب هو كل شيء و فوق الجماهير.

- العفوية و الذيلية للجماهير (الحزب يساوي الجماهير)، أي تذويب الحزب في الجماهير و السقوط في ذيليتها، و هو ما سماه المعلم البروليتاري العظيم لينين ب "لعق دبر الجماهير"، و يعني كذلك ضرورة مواجهة اتجاه "الحركة كل شيء و الهدف لا شيء" السيء الذكر.

في زمن انتشار البضائع و التبضيع و التضبيع بامتياز، زمن العولمة الامبريالية الحديثة، تقدم سعيدة لنا درسا أخلاقيا ثوريا متجددا باستمرار، ففي زماننا تحاصر الأخلاق الثورية، كما يحاصر حاملوها، و انتشر في كل مكان مسوقو الأوهام، و موضة و لازمة الخلاص الفردي، و كل منوعات تضخم الأنا (أنا و بعدي الطوفان) التي تبثها الإيديولوجية البورجوازية و البورجوازية الصغيرة، من إصلاحية و تحريفية و غاندية جديدة و برنشتاينية جديدة ...

إن مثقفي الطريق الوسط هؤلاء اللذين، كما سبق ذكره، أقسموا ألا يلدغوا من الجحر مرتين و ألا يعيدوا الكرة، محولين إحباطاتهم و انهزاميتهم إلى فكر و سياسة يتبعونها، إنهم أسوأ السياسيين، لأنهم يرفعون شعارات تمويهية و تضليلية، و ينظرون إلى الجماهير ككم مهمل في أحسن الأحوال، يمتطونه لأغراضهم و مصالحهم الشخصية و السياسية، فالسياسة عندهم يصنعها "السياسيون"، هذه السياسة التي يقيسونها بمقياس منفعتهم الخاصة، و هي تعني مغازلة السيد الحاكم لتقديم ما يحتاجه من وصفات و نظريات جديدة، فاختلطت خطاباتهم و سلوكهم بالخطاب و السلوك الرسمي، كما يختلط الحابل بالنابل .

إن الخروج من الوحل، الذي سقط فيه العديد من المناضلين، لا يمكن أن يقع خارج الوعي بضرورة ممارسة النقد و النقد الذاتي، و استلهام الأخلاق الثورية الشيوعية.

إن الأخلاق الثورية عند الشهيدة سعيدة لمنبهي لا تمت بصلة لهؤلاء و أولئك من مثل هذه العينات و النماذج، اللذين أصبحوا يمجدون أخلاق الفردانية الليبرالية و "العقلانية" البورجوازية.

إن الأخلاق الثورية لسعيدة، تنطلق من الماركسية – اللينينية، التي تسعى إلى بناء قيم أخلاقية جديدة في سياق الربط بين الممارسة الثورية المبدعة، و التفكير النظري المادي الجدلي، فالمشروع الاشتراكي يقوم على مبدأ تحقيق شعار "الفرد الحر في المجتمع الحر"، و الانتقال بالمجتمع من "ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية".

إن البروليتاري الواعي بالمصالح العامة لطبقته و لدورها التاريخي، و المثقف الشيوعي الثوري المندمج في السيرورة التاريخية، كلاهما يحتاج إلى قيم البطولة و الحماسة و الحيوية و ضرورة اكتساب المعرفة العلمية و النظرية، و ربط الممارسة النضالية بالنظرية التاريخية الثورية للتغيير، مما يفرض تحمل المسؤولية التاريخية بصدق و التزام مع الذات.

إن القيم الأخلاقية الثورية هي على طرفي نقيض مع أخلاق دعاة الفردانية الليبرالية، اللذين يمجدون الفرد و الحرية الفردية دون أن يدركوا أن هذه الفردانية هي في نفس الوقت تعبير عن سحق فردانية الفرد، فلا خلاص فردي بدون خلاص جماعي.

و مرة أخرى، فالقيم الشيوعية باعتبارها أرقى الأخلاق، هي كذلك على طرفي نقيض جذري مع الفكر الغيبي التواكلي، كل شيء بقدر، الغنى مقدر، الفقر مقدر، الفقر ابتلاء للمؤمن، و الأهم من كل هذا وذاك، يجب انتظار لحظة الدخول إلى الجنة للتعويض عن كل المعاناة، فلابد من الحفاظ على العقائد و الشرائع و خدمة ولي الأمر و طاعته، فمن مات و ليس في عنقه بيعة لولي أمر فقد مات ميتة جاهلية (و أطيعوا أولي الأمر منكم ...) كما تروج لذلك سياسة السلطان و فقه السلطان.

إن الأخلاق الشيوعية الثورية بمعناها الماركسي، تعتمد في منهجها الديالكتيكي على مقولة الواقع باعتباره سيرورة و إمكانا، و إذا كان لينين قد حدد السياسة باعتبارها "فن الممكن" فلا يعني ذلك النزول بها إلى مستوى واقعية سياسية فجة تبرر كل شيء، كما يفعل كل بورجوازي صغير يشتغل في ميدان السياسة.

إن الوصول إلى الممكن في الماركسية – اللينينية هو تألق للإنسان الواعي لشروط حريته، فالضرورة و الحرية مرتبطتان جدليا.

من المشروع الشيوعي الرامي إلى القضاء على المجتمع الطبقي و الاستغلال و الاستيلاب، تنتصب فكرة و غاية تحقيق الإنسان الشامل، هذا الإنسان المتعدد الطاقات و الإمكانيات و المواهب و المعارف، المتحرر من قيود الاستغلال و الملكية الخاصة و الاضطهاد و الاستيلاب، إن الوصول إلى هذا المشروع لن يتأتى إلا على أساس تجاوز ديالكتيكي عبر تحطيم الشروط العامة المكبلة للإنسان، و الارتقاء بالواقع إلى الأعلى. إن هذا التجاوز واجب اجتماعي وفردي لا ينفي السيرورة التاريخية، بل يسير في اتجاهها نحو الإنسان الشامل.

و على هذا الأساس، أفرزت الثورات العالمية نماذج جديدة من الطلائع المناضلة، تتوفر على حيوية طبيعية و متفتحة و قادرة على الربط بين الممارسة الثورية و التفكير النظري المادي و الجدلي، بما يعني ذلك من تجاوز للاستيلاب الإنساني، و وضع حد للتناقضات الداخلية للفرد و الدفاع عن قيم جديدة لا تحركها التنافسية و الربح الأقصى، و لا تقوم على خدمة القيمة التبادلية، بل على توفير القيم الاستعمالية ضمانا لحاجيات المجتمع و ازدهاره (الشيء الذي لا توفره إلا اشتراكية حقيقية) ولا تسقط في الخضوع و الخنوع و الإذلال و الانبطاح أمام السيد المستغل (بكسر الغين) بل تدعوا إلى قيم التحرر و التضامن و التآزر و المودة و الصداقة و العمل و الإبداع، قيم تدعو إلى التحرر الشامل للمرأة و الرجل على حد سواء، فلا تحرر للمجتمع بدون تحرر المرأة و العكس صحيح .

لا أحد يستطيع أن ينكر أن سعيدة لمنبهي كانت مناضلة و رفيقة في المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام"، و جسدت في مسارها النضالي قيم المناضلة الشيوعية الثورية المقتنعة أشد الاقتناع بمبادئ الماركسية – اللينينية، من بين هذه المبادئ، مبادئ التنظيم الثوري القائم على الانضباط الثوري، و كما جاء في النظام الداخلي لمنظمة "إلى الأمام"، فتلك المبادئ تجسد و تترجم الهوية الطبقية، و خط الحزب الثوري الماركسي – اللينيني و أهدافه بشكل مكثف، و تعرف هذه المبادئ بالمبادئ الخمس و هي:

1 ــــ القيادة الجماعية

2 ــــ المركزية الديموقراطية

3 ــــ النقد و النقد الذاتي

4 ــــ المحاسبة الجماعية و الفردية

5 ــــ الانضباط الثوري

إن المبدأ الأول يعني الوقوف ضد كل أشكال تسلط الفرد مع تأكيد مسؤولية الأفراد و المسؤولية الجماعية للتنظيم و لقيادته على كل المستويات.

و يعني المبدأ الثاني (المركزية الديموقراطية) وجود مبدأ الديموقراطية في التنظيم و العمل، و في تسيير الحزب، و في علاقته بالجماهير، كما يعني وجود المركزية كلحظة جدلية في وحدة تناقضية مع الديموقراطية، و ذلك لتوفير الفعالية و الحزم و الصرامة الثورية.

و يعني المبدأ الثالث كما جاء في النظام الداخلي لمنظمة "إلى الأمام" توفر سلاح لتطور المناضل و التنظيم، و يقول النظام الداخلي في هذا الموضوع:

"إن ممارسة النقد و النقد الذاتي من جميع أعضاء المنظمة، يؤدي إلى صقل العناصر الطليعية و بلترتهم بشكل صارم، و تصفية كافة رواسب الممارسة و الإيديولوجيا البورجوازية و الإقطاعية، و أشكالها المختلفة لدى الأعضاء.

إن ممارسة النقد و النقد الذاتي فرديا و جماعيا، داخليا و أمام الجماهير، سيساهم في بناء الطليعة البروليتارية، و توسيع و تعميق روابطها بالجماهير و تطوير خطها و تنشئة شيوعيين طليعيين يجسدون الإنسان الجديد".

أما المبدأ الرابع فيعني أن المحاسبة جماعية، تشمل التنظيم برمته، قيادته و قواعده، و كذلك فردية، تشمل الأفراد من أجل التمييز بين المسؤولية الجماعية و المسؤولية الفردية تلافيا للانتهازية و الهروب من المسؤولية.

و يقوم المبدأ الخامس على ضرورة وجود الانضباط الثوري لقرارات المنظمة و هياكلها كشرط ضروري لبناء الطليعة البروليتارية و قيادة الثورة، مما يتطلب من المناضل الثوري، توفر شروط الصلابة و الحزم و الحيوية و الانضباط الثوري و الصمود.

تلكم هي أهم المبادئ التي ناضلت تحت رايتها الشهيدة المغربية الماركسية – اللينينية سعيدة لمنبهي داخل المنظمة و في حياتها الخاصة

إنها المبادئ التي تعطي أهمية للنضال و التضحية و الصمود حتى الشهادة، من أجل انتصار الثورة، مما يعني ضرورة الانضباط، في إطار المنظمة الثورية و محاربة كل أشكال خرق الانضباط و التخريب وضرب وحدة التنظيم، و على قاعدة هذه المبادئ مارست سعيدة الدعاية للأفكار الثورية و سط الجماهير و كسب الأنصار و متعاطفين جدد، و احترام مبدأ السرية و صون أسرار المنظمة و الجرأة في توفير اللوجستيك للمنظمة السرية و توفير الحماية للرفاق و ربط قضايا الثورة المغربية بالثورة العربية و الأممية.

تلكم هي الشهيدة سعيدة لمنبهي كما كانت في الحقيقة و الواقع بفكرها و فلسفتها و ممارستها و أخلاقها، و ليست كما يتصورها من يلعقون حذاء النظام و يأكلون من صحنه و يسيرون في حاشيته و يبيضون صفحة النظام الملطخة بدماء الشهداء، لهؤلاء و لأولئك من الحشوية نقول أن سعيدة عصية عن الاحتواء، سعيدة الشموخ، سعيدة النجمة الحمراء، سيظل اسمها منارة و نبراسا لكل الماركسيين – اللينينيين الثوريين.

سعيدة لمنبهي، رفيقتنا، 42 سنة من الغياب، 42 سنة من الحضور الدائم في همومنا و تطلعاتنا نحو مجتمع الديموقراطية الجديدة السائر نحو الاشتراكية و الشيوعية.

سعيدة لا تموت، سعيدة لا تقهر، سعيدة المثال الذي لا يفنى، سعيدة النموذج الذي يحتذى، فكفى ثرثرة و شقشقة لسان، فمن يكرم الشهيد يتبع خطاه.

 

المجد و الخلود للشهيدة البطلة الرفيقة الثورية الماركسية ــ اللينينية المغربية سعيدة لمنبهي.

المجد و الخلود لكل شهداء الحركة الماركسية ـــ اللينينية المغربية.

المجد و الخلود لكل شهداء الشعب المغربي.

المجد والخلود لكل شهداء الشعوب التواقة إلى الحرية والديموقراطية والاشتراكية.

نبذة مختصرة عن حياة سعيدة لمنبهي

بقلم الرفيق فؤاد الهيلالي

- الولادة والنشأة و الانتماء النضالي:

كان البلد المغرب، قطعة من جغرافية هذه الأرض، يوجد في شمال غرب إفريقيا أو غرب المغرب الكبير، و كانت المدينة مراكش، الحمراء إحدى أقدم عواصم المغرب التاريخية، أسسها المرابطون و جعلوها عاصمة لحكمهم، مدينة التاريخ و الجغرافيا الجميلة، هي أيضا مدينة الكلاوي، الباشا الإقطاعي و عميل الاستعمار الفرنسي و الذي جعل منها مقر إقامته والذي أذاق ساكنتها كل صنوف العذاب، و التي لا زالت ذاكرة المراكشيين تحكي عنه و عنها إلى اليوم. مراكش أيضا مدينة المقاومة ضد الاستعمار و عملائه، مدينة الشهيد حمان الفطواكي المقاوم الذي أعدمه الاستعمار، مراكش و ألف حديث وحديث...

في ذات سنة، سنة 1952 سنة من سنوات الجمر، التي كانت تقطعها البلاد في تحد عنيد للاستعمار وأركانه، سنة الانتفاضة العمالية والشعبية بمدينة الدار البيضاء، بعد اغتيال الشهيد فرحات حشاد، الزعيم النقابي بتونس، اندلعت انتفاضة الكريان سنترال أحد أحياء البيضاء الصفيحية حيث كان يتكدس عشرات الآلاف من العمال والكادحين والفقراء، هي إذن سنة انتفاضة مارس 52 التي ستعلن نهاية سنوات المخاض التي بدأت مع انتفاضة وادي زم 1948 ودخول الطبقة العاملة على خط المقاومة الجذرية وانطلاق المقاومة المسلحة بعد ذلك.

في هذه السنة كانت ولادة سعيدة لمنبهي وذلك يوم 16 شتنبر.كان يوما عاديا ولا شك كباقي أيام السنة لدى المراكشيين لولا أنه في هذا اليوم كان أحد بيوت المدينة و هو منزل ذو بوابتين إحداهما تطل على حي دوار كراوة والأخرى صوب رياض الزيتون، يعج بحركية غير عادية، الأم فخيته بلكبير الهيلالي تضع مولودة جديدة، مفجرة فرح الزوج وأسرتها الصغيرة، أطلق على المولودة اسم سعيدة و كانت السعادة تملأ البيت الأسري. في ذلك البيت أطلقت سعيدة صرخة الحياة الأولى لتبدأ المشوار في أحضان أبويها وإخوانها محاطة بالحب والحنان. سنوات بعد ذلك، ستلتحق سعيدة بمدرسة "قبور الشهداء" ("قبور الشو" كما ينطقها المراكشيون) الابتدائية، و قد اجتازت سعيدة هذه المرحلة بنجاح لتنتقل إلى مؤسسة "أبو العباس السبتي" (الإعدادية والثانوية) لتحصل على البكالوريا سنة 1971، منتقلة بعد ذلك إلى الدراسة الجامعية.

كانت الرباط وجهتها التالية لاستكمال دراستها الجامعية و ذلك سنة 1972، الرباط، تلك المدينة التي بناها الموحدون لتصبح بقرار من الماريشال ليوطي العاصمة الإدارية للبلاد منذ الحقبة الاستعمارية.

الرباط المدينة القائمة على شاطئ الأطلنطي هي وتوأمها سلا. المدينة الجامعية الرئيسية للبلاد آنذاك حيث كان أغلب طلاب البلاد يتوجهون إليها لمتابعة دراستهم الجامعية.

في هذه السنة التي التحقت فيها الشهيدة بالجامعة كانت نضالات قوية و معارك ضارية تخوضها الحركة التلاميذية والطلابية وأصداء نضالات جماهيرية تنفجر في كل مكان.

كانت سنة 1972 سنة كل الاحتمالات، حيث صعود اليسار الثوري الماركسي – اللينيني وتحمله مسؤولية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، (في غشت 1972سينعقد المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب " أ.و.ط.م") و في 22 أبريل من نفس السنة سيتم الإعلان عن تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ (ن. و. ت)).في السنة نفسها ستكون محاولة الانقلاب التي قادها المجرم أوفقير ضد الملك رأس النظام الكمبرادوري القائم كتعبيرعن تناقضات حادة داخل التحالف الطبقي السائد.

في أجواء ملتهبة، وصراعات إيديولوجية وسياسية داخل الجامعة، وفي خضم أجواء نضالية تخيم على البلاد ضدا على القمع الأسود والاستغلال والاضطهاد والاستبداد السياسي، تابعت سعيدة دراستها بشعبة الإنجليزية بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، وانخرطت منذ البداية في النضال داخل كلية الآداب معقل اليسار الثوري الماركسي اللينيني فتحملت المسؤولية داخل تعاضدية كلية الآداب لسنتي 72-73 باسم "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين". استكملت سعيدة تكوينها كأستاذة للسلك الأول بالمركز التربوي الجهوي الذي ستتخرج منه كأستاذة لمادة الانجليزية بإعدادية الخوارزمي بالرباط، و ستنخرط مباشرة بعد التحاقها بالعمل في النقابة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل كمناضلة نقابية.

خلال هذه السنة، سنة 72، سيدشن النظام الرجعي حملة واسعة ضد اليسار الثوري الماركسي اللينيني مست العديد من أطر منظمتي "أ" و "ب" ("إلى الأمام" و23 مارس لاحقا)، كما تعرضت الحركة الطلابية للقمع الشرس من خلال اختطاف العديد من مناضليها و مسئوليها ومتابعة ومطاردة الآخرين. ولم تتوقف الحملة بعد صعود اليسار الثوري إلى قيادة أوطم بل تصاعدت إلى حدود إقدام النظام على حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1973، فانخرطت سعيدة في النضال من خلال مساهمتها في المظاهرات المنددة بالقرار الرجعي دفاعا عن أوطم وخطها النقابي الثوري واستمرارا لكفاحها العنيد ومن أجل الصمود في وجه الإعصار مجسدة شعار الصمود والارتباط بالجماهير الذي رفعته منظمة "إلى الأمام" في وجه إحدى أعتا الحملات القمعية التي أطلقها النظام "الفاشي" ضد الحركة الجماهيرية والقوى التقدمية والثورية.

سعيدة لمنبهي هي أيضا ابنة منظمة" إلى الأمام"، فسعيدة التي حظيت دائما بحب أسرتها كبرت ونقلت معها الحب والمودة والصداقة و الرفاقية إلى كل من تقاطعت معهم على طريق حياتها كإنسانة وكمناضلة ثورية مؤمنة دائما بالحق في الثورة.

سعيدة التي خبرت سبل النضال داخل الحركة التلاميذية بثانوية "أبو العباس السبتي" بمراكش، وكمناضلة بكلية الآداب للاتحاد الوطني لطلبة المغرب والجبهة الموحدة للطلبة التقدميين وكمناضلة نقابية بالاتحاد المغربي للشغل، سعيدة المناضلة العنيدة، المشبعة بالأمل والتفاؤل الثوري والمتشبعة بالفكر الماركسي اللينيني والتواقة إلى تحرر المجتمع مجتمع الرجال والنساء المتساوين في كل شيء، سعيدة في إحدى أحلك ظروف القمع الأسود الذي طال البلاد والعباد على يد نظام ديكتاتوري مصاص للدماء، في مغرب الاعتقالات والمحاكمات الصورية والطرود الملغومة والإعدامات، في مغرب تازمامارت، الكمبليكس، درب مولاي الشريف، اكدز، دار المقري وغيرها... في مغرب "الجدران لها آذان" حسب التعبير السائد وحيث حيازة كتاب شبهة، وقراءة جريدة شبهة، والتضامن مع فلسطين شبهة ووو...سعيدة وهي كل تلك الخصال الثورية سعيدة التي كانت تعيش كل تلك الظروف ستتخذ قرار انخراطها في المنظمة الماركسية اللينينية "إلى الأمام" لتواصل النضال من أجل دولة ديمقراطية شعبية ومن أجل الاشتراكية. ومن موقع عضويتها لإحدى خلايا المنظمة ومسؤوليتها التنظيمية داخلها (كانت سعيدة مسؤولة عن خلية بالرباط- سلا) شرفت سعيدة المرأة المناضلة بثباتها وإقدامها وجرأتها وصمودها في أحلك لحظات المواجهة والتحدي عند نقل الوثائق السرية، أو توزيع المناشير السرية، أو القيام بأعمال التمويه لكراء المنازل (المستعملة كمقرات سرية للمنظمة) أو عند أعمال الرصد وضبط المواعيد أو عند لزوم الحزم لمواجهة خطر داهم أو لطمأنة مناضل أو رفيق لازال في بداية النضال، سعيدة الرفيقة جديرة بنساء المقاومة الفرنسية أو الجزائرية من أمثال جميلة بوحيرد وغيرها. كيف لا تكون كذلك وصدى المرأة المغربية المقاومة مستمر، من المقاومة الأولى ضد الاستعمار في جبال الأطلس وغيرها إلى النضال إبان الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة في الخمسينات إلى نضال العاملات والفلاحات والطالبات والكادحات في المعامل والبوادي والجامعة وفي الأحياء الشعبية.

لقد مزقت سعيدة حجاب النضال عن المرأة لتفتح طريق نضالها الطويل ضد شروط اضطهادها المزدوج ومن أجل مجتمع المساواة الحقيقية بين الرجال والنساء.

كانت سعيدة من المناضلات الأوائل اللواتي فتحن طريق النضال النسائي الثوري ببلادنا، بل كانت أول من مهد له وفجر ينابيعه بشفافية ووضوح وصدق وإرادة لا تلين. لم تكن سعيدة لترضى بأنصاف الحلول و حتى في سلوكها اليومي كامرأة وإنسانة كانت صادقة ونزيهة لا تعرف المساومة على حريتها وحرية الآخرين. سعيدة التي لم يمهلها الموت وغادرتنا في مقتبل العمر تركت لنا قصائدها ورسائلها الى عائلتها وبحثا أو مقال لم يكتب له أن يتم. لو أعدنا قراءته لأدركنا الكثير من أفكارها وقيمها النضالية كامرأة رفعت صوتها ضد الاضطهاد المزدوج للنساء ومن اجل تحررهن تحررا كاملا وشاملا. فبمقدمات منهجية تاريخية واعتمادا على نظرة ثاقبة مسلحة بفكر ثوري، تناولت سعيدة الكتابة في موضوع شائك يتعلق بمن يطلق عليهن "النساء العاهرات". فقد قدمت سعيدة نظرتها للتاريخ قائلة" لم يعد التاريخ تاريخا للأسر الحاكمة ولا يحق للمؤرخين المزيفين أن يكتبوا تاريخ شعب، فالناس هم من يصنعون التاريخ بدمائهم. وهذا التاريخ يسجل ذلك الإرهاب الذي يزرعه النظام الرجعي في صفوف الشعب عن طريق أجهزته القمعية....."

"وحدها الإيديولوجية الماركسية اللينينية، إيديولوجية كل الشعوب المستغلة تستطيع أن تنتزع البلاد من نير الإمبريالية والإقطاعية خادمتها المخلصة".

بالنسبة لسعيدة لمنبهي ف " الانحلال والفساد في مجتمع ما تولده طبيعة هذا المجتمع نفسه: المجتمع الرأسمالي باعتباره نظاما استغلال ولا عدالة اجتماعية يغذي مختلف مظاهر الانحلال: الفساد و العهارة."

"من المؤكد، أنه في مجتمع طبقي وفي ظل نظام مفروض على الجماهير من طرف الاستعمار و الامبريالية من أجل الحفاظ على مصالحهما الاقتصادية والسياسية، فالعهارة، الرذيلة والرشوة هي مظاهر ملازمة لهذا النظام. إنها مظاهر يتم نشرها وتشجيعها. الشعب في ظل نظام لا وطني يتعرض للفقر الأكثر قتامة".

في نظر سعيدة فالمرأة المغربية تعاني من استغلال مزدوج " في هذا المناخ الذي يمكن وصفه بالفاشي، لا يمكن لنا أن ننسى الاستغلال المزدوج الذي تتعرض له المرأة في بلد متخلف وتابع. هذا الوضع الخاص للمرأة المغربية، التي تتعرض لمظهرين من الاستغلال: استغلال من طرف النظام مثلها مثل الرجل واستغلال من طرف هذا الرجل نفسه، هو ظاهرة اجتماعية متولدة تلازميا وفي نفس الوقت من طبيعة البنيات الاقتصادية –السياسية و الاجتماعية القائمة. فمن الطبيعي أن تعتبر المرأة في ظل نظام بطريركي مجرد كائن تابع ليس بإمكانه لا امتلاك الأرض ولا اختيار الزوج أو الانفصال عنه، ليس لها إلا وضعية القاصر......"

من خلال مقالها المكتوب من داخل السجن سنة 1976 قدمت سعيدة الأستاذة المتخرجة من المركز التربوي الجهوي بالرباط درسا في البيداغوجية الثورية. فهي لم تنجز بحثها إلا بعد أن انبنت بينها وبين تلك النساء ضحايا المجتمع الطبقي ثقة متبادلة وفي هذا الصدد تقول سعيدة" بيننا وبين هؤلاء النساء حصل تعاطف كبير" وفي مكان آخر على هامش المقال كتبت تقول" بعض الناس حين يتكلمون عن عاهرة يقولونها بنبرة احتقار. نحن نعطي لهؤلاء النساء ضحايا الاستغلال كل الاحترام الذي يمكن أن يستحقن".

في نظر سعيدة هؤلاء النساء كن مرغمات في ظل "نظام لا يهيأ للشباب سوى طريق المخدرات والكحول أو طريق السجن والتعذيب بالنسبة لأولئك الذين اختاروا النضال ضده". ولتكريس الاستعباد و الاستيلاب ترى سعيدة أن "الاستعمال الديماغوجي للدين يسمح بتعزيز الاستغلال والاستيلاب و الاستعباد بالنسبة للمرأة".

أدركت سعيدة جيدا الطبيعة الطبقية للعهارة من خلال دراستها للفئات الثلاث التي تنتمي لهن النساء اللواتي يمتهنها (اللمبن-بروليتاريا، البورجوازية الصغيرة، الفئات "الراقية"). ثلاث فئات من العاهرات لثلاث أنواع من الطلب في سوق المتاجرة بجسد المرأة.

وفي محاولة لسبر غور وعيهن الطبقي والجنسي وقفت سعيدة على ذلك الوعي الحسي لديهن الذي يظل ذا أفق مستلب. فهن يعرفن من هم أعداؤهن ويعرفن أن الدولة متعفنة وغير عادلة لكنهن لا يعرفن ما هي الحلول، محتميات بعامل الزمن، معتقدات أن هذا الأخير خارج أي عمل ملموس كفيل بتغيير واقعهن. وخلصت سعيدة إلى القول أن كل هؤلاء النساء والمرأة بشكل عام لا يمكنهن أن يعرفن تغييرا لوضعية استغلالهن المزدوج إلا إذا اكتسبن وعيا طبقيا وعملن من اجل تغيير جذري للمجتمع ومن اجل بناء مجتمع اشتراكي يمنح للمرأة حقوقها الفعلية أي المساواة التامة مع الرجل ودور فعلي في الإنتاج ومساهمة حقيقية في الحياة السياسية لبلدها. إن تحرير المجتمع كله هو مهمة المرأة والرجل على حد سواء وعلى رأس هذا المجتمع العمال والفلاحون.

ونحن نقرأ هاته الأسطر، يدرك كل المناضلين المخلصين و المناضلات المخلصات جسامة الخسارة بفقدان سعيدة ذلك الاسم الرمز، ذلك العنوان لوطن جريح مستباح والذي لا زالت المرأة تعاني فيه من كل أصناف وفنون الاضطهاد المزدوج فنزداد حماسا للنضال لأن لنا سعيدة في القلوب.

امرأة بهذا الطموح، بهذا الفكر و هذا الحب للشعب، سعيدة ابنة" إلى الأمام" سيكون لها نصيب وافر مما تعرضت له المنظمة من اعتقالات و اختطافات و تعذيب.

- 16 يناير1976: يوم الاعتقال:

في هذا اليوم من سنة 1976 ستكون سعيدة على موعد ليس ككل المواعيد، ستكون على موعد نحو الدهاليز المظلمة، حيث سترى هناك كل أصناف القبح و الخس، سترى هناك أناس ما هم بأناس، بشر لا كالبشر، ممارسات لا كالممارسات.

كانت سعيدة مواظبة على زيارة أختها خديجة وابنتها فدوى والتي كانت تحبها كثيرا. وفي إحدى أيام يناير الباردة من سنة 76 تدلي لأختها بإمكانية اعتقالها انطلاقا من فرضية اعتقال الرفيق الذي كانت تشاطره مقر سكناها والذي غاب عن الأنظار منذ 48 ساعة، ولم تكن تعرف الجواب عما إذا كان قد اعتقل أم لا.

لم تضيع سعيدة كثيرا من الوقت قبل أن تتوجه إلى مقر سكناها لإفراغه من كل ما يمكن أن يهدد أمن الرفاق وأمن المنظمة من مناشير، وثائق ومعلومات تفيد القمع.

يوم 16 يناير: الساعة السادسة مساء:

كان الوقت مساء وكانت الشمس قد أكملت دورة غروبها، وغابت وراء الآفاق منذ مدة، فأرخى الليل سدوله على المدينة وخيم الظلام عليها، وكان مساء باردا يلفح وجه المدينة، تقف سعيدة أمام الأستوديو الذي تسكنه والذي يقع بحي مدغشقر بالرباط قرب المحكمة الابتدائية حاليا. كانت الساعة السادسة مساء حين وصلت لمنزلها بعد زيارة لأختها خديجة.

ما أن فتحت الباب وحملقت بعينيها الواسعتين في جوانب غرفتها حتى لمحت أن كل شيء في البيت قد انقلب رأسا على عقب: ملابسها، كتبها وأغراضها المختلفة وكأن عاصفة قد مرت من هناك و أصابت الأستوديو.

كانت سعيدة ساهمة البال شاردة الذهن، لقد أدركت بحسها أن اللحظة التي حدست وقوعها قد أصبحت حقيقة. وقبل أن يرتد بصرها و يتشكل رد فعلها ،كان أربعة من الكلاب المدربة من رجال المجرم اليوسفي قدور قاتل الشهيد عبد اللطيف زروال قد انقضوا عليها انقضاض ذئب على فريسته، فريسة ثمينة و كنز غالي لا يقدر بثمن واضعين القيد بمعصميها والعصابة السوداء على عينيها لتنقل، تحت وابل من السباب والنعوت المحقرة للمرأة وللمناضلة، إلى المعتقل السيئ الذكر "درب مولاي الشريف" أو" الدرب" كما يطلق عليه اختصارا لتبدأ رحلة أخرى من حياتها النضالية في مواجهة جلاديها الذين وضعهم النظام الفاشي للتنكيل بالمناضلين وتحطيم كل أشكال وروح المقاومة ضد النهب والاستغلال والاضطهاد التي يمارسها على الشعب المغربي. قضت سعيدة ثلاثة أشهر بالدرب إلى جانب رفاقها ورفيقاتها الذين حصدتهم الحملة الثانية الكبيرة ضد منظمة "إلى الأمام" ابتداء من سنة يناير 76.

كان نصيب سعيدة كبيرا من التعذيب النفسي والجسدي كمناضلة وكامرأة مناضلة داخل المعتقل السري السيئ الذكر، حيث كل الوسائل تستعمل بلا حدود من طرف زبانية النظام وكلابه المسعورة لتحطيم المعنويات وتكسير الإرادة الثورية لدى المناضلين. وباعتبارها امرأة عانت سعيدة من العقلية الذكورية الوحشية للجلادين الحاطة من كرامة المرأة وإنسانيتها الشيء الذي لم تنساه وهي تقف أمام القضاة الوجه المقنع للجلاد في دولة اللا قانون و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. أمام قضاتها في المحكمة انتصبت سعيدة بدورها لتحاكم جلاديها في مداخلة دخلت تاريخ النضال السياسي بالبلاد عموما والنضال النسائي خصوصا، لقد صرخت في وجه رئيس المحكمة الذي كان يطبق بالحرف توجيهات النظام وأجهزته القمعية: "لقد عذبوني، وصفت بأسوأ النعوت التي أخجل أن أذكر ولو واحدة منها، كم هو معيب و منحط مجرد التفكير بوجود رجال يعاملون امرأة بهذه الطريقة، و يجعلني أصاب بقشعريرة و يثير استنكاري وغضبي.

فكيف لا أكون مسيسة؟ كيف لا أناضل لتحسين وضعية المرأة؟

لقد اخترت الرجل الذي أردت أن يشاركني حياتي. وهل الطلاق ممنوع بالنسبة لامرأة؟ يتعلق الأمر بحياتي الخاصة."

اهتزت المحكمة بالتصفيقات عندما أعلنت سعيدة تنديدها بأوضاع الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة المغربية، وبذلك تكون أول امرأة فعلت ذلك ببلادنا وأمام قضاتها المؤتمرين بأوامر أسيادهم. لقد كانت سعيدة منسجمة مع قناعاتها حتى النهاية غير مبالية بمحاولة الجلاد والقاضي ذلك الجلاد الآخر الماس بشرفها وكرامتها كامرأة مناضلة مقتنعة أشد الاقتناع بضرورة تحرير المرأة المغربية.

من درب مولاي الشريف حيث عانت سعيدة كل صنوف التحقير و الحط من الكرامة ستكون وجهتها التالية نحو سجن "عين برجة" ومن تم ستقدم إلى المحكمة، محكمة الاستئناف بالدار البيضاء وذلك في 3يناير1977.

- أمام المحكمة أو الوجه الآخر للجلاد:

يطرح القاضي الأسئلة و سعيدة تجيب. ما اسمك؟ أنت متهمة بالمس بأمن الدولة و المس بالسلطة القضائية وووو... طقس بليد كان لابد للشهيدة أن تعيش أجواءه في شموخ و اعتزاز بالنفس ودون رهبة من القاضي الوجه المقنع للجلاد.

وقفت سعيدة منتصبة القامة مرفوعة الهامة ترد عن أسئلة القاضي (واسمه أحمد افزاز، قاضي جيء به ليمثل دور القضاء تحت توجيهات اليوسفي قدور وأمثاله وسيكافئه النظام على دوره المخزي بجعله على راس ما يسمى بالمجلس العلمي للجهة الشرقية) واثقة بعدالة قضيتها، قضية شعب يعاني من استغلال وقهر واضطهاد نظام مستبد قروسطي، وقفت سعيدة مبتسمة غير مكترثة بمحاولات زعزعة قناعاتها ومنعها من الكلام والتي كان يقوم بها القاضي، محاولات يائسة للعب بأعصابها وجرها إلى حبل الإدانة كما شاء لها. كانت الأجهزة الاستخباراتية، والحاضرة بكثافة داخل قاعة المحاكمة، تتابع التطورات و تراقبها عبر أجهزة وضعت في الطابق السفلي للبناية التي تحتضن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. كانت الأجهزة الأمنية المختلفة تحاصر البناية من كل الجوانب، وراج خبر متابعة رأس النظام الكمبرادوري لأطوار المحاكمة من خلال أجهزة التصنت التي وضعتها أجهزته. كانت التوجيهات تصل تباعا إلى منصة الرئاسة وكان الرئيس أحمد أفزاز السيئ الصيت يترجمها فورا وبشكل مفضوح مؤكدا بتصرفاته الطابع الصوري للمحاكمة أمام استنكار هيئة الدفاع وغضب المناضلين والمناضلات وعائلات وأسر المعتقلين. أمام هذا الوضع كانت سعيدة واقفة توزع ابتسامتها على الحضور الذي غصت به جنبات قاعة المحكمة تارة، وتارة أخرى يرتسم الغضب على محياها وهي تتذكر صورة الغائب الكبير عن المحاكمة، الشهيد الذي اغتالته أيادي الجلاد اليوسفي قدور الملطخة بالدماء، كان اسم القائد الشهيد عبد اللطيف زروال على كل لسان، كانت روحه تخيم على المكان. تذكرت سعيدة تلك الأغاني الثورية التي كانت ترددها جماعيا مع رفيقاتها ورفاقها وهي تعبر شوارع البيضاء على متن الإسطافيتات البوليسية ( تقول الأغنية: " نريد للجميع، الشغل، الخبز، الفرح، الحرية، سنكسر فولاذ الأسلحة ونصنع خبز الجوعى الضروري...."من الأغاني الثورية الفرنسية)، وعادت إلى ذاكرتها أطوار ذلك الإضراب عن الطعام الذي خاضته مع رفاقها تحت شعار "المحاكمة أو إطلاق السراح" والذي انتزع به الحق في المحاكمة وجعلت النظام يقبل به بعد فشل محاولات الالتفاف والتمطيط والابتزاز التي سخر لها خدامه وأعوانه وانتهازيي الأحزاب الإصلاحية...

كانت رفيقتيها في النضال فاطمة عكاشة وربيعة الفتوح يراقبن باهتمام وقوف سعيدة أمام منصة الاتهام ويبادلنها الابتسامة. (اعتقلت سعيدة وفاطمة وربيعة وبييرا دي ماجيو (المناضلة الإيطالية الصلبة التي رفضت الكلام في الدرب في تحد قوي للجلاد اليوسفي قدور وزبانيته، مجسدة بذلك تقاليد الحركة المناهضة للفاشية في إيطاليا و التي كانت إحدى مقاوماتها...) ضمن نفس الحملة القمعية التي تعرضت لها منظمة "إلى الأمام" ابتداء من يناير76.

بإصرار المناضلات الشيوعيات الماركسيات اللينينيات وبقوة إرادتها انتزعت سعيدة الحق في الكلمة، مدافعة عن انتمائها إلى منظمة "إلى الأمام" ومتحدية من أرادوا محاكمتها، محاكمة النظام وجلاديه وذلك رغم أجواء التهديدات بمحاكمة عسكرية والحكم بالإعدام التي كان يلوح بها ممثل النيابة العامة وغضب رئيس المحكمة الذي كان فاقدا لصوابه في أغلب أطوار المحاكمة، مما فجر رد فعل قوي لهيئة الدفاع فانتصب أحد المحامين واقفا موجها له بقوة وعناد تحت تصفيقات الحضور:

"القاضي لا يحكم وهو غضبان" مما زاد في حنق الرئيس على هيئة الدفاع، فانفضح دوره أمام الجميع.

عرفت أطوار المحاكمة الصورية التي أقامها النظام لمناضلي الحركة الماركسية –اللينينية المغربية لحظات مثيرة تخللتها الأناشيد والشعارات الثورية، واضطر القاضي الفاشي إلى الهروب من القاعة التي كانت تدوي بعبارات فاشيست، فاشيست، فاشيست. وبعد لحظات يعود أحمد أفزاز بعد استشارة أسياده القابعين في مكان ما يملون عليه ما يجب أن يفعل، ليصدر قراره بمنع "المتهمين" من الحضور الجماعي إلى قاعة المحاكمة، مما ساهم في اندلاع إضراب عن الطعام ضد المساس بالحقوق الأولية للدفاع و"المتهمين". ودام الإضراب 19 يوما حيث كان يحضر المتهمون إلى قاعة المحكمة واحدا واحدا وهم وهن في حالة إضراب عن الطعام.

هكذا ومن قلب الحصار، ورغم التهديد ورغم محاولات إسكات صوتها، تكلمت سعيدة ولم تتراجع مدافعة عن مواقف منظمتها، مطالبة بحل ديمقراطي لقضية الصحراء، ومنددة بظروف الاضطهاد الذي تعاني منها المرأة المغربية ومدافعة عن حريتها في اختيار شريك حياتها ومستنكرة الأساليب الذكورية الوحشية الحاطة من كرامة المرأة والتي مورست في حقها من طرف كلاب اليوسفي قدور المسعورة.

كانت سعيدة تبتسم، كانت عيونها الواسعة الجميلة تحلق في البعيد، كانت شهمة معتزة بانتمائها الشيوعي، حين دوت القاعة بالتصفيقات في تحية حماسية لجرأتها وشجاعتها.

مرت الأيام وانسدل الستار عن تلك المحاكمة الصورية التي أظهرت للعالم طبيعة نظام لا وطني، لا ديمقراطي ولا شعبي.

مرت على المحاكمة شهران منذ انطلاقها في 3 يناير العام 1977، وفي إحدى الليالي الباردة وتحت جنح الظلام نقلت سعيدة ورفاقها إلى قاعة المحكمة ليصدر في حقها حكم بخمس سنوات إضافة إلى سنتين بحجة الإساءة للقضاء. صدرت أحكام قاسية في حق مناضلي الحملم (مئات السنوات من السجن: خمس أحكام بالمؤبد، عشرين حكما بثلاثين سنة،45 حكما بعشرين سنة وأكثر من أربعين حكما بعشر سنوات).

كانت أشعة الفجر الأولى ترتسم في الأفق حين احتل المعتقلون جنبات المحكمة وصعدوا فوق طاولات الجلوس مرددين جماعيا نشيدهم الثوري:

لنا يارفاق لقاء غدا سنأتي ولن نخلف الموعدا

فهاذي الجماهير في صفنا ودرب النضال يمد اليدا"

سنشعلها ثورة في الجبال سنشعلها ثورة في التلال

وفي كل شبر سنبعثها نشيدا يجدد روح النصال

فلا السجن يوقفنا والخطوب فليس يهدم عزم الشعوب

طغاة النظام مضى عهدهم وشمسهم قد آذنت بالغروب

كانت اللحظة مؤثرة وثورية بامتياز تخترقها زغاريد النساء ووقوف كل الحاضرين في قاعة المحكمة في تحد حماسي للأحكام الجائرة ولمن حبكوها: النظام الكمبرادوري وزبانيته.

لقد سقط القناع مرة أخرى عن وجه نظام دموي حول البلاد إلى سجن كبير، غير مكترث بالقوانين الدولية الإنسانية والحقوقية، معتقدا بذلك أنه سيقضي على كل أشكال المقاومة لسياسات النهب و الاستغلال و الاستبداد و الاضطهاد التي يمارسها.

- بعد صدور الأحكام:

نقلت سعيدة مع رفيقاتها إلى سجن "عين برجة"(سجن مدني بالدار البيضاء) بينما عاد باقي المعتقلين إلى سجن "غبيلا" (سجن مدني بالبيضاء). حين أقفلت باب زنزانتها لم تكن سعيدة تعلم أنها عاشت آخر لقاء لها مع رفاقها، كانت لحظة وداع قبل الأوان، فسعيدة، ستخوض معركتها الأخيرة وستكون آخر رابط لها بالحياة و بالعالم عندما ستدخل في إضراب طويل عن الطعام ستسقط خلاله شهيدة لتلتحق بمواكب الشهداء.

- معركة سعيدة لمنبهي الأخيرة:

كان المعتقلون السياسيون الذين تم نقلهم بعد صدور الأحكام من سجن "غبيلة" إلى السجن المركزي بالقنيطرة ، الذي بنته السلطات الاستعمارية في المغرب ،وهو أحد أكبر سجون إفريقيا، يقضون أول صيف لهم هناك، سجن يلخص تاريخا بأكمله لمناضلي الشعب المغربي ضد الاستعمار بشكليه القديم والجديد، سجن، تظهر أمامه السجون الأخرى صغيرة جدا لحد أنها لن تحتل أكثر من حي من أحيائه. مدينة اعتقال صغيرة بأحيائها ومعاملها ومطبعتها، مدينة خارج الزمن حيث يمر الوقت بطيئا وحيث حساب الزمن مختلف إلى حد أن معتقليه من "الحق العام" اخترعوا طريقة لحساب الزمن فريدة من نوعها فكانوا يرددون أمام كل داخل جديد" الصيف والصيف تمنيام ( 8 أيام) والصيف خمسطاش اليوم ( 15 يوما)، كان يظهر ذلك غريبا لكل قادم جديد لكن ما أن تتوطد أقدامه هناك حتى يدرك كنه تلك العبارة: فالسجن بشكل عام يضم بين جنباته ذوي الأحكام القاسية من حكم الإعدام والمؤبد والأحكام المحدودة من عشر إلى ثلاثين سنة.

وصل المعتقلون السياسيون الماركسيون اللينينيون إلى السجن المركزي بمدينة القنيطرة، بعد أطوار محاكمة صورية في اليوم السابع من مارس من عام 1977. وقد تم نقلهم إلى هناك في "كاميونات" (شاحنات) السيمي (الفرقة المتحركة للتدخل) مغطاة، تحت حراسة مشددة وبمراقبة من الطائرات المروحية.

- صيف 1977 والطريق إلى المعركة الأخيرة للشهيدة.

في صيف 1977 كانت الأمور تظهر داخل حي "أ" وحي "ب" (حيث يقيم معتقلوا محاكمة البيضاء 77 بالسجن المركزي بالقنيطرة) عادية من الخارج، إلا من بعض المناوشات مع الإدارة وبعض الإضرابات عن الطعام القصيرة (24 س أو 48 س) أو احتجاجات أسر وعائلات المعتقلين ضد تصرفات الإدارة. كان المعتقلون منكبين على تهيئ معركتهم الكبرى ضد الأوضاع التي كانوا يعيشونها ومن أجل انتزاع حقوقهم كمعتقلين سياسيين. كان التهييء يتم في كامل الكتمان لمعركة ستكون كبرى. كان الهدوء الذي يسبق العاصفة.

رغم العزلة عن رفاقها كانت سعيدة تتابع عن كثب كل ما يجري، وتساهم هي ورفيقاتها في النقاش الجاري داخل منظمة "إلى الأمام" وبين المعتقلين السياسيين. كانت سعيدة متحمسة للإضراب وكانت تشرف على التنسيق مع رفاقها في ظروف أمنية بالغة الصعوبة والتعقيد. كان لازما الحفاظ على سرية الإضراب كما كان تاريخه قد وضع تحت سرية تامة.

في أواخر أكتوبر 77 و بداية نونبر من نفس السنة، حدد يوم 8 نونبر كتاريخ لانطلاق المعركة البطولية التي خاضها المعتقلون السياسيون بالسجن المركزي، والتي دامت 45 يوما. بالنسبة لمنظمة "إلى الأمام" وقيادتها كانت كلمة السر و رمز المعركة يحملان اسم" الشهيد عبد اللطيف زروال".

في السجن المركزي، و في صبيحة يوم 8 نونبر يسلم أحد الرفاق رسالة إلى رئيس حراس حي "أ" بالسجن المركزي ليسلمها بدوره إلى مدير السجن الذي تقضي الإجراءات الإدارية بإرسالها بدوره وتحت إشرافه إلى المدير العام لإدارة السجون بالرباط وإلى وزير العدل. وما إن قرئت الرسالة حتى دبت حركة غير عادية داخل إدارة السجن المركزي، لقد كانت المفاجئة كاملة.

في نفس اللحظة وفي نفس التوقيت تعلن المعتقلات السياسيات بسجن "عين برجة" (سعيدة لمنبهي، فاطمة عكاشة و ربيعة الفتوح) والمعتقل السياسي بسجن غبيلا أبراهام السرفاتي دخولهم المعركة إلى جانب رفاقهم بالسجن المركزي. كانت المطالب واضحة (تحسين الأوضاع المادية والصحية للمعتقلين، من تغذية، وعلاج، وزيارة مباشرة، وفسحة وحيازة المذياع والجرائد والكتب ومتابعة التعليم، وفك العزلة عن الرفاق بسجن "عين برجة" وغبيلة و إلحاقهم برفاقهم...).

لقد انطلقت معركة 8 نونبر 77 البطولية.

دامت المعركة 45 يوما من العناد والإصرار والمواجهة والتصدي لمناورات النظام وأحزابه السياسية، التي فضلت الصمت قبل اللجوء إلى المناورة تحت ضغط تضامن وتعاطف الرأي العام الديمقراطي والحقوقي الدولي، ليشكل النظام لجنة مفاوضات تحت إشراف وزير العدل آنذاك المعطي بوعبيد (اللجنة البرلمانية كان يرأسها الاتحادي فتح الله والعلو).

كانت سعيدة تخوض معركتها الأخيرة إلى جانب رفاقها ورفيقاتها بصمود وعزيمة لا تلين.

وبدأت الأوضاع الصحية للمعتقلين السياسيين تسوء يوما بعد يوم نتيجة الإهمال واللامبالاة وصمت النظام وأحزابه، وكانت حركة العائلات التي تقودها النساء (أمهات وزوجات وأخوات المعتقلين والمعتقلات تخوض نضالاتها المستميتة ضد الصمت واللامبالاة وضد جريمة النظام وضد روح الانتقام الطبقي لدولة متعفنة). تقول عنهن خديجة المنبهي في كتابها "منتقيات من كتاب الاضطهاد" "هؤلاء النساء اللواتي لم يسبق لهن في أغلبيتهن تقريبا، الخروج من بيوتهن، سيتحولن إلى مناضلات مكافحات من أجل قضية أبنائهن"، "كانت اللحظة مثالية بالنسبة لهن للتحرر من السلطة الزوجية وتعلم تجربة جديدة: تجربة أم، زوجة، أخت المعتقل، تعلم النضال من أجل أن يستفيد ذاك أو تلك من أحسن ظروف الاعتقال أو ببساطة إطلاق سراحهم (ن) أو لتحديد تاريخ محاكمتهم (ن)". لولاهن ولولا إصرارهن وصمودهن لسقط العشرات من الشهداء.

من تداعيات و مضاعفات الإضراب الطويل عن الطعام سيتم نقل سعيدة ورفيقتيها فاطمة وربيعة إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء بعد أن ساءت حالتها الصحية وقد وضعت الرفيقات الثلاث في غرفة صغيرة ذات نافذة صغيرة.

و في يوم 10 دجنبر و بعد 33 يوما من بداية الإضراب، نقلت سعيدة إلى غرفة كبيرة وهي في حالة غيبوبة (كوما) حيث ظلت ملقاة على الأرض تحت مراقبة "أمنية" و ليس طبية، فكان رجال السيمي يراقبون نبضاتها ويحملون أدواتهم الطبية رشاشات سوداء مستعدة للإطلاق، أما الأطباء فكأن الأرض ابتلعتهم "فلا قسم أبوقراط نفع ولا ضوء البذلة البيضاء سطع ولا تدخل الهيئة الطبية وقع". كانت سعيدة تعيش لحظاتها الأخيرة فاقدة للوعي بل تحتضر ومن حولها أختيها خديجة و الباهية يقبلانها وتحثانها على المقاومة والبقاء "عيشي حبيبتي قاومي، سعيدة نحبك كثيرا" كانت الكلمات مؤثرة وقوية ترن وسط قاعة ممتدة الأطراف حيث كانت سعيدة ملقاة على الأرض، إنها كلمات وداع أخيرة ولا أحد كان يعلم أنها الأخيرة.

فهل سمعت سعيدة تلك الكلمات الأخيرة؟ سيبقى السؤال دائما و سيظل الجواب أيضا غائبا.

و في يوم 11 دجنبر 1977و كانت الساعة الخامسة صباحا، توقف قلب سعيدة عن الخفقان وسط إهمال طبي إجرامي من النظام، الأم فخيته الهيلالي تصل على عجل إلى مستشفى ابن رشد وهي تحمل معها أشياء لسعيدة فتصاب بالصدمة ما أن أخبرتها ابنتيها بموت سعيدة. كانت كلماتها وهي تسمع الخبر تنم عن ألم وحزن الأم العميق بعد موت حبيبتها سعيدة: "كنت عارفها، عارفها، قلبي علمني، هداكشي علاش جيت ليوم".

يوم 12 دجنبر 1977: سعيدة لمنبهي تدخل مدينة مراكش دخول الأبطال الشهداء.

في هذا اليوم تدخل سعيدة مدينة مراكش، بعد سنوات من الغياب دخول الشهداء، كمناضلة ثورية ماركسية لينينية ورمزا لنضال المرأة المغربية.

كان الأب في انتظارها عند باب بيت الأسرة يداري حزنه وألمه على فقدان صغيرته الجميلة، كان البيت غاصا بعائلات المعتقلين السياسيين الذين جاؤوا من كل الجهات. حضر محامو حقوق الإنسان والعديد من المناضلين والمواطنين. كانت سعيدة وهي في كفنها الحريري الأبيض وسط منزلها الأبوي جميلة حتى في موتها.

وانطلق الموكب الجنائزي نحو مقبرة الشهداء بباب دكالة، كان الحضور لافتا وحاشدا، كانت الجنازة مهيبة تليق بمناضلة كبيرة استشهدت من أجل قضايا شعبها. وفي طريقها إلى مثواها الأخير أطلقت حناجر المودعين والمودعات: "سعيدة الشهيدة، في التاريخ خالدة" وتلقفتها الحشود فكانت لحظة وداع مؤثرة لرمز النضال النسائي المغربي.

في إحدى رسائلها من السجن كتبت سعيدة تقول: "اذكروني بدون ألم، وتكلموا عني لأبنائكم". وبعد 34 سنة على استشهادها لازالت أجيال المناضلين والمناضلات تردد اسمها في كل مواقع النضال، ولا زالت المناضلات تغني لها في كل حفل ومناسبة ومسيرة وحركة نضالية، سعيدة اسم على كل لسان...

-من شهيد إلى شهيدة وإلى كل الشهداء

قبل استشهاده بسنتين كتب الشهيد زروال يقول في قصيدة له:

"ها أنذا أسقط في الساحة: أحمل وردة حمراء....تنزف دما::ها أنذا عريان أزحف فوق القتلى::وألم أطرافي...كي أمسك بالراية الممزقة::وأنفخ بدمي في رماد الشرارة المحترقة::هاأنذا أدفع الضريبة::فلتباركي موتي يا حبيبة."

لا ندري هل قرأت سعيدة هاته الأبيات، ولكنها ككل رفاقها ورفيقاتها ستخلد اسمه في كتاباتها، فمن يكرم الشهيد يتبع خطاه، لقد أقسمت أن تموت ماركسية لينينية فأوفت بوعدها.

- على خطى الشهيد عبد اللطيف زروال

تقول سعيدة في إحدى نصوصها الشعرية:

لحظة

          لن أتنازل

                      ولو تحت الأرض

                                               سنشق طريقا

                                                                  نحو النور

                                                                                   ففي القلب

زروال



فتحية إلى روح سعيدة الخالدة وسنردد دائما ومن بعدنا الأجيال القادمة: "سعيدة الشهيدة، في التاريخ خالدة"

ومن يكرم الشهيد يتبع خطاه حتى النصر.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.