Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

رسالة سمير بن سعيد إلى أبراهام السرفاتي ـــ 4 مايو 1998 ــ

Pin it!

توضيح من الموقع:

قبل نشر، و في القريب العاجل، حلقات دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" “، يضع الموقع أمام كل المناضلين و القراء، وثيقة ترصد لإحدى اللحظات المهمة من تاريخ التفكك و الانحطاط الفكري و السياسي لأحد رموز ما سمي بداية الثمانينات من القرن الماضي ب "مسلسل إعادة البناء" (إعادة بناء منظمة "إلى الأمام”). و نضعها هنا، الوثيقة ــ الرسالة التي بعثها أحد أقرب الأقرباء السياسيين لأبراهام السرفاتي و الذي رافقه في منفاه، لوضع المناضلين و القراء في صورة اللحظة ما قبل النهائية التي وصل إليها عميد الخط التحريفي سنة قبل التحاقه بصفوف النظام الكمبرادوري.

 

تقديم للوثيقة ـــــ الرسالة

هذه الوثيقة التي ينشرها موقع "30 غشت" لأول مرة مترجمة عن نص أصلي باللغة الفرنسية، هي عبارة عن رسالة بعثها سمير بن سعيد إلى أبراهام السرفاتي، و ذلك بتاريخ 4 ماي 1998، أي سنة قبل عودة أبراهام السرفاتي إلى المغرب.

و الرسالة تحمل توقيع صاحبها، الذي كان ساعدا أيمنا لأبراهام السرفاتي، عندما حل هذا الأخير بالديار الفرنسية، منفيا من طرف الحسن الثاني، بدعوى أنه برازيلي.

كان سمير بنسعيد بدوره منفيا بفرنسا منذ فشل ما سمي بمسلسل "إعادة البناء" للمنظمة في خريف 1985، و كان معتنقا لأطروحات هذا المسلسل، و عندما انعقد لقاء بباريس في ربيع 1994، للتداول في مسألة حل منظمة "إلى الأمام" و توقيف مجلتها بنفس الإسم، كان من اللذين وافقوا على ذلك.

و من موقع علاقته الخاصة بأبراهام السرفاتي، واكب مسلسل تراجعات هذا الأخير الفكرية و السياسية، بل و لمس تخبطه و تناقضاته التي دخلت مرحلتها الحاسمة سنة 1998، في طريق بدون رجعة نحو التحاق أبراهام السرفاتي بالنظام السياسي الكمبرادوري المغربي. في الحقيقة كانت سنة 1998 المحطة ما قبل الأخيرة لوصول أبراهام السرفاتي إلى المغرب، معتنقا و مدافعا عن القيادة السياسية للملكية من أجل "بناء المجتمع الديموقراطي الحداثي".

إن موقع "30 غشت" إذ ينشر هذه الرسالة فإنما للأسباب التالية :

1 ــــ لأنها كوثيقة تاريخية، ترصد جوانب هامة من مسلسل الانحطاط السياسي و الفكري لأحد قادة و أعمدة ما سمي ب "مسلسل إعادة البناء".

2 ــــ لأنها كذلك تبرز عجز و تناقض كاتبها، و هو من متبني أطروحات "مسلسل إعادة البناء"، في فهم الأحداث الجارية من حوله، و عندما حاول فهمها و استيعابها لم يجد من ترسانة فكرية أو سياسية لمجابهة الأطروحات الانهزامية لصديقه، سوى الركون إلى النسق الفكري و السياسي الذي تربى عليه منذ انطلاق "مسلسل إعادة البناء"، فلم تتجاوز انتقاداته حدود خط سياسي ديموقراطي و ليبرالي، و هذا كان حال العديد من المناضلين الذين سقطوا في فخ الأطروحات التحريفية الجديدة، فافترقت بهم السبل، منهم من لاذ بصمت القبور، و منهم من ركب الموجات الجديدة للفكر الليبرالي، بينما وجد البعض نفسه داخل تنظيم سياسي جديد، دون الإعلان الرسمي عن حل المنظمة، و قاموا بالمواكبة مداراة أو اقتناعا بالأطروحات التحريفية الجديدة.

3 ــــ و لأن البعض كان و لا يزال يعتقد أن "مسلسل إعادة البناء" جاء كتعبير عن خط بروليتاري دون قدرة البرهنة على ذلك، بل عند استعادة مسار هذا المسلسل، يتم الوقوف في منتصف الطريق دون استطاعة تجاوز خريف 1985، محطة نهايته و فشله، و الرسالة تلخص إلى حد ما النهاية المأساوية لأصحاب "إعادة البناء" في شخص أحد منظريها و قادتها و نعني بذلك أبراهام السرفاتي.

إن موقع "30 غشت"، و هو يفتتح المرحلة الثانية من تاريخ منظمة "إلى الأمام" 1980 ــــ 1994 بهذه الرسالة، فإنما للتأكيد على فشل خط "إعادة البناء" البروليتاري المزعوم و إفلاسه النهائي، قبل البدء في نشر وثائق هذه المرحلة الثانية و التطرق إلى خصائصها الإيديولوجية و السياسية، ضمن منهج تاريخي يضع التحولات الإيديولوجية و السياسية ضمن سياقها العام.

  

تنبيه:

كل الهوامش الموجودة على الرسالة هي أصلية في النص، ما عدا الهامش الأخير (11)، فهو من وضع موقع ‘’ 30 غشت’’.

 

 

------------------------------------------

الرسالة ــ اضغط هنا ــ

  4 مايو 1998

عزيزي أبراهام

بعض الإيضاحات منذ الفقرة الأولى من نصك(1)، كل شيء قيل، و هذا وحده يكثف عدم التماسكات كلها التي ميزت تحليلاتك في هذه السنوات الأخيرة، و بالأساس مواقفك المرتبطة ب "السيرورة الديموقراطية بالمغرب" التي اكتملت مع تعيين السيد عبد الرحمان اليوسفي في منصب وزير أول.

خلط عجيب في المفاهيم، مفاهيم غريبة عن المشهد السياسي المخزني المسيطر: حكومة وسط اليسار "الأغلبية"، "الاقتراع العام المباشر و السري"!!.

كنت قد كتبت، و قد مر على ذلك ست سنوات:

"يجب أن نطبق ضد نظام الحسن الثاني نفس الإجراءات التي اتخذناها ضد نظام الميز العنصري (... ) لأنه يجب التخلص من هذا النظام، فهو حاليا يبحث عن طمس جرائمه، كما يوهم أن حقوق الإنسان قد تعززت، و أن الديموقراطية في طور البناء ... لكن هل يمكن أن نترك المسؤولين عن تازمامرت في الحكم؟ هل يمكن تصور ترك هتلر يحكم بعد أن تم اكتشاف أوشويتز...؟

و ليكن هذا واضحا: أولئك الذين يستمرون في مساعدة الحسن الثاني اليوم : يجعلون أنفسهم متواطئين مع جلاد تازمامارت ...(2)

في نفس هذا الكتاب(3) كتبت كمقدمة:

" وحده سقوط الحسن الثاني سيسمح بمنفذ للديموقراطية بالمغرب"، لا يمكن أن يكون هناك تقدم حقيقي نحو الديموقراطية في المغرب بدون تفكيك الجهاز المخزني (...) دون التخلص من هذه المداهنة المخجلة و المفروضة من الملك (...) إن أي مؤسسة ممنوحة من طرف الحسن الثاني لا يمكنها أبدا تحقيق الديموقراطية بالمغرب، يجب نزع الحسن الثاني عن عرشه و تأسيس دستور ديموقراطي من طرف منتخبي شعب سيد نفسه".

كنا مع ذلك في السابق بعيدين عن البرنامج الثوري للثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية.

من ملكية بدون الحسن الثاني مررنا إلى ملكية بدون إدريس البصري، ذلك الذي كنت تسميه و لم تمر على ذلك بضع سنوات بالحسن الثاني جلاد تازمامارت، أصبح صاحب الجلالة الحسن الثاني. الخائن الذي دشن الحرب ضد الشعب الصحراوي سنة 1976 عن طريق القصف بالنابالم سكانا صحراويين مدنيين في الساقية الحمراء، أصبح فجأة ذلك الذي يعالج المسألة الصحراوية ب "نظرة سياسية و حنونة"(4)!

تنازلات تلو تنازلات، ها أنت تحيي بيعة قديمة و دائمة لصاحب الجلالة محمد الخامس(5) يرجع تاريخها إلى سنة 1958.

إن ما هو أخطر، خارج الطابع السياسي للإعلان، أن تجعل الناس يعتقدون بأن تكون مغربيا يعني أن تقدم البيعة للملكية، لأن هذا يعني ببساطة "إعادة الاعتبار ل 14 قرنا من التاريخ المخزني للمغرب، و أيضا شرعنة النظام المخزني و الملكية ( التعبير السياسي عن هذا الأخير).

إن الحسن الثاني كما نعلم، لم يسبق له أبدا أن غفر للحركة الثورية (بالأخص لمنظمة "إلى الأمام") التشكيك في هذا التاريخ ،و من تم شرعية النظام المخزني و الملكية.

تنازلات بعد تنازلات، و كانت نقطة الإنقلاب (أي وصول المواقف حد الإنقلاب على المواقف السابقة).

نقطة أخرى تكشف هذا التنافر ، هو ما يتعلق بإدريس البصري، ما دامت المسألة لم تعد "سب" الحسن الثاني، أصبح إدريس البصري هدفا لكل الهجومات و المسؤول عن كل الآلام. منذ الآن فهو يقدم كرجل "يملك كل السلطات" ".

هنا أيضا ها ماكنت تكتبه أيضا، و بالضبط في مارس 1992:

" كل المعارضين المنطقيين (مسطرة من طرفي) يعلمون أن هدفا كهذا (ما يتعلق بالديموقراطية و بناء دولة الحق و القانون) يتناقض مع سيطرة الحسن الثاني على الحكم، ليس فقط لأن هذا الرجل لا يمكنه أن يتغير...، بل لأنه معروف، أن زعيم مافيا مرتبط بمافيته، يمكن أن ينحي هذا المتواطئ أو ذاك، كما فعل مع الدليمي، و يمكن أن يقوم به أيضا مع إدريس البصري لكنه لا يمكن أن يزيل المافيا نفسها".

كلمات صائبة لأنها صادقة (حقيقية).

سطرت على كلمة "المنطقيين" لأن هذا هو المقصود بالفعل. لست في حاجة أن تكون ثوريا ، و لا حتى "جذريا حريصا على الحفاظ على نقاء المعارضة" لكي تقف على الخداع و الرياء و النفاق الذي يجري الآن.

بدون شك، فإن الذي يميز هذه السيرورة من التنازلات هو بالذات ذلك التناقض في الخطاب الذي يعكس تناقضا بين التفكير العميق و المتجذر داخلك، القائم على عقود من "النضالات و الصرامة الثورية" مطبوعة بتقاليد المقاومة و مصقولة بتطبيق صارم للنقد الذاتي و مرتكزة بالأساس على العمال و الجماهير الكادحة من الشعب من جهة، و تحليلات و اتخاذ مواقف ظرفية ضد طبيعة الأشياء، تصالحية سياسوية من جهة أخرى. و مقالك الأخير مثال على ذلك، و إذا كان الأمر غير ذلك، فكيف يمكن النظر إلى صفة "وسط يسار" التي تم صبغها على الحكومة الحالية.

لقد أصبح التجمع الوطني للأحرار حزب وسط ! "حزب" يقوده عصمان، صهر الحسن الثاني، واحد من عراب المافيا المخزنية، و واحد من أكبر بارونات المخدرات (كما وصفه تقرير "المرصد الجيوسياسي للمخدرات" الذي تم القيام به سنة 1994، بطلب من الاتحاد الأوربي).

في هذا الموضوع، يكتب "ملاحظ من الخارج" ج. ب توكوا من جريدة لوموند الذي يظهر أقل سذاجة: "الكتلة الثالثة التي تصفها السلطات العمومية ب "الوسط"، لكنها توجد في اليمين (....)، تناوب يبحث عنه القصر منذ سنوات لتقوية الملكية بإعطائها شهادة الديموقراطية" (لوموند،18-11-97). و كتب ستيفان سميث بدوره في ليراسيون 17 -11- 97 قائلا:

"إن الحكومة الجديدة ستخرج من القصر حتى لا تخرج من صناديق الاقتراع الشئ الذي لا يشكل بشكل دقيق قطيعة مع الماضي" .

لكن المقال الأكثر إفادة ،هو ذلك الذي كتب في هذا الموضوع من طرف "ملاحظ من الخارج" جون بول ماري الذي صدر في لونوفيل أوبسرفاتور 3- 9- نونبر – 97. و بالفعل فبعد أن عرض لوحة مقلقة حول الوضعية الاجتماعية بالمغرب، وصل الصحافي إلى الخلاصة التالية:

"المخدرات، التهريب، الإقتصاد غير المهيكل، رشوة ضخمة حاضرة كليا في دواليب الإدارة و الاقتصاد و السلطة "بما يعادل 40 % من الناتج الوطني الخام!" كما يقدر أحد الاقتصاديين. يكفي أن تتجول في مرتفعات المدينة (طنجة)، و أن تقف على بؤس أحياء بني مكادة، و تحصي عدد الملتحين بعيونهم العدائية، و تجار المخدرات، و الشباب المغاربة الذين اختاروا الارتماء سريا في قارب في عرض البحر، وسط التيارات المخيفة لمضيق جبل طارق من أجل هروب انتحاري ...نحو أوربا.

دولة الحق؟ الديموقراطية؟ المستقبل؟ هنا يكمن الرهان : علينا أن لا نصدر حكما ضد شباب المغرب الذي أجبر على الاختيار بين، نظام "المخزن" و مهربي البشر، و الملتحين الذين يعدونهم بالجنة".

هذا ما نسميه صحافي يقوم بعمله كما يجب، صحافي منطقي.

ستعذرني عن هذه المقتطفات الطويلة و العديدة، لكن أعتبر أنها بالإمكان أن تساعد على نقاش "خصب". فأنت تعرف وجهات نظري في الموضوع، ليس بالمفيد في شيء أن أذكرك بها مخافة الغرق في نقاش عقيم كما أشرت لذلك في مقالك (1).

لهذا فكرت أنه كان أكثر نفعا بدون شك، أن أسمعك دقات ناقوس أخرى لأناس بعيدين عن كل شكوك بانتمائهم ل"تيارات راديكالية مشلولة بالنقاشات العقيمة ترمي إلى الحفاظ على نقاوة المعارضة". لنرى ما يقوله عبد اللطيف أكنوش، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالدار البيضاء(6):

"فيما يتعلق بأحزاب الوسط، هذه التسمية كارثية على المصطلحات السياسية بالمغرب . بالفعل كيف يمكن اعتباره من الوسط حزب شارك في سياسة التقويم الهيكلي التي قادت إلى الأزمة الحالية؟

إننا نميل نحو نسيان أن أحزاب الوسط هذه و على رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار صنعتها الإدارة. فيما يخصني لا أرى أي فرق بين التجمع الوطني للأحرار و الاتحاد الدستوري. أما بالنسبة لحزب عرشان (الحركة الاجتماعية الديموقراطية) أظن أن أحرضان ليس خاطئا بالمرة عندما يصرخ في كل مكان أن الانشقاق الذي تم إحداثه داخل حركته كان بأمر من السلطة".

من جهة أخرى يصف الأستاذ أكنوش التجمع الوطني للأحرار ب "الحزب المخزني التقليدي".

للتأمل فيما صرحت به و مقارنته في هذا الموضوع بوصف التجمع الوطني للأحرار بحزب "عصري" ثم بحزب "الوسط"...

بعد تحليل موجز لدستور 1996، وصل الأستاذ أكنوش إلى الخلاصة التالية: "هذا يؤدي بي إلى إعادة التأكيد على أن التناوب ليس إلا تناوبا مراقبا (في بعده السياسي) بسبب أن الحكومة ليس لها إلا هامشا ضيقا لتحقيق هذا البرنامج أو ذاك، لأن الملك هو من يختص في إعداد و تحديد التوجهات و ليس للحكومة أي اختيار سوى العمل على التطبيق التقني لهذه الغايات.

في هذا الإطار، من الصعب الحديث عن حكومة تناوب تتوفر على مشروع مجتمعي واضح، قابل للتطبيق و ذو مصداقية".

في فقرة من التحليل الذي قام به الأستاذ أكنوش حول دور وزارة الداخلية في علاقتها بأحزاب الكتلة نسجل ما يلي :

" منذ 1993 إلى يومنا هذا، تحقق نوع من الألفة بين وزارة الداخلية و أحزاب المعارضة البرلمانية، بناءا على ذلك، من المحتمل، أن هؤلاء (في الحكومة المقبلة) يجلسون جنبا إلى جنب مع وزير الداخلية.

يشكل وزير الداخلية استمرارية خطيرة جدا للمخزن في صفوف المجتمع،بواسطة المقدمين، الشيوخ، المنتخبون المحليون بل البرلمانيين أيضا. إن هذا الرابط العضوي هو ما يشكل وزارة الداخلية."

إن الأستاذ اكنوش أبان بوضوح عن نفاذ بصيرة أكبر بالتذكير بالعلاقات الجديدة التي تم عقدها بين الكتلة و إدريس البصري، و التي ترجع إلى سنة 1993 ذلك أن الأمر يتعلق بخضوع جديد للملك، كما حدث كثيرا من المرات في السابق على امتداد تاريخ الحركة الوطنية، و هذا منذ 1993 أي بعد الخطاب الملكي الذي حذر فيه الكتلة ضد كل مساس بالأسس المقدسة للعرش، من بينها ما يوجد وزير الداخلية. و هذا ينسجم مع النظام المخزني و طريق اشتغاله، ذلك أن في هذا، و بشكل كبير، بقاء النظام و مراقبته للمجتمع على كل المستويات. إن عدم استحضار هذا الثابت المخزني، أو الظن كذلك أنه من الممكن الحصول على حكومة "تناوب" بدون إدريس البصري، كما قصدت، هو من باب إعطاء الدليل على الكثير من السذاجة، بينما كل المؤشرات حاضرة لتبين العكس (الكتلة لم تضع هذه المسألة في جدول الأعمال منذ 1993. بل، أسوأ من ذلك فقد عين الحسن الثاني بساديته المعروفة، إدريس البصري لقيادة سيرورة الحوار السياسي و الاجتماعي مع الكتلة. مستسلمة منذ البداية انتهت الكتلة إلى إعادة اكتشاف اتجاهها المازوشي بأخذها متعة الحوار مع عدو الأمس اللدود.

هكذا أصبح إدريس البصري "رجل حوار و انفتاح"، رجل ثقة لدرجة يمكن معه التوقيع على ميثاق شرف عشية الانتخابات. حتى الأكثر "صلابة" من قيادات الكتلة انتهى بهم الأمر إلى السقوط تحت تأثير "سحره"بحيث وقعوا معه ميثاق السلم الاجتماعي، إنها سيرورة العار و الاحتقار الذاتي تم تتويجه بدعوة إدريس البصري من طرف نوبير الأموي لحضور المؤتمر الأخير للكونفدرالية الديموقراطية للشغل).

في زمن الانحسار يصبح كل شيء ممكنا. فأولئك الذين ما زالوا يقاومون، أو كما تفضل أن تقول، أولئك الذين يريدون"الحفاظ على نقاء المعارضة" يحسون بعض الأحيان أنهم آتون من عالم آخر و من زمن آخر. لحسن الحظ أن هناك نساء و رجال الذين عرفوا كيف يحتفظون بنفاذ بصيرتهم و نزاهتهم الفكرية و الأخلاقية بدون أن يكونوا ثوريين بالضرورة، أنقياء، صلب، لكن بشكل طبيعي منطقيون مع أنفسهم ،مع مبادئهم أو رسالتهم (جامعيون صحافيون، سياسيون ...الخ).

من ضمن هؤلاء ،هناك خالد الجامعي رئيس تحرير اليومية المغربية لوبينيون و عضو حزب الاستقلال. إليك ما صرح به في استجواب غداة تعيين اليوسفي في منصب وزير أول :

"إنني ضد النسيان و فقدان الذاكرة. الخطأ هو أن نظن أن شعبنا فاقد للذاكرة. ليس لأنه محروم من حرية التعبير يمكن الظن أنه سينسى التزويرات و كون الخريطة السياسية قد صنعت كل أجزائها (...). 40 سنة من النضال و الكفاح بدون التمكن من فرض مطالب انتخابات حرة، 40 سنة لكي يصل الاتحاد الاشتراكي و احتمالا حزب الاستقلال إلى الحكومة. أقول وصول و ليس انتصار. بالعكس إنها هزيمة لأن الأمر يتعلق باستسلام يدل على عجزنا عن تغيير الوضع. كل شخص من اليسار يظن أن المشاركة في هذه الحكومة إيجابية، عليه الاعتراف بالعكس (...) إن الوضعية في المغرب لم تعد تتطلب إصلاحات بسيطة، و لكن ثورة بكل معانى الكلمة ( ...).

لنتوقف عن اللعب بالكلمات ولنترك جانبا كلمات تناوب، حكومة يسار... و نستعمل لغة مطابقة أكثر للواقع"7.

يبين الجامعي في المقابل أنه "توجد ثقافة و تفكير و مواقف جديدة، تبين أن هناك مدا تاريخيا لا يستطيع أحد من الآن إيقافه. فلا بوستة و لا الديوري يستطيعون إيقاف اتجاه أجيال ما بعد الاستقلال، فالذي يجب أن يكون، هو قطيعة و ليس تغييرا مع الثقافة و السياسة المخزنية".

أظن أن هذه الجملة الأخيرة تستأهل جيدا اهتمامنا، لأنها تلخص الوضعية الحالية المتسمة بمحاولة مخزنة مجموع الطبقة السياسية و المجتمع المدني أيضا. لكن الذي يقلق خالد الجامعي أكثر، أن الكتلة إذا قبلت اليوم بتناوب لم يخرج من صناديق الاقتراع، و لكنه مقرر من المخزن سيفقدها مصداقيتها في عيون المواطنين، لأن هذا يسير ضد ما كانت تدعي الدفاع عنه في الماضي، لكن بالأخص ستكون في وضع سيئ لتقوم بأدنى ملاحظة عندما سيكون دور"الوفاق" في أن يحكم حسب قواعد "التناوب المخزني".

حول دستور 1996

كما حددت ذلك في نص حول الموضوع (صفحة 7)، لم تقم بتحليل للدستور بل اكتفيت فقط بوضع بعض الملاحظات الانتقائية في هذا الموضوع .

إن انتقاء بعض النقط في الدستور، التي تعد "إيجابية"8، بالنسبة لك بعزلها عن سياقها، هو ممارسة، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تقريبية جدا (و بالأخص عندما يتعلق الأمر بنصوص حول القانون أو ذات طبيعة قانونية حيث توجد داخلها مادة تحيل على أخرى)، الشيء الذي يفاجئ لدى رجل صارم مثلك. إن الذي نسيت أن تحدده (تدققه) في هذا الإطار،أن كل هذه السلطات توجد في يد و مراقبة الملك. و بالفعل، لأي شيء يصلح أن يتوفر وزير أول على سلطة تنظيمية، (حتى أنني لا أعرف مكان هذا المفهوم أي السلطة التنظيمية في منظور القانون الدستوري) إذا كان هذا الأخير من الممكن أن تتم إقالته من طرف الملك في كل لحظة و بكل مشروعية (المادة 24 من الدستور)؟

و هذا صحيح، من جهة أخرى بالنسبة لمجموع الحكومة التي تعد مسؤولة أمام الملك قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان (بغرفتيه) و ليس فقط أمام البرلمان (المادة 60).

لا أريد أن ادخل أكثر في التفاصيل، ذلك أن صديقنا الأستاذ غ . كولون قام بها بشكل ملائم و بكثير من الصرامة في نصه لشهر شتنبر سنة 1996. و سأقوم مع ذلك بملاحظة إضافية حول الجهوية، لأنني أعتبر مواقفك غير منسجمة بشكل نموذجي حول هذا الموضوع و ترمي بكثير من فقد الثقة حول تحليلك للوضعية العامة.

كيف يمكن التشبت بالدفاع عن فكرة حصول تقدم في هذا الموضوع (أضف إلى ذلك أنك وحدك من يقول ذلك) عندما نعلم أن الدستور سجل تراجعا حتى بالمقارنة مع دستور 1992. و تعتمد في هذا الصدد على فكرة أن العامل مكلف ب (و ليس "يجب عليه" ) "تنفيذ قرارات المجلس الجهوي" .

حول هذه النقطة الأخيرة يظهر أنك تأخذ كلمة "تنفيذ" بالمعنى الحرفي، الشيء المستغرب من جانبك، بدل أن تأخذه في بعده القانوني الذي يتلاءم جيدا مع السياق. بمعنى آخر، هذا يعطي للعامل سلطة تنفيذ قرارات المجلس المنتخب. في ديموقراطية حقيقية، فإن هذه السلطة التنفيذية (لأن الأمر يتعلق جيدا بهذا) موكولة من طرف المجلس الجهوي المنتخب إلى رئيس المجلس الجهوي (العمدة بالنسبة للجماعات) أو إلى مكتب تنفيذي حسب الحالات. إن دور والي المقاطعة، في فرنسا مثلا، ينحصر في هذا الموضوع، في مراقبة شرعية أفعال و قرارات محلية بالنسبة للقوانين الوطنية... بالفعل فإن الكتلة لم تترك نفسها تسقط في الخطأ فيما يتعلق بهذا الموضوع،عندما طلبت في مذكرتها في 23 ابريل 19969 في الفقرة 7 المتعلقة باللامركزية ، ب"السماح لمجالس الجماعات المحلية بإمكانية تنفيذ قراراتها. انطلاقا من هذا المبدأ، يقترح إزالة الجملة الأخيرة من المادة 96 من الدستور التي هي : "العمال مكلفون بتنفيذ قرارات مجالس العمالات و الأقاليم" " (انتهى الاستشهاد) !! أليس هذا مفارقة ؟ ذلك الذي اعتبرته إيجابيا،طالبت الكتلة إزالته منذ 1996! في المقابل، فالذي كان يجب التسطير عليه في هذا الإطار، و الذي يشكل في الحقيقة تراجعا بالمقارنة مع دستور 1992 هو تعزيز صلاحيات العامل، ما دام أنه لم يعد فقط مكلفا بتنسيق أعمال مختلف المصالح المحلية للدولة، و لكن بتدبيرها (المادة 101 من دستور 1996)، و هذا على حساب مهام الوزير الأول و صلاحيات وزرائه .

"اليوسفي أو الفوضى" إنه الخيار الذي وضعت فيه الديموقراطيين المغاربة على خلفية "الاستحقاق الصحراوي" و كل ما يحتمله من مخاطر، باللإضافة إلى "عالم عربي موسوم ببنيات قروسطية". بنفس الأسلوب،فلقد وضعنا أمام الأمر الواقع : إما أن نقبل ديموقراتورية (كمرحلة في اتجاه ديموقراطية حقيقية!) و إلا سيكون الخطر الإسلامي أو العسكري!

أي نقاش يمكن أن نأمله، إذا كنت تعلن دفعة واحدة بكيفية قاطعة أن "اليوسفي اليوم هو القائد السياسي المغربي الوحيد الذي يمكنه أن يجنب المغرب الفوضى التي يتخبط فيها".

هل هو أمر جاد أن تضع كل الحمل على ظهر رجل واحد ؟ كيف يمكن أخذ كل هذا بجدية، خاصة عندما تسكت عن واحد من الوقائع الأكثر أهمية في هذه السيرورة، ذلك الذي أعاد خلق أمل إنقاذ شرف ملايين المواطنين، يتعلق الأمر بفعل مقاومة للمخزن من طرف برلمانيين (من الشبيبة الاتحادية) الذين عرفوا كيف يظلون منطقيين مع أنفسهم و نزيهين، عندما رفضوا "دعوة المخزن"، (الشيء الذي اعتبر فعلا تمرديا). لقد تحلوا بالشجاعة عندما تخلوا عن منصبهما البرلماني، كاحتجاج ضد تزوير نتائج التصويت. إن الأمر يتعلق بعمل عظيم و لا سابق له حسب علمي. في نفس هذه الدينامية، نسجل أيضا تزايد الأصوات الحرة من الديموقراطيين، مثل خالد الجامعي و عمر السغروشني،الذين عرفوا كيف يتجاوزون حواجز أحزابهم، و خاصة الانفكاك من تأثير عبادة "الزعيم"10 التي ليست في المضمون المغربي سوى إعادة إنتاج العلاقات المخزنية على مستوى الأحزاب . هنا أيضا يجب أن نضع في المقام الأول، هذا الفعل الجديد نسبيا،الذي هو شكل من أشكال الكفاح ضد مخزنة الأحزاب التقليدية، لكن أيضا، سيسمح بتحرير كفاءات مهمة و تـأسيس ممارسة سياسية جديدة.

- ماهي الحلول الأخرى؟

حل "يوسفي" لا يظهر لي قدرا، لأن على عكس ما تقول، لا أظن أن الأمر هنا يتعلق بفعل ملائم مخلص(بكسر اللام و تشديدها)، بل بالأحرى يتعلق الأمر بسياسة" إنقاد ما يمكن إنقاده"، أنا مقتنع أنه توجد حلول أخرى ممكنة ،صعبة على مستوى التطبيق،لكنها أكثر ضمانا. مناقشة هذه الحلول (و كذلك القضية الصحراوية، و الاستحقاق الذي تم تأجيله إلى 20 يوليوز القادم، يمكن، إذا أردت، أن تشكل موضوعا لنقاش قادم، و سأخضع للتفكير الصحيح بعض الأفكار التي بقي أن يتم تطويرها.

في نظري تتمثل بعض الطرق الممكنة، في إعادة تركيب المشهد السياسي المغربي (الذي يعرف تعفنا غير مسبوق، هو في قسمه الأكبر نتيجة "المسلسل الديموقراطي" الذي انتهى أخيرا) بتجميع الديموقراطين الحقيقيين في قطب مقاوم للمخزن في المقام الأول (يمكن أن يأخذ هذا في البداية شكل منتدى متحلق حول مجلة ... و في ما يخص مشكلة الشكل فهي حساسة جدا، و محددة ،لانطلاق المشروع). إن محور عمل هذا القطب سيكون بالضبط قائم على ترك المسألة الدستورية مفتوحة، بمواصلة النقاش في هذا الموضوع، و بإشراك المواطنين بشكل واسع إذا أمكن ... سيرورة (ببرنامج و أجندة محددة مسبقا) يجب أن تؤدي في مدة زمنية قصيرة (سنة مثلا)، إلى كتابة مشروع مفتوح لدستور توافقي و موازي. خلال هذه السيرورة ستنبثق أشكال تنظيم أكثر ملائمة لمواصلة الفعل السياسي في كل أبعاده.

فالأمس و حسب التقينا في حلم. ........

فإذا قدر لنا أن نلتقي في غسق الذاكرة مرة أخرى،

فسيتصل بيننا الحديث من جديد،

و ستنشدون لي أغنية أبعد غورا.

خليل جبران(النبي) (11).

سمير بن سعيد

1 ــ أبراهام السرفاتي : "مغرب 1998 : من الاستبداد إلى الديموقراتورية" أبريل 1998 .

2 ــ أبراهام السرفاتي : "في سجون الملك"، مشورات ميسيدور، مارس 1992 .

3 ــ أبراهام السرفاتي : "الحسن الثاني : حياة خائن"، 1986 .

4 ــ استجواب لأبراهام السرفاتي مع جريدة "ماروك إبدو"، عدد 309 ـــــ من 7 إلى 13 فبراير 1998.

5 ــ تصريح لأبراهام السرفاتي في باريس، يوم 19 ــــ 11 ــــ 1997 خلال ندوة صحافية تم نشره في جريدة "لومانيتي"، ليوم 27 ـــ 11 ـــ 1997.

6 ــ مقابلة مع الأستاذ عبد اللطيف أكنوش ، الجريدة المغربية "المستقل" ليوم 24 يناير 1998 (ترجمة من العربية ) .

7 ــ مقابلة مع خالد الجامعي، الجريدة المغربية "المستقل" ليوم 21 فبراير 1998 (ترجمة من العربية) .

8 ــ بالمرور على الجوانب "السلبية" المكتوبة ألاحظ أنها كتبت بحروف صغيرة، لإعطاء وزن أكثر للجوانب "الإيجابية"،و ذلك بسبب غياب برهنة منسجمة .

9 ــ جريدة "الاتحاد الاشتراكي" ليوم 8 – 6 – 1996.

10 ــ أنه لمعبر جدا في هذا الموضوع ، مقال خالد الجامعي "بعد علال الفاسي وبوستة ، لم يعد هناك زعيم" ، جريدة "لوبينيو" ليوم 26 – 2 – 1998.

11 ــ اعتمدنا في ترجمة المقطع الشعري لخليل جبران المأخود من كتابه "النبي" على الترجمة العربية التي قام بها الدكتور تروث عكاشة لنفس الكتاب في نسخته الأصلية بالأنجليزية، و قد صدرت الترجمة عن دار الشروق المصرية.(هذا الهامش من وضع موقع"30 غشت"). "... 

 

------------------------------------------

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.