Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الرابعة ـ الجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام" " ـ 10 مارس 2017

Pin it!

خ1.gif

بالموازاة مع نشر مجموعة من وثائق "إلى الأمام" المرحلة الثانية: الخط التحريفي، يستمر موقع 30 غشت في نشر أجزاء دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام " ". فبعد أن تم نشر فصول القسم الأول من الجزء الثالث، يبدأ الموقع في نشر فصول القسم الثاني و هو بعنوان : "سقوط التجربة و إعلانات ما بعد السقوط ـــ الأزمة و الهروب في الأزمة : تخبط الاتجاه التحريفي "، حيث تتضمن هذه الحلقة الرابعة من هذا الجزء الثالث، الفصل السادس بعنوان"أصحاب إعادة البناء وجها لوجه : أقوال و أقوال مضادة ـــ بصدد ما سمي بانتصار الخط البروليتاري سنة 1979 "، مع ملحقين لهذا الفصل.

  

  

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

  

 

الجزء الثالث

 

القسم الثاني  

سقوط التجربة و إعلانات ما بعد السقوط

الأزمة و الهروب في الأزمة: تخبط الاتجاه التحريفي  

 

الفصل السادس :   أصحاب إعادة البناء وجها لوجه: أقوال و أقوال مضادة

بصدد ما سمي بانتصار الخط البروليتاري سنة 1979  

 

الوثيقة الأولى : تحريفية أم انتصار للخط البرولتاري؟

خط إعادة بناء منظمة "إلى الأمام" سنة 1979  

و يسألونك عن انتصار الخط البروليتاريي قل هو انتصار للخط التحريفي    

 

يرى الكاتب في تقديمه للمقالة، أن الموقف من الخط السياسي لإعادة بناء منظمة "إلى الأمام" في 1979 له أهمية بالغة بالنسبة لجماهير عديدة من المناضلين التواقين إلى مواصلة الكفاح الفعلي من أجل بناء حزب الطبقة العاملة، و بناء حزب الطبقة العاملة و الكادحين في المدن و القرى. وفي نفس السياق، يرى الكاتب أن هذه الأهمية تتعاظم في ارتباط مع سياقات تطور الطاقة الثورية للجماهير، ضمن مد ذو طبيعة وطنية وعربية وعالمية.

سؤال أول : منذ متى أصبح التيار السياسي الذي ينتمي إليه الكاتب يناضل من أجل بناء حزب الطبقة العاملة، علما أن كلمة حزب منبوذة داخل تياره على المستوى النظري، و منعدمة على المستوى العملي، و إلا فما هي الدلائل على سيرورة بناء هذا "الحزب" سواء في أدبياته، أو في ممارسته الطبقية البرجوازية الصغيرة؟ و يرى الكاتب كذلك، أن العودة إلى سنة 1979، ليست ترفا أو حتى محاولة لتأريخ أكاديمي، بل تدخل في صميم الواجبات السياسية التي فرضها مجمل الهجومات التي استهدفت تاريخ المنظمة تحت ادعاء أنها عرفت انحرافا سنة 1979، و هي سنة انطلاق عملية إعادة البناء.

انطلاقا من هذا، ينصب الكاتب نفسه مدافعا عن خط إعادة البناء لسنة 1979، و ذلك ضد ما يسميه ضحالة و تهافت الملتفين حول هذه المغالطة، التي تتردد في عشرات المقالات منذ سنين. إن الكاتب، و في قمة عنجهيته يدعو أصحاب هذا الادعاء إلى فتح نقاش علني جماهيري حول ما يرددون، بل طالبهم بالكشف عن مضمون هذه التحريفية في الخط السياسي لإعادة البناء، كما تجسد في سنة 1979، و بعد ذلك يعدهم الكاتب بمتابعة النقاش حول المراحل اللاحقة من تاريخ المنظمة. و بطبيعة الحال، لا يجد الكاتب أي سند أو إحالة و لو عابرة إلى وثيقة، أو نص سياسي، قد يبررون به مزاعمهم حول هذه التحريفية التي كشفوها.

انطلاقا من هذا، يتأكد الكاتب من أن أصحاب معزوفة التحريفية، ليس لديهم (أو لمعظمهم على الأقل) أدنى معرفة بواقع المنظمة السياسي، و أنهم تلقوا معلوماتهم من الحكايات الشفوية لا أقل و لا أكثر.

إذن فالأمور هكذا، موضوع ذو أهمية لارتباطه بحزب الطبقة العاملة، و هجومات على خط إعادة البناء لسنة 1979 من أناس لم يطلعوا على التاريخ السياسي للمنظمة و على وثائقها، فراحوا يعزفون معزوفات حول تحريفية مزعومة، دون سند أو مبرر يعتمد نصا أو وثيقة من وثائق إعادة البناء لسنة 1979، و يبشرنا الكاتب بالعودة إلى المراحل اللاحقة لهاته الفترة، و هو يعني و لا شك فترة ما بعد 1985، و هي السنة التي سقط فيها مشروع "إعادة البناء".

منذ البداية، يحدد صاحب المقالة إطارا للنقاش، يفصل فيه بين فترتين. وحتى نكون دقيقين، تمتد الفترة الأولى من 1979 إلى 1985، و الفترة الثانية من 1985 إلى حدود"الحل غير المعلن" للمنظمة سنة 1994.

و بما أن الأمور بخواتمها، فالفترة الثانية التي يطلق عليها رفاقه في هذا التيار، مرحلة "تجديد خط المنظمة" بعد "مراجعات" عديدة، و بشكل واضح لخط المنظمة، و في كل الاتجاهات التي حملتها لنا العديد من النصوص و الوثائق التي أصدرها منظروا التحريفية الجديدة.

بعد هذا، يتبين أن وراء الأكمة ما وراءها، و ما دام "التركيب العضوي للإنسان هو مفتاح التركيب العضوي للقرد"، بما يعني أنه في مستقبله يعرف الحاضر، فقد كان على الكاتب أن يقوم بتشريح المرحلة الأولى على ضوء المرحلة الثانية و نتائجها، حتى يتبث سيرورة تطور هذا الخط البروليتاري المزعوم، لكن صاحبنا حدد لنا الفترة الأولى فقط للنقاش، و لعله يدرك جيدا ما فعله، و نحن هنا، ننبهه إلى ضرورة الاستعداد لمناقشة الفترة الأولى و الثانية ضمن سيرورة واحدة، انطلقت أواخر سنة 1979- بداية سنة 1980، و استمرت خمسة عشر سنة، هي المرحلة التي يعتقد فيها صاحبنا، أنه انتصر فيها الخط البروليتاري، الذي أدى إلى نهاية المنظمة، بعد ما أنجزت كل ما سطر لها هذا "الخط البروليتاري"، و كان و لا شك حتميا أن تعلن عن نهايتها.

بالإضافة إلى هذه المنهجية التي تمشي على رأسها، و التي أسقطت الكاتب في خطإ قاتل سجن فيه نفسه، فهو في احترام تام لمنهجيته حدد سنة 1979 كسنة "انتصار الخط البروليتاري"، دون أن يعلن للناس ماذا كانت تعنيه هذه السنة، و ماهي السياقات المختلفة التي تولدت عنها مختلف الخطوط السياسية، و الآراء، و الأفكار المختلفة، التي أدت إلى جعل سنة 1979 منعطف صراعات قوية، فجرت منظمة "إلى الأمام" من الداخل، و لأن الرؤية لدى الكاتب تبسيطية، فإنه محور رده على سرد و ذكر وثائق يعرفها، أو لا يعرفها القارئ، للتدليل و البرهنة على وجود خط بروليتاري قام بإعادة بناء المنظمة ابتداءا من سنة 1979. هكذا، أصبح النقاش محدودا و محددا، في محاكمة الواقع التاريخي، ليس استنادا على وقائع مادية حقيقية، بل بالارتكان إلى نزعة نصوية: قال النص كذا و كذا، و أضاف النص الآخر كذا و كذا، و انتهى الاستدلال على الحقيقة الأحادية البعيدة كل البعد عن تعددية الواقع و صراع الأطراف داخله، و تحول التناقضات المحركة للصراعات و الخلافات من فترة لأخرى، فالواقع، إما أبيض أو أسود، و الأبيض موجود في نصوص معينة تنير بنورها كل من اطلع عليها، ليتأكد من أنه كان هناك "خط بروليتاري" ساهم في إعادة بناء منظمة "إلى الأمام" ابتداءا من سنة 1979.

فبحيث- إذا كان هذا تحليلا- لن يتوصل أحد إلى الحقيقة التاريخية، التي بهكذا تحليل أحب الكاتب أم كره، تتبث تطورا لخط سياسي سار عبر فترات مختلفة و منعرجات، و ضمن سيرورة متناقضة عرفت نهايتها، بشكل يكاد يفقئ العين، إنه الإعلان عن تحريفية لا يشك في حقيقتها إلا كل متنطع عنيد.

بالعودة إلى قولة ماركس الشهيرة "التركيب العضوي للإنسان هو مفتاح التركيب العضوي للقرد"، و كما قلنا في مستقبله يعرف الحاضر، فإن المنهجية الديالكتيكية تلزمنا بالبدء من حيث انتهت السيرورة.

لكل سيرورة بداية و نهاية، و إذا استعدنا طرح الكاتب في مقاله، فإن الخط البروليتاري قد انتصر سنة 1979 (هنا بداية السيرورة)، و بما أن نهايتها قد تمت بالحل غير المعلن لمنظمة "إلى الأمام" سنة 1994، بما يعني أننا أنهينا السيرورة، لتبدأ سيرورة جديدة، هي تأسيس "النهج الديموقراطي". فنحن إذن، بوقوفنا على قمة تطور الخط البروليتاري، الذي لا يشكل النهج الديموقراطي ضمنا سوى استمراريته، و لندع "النهج الديموقراطي"، و لنتوقف عند منتصف 1994، و هو التاريخ الذي تم فيه لقاء بفرنسا، من أجل حل المنظمة، إذن فهذه هي أبعد نقطة في تطور الخط البروليتاري!!

ألم يكن حريا بالكاتب، و حتى يكون منطقيا و منسجما مع نفسه، أن يبدأ بهذه النهاية، و يحاكم بالتأكيد أو النفي بروليتارية هذا الخط الثوري، و هنا مفتاح التاريخ : في مستقبله يعرف الحاضر.

لقد أصدر التاريخ حكمه، و على المناضلين الثوريين أن ينفذوا الحكم عن طريق مواجهة التحريفية الجديدة باعتبارها انتهازية يمينية.

و قبل مناقشة أطروحات الكاتب، حتى لا يتهمنا بالتجني و لوي عنق الحقائق، نذكره بأقوال أصدقائه الذين لا يطالهم أدنى شك حول الإنتماء إلى هذا الخط "البروليتاري"، و ذلك تجاه الفترة الممتدة من سنة 1979 إلى سنة 1985.

يقول "عيسى بدوي" (عبد الحميد أمين) في غشت 1998، في وثيقة له تحت عنوان:"الحركة الماركسية ــ اللينينية، التجربة والآفاق"، و يتعلق الأمر في جانب منها، بالحديث عن محاولة إعادة البناء في فترة1979 ــــ 1985:

"المحاولة الثانية لإعادة بناء تنظيمات "إلى الأمام"، قد يرجع انطلاقها إلى سنة 1978، و قد ذهبت هذه المحاولة بعيدا في إعادة البناء، إلا أن اعتقالات نونبر 1985، أجهزت على هذا البناء الذي اتضحت هشاشته بدوره".

و في معرض حديثه،عن واقع التنظيمات السرية لليسار الجديد في الفترة الممتدة من 1985 إلى بداية التسعينات، يقول نفس الكاتب:

"تميزت هذه الفترة بما يلي:

-الغياب الظاهري لنشاط التنظيمات السرية لليسار الجديد على المستوى الوطني، مع استمرار التواجد على مستوى الخارج".

و لم يتردد الكاتب في فقرات معينة، من اعتبار أن "اليسار الجديد" فشل في إنجاز المهام المرتبطة بخطه الاستراتيجي العام، و فشل كذلك في بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة، مبررا ذلك بمجموعة من الأفكار، هي نفسها التي تم ترديدها عند بداية مسلسل "إعادة البناء" التي يتحدث عنها صاحب انتصار الخط البروليتاري، و منها كون اليسار ظل يركز مجهوداته على الشبيبة التعليمية، انطلاقا من المفهوم الدخيل، الذي اعتبر هذه الأخيرة كطليعة تكتيكية، و هذا لعمري لقمة العبث، خاصة و أن الكلام صادر عن أحد مهندسي عملية" إعادة البناء البروليتارية" جدا! فماذا يقول صاحبنا في هذا ؟

ما دام حكم التاريخ قد جاء مدويا، و على لسان شاهد من أهلها، نسأل صاحب مقالة "انتصار الخط البروليتاري" عن أسباب تلك الهشاشة،التي ميزت ما سمي ب"إعادة البناء"، و نتمنى ألا يعيد على مسامعنا اسطوانة "المقدمة التكتيكية" باعتبارها سبب السقوط، فلقد استعملت مرة لانطلاق مسلسل "إعادة البناء"، و الآن تعاد لتبرير السقوط سنة 1985، بما يعني أن في البدء كانت المقدمة التكتيكية،المقدمة التكتيكية في جميع الأحوال، كما لو أنها الخطيئة الأصلية (الإنجيلية).

قد لا يتفق معنا الكاتب، أو من يشاطر رأيه، مذكرا إيانا بأن الرأي المعتمد عليه، من خلال استعمال مقتطف منه، لا يبرهن على شيء، ما دام موقفا فرديا يخص صاحبه، رغم أن صاحب المقالة السابقة الذكر هو أحد، بل أهم مهندس لعملية "إعادة البناء"، حسنا، سنحيل الكاتب هذه المرة، إلى بيان موقع باسم منظمة "إلى الأمام" صادر بمناسبة الذكرى 16 لتأسيسها، أي بضعة أشهر على ضربة نونبر 1985، التي قضت نهائيا على المنظمة بالداخل، و مما جاء ذكره في المجلة عن البيان :

"فبعد أن أشارت المنظمة في بيانها لهذه المناسبة إلى الظروف القاسية التي تحيى فيها هذه الذكرى، تلك الظروف التي تتمثل في الضربة التنظيمية الجديدة التي تعرضت لها من جراء جملة الاعتقالات التي أفقدتها العديد من الأطر و المناضلين، و التي استلزمت منها، وفقا للتقاليد الشيوعية، أن تقف وقفة جديدة لتقييم تلك السنة بالجرأة و الصرامة الثورية لتقديم خط النضال الثوري ببلادنا، بعد ذلك تمر المنظمة في بيانها إلى تسجيل الأخطاء و الانحرافات التي سقطت فيها خلال تجربة إعادة بنائها منذ 1979 مركزة بالحرف على ما يلي :

1- أن الخطأ السياسي الذي أقدمت عليه المنظمة بتوزيعها المنشور الموقع باسمها، شكل في رأينا السبب المباشر للاعتقالات، و الذي لم يكن سوى العامل الذي كشف عن العديد من الثغرات، التي كانت تعاني منها المنظمة.

2- إن الإقدام على توزيع المنشور، كان من منطلق تقييم خاطئ و مغلوط لطبيعة قوانا الذاتية و الظرف السياسي العام، الذي تمر منه البلاد، و كذا استخفافا خطيرا لقوى أعدائنا الطبقيين (بعد خمس سنوات من انطلاق مشروع ما يسمى بإعادة بناء المنظمة، أصدر أصحابه و لأول مرة، في سنة 1985 ، منشورا موقعا باسم المنظمة).

3-إن هذا الانسياق يجد تفسيره بدوره في الخصائص المتخلفة للبورجوازية الصغيرة، و قصر نفسها، و التي تحكمت في انتشار الشعور بنشوة الانتصار لدى العديد من مناضليها، بعد أن استطاعت المنظمة أن تفلت من موجات القمع المتتالية، التي صاحبت انتفاضتي 81 و84، و عدم تضررها من جراء اعتقالات 1985، و كذا للدور المتواضع و الهام في نفس الوقت، الذي لعبته خلال الانتفاضتين، و في المساهمة في تنظيم عملية المقاطعة للانتخابات البرلمانية على المستوى الوطني.

4- أما الانحراف الأساسي في نظرنا فهو ما زال يكمن في عدم تطبيق شعارنا المركزي، المتمثل في التركيز على الطبقة العاملة و الفلاحين، و التركيز في المرحلة الراهنة على القلعات البروليتارية الأساسية، و ذلك بالرغم من أن المنظمة حققت منجزات متقدمة في هذا الاتجاه، و لكنها تظل في نظرنا دون مستوى متطلبات تحويل الطبيعة الطبقية للمنظمة.

5- في ظل التركيبة الطبقية لمنظمتنا، و التي لا يزال يشكل فيها العنصر المثقفي إحدى المكونات الأساسية، كان من الطبيعي أن تطغى العديد من الممارسات و المسلكيات البورجوازية الصغيرة، كالاعتماد على أساليب فوقية في العمل و ممارسة التحريض بأشكاله الخاطئة في العديد من المناسبات و الإطارات الجماهيرية.

6- تخلف أساليب عملنا السري، و طغيان الأساليب الحرفية و عدم التقدم في إيجاد الحل السديد لإشكالية الربط بين العمل السري و العلني.

7- عدم تحقيق التراكمات اللازمة على مستوى الاستفادة من تجربة منظمتنا و تجربة الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، و حركات التحرر و الحركات الشيوعية العالمية في ميدان مواجهتها لأعدائها الطبقيين.

8 - تخلف دعايتنا و أشكالها بالمقارنة مع حجم المهام الملقاة على عاتق الدعاية الثورية ببلادنا".  

بعد كل هذا يقدم الكاتب منظومته الجوابية على مهاجمي خط 79، و تقوم على طرح عناوين وثائق، ثم مساءلة "المتهمين" عن وجود أو عدم وجود تحريفية فيها.

و تبدأ المحاكمة بتذكيرنا، بالوثيقة المركزية لإعادة بناء المنظمة في1979 التي تحمل عنوان: "وضعية المنظمة و المهام العاجلة لإعادة البناء: البرنامج الوطني"، و الوثيقة من إنجاز "القيادة الوطنية" المنبثقة عن الندوة الوطنية لسنة 1972، إذن فالوثيقة ذات شرعية تاريخية، لا يعتريها الشك، و هذه قفزة في الهواء، المقصود بها التأكيد منذ البداية على أن أصحابها منزهون عن الخطإ، و هم "استمرارية شرعية" لمنظمة "إلى الأمام" ما داموا منتخبين في ندوة وطنية جرت وقائعها نهاية دجنبر 1971 – بداية يناير 1972.

لا شك، أن الكاتب يحيلنا و عن قصد على وثيقة "10 أشهر من كفاح التنظيم: نقد و نقد ذاتي" التي أعطت "اللجنة الوطنية" للمنظمة صلاحية إعادة بنائها على ضوء خلاصات "تقرير 20 نونبر". و لأن التاريخ يعيد نفسه، فاللجنة الوطنية سنة 1979، كان عليها أن تقوم وتشرف على "إعادة البناء" في إطار مركزية متشددة، تمليها ظروف الاعتقال و الأمن.

كل هذا جميل، لولا أن الواقع مختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة.

انتخبت الندوة الوطنية الأولى للمنظمة حوالي 13 عضوا لمزاولة مهامهم كأعضاء للجنة الوطنية و منهم 5 أعضاء للكتابة الوطنية.

من الندوة الوطنية الأولى إلى سنة 1979، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، و تطورت حقائق جديدة، فعند منعطف سنة 1979 كان الوضع التنظيمي كالتالي :

- بالنسبة للكتابة الوطنية:

- المشتري بلعباس،عضو الكتابة الوطنية ارتكب أخطاء كبيرة في الدرب، تم توقيفه على إثرها، هاجم المنظمة و أصبح من أشد أعدائها مما استدعى طرده نهائيا منها.

- عبد اللطيف اللعبي، عضو الكتابة الوطنية، ارتكب أخطاءا فادحة بالسجن المركزي خلال سنة 1975 أدت إلى توقيفه (رغم أن بعض الرفاق كانوا يخفون ذلك عن بقية المناضلين)، و رغم أن قضيته لازالت غامضة إلى الآن، فقد انسحب من المنظمة في صمت مطبق بعد خروجه من السجن سنة 1980.

- أبراهام السرفاتي، عضو الكتابة الوطنية، ارتكب أخطاءا مهمة في الدرب، و أخطاء خطيرة معادية للمنظمة بالسجن المركزي، مما أدى إلى تجميد عضويته.

- عبد الحميد أمين، عضو الكتابة الوطنية، اعتقل مبكرا خلال حملة 1972، مما جعله بعيدا عن تجربة المنظمة، خاصة بالنسبة للفترة الممتدة من نونبر1972 فما فوق، لم يلتحق بالمنظمة بعد خروجه سنة 1984.

- عبد اللطيف زروال، عضو الكتابة الوطنية، استشهد في 14 نونبر 1974 نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له، و بذلك سقط سقوط الأبطال، مدافعا عن الخط الثوري للمنظمة.

- عبد الفتاح فاكيهاني، عضو اللجنة الوطنية، التحق بالكتابة الوطنية سنة 1973، بعد خروجه من السجن، ارتكب أخطاءا فادحة عند اعتقاله، أدت إلى تجميد عضويته في المنظمة، و قد أصبح من قادة التيار التصفوي، مما أدى إلى طرده بعد صدور قرارات 12 نونبر 1979.

- بالنسبة لأعضاء اللجنة الوطنية :

- علي فقير،عضو اللجنة الوطنية منذ الندوة الوطنية الأولى للمنظمة، سلم نفسه للعدو في ماي 1972 حسب تقرير20 نونبر، مما أدى إلى تجميد عضويته في المنظمة. و بعد تقديمه نقدا ذاتيا، استعاد موقعه داخل اللجنة الوطنية، و قد جعله القمع المبكر بعيدا عن تجربة المنظمة خاصة الممتدة من نونبر 1972 فما فوق.

- محمد الموساوي، عضو اللجنة الوطنية، ارتكب أخطاءا فادحة خلال اعتقالات1972، مما أدى إلى توقيفه من المنظمة التي انسحب منها بعد ذلك.

-عبد الله زعزاع، عضو اللجنة الوطنية، ارتكب أخطاءا كبيرة عند اعتقاله، مما أدى إلى توقيفه من المنظمة، أصبح أحد قادة التيار التصفوي، و قد شملته قرارات الطرد في نونبر1979.

- حمادي الصافي، عضو اللجنة الوطنية، التحق بها بعد قرارات نونبر 1972، ارتكب أخطاءا كبيرة بالدرب، تم توقيفه على إثرها، وأصبح مناضلا للمنظمة بعد تقديم نقد ذاتي صارم و صريح للجنة الوطنية.

- إدريس بنزكري، عضو اللجنة الوطنية، و هو العضوالثاني غير المنتخب من طرف الندوة الوطنية إلى جانب الصافي حمادي و هما معا لم يحضراها، و قد تم تعيينه باللجنة الوطنية من طرف الكتابة الوطنية خلال خريف 1972، ظل أحد أعضاء التيار الثوري إلى حدود منتصف 1979، ثم التحق بخط إعادة البناء الذي كان أحد قادته قبل الإنسحاب من المنظمة سنة 1984.

- فؤاد الهيلالي، عضو اللجنة الوطنية، انسحب منها في منتصف 1973، على إثر خلافات مع القيادة حول تجربة مدينة الرباط. عمل كإطار محترف للمنظمة في مناطق مختلفة إلى حدود اعتقاله.

- أيت غنو المحجوب،عضو اللجنة الوطنية، انسحب من المنظمة حوالي ماي- يونيو 1972،بعد اعتقاله التحق بحزب التقدم و الإشتراكية.

- العربي، عضو اللجنة الوطنية - من مدينة القنيطرة- سرعان ماتبين أنه كان ينتمي إلى تنظيمين مختلفين في نفس الوقت، "إلى الأمام" و"23مارس"، مما أثار الشبهات حوله و أدى ذلك إلى فصله عن المنظمة.

- عبد الله المنصوري، عضو اللجنة الوطنية، ابتداءا من 1975، ارتكب أخطاءا كبيرة أدت إلى توقيفه من المنظمة بعد صدور قرارات يونيو 1977، شكل مع المشتري بلعباس قيادة الاتجاه الإصلاحي اليميني الذي ارتد عن خط المنظمة، و خاض صراعا عدائيا ضدها، و قد شملته قرارات الطرد في نونبر 1979.

تلكم، هي اللجنة الوطنية التي أشرفت على قيادة المنظمة، منذ الندوة الوطنية الأولى، و المسؤولة تاريخيا عن تجربتها الممتدة من يناير1972.

فهل تصح المقارنة بين اللجنة الوطنية، التي قدمت تقريرا في 20 نونبر1972، أقرت فيه بأخطائها، و قامت بتقييمها ضد الخط السياسي للمنظمة،السائد آنذاك، و قدمت لمجموع أعضاء و عضوات المنظمة نقدها الذاتي، و بين اللجنة الوطنية لسنة 1979، التي لم يسبق لها أن قدمت تقريرا عن أخطاء المنظمة، ناهيك عن تقييم شامل لتجربة المنظمة و خطها، و اتخاذ الإجراءات التنظيمية الضرورية لذلك، و الحال أن أعضاء اللجنة الوطنية سنة 1979 لم يقوموا بذلك، بل إن تركيبة هذه اللجنة، كانت تضم عناصر ارتكبت أخطاءا فادحة، و إن كان بعضها قد قام بنقد ذاتي، غير مقنع. أما من ضمتهم اللجنة الوطنية سنة 1979- 1980 الجدد، فلا علاقة لهم بالندوة الوطنية، و قد تم اختيار بعضهم لاعتبارات انتهازية، لبت مصالح زبونية أو زعامتية لديهم، دون أن نعمم ذلك عليهم جميعا(نقصد مثال عبد الرحمان النوضة).

اعتمد الكاتب في مقاله، على مجموعة من الوثائق، من بينها "وضعية المنظمة و المهام العاجلة لإعادة البناء/ البرنامج الوطني"، إضافة إلى اعتماده على نشرة"الشيوعي"، و قد أصدرت هذه الأخيرة محاولة تقييم أولي و شمولي لتجربة المنظمة، ثم اعتمد كذلك على ما نشرته "إلى الأمام" من نصوص مثل "ديموقراطيتنا و ديموقراطيتهم".

بالعودة إلى وثيقة "وضعية المنظمة والمهام العاجلة ..."، يقوم الكاتب بتركيز أهم أفكارها، باعتبارها وثيقة مركزية في "إعادة البناء" من حيث دفاعها عن مشروعية و شرعية الحملم كحلقة مركزية في مسيرة بلورة و بناء حزب الطبقة العاملة، و اعتبارها بناء المنظمة على أسس بروليتارية هو المدخل لتجاوز أزمة الحركة الماركسية ــ اللينينية و فتح الطريق نحو بناء حزب الطبقة العاملة، هذا الدفاع عن شرعية و مشروعية بناء حزب الطبقة العاملة، و الدفاع عن الحركة الماركسية ــ اللينينية، هو الحلقة النوعية للتصدي و لبلورة و إنجاز هذه المهمة. و قد كان الشعار لذلك، هو "من أجل منظمة ماركسية ــ لينينية صلبة و راسخة جماهيريا"،عن طريق التجدر المباشر وسط الطبقة العاملة و تنظيم "الطلائع العمالية للقلاع البروليتارية"، و ما انحراف الحركة الماركسية ــ اللينينية، إلا انحراف عن مهمة التجدر المباشر وسط الطبقة العاملة و تنظيم الطلائع البرولتارية، و الاستعاضة عن هذا العمل الشاق و الطويل النفس، بأطروحة الشبيبة التعليمية مقدمة تكتيكية، أي أنها وسيطا لعملية التجدر، و على هذا الأساس، أخضعت المنظمة للنقد، حسب الكاتب، أطروحة "الشبيبة التعليمية قنطرة العبور و طليعة تكتيكية"، لصالح خط سياسي يقوم على أسس التوجه المباشر للطبقة العاملة، و تركيز النشاط التنظيمي و السياسي للمنظمة من أجل تحقيق هذا الهدف، معتبرة أن الطريق الرئيسية للتجدر وسط الطبقة العاملة و الفلاحين، هو العمل المباشر لمناضلي الحملم وسط الطبقة العاملة بالدرجة الأولى (أو كمستخدمين) في المعامل، و بدرجة ثانية بالعمل الدؤوب وسط النقابات، بالنسبة لمن لا يعمل في المعامل، و يعتبر الكاتب أن الندوة الوطنية لفرعها بالداخل حددت الإطار التوجيهي لعملية التجدر كما سطرها خط إعادة البناء في 1979.

بناءا على هذا النقد لأطروحة "الشبيبة المدرسية مقدمة تكتيكية"، سيعتبر الإستيلاء على الجهاز خلال المؤتمر 15 "للاتحاد الوطني لطلبة المغرب" خاطئا، و نفس الشيء بالنسبة لخلق "النقابة الوطنية للتلاميذ" التي لم تكن حسب الكاتب، تضم و بشكل سري، إلا مناضلي منظمتي"إلى الأمام" و "23 مارس"، و يتساءل الكاتب هل خط البناء هذا، قد سقط في التحريفية، أم أنه خط بروليتاري؟

و لأننا نتمتع بحسن النية الكافية للتعامل مع الكاتب، فبدورنا نسأله عن هذا التقييم الشمولي الذي قامت به المنظمة لخطها السياسي، و نطرح عليه الأسئلة التالية:

1) إذا كانت أخطاء التجربة الممتدة من نونبر1972 إلى نهاية 1979 لا يمكن اختزالها فقط في المقدمة التكتيكية، كما يحلو للكاتب أن يقول، بنفس الدرجة التي يمكن اختزال خط سياسي في أطروحة واحدة هي المقدمة التكتيكية، فما هو هذا الخط السياسي الذي يتحمل مسؤولية الخطأ، سواء في فشل التجدر داخل الطبقة العاملة و الفلاحين، أو في الاستيلاء - كما يقول- على الجهاز في المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب،علما أن المؤتمر الوطني الخامس عشر، انعقد قبل صدور وثيقة تقرير 20 نونبر1972، التي لم تعتبر الصعود إلى قيادة المؤتمر الوطني الخامس عشر خطأ، و نفس الشيء يمكن قوله عن النقابة الوطنية للتلاميذ، التي تأسست في 22 أبريل 1972، السؤال هو : ما هي طبيعة الخط السياسي الذي ساد خلال الفترة المذكورة أعلاه؟ هل كان خطا بورجوازيا صغيرا أو يمينيا- يسراويا، أم خطا ثوريا بروليتاريا؟ و لأن الكاتب يتحدث عن تقييم شمولي، فما قوله في الأطروحات الأساسية التي بلورتها المنظمة منذ نونبر 1972 و هي كثيرة؟ سؤال آخر: هل تمت معالجة هذه الأطروحات بالإضافة إلى الممارسات السياسية و التنظيمية للمنظمة، ضمن منظور يعتبرها نتائج صراعات طبقية كانت تدور آنذاك في بلادنا، و شكلت بالتالي تحديا ثوريا للإجابة عن مهام المرحلة، و إلا ستعتبر الوثائق و النصوص و الخط السياسي فقط أشياء معلقة في الهواء في عالم المثل الأفلاطوني.

تقوم منهجية الكاتب، و من معه، و من يسيرون على نهجه، على منطق بسيط شكلاني، يقوم على مبدأ "كل خانة يتم إفراغها نقوم بملئها"، فإذا أخرجنا من الخانة الشبيبة المدرسية باعتبارها مقدمة تكتيكية، فعلينا – و الطبيعة لا تحب الفراغ- ملؤها بمهمة التجدر داخل الطبقة العاملة، و كفى المحلل شر التحليل و بذل المجهود، و ما دمنا لا ندرك جذور الخطأ إيديولوجيا و سياسيا و طبقيا، فحتما نعود لنفس الخطأ، و بأشكال أخرى، و التجربة التاريخية خير دليل على ذلك. فلا التجدر داخل الطبقة العاملة وقع، و لا تواجد داخل الشبيبة المدرسية استمر. إن منهجية الكاتب، هي نفسها، التي أسقطت أصحابها (أصحاب الخط البروليتاري)، بعد فشل إعادة البناء البروليتارية جدا، في مراجعة الأطروحات الماركسية ــ اللينينية الأساسية في خط منظمة "إلى الأمام"، و اعتبارها خاطئة (تبني اللينينية، حزب الطبقة العاملة، دكتاتورية البروليتاريا، تبني خط الجماهير، تبني الاستراتيجية الثورية) من جهة، و تبني مفهوم النضال الديموقراطي الإصلاحي، و بناء الاشتراكية في السلم...) من جهة أخرى، و قد كان ذلك رد فعل، حمل معه نفس الأخطاء السابقة، التي أدت إلى بلورة ما يسمى بخط "إعادة البناء"، فنفس الأسباب تعطي دائما نفس النتائج.

هذه النتيجة الحتمية لخط إعادة البناء لسنة 79 (البروليتاري؟؟؟) الذي اعتبره الكاتب، و لا زال، ما دام النص كتب حديثا (فبراير 2012)، قد مثل ما مثلته الندوة الوطنية لسنة 1972 في التاريخ النضالي و التجربة العظيمة لمنظمة "إلى الأمام"، و شتان بين ندوة وطنية كانت لبنة هامة في تطور خط المنظمة و تجربتها وخط شكل بداية مسلسل السقوط في التحريفية.

و أخيرا، و لأن الكاتب كان يدرك أهمية أسلوب حسم المواقف و القرارات في تحديد شرعية أو عدم شرعية المواقف و القرارات المتخذة، و نحن هنا أمام مسؤولية القيام بإعادة بناء المنظمة، فكان لا بد أن يمر على موضوعة "المركزية الديموقراطية" و يناقش تطبيقها السليم، كما يقول، في علاقة بعملية إعادة البناء ،لأن عدم التطبيق السليم يؤدي إلى التحريفية، و عكسه يجسد الخط البروليتاري.

يقيم الكاتب حجته، على كون التطبيق السليم للمركزية الديموقراطية، قد تم بالفعل، من خلال التصدي لتوجهين كبيرين برزا خلال فترة 77 -78 – 79، و هما:

-التوجه الأول: رأى في التجربة برمتها، تعبيرا عن البورجوازية الصغيرة، و لا يمكن أن تشكل مدخلا لبناء حزب الطبقة العاملة، و أن الواجب يكمن في حل هذه التنظيمات و الالتحاق بصفوف العمال و الجماهير كأفراد، في انتظار أن تتمكن الطبقة العاملة من تلقاء ذاتها بناء حزبها المستقل.

-التوجه الثاني: يرى أن إعادة بناء المنظمة، لن يكون إلا بعد تصفية ما كانت تسميه بالخط الانتهازي اليساري، الذي ساد المنظمة، بتصفية جميع مكونات هذا الخط الإديولوجية و السياسية و التنظيمية.

-التوجه الثالث: حسب الكاتب، هو الاتجاه الذي قاد إلى عملية "إعادة البناء" منذ خريف 1979، بالاستناد على رؤيته المتضمنة في وثيقة "وضعية المنظمة و المهام العاجلة لإعادة البناء: البرنامج الوطني"، و قد جاء في الوثيقة:

"يجب التصدي لكل عدمية، تنطلق من فشل منظمتنا في بناء نفسها كمنظمة ماركسية ــ لينينية صلبة و راسخة جماهيريا، لنفي الرصيد الإيجابي الإديولوجي و التنظيمي و السياسي و النضالي للمنظمة. ذلك أن خط المنظمة، يجب التعامل معه، كخط متناقض يحمل عناصر بروليتارية لابد من فرزها من خلال التقييم من أجل الارتكاز عليها في عملية إعادة البناء، و عناصر غير بروليتارية (مفهوم و خط الشبيبة التعليمية قنطرة عبور نحو التجدر) لابد من التخلص منها بحزم..."

وعن المبادئ الأساسية ل "إعادة البناء" للمنظمة تم طرح:

-التقييم النقدي لتجربة المنظمة و الحملم.

-المبادئ الماركسية ــ اللينينية الثابتة، و على التجربة البروليتارية العالمية. -المعرفة الموضوعية لواقع الصراع الطبقي في البلاد و آفاق تطوره.

- قدرتنا على تحديد خطط و برامج، تمكننا من الفعل في الصراع الطبقي، و الشروع في التجدر وسط الجماهير الشعبية، و على رأسها الطبقة العاملة.

و بالنسبة للأسس التنظيمية جاء في الوثيقة الثانية:

" 1) تحمل القيادة الوطنية (المنبثقة عن الندوة الوطنية لعام 72) المسؤولية التاريخية في عملية مسايرة و توجيه عمل المنظمة في مختلف الفروع التي تعاني من التفكك السياسي و التنظيمي، في أفق عقد مؤتمر وطني، و بالاعتماد على الماركسية ــ اللينينية، و على المركزية الديموقراطية، و على الرصيد الإديولوجي و السياسي و التنظيمي للمنظمة.

2) إعادة إصدار النشرة الداخلية المركزية "الشيوعي" التي يجب أن تشكل الأداة الرئيسية، لتنظيم الصراع الديموقراطي وسط المنظمة، و لحم مختلف الفروع، و مساهمتها في مهمة إعادة البناء.

3) إعادة إصدار الجريدة المركزية"إلى الأمام" بشكل جماهيري في الداخل و التي ستمكن من التعريف بخط المنظمة المبلور ديموقراطيا وسط المنظمة و الإسهام في ربط الجماهير سياسيا و تنظيميا بالمنظمة..."

بعد كل هذا، و بنفس الطريقة التي سنها منذ البداية، يكتب صاحب المقالة متسائلا :" أين تتجلى و أين تكمن التحريفية في الخط التنظيمي لإعادة البناء؟ هل كان على المنظمة أن تفصل بين البناء التنظيمي و البناء السياسي (التقييم)؟ إنها قمة الابتذال البورجوازي الصغير الذي يختصر الثورة في النقاشات المثقفية!"

وفي ختام كلامه ينتصر كاتب المقالة لخط"إعادة البناء البروليتاري" فيقول:

"لقد مثل خط إعادة البناء لسنة 79، ما مثلته الندوة الوطنية لسنة 72 في التاريخ النضالي و التجربة العظيمة لمنظمة "إلى الأمام"".  

 

- عودة إلى مفهوم المقدمة التكتيكية:

شكلت، أطروحة "الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية"، منطلق كل التيارات التي قامت بمحاولة تحطيم الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، و حتى لا يتهمنا خصومنا بالدفاع عن هاته الأطروحة، نذكر بأن نقدنا لهاته الأطروحة، قد جاء منذ خريف1973، ثم كان التيار الثوري للمنظمة، أول من فتح باب نقد تلك الأطروحة منذ1976 داخل السجن، و كان هو من خاض المعارك الضارية ضد التيارات الثلاث المذكورة أعلاه،لكن هناك عوامل موضوعية و ذاتية حالت دون إنجاز التقييم الشامل لتجربة المنظمة، و استعملت التيارات الإصلاحية و العدمية و التحريفية هذا الغياب، لبلورة هجوم واسع، معلن تارة، و غير معلن تارة أخرى، ضد الخط الثوري للمنظمة، ولن نتناول هنا الموضوع بكل تفاصيله، لكوننا سنتطرق لذلك في مكان آخر من هذه الدراسة، و نكتفي هنا فقط بتسجيل بعض الملاحظات:

1- انطلاقا من نقد مفهوم "المقدمة التكتيكية..."، توصل التيار العدمي إلى اعتبار الحملم، و المنظمة، ذات طبيعة بورجوازية صغيرة، لا يمكنها تحقيق تجدرها داخل الطبقة العاملة، لأنها لن تعيد سوى إعادة إنتاج طبيعتها الطبقية البورجوازية الصغيرة، و هذا طرح ميكانيكي لعلاقة الخط السياسي و الإديولوجي بالتركيبة الطبقية للتنظيم السياسي الثوري، لقد دعا هذا التيار بوضوح، إلى حل الحملم بكل فصائلها، و الذهاب إلى الطبقة العاملة، في اعتقاد من أصحابه أن الطبقة العاملة هي من ستؤسس حزبها.

2- انطلاقا من نفس النقد لأطروحة "المقدمة التكتيكية..."، و تحت غطاء "يساري"، دعا الإصلاحيون إلى مقدمة جديدة لتحقيق التجدر وسط الطبقة العاملة، من خلال الدعوة إلى بناء "جبهة القوى الثورية و الديموقراطية"، في سياق تحليل سياسي لهم، يضخم من الطاقات الثورية داخل "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و" الكنفدرالية الديموقراطية للشغل"، بما يعني إعطاء دور بارز للبورجوازية الصغيرة كطبقة ثورية. هكذا، ننتقل حسب هذا الطرح، من الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية إلى العمل داخل جبهة القوى الثورية و الديموقراطية كمقدمة أخرى للوصول إلى الحركة الجماهيرية.

3- أما التيار الثالث، فهو الآخر، ينطلق من نقد أطروحة المقدمة التكتيكية للوصول إلى شعار الذهاب إلى الطبقة العاملة.

فإذا كان الاتجاه العدمي، قد دعا إلى حل المنظمة و التنظيمات الماركسية ــ اللينينية و الذهاب إلى الطبقة العاملة، فإن أصحاب التيار الثالث، يدعون إلى "إعادة بناء المنظمة" من أجل إنجاز هذا الذهاب إلى الطبقة العاملة، و اعتبروا آنذلك، أنه يجب أن يكون مباشرا، أي أن يتم الخروج من القطاعات التي يعتبرونها بورجوازية صغيرة، و الذهاب إلى الطبقة العاملة.

أمام قوة الضربات التي تعرضت لها الحملم و منظمة "إلى الأمام"، وقع إحساس بالإحباط عند العديد من المناضلين، تجلى في نوع من وعي شقي أصبح يرى في الحركة الشبيبية مشجبا يعلق عليه أخطاءه، فحولها إلى كبش فداء، لمحو ذنوبه فوجد ضالته في شعار"الطبقة العاملة". إنها حالة البورجوازي الصغير، الذي بعدما فشل في التجدر داخل هذه الطبقة، أصبح مهووسا بفكرة أنه قادر على التضحية من أجلها، تماما مثل ذلك الشعبوي الروسي الذي توجه إلى الفلاحين الروس، و لم يجد تجاوبا لديهم، فتحول إلى الإرهاب ليبرهن أنه قادر على التضحية و الموت من أجل القضية (انظر النقد اللينيني لذلك في كتاب "ما العمل")، فكم من شعار صحيح يخفي وراءه حقائق أخرى، معلنة أو مستترة، تثبث عكسه.

إذا كان التيار الأول، تحت شعار الذهاب إلى الطبقة العاملة و حل المنظمة، قد سقط في العفوية و التجريبية و العدمية على المستوى النظري و السياسي، علما أنه لم يذهب يوما إلى الطبقة العاملة أو حتى حاول ذلك، فإن التيار الثاني، بدعوته إلى التحالف مع ما أسماه بالقوى الثورية و الديموقراطية (المتواجدة داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، و كذلك بمبرر وجود قواعد عمالية داخل هذه القوى، منددا في نفس الوقت بمواقف المنظمة منها، و كذلك، تحت غطاء تحقيق التجدر داخل الطبقة العاملة، قد سقط في الإصلاحية، و فقدان الاستقلالية السياسية و التنظيمية للطبقة العاملة، و لدورها القيادي في الثورة.

أما التيار الثالث، و تحت شعار الذهاب إلى الطبقة العاملة، و بمنظوره لإعادة البناء، فقد انتقل من المقدمة التكتيكية إلى السقوط في النزعة العمالوية، كإحدى مكونات الفكر البورجوازي الصغير داخل الطبقة العاملة،لأنه ببساطة، تخلى عن جوهر الأطروحة الماركسية ــ اللينينية حول الطليعة البروليتارية ، و علاقتها بنشوء و تطور الوعي السياسي الطبقي لدى الطبقة العاملة، ضمن خطة مركزية سياسية تقود عملية بناء الحزب الثوري البروليتاري، فلا حاجة للتذكير بأن خطة إعادة البناء لم تتوفر على الشرط السياسي المتمثل في جريدة مركزية حقيقية، و خطة سياسية تنحو نحو هذا الهدف، و ليس مجرد حقائق عامة تصلح لكل زمان و مكان، أي لا تصلح لأي جهة. لقد فصل منظروا إعادة البناء بين الوعي الإقتصادي الموضوعي و الوعي السياسي الطبقي الذاتي، و اعتقدوا بجهوزية تلك الطلائع، بمجرد الإقتراب منها، لقنصها، فكانت المحاولات القليلة التي قام بها بعض المناضلين، قد انتهت بهم إلى الإحباط و العودة إلى قواعدهم البورجوازية الصغيرة، بعدما تعذر عليهم الإندماج بسيرورة الإنتاج و روح التنظيم البروليتاري.  

 

- حول المركزية الديموقراطية

لقد رأينا، كيف طرح و حدد أصحاب نظرية "إعادة البناء"، المهمة الرئيسية، من خلال شعار مركزي : "تنظيم ماركسي ــ لينيني صلب و راسخ جماهيريا"،في غياب أي تقييم شامل للتجربة، بل قاموا بتحويل هذا المطلب الثوري، إلى مجرد تقييم أولي أو جزئي، في خدمة ما أسموه "حدا أدنى للتنظيم" و "حد أدنى للعلاقات مع الجماهير"، و في ظل هذه الحدود الدنيا، باشروا ما أسموه بذلك التقييم الأولي أو الجزئي، و حتى يتصلب هذا البناء(بناء المنظمة)، اعتمدوا كذلك على ما أسموه "التحليل السياسي الأولي"، و في ظل هذه التصورات، استنسخوا دورا مركزيا للقيادة في عملية إعادة البناء، و جعلوا من شعار"الوحدة" (أي وحدة المنظمة) شعارا مقدسا، كانت ترجمته العملية، تعني التشدد في المركزية، فإعادة البناء هي فقط من صلاحية القيادة سياسيا و تنظيميا. و نشأ عن كل هذا، اعتبار كل رؤية خارج رأي القيادة ،هي تخريب و عرقلة لمجهودات القيادة من أجل إنقاد المنظمة، فدور القيادة أساسي، و مطلوب الالتفاف حولها، و إلا اعتبر كل طرح سياسي بمثابة إجهاز عليها، و كل نقاش بين الرفاق هو تكتل، و قد صاحب كل ذلك منح دور مبالغ فيه للفرع (السجن المركزي)، و احتقار إمكانيات الآخرين.

في مثل هذه الظروف، هناك من مجد هذا الدور للقيادة التي أصبحت "القيادة الوطنية"، بينما تعرض آخرون لحملات الإغتيال المعنوي، و التشهير، و المحو من الذاكرة الجماعية للمنظمة، ممارسات لا زال صداها يتردد إلى يومنا هذا، و لا ينقص من هذا القول وجود بعض المناضلين، أو الرفاق، من داخل هذا الخط، كانوا يتحفظون أو يتساءلون، مواقف كانت تتم عن جهل بالتجربة و الخط و النظرية، و بخلفيات منظري "إعادة البناء"، لكن التجربة باءت بالفشل، و أصدر التاريخ -الذي لا يرحم- حكمه.    

 

ملحق الفصل السادس :  

التحريفيون الجدد و تقييم "إعادة البناء": بعض الوثائق

بعد سقوط تجربة "إعادة البناء" في خريف 1985، ظهرت العديد من التقييمات لتلك التجربة، و تسير كلها في منحى الحكم عليها بالإفلاس و إن تم تلطيف ذلك بعبارات مختلفة، الشيء الذي يناقض أطروحة انتصار الخط البروليتاري، و على يد قادة "إعادة البناء" أنفسهم، و ننشر هنا ملحقان لوضع القراء و المناضلين في الصورة عن تلك التناقضات و التخبط الذي سقط فيه دعاة "إعادة البناء"، سواء في عجزهم عن إدراك جوهر الأخطاء، التي أدت بهم إلى الانهيار في خريف 1985، أو متابعتهم لمجريات الأحداث بعد سقوط نظام الاشتراكية الامبريالية، و ملحقاته في أوربا الشرقية.  

 

الملحق (1) بيان الذكرى 16 (1986)  

بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لتأسيس المنظمة  

فبعد أن أشارت المنظمة في بيانها لهذه المناسبة إلى الظروف القاسية التي تحيي فيها هذه الذكرى، التي تتمثل في الضربة التنظيمية الجديدة التي تعرضت لها من جراء حملة الاعتقالات، التي أفقدتها العديد من الأطر و المناضلين، و التي استلزمت منها، وفقا للتقاليد الشيوعية، أن تقف وقفة جديدة لتقييم تلك النكسة بالجرأة و الصرامة الثورية لتقديم خط النضال الثوري ببلادنا، بعد ذلك تمر المنظمة في بيانها إلى تسجيل الأخطاء والانحرافات التي سقطت فيها خلال تجربة إعادة بنائها منذ 79 مركزة بالخصوص على ما يلي :

1- إن الخطأ السياسي الذي أقدمت عليه المنظمة بتوزيعها المنشور الموقع باسمها، شكل في رأينا السبب المباشر للاعتقالات و الذي لم يكن سوى العامل الذي كشف عن العديد من الثغرات التي كانت تعاني منها المنظمة.

2- أن الإقدام على توزيع المنشور كان من منطلق تقييم خاطئ و مغلوط لطبيعة قوانا الذاتية والظرف السياسي العام الذي تمر منه البلاد و كذا استخفافا خطيرا لقوى أعدائنا الطبقيين.

3- أن هذا الانسياق يجد تفسيره بدوره في الخصائص المتخلفة للبورجوازية الصغيرة و قصر نفسها و التي تحكمت في انتشار الشعور بنشوة الانتصار لدى العديد من مناضليها، بعد أن استطاعت المنظمة أن تفلت من موجات القمع المتتالية التي صاحبت انتفاضتي 81 و 84 و عدم تضررها من جراء اعتقالات 85 و كذا للدور المتواضع و الهام في نفس الوقت الذي لعبته خلال الانتفاضتين و في المساهمة في تنظيم عملية المقاطعة للانتخابات البرلمانية على المستوى الوطني.

4- أما الانحراف الأساسي في نظرنا فهو ما زال يكمن في عدم تطبيق شعارنا المركزي المتمثل في التركيز على الطبقة العاملة و الفلاحين، و التركيز في المرحلة الراهنة على القلعات البروليتارية الأساسية، و ذلك بالرغم من أن المنظمة حققت منجزات متقدمة في هذا الاتجاه و لكنها تظل في نظرنا دون مستوى متطلبات تحويل الطبيعة الطبقية للمنظمة.

5- في ظل التركيبة الطبقية لمنظمتنا و التي لا زال يشكل فيها العنصر المثقفي إحدى المكونات الأساسية، كان من الطبيعي أن تطغى العديد من الممارسات و المسلكيات البورجوازية الصغيرة، كالاعتماد على أساليب فوقية في العمل و ممارسة التحريض بأشكاله الخاطئة في العديد من المناسبات و الإطارات الجماهيرية.

6- تخلف أساليب عملنا السري و طغيان الأساليب الحرفية و عدم التقدم في إيجاد الحل السديد لإشكالية الربط بين العمل السري و العلني.

7- عدم تحقيق التراكمات اللازمة على مستوى الاستفادة من تجربة منظمتنا و تجربة الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية خاصة و حركات التحرر و الحركات الشيوعية العالمية في ميدان مواجهتها لأعدائها الطبقيين.

8- تخلف دعايتنا و أشكالها بالمقارنة مع حجم المهام الملقاة على عاتق الدعاية الثورية في بلادنا.

و قد تطرقت المنظمة في بيانها لذلك، دون أن تغفل إيراد بعض إيجابيات تجربتها و التي ركزتها كما يلي :

1- أن الاستمرار الجريء للمنظمة لرفع راية الماركسية ــ اللينينية و الشيوعية و النضال الثوري في بلادنا، رغم الشروط السياسية الصعبة التي تميزت بالمد اليميني الخطير الذي عرفته الساحة المغربية من هجمة النظام و أحزابه الرجعية و تسخير الأحزاب الإصلاحية لخدمة سياسته التوسعية و دعايته الشوفينية، و ما يبرز من ردة و تشكيك وسط الحركة الماركسية ــ اللينينية و الأزمة التي تمر منها الحركة الشيوعية العالمية، يشكل في حد ذاته انتصارا لفكر الطبقة العاملة أمام محاصرة الرجعيين و المرتدين بكل أنواعهم.

2- أن استمرار المنظمة كصوت لفضح سياسة النظام الرجعي و جرائمه و للدفاع الشجاع على المصالح الشعبية و الوقوف إلى جانب نضالات شعبنا و طلائعه و المساهمة في تقديمها، رغم ما يتطلبه ذلك من تضحيات، لطعنة و هزيمة لسياسة الإجماع و الديموقراطية الحسنية و مساهمة في تقديم واقع الصراع الطبقي و تأجيجه في بلادنا.

3- المساهمة النسبية في تحقيق الاندماج و صهر الحركة العمالية بالفكر الماركسي ــ اللينيني عبر التقدم النسبي في إنجاز مهمتنا المركزية، التجدر وسط الطبقة العاملة و السهر على إصدار جريدة عمالية "الكادح" و العمل على توزيعها في صفوف الطلائع العمالية.

4- المساهمة في تشجيع و تقديم مختلف أساليب العمل النضالي الثوري، إلى جانب باقي الثوريين المغاربة في مختلف القطاعات و في الأحياء الشعبية، عبر المشاركة العضوية في النضالات الاحتجاجية و المطلبية للجماهير و محاولة توجيهها و تأطيرها و تقديمها و كذا في المبادرات الثورية الجماهيرية كالانتفاضات و المظاهرات و التحركات التضامنية مع قضيتنا الفلسطينية.

5- المساهمة في تثبيت خط النضال الديموقراطي الجماهيري الكفاحي داخل الإطارات الديموقراطية.

6 - فك الحصار على مستوى الإعلام الخارجي بالدعاية لكل حركات الاحتجاج الجماهيري، و التعريف بنضالات و واقع القمع و الاضطهاد الذي يعانيه شعبنا و تخفيف الخناق حول المعتقلين السياسيين و عائلاتهم لدى الرأي العام الديموقراطي و القوى التقدمية.

7- الاستمرار الشجاع في التشبت بمواقفنا المبدئية و على رأسها الدفاع عن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي و مناهضة الحرب العدوانية رغم الحصار القمعي و الشوفيني.

و في معرض تقييمها هذا، أشارت المنظمة إلى أن ذلك يتعلق ببعض الدروس الأولية التي توصلت إليها و التي طرحتها جماهيريا لإثارة نقاش في صفوف المناضلين الثوريين المغاربة بهدف بلورة رؤية جماعية واضحة للنضال الثوري ببلادنا، و بهذا الصدد أكدت قائلة أنه:

"و إذ نحاول في هذا البيان استخلاص بعض الدروس الأولية فإننا لا ندعي بتاتا كوننا قد جزمنا و أغلقنا التفكير بصددها، و لكن فقط من أجل إثارة نقاش مفيد و جاد في صفوف المناضلين الثوريين المغاربة حتى يتسنى لنا جميعا بلورة رؤية واضحة تجعلنا قادرين على إحداث النقلة النوعية في النضال الثوري ببلادنا لخدمة قضية شعبنا، مقدرين في هذه العملية، المناضلين الذين ضحوا بكل ما لديهم مهما كانت الأخطاء و حجمها".  

 

الملحق (2)   بيان الذكرى 22 (1992)  

بيان بمناسبة الذكرى الثانية و العشرين لمنظمة إلى الأمام المغربية  

تميزت الأيام الأخيرة لشهر غشت 1991، مع انهيار ما كان متبقيا من الاشتراكية المبقرطة في الاتحاد السوفياتي سابقا، بانتصار الامبريالية و إقامة "النظام الدولي الجديد" الذي أقره بوش أثناء حرب الخليج المدمرة للعراق.

إن الشعوب سنة من بعد ، تؤدي مقدما ثمن النتائج المرة لهذا "النظام الدولي الجديد". ففي بلدان المركز الرأسمالي، فإن نمو القوى المنتجة لا زال يترجم أكثر فأكثر بالبطالة و تتعرض المكاسب الاجتماعية لشعوب أوربا الشرقية و روسيا للتفتت و الضياع، من جراء القانون الوحشي للسوق الرأسمالي، و بفعل تحطيم قطاعات بأكملها من صناعات هذه لشعوب، و في يوغوسلافيا سابقا، التي كانت مبنية على أساس الأخوة بين الشعوب التي كانت تكونها، استقر قانون الغاب، و خطرا من نفس النوع يهدد شعوب القوقاز، و في أفغانستان، عوضت تمزقات الإسلاميين المتطرفين النظام الذي كان فرضه الاتحاد السوفياتي، و لا تزال شعوب "العالم الثالث" تؤدي ثمنا باهضا عن خضوع بلدانها، عبر طبقاتها السائدة للنظام الرأسمالي العالمي.

و مع ذلك، و رغم الاضطراب الإديولوجي الذي استولى على اللذين كانوا يثقون أكثر من اللازم في النموذج السوفياتي، تنتظم في العالم أنوية المقاومة خاصة من طرف أولئك الذين يستخرجون الدروس من التساؤلات المشروعة التي يطرحها انهيار هذا النموذج.

إن بلدانا من العالم الثالث كفيتنام و كوبا، التي كانت قد شرعت في بناء الاشتراكية انطلاقا من ثورات شعبية و اتبعت النموذج السوفياتي، تبذل جهدا لتصحيح النتائج السلبية، و هذا، بالنسبة لكوبا، بالرغم من التطويق الامبريالي، أما الصين، فهي لا تزال مستمرة في تشييد طريقها الخاص نحو الاشتراكية، و لا زال الثوريون في أمريكا الوسطى يواصلون، في ظروفهم الخاصة، كفاحا صعبا، و تواصل شعوب افريقيا، خاصة في مدغشقر، نضالها من أجل الديموقراطية و ضد دكتاتورية أنظمة عميلة للامبريالية.

في أوربا الغربية،المهد التاريخي لأفكار التقدم و الحرية و الحركة العمالية، تساهم حركة قوى اليسار ضد أوربا أرباب الأبناك و من أجل أوربا الشعوب في المخاض الصعب لمجتمع بديل عن الرأسمالية،عصري و قابل للتحقيق و الاستمرار، و ذي تصور آخر للعلاقات مع الجنوب، زد على ذلك ،أنه، أمام الحرب الاقتصادية التي تتصاعد الآن بدون رحمة بين أقطاب الرأسمالية العالمية الثلاث، اليابان و أمريكا الشمالية و أوربا الغربية، ليس هناك مخرج آخر أمام شعوب هذه البلدان الأوربية إلا التخلص من الرأسمالية إن هي أرادت أن تضع حدا لانتشار البطالة، و لمجتمع حابل بأخطر الانفجارات نتيجة تفاحش غنى البعض و فقر الآخر كما وقع مؤخرا في لوس انجلوس.

في هذا الإطار العام، إن وضعية العالم العربي صعبة بوجه خاص، و هذا يرجع من جهة إلى أن المصالح المتصارع حولها، في هذه المنطقة، أساسية بالنسبة للهيمنة الامبريالية على العالم، و قد شهدنا ذلك أثناء حرب الخليج ، و لكن يرجع ذلك أيضا إلى أن الإديولوجيات الثورية العربية، كانت مطبوعة، إما بالنموذج السوفياتي و إما بالقومية العربية البورجوازية الصغيرة و كلتا هاتين المدرستين – التي توافقت في بعض الأحيان- انهارت في نفس سنة 1991 هذه. و في إطار التلف الناتج عن ذلك الانهيار بالنسبة لمعظم المتأثرين بتلك المدرستين، فمعظمهم لا يرى المخرج إلا في التطرف الإسلامي، و الآخرون في الانهزام أمام الرأسمالية العالمية و الاكتفاء بإيجاد تسويات.

و هكذا،أصبحت وضعية الشعب الفلسطيني، رغم انتفاضته البطولية، صعبة أكثر من السابق. في هذا السياق تقوم الامبريالية و الاتجاهات الصهيونية الأكثر حذقا، و الممثلة اليوم من طرف رابين بوضع كامب ديفيد جديد في الشرق الأوسط. إن اتفاق "السلام" هذا لن يمنح للسكان الفلسطينيين بالضفة الغربية و بقطاع غزة إلا حكما ذاتيا شكليا، و ذلك دون أن يكون هناك اعتراف بحق تقرير الشعب الفلسطيني و حقه في العودة إلى أرضه، و دون أية ضمانة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى أن هذا الاتفاق يمكنه أن يدمج نظام حافظ الأسد في تسوية عامة تكرس بقاء الدولة الصهيونية، و قد سمح لهذا الأخير بالسيطرة على لبنان كمكافأة مسبقة لجره لهذا الاتفاق.

و على الصعيد المغاربي، فإذا كانت ليبيا مستمرة في مقاومة الحصار الاقتصادي الجوي الذي أقرته ضدها الامبريالية، فإن النظامين في الجزائر و تونس، نظرا لعجز الأول و انعدام الإرادة لدى الثاني، لا يستطيعان الجواب على انسداد الطرق الذي أدى إليه إخضاع بلديهما لشروط النظام الرأسمالي العالمي. و من هنا، لا يمكن لهما مواجهة تصاعد التطرف الإسلامي إلا بالقوة و القمع الوحشي و خنق أي تطور ديموقراطي.

و في هذا الإطار، يتأكد الاتحاد المغاربي كهيكل فارغ، خصوصا و أن عرقلة نظام الحسن لاستفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي، حر و نزيه، تمنع مسبقا أي بناء لمغرب الشعوب، أخوي و موحد، كما تثقل عواقب هذه العرقلة كاهل الشعبين المغربي و الصحراوي. و في المغرب، يمكن اعتبار الإثنا عشر شهرا المنصرمة، من تلك الفرص الضائعة لانتزاع الديموقراطية. فقبل الإثنا عشر شهرا كان نظام الحسن معزولا على الصعيد العالمي، و أبانت القوى الديموقراطية عن قوتها اثناء الإضراب العام في 14 دجنبر 1991 تضامنا مع الشعب العراقي الشقيق و لمناهضة إرسال الحسن لتجريدة من الجيش المغربي إلى العربية السعودية، تلك المظاهرات التي أظهرت فقدان نظام الحسن المخزني لشرعيته.

و قد اضطر الحسن في هذه الظروف أن يطلق عددا من المعتقلين السياسيين المعروفين، بين غشت 1992 و يناير 1992، و خاصة ما تبقى من معتقلي مجموعة محاكمة الدار البيضاء لسنة 1977، و اضطر فوق ذلك أن يضع حدا لمعسكر تازمامارت القروسطي، و يطلق في الشهور الموالية سراح الذين بقوا على قيد الحياة بذلك المعسكر، باستثناء غاني عاشور و أحمد الرايس نقلا إلى السجن المركزي بالقنيطرة.

و في خريف 1991، استرجعت حركة النضال الديموقراطي و الاجتماعي زخمها. فعلى صعيد النضال الاجتماعي، نظمت الكنفدرالية الديموقراطية للشغل بالاشتراك مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عدة إضرابات قطاعية و بشكل دوري، مما يبين النضج الكبير لهذه المركزية الديموقراطية لتهييء إضراب عام جديد على الصعيد الوطني كهدف أعلن عنه بكل وضوح منذ ذلك الحين. و توطد تأثير و تأطير الكنفدرالية الديموقراطية للشغل في المناجم و تم تثبيتهما في السكك الحديدية، كما أن نقابات منضوية في الاتحاد المغربي للشغل أبانت هي الأخرى استعداد الطبقة العاملة للنضال خاصة عبر الإضرابات القطاعية للصناعة بالدار البيضاء و المحمدية.

و تميز النضال الديموقراطي طيلة هذه السنة بتحرك المنظمات المغربية لحقوق الإنسان مدعومة في ذلك من طرف منظمات عالمية و من طرف حركة النضال الديموقراطي للهجرة المغربية بأوربا التي عرفت نهوضا جديدا، وتجسد هذا بالخصوص في اليوم النضالي ل 14 دجنبر 1991 الذي نظمته اللجنة الوطنية للتنسيق من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين و المختطفين و عودة المنفيين. و استمر المعتقلون السياسيون في نضالهم البطولي للدفاع عن حقوقهم و المساهمة في النضال الديموقراطي للشعب. و هذا ما تبين بالخصوص في الإضراب عن الطعام الطويل النفس، لرفاقنا في مجموعة 26 بالدار البيضاء، الذي انتهى بانتصارهم باسترجاع مكاسبهم و تثبيتها بعد نقلهم إلى سجن عكاشة.

و عرفت الحركة الطلابية، خلال خريف 1991 هجومات وحشية قامت بها مليشيات تدعي الإسلام، تحت حماية البوليس ضد الطلبة بجامعات فاس و وجدة و القنيطرة، نتج عنها ثلاث قتلى بوجدة و عدة إصابات خطيرة بفاس، و تعرض طلبة جامعة فاس خلال هذه السنة لقمع وحشي نظرا لتميزهم بنضالهم التقدمي و الديموقراطي، حيث حكم على عشرات منهم بأحكام قاسية كما تم إغلاق الحرم الجامعي. إلا أن الحركة الطلابية قاومت و بدأت تظهر استعدادات لتوفير الشروط الوحدوية لاستعادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمنظمة تقدمية لكل الطلبة المغاربة كما ظهر ذلك خلال تضامن الشبيبة الاتحادية مع طلبة فاس. و لا يفوتنا أن نسجل استمرار عوامل سلبية تعرقل هذا المسار. و قطعت الحركة الطلابية المغربية في أوربا، و بعد سنوات طوال من التشتت، خطوات أولية في اتجاه إعادة تشكيلها و وضع أسس مؤتمر فدرالي مقبل ديموقراطي و موحد.

و تعتبر الانطلاقة التي بدأت تأخذها الحركات العميقة داخل المجتمع المدني، من أهم التطورات التي عرفتها هذه السنة، صحيح أنه لا يمكن أن نتجاهل دور الحركات الإسلامية في هذه التطورات، فاستغلالا منهم لاضطراب عدة شرائح اجتماعية من الشعب، نتيجة الإطالة المرضية لنظام الحسن المخزني المطلق، و استعمالا منهم للإمكانيات المادية الهامة التي يتوفرون عليها، يقومون بتنظيم الشباب في الأحياء الشعبية للمدن المغربية و في الثانويات و أكثر فأكثر في الجامعات. و لأنهم في ذلك تحركهم الإيديولوجية الظلامية و الرجعية بتأثير من العربية السعودية، فهم يشكلون قوة قد تأتي بمفاجآت مرة لأولئك الذين يعتقدون – بالمغرب كما بفرنسا – أن بإمكانهم الاحتماء بحكم الحسن المطلق.

بالرغم من ذلك، هناك حركات أخرى، و لو أنها لا تزال في مرحلة أقل تقدما، فهي تحبل بتطورات تقدمية جذرية، و بدأت تتبث نفسها بقوة أكثر من السابق و يتعلق الأمر بحركة الثقافة الأمازيغية من جهة و بحركة النساء من جهة أخرى.

فيما يخص الحركة الأولى، إن أهم شيء، هو أن القضية الأمازيغية أصبحت اليوم مرتبطة بالقضية الاجتماعية في البوادي. إن ال"ميثاق حول اللغة و الثقافة الأمازيغيتين" (نشرته جريدة "المواطنة" في عددها الأول بتاريخ 15 يوليوز1992) الذي صادقت عليه في صيف 1991، ست جمعيات ثقافية ممثلة للمناطق الرئيسية الناطقة باللغة الأمازيغية بالمغرب، لمعبر عن هذا الوعي الذي، انطلاقا منه، يمكن للقضية الأمازيغية أن تندمج في صيرورة الثورة المغربية التي تنتسب إليها موضوعيا كما أبرزتها وثائق منظمتنا، و يؤكده الصدى الهام لمواقفنا حول هذه القضية في بعض المناطق الناطقة باللغة الأمازيغية و في بعض أوساط الجالية المغربية المهاجرة بأوربا الغربية.

أما بخصوص القضية الثانية، فإن الخطوة التي قطعتها حركة النساء ليست أقل أهمية بالنسبة للمستقبل. فالمنظمات المناضلة المكونة لهذه الحركة شكلت مجلسا للتنسيق من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية الرجعية المكرسة للامساواة بين المرأة و الرجل و سيطرته عليها. إن هذا التطور جعل الحسن يرد بحدة في خطابه يوم 20 غشت الجاري، زاعما أنه الوحيد الذي له الحق المطلق لحسم هذا المشكل في إطار صلاحيته ك"حامي" للدين، إلا أن تطورات العالم المعاصر لا يمكن أن تقف عند أبواب المغرب، بل تجعل منها المناضلات المغربيات حافزا آخرا للمشاركة في نضال الشعب ضد الحكم المخزني الفردي المطلق الذي يخنق البلاد مع حفاظهن على الاستقلال الضروري لنضالهن كحركة من أجل تحرير المرأة المغربية.

لهذا، و في ظل هذه الظروف، لا يمكن القبول بتراجع النضالات العمالية الذي فرضته قيادات أحزاب المعارضة البرلمانية عمليا، منذ أواخر أبريل 1992،على الكنفدرالية الديموقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب.

إن قيادات هذه الأحزاب، رغم الاتجاهات المناضلة المتواجدة في صفوف البعض منها، لم تستطع بعد أن تتخلص من الخضوع لسياسة الجزرة و العصا التي يحسن الحسن استعمالها منذ 31 سنة، هذا في الوقت الذي تغيرت فيه الشروط الداخلية و الخارجية لغير صالحه.

إن الاندفاعة النضالية داخل هذه القيادات، كانعكاس للطموحات الشعبية بما فيها طموحات جزء هام من الطبقات المتوسطة، من أجل وضع حد للنظام المخزني الفردي المطلق، عبرت عن نفسها بشكل صارخ عبر تصريحات نوبير الأموي الكاتب العام للكنفدرالية الديموقراطية للشغل و عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في استجواباته مع جريدة "حرية المواطن"(التي تم منعها منذ ذلك الحين) يوم 22 فبراير 1992 و مع صحيفة "البايس" الاسبانية في شهر أبريل لنفس السنة. و رد النظام في الحال بالقمع، و حكم على النوبير الأموي بالحبس سنتين نافذتين، و بالتهديد باستعمال القوة إذا تشبتت الكنفدرالية الديموقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بالاستعراض في الطريق الذي اختارته لتنظيم مسيرة فاتح مايو بالدار البيضاء، و في هذه الأثناء تتراجع أحزاب المعارضة البرلمانية و تنحط إلى المطالبة بالتحكيم الملكي بخصوص القانون الانتخابي، و قامت في نفس الوقت، قيادتي هاتين المنظمتين بإلغاء مسيرة فاتح مايو بالدار البيضاء.

غير أن الضغط النضالي في صفوف هذه الأحزاب حد من هذا التراجع، حيث لم تقبل رسميا، و إلى يومنا هذا،بالقانون الانتخابي و إن كانت تميل للتعاطي معه عمليا، كما ساهم في أن تتشكل "الكتلة الديموقراطية" فيما بين هذه الأحزاب و الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لعبد الله إبراهيم على أساس ميثاق يطرح بوضوح ضرورة "إصلاح دستوري عميق"، إلا أن هذه الكتلة بقيت وفاقا على مستوى القمة شكليا و هشا. إلا ان قيادتي المركزيتين النقابيتين، الكنفدرالية الديموقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين، توقفتا منذ ذلك الحين عن التهييئ للإضراب العام و إن استمرتا في التصريح بتشبتهما به كهدف، مما أدى إلى تراجع واضح في النضالات العمالية و إلى تسهيل الأمور أمام مناورات الحسن بحيث أن هذا الأخير صعد من غطرسته تجاه أحزاب المعارضة البرلمانية و من ابتزازه لها، فبتصريحه يوم 7 يوليوز الأخير بالحفاظ على مبدأ الثلث غير المباشر، ينفي مسبقا إمكانية حصول المعارضة الحالية على الأغلبية في البرلمان المقبل، و لكنه في ذات الآن يلوح بإمكانية مشاركتها في حكومة مقبلة، مما يشكل بالنسبة لها انتحارا سياسيا الذي يغري مع ذلك، تقنوقراطيي هذه الأحزاب.

إن تذبذب هذه الأحزاب لم يساعد على تطور حملة التضامن العالمي من أجل إطلاق سراح النوبير الأموي، التي انطلقت مع ذلك، لكنها لم تتمكن من اكتساب القوة الضرورية أمام صمت هذا الزعيم النقابي، بل على العكس من ذلك، شجع هذا التذبذب دعم الحسن من طرف شرائح الرأسمال الفرنسي المتشبتة بدوام العلاقات الاستعمارية الجديدة، و التي يعتبر الوزير الأول الجديد كريم العمراني ممثلها المخلص، و من طرف الحكومة الفرنسية التي أبانت عن نفسها، في كل مكان و منذ بداية هذه السنة، كمدافع متحمس على نظام الحسن.

هذه هي الوضعية السياسية المغربية إلى حد نهاية شهر غشت 1992.

فبدون إصدار أحكام مسبقة حول التطورات التي يمكن أن تعرفها هذه الوضعية في الاسابيع القادمة، يمكننا من الآن، استخراج الخلاصة التي أبرزناها في بداية هذا التحليل و المتعلقة بتضييع القوى الديموقراطية المغربية لفرصة هزم النظام المخزني المطلق و لفتح الطريق أمام تقدم هام للنضال من أجل ديموقراطية حقيقية بالمغرب.

مع ذلك هناك فروقات نوعية بالمقارنة مع فترات سابقة لسيادة الحسن حين استطاع هذا الأخير تجاوز أوضاع صعبة، و ترجع هذه الفروقات أساسا إلى النمو الذي تعرفه قوى ديموقراطية جذرية.

إن القوى الثورية/ أو الجدرية، استخلاصا منها للدروس من انسداد الطرق لسنوات الستينات و السبعينات، تعلمت أن تدمج النضال السياسي من أجل هدف مرحلي في استراتيجيتها، و هذا صحيح بالنسبة للمناضلين الذين وضعوا منذ نهاية السبعينات وطيلة الثمانينات، أسس حزب "الطليعة الديموقراطي الاشتراكي" ، و هذا صحيح أيضا بالنسبة لمنظمتنا إلى الأمام التي استطاعات منذ الثمانينات، رغم ظروف القمع القاسية، أن تتجاوز تصورات السبعينات التي كانت ترتكز على نظرة مثالية للاستراتيجية الثورية المغربية، لتتعلم دمج النضال الديموقراطي في مسلسل إنضاج شروط الثورة.

و بهذا الصدد، و للجواب على سوء فهم ظهر في هذه السنة في الأوساط المناضلة المغربية، يجب أن نوضح أنه غير مطروح بالنسبة لمنظمتنا أن تنظر لهذا النضال الديموقراطي كمرحلة نهائية على شكل ما كان يطرحه المناشفة كأهداف الثورة الديموقراطية البورجوازية في روسيا القيصرية، إن منظمتنا تبقى مخلصة لدروس لينين و الماركسية الحية، معتبرة أن الثورة المغربية صيرورة متواصلة عبر مراحل مندمجة بعضها ببعض.

إن النضال الديموقراطي مهمة رئيسية في الفترة الراهنة، لكن في إطار هذا النضال الديموقراطي نفسه الذي يهدف إلى انتزاع اختراق ديموقراطي، علينا أن نهيئ شروط الفترة اللاحقة، و يبقى الهدف الاستراتيجي بالنسبة لمنظمتنا، نظرا لأنه الحل السديد و المناسب بالنسبة للجماهير الكادحة، هو تحطيم الدولة الملكية المغربية، و إقامة بواسطة العنف الثوري المنظم للشعب، الجمهورية الديموقراطية و الشعبية المرتكزة على سلطة المجالس الشعبية.

إن هذين الاتجاهين يتعززان باتجاه ثالث الذي يؤسس أهدافه من أجل انتزاع الديموقراطية، بناءا على نموذج الثورة الفرنسية لسنة 1789، و يتشكل هذا الاتجاه من مناضلين مخلصين و جريئين، ظلوا يواصلون كفاحهم منذ ربيع 1991 رغم المنع المتواصل للصحف التي ينشرونها و التي تركز و عن حق، على مفهوم "المواطنة".

وإذا كان الاتجاه الأول يطور عمله حسب المفهوم الكلاسيكي للحزب الثوري في الاشتراكية العلمية، عملا يؤدي بالطبع إلى النضال في المنظمات الجماهيرية،فإن الاتجاهين الآخرين يعملان انطلاقا من تصورات منفتحة للنضال الجماهيري التي لا تزال في طور المخاض في الممارسة الملموسة لأوساط مناضلة مغربية.

إن منظمتنا إلى الأمام بالخصوص تركز مجهودها لكي تنظم الجماهير نفسها في الأحياء و المعامل و الكليات، و في البوادي في مرحلة متقدمة.

إن هذه الاتجاهات الجدرية تركز اليوم جهودها على فضح أي إصلاح دستوري ممنوح الذي لا يمكنه إلا أن يكون كاريكاتوريا للديموقراطية، و تصر على أن الدستور يجب أن يعده مجلس تأسيسي منتخب و منبثق من الشعب، و يدعون إلى مقاطعة الاستفتاء الدستوري ليوم 4 شتنبر، و يناهضون كاريكاتور الانتخابات المعلن عن إجرائها في الخريف المقبل.

و يشارك في النضال من أجل هذه الأهداف، عدد من المناضلين الديموقراطيين المخلصين، ينحدرون من قطاعات مختلفة للمجتمع المغربي و لا ينتمون بالضرورة لهذا أو ذاك من الاتجاهات الثلاث، و لكنهم يساهمون في التنظيم الذاتي للجماهير.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.