Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة السابعة ـ الجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام" " ـ 21 أبريل 2017

Pin it!

خ1.gif

في هذه الحلقة السابعة من الجزء الثالث، و التي تضم الجزء الثاني من "الجوهر الحي للماركسية أو الماركسية اللاماركسية". يقدم  موقع 30 غشت الفصل العاشر الذي يحمل عنوان: "مساهمة في نقاش مشروع المراجعة النقدية لأبراهام السرفاتي" لصاحبها حسن الصعيب و التي صدرت على شكل حلقات بجريدة "النهج الديمقراطيسنة 1997.

 

 

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

  

 

الجزء الثالث

  القسم الثالث

الجوهر الحي للماركسية أو الماركسية اللاماركسية

الجزء الثاني

الفصل العاشر :  

مساهمة في نقاش مشروع المراجعة النقدية لأبراهام السرفاتي

حسن الصعيب

الحلقة الأولى:

في مقدمة حلقته الأولى من هذا المقال، يذكر الكاتب بالظروف و السياق الذي تم فيه اللقاء مع أبراهام السرفاتي من داخل السجن المركزي، و يكتسي هذا التقديم أهمية كبرى، لكونه يضع إطارا زمنيا للفترة التي عرفت فيه الأطر و مناضلو "إعادة البناء"، مراجعات لمواقف المنظمة و الحملم، و يتكلم الكاتب بحماس عن تلك الفترة قائلا :

"لقد عشنا حرارة اللقاء، و شغف التعرف المتبادل، لما كنا نتردد على السجن المركزي بالقنيطرة، من أجل اجتياز الامتحانات، خصوصا لما خف نسبيا المنع و القمع داخل السجون، بعد تضحيات جسام، و تمكنا فعلا، و بعد غياب طويل من عناق رفاقنا من الجيل الأول المؤسس. و كم كانت فرحة السرفاتي عارمة و مشاعره عميقة، عند لقائه بمناضلي و شبيبة الأحياء الشعبية، كما كان يحلو له أن يسميهم، و بتأثر بالغ، مثل طفل وديع، ستنهمر على خديه دموع الفرح، و الإحساس ب "النصر" لاستمرار جيل ثاني يكن له كل الحب التقدير، في الكفاح و الصمود. و منذ ذلك الوقت، سنحول هذا اللقاء التاريخي إلى أوراش للعمل الفكري و السياسي، لم ينقطع إلى يومنا هذا. ستشاء "الظروف" لكي يحمل السرفاتي أهم خلاصاتها إلى منفاه القسري بفرنسا، ثم يحرر أول نص ذا طابع نظري استفزازي سنة 1993 تحت عنوان "تأملات نظرية" الذي يلخص فيه بشكل مركز و كثيف مجمل آرائه التي تتعلق بالمراجعة النقدية المطلوب من الحركة الماركسية ــ اللينينية، و بشكل خاص منظمة "إلى الأمام"، القيام بها من أجل استئناف النضال على أسس فكرية و سياسية جديدة، تقطع مع أخطاء الماضي. و قد أعقب ذلك نقاش معمق بين الرفاق، نشر بعضه في أعداد بمجلة "إلى الأمام" (من السلسلة الجديدة) لسنتي 1993 و1994، و ظل البعض الآخر معلقا بسبب الانشغال بالعفو العام، ثم الانهماك في مهمة التجميع فيما بعد.

أردت من هذه التوطئة، التأكيد على أن النقاش مع الرفيق السرفاتي حول مجمل القضايا التي تشغل اليوم بال اليسار الجديد لم يتوقف، من أجل إغناء تجربتنا الحالية، و مدها بالعناصر الجديدة القادرة على تفعيلها بهدف خدمة الأهداف التحررية للطموحات العميقة لشعبنا.

منذ حلوله بفرنسا، كسفير منفي للدفاع الأمين عن الديموقراطية و الديموقراطيين بالمغرب، انسجم بسرعة مع المناخ الثقافي و السياسي لفرنسا، عن طريق إلقاء محاضرات في الفكر السياسي المعاصر بجامعة باريس الثامنة، و أقام علاقات متميزة مع أقطاب اليسار الفرنسي، مطبوعة بالوضوح و الشفافية، كما ربط علاقة خاصة بتيار الأممية الرابعة، الذي يواصل تقاليد النقد الماركسية المغيبة منذ سنين طويل، من طرف "ماركسية مسفيتة" (نسبة إلى الاتحاد السوفياتي)، و قد تعزز هذا الارتباط و تقوى، ثم برز إشعاعه واضحا للعيان، حينما، دخل مع قادته في مناظرة مفتوحة حول مستقبل الاشتراكية، بالإضافة إلى انكبابه على دراسة حركات التحرر بالعالم الثالث، على ضوء انهيار النموذج الاشتراكي المطبق في الاتحاد السوفياتي سابقا و أوربا الشرقية ، لقد كان من شأن ذلك أن يؤثر بوضوح في مساره الفكري و السياسي، معيدا طرح الأسئلة الجذرية إزاء واقع هذا الانهيار، و ساعيا إلى تفسير نظري مقنع لجذوره التاريخية و أسسه الفلسفية و السياسية.

في هذا السياق، تندرج الأعمال الجديدة المعنونة ب "تأملات نظرية" و"المرور إلى الديموقراتورية بالمغرب و الأشكال الجديدة للعمل السوسيوسياسي". و إذا كان النص الأول، هو محاولة صياغة مفاهيم جديدة تنحو إلى القطع مع القراءة القديمة للماركسية و اللينينية، فإن النص الثاني، هو قراءة سياسية تطبيقية لتحولات المجتمع المغربي، و إفرازا ته الجديدة خلال النصف الأول من هذا العقد. و بالتالي فالنصان يشكلان وحدة عضوية متماسكة، تسمح بمساءلة المفاهيم المستخدمة، و المعطيات المادية، التي ينطلق منها، ثم الخلاصات التي توصل إليها".

في الجزء من الحلقة الأولى المعنون ب"من جدل التاريخ إلى جدل المفهوم"، يبرز الكاتب هذا الانتقال، من جدل إلى جدل آخر، بحيث تقوم التأملات النظرية، و تحليل السرفاتي لتحولات المشهد السياسي و الاجتماعي بالمغرب، حسب الكاتب، بدور في خدمة التاريخ المأمول، بما يعني انبثاق فاعلين اجتماعيين جدد، و ازدهار المجتمع المدني، بالتوازي مع ضرورة بناء الأنوية الثورية المستقلة، و ذلك بالارتكاز على الدروس المستلهمة من تجربة انهيار "النموذج الاشتراكي المطبق"، و عبر تقييم عام لتجربة منظمة "إلى الأمام"، منذ ربع قرن.

هكذا،حسب الكاتب، ينتقد السرفاتي الماركسية التي تكلست في "ثنائية الماركسية ــ اللينينية، متمسكا بالجوهر الحي للماركسية، حيث الجدلية نقدية و ثورية، و هو يفعل ذلك، دون أن يذهب أبعد من ذلك، لشرح المسارات المختلفة التي اجتازتها الماركسية قبل أن تتكلس...

هكذا إذن ننتقل، حسب الكاتب من الماركسية ــ اللينينية المتكلسة إلى التمسك بالجوهر الحي للماركسية، حيث الجدلية نقدية و ثورية، وسيقوم الكاتب بملئ هذا الفراغ الذي تركه السرفاتي عند تطرقه للماركسية ــ اللينينية المتكلسة، بمعنى أننا سنكتشف ذلك الجوهر الحي في الماركسية. و يعتمد الكاتب على مجموعة من المسلمات في تحديده لذلك و هي كالتالي:

- أن الماركسية تعرضت لمجموعة من التأويلات منها :

1- التأويل المنسوب إلى الطبيعة الخاص بانجلز، من خلال كتابه "جدلية الطبيعة"، الذي يكرس، حسب الكاتب، كسموبولية المجتمع و الطبيعة، قائمة على تماثل العلاقة، و تشابهها بين قوانين تطور المجتمع، و القوانين التي تحكم الطبيعة.

2- التأويل الوضعي للكاوتسكية و البلشفية، و على الخصوص، بوجدانوف.

3- النظرية المسماة بالمادية الجدلية السوفياتية، التي تجزم بالإكتمال النهائي للاشتراكية بالاتحاد السوفياتي، و تعمم رؤيتها المركزية على مجموع المعمور.

بعد هذا، يخبرنا الكاتب، أن ثنائية الماركسية ــ اللينينية، قد ظهرت لأول مرة في أواخر العشرينات من القرن الماضي في الاتحاد السوفياتي لإبراز الإسهام اللينيني في تطور الماركسية. لكن بعد صياغة ستالين للدياليكتيكية المادية، سيتم سحب استعمال "الماركسية ــ اللينينية"، ثم بعد موت ستالين، سيصبح استعمال الماركسية ــ اللينينية في الاتحاد السوفياتي، كتعبير عن مناهضة الستالينية، و عبادة الشخصية ، و العودة لجوهر الماركسية.

◄ فيما يخص "الطبيعانية" المنسوبة إلى انجلز (شيئ مردود عليه، و هي اتهام يلوكه باستمرار، منظرو الفكر التحريفي، و التروتسكيون، و الفكر البورجوازي عموما، و كل من يرفض وجود الديالكتيك في الطبيعة و لا يقبل به إلا على مستوى الفكر. (انظر كتاب " وحدة الديالكتيك، المنطق، غنوسيولوجيا": بونيفاص كدروف.)

فيما يخص التأويل الوضعي للكاوتسكية و البلشفية، و على الخصوص بوجدانوف، ثم النظرية المسماة بالمادية الجدلية السوفياتية "ديامات"... فالكاتب، يقوم بخلط مقصود،بين ما أسماه بالتأويل الوضعي الكاوتسكي (هل كان كاوتسكي مجرد ماركسي وضعي؟) و بين ما أسماه بالتأويل الوضعي البلشفي ، مضيفا : على الخصوص عند بوجدانوف، و في النظرية المسماة بالمادية الجدلية "ديامات".

هل تميزت البلشفية كخط عام، بتأويل وضعي للماركسية؟ و هل يمكن وضع تطابق بين البلشفية و اللينينية، و هما أمران مختلفان؟، أما حكاية بوجدانوف فقصة أخرى، من حيث المواجهة الفلسفية الكبرى التي عرفها الحزب البلشفي، و التي قامت بنقد أطروحات بوجدانوف، و غير خاف الدور اللينيني في ذلك. أما فيما يخص ديامات، فهل ذاك التعريف الذي يقدمه الكاتب، هو التعريف الدقيق لهاته النزعة، التي ظهرت في الاتحاد السوفياتي؟ أما ثنائية الماركسية ــ اللينينية التي ظهرت في أواخر العشرينات، فهذا خطأ كبير، لأن استعمال المفهوم أصبح متداولا منذ 1924، ثم القول بأن ستالين بعد صياغته للديالكتيكية المادية، التي أزاح عنها قانون نفي النفي، قام بسحب استعمال الماركسية ــ اللينينية، فهذا أمر خاطئ لا أساس له من الصحة، و يزيد الخطأ توسعا، حينما يقول الكاتب، بأنه بعد موت ستالين سيستعمل مفهوم الماركسية ــ اللينينية في الاتحاد السوفياتي، كتعبير عن مناهضة الستالينية، و عبادة الشخصية، والعودة إلى جوهر الماركسية.

◄ ظهور الماركسية ــ اللينينية أواخر العشرينيات من القرن الماضي

◄الإسهام اللينيني في تطوير الماركسية

◄بعد صياغة ستالين للمادية الجدلية وحذفه لأحد قوانينها

◄يتم سحب الماركسية ــ اللينينية

◄بعد موت ستالين، نهضت الماركسية ــ اللينينية في مواجهة الستالينية، و عبادة الشخصية، و العودة إلى جوهر الماركسية

بعد هذه المقدمات، نجد أنفسنا قد عدنا إلى الجوهر الحي للماركسية، و على يد من ؟ : القيادة السوفياتية في المؤتمر 20 للحزب الشيوعي السوفياتي. هكذا إذن قامت التحريفية داخل هذا الحزب، بإعادتنا إلى الجوهر الحي للماركسية، من خلال رفع هذا المفهوم ضد الستالينية، نعني الماركسية ــ اللينينية. إنها لمفارقة عجيبة، أن أصبح خروتشوف، و من تبعه، مخلصون و منفذون للماركسية، في وقت اعتبرت جل التيارات الماركسية الثورية، أنه كان مؤتمر ردة، و انتصارا للتحريفية بشكل صارخ، على مستوى الاتحاد السوفياتي، و على الصعيد العالمي، و هذا هو خط منظمة "إلى الأمام" و خط الحركة الشيوعية العالمية المناهضة للتحريفية.

هكذا، خندق الكاتب نفسه من داخل هذا الإطار، أي الانطلاق من ماركسية تحريفية، دشنها المؤتمر العشرون،على يد تلة من التحريفيين البارزين من أمثال خروتشوف (....) ثم بعد هذا، يضعنا الكاتب في مدخل جديد من خلال طرح سؤال: هل الماركسية فلسفة، أم منهج في التحليل؟

إن الجوهر الحي للماركسية، قد تم تحديد سياق العودة إليه، بعد "الطبيعانية الانجلزية"، و "الوضعية" الكاوتسكية و البلشفية، و البوجدانوفية، و فلسفة "ديامات" السوفياتية، و ذلك على يد خروتشوف و من معه. و الآن سنرى من خلال سؤال الكاتب: ما هو هذا الجوهر الحي للماركسية؟ عند الإجابة على هذا السؤال يعتمد الكاتب على أحد الفلاسفة الفرنسيين، و هو جاك بيدي ،الذي يدير جريدة "ماركس الراهن"، الذي كشفت أبحاثه، كما يقول الكاتب، عن غياب فلسفة متجانسة يمكن نعتها بالماركسية، و لذلك سيكون من العبث الاستمرار في البحث المضني، عن شيء مستحيل الوجود، و يرى الكاتب :

"يمكن تعويض هذا النزوع الفلسفي عند كل ماركسي، بالتركيز على المعنى المتطور و القابل للتكييف مع استراتيجية التغيير، هذا المعنى الذي يدمج في بنيته الفكرية المستجدات التي تحدث على مستوى العلم و الحياة الاجتماعية، و يخلص الكاتب إلى أن ماركس، لم يكن طموحه الفكري، هو تشييد صرح فلسفة جديدة، و هو المنخرط بكل قوة في صراعات عصر الصناعة الحديثة، الذي ينحو نحو القطع مع كل فلسفة تأملية، و إنما الانهماك إلى درجة عليا من التضحية، و نكران الذات، من أجل تأسيس علم جديد، هو البراكسيس، من خلال القبض على منهج علمي، استطاع صياغته على النحو التالي في كتابه : "المدخل العام إلى نقد الاقتصاد السياسي"، فالعياني هو عياني لأنه تركيب تعيينات عديدة، إذن وحدة التنوع. لهذا السبب يظهر العياني في الفكر بوصفه سيرورة التركيب بوضعه نتيجة و ليس نقطة انطلاق، مع أنه نقطة الانطلاق الحقيقية، و بالتالي أيضا نقطة انطلاق الحرس و التمثيل".

أفضى كل هذا حسب الكاتب، إلى تأسيس علم البراكسيس، الذي يستند على المرتكزات التالية :

1- إعادة تأسيس المنطق الهيجلي على أسس مادية.

2- نقد الاستيلاب السلعي من خلال دراسة قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي.

3- طرح الاشتراكية كبديل تاريخي عن تناقضات الرأسمالية.

بهذا يقوم الكاتب، في مجهوده الرامي إلى نزع أي طابع فلسفي عن الماركسية، في نفس الوقت، بالتعرض غير المباشر لجوهر اللينينية، التي اعتبرت أن الماركسية تتشكل من ثلاثة عناصر: الفلسفة، الاقتصاد السياسي و الاشتراكية.

بهذا المعنى، لا يعود برنامج الماركسيين و أهدافهم، تقوم على أسس فلسفية، أي لا يشتق البرنامج، و الخط السياسي، من هذه الأهداف العامة، التي تطرحها الفلسفة، بل تصبح الماركسية مجرد منهج، أو ميتودولوجيا، يساعد على التغيير، أو ما أسماه الكاتب بعلم البراكسيس.

إن الكاتب يحاول التأسيس لماركسية علموية، عن طريق الفصل بين النظرية و المنهج، و تعويض ذلك بما أسماه : "تعويض هذا النزوع الفلسفي عند كل ماركسي، بالتركيز على المعنى المتطور، و القابل للتكييف مع استراتيجية التغيير، هذا المعنى الذي يدمج في بنيته الفكرية، المستجدات التي تحدث على مستوى العلم و الحياة الاجتماعية".

هنا يتم السقوط في الفلسفة الوضعية. أما الاعتماد على فقرة من كتاب "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" لماركس، فهو تشويه لفكر ماركس. إن جدلية المحسوس و المجرد ، و جدلية التحليل و التركيب، و علاقة المنطقي بالتاريخي و غيرها، كلها مقولات أساسية في الجدل المادي، و معتمدة لدى القادة الماركسيين الكبار. و منهجية ماركس في "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" (الكتاب، هو أحد اللبنات في تطور الفكر الاقتصادي السياسي الماركسي)، لا يمكن الوقوف عندها لوحدها، لسبب بسيط، هو أن فكر ماركس تطور باستمرار، و عرف قمته في كتاب "الرأسمال"، الذي هو إنجيل كل ماركسي ــ لينيني ثوري، فهو بالفعل، قمة الجدل، و يمكن قراءته فلسفيا، فكل القوانين الاقتصادية للرأسمالية، التي اكتشفها العالم الثوري كارل ماركس، تقوم على تطبيق المنهج المادي الجدلي على مقولات و مفاهيم الاقتصاد السياسي البرجوازي، و إبراز تناقضاتها، و في سياق استعماله لقوانين الجدل، طبق بمهارة و عبقرية كبيرة لا تضاهى، قانون التناقض، الذي بدونه،لا يمكن فهم قانون الانخفاض الميولي لمعدل الربح، و لا مفهوم الأزمة، و لا حتى قانون فائض القيمة، و قانون التفقير النسبي، و التفقير المطلق، و العلاقة بين القيمة الاستعمالية و القيمة التبادلية، باعتبارهما وحدة متناقضة . خارج هذا الطرح، فكل فهم للماركسية في مفاهيمها الأساسية الفلسفية و الاقتصادية و السياسية، يعد سقوطا في الاقتصادوية و الوضعية و التجريبية و الانتقائية و الكانطية سواء القديمة منها أوالجديدة.

فهل يعتقد الكاتب، و أساتذته، أن المحسوس و المجرد، و المنطقي و التاريخي، و الجوهر و الظاهرة، و باقي المقولات الأخرى في الفلسفة المادية الجدلية، بعيدة عما أسماه الكاتب بالمنهجية العلمية، عند ماركس، فلينظر إلى الحقل الاصطلاحي للفقرة ، ليدرك أن التحليل و التركيب، بمعناه الجدلي، يقومان على أساس مادي جدلي، قوامه النظرية المادية الجدلية للمعرفة، فهل خرجنا من ميدان الفلسفة في كل هذا، أم أننا في صلب فكر مادي جدلي، نقدي، عقلاني،علمي، و في خدمة الثورة، بالمعنى الذي قاله انجلز "الشيوعية هي علم تحرر البروليتاريا" (انظر " مبادئ الشيوعية" لانجلز).

إن تكليس الماركسية في الجامعات على يد جهابدة التحريفية، (تقدم فرنسا نموذجا مثاليا في هذا المجال) من أمثال ألتوسير، لوسيان سيف، بيدي...) و نشوء ما سمي "بالماركسية الباردة"، و هي سمة سترافق جزءا هاما، من تاريخ الفكر الماركسي الأوربي خاصة، بعد فشل الثورات العمالية التي تلت ثورة أكتوبر 1917، و خاصة في عشرينيات القرن العشرين.

إن هاته "الماركسية"، هي ماركسية الهزيمة، و التخلي عن المشروع الثوري في بناء الاشتراكية.

بعد التنظير لماركسية بدون فلسفة، و لماركسية علموية وضعية، ماركسية كمجرد متودولوجيا محايدة، تتنكر للمبدأ الأساسي في الفكر الماركسي، و هو الحق في الثورة، و تتناسى كون الديالكتيك هو جبر الثورة،هاته الماركسية التي يتحول أصحابها، إلى مجرد دارسين للنصوص و المؤلفات، تماما، كذلك الفقيه أو الشيخ الذي ينكب على الدراسة و"البحث العلمي" على حروف الجر في النصوص المقدسة، علما أن التقدم الجوهري في الماركسية، قد ارتبط دائما ارتباطا لصيقا بالثورات البروليتارية (كومونة باريس، ثورة أكتوبر، الثورة الصينية،و التجارب العمالية الثورية المختلفة ...) و ذلك، على يد قادة ثوريين كبار يسمون ماركس و انجلز، و لينين، و ماو، و روزا لوكسمبورغ، و غيرهم... فهل تأمل الكاتب، و لو للحظة واحدة، كيف يغيب "أساتذتنا الأكاديميون" من فصيلة الدم البارد، عن تلك اللوائح التي تذكر القادة البارزين للفكر الماركسي ــ اللينيني عبر العالم؟

بعد كل هذا، ينتقل الكاتب، في تساوق مع مقولات أبراهام السرفاتي، و يوجهنا مرة أخرى عن طريق طرح السؤال: هل النموذج اللينيني في التنظيم أصبح متجاوزا؟

هكذا، و بعد تدمير النظرية، ننتقل مع الكاتب، إلى تدمير الجسر الذي يجسد النظرية في الممارسة، أي التنظيم، و من تمة الهجوم على أحد مقومات و عناصر الفكر الماركسي ــ اللينيني، يقول الكاتب:

"يبرز السرفاتي، تعارض التصور الكلاسيكي للحزب اللينيني مع دينامية اجتماعية تقوم على تعدد التنظيمات داخل المجتمع المدني، و يدعو إلى ضرورة تأسيس أنوية ثورية، ينتقد شعاري "المجلس التأسيسي" و "فصل السلط"، و يطرح بديلا جديدا، و هو مؤتمر الشعب التأسيسي، باعتباره يفتح الطريق لدينامية ثورية، و ينزع الغشاوة عن أسطورة "المهمة التاريخية" للبروليتاريا، كما يعترف بحق كافة الطبقات و الشرائح المضطهدة في المجتمع على التعبير عن تطلعاتها، عبر أشكال تنظيمية متعددة و متنوعة و مختلفة.

يتخلى عن التصور الجاهز للثورة، و يبني تصورا جديدا تصبح معه الثورة مشروعا للبحث، ينخرط في إنجازه مجموع الأنوية الثورية التي تربطها علاقة انصهار بالجماهير القائمة على قواعد الحوار الديموقراطي المفتوح و الواسع و الإبداع الاجتماعي لهاته الجماهير، يرفض كل حتمية تاريخية قابلة للتحديد "علميا" ، فيما يستند إلى الحقائق التي يمكن أن تفرزها و تطلقها دينامية نضال الطبقات و الشرائح المضطهدة و مكونات المجتمع المكبوتة.

يحاول السرفاتي إبراز حدود التصور الكلاسيكي ل "الحزب اللينيني"، الذي يعتبره متعارضا مع دينامية تعدد التنظيمات داخل المجتمع المدني، و مع ذلك، لا يقلل من أهميته في الصراع، بل يحتمل تطوره على صعيد الواقع "لكونه بالضبط تعدديا" مما يعني أنه لا يقطع نهائيا مع هذا التصور، غير أن الغموض يفرض نفسه بقوة حينما يطرح ضرورة تأسيس أنوية ثورية، تبدو في سياق النص مختلفة جذريا عن مفهوم "الحزب اللينيني". في هذه الحال، ينبغي إزالة هذا الغموض و توضيح الفروقات الجوهرية، بين التنظيم الثوري ذي النهج اللينيني، و الأنوية الثورية .

صحيح، أن التخلي عن بناء الحزب بمفهومه اللينيني، بحكم هاجس عدم إعادة إنتاج البنية التنظيمية المفرطة في المركزية، و البقرطة التي أدت إلى الاستبداد، و أن طرح بديل يقوم على الأنوية ، هو في العمق، يوجه سلاح النقد إلى إقامة الحزب الوحيد، تحت مبرر "المهمة التاريخية للطبقة العاملة".

 

الحلقة الثانية

في هاته الحلقة، يستمر الكاتب في مناقشة سؤال: هل النموذج اللينيني في التنظيم أصبح متجاوزا؟

بعدما خصصت الحلقة الأولى ،لإثبات غياب فلسفة ماركسية، وللتأكيد على أن الماركسية هي مجرد منهج علمي تم تلخيصه، فيما سماه الكاتب ب "البراكسيس الثوري"، ففي الحلقة الثانية، هناك محاولة لنقد المفهوم اللينيني للتنظيم، لكن، و قبل ذلك، يذكر الكاتب بما يلي:

"لقد توقفنا في الحلقة السابقة حول تكلس الماركسية في ثنائية الماركسية ــ اللينينية، انطلاقا من قراءة تاريخية لتطور الماركسية..."

ثم يدعو، بعدما لاحظ وجود انتعاش ملحوظ في مجال الصراع الفكري و السياسي، "و هو ما يتطلب منا ـــــ كما يقول ـــــ نحن الماركسيون المغاربة تمثل روحه النقدية، دون التشبت بشكل دوغمائي بالتأويلات الخصوصية، التي بلورتها عدة مدارس للماركسية، حسب الصراعات التي خيضت في ظروف تاريخية و سياسية مغايرة. مع تجاوز رؤية في محاججة فكرية و سياسية ، تقوم على أسلوب النقل الميكانيكي لتلك التأويلات مجردة من سياقها التاريخي، و الاستقواء بها، كتعويض عن إنتاج معرفة خاصة بشروط بلادنا، و إغنائها في الوقت ذاته، بما استجد في العلوم الإنسانية التي عرفت تطورا مذهلا في النصف الأخير من هذا القرن، و كذلك استلهام دروس جميع التجارب التحررية، من أقصى بلدان الشمال إلى أقصى بلدان الجنوب".

مما سبق يمكن أن نقرأ ما يلي:

◄ عدم التشبت بالتأويلات الخصوصية، اللينينية مثلا، تأويل خصوصي غير ذي قيمة كونية، و نفس الشيء يمكن أن يقال عن ثورة أكتوبر العظيمة

← التخلي عن المحاججات بالنصوص و الاستقواء بها، بما يعني التخلص من أية نظرية، لأن الواقع يختلف سواء من حيث الخصوصية التاريخية، أو من حيث التسلسل الزمني، فالنص وليد واقع مختلف، ثم إن الواقع يتطور، بما يعني أن النص تم تجاوزه من طرف الواقع، و يبقى المنهج فقط، و يتم إغناؤه بآخر مستجدات العلوم الإنسانية، و هكذا، ما أن ينتج نص باستعمالنا لمنهج ما، حتى يتم تجاوزه، و يبقى المنهج مستمرا، لأننا نغنيه باستمرار بمنهج آخر، سيتم التخلي عنه في أقرب وقت ممكن

← حسب هذه الخطاطة، لم يعد هناك مكان للنظرية، و لا للإيديولوجيا، ما دامت النظرية تتكون من حقائق عامة فقط، لقد تم هنا التخلي بوضوح تام عن جدلية المطلق و النسبي، و السقوط في النسبوية و العدمية، بمعنى الخروج عن الفكر المادي الجدلي، الذي يربط بين الجزء و الكل، و المطلق و النسبي، فلا نسبي خارج المطلق، و العكس صحيح، و نفس الشيء بالنسبة للكلي و الجزئي، فلا وجود للجزء خارج الكل، و العكس صحيح أيضا. إنه سقوط في أبشع أشكال الوضعية، و تبني صارخ للتجريبية، و تخلي عن المبادئ الكونية و الأممية، لصالح البراغماتية المحلية باسم الخصوصية الشوفينية.

إن مثل هذا الفكر التحريفي، لم ينبع من فراغ، فقد انتشر بشكل واسع وسط العالم العربي، خاصة في أوساط المثقفين المنتمين للأحزاب التحريفية، التي هالها سقوط القلعة الأولى للتحريفية العالمية: الإتحاد السوفياتي.

و في هذا الصدد، نسوق نموذجا لأمثال هؤلاء التحريفيين العرب، و يدعى عطية مسوح (شيوعي لبناني تحريفي)، ففي مقال له تحت عنوان "نظرية ماركسية ــ لينينية، أم منهاج مادي جدلي تاريخي؟" يقول الكاتب :

"لقد تجمدت الماركسية، لا لأنها فكر للجمود، بل لأن الماركسيين، تعاملوا معها كنظرية و كإديولوجيا، و تجاهلوا منهجها المعرفي، و نزهوا نصوصها عن النفي و البطلان".

و في محاولة لدعم موقفه، قام الكاتب بتقديم ثلاثة من "المتطابقات" أو "الثنائيات"، التي يمكن اعتبارها- حسب تعبير الكاتب- من المقولات الخاصة بتطوير الفكر، و نقدم هنا ملخصا عن ذلك :

1-الثنائية الأولى: المنهج – النص:

- النص تعبير عن المنهج ، و نتيجة لتطبيقه على ظاهرة محددة ← هنا جانب الوحدة بين المنهج والنص.

- النص يصبح قيدا للمنهج، نتيجة لتغيير الظروف الزمانية والمكانية ← هنا جانب التناقض بينهما.

النتيجة العملية : هناك نفي مستمر للنصوص ← الحل الجدلي للتناقض، حسب الكاتب، إذن لحل التناقض، يلزم التضحية بالنص دون المنهج ← هذا نفي عدمي وليس جدلي.

2- الثنائية الثانية: النص – الواقع.

- النص انعكاس ذهني، استخلاص نظري للدراسة المنهجية لواقع محدد ← هناك جانب الوحدة النسبية المؤقتة.

- النص يدخل في تناقض مع الواقع، منذ لحظة وضعه، فيكف عن التأثير فيه، و حتى عن تفسيره ← هناك جانب التناقض.

← حاصل جمع الثنائيتين الأولى، و الثانية :

المنهج – الواقع – النص ← الحل الجدلي للتناقض.

◄ هناك نفي مستمر للنصوص، من خلال الدراسة المنهجية للواقع المتطور.

◄ هناك نفي عدمي، يناقض ديمومة المعرفة الإنسانية و الطبيعية و المجتمعية.

و هذا تجاهل تام للمفهوم المادي الجدلي للمعرفة، الذي يربط بين المعرفة المباشرة والمعرفة غير المباشرة، والمعرفة الحسية والمعرفة النظرية، في ظل وحدة جدلية متناقضة ، تجمع الحسي والعقلي أو المعرفي – النظري، المترابطين جدليا، وكذا المنطقي والتاريخي، وتربط بين المعرفة المطلقة والنسبية ، وبين الجوهر الثابت نسبيا والظاهر المتحرك، وتؤكد على استمرار المعرفة، ولا محدوديتها، لأن هناك طابع اجتماعي وتاريخي ولانهائي للمعرفة، التي ليست سوى انعكاسا للمادة التي توجد في حركة دائمة.

3- الثنائية الثالثة" المنهج – الواقع .

- المنهج تراكم في الفكر، الذي هو انعكاس للواقع المتطور ←هناك جانب الوحدة بينهما.

- الواقع يكون المنهج، و يغنيه، و يدفعه باستمرار← جانب التناقض. إغناء المنهج استنادا إلى غنى الواقع، و محاورة المناهج المعرفية الأخرى، و التفاعل معها← هذا هو الحل الجدلي للتناقض، حسب الكاتب.

◄ النص و المنهج انعكاس ذهني للواقع المتطور، و لكن الواقع يحابي المنهج دون النص ← بما يعني إغناء المنهج، و إفناء النص باستمرار.

◄ نظرية المعرفة المادية الجدلية، تستخدم في تطورها، المعطيات التي تقدمها العلوم العرفانية الخاصة الحديثة، و تكون أساسها الفلسفي المنهجي، و المنهج الديالكتيكي، لا يلغي المناهج العلمية الخاصة، بل يرشدها، و يفتح الباب أمامها، للخروج من متاهات التأويلات المثالية لنتائج الإكتشافات العلمية، التي توظفها البورجوازية لصالحها، و بالمقابل يغتني بها.

يقول زكي خيري (شيوعي عراقي مات في المنفى) ردا على هذا الطرح التحريفي:

"لم يعط الأستاذ (عطية سموح) أي وظيفة للنظرية، منذ ولادتها من رحم المنهج حتى سقوطها، و قد حرمها حتى من الإنجاب، لتساهم في بقاء نوعها، فغدت بغلة أو زهرة عقيمة، ما أن تولد حتى تموت، لتحل محلها زهرة عقيمة أخرى، يلدها المنهج"، و يستخلص من كل ذلك :

"أن الماركسية- حسب طرح عطية سموح- لا يمكن أن تكون نظرية، و حين اعتبرت نظرية، كفت عن التطور، لأن النظرية لا تتطور بذاتها، بل تنفى من قبل نظرية أحدث منها".

◄ هناك إذن :

- قطع لكل صلة بين النظرية السابقة و اللاحقة، و بين هذه، و ما ضيها أو مستقبلها.

- هناك حكم على المعرفة بالتقطع، و هي سلسلة متصلة الحلقات. و من المعلوم، أنه من المبادئ المنهجية الأساسية في تطور العلم، هو ما اصطلح عليه ب"مبدأ التوافق" ، مبدأ يعبر فلسفيا عن ديالكتيك المعرفة أي الإنتقال في الحركة من الحقيقة النسبية إلى الحقيقة المطلقة، الحقيقة الأكمل فالأكمل، (مبدأ التوافق هذا، صاغه بوهر(حائز على جائزة نوبل، و أحد مؤسسي ميكانيكا الكم، سنة 1913)، وأكدت نظريته ما يلي :

"إن تعاقب نظرية العلوم الطبيعية الواحدة، بعد الأخرى، لا يكشف فقط الفارق بينهما، بل التواصل أيضا، و هو ما يمكن التعبير عنه بدقة رياضية ... و عندما تحل النظرية الجديدة محل النظرية السابقة، فإنها لا تنفيها فقط، بل تحتفظ بها أيضا بصورة معينة، و هذا يتيح الانتقال المعاكس من النظرية اللاحقة إلى السابقة، و توافقهما و التقائهما في مجال أقصى معين، يتضاءل فيه الفارق بينهما، و يمكن تتبع مفعول التوافق في تاريخ الرياضيات، و الفيزياء، و علوم أخرى، أي التسلسل الطبيعي للنظريات القديمة و الجديدة ينبع من الوحدة الباطنية لمستويات المادة المختلفة من حيث الكيف".

◄ يتشدق التحريفيون دائما بالعلم، و هو منهم براء، و كما رأينا ، فقانون نفي النفي، عند عطية سموح، ميتافيزيقي و عدمي، بينما قانون نفي النفي، ديالكتيكي و مبدع، يقوم على جدلية الفارق و التواصل في المعرفة المتصلة الحلقات، المنافية للمعرفة بالتقطع، ذلك أن التواصل صفة ملازمة للمعرفة البشرية، لأننا نربط بين القديم و الجديد في سيرورة التطور، و هذه سمة أساسية لمفهوم التجاوز الماركسي و لقانون نفي النفي الديالكتيكي، فالمنهج المادي الجدلي ضد الموقف اللانتقادي، و الدغمائية، و ضد الموقف العدمي.

يقول زكي خيري: "إن الفهم الديالكتيكي للنفي، لا يستلزم التنكر للقديم و تصفيته، بل اللإحتفاظ و التطوير لما هو تقدمي و معقول فيه، و من دون ذلك، تستحيل الحركة إلى الأمام، سواء في الوجود أو المعرفة".

و بالنسبة للنظرية يضيف قائلا:

"إن النظرية تتوالد، لكنها لا تتوالد تلقائيا، أو عفويا، أو على يد المنهج وحده، بل تتوالد على يد الذات الواعية (الفرد، الحزب، الطبقة، المجتمع) و بواسطة المنهج، و على أساس الممارسة، و كل نظرية تحمل جنين النظرية اللاحقة".

◄ ولادة النظرية و لا شك ذات صلة بالذات الواعية و المنهج و الممارسة الثورية، و هي ليست تجريدا كاملا، يقول زكي خيري :

"إن النظرية، نتيجة لعملية تجربة على يد الذات الواعية، و لكنها نتيجة عينية و ليس محض تجريد... تتميز عن العيني الذي هو موضوع الدراسة، أي نقطة انطلاق البحث (العيني – الحسي )، في كونها المنتوج النهائي للبحث ، ثمرته المفهوم العلمي للموضوع، إنها (العيني- الذهني)، و يصف لينين النظرية في دفاتره الفلسفية فيقول :

"ينطلق الفكر من العيني إلى المجرد – شرط أن يكون التجريد صائبا – فلا يبتعد عن الحقيقة، بل يقترب منها، فإن المجردات كالمادة، أو كقانون من قوانين الطبيعة، أو قانون القيمة... و باختصار، فجميع المجردات العلمية الصائبة، الجدية، و غير السخيفة، إنما تعكس الطبيعة على نحو أعمق، و أصدق، و أتم ... و تنطلق من الملاحظة الحية إلى الفكر المجرد، و منه إلى الممارسة. ذلك هو السبيل الديالكتيكي إلى معرفة الواقع الموضوعي".

◄انطلاق الفكر من العيني ليصل إلى المجرد، ثم الانطلاق من الفكر المجرد إلى الممارسة، إنها ديالكتيك معرفة الواقع الموضوعي ، كما طرحها لينين.

◄إن الممارسة الاجتماعية، أو التجربة،هي المحك الأخير للمعرفة شرط استرشادها بالنظرية بالفعل، و ملائمة الظروف الموضوعية.

◄الممارسة هي سيرورة تتطور، و هي محددة في كل مرحلة، فهي كذلك نسبية كما الحقيقة و النظرية، و من هنا كذلك نسبية النظرية، التي تكون ضد أي عقيدة جامدة، أي التي تكتفي بالمطلق اللامتغير.

بعد هذه الرحلة القصيرة الضرورية لتبيان تفاهة فكر من يقولون بأن الماركسية مجرد منهج أو ميتودولوجيا، نعود إلى الحلقة الثانية من" مساهمة في نقاش مشروع المراجعة النقدية لأبراهام السرفاتي".

بعد سرد تاريخي، للظروف التاريخية التي نشأت فيها المفاهيم اللينينية للتنظيم و النجاحات التي حققتها، يقول الكاتب:

"إن النجاح الساحق الذي حققه التنظيم اللينيني، و الذي غير مجرى التاريخ كلية، لم يكن يعني عدم خلوه من التناقضات، و عدم الانسجام، و هو ما عبرت عنه الأحداث الأخيرة، عندما فشل "النموذج الاشتراكي" المطبق في الاتحاد السوفياتي سابقا، و أوربا الشرقية، و التي أظهرت بما فيه الكفاية الحدود الديموقراطية التي بلورها التنظيم اللينيني، التي سنعود إليها لاحقا".

◄ إن استعمال عبارة "النموذج الاشتراكي المطبق"، إنما يعني التمويه عن سقوط التحريفية، و ليس الاشتراكية، و في نفس الوقت الهروب من إعطاء تفسير لهذا السقوط، عبر إرجاعه إلى وجود بذوره في مفهوم التنظيم اللينيني، بما يعني أن النظرية اللينينية للتنظيم تولد "الستالينية"، و الدكتاتورية، حسب زعم الكاتب. يا له من تفسير مثالي، لا يحضر لديه أي تصور للصراع الطبقي تحت دكتاتورية البروليتاريا ...

و بعد سرد تاريخي مختصر حول نشأة الحملم، يقول الكاتب بأنه:

"قد كانت التجربة البلشفية و الماوية،كما تجسدت في التاريخ، هي الملهم الأساسي في بلورة أطروحة الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و أداتها الثورية، منظمة المحترفين الثوريين. و إن كانت هذه الأخيرة، قد أحرزت على النصر في ظروف مثل روسيا و الصين، لأنها ارتكزت على قاعدة عمالية و فلاحية، مهيكلين سياسيا، و على كوادر قيادية حنكتها تجارب قاسية، فإن الأولى (يعني منظمة إلى الأمام)، ما أن تجاوزت العتبة الأولى في النضال السري، و حاولت أن تخلق بعض الهياكل التنظيمية وسط الطبقة العاملة الحضرية و العمال الزراعيين، خصوصا في منطقة الغرب، حتى حصدها القمع 1972، و هي الخارجة للتو من تنظيمات، لم تؤهلها لاكتساب خبرة تنظيمية صلبة".

◄ هناك خلط بين الثورة البلشفية و الثورة الصينية ، دون تدقيق يساعد على الفهم، خاصة، و أن الكلام يدور حول مفهوم المحترفين الثوريين، علما أن التجربتين مختلفتين، من حيث أن التجربة الصينية مختلفة في التصور الإستراتيجي عن مثيلتها الروسية، ثم أنها أضافت، بالنسبة للمفهوم اللينيني للحزب، مفهوم خط الجماهير. ثم سقط الكاتب في مقارنة خاطئة، بين تجربة الحملم و التجربتين البلشفية و الصينية، ذلك أنه قبل أن تنضج التجربة البلشفية، أو الاشتراكية الديموقراطية الروسية عموما، كما هو الشان بالنسبة للتجربة الصينية، مرت الحركتان من تجربة العمل و الانتشار وسط الشباب، و المثقفين الثوريين، بل إن التجربة الصينية، التي أدت إلى تأسيس الحزب الشيوعي الصيني سنة 1921،على يد مجموعة صغيرة من المثقفين و الشباب المتعلمين، قد كانت تطورا حتميا ل"حركة 19 مايو" الصينية التي فجرها الشباب الصيني سنة 1919، و أخذت أبعادا سياسية و ثقافية، و أبرز مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني، قد نشأوا، أو برزوا، من داخل هذه التجربة. أما اعتماد تجربة منطقة الغرب، و هي بالمناسبة تجربة محدودة لمنظمة "إلى الأمام" في تلك المنطقة، و إعطاؤها كنموذج وحيد للفشل، فإن هذا يعد خطئا منهجيا، يعود إلى استعمال حالة جزئية تخص تنظيما واحدا، و تعميمها على تجربة منظمة "إلى الأمام"، و تجربة الحملم، التي تضم ثلاثة فصائل، كما لو أنها كانت التجربة الوحيدة، هذا من جهة، و من جهة أخرى، فإن الوقوف عند مرحلة، و تجاهل مراحل أخرى أساسية – و نعني هنا، أن تجربة منطقة الغرب لدى منظمة"إلى الأمام"، تنتمي في تاريخها إلى مرحلة خط العفوية، الذي ساد خط المنظمة، من التأسيس إلى صدور "تقرير 20 نونبر1972"- فلا تصح المحاكمة القائمة على حدث وحيد، ينتمي إلى مرحلة معينة، ثم نسحبه على المراحل اللاحقة، و هذا يعد خطئا منهجيا، و تعسفا على التاريخ و تجنيا عليه، و ليا لعنق الحقيقة.

 

الحلقة الثالثة

في مقدمة الحلقة الثالثة يقول الكاتب:

"من باب الأمانة العلمية و روح المسؤولية السياسية، التأكيد على أن السرفاتي حينما ينتقد مفهوم "منظمة المحترفين الثوريين على النمط اللينيني"، و يستبدله بمفهوم "الأنوية الثورية"الذي يحلله باعتباره انبثاق موضوعي من تعدد تنظيمات المجتمع المدني، لا ينطلق من محض تأمل نظري على ضوء الأبحاث الجديدة في الماركسية، و تجارب الإخفاق الاشتراكي، و لكنه يعمقه و يغنيه من خلال قراءة تاريخية نقدية لتجربة الحركة الماركسية ــ اللينينية، و على الخصوص منظمة "إلى الأمام". و من موقع المنخرط بحماس و مسؤولية في الحركية السياسية اليسارية، و مساهما في المخاض الذي تعرفه، و تعيشه حاليا مختلف فرقاء اليسار الجديد. من هذا المنطلق توجب علينا صياغة نقد مفهوم "منظمة المحترفين الثوريين"، كما عاشته و جربته منظمة "إلى الأمام" خلال مسيرتها الكفاحية، لنستخلص على ضوء ذلك، العناصر التي تؤسس مفهوم "الأنوية الثورية"، كما صاغه السرفاتي، و محاولة مناقشته بشكل نقدي بارتباط مع تبلور مفهوم "المجتمع المدني" بالمغرب، منذ عقدين من الزمن".

◄يعتقد الكاتب، أن نقد السرفاتي لمفهوم"منظمة المحترفين الثوريين"، و استبداله بمفهوم "الأنوية الثورية"، الذي يعتبره انبثاقا موضوعيا عن تعدد تنظيمات المجتمع المدني، لا ينطلق من محض تأمل نظري على ضوء الأبحاث الجديدة في الماركسية، و تجارب الإخفاق الاشتراكي، بل يعمقه و يغنيه من خلال قراءة تاريخية نقدية لتجربة الحركة الماركسية ــ اللينينية، و على الخصوص منظمة "إلى الأمام"، و كذلك من موقعه كمنخرط بحماس و مسؤولية في الحركة السياسية اليسارية.

◄ بالنسبة للأبحاث الماركسية الجديدة، ف "مفهوم الأنوية الثورية" صياغة تروتسكية، لأحد المناضلين المغمورين داخل هذه الحركة التروتسكية الفرنسية.

أما عن تقييم إخفاقات تجارب البناء الاشتراكي، فلا نجد لدى أبراهام السرفاتي نفسه، تقييما يستحق هذا الاسم، إنما فقط، انطباعات و انحرافات يمينا و شمالا، تزخر بها بعض النصوص المتأثرة بقراءات مختلفة، لا علاقة لها بالماركسية (الفوضوية، الغرامشية الجديدة ...)، أما الإدعاء بكون "الأنوية الثورية" تنبع من التعددية التي يزخر بها المجتمع المدني المغربي، فأطروحة، لم يقم البرهان لحد الآن على علاقتها ب "الأنوية الثورية"، سواء على المستوى المنطقي،لأن العديد من البلدان المتقدمة تزخر بهذه التعددية منذ القرن 19، وخاصة منذ القرن 20، و مع ذلك لم تقم الدعوة عند غرامشي، المنظر الرئيسي في هذا المجال، إلى تأسيس الأنوية الثورية، التي لا يعرف أحد شكلها أو مضمونها، و هذا يثبت بطلان مزاعم الكاتب حول الموضوع، خاصة أن أبراهام السرفاتي، معروف بنزعته المثقفية الإنتقائية، التي تنعدم فيها الممارسة المباشرة مع الجماهير، مما شكل أرضية انزلاقات كثيرة لذيه، حتى حين كان مناضلا ثوريا.

◄ و إلى أن نعود إلى هذا الموضوع في جزء آخر من هذه الدراسة، فإنه حين نتطرق لكتابات أبراهام السرفاتي، فأطروحة "الأنوية الثورية" لا تقوم على أي أساس تاريخي، أو علمي، أو نظري، يستحق اعتبارها جديرة بالنقاش الرصين. و مع ذلك، سنخصص لها صفحات، لتبيان حقيقتها و طبيعتها، سواء على المستوى النظري أو التطبيقي. و بديهي، أن الكاتب الذي يتبنى الأطروحات السرفاتية، سيعتبر أن نقده لمفهوم "منظمة المحترفين الثوريين"، يقوم على تلك العناصر التي ذكرناها أعلاه، و التي يريد أن يستخلص منها عناصر تؤسس مفهوم "الأنوية الثورية"، و إن رافق ذلك بقراءة نقدية لها.

◄ على امتداد الحلقة 3 و4، يقوم الكاتب بتلخيص مجموعة من وثائق المنظمة، سواء عند التأسيس، من خلال مفهوم الانطلاقة الثورية، أو عندما يقوم بتلخيص "عشرة أشهر من كفاح التنظيم" ، و بين بداية الفترة الأولى و نهايتها، يقفز الكاتب على مجموعة من الوثائق، التي شكلت لبنات أساسية في بناء الخط السياسي و التنظيمي و الاستراتيجي للمنظمة.

أما ملخص وثيقة "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحملم" ، فيتعلق الأمر بالنص شبه الجماهيري، و ليس الداخلي، و هذا يعني أن الكاتب لم يطلع عليه.

◄يعتمد، ما أسماه الكاتب بنقد مفهوم المحترفين الثوريين لدى منظمة "إلى الأمام" على ملخصات لبعض الوثائق التي انتقاها لهذا الغرض، سمتها الرئيسية لديه، كونها أشارت في بعض الفقرات إلى مفهوم المقدمة التكتيكية، و يحاول ربط مفهوم المحترفين الثوريين لدى المنظمة بمفهوم المقدمة التكتيكية، ليصل في آخر المطاف، إلى خلاصة لتلك التجربة، مفادها أن منظمة المحترفين الثوريين ارتبطت بالمقدمة التكتيكية، و هذا سر الفشل الذي ادى إلى عدم التجذر داخل الطبقة العاملة، و من تم الطابع البورجوازي الصغير لتلك التجربة.

إن الضعف الأساسي، في تحليل الكاتب، مرتبط بكون هذا الأخير، يقوم بقراءة ناقصة و مبتورة للوثائق، قراءة ذات طبيعة "نصوية" انتقائية، كما لو أن التجربة الملموسة للمنظمة ،غير موجودة، و غائبة، و معزولة عن الصراعات الطبقية بالمغرب، على اعتبار أن كل تنظيم سياسي هو نتاج، و بشكل غير ميكانيكي، لتلك الصراعات الطبقية، التي يؤثر فيها و يتأثر بها، فالمحاكمة إما أن تخضع للمنهج الديالكتيكي و المادي التاريخي، و إما أن تكون انتقائية و ذات بعد واحد، و معزولة عن سياق التجربة، لذلك لا نجد في كل القراءات، لحد الساعة، أي جوانب تذكر،عما مثلته مقولة "الشبيبة المدرسية مقدمة تكتيكية" داخل الخط السياسي لتنظيم ثوري ماركسي ــ لينيني اسمه "إلى الأمام"، لأن البرهنة على ثورية و بروليتارية الخط، لا تقوم فقط على جانب واحد دون جوانب أخرى.

و من الشائع، أن العديد من المناضلين يسقطون في الميكانيكية، حينما يريدون محاكمة طبيعة حزب أو تنظيم ثوري، بالعودة إلى الأصل الاجتماعي، أو التكوين الاجتماعي لأعضاء هذا الحزب أو التنظيم، فليس هناك من رابط ميكانيكي بين الأصل الطبقي و الموقف الطبقي. إن العلاقات بين تنظيم سياسي و قاعدته الاجتماعية حقيقية (أو واقعية) كانت، أو محتملة، أكثر تعقيدا، ذلك أنها تدمج مجموعة من الأبعاد:

1- البعد الزمني: التقاليد النضالية و المشاريع السياسية.

2- البعد المكاني: نمط الانخراط في الصراعات الطبقية على الصعيد العالمي.

◄ يعتبر حزب شيوعي منظمة للطبقة العاملة، حتى لو كان مشكلا بشكل أساسي من المثقفين البورجوازيين.

في ظل الإشكالية الماركسية، لا يعتبر بورجوازيا صغيرا حزب مشكل من بورجوازيين صغار، و لكن منظمة غير قادرة على الارتقاء فوق المثل العليا، مفاهيم و أفكار مسبقة، للبورجوازية الصغيرة القائمة، أو المنخرطة (الملتزمة) (انظر" 18 برومير" كارل ماركس) .

◄ إن تنظيم سياسي، أو حزب سياسي، يقوم بتحديد لنفسه، خطا إديلوجيا ماركسيا ــ لينينيا، و استراتيجية ثورية، و نظام تنظيم مطابق لهذا، و يقوم بالتعبئة و التنظيم من أجل أهدافه داخل الجماهير الثورية، و داخل الطبقة العاملة، لا يمكن اعتباره بورجوازيا صغيرا، حتى و لو كان في الغالب في بداية السيرورة الثورية، يكون فيه المثقفون من أصول بورجوازية صغيرة كثيرون.

◄ ثم في ظل الإشكالية السياسية الماركسية، تطرح قضية الخط السياسي الثوري، و هنا لا بد من التمييز بين الخط الفعلي لتنظيم ما، و التوجهات المبدئية التي تعطيها الهيئات العليا للتنظيم، أو الحزب، و إن كان ممركزا.

 

على ماذا يعتمد هذا الخط السياسي الفعلي؟

1- قوى اجتماعية (الطبقات الاجتماعية ،أو فئات اجتماعية، أو عناصر منحدرة من هذه الطبقات) و هذه الفئات، تعطيه الحياة.

2- خط سياسي، لا يتماشى إلا جزئيا مع التوجيهات المبدئية التي يعلن عنها، ذلك لأنه يتأثر بشكل قوي بالطموحات و المصالح الخاصة للقوى الاجتماعية.

3- بماذا ترتبط طموحات هذه القوى الاجتماعية؟

أ - بالتمثل الذي تقوم به للمصالح الجماعية.

ب - هذا التمثل يتأثر بالضرورة بالموقع الذي تحتله هذه القوى في نظام العلاقات الاجتماعية.

ج - من هنا، هذا الاستنتاج الذي يرى أنه يمكن أن يوجد فارق مهم بهذه الدرجة أو تلك، بين "الخط السياسي المبدئي" و"الخط السياسي الفعلي" المرتبط بالقوى الاجتماعية، التي تعطيه مضمونا فعليا، و يجسد مصالحها و طموحاتها و تصوراتها.

د - الخط السياسي، هو نتيجة تدخل إديولوجي و سياسي ضمن سيرورة موضوعية، بإمكانه تعديل مسار هذه السيروة، لكن داخل الحدود المفروضة من طرف علاقات القوى الطبقية بين الطبقات، تلك العلاقات التي يمارس على قاعدتها نشاطا بعيدا عن كل سيادية.

◄ يجب الاعتراف دائما بهذا التناقض : خط مبدئي، خط فعلي، و من هنا علينا التفكير في هذا التناقض، استنادا إلى القوى الاجتماعية الحقيقية.

◄ إن معالجة خط سياسي لتنظيم ما، إنما يجب أن تقوم على اعتبار ذلك التنظيم نتاجا للصراعات الطبقية، و بالتالي يعرف خطه الإديولوجي و خطه السياسي توترات مستمرة، بحكم تناقضات داخلية، تتغذى على قاعدة الصراعات الطبقية، و انعكاساتها داخل التنظيم. فالخط العام لتنظيم ماركسي ــ لينيني، لا يمكن النظر إليه إلا كوحدة متناقضة، تتصارع نواتها البروليتارية و عناصر أخرى بورجوازية صغيرة. كما أنه يجب التمييز بين الخط الإديولوجي المعلن و التشكيلة الإديولوجية لذلك التنظيم (فمثلا اللينينية و البلشفية ليس توأما سياميا، فالبلشفية تضم حصيلة الأفكار و التصورات المختلفة، التي تبناها الحزب في فترات مختلفة، كتعبير عن تيارات مختلفة داخل الحزب، و عن انعكاسات الصراعات الطبقية في روسيا داخله، و من تم، كانت اللينينية، تيارا من بين التيارات، لكن التيار الأكثر ثورية، فلا يجب الخلط بينها و بين تلك التيارات، و هذا مهم جدا حينما يتعلق الأمر بمناقشة الأفكار التنظيمية اللينينية، و التي بالمناسبة، لا يمكن اختزالها في كراسة "ما العمل"، فالتجربة و الأفكار اللينينية في هذا المجال، تمتد على حوالي 30 سنة، ثم يجب وضع تمايز بين تلك الأفكار و الكيفية التي تم بها فهمها، أو تشويهها، كما هو الحال عند التروتسكيين.

لقد ساد فهم إطاروي لمفهوم التنظيم اللينيني، ليس له علاقة بالتصور اللينيني لنواة المحترفين الثوريين، و قد كانت "إلى الأمام" سباقة إلى نقده.  

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.