Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الثامنة والأخيرة من الجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية منظمة إلى الأمام"ـ 19 ماي 2017

Pin it!

يستمر موقع 30 غشت في نشر أجزاء دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" "، حيث نختم هذا الجزء الثالث الذي سيليه جزءا رابعا وأخيرا، بالحلقة الثامنة المتضمنة لكل من الفصلين الحادي عشر والثاني عشر، واللذان يحملان على التوالي العنوانين التاليين:خ1.gif

"إعادة البناء السياسي والتنظيمي لتجربة "إلى الأمام" ـــ التجديد الفكري والسياسي للمنظمة"، و "أقصى اليسار في المغرب ـــ من معانقة أحلام الثورة إلى النضال الديموقراطي".

 

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

  

 

الجزء الثالث

  القسم الثالث

 

الفصل الحادي عشر:

إعادة البناء السياسي والتنظيمي لتجربة "إلى الأمام"

التجديد الفكري والسياسي للمنظمة

من خلال مقدمة المقالة، و بما أن الشئ بالشئ يذكر، حاول الكاتب القيام بمجموعة من المقارنات، تسمح له بتمييز ما جرى داخل منظمة "إلى الأمام" سنة 1979، بعد استيلاء "خط إعادة البناء " على قيادتها، عما عرفته منظمة "23مارس" في منتصف السبعينات من القرن الماضي، بعد استيلاء جماعة يمينية على قيادتها.

و يقول الكاتب في هذا الصدد:

"مارست منظمة "23 مارس" نقدا ذاتيا جذريا لتجربتها و تجربة اليسار الجديد عموما، و هو النقد الذي بدأت بوادره منذ سنة 1972، و لتكتمل معالمه في منتصف عقد السبعينات لدى قيادة المنظمة بالخارج، بحيث تبنت آنذاك، ما أسمته وقتها بخط النضال الديموقراطي، و هو الخط السياسي الذي تخلت من خلاله عن مواقفها الكلاسيكية التي ميزت مواقف اليسار الماركسي ــ اللينيني المغربي، كالملكية و النظام السياسي، و قضية الصحراء، و الإجماع الوطني.

و إذا كانت منظمة "23 مارس"، قد جعلها تقييمها للتجربة تقطع مع التجربة اليسراوية، كما كانت تسميها آنذاك، و فتح لها المجال للعمل في الإطار القانوني، فإن تجربة منظمة "إلى الأمام"، هي الأخرى قد عرفت تقييمات مختلفة و متعارضة، و لم تعرف معها انشطارات تنظيمية كما هو شأن منظمة "23 مارس"،أسفرت إحدى تلك التقييمات عن انطلاق تجربة مغايرة سنة 1979."

لقد انصب مجهود الكاتب على محاولة تبيان الفرق الذي يدعي أنه قائم، بين ما تعرضت له منظمة "23مارس" في منتصف السبعينات، و التقييم الذي قام به دعاة إعادة البناء في سنة 1979، فالأول قاد أصحابه إلى التخلي عن المواقف الكلاسيكية للحملم، بينما الثاني قاد إلى انطلاق تجربة مغايرة، نفهم منها أنها كانت ثورية، خاصة، و أن منظمة "إلى الأمام" لم تعرف أي انشطارات، كما وقع بالنسبة لمنظمة" 23مارس". لا شك أن مسار تطور الخطين داخل المنظمتين، مختلف من حيث مسارات النشأة، و التطور، و الفترات، و المراحل المختلفة، و النتائج التنظيمية، لكن المسارين المختلفين، كانا تعبيرين، في ظروف عالمية و وطنية،عن نشوء خطوط تحريفية جديدة من داخل الحملم. و بطبيعة الحال لكل منها خصائصه و مميزاته و نتائجه على الأرض، فالحديث عن وقوع انشطارات تنظيمية داخل منظمة"23مارس" أمر لا نقاش فيه،أما القول ببقاء منظمة"إلى الأمام" في منآى عن ذلك، فهذا كذب ليس إلا، فكيف يمكن تفسير رفض فرع بلجيكا الإنضباط للقيادة الجديدة؟ و كيف يمكن تفسير الإنسحابات من القيادة الجديدة (عبد الرحمان النوضة، ادريس بن زكري، عبد اللطيف اللعبي)؟ و كيف يمكن تفسير فقدان المنظمة لأكثر من 90 في المائة من أطرها و مناضليها؟ الخ.........

لا يتوقف الكاتب عن السير في نفس المنوال، من أجل تأكيد أطروحته، التي لا تمثل سوى تكرار لأطروحات جاهزة عن المنظمة، ترددها قوى سياسية مختلفة، و أبواق إعلامية. يقول الكاتب، في مقدمة الجزء الذي يحمل عنوان "تقييم تجربة "إلى الأمام" بين نزوع تصفية التجربة، و طموح انطلاقة جديدة":

"لقد ظلت تجربة منظمة "إلى الأمام" التتظيمية و السياسية متماسكة منذ انطلاقتها، بحيث حافظت على انسجامها مقارنة ببقية تنظيمات اليسار، و لم تعرف اختلافات سياسية سواء على مستوى الخط السياسي أو الإديولوجي، أو على مستوى التقدير السياسي العام للظرفية و متطلبات المرحلة، و لقد ساعدها في ذلك هيكلها التنظيمي الحديدي الذي مكنها من الاستمرار السياسي و التنظيمي خلال فترات القمع الشرس الممتدة من بداية السبعينات إلى سنة 1976، و لم تتم مساءلة التجربة و تقييمها إلا في نهاية السبعينات، بعد الاعتقالات التي تعرضت لها المنظمة و التي قوضت هياكلها التنظيمية و شلت فعلها السياسي".

يقدم الكاتب هنا، صورة نمطية منتشرة كثيرا حول تاريخ المنظمة، مما يؤكد جهله بذلك التاريخ، و لقد دحضنا ذلك خلال الفصول السابقة، و يكفي أن نذكر بتقرير عشرين نونبر1972، و التقييم الصادر في صيف 1975 بنشرة"الشيوعي"، و هذا كفيل بدحض ادعاء عدم القيام بأي تقييم إلا في نهاية السبعينات.

و عن كيفية نشوء التقييمات المختلفة داخل المنظمة، و من ضمنها تقييم أصحاب "إعادة البناء"، يقول الكاتب:

"و لقد ولدت الانهيارات التنظيمية التي تعرضت لها المنظمة العديد من التساؤلات السياسية حول وجودها السياسي و شرعيتها التاريخية و الموضوعية، و كذا ضرورة استمرارها و إمكانية تحقيق مشروعها المجتمعي في ظل الشروط التي كان يمر منها المغرب آنذاك، و علاقتها ببقية المكونات السياسية. إنها أسئلة محورية شكلت مفاصل التقييمات السياسية التي ستعرفها التجربة داخل زنازن السجن المركزي بالقنيطرة ، و هي التقييمات التي ستتوزع على ثلاث وجهات نظر، يمكن أن نوجزها مع التوقف عند التقييم الذي سوف يطلق دينامية إعادة بناء منظمة "إلى الأمام" موضوع مقالنا".

يرى الكاتب أن الأمر كان يتعلق بثلاث وجهات النظر و هي:

أ- حل تنظيمات اليسار و العودة إلى حظيرة الأحزاب الوطنية.

ب- حل التنظيمات اليسارية و الالتحاق بالطبقة العاملة كأفراد و دعمها لبلورة حزبها الطليعي الثوري من داخلها.

ج- ضرورة صيانة الرصيد التاريخي و الكفاحي لليسار، و إطلاق دينامية إعادة البناء السياسي و التنظيمي لمنظمة "إلى الأمام".

بعد تجاهل مقصود، لوجود اتجاه ثوري، كان يدعو إلى"التقييم الشامل و إعادة البناء" ، و بعد إفراغ الخانة من ذلك، كان عليه أن يملئها باتجاه ثوري مزعوم، و بطبيعة الحال، كان يتمثل في الإتجاه الثالث، الذي قال عنه :

"إن طموح هذا التوجه داخل منظمة "إلى الأمام" في إعادة بناء المنظمة، و التمسك بمشروعها الثوري الذي تأسست على قاعدته ،سوف لن يخفى عن هذا التصور البعد النقدي، الصارم في الرؤية و التجربة، حيث سجل هذا التقييم انزلاق و انحراف التنظيمات من القواعد التنظيمية و السياسية المفترضة لإنجاز المهام، حيث ظلت هذه المنظمات وفق هذا التقييم أسيرة البرجوازية الصغرى، و لم تستطع تجاوز وضع التأسيس، و هو الوضع الذي كان يقتضي بقوة الواقع الموضوعي الانطلاقة من المثقفين الثوريين داخل الشبيبة المدرسية و الطلابية، و انتقال الأشغال في عمق الطبقات الأساسية ذات المصلحة في التغيير "العمال و الفلاحون".

و عن مظاهر الأزمة، و التقييم الذي اعتمده أصحاب الإتجاه الثالث، فيقول الكاتب :

"لقد حدد هذا التقييم أبرز مظاهر الأزمة، في عدم قدرة التنظيمات الثورية على الصمود أمام القمع المسلط عليها سنوات 1973 –1977، و تعثرها في عملية إعادة بناء قواها الذاتية، و توحيد نضالها ضد العدو المشترك، و ضعف مواكبتها للتطورات التي عرفها الصراع الطبقي في نهاية السبعينات".

و بالاعتماد على ما يسميه بالوثيقة التقييمية يقول :

"و قد حددت الوثيقة التقييمية لمنظمة "إلى الأمام" مظاهر ازمة هذه الأخيرة، في كونها فشلت في إنجاز المهام التي طرحتها على نفسها، كالتجذر وسط الجماهير الشعبية، و على رأسها الطبقة العاملة، و توحيد الحركة الماركسية ــ اللينينية في طريق بناء حزب البرولتاريا المغربي، و المساهمة في لف القوى الثورية و التقدمية من أجل توحيد كفاح الجماهير ضد أعدائها الطبقيين. و قد أضافت الوثيقة أن الشروط أصبحت متوفرة، أكثر من أي وقت مضى، لإنجاز هذه المهمة، معتبرة أن المدخل المركزي لذلك، هو إنجاز تقييم نقدي صريح لتجربة المنظمة منذ التأسيس، و ذلك لمعرفة الأسباب الموضوعية و الذاتية التي أدت إلى الأزمة الراهنة، و من تسليط الأضواء على الخط الإديولوجي و السياسي و التنظيمي للمنظمة، مع ضرورة التخلص من النظرة الأحادية الجانب التي تعتبر خط المنظمة سديدا في جوهره، و أن أسباب الإخفاقات تكمن في عدم قدرة أعضاء المنظمة على استيعاب خطها و تطبيقه، و في نفس الوقت يجب التصدي بكل حزم لكل نظرة عدمية، تنطلق من فشل المنظمة في بناء نفسها كمنظمة ماركسية ــ لينينية صامدة و راسخة جماهيريا، لنفي الرصيد الإيجابي الإديولوجي و التنظيمي و السياسي و النضالي للمنظمة، و سيخلص هذا التقييم، بعد توقفه على الأعطاب و الاختلالات السياسية و التنظيمية، التي جعلت المنظمة لا ترقى إلى مستوى إنجاز طموحاتها السياسية و مهامها، في فترة السبعينات، إلى إطلاق دينامية إعادة هيكلة التنظيم، برؤية جديدة، و على ضوء التحولات التي مست المجتمع، و هي المهمة المركزية لمنظمة "إلى الأمام".

تمثل الفقرة أعلاه، نموذجا و نمطا يتداوله التحريفيون الجدد، كلما تعلق الأمر بالحديث عن "التقييم الشامل لتجربة المنظمة"، و الحال أنهم حاربوا هذا الشعار بمبرر الواقعية، و الإسراع في إنجاز إعادة البناء، شعارهم "لنكن عمليين، دعونا من ثرثرتكم حول التقييم"، لقد كان أحدهم يردد باستمرار "كل شيء زين، الخايب بلاش"، و ظلوا على هذا الحال إلى أن وقعت الواقعة في خريف 1985. إن كل بحث لدى هؤلاء، عن تقييم شامل للتجربة، يعد ضربا من العبث ، فهو لا يوجد أصلا، اللهم إذا اعتبرنا، مثل هكذا عموميات، تقييما شاملا. إن مثل هكذا خطاب سيكرره التحريفيون الجدد بعد سقوط تجربة إعادة البناء.

و لا يختلف باقي الحديث عن شعار إعادة البناء ل"منظمة ماركسية ــ لينينية صلبة و راسخة جماهيريا، ضمن ما يسميه الكاتب بعملية جدلية و مزدوجة" تربط فيما بين البناء التنظيمي و بلورة الخط السياسي و الإديولوجي و التدقيق فيهما، ربطا جدليا على قاعدة برنامج عمل داخلي، و استيعاب التطورات و التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، علاوة على التواجد و العمل داخل الطبقات الأساسية (الطبقة العاملة و صغار الفلاحين و عموم الكادحين)، و هي المهمة التي توجت بعقد الندوة الوطنية بالداخل في شهر فبراير من سنة 1983"، ليس هذا الكلام سوى ذرا للرماد، فالتجربة كلها تمت في وعاء مغلق، و ضمن خط يميني انتهازي و تحريفي.

و بالنسبة لندوة يناير1983 و ليس فبراير، و موقعها في تاريخ المنظمة، سيدعي الكاتب، أنها لم تخرج عن إطار ثوابت المنظمة ، ثم مالبث أن وقع في تناقض مع تصريحه، لما سرد بعض ماتم تغييره خلال الندوة، قبل الإعتراف بأنها "وضعت اللبنات الأساسية للتجديد النظري و السياسي الذي ستعرفه منظمة "إلى الأمام" في عقد الثمانينات". و يقول في هذا الصدد :

"و إذا كانت الندوة الوطنية المشار إليها أعلاه، لم تخرج على مستوى التصور العام السابق للمنظمة، و أكدت على بعض الثوابث الإديولوجية، و جوهر البرنامج السياسي الرامي إلى التغيير الثوري ذي الأفق الاشتراكي، كما بلورته الأرضيات التأسيسية لمنظمة "إلى الأمام"، فإنها مع كل ذلك حققت مكتسبات غاية في الأهمية كاستبعاد بعض الأطروحات السياسية و الاستراتيجية و التكتيكية ("حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد" و"الشبيبة المدرسية كطليعة تكتيكية"، إعادة النظر في كيفية التعامل مع الأحزاب الوطنية ...) و الخروج من أسر التكلس الفكري الذي أصاب الفكر الماركسي، و تشجيع إطلاق روح مبادرة الاجتهاد في المجال الإديولوجي وفق خصوصية المجتمع المغربي و تطوره التاريخي، أما على المستوى التنظيمي، فقد أعادت الندوة الوطنية النظر في التصور التنظيمي و بسطت من تعقد الهيكل التنظيمي السابق و تخلصها من التدرج الهرمي، لترتبط البنى التنظيمية بشكل مباشر بحقول الاشتغال الجماهيري دون وسائط.

إن أهم إنجاز تم تحقيقه من خلال هذه المرحلة من التطور السياسي لمنظمة "إلى الأمام"، هو إعادة هيكلتها تنظيميا و سياسيا في حدها الأدنى، و هيكلة أجهزتها الوطنية و المحلية و القطاعية، كما وضعت اللبنات الأساسية للتجديد النظري و السياسي الذي ستعرفه منظمة "إلى الأمام" في عقد الثمانينات".

و بالفعل، لقد وقعت تلك الندوة الوطنية، المنعقدة في يناير 1983، على أولى المسودات، لخط تحريفي جديد، بدأت تتشكل ملامحه الأولى منذ ربيع 1979، و استمر في النمو و التطور، إلى أن كشف عن أوراقه بشكل واضح، بعد تصفية المنظمة بالداخل في خريف 1985.

- بصدد ما أسماه الكاتب ب "التجديد الفكري و السياسي في خط"إلى الأمام"

عندما انتهى خط إعادة البناء في خريف 1985 إلى الفشل، و بعدما تسبب في القضاء على منظمة"إلى الأمام" بالداخل، أطلق منظرو الخط التحريفي الجديد بقيادة أبراهام السرفاتي العنان، لمراجعات خط المنظمة العام، بعدما تخلصوا من عبئ المنظمة بالداخل، و تحرروا من كل الإلتزامات السابقة، فأطلقوا سلسلة من المراجعات أطلقوا عليها فيما بعد عنوان "التجديد الفكري و السياسي في خط"إلى الأمام" ". لقد عرفت هاته الفترة انتعاشا هاما للخط التحريفي الجديد، فانطلق خلالها خط التراجعات الفكرية و السياسية التي أدت إلى الحل العملي للمنظمة سنة 1994 على يد التحريفيين الجدد.

و حول ما يسميه ب "التجديد على المستوى الفكري في خط"إلى الأمام""، يقول كاتب المقالة:

"تعتبر الاجتهادات الفكرية و الإديولوجية التي عرفتها منظمة "إلى الأمام"خلال هذه الفترة، من أخصب الفترات في الإبداع الفكري الخلاق، لقد استطاع التنظيم أن يتعاطى بشكل خلاق مع الواقع المغربي على مستوى الطرح الإديولوجي، بحيث تبلور خلال هذه المرحلة تطور إديولوجي تجاوز التحديدات الطبقية الاقتصادوية، و أدمج بعض خصوصيات المجتمع المغربي عبر تشكله التاريخي و تنوعه الثقافي و تفاوته الجغرافي".

و بالنسبة للتجديد على المستوى السياسي يقول الكاتب :

"لقد ترافق التجديد على المستوى الفكري و النظري العام، بتجديد بنية الفكر السياسي لدى منظمة "إلى الأمام"، تطلبت هذه العملية إعادة النظر في الخط السياسي و البرنامج العام. و لقد انطلقت هذه العملية من رؤية نقدية صارمة حول التجارب الماركسية في العالم، بغية تجاوز الدغمائية و التحجر التي عرفتها الماركسية مع التجربة السوفياتية، و العديد من الأحزاب الشيوعية في العالم، حيث افتقدت منظومة الفكر الماركسي خلال هذه المرحلة الكثير من الحيوية و الدينامية، لتصبح فكرا جامدا غير قادر على إطلاق المبادرات الخلاقة في الفكر والإبداع".

إذا تركنا جانبا المسألة الأمازيغية، فماذا يعني تجاوز التحديدات الطبقية الاقتصادوية في الخط الفكري للمنظمة، كما يقول الكاتب، و الحال أن بحثنا في جل وثائق المرحلة، يثبت ألا وجود لهذا النهج التحليلي البعيد عن الاقتصادوية. و في موضوع الخصوبة المتكلم عنها، فقد تطرقنا لفترة 1979-1985، و سنتطرق لفكر 1985-1994 ، و في كلتا الحالتين، سيكتشف المناضلون، و القارئ كذلك، حقيقة هذه الخصوبة على المستوى الإيديلوجي و السياسي و التنظيمي و الإستراتيجي.

إن الكلام بنفس درجة التبجح، التي يتكلم بها الكاتب، توحي بأن الفترة عرفت العديد من الاجتهادات و الدراسات لتلك التجارب العالمية المتكلم عنها (علما أن الكاتب يتكلم عن" الاتحاد السوفياتي، و مجموعة من "الأحزاب الشيوعية"، التي تجمدت عندها الماركسية و تحجرت"، و نحن في ثمانينيات القرن 20، مما يوحي بأن الاتحاد السوفياتي، و تلك الأحزاب الشيوعية، كانت ماركسية، و هذا لعمري قمة البهلوانية السياسية، لأن تلك الدولة، و تلك الأحزاب كانت تحريفية، و هذا تراجع ب 180 درجة عن الخط الفكري و الاستراتيجي للحملم، و منظمة "إلى الأمام". أما سحب تلك التجربة على كل التجارب الأخرى، كما هو الحال بالنسبة للتجربة الصينية مثلا، فهو قمة الاستغباء للقارئ، من حيث القيام بمحاولة خلط الأوراق، و التغطية على المرور إلى التحريفية، و الحال أننا لا نجد كتابات تعبر عن ذلك المعنى العلمي و الفكري و الإديولوجي الدقيق، كما كان الحال عند منظمة "إلى الأمام"، و بالمقابل نجد بعض النتف، هنا و هناك، مبثوثة وسط الفقرات من داخل وثائق معينة : بيانات، أرضيات... مما يبين أن أصحاب تلك المواقف كانوا يخشون الإعلان عنها، بشكل واضح و مكشوف، و سيكون لنا عودة لهذا الموضوع في فصول مخصصة لذلك.

"... اتجه تفكير المنظمة إلى الاستفادة من الاجتهادات النظرية في مجال الماركسية، و بالتالي سيتم التعامل مع الماركسية كميتودولوجيا للدينامية الاجتماعية، و عن مفهوم البراكسيس و ما يعنيه من تطور الفكر و النظرية من العمل الملموس دون الارتهان في سجن النظرية بشكل معزول".

تلخص الفقرة جيدا، المعنى الذي أصبح يعطيه التحريفيون الجدد للماركسية، التي لم تعد سوى مجرد "ميتودولوجيا للدينامية الاجتماعية" و هذا استبعاد مقصود لمفهوم الصراع الطبقي، كمفهوم مركزي و محوري للمادية التاريخية، و سقوط في سوسيولوجيا علم الاجتماع البرجوازي الوظيفي و غيره .

أما النظرية فقد أصبح استبعادها مرادفا لاستدعاء مفهوم البراكسيس، كما يدعون، و على قاعدة هذا التصور يقول الكاتب:

"لذا سوف تعتمد المنظمة في الممارسة السياسية، على التفاعل مع القوى الفاعلة و الحية داخل المجتمع، و من تمة عمدت إلى تطوير بنية فكرها السياسي، بارتباط مع تطور نضالها الثوري. بعيدا عن جمود الفكر الماركسي و النماذج السياسية الجامدة، و كان من نتائج ذاك عدم السقوط في استنساخ التجارب الجامدة حيث تم تجاوز نظرية الفوكو، التي كانت سائدة في تجارب العالم الثالث خاصة في أمريكا اللاتينية، و هي النظرية التي تعتمد العمل الثوري المسلح الذي تقوده النخبة بشكل معزول عن الجماهير، و على العكس من ذلك اتجهت المنظمة إلى العمل الثوري السري مع الكادحين، و في اتجاه تنظيم الجماهير، و إشراكها في عملية التغيير الثوري، و الذي قد يصل إلى ممارسة العمل المسلح في الفترات المتقدمة من الصراع الاجتماعي و السياسي الذي سيعرفه المجتمع، و بناءا على ذلك أصبحت الرؤية السياسية للمنظمة حول التغيير عملية شاملة، يؤسس لها في المجتمع القائم مختلف الفئات و الطبقات ذات المصلحة الحقيقية في التغيير الثوري، بواسطة تنظيمات الدفاع الذاتي المستقلة، في أفق المجتمع الديموقراطي كمرحلة ضرورية لبناء المجتمع الاشتراكي المنشود، بحيث سيحتل الحزب من خلال هذا الطرح و الفهم دورا جزئيا و مكملا لدور تنظيمات الدفاع الذاتي الجماهيري في عملية التغيير".

لعل الكلام عن استنساخ التجارب، يعني لدى الكاتب، التخلي عن استراتيجية حرب التحرير الشعبية، علما أن هذا الاستنساخ المتكلم عنه لم يثبت، و لم يقم صاحب هذا الطرح بتوضيح كيف تم هذا الاستنساخ بالنسبة للتجربة المغربية.

أما نقد نظرية "الفوكو"، فلم تنتظر المنظمة مجيء أصحاب "إعادة البناء" لتقوم بنقدها، بل فعلت ذلك في منتصف 1972 في وثيقتين مشهورتين و هما "حول مختلف أشكال العنف الثوري" و" دور العنف في التحول الثوري"، و أعادت المنظمة هذا النقد بمناسبة تجربة ملموسة عندما انطلقت حركة 3 مارس الثورية، و نقصد هنا وثيقة "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية ــ اللينينية" . أما نقد نظرية الفوكو عند أصحابنا، فلا نرى له أي وجود في الوثائق المنشورة، أو غير المنشورة، بمعنى أن الكاتب التبست عليه الأمور، أو كان يجهل تاريخ المنظمة، و للتذكير مرة أخرى، فوثائق المنظمة مليئة بهذا النقد و تبين الأسباب الإيديولوجية و السياسية و التنظيمية لظهور التصورات البلانكية و الفوكوية (انظر وثيقة "جدلية بناء الحزب الثوري و بناء التنظيمات الثورية للجماهير" و "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو" و "الوضع الراهن و المهام العاجلة" و "من أجل خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي").

أما الكلام عن الاجتهادات السياسية، فما لم يقله الكاتب، هو أن الأطروحات السياسية الجديدة لأصحاب "إعادة البناء"، فقد انبنت في موازاة مع التخلي عن التصورات التنظيمية و السياسية التي شكلت أساس خط منظمة "إلى الأمام". إن جوهر هذا التخلي، لم يكن سوى التخلي عن نظرية خط الجماهير لدى منظمة "إلى الأمام"، و السقوط في بناء التنظيم في وعاء مغلق (الخط الداخلي)، و ممارسة خط نقابي اقتصادوي، و الخروج من الجامعة، و السقوط في الشعبوية، لغياب بوصلة طبقية سياسية و استراتيجية واضحة.

و بالمقابل عوض الكاتب و أصدقاؤه في "إعادة البناء" استراتيجية المنظمة بما أسموه "استراتيجية العنف الجماهيري المنظم" ، و هذه الاستراتيجية المزعومة، لم تكن في العمق، سوى تخليا عن أي استراتيجية، و مقدمة لتبني خط النضال السلمي. إن الانتقال من الاستراتيجية الثورية (استراتيجية حرب التحريرالشعبية) إلى غياب الاستراتيجية الثورية (استراتيجية العنف الجماهيري المنظم) ثم خط النضال السلمي، و نبذ كل أشكال العنف الثوري، مسار خط تراجع كبير عن الخط الماركسي ــ اللينيني للحملم، و منظمة "إلى الأمام.

و فيما يخص البرنامج السياسي يقول الكاتب:

"كما عكس التطور السياسي الذي تراكم داخل المنظمة البرنامج الذي اقترحته هذه الأخيرة على القوى الثورية المغربية في شهر يناير 1991. و هو البرنامج الذي عكس نضج أفكار التنظيم حول الديموقراطية المباشرة، و دور المجالس الشعبية المنبني على أسس ماركسية، مع المفهوم الآخر للديموقراطية المرتكزة على أسس احترام حقوق الإنسان و التعددية الحزبية".

تظهر الفقرة بوضوح، تخلي أصحاب "إعادة البناء"عن المفهوم الماركسي للدولة، و للديموقراطية، كمسألة طبقية، و قيامهم بعملية انتقائية عن طريق إضافة مفاهيم تتنافى في العمق مع المفاهيم البروليتارية للديموقراطية، كمفهوم دكتاتورية البرولتاريا، الذي هو حجر الزاوية في الفكر الماركسي، فكل ديموقراطية هي دكتاتورية: دكتاتورية الأقلية للمجتمع البورجوازي، و دكتاتورية الأغلبية في المجتمع الاشتراكي، أما المجتمع الشيوعي، الذي هو نهاية الدولة و الديموقراطية المناسبة لها، فهو مجتمع لا طبقي تنتقل فيه البشرية من "ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية"، بما يعني نهاية الديموقراطية، التي قامت على أساس مجتمع طبقي، أو في مجتمع سائر نحو اضمحلال الدولة و بناها الفوقية، نحو المجتمع الشيوعي.

و بالنسبة للتكتيك و الاستراتيجية يقول الكاتب:

"كما تمكنت المنظمة من خلال هذه الفترة، تقديم مجموعة من الإضاءات و التدقيقات حول العلاقة بين النضال الاستراتيجي و التكتيكي، و التمفصل القائم بينهما، و كيف توصل التنظيم إلى تحديد المافيا المخزنية التي تبلورت كقوة سياسية و مالية خارج مسلسل الإنتاج، و أصبحت بارزة منذ سنة 1984، حيث أصبحت لوزارة الداخلية أهمية خاصة في الحياة السياسية و الاقتصادية عن طريق النهب و التهريب بمختلف أشكاله، و الاستفادة من الصفقات التجارية و الاقتصادية من موقع السلطة، من طرف كبار المسؤولين في العمالات و البوليس و الدرك، و من هؤلاء تتألف المافيا المخزنية التي أصبحت على مسافة من الطبقات السائدة. فبناءا على هذا التناقض، و كذا التناقضات التي تطورت داخل جهاز الدولة نفسه و الجيش، وصلت المنظمة إلى خلاصة أساسية مهمة اعتبرتها مركزية في شروط تلك المحطة، و هي عزل المافيا المخزنية برموزها في أعلى هرم السلطة السياسية بالبلاد، و هي مهمة قد تستقطب فئات متضررة من واقع ابتزاز المافيا المخزنية و من داخل الطبقات السائدة. و لإنجاز ما أسمته المنظمة بالاختراق الديموقراطي، حددت منظمة "إلى الأمام" هذه المهمة دون أن تغفل برنامجها الديموقراطي الذي يساير المتطلبات اليومية لعموم الشعب المغربي و المطالب الآنية، معتبرة أن هناك تمفصلا بين هذا البرنامج و مشروع تأسيس جبهة الثوريين المغاربة، و غير متناقضين، لأن هذا الأخير (أي البرنامج الثوري) سيتيح إمكانية توضيح الآفاق التي بدونها سيبقى البرنامج الآني مهددا بالانزلاق في مطب الإصلاحية، و التي لا يمكنها تكسير بنيات التبعية و الاضطهاد، و التقدم نحو الديموقراطية الحقيقية، لذا سيفتح البرنامج الثوري أفق إنجاز المهام، و تحقيق الأهداف في مداها الأقصى، و بالتالي فإذا كان المشروع التالي سيتيح اختراقا ديموقراطيا فإنه بالضرورة سيصطدم بدينامية إلى الوراء لبنية الطبقات السائدة التي تعيق أي تطور نحو الديموقراطية، و هذه الدينامية النضالية، ستفتح هي الأخرى دينامية متجددة، ستشق الطريق الثوري إلى نهايته، و الذي سيؤدي إلى تحقيق البرنامج الكفيل حقا بالإجابة بشكل ناجع على الإشكالات الملموسة للمجتمع المغربي و الاستجابة للطموحات التحررية و الديموقراطية لشعبنا".

لا ندري كيف يمكن الكلام عن تمفصل بين جانبي العملية الثورية: الاستراتيجية و التكتيك، إذا كان أحد الطرفين غائبا، و هو الاستراتيجية، أما تمفصل برنامج الجبهة الثورية و البرنامج الديموقراطي الآني، لا يعدو أن يكون مجرد تصورات تكتيكية، هدفها الأساسي تحقيق ما يسمى بالاختراق الديموقراطي، عن طريق عزل المافيات المخزنية، بما يعني أن تحقيق ذلك، سيولد دينامية نضالية ثورية تحقق الأهداف.

- أولا، إن الكلام عن تلك التكتيكات، قد تبلور في إحدى الوثائق من داخل السجن خارج أي دينامية نضالية بالداخل (فشلت عملية "إعادة البناء"في 1985، و تم اجتثات المنظمة بالداخل ).

- ثانيا، لا يمكن الكلام عن التكتيك الثوري و تمفصلاته خارج الطرح الاستراتيجي.

- ثالثا، تمت هذه البلورة بعدما تخلى أصحابها عن مفهوم الحزب اللينيني كقائد للثورة ،و إن أعلنوا رسميا عن ذلك لاحقا.

- رابعا، تعتمد استراتيجية "الاختراق الديموقراطي"، من خلال طرحها عزل "المافيات المخزنية" بدل إسقاط النظام، على الرهان على فئات من الطبقات السائدة، المتضررة من المافيا المخزنية، و على انخراط الأحزاب الإصلاحية في هاته الدينامية، و هنا مرة أخرى تم السقوط في الأخطاء السابقة التي سقطت فيها المنظمة، من خلال بعض المفاهيم التي تضمنتها مجموعة من الوثائق، مثل مفهوم "عصابة الحسن- عبد الله – الدليمي " و عزل النظام القائم" و"النواة الفاشية"، هاته المفاهيم تم نقدها كمفاهيم تكتيكية إصلاحية، حتى من طرف التيارات الإصلاحية داخل المنظمة، كما كان الحال عند اتجاه المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري، أما هاته التكتيكات الورقية، التي لم يكن لها أي أثر في الواقع، لغياب المنظمة في ذلك الواقع، سيلتقطها تيار النهج الديموقراطي بعد ذلك إضافة إلى مجموعة من الأفكار، ليضمها إلى ترسانته السياسية، و سنخصص فصلا خاصا لنظرية "الاختراق الديموقراطي"، في الجزء الأخير من هذه الدراسة.

و في الأخير، و في معرض حديثه عن تجربة ماسمي بإعادة البناء، و بخلاف التمجيد السابق، و بتناقض معه، يعلن الكاتب أن تلك التجربة تمت في وعاء مغلق، أو ما يسمى عموما في تجربة الحملم بالخط الداخلي،يقول الكاتب في هذا الصدد:

"غير أن استمرارية منظمة "إلى الأمام"، في إطار عملية إعادة البناء السياسي و التنظيمي، قد تمت في ظروف سياسية بالغة التعقيد، بحيث بوشرت هذه العملية في ظروف قمع شامل، قوض البنى التنظيمية للمنظمة، و اعتقال شبه كلي لأطرها، و في ظروف انحصار المد الثوري في العالم، و أزمة الفكر الماركسي ، و الشيء الذي جعل من تلك المهمة المركزية، تأخذ طابع البناء الداخلي، بعيدا عن حركية الفعل السياسي في معمعان النضال الجماهيري، مما قلص من قوة إشعاعها السياسي، كما كانت عليه في السنوات الأولى لهذه الحركة".

إن الكاتب هنا لا يتوانى عن مناقضة رفيقه، الذي أعلن على رؤوس الملإ، أن تجربة إعادة البناء كانت انتصارا لخط بروليتاري، الشئ الذي لم يجرؤ أحد من رفاقه على ادعائه بشكل واضح.

 

الفصل الثاني عشر:  

أقصى اليسار في المغرب

من معانقة أحلام الثورة إلى النضال الديموقراطي

-1- عبد الله الحريف و موقف الإنسحاب من الحركة الطلابية

"كان تقييمنا يستند على أن الأمر يتعلق بديموقراطية شكلية ... لكننا في الآن نفسه كنا نحاول الاجتهاد من أجل إيجاد سبل تطوير الحركة الجماهيرية و بناء التنظيمات المستقلة ذاتيا للجماهير، و في هذا الإطار أتى هذا الطرح، كما اعتبرنا أن هناك إمكانية لإصدار جرائد مع تجنب الخطوط الحمراء ...إذ بإمكان إعلام جذري أن يوحد هذه التيارات الجماهيرية ... و قد نجح هذا الطرح نسبيا في القطاع الطلابي لديناميته الخاصة، مع المشاكل التي أشرت إليها، إذ اكتفاؤنا بالتوجيه الإديولوجي و السياسي لحركة القاعديين أدى إلى تطور هذه الحركة على المستوى التنظيمي دون مواكبتنا لذلك، و عند محاولتنا سنة 1984 تدارك ذلك عبر إصدار الكراس كان قد فات الأوان".

◄ اعتراف صريح بالخطأ التاريخي الذي تمت تغطيته بالذهاب إلى الطبقة العاملة، و كان له أثر كبير على مسار الحركة الطلابية المغربية، ساهم في تفجير العديد من التناقضات داخلها، و لا زالت تعاني من سلبياتها لحد الساعة.

في بداية الثمانينات من القرن الماضي، قرر مهندسوا ما سمي بخط "إعادة البناء" داخل منظمة "إلى الأمام" الإنسحاب من الجامعة، و التخلي عن الحركة الطلابية في مرحلة دقيقة من تاريخها، لصالح الذهاب كأفراد إلى الطبقة العاملة (نعني هنا ذهابا بدون خطة عمل و تصور سياسي ممركز حول العمل داخل الطبقة العاملة ضمن استراتيجية سياسية و تنظيمية تهدف إلى التجدر داخل الطبقة العاملة، ليس كأفراد بل كمنظمة تتوجه إلى الطبقة العاملة و طلائعها المناضلة ضمن تحليل دقيق و ملموس لأوضاعها و ضمن خطة دعائية تحريضية تخدم الأهداف التنظيمية، أي ضمن خطة سياسية مركزية بالمعنى اللينيني، تقوم فيه الجريدة المركزية بدور أساسي، و هذا لم يحصل أبدا، فانتهت التجربة من حيث ابتدأت فرجع الأفراد إلى قواعدهم البورجوازية الصغيرة، إن هذا التصور يختلف عن الاتجاه اليسراوري العمالوي المذكور سابقا من حيث أنه طرح الذهاب إلى الطبقة العاملة ضمن ما أسماه بمسلسل "إعادة البناء"، بينما الاتجاه الآخر دعا إلى حل التنظيمات الماركسية ــ اللينينية، و كلاهما سقط في نزعة عمالوية)، و لما فشل هذا التوجه، حاولوا العودة إلى الجامعة، لكن القاطرة كانت قد تجاوزتهم و فات الأوان، فلا هم تجذروا في الطبقة العاملة، و لا هم حافظوا على تواجدهم في الجامعة. و قد شكل هذا جزءا من الفشل العام الذي أصاب ما سمي "بخط إعادة البناء".

-2- عبد الله الحريف و أطروحة "الإندفاعة نحو الديموقراطية" في أروبا الشرقية

خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، و في ظل سيادة أحزاب" شيوعية" تحريفية، كانت تحكم أنظمة بورجوازية الدولة في أروبا الشرقية تحت يافطة الإشتراكية، و في ظل وضع إقتصادي و سياسي مأزوم، قامت الامبريالية الأمريكية و الأروبية عبر عملائها في هذه البلدان، و عبر تكثيف حملاتها الدعائية و تسخير "إذاعاتها الحرة" الموجهة لأروبا الشرقية، و عبر تمويل مكثف لما سمي بمجتمع مدني بهذه البلدان، و بدعم من الكنيسة و الفاتيكان و القوى الظلامية عبر العالم، بمحاولات لضرب هذه البلدان و السيطرة عليها سياسيا و اقتصاديا، عبر تفكيك اقتصادياتها، و إدماجها نهائيا بالمنظومة الرأسمالية للإمبريالية، من موقع التابع و الشريك الضعيف. و قد استطاعت المخابرات الإمبريالية اختراق الحركة الجماهيرية في هذه البلدان، من خلال مرتزقتها و فلول عملاء النازية القدامى و الجدد، و بدور مقيت للكنيسة. و قد سقط العديد من المناضلين في وهم "اعتبار ماجرى اندفاعة ديموقراطية"، و نظر التروتسكيون لذلك من موقع الإنخراط فيها و دعمها. و قد تأثر منظروا إعادة البناء بذلك، إلى حد أن بعضهم كان يعتبر ذلك مؤشرا على عودة الطبقة العاملة إلى مركز القيادة السياسية داخل الأحزاب التحريفية بأروبا الشرقية، و خاصة، مع وصول غورباتشوف إلى قيادة الحزب "الشيوعي" بالإتحاد السوفياتي.

و لا يتوانى عبد الله الحريف عن اعتبار تلك الحركات المعادية للإشتراكية اندفاعة نحو الديموقراطية، حتى بعد مرور عقود من تلك الأحداث.

ويقول في هذا الصدد، جوابا على سؤال محاوره (بكسر الواو) :

"أكيد أننا نتأثر بما يجري في المغرب و على المستوى العالمي ، و قد تبنينا أن تلك الاندفاعة نحو الديموقراطية مهمة حتى بالنسبة إلى خط يتبنى نضال الطبقة العاملة و الكادحين، إذ من شأن ذلك أن يمكن من الحق في التنظيم و تطوير التنظيمات الذاتية. كما تزامن ذلك مع نقاشات حتى و إن كانت لا تزال محل أخذ ورد حول التجربة السوفياتية و الحزب البلشفي و خطورة وجود حزب وحيد و غياب نقابات مستقلة و مزدهرة للمجتمع المدني. كل هذا سيلعب دورا في اتجاه أن تصبح مسألة التنظيم السياسي ذات أهمية أقل نسبيا ... و أن يتم التوجه للعمل في العديد من الوجهات من أجل إشاعة فكر جذري ..."

◄ هنا كذلك ملخص لأهم الأطروحات، و في مقدمتها تجاوز المفهوم اللينيني للتنظيم و الحزب، و اعتبار ما سقط هو سقوط الاشتراكية، بدل اعتباره سقوطا لرأسمالية مشوهة، و إن تغلفت بالاشتراكية، و كما جاء على لسان المحاور (بفتح الواو)، فما جرى في تلك البلدان كان اندفاعة ديموقراطية سيتم الاستفادة منها من طرف منظري خط إعادة البناء.

-3- عبد الله الحريف و نهج النضال الديموقراطي

◄ فيما يخص النضال الديموقراطي، و اعتباره كنهج، فقد تأسس كما يرى عبد الله الحريف، بارتباط مع الوضع الدولي (النظام العالمي الجديد، حقوق الإنسان، الديموقراطية ...) و الوطني (حركة الأحزاب الإصلاحية ابتداءا من التسعينات و نقاباتها) و يعرف المستجوب (بفتح الواو) هذا النهج بما يلي: "النضال الديموقراطي بالأساس، هو تغيير في الأسلوب، و ليس تغييرا في الأهداف العامة لما تأسست من أجله الحركة الماركسية ــ اللينينية، لم يحصل تغيير في تقييمنا للنظام ... في اعتبارنا أن هناك ضرورة لتغيير النظام الاقتصادي ... و هكذا فالأمر يتعلق بتغيير في الأسلوب، إذ يبدو لنا أن بإمكان النضال الديموقراطي أن يحقق مكاسب في هذه المرحلة، نظرا للتطورات العالمية و لتطور المجتمع المغربي و قواه الديموقراطية ... نحن لا نقدس الشكل، و أن يكون العمل سريا أو علنيا، مطلبيا أو ينحو في اتجاه مواجهة أكثر... هذه كلها أشكال غير ثابتة،و خاضعة للظروف و لموازين القوى و ملابساتها إن على المستوى الوطني أو العالمي ... و هكذا فلا تغيير فيما هو ثابت لدينا في مستوياته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية إذ نسعى لتغييرها لصالح الطبقات الشعبية بشكل عام، و بالخصوص لصالح العمال و الكادحين ..."

◄بكل بساطة يستطيع المرء أن يكشف عن طابع التناقض الذي سقط فيه المستجوب (بفتح الواو) مع كل الخطابات، التي كان يتم تقديمها على أنها تجديد لخط منظمة "إلى الأمام"، و ليس أقلها،التخلي عن الاستراتيجية و الخط الإديلوجي، و تبني أطروحات جديدة حول "الاختراق الديموقراطي"، و النضال الديموقراطي، و النظام الديموقراتوري، أي نظام أصبح في طريقه إلى الديموقراطية، بعدما لم يعد دكتاتوريا، كما جاء على لسان منظر التحريفية الأول أبراهام السرفاتي، و أكده عبد الله الحريف في العديد من التصريحات، منها تصريح لمجلة اسبانية، عندما كانت تأثيرات الانتفاضة التونسية قد بدأت تجد لها صدى في المغرب، حيث أكد أن المغرب ليس هو تونس و لا مصر، لأنه تحققت فيه خلال التسعينات مكتسبات ديموقراطية و فيه تعددية.

مع خط "إعادة البناء"، عند الإعلان عنه و بعد فشله، تغير كل شئ،و لا حاجة لإخفاء الشمس بالغربال كما يقال.

-4- عبد الله الحريف والحديث عن الإستراتيجية و التآمر و العنف

فيما يخص "استراتيجية العنف الثوري الجماهيري المنظم"، و علاقتها بطابع التآمر، يقول عبد الله الحريف:

"... إذ في تقييمنا الأولي، كنا قد انتقلنا من حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد إلى "العنف الثوري الجماهيري المنظم"، و هو يبعد طابع التآمر. بل إن الطرف الآخر الذي يقول إنه ديموقراطي ،هو من قد يحدث أن يتآمر على الديموقراطية حيث يعجز عن ممارستها ..."

◄ يوحي كلام المستجوب (بفتح الواو)، بأن الانتقال من استراتيجية حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد إلى استراتيجية العنف الثوري الجماهيري المنظم، جاء لتلافي مفهوم المؤامرة، كما لو أن حرب التحرير الشعبية عمل نخبوي فوقي خارج الجماهير، و هذا جهل مركب بمفهوم العنف في الفكر الماركسي ــ اللينيني، و بخط الجماهير و علاقته بالإستراتيجية الثورية.

و بصدد العنف، يوضح الحريف موقفه بشكل صريح، في سياق اختياره للعمل القانوني، فيقول:

"و نحن نقول إننا على استعداد للعمل في إطار حرية الرأي، و سنستعمل الوسائل الديموقراطية في نضالنا، بعيدا عن العنف أو غيره من الوسائل غير المقبولة".

◄ مرة أخرى، يعرض عبد الله الحريف فكرته عن العنف من خلال التعميم، فهو يرفض كل أشكال العنف، و بالتالي يعبر عن نظرته البورجوازية الصغيرة المقدسة للسلمية، و لخط النضال السلمي، كأطروحة تحريفية راسخة.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.