Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

بيان هام: جواز تلقيح أم إبادة جماعية

Pin it!

بيان هام

جواز تلقيح أم إبادة جماعية

ـــــــ بصدد دكتاتورية الحجر الصحي والحرب البيولوجية ضد الشعب المغربي ـــــــ

بيان هام

جواز تلقيح أم إبادة جماعية

ـــــــ بصدد دكتاتورية الحجر الصحي والحرب البيولوجية[1] ضد الشعب المغربي ـــــــ

موقع 30 غشت

"عندما تخرق الحكومة حقوق الشعب فإن الانتفاضة بالنسبة للشعب،

وكل جزء من الشعب، هي أقدس الحقوق والواجبات الأكثر ضرورة"

الفصل 35 من "إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1793"

عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كوفيد 19، الذي انطلق من الصين في يوهان قد أصبح جائحة تهدد البشرية جمعاء، فوجئ النظام الكمبرادوري المغربي بالإعلان، لعلمه أنه قد حول المنظومة الصحية في المغرب إلى كارثة وطنية، يعاني منها أغلب المغاربة من الفئات الشعبية غير القادرة على الولوج إلى العلاج في المصحات الخاصة الباهظة التكاليف، أو الذهاب إلى فرنسا للعلاج، كما يفعل رموز النظام و زبانيته من رؤساء الأحزاب والمؤسسات الدائرة في فلك النظام، وبعد فترة من التردد أدرك النظام المخزني أن المواجهة مع هذا القادم الغريب من وراء البحار، قد أصبحت  لا مفر منها.

بعد الخروج من المفاجئة، سيعلن النظام الكمبرادوري عن دخوله "المعركة"، معلنا دخول المغرب مرحلة الحجر الصحي، ومنذ البداية، ظهرت للعيان استراتيجية النظام ومقاربته الأمنية لمواجهة كوفيد 19، فخرجت الدبابات والمزنجرات وسيارات السلطة بكل أنواعها، تحاصر شوارع المدن ومداخلها وأحياءها، وانتشر أعوان السلطة من مقدمين و شيوخ و باشوات و قواد في كل مكان حتى أصغر الأزقة والممرات، وانطلقت صفارات سيارات السلطة تصم الآذان وتزرع الرعب في نفوس المواطنين، اللذين بدأوا يستفيقون من هول هذه القعقعة المفاجئة متسائلين حول طبيعة كوفيد 19 وحقيقته ، الذي ادعى النظام أنه دخل في مواجهته.

ككل الأنظمة المتخلفة، التي مرت عبر تاريخ المغرب، اعتقد النظام أن كل خطر أو عدو لا يمكن أن يأتي إلا من وراء البحار، تجند للبحث عنه في كل مكان، فحاصر المواطنين في المنازل، وبين الممرات والأزقة الصغيرة، معتقدا أن كوفيد 19 يختبئ في مكان ما، وأن الوقت قد حان لحصاره وقتاله والقبض عليه. قد يعتقد البعض أن هذا الكلام مجرد خيال أو سخرية من النظام، والحال أنه من رأى تصرف أعوان السلطة المخزنية وتحرك الأجهزة الأمنية، يركضون هنا وهناك، يتأكد أن هناك مبحوث عنه متوار في مكان ما بين الناس.

بطبيعة الحال، أعلنت الدولة "قانون الحجر الصحي"، ومجموعة من القرارات الملزمة، التي تطبق بشكل انتقائي بحسب الانتماء الطبقي أو القطاعي أو المهني، وعندما ألزمت الدولة الناس بحمل الكمامات إجباريا مضى شهر كامل لم يجد الناس فيه الكمامات لأن الشركات المنتجة كانت مهتمة بتصديرها إلى فرنسا لإنقاذها أولا من الوباء.

تدريجيا، بدأ المغاربة، بعدما رفع الستار عما سمي ب "النموذج المغربي لمكافحة كوفيد 19"، يدركون أنهم وسط حرب طبقية شرسة يتعرضون لها، بمعنى آخر، تمخض "الحجر الصحي" عن حرب طبقية غير مسبوقة مست الناس في حياتهم ومعيشهم وصحتهم، حربا وصلت حد الإبادة وما زالت مستمرة منذ سنتين، وتعرف أوجها اليوم، هكذا، ارتفعت أسعار البنزين والغازوال وكل المواد الغذائية والأساسية بدون استثناء. هجوم كاسح على القدرة الشرائية للمغاربة، وتم استهداف قطاعات بعينها كثير منها تعرض للإفلاس التام (المقاهي، المطاعم، الحمامات، قاعات الرياضة، تنظيم الحفلات، السياحة، الإنتاج، النقل ...)، وفقد الآلاف من المغاربة مناصب شغلهم، وازدادت معدلات البطالة بشكل مهول، وأفلست العديد من المقاولات الصغيرة والمتوسطة (يقدر عددها ب حوالي 2000)، وتم استغلال فترة الحجر الصحي لاستيلاء الملاكين العقاريين والمضاربين على آلاف الهكتارات، ويتعلق الأمر بما يسمى بالبناء العشوائي، بل وصل الأمر إلى الأراضي السلالية.

لقد سبق أن قمنا بتحليل القوانين الموضوعية التي تقف وراء سيرورة التراكم الرأسمالي الكمبرادوري، وبينا اتجاهات الهجوم، التي سيقوم بها في محاولة ضمان استمرار سيرورة تراكمه، بارتباط وثيق مع الرأسمال الامبريالي خاصة الفرنسي (انظر "الصراعات الطبقية بالمغرب وحركة 20 فبراير: السياقات، التحديدات والأفق الثوري، 1998 – 2012"، انظر أيضا الدراسة التي تحت عنوان "أزمة الرأسمالية العالمية والصراع الطبقي البكتريولوجي").

مما زاد الطين بلة وأفصح عن سعار النظام، قرار الحكومة الشكلية الجديدة، حكومة الواجهة ككل حكومات المغرب المتعاقبة، حول ما يسمى بجواز التلقيح، الذي أثار ضجة كبيرة وأربك أغلبية الشعب المغربي، مما فجر احتجاجات واسعة تدخل فيها سياسيون وحقوقيون وجمعيات المحامين وجمعيات المقاهي والمطاعم وجمعيات أرباب الحمامات، وجمعيات حماية المستهلك وأطباء وممرضين ومواطنين "عاديين" ...

لقد انفضح النظام الكمبرادوري وحكومته المحكومة، وظهر نفاقه الفاضح حول اختيارية التلقيح في وقت حاصر فيه الملايين من المغاربة الرافضين للتلقيح، اللذين منعوا من السفر ومن ولوج مختلف المؤسسات العمومية والخصوصية، فقد أطلقت الدولة المخزنية وأجهزتها المئات من الأبواق وذبابها الإلكتروني لإكراه المغاربة على التلقيح، وتغريم المخالفين، مدعية أنها تقوم بواجبها، فتقدمه مجانا للمغاربة، والحال أن ثمن اللقاحات، والتي أغلبها غير فعال أمام كوفيد 19، يؤدى من ضرائب تقتطع من أجور ومداخيل الأجراء، والضرائب التي يؤديها المواطنون، فعن أية مجانية يتحدثون؟

لقد شحذ النظام أسلحته المختلفة لمواجهة معارضيه وخصومه، والمواطنين الرافضين للتلقيح، وشكل أداة يشرعن بها حربه الإبادية، أطلق عليها اسم "اللجنة العلمية" مشكلة من جماعة من المرتزقة منعدمي الضمير، باعوا أنفسهم للنظام الكمبرادوري، يترأسها أستاذ جامعي لا علاقة له بالاختصاص، ويحيط النظام أعمال هذه اللجنة الشبح بالسر والكتمان، فلا علم لأحد بمضمون اجتماعاتها ولا مكانها ولا محاضرها ولا خروجها إعلاميا.

منذ أن أعلن النظام عن بداية "حجره الصحي" جرت مياه غزيرة تحت الجسر، فقد قام النظام بتجريب اللقاح على مئات المغاربة دون أن يعلم أحد عن نتائج هذا التجريب، الذي حول المغاربة إلى فئران تجارب، ومنذ أن انطلقت عملية التلقيح، مات عدد من المغاربة من جراء التلقيح وأصيب الكثيرون بالشلل أو أمراض متعددة، فهناك من أصيب بتخثر في الدم ومن أصيب بالوهن والعياء الدائم وضعف المناعة، كما توفي العديد من الأطفال وأصيب آخرون بالشلل وعاهات أخرى، وثالثة الأثافي تملص النظام عن أية مسؤولية في نتائج التلقيح رغم إلزامه للمواطنين بالتلقيح، وقد مورس التعتيم من طرف النظام عل وجود كل هذه الحالات واعتبار تأثير التلقيح على الناس مجرد أعراض جانبية تصاحب التلقيح بصفة عامة، وذلك في استهتار تام بصحة المغاربة و أرواحهم.

أمام هذا الاستهتار، وهذه السياسة الإجرامية في حق الشعب، والتي تقدمها أبواق النظام على أنه نموذج ناجح لمواجهة الوباء، ارتفعت الأصوات منددة بهذه السياسات، وخرجت الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج، وشحذ بعض المناضلين والمعارضين أسلحتهم لمواجهة النظام وفضحه، وغلب على هذه النقاشات والمواجهات والتنديدات طابع حقوقي ودستوري وقانوني وغير ذلك، وأصبح لازما على المناضلين الماركسيين – اللينينيين المغاربة دخول هذا المعترك والإدلاء بدلوهم في معركة مصيرية حتى لا تختلط الأوراق وتمر المؤامرة ضد الشعب المغربي.

إن المعركة ولا شك ذات طبيعة قانونية وحقوقية، كما أن الماركسيين – اللينينيين يثمنون عاليا المجهودات النضالية الحقوقية والقانونية في معركة المواجهة هذه، لكنهم لا يقفون عند هذا الحد، ويعتبرون أن البعد السياسي والتاريخي حاضران في معركة المصير هاته، التي يخوضها الشعب المغربي ضد الإبادة والسياسات الإجرامية للنظام في مجال الصحة وغيرها.

إن استعمال الأدوات القانونية والحقوقية لابد أن يخضع لرؤية استراتيجية واضحة تزيل الأوهام والغموض في مجال النضال ضد نظام يشكل قلعة راسخة للرجعية ومعاداة الحرية، وفي هذا السياق لابد من قراءة تاريخية لأهم المواثيق الدولية وسياق نشأتها مع التأكيد على أهم مضامينها.

I – حقوق الإنسان وحقوق الشعوب

إن اللافت للانتباه عند الدراسة التاريخية للوثائق والمواثيق المؤطرة لهذه الحقوق هو كون نشأة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب كانتا متزامنتان ومتكاملتان لأنه لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في مكان يستعبد فيه شعب من الشعوب أو يخضع لسيطرة أجنبية، والحال أن الشعب المغربي يعاني من الأمرين معا. وهذا يتجاهله أو يتناساه البعض في معركة المواجهة مع نظام دكتاتوري له جذور تاريخية في التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية.

1 - تلازم وترابط حقوق الإنسان وحقوق الشعوب وتطورهما:

كما أشرنا أعلاه فإن المفهومان للحقوق قد تم تاريخيا الإعلان عنهما في نفس الوقت، وحصل ترابطهما على مستويات وطنية ودولية.

الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية:

ا – أول نص: إعلان استقلال الولايات المتحدة في 4 يوليوز 1776

مما جاء في هذا النص التاريخي وفي كلماته الأولى:

"كل الناس خلقوا متساوين وزودهم الخالق بعدد من الحقوق غير قابلة للتصرف، من بينها الحياة، الحرية والبحث عن السعادة ..."

ب – ثاني نص: دستور 3 شتنبر 1791

رغم أن وثيقة "إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789"، التي جاءت بها الثورة الفرنسية لم تشر إلى حقوق الشعوب، ورغم أن الثورة الفرنسية قد ساهمت في نشأة فيما سيسمى بحقوق الإنسان ومبادئ القوميات إلا أن هذا لم يتأخر، فسرعان ما استدرك دستور 3 شتنبر 1791 الأمر وأعلن ذلك في إحدى أبوابه حيث جاء ما يلي:

"إن الأمة الفرنسية تتخلى عن القيام بأي حرب بهدف القيام بغزوات، ولن تستعمل أبدا قواتها ضد حرية شعوب أخرى".

ج – ثالث نص: مشروع الدستور الجيروندي فبراير 1793

مما جاء في هذا النص أنه:

 "لا يمكنهم (المقصود جنيرالات الجمهورية) تحت أي ذريعة و في أية حالة حماية، عن طريق السلطة التي يتحملونها، استعمالات مناقضة لحرية ومساواة و سيادة الشعوب ...".

د – رابع نص: دستور اليعاقبة 24 يونيو 1793

في البند 118 جاء ما يلي:

"إن الشعب الفرنسي صديق وحليف طبيعي للشعوب الحرة ...".

نلاحظ هنا أن كل هذه النصوص تعلن في نفس الوقت مبادئ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وتربط بين الحرية والمساواة بين الشعوب.

لقد عرفت أوروبا تراجعا عن هذه المبادئ بعد هزيمة نابليون في واترلو وقيام "الحلف المقدس"، فتمت محاربة أفكار الثورة الفرنسية في كل أوروبا، ولم يعد للشعوب أي حق في المطالبة بالحقوق تجاه الملوك والأباطرة، لكن أفكار الثورة الفرنسية ظلت مستمرة، يحملها المناضلون ومنيرة لطريق الشعوب.

ابتداء من 1830 بدأت شعوب أوروبا تستيقظ عبر ثورات متوالية ضد الحلف المقدس.

2 - ثورات 1848 في أوروبا (ربيع الشعوب)

عرفت أوروبا هبات كثيفة قامت بها الشعوب من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان والوحدة الوطنية والاستقلال، ورغم أن هذه الثورات قد عرفت الهزيمة إلا أنها ساهمت في انتشار الوعي بحقوق الإنسان والشعوب، فبدأت تلك الأفكار تنتشر عبر ربوع أوروبا، واضطرت معها أعتى الرجعيات إلى إدخال بعض أفكارها في دساتيرها، وكان لها أثر كبير في أمريكا اللاتينية خلال حقبة حروب الاستقلال، وأصبحت معها قضية بولونيا وإيرلندا تحظى بالتعاطف، كما تخلصت بلغاريا ورومانيا وصربيا من السيطرة العثمانية التركية. وأصبحت روسيا القيصرية وامبراطوريتها تسمى ب "سجن الشعوب".

3 - النقد الثوري للنصوص المؤسسة: دور الماركسية

في سياق النقد الذي قدمه "البيان الشيوعي" سنة 1848 لإرث الثورة الفرنسية، جاء ما يلي:

"طالما أن العمال لا يتوفرون على الوسائل المادية للحريات المعلنة في 1789، فإن هاته الأخيرة ستبقى بالنسبة لهم شكلية صرفة، فلا يمكن أن تمارس بالكامل إلا بعد انتصار الاشتراكية".

لقد شكل البيان الشيوعي أول وثيقة برنامجية لأول حزب شيوعي في التاريخ، وثيقة دعت إل التحرر، و وجهت نداء إلى الشعوب. وقد أعلن البيان الشيوعي ما يلي:

"إن كل شعب يضطهد شعبا آخر لا يمكنه أن يكون شعبا حرا"

لقد دارت المعارك الإيديولوجية والسياسية منذ منتصف القرن 19 في أوروبا تحت تأثير الفكر الاشتراكي والمعارك الاشتراكية، التي عرفت انتصارا باهرا تخللته محطات خالدة، أولها تأسيس الأممية الأولى، وثانيها ثورة الكومونة في باريس ونشوء الأممية الثانية (خاصة الفترة الثورية من تاريخها).

4 - فترة 1914 – 1918

في هذه الفترة ارتبط مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها باسمان هما ولسن ولينين، الأول في المبادئ الأربعة عشر باسم عصبة الأمم، والثاني فلاديمير لينين باسم الثورة الاشتراكية المنتصرة في روسيا.

بدون الدخول في التفاصيل التي تميز القائد الثوري لينين عن الرئيس الأمريكي ولسن، فإن ثورة أكتوبر البلشفية ستسجل خطوة هامة في مجال حقوق الشعوب، خاصة حقها في تقرير مصيرها.

-إ علان حقوق الشعب العامل والمستغل

  ينص "إعلان حقوق الشعب العامل والمستغل"، الذي تم تبنيه من طرف المؤتمر الثالث الاستثنائي لسوفيياتات روسيا، في بنده الثاني على ما يلي:

"إن الجمهورية السوفياتية لروسيا تتأسس على حرية وحدة الأمم الحرة، باعتبارها فيدرالية لجمهوريات سوفياتية قومية".

أما في الفصل الثالث، البند الأول والثاني، فقد جاء ما يلي:

"معبرا عن إرادته الصلبة في انتزاع الإنسانية من مخالب الرأسمال المالي والامبريالية، اللذين أفاضوا الأرض بالدماء في حرب وحشية لم يسبق لها مثيل، فإن الجمعية التأسيسية تنضم بدون تحفظ إلى السياسة الممارسة من طرف السوفيياتات: التنديد بالاتفاقات السرية، تنظيم التآخي الأكثر اتساعا مع العمال والفلاحين في الجيوش المتحاربة حاليا، والحصول مهما كلف الأمر، عن طريق إجراءات ثورية، تحقيق السلم الديموقراطي بين الشعوب بدون إلحاقات أو تعويضات، وذلك بالاعتماد فقط على حق الأمم في التقرير الحر لمصيرها".

"من جهة أخرى فإن الجمعية التأسيسية تؤكد على القطيعة الكاملة مع السياسة البربرية للحضارة البورجوازية، التي تؤسس ازدهار المستغلين لعدد قليل من الأمم المختارة عل استعباد مئات الملايين من العمال في المستعمرات بشكل عام، وفي البلدان الصغيرة".

من المعلوم، أن الجمعية التأسيسية الروسية التي تمثل مصالح البورجوازية قد رفضت هذا الإعلان الذي صادق عليه المؤتمر الثالث الاستثنائي لسوفييتات روسيا الذي يمثل أغلبية العمال والفلاحين في روسيا، فحسم البلاشفة ازدواجية السلطة لصالح سلطة العمال والفلاحين سلطة المجالس (السوفييتات) وذلك بحل الجمعية التأسيسية ممثلة سلطة البورجوازية.

5 - انطلاق الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة:

مرة أخرى انتفضت قوى الرجعية ومعاداة حقوق الإنسان والشعوب عل يد النازية والفاشية في أوروبا واليابان، فوصل الأمر بألمانيا النازية عندما احتلت جيوشها مدينة باريس، أن قام ألفريد روزنبرغ المنظر الأساسي للحزب النازي بإلقاء خطاب في أحد المدرجات بقصر البوربون أمام حضور كبير لكبار الأعيان النازيين معلنا فيه نهاية أفكار 1789، واستطاعت ألمانيا النازية أن تحتل أوروبا باستثناء انجلترا وسويسرا والسويد، وتشكلت في باقي البلدان المحتلة حكومات حليفة لألمانيا النازية.

انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء، خاصة عن طريق الدور الذي قام به الجيش السوفياتي في دحر الجيوش النازية خلال ما يسمى بالحرب الوطنية العظمى، عندما دخل الجيش السوفياتي عاصمة الرايخ ناصبا العلم الأحمر فوق سطحه، وبعد نهاية الحرب اجتمع الحلفاء في مدينة فرانسيسكو الأمريكية في يونيو 1945 للإعلان عن ميثاق الأمم المتحدة، وفي هذه الوثيقة التاريخية تم الإعلان عن حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بشكل متزامن وفي نفس الوثيقة، وقد جاء في البند 55 من الميثاق ما يلي:

"المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها".

"الاحترام الكوني والفعلي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بدون تمييز في العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين".

بعد الميثاق، أصدرت الأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948 "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، والذي ستتممه نصوص أخرى عن طريق عهدين دوليين تم التصويت عليهما بالإجماع في الجمع العام للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966، والوثيقتان هما:

- "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"

- "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"

إن العهدين معا يضمان نفس البند الأول، وهو:

"كل الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها، حسب الحقوق المنصوص عليها في القانون في التقرير الحر لنظامها السياسي وضمان تطورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".

6 - اجتماع الجزائر ومحاولة صياغة إعلان عالمي لحقوق الشعوب:

في 4 يوليوز 1976، وبمناسبة الذكرى المائتين لإعلان استقلال الولايات المتحدة، قام مجموعة من المفكرين والحقوقيين والتقدميين بمبادرة لتبني إعلان عالمي لحقوق الشعوب، ومما جاء فيه في بنده السابع، وبعد تأكيده على ضرورة الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان باعتبارها أهم الحقوق الأساسية لكل شعب:

"كل شعب له الحق في نظام ديموقراطي يمثل مجموع المواطنين بدون تمييز في العرق أو الجنس أو المعتقد أو اللون، والقادر على ضمان الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية للجميع".

إن كل النصوص والوثائق التي قمنا بالتذكير بها قد شكلت محطات هامة في تاريخ البشرية، ولم تخرج إلى الوجود من فراغ، بل هي حصيلة نضالات الشعوب والطبقات الثورية وطلائعها الثورية، سالت من أجلها دماء غزيرة في كل مكان، وسقط في سبيلها ملايين الشهداء، ومن ينسى مقولة ماركس و انجلز "إن تاريخ الإنسانية إلى يومنا هذا لم يكن إلا تاريخ صراع الطبقات" لا يستطيع أن يضع تقييما سليما لمنجزات الفكر الإنساني على مستوى حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. وسيرى كما رأى أنصار ما يسمى بعد الحداثة، أن كل منجزات التقدم و العقلانية و التنوير قد أدت إلى مذابح و مجازر، و لم تخرج بالإنسانية من الظلامية إلى نور العقل و التقدم، و من هنا بدأ الحكم على مرحلة تاريخية بإفلاسها، فانفتح الطريق نحو التخلي عن تلك القيم لصالح عودة فكر عصور الظلام، فأصبح الداعشي و ما بعد الحداثي  في قفة واحدة كلاهما يشكك في الفكر العلمي وفي القيم الإنسانية الكبرى، والحال أن القراءة التاريخية، التي لا تقوم على علم التاريخ كما أسس له كارل ماركس ورفيقه انجلز تقع في فخ التحريفية التاريخية والردة الفكرية.

لقد قيل إن هذه المبادئ والقيم والمفاهيم الجديدة لم تكن تعني سوى شعوب القارة العجوز، خاصة جهتها الغربية، أو ذات جدور أوروبية كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا إلى حد ما أمر صحيح، وقد بينا في الصفحات السابقة كيف كانت كل فترات الردة عن تلك القيم تتلوها فترات أخرى تعرف تطورا صاعدا للقيم والأفكار، وحتى في فترات الردة تظل تلك الأفكار تلعب دورها كمهماز يحرك أعماق المجتمعات وطلائعها في مواجهتها لأعدائها الطبقيين أو القوميين. فالمرحلة الثورية لسنة 1789 و التي امتدت إلى نهاية القرن 18، تلتها فترة الامبراطورية في فرنسا (فترة نابليون) و استمرت مع عودة آل البوربون و الملكية إلى فرنسا، و بعد فترة قصيرة قامت جمهورية 1848 و لم تدم طويلا، فقام نظام الامبراطورية من جديد عبر انقلاب لويس نابليون، الذي خرج مهزوما في حربه مع ألمانيا لتندلع ثورة الكومونة، التي قدمت نموذجا جديدا للثورة البروليتارية بقيمها الأبدية، و قد قمعت ثورة الكومونة وذبح عشرات الآلاف من أبنائها و بناتها من العمال والفئات الشعبية المختلفة عل يد حكومة فرساي البورجوازية. ورغم الهزيمة وضعت الثورة حدا لنظام الملكية ونظام الامبراطورية، معيدة فرنسا إلى نظام الجمهورية.

لم تذهب أفكار الكومونة سدى، فقد ألهمت الشعوب و الطبقات العاملة للنهوض من جديد، و بعد 34 سنة دشنت الطبقة العاملة الروسية سنة 1905 أولى ثورات القرن 20، تبعتها ثورة فبراير 1917 والثورة البلشفية الخالدة في أكتوبر 1917، التي وصل صداها إلى الطبقة العاملة في القارة العجوز، و انتشرت أفكارها لتلهم شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات، فتحققت إحدى أكبر الثورات في القرن 20، وهي الثورة الصينية والثورة الفيتنامية، كما أدت هذه الأفكار العظيمة إلى نشوء وتطور حركات التحرر الوطني، والتي أدت إلى انهيار النظام الكولونيالي في القارات الثلاث، أمريكا اللاتينية، إفريقيا وآسيا.

إننا ندرك جيدا أن البورجوازية الامبريالية التي تخلت عن هذه الأفكار الثورية، ولم تواصل النضال من أجلها، فعرف القرن 19 استمرار العبودية والإبادة العرقية ونشوء الاستعمار والأبارتايد والتمييز العنصري، والتسبب في حروب همجية كما هو حال الحرب الامبريالية العالمية الأولى والثانية، اللتان ذهب ضحيتهما عشرات الملايين من العمال والفلاحين، واللذين قدموا قربانا للمصالح الاحتكارية للبورجوازية الامبريالية.

إن من يغيب مقولة الصراع الطبقي، وكيف ينشطر الواحد إلى اثنين، لن يدرك أبدا أن استمرار تلك المبادئ والقيم، التي تضمنها الاشتراكية الثورية وحكم الطبقة العاملة لم يعد من مهام البورجوازية بل أصبح من مهام الطبقة العاملة الثورية العالمية وطلائعها المناضلة.

لم تنج أمريكا اللاتينية من السقوط في نفس ما جرى في أوروبا، فرغم حروب الاستقلال عن اسبانيا و البرتغال و بريطانيا، و تأسيس جمهوريات بها، فإنها ظلت قائمة على روابط من نوع استعماري، كانتزاع أراضي الهنود و استعبادهم و وضعهم تحت نظام عبودي، إضافة إلى وضع ملايين الفلاحين في إطار نظام لاتيفونديات، وهي أراضي زراعية شاسعة يخضعون فيها إلى نظام استغلالي  شبه إقطاعي، شبه عبودي، و حتى في أمريكا الشمالية تعرض الهنود، السكان الأصليون في كندا و أمريكا إلى انتزاع أراضيهم و احتلالها و اضطهادهم بل وإبادتهم(أكثر من 80 مليون من السكان الأصليين قد تمت تصفيتهم)، ولم تعرف الولايات المتحدة نهاية العبودية إلا في النصف الثاني من القرن 19.

إن القيم الثورية للنماذج الثورية منذ 1789، ومبادئ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والعمال لا زالت مستمرة إلى حدود عصرنا هذا رغم الهيمنة والتغول الامبريالي، الذي نشر أخطبوطه في كل بقاع الأرض.

إن كل نضال ضد هذا الأخطبوط لا يمكن أن تقوم له قائمة، ولا أن يحقق انتصارات للطبقة العاملة وللشعوب دون استحضار تلك القيم والمبادئ، والعمل على تطويرها الخلاق.

لقد أشرنا إلى كل هذا ليدرك المناضلون الحقيقيون أن النضال من أجل المبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان لا تقوم دون استنادها على حقوق الشعوب والعمال. فلا حديث عن حقوق الإنسان في بلد يحرم من تقرير مصيره بنفسه، وتجثم على صدره أبشع الدكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية.

II - ليوطي ودولة المخزن

عندما دخلت فرنسا إلى المغرب من بابه الواسع عبر عقد الحماية الموقع مع السلطان عبد الحفيظ، وجدت أمامها دولة قائمة بذاتها تدعى المخزن تبسط سلطتها على ما يسمى "بلاد المخزن"، وتفقد أو تتلاشى سلطتها وسط قبائل الجبال، والمناطق النائية، وتدعى هذه المناطق ب "بلاد السيبة"، وتضم ما يطلق عليه بالقبائل السائبة أي غير الخاضعة للمخزن. وللدفاع عن نفسها وأراضيها من أجل كرامتها وحريتها ضد استبداد وتعسفات المخزن، كانت أكبر القبائل المغربية تحمل السلاح، وتدخل في تحالفات وألفاف، وتتشكل أحيانا في كونفدراليات.

من جانبه، يقوم المخزن بحملات تسمى "حركات" (بتسكين الراء) وذلك لفرض سلطته على تلك القبائل، وإرغامها على أداء الجبايات المختلفة، التي يحتاجها القصر السلطاني لضمان رفاهية العيش في القصور، وتأدية حاجيات حاشيته ووزرائه وباقي احتياجات الدولة.

يعتبر الماريشال ليوطي بحق مهندس ومؤسس الدولة المخزنية الحديثة، الذي وضع لها علما و "نشيدا وطنيا"، وأدرك مبكرا أن الاستيلاء على أراضي المغرب وخيراته يمر عبر نزع سلاح القبائل وإخضاعها لسلطة المخزن.

لقد استطاع "عبقري" الاستعمار هذا أن ينجز إخضاعه للمناطق القبلية عبر حملات الجيوش الفرنسية، وسميت هذه العملية ب "التهدئة"، وتمت كلها باسم ظهائر سلطانية موقعة من طرف السلطان. لقد حافظ اليوطي على مظاهر السلطة المخزنية، من قواد و شيوخ و باشوات و كل الأجهزة الإدارية المخزنية و ظل حكم السلطان صوريا و رمزيا، إلى جانب الجهاز الإداري المخزني انتصب جهاز الإدارة الاستعمارية على رأسها المقيم العام الفرنسي و هي التي بيدها السلطة الفعلية.

بعد مقاومات باسلة للقبائل المغربية، التي حملت السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي و كذلك الإسباني دفاعا عن أراضيها، و استمر ذلك إلى حدود سنة 1934، التي سقطت فيها آخر مقاومة في الأطلس الصغير بقيادة باسلام. و استطاع الاستعمار الفرنسي أن ينتزع مئات الآلاف من الهكتارات من أراضي القبائل، التي دمرت بنياتها الأساسية ليتحول العديد من أبنائها إلى يد عاملة في المدن و في المناجم، كما استولى على أهم المناجم، فنتج عن ذلك ظهور صناعة استخراجية و بنيات تحتية و بعض الصناعات الخفيفة في المدن، و ذلك لتأمين استفادته من تلك الخيرات، التي كانت تحتاج إلى يد عاملة مغربية تشتغل في المناجم و الضيعات و بعض المعامل و في بناء الطرق.

 مع بداية الثلاثينيات من القرن الماضي نشأت الحركة الوطنية المغربية البورجوازية، و خاضت الصراع تدريجيا من أجل استقلال المغرب، الذي وصلت به إلى الباب المسدود، من خلال اتفاقية إيكس ليبان الخيانية بعدما فشلت المقاومة المسلحة في المدن، و جيش التحرير الوطني في فرض توجه آخر، لغياب استراتيجية واضحة و ضعف كوادر الحركة الفكري و السياسي، كما أن محاولات بناء حزب الطبقة العاملة المغربية الأولى، ابتداء من ثلاثينيات القرن الماضي هي الأخرى قد باءت بالفشل نتيجة الخط التحريفي الذي ساد وسطها و أدى إلى تسليم قيادة الطبقة العاملة و التحرر الوطني إلى البورجوازية الوطنية الإصلاحية، التي جعلت من عودة السلطان رمزا ل "استقلال" المغرب.

عرفت فترة 1956 – 1960 بداية تعزيز دولة المخزن، التي أسسها المارشال ليوطي و ذلك عبر مجموعة من الإجراءات السياسية و الاقتصادية صاحبتها عمليات اجتثاث المقاومة و جيش التحرير الوطني و تصفية رجال المقاومة الحقيقيين. و عند نهاية هذه الفترة، و قبيل إعلان أول دستور ممنوح من طرف النظام العميل، اقترح علال الفاسي عن حزب الاستقلال و عبد الكريم الخطيب (أحد قادة جيش التحرير) على الحسن الثاني أن يضمن الدستور الممنوح مفهوم إمارة المؤمنين، الذي أصبح مقدسا منذ ذلك الحين من طرف النظام و من يدور في فلكه، و كما هو معلوم فهذا المفهوم يجعل من السلطان الذي أصبح ملكا شخصا مقدسا فوق الدستور و القوانين.

بعد إيكس ليبان خرج الجيش الفرنسي من المغرب، لكن فرنسا لم تغادر، و ظلت حاضرة مسيطرة، تراقب و تتحكم و تحمي أبناءها و خدامها الأوفياء، و إذا كانت قد حكمت إبان الحماية من خلال جلابيب السلاطين، فهي اليوم حاضرة من خلال البدلات و ربطات العنق، التي يتدثرها خدامها و عملاؤها الخلص. لكن الجديد في مرحلة ما بعد إيكس ليبان هو أن الدولة المخزنية تزودت بأحزاب سياسية و نقابات من صناعتها أو قامت بترويضها، و أعطت لنفسها دساتير و برلمان، و أحاطت نفسها بمجموعة  من المؤسسات، و استمرت هاته السيرورة طويلا، تفتق عنها دولة مزدوجة، تقوم على دولة عميقة تشكل المخزن العميق و هو بمثابة النواة الصلبة، التي تتحرك في ظلام الدهاليز، و تتحكم كدولة عميقة في خيوط السيرك الكبير للمخزن، و حول هذه الدولة العميقة  تدور دولة الواجهة التي تشكلها حكومة محكومة تقوم بتنفيذ الأوامر الصادرة عن الدولة العميقة، و لا تمتلك هذه الدولة، التي تقدم إلى برلمان شكلي لا يملك سلطة تشريع حقيقية ،و إلى رأي عام و إعلام متحكم فيه، سلطة القرار، بل تتشكل من خدام طائعين للدولة العميقة.

لقد أعطى دستور 2011 نوعا من الوجود لهذه الازدواجية من خلال صياغته و تدقيقه لما يسمى بمجلس الحكومة و مجلس الوزراء. إن من ينتخبون في الانتخابات التشريعية المتحكم فيها عبر الاستراتيجية السياسية لوزارة الداخلية لا يجدون ما يفعلونه أمام "مجلس الوزراء" ذو الصلاحيات التقريرية، و الذي يضم أغلبية لم يتم انتخابها، مما يجعل كل انتخابات لا قيمة لها في المغرب، و نفس الشيء يقال عن البرلمان الذي لا يتوفر على أي سلطة تشريعية، و في المغرب لا وجود لأي فصل بين السلط التنفيذية و التشريعية و القضائية أحد عناصر وجود الديموقراطية و لو بمفهومها المحدود، يتعلق الأمر إذن بدولة دكتاتورية فوق القانون و خارجه.

إن أغلب المتتبعين للشأن السياسي المغربي، لا يفهمون حقيقة الوضع السياسي في المغرب، فيسقطون أفكارهم و تصوراتهم على واقع المغرب فتراهم يعلنون أن الحسن الثاني مثلا قد شكل حكومة برأس اشتراكي ديموقراطي لما عين على رأسها المعطي بوعبيد القادم من الاتحاد المغربي للشغل و جماعة عبد الله إبراهيم، كما أنهم اليوم يتحدثون عن انتقال المغرب من حكومة إسلامية (حكومة بن كيران ثم سعد الدين العثماني) إلى حكومة لبيرالية علمانية (حكومة عزيز أخنوش الملياردير)، و الحقيقة أن حكومة العثماني لم تكن لا إسلامية و لا غيرها بقدر ما كانت حكومة خدام للقصر، أما حكومة أخنوش فلن تكون لا لبيرالية و لا علمانية،  و ستستعمل هي الأخرى كما استعملت التي من قبلها، حكومة عبد الرحمان اليوسفي، و حكومة بن كيران و العثماني، أي أنه يتم الاستعمال ثم يتم التخلص منها كما يتخلص من الورق الصحي، و هكذا دواليك.

هكذا، و خلاصة للقول، فإن الشعب المغربي لم يستطع إلى يومنا هذا تقرير مصيره، رغم كل التضحيات الجسام و آلاف الضحايا و الشهداء، و يدرك هذا العديد ممن وقعوا على اتفاقية إيكس ليبان، فحاولوا ترقيع الوضع ناسجين أوهاما عن الاستقلال و التحرر، و عن دمقرطة الدولة المغربية القائمة أو السائرة في طريق ذلك.

لقد عرف المغرب مفاهيم محاولات ترقيعية عديدة، حملت أسماء متعددة منها "بناء الدولة الوطنية"، "المغرب الجديد"،   "الانتقال الديموقراطي" العجيب و "المسلسل الديموقراطي" الذي لا ينتهي، "الاستثناء المغربي" و "النموذج المغربي للتنمية"  و"حكومة التناوب" و غيرها، كل هذه المصطلحات رفعتها أحزاب البورجوازية المتوسطة و الصغيرة لتزرع الأوهام في عقول المغاربة و التشويش على وعيهم من خلال إيهامهم بإمكانية تغيير المخزن من الداخل و الحال أن المخزن، الذي ظل واضحا من حيث استراتيجيته و الدفاع عن مصالحه الطبقية، قد أحاط نفسه بالعديد من الطبقات  المضادة للصدأ، كما أن السدود التي وضعها حول نفسه تفتح و تغلق حسب إرادة السلطة العليا المقدسة .

إن لعبة طوم و جيري، التي دارت و تدور بين النظام المخزني الكمبرادوري من جهة، و أحزاب البورجوازية المتوسطة و الصغيرة بكل تلاوينها من جهة أخرى، لا تنتهي، فالفرجة مستمرة و إن أصبحت مملة، و قد أعيت جل محللي الوضع المغربي، ذلك أن هؤلاء المحللين مغاربة أو أجانب المفتقدين إلى منهجية علمية موضوعية، و اللذين يركنون إلى الشكلانية و القياسات المزيفة، و يعتمدون التحاليل الصحافية الكمية، و يجهلون التحاليل الكيفية غالبا ما يصيبهم التشاؤم بعد فترات التفاؤل التي لا تدوم طويلا.

إننا ندعو إلى تجنب هذه المقاربات المختلفة التي لا تفيد في الفهم، فبالأحرى أن تفيد في إنارة الطريق نحو التغيير الجدري الثوري الحقيقي.

III - الأبارتيد الصحي بعد الأبارتيد الاقتصادي و الاجتماعي:

بحلول الذكرى 55 لانتفاضة 23 مارس المجيدة، أصدر النظام الكمبرادوري المغربي ما أسماه بالمرسوم الإطار، يتوخى منه كما يدعي مواجهة كوفيد 19. هكذا أصبح المغاربة ممنوعين من ولوج الإدارات العمومية و شبه العمومية و الخاصة، و ولوج المؤسسات الفندقية و السياحية و المطاعم و المقاهي و الفضاءات المغلقة و المحلات التجارية و القاعات الرياضية و الحمامات و غيرها، و ألزم المغاربة بالمكوث داخل أحيائهم و التزام منازلهم و الإدلاء بشهادة السكن في الحي و الحصول على الإذن من السلطات العمومية من أجل التحرك خارج الأحياء أو التنقل عبر المدن، و أحاط النظام قراراته بغطاء ما أسماه باللجنة العلمية، التي تفتي في القرارات التي يجب اتخاذها.

انتقل الشعب المغربي من فترات مختلفة مر منها ما سمي بالحجر الصحي في ظل حكومة سعد الدين العثماني الإخواني إلى أن ظهرت حكومة عزيز أخنوش الملياردير، فأصدرت قرارا يلزم المغاربة بالتوفر على ما سمي بجواز التلقيح للولوج إلى كل الفضاءات العمومية و الخاصة، مما أسس لما يمكن تسميته بتقسيم المغاربة إلى قسمين، ملقحين و غير ملقحين، مستفيدين من الخدمات و غير مستفيدين منها إلى حد الطرد و المنع من العمل.

لقد أعادت هذه القرارات المغاربة إلى الوراء، ليسترجعوا تاريخ السياسات الاستعمارية الفرنسية في المغرب، عندما قسم الفرنسيون المغرب إلى مغرب نافع و مغرب غير نافع، و أطلقوا اسم بني وي وي (نسبة إلى نعم بالفرنسية) على المغاربة اللذين يقبلون الوجود الاستعماري، و يستجيبون لكل أوامره، كما قسمت الإدارة الفرنسية المدن المغربية إلى أحياء أوروبية و أحياء المسلمين، و امتد الأمر كذلك إلى المؤسسات التعليمية، حيث يقبع أبناء المغاربة في مؤسسات خاصة بهم يطلق على بعضها "كوليج ميزلمان" و مؤسسات أخرى لأبناء الأوروبيين مثل ثانوية ليوطي إلخ ...

و لم تنج السجون هي الأخرى من هذا التقسيم، حيث كانت هناك أحياء خاصة بالمغاربة و يطلق عليها "الحي الشريفي" و أخرى أوروبية و يطلق عليها "الحي العصري".

بالنسبة للسياسات الصحية، كانت الإدارة الاستعمارية تتخذ قرارات، و تلزم بها المغاربة عن طريق الضغط و الإكراه و الحملات الهجومية على الأسواق والأحياء بشكل مفاجئ لفرض التلقيح مثلا ضد مجموعة من الأمراض (للمزيد من المعطيات انظر "أزمة الرأسمالية العالمية و الصراع الطبقي البكتريولوجي ..." خاصة الملحق، الذي يحمل عنوان "الأوبئة في تاريخ المغرب، محاولة تركيبية مختصرة").

إن استعمال القياس بشكل بسيط و عفوي، جعل المغاربة يكتشفون أن لا شيء تغير في العمق، فالدولة التي أسسها المارشال ليوطي أول مقيم عام فرنسي في المغرب لا زالت مستمرة، و إن غيرت الأفعى جلدها، بل زادت سما، ف "بني وي وي" فرنسا الأمس هم "العياشة" اليوم، اللذين يباركون للنظام خطواته ليل نهار، و الجواز الصحي للدخول إلى الحي الأوروبي أيام فرنسا الاستعمارية وما يسمى ب "البرمسيون" يعني الإذن بالسفر، هو الجواز الصحي اليوم لولوج المرافق العمومية و شبه العمومية و الخاصة ...و الإذن بالسفر من طرف السلطات.

أما التعليم فيخضع إلى نفس التقسيم، أبناء الأغنياء والبورجوازية في أعلى المعاهد الخاصة و الأوروبية، و أبناء الكادحين و العمال و الفلاحين مكدسون في المدارس العمومية و الجامعات المنتجة للبطالة. و تخضع المؤسسات السجنية إلى نفس المنطق الاستعماري التقسيمي، حيث التمييز بين الأغنياء و الفقراء، و قد انضاف إلى الأمر وضع غير الملقحين في زنازن انفرادية نكاية بهم، و إلى جانب تقسيم المغرب إلى مغرب نافع و مغرب غير نافع، تخضع أغلب مناطق المغرب إلى سياسة الاستعمار الداخلي، ( تعني عدم المساواة السياسية و الاقتصادية البنيوية بين مناطق البلد، يستعمل هذا المصطلح لوصف التمييز و الفصل القائم بين المركز المسيطر و أطرافه، و تخضع الأطراف إلى اخضاع عن طريق القوة المادية و النفسية، بل أحيانا عن طريق استعمال العسكر ضد المنطقة، و تساهم عوامل أخرى في هذا التقسيم، كعامل اللغة و الثقافة و مستوى التطور الاقتصادي و الاجتماعي، بمعنى آخر، فإن استعمال مصطلح الاستعمار الداخلي يسمح بوصف التطور الاقتصادي غير المتساو على أساس مناطقي، كما يسمح بوصف مجموعات أقلية تخضع للاستغلال الاقتصادي والاضطهاد السياسي) .

لقد انتقل المغرب من حالة الاستعمار المباشر إلى حالة الاستعمار الجديد بعد خروج الجيوش الفرنسية من المغرب، فلم يعد عقد الحماية ضروريا للبقاء الفرنسي، لكن، فوجئ المغاربة يوم 10 دجنبر 2020 بعودة نفس السياسة بعدما وقع النظام الكمبرادوري عقد حماية جديد مع الكيان الصهيوني، مبارك من طرف الامبريالية الأمريكية، و منذ ذلك الحين بدأ ت الأراضي تسلم للكيان الصهيوني العنصري و مجالات الاستثمار الأخرى، و عرفت العلاقات العسكرية و الأمنية تطورا كبيرا مع الكيان الصهيوني إلى حد أن أصبح رموز الكيان الصهيوني يبدون في كل مناسبة و غير مناسبة عن كون المغرب خط أحمر، و سيدافعون عنه، و يقصدون بذلك الدفاع عن النظام، و قد قام هذا الأخير بحملات واسعة للتغطية عن عمله الإجرامي بادعاء أن ذلك من صميم الوطنية، و انطلقت الأبواق المأجورة للنظام و آلاف الذباب الإلكتروني و "العياشة" بتبرير ذلك باسم الوطنية و الدفاع عن الصحراء، و وصل احد بهؤلاء العملاء إلى تخوين كل من يرفض ترسيم العلاقة مع الكيان الصهيوني، الذي كادوا أن يعتبروه شقيقا أو قل يعتبرونه شقيقا.

كثير من المحللين يقفون عاجزين عن فهم ما يجري داخل التشكيلة لاقتصادية والاجتماعية المغربية، و تراهم يضربون ذات اليمين و ذات الشمال، و ينتهي بهم الأمر إلى اليأس. و الحال أن هذه التشكيلة ذات طبيعة مركبة، يختلط فيها التاريخي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي حد التشابك، نتيجة عوامل تاريخية متوالية تتمثل في فشل المقاومة المغربية الأولى للاستعمار في الجبال و السهول، ثم الفشل الثاني للمقاومة المدينية بقيادة البورجوازية الوطنية المغربية ذات المنحى الإصلاحي، و ما تفرع عنها من مقاومة مسلحة مدينية و تأسيس جيش التحرير الوطني بقيادات بورجوازية صغيرة، و نهاية خيانية على موائد إيكس ليبان،  ثم استئناف المقاومة و المواجهة لنظام الاستعمار الجديد، من 1959 إلى 1965 (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) و قيام انتفاضة 23 مارس 1965، التي تلتها نشأة الحركة الماركسية – اللينينية المغربية و مقاومتها للنظام 1970 – 1980، و انزلاقها التدريجي نحو الإصلاحية و التحريفية، ثم الحل العملي لتنظيماتها (1980 – 1994) و معاناة الشعب المغربي من غياب تنظيماته الثورية منذ فشل التجربة الثانية لبناء الحزب الثوري الماركسي – اللينيني، و تخلي النخب المثقفة عن المشروع اليساري الثوري، كل هذا، و رغم كل الانتفاضات التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر، و القمع الوحشي الذي تعرضت له، فلا زال الشعب المغربي يقاوم و ينتفض، لكن مقاومته و انتفاضاته تنتهي دائما بالفشل لكون هذا التاريخ ينزل بثقله و يظل لغزا غامضا طالما لم يجد طليعة مثقفة و ثورية تستطيع فك خيوطه و تفتح الطريق نحو الانتصار على نظام دكتاتوري غارق في الرجعية يعيد إنتاج نفسه باستمرار. إن غياب الأداة الثورية منذ 40 سنة على الأقل، له تاثير كبير على مسار الثورة المغربية.

من الطبيعي، أن تجد أن المغرب تتجمع فيه و تتشابك و تترابط كل الوقائع الدالة على وجود مشهد مركب، تتعايش فيه حالات الاستعمار (المناطق المغربية المحتلة) و الاستعمار الجديد (تعتبر التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية المغربية تشكيلة تابعة) و الاستعمار الداخلي (انظر التعريف أعلاه) و وضعية حماية (تجاه فرنسا و الكيان الصهيوني ...) و حالة أبارتايد اجتماعي و اقتصادي منذ منتصف الثمانينات (سياسة التقويم الهيكلي) و أبارتايد صحي منذ انطلاق ما سمي بالحجر الصحي في مارس 2020.

إنها الحالة المركبة للمغرب، الذي يحكمه نظام كمبرادوري استطاع أن يحافظ على إرثه الإقطاعي و الاستعماري، و أن يدمجها بالتقنيات الحديثة للتحكم في الشعب و نهب خيراته نهبا بابليا لاحد له.

تروج الفئات المسيسة من البورجوازية الصغيرة و المتوسطة لعديد من المصطلحات، التي تسقط في  الأوهام عندما تكثر من استعمال مصطلح فساد لنعت الواقع في البلاد سياسيا و اقتصاديا، في حين أن هذا المصطلح ليس علميا البتة، بل ذو طبيعة أخلاقية و شخصية، كما لون أن تغيير الأشخاص سيصلح هاذا "الفاسد" من الاقتصاد و السياسة، و هذا يؤدي إلى طمس الحقيقة الجوهرية المرتبطة بالطبيعة الطبقية للنظام الاقتصادي و السياسي القائم، و لذلك تجد من يسمون أنفسهم بإسلاميين أو ليبراليين و حتى يساريين يستعملونه كيفما اتفق، و الحال أنهم جميعا يقبلون بالنظام الاقتصادي و السياسي القائم مقابل أو بدون مقابل ترميمات، فالمهم الحصول على مكاسب شخصية أو فئوية .

إن الفساد و غيره، ليس سوى تمظهرات سطحية معبرة عن وجود أسباب جوهرية عميقة تعود بشكل أساسي إلى طبيعة التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية المغربية التابعة، حيث السيادة لرأسمال امبريالي – كمبرادوري، تقوده كتلة طبقية كمبرادورية سائدة، تتشكل نواتها الصلبة من شريحة عليا على رأسها الأسرة المالكة تتحكم في نظام سياسي دكتاتوري.

لقد سبق و أن حللنا هذا (انظر "الصراعات الطبقية في المغرب و حركة 20 فبراير..."). إن تفسيرنا للسياسات الاقتصادية و الاجتماعية للنظام الكمبرادوري و هجومه الشرس على مصالح الجماهير الشعبية، و نهبه النهم لخيرات البلاد في الأرض و باطن الأرض و البحر يحكمه قانون تراكم الرأسمال الامبريالي – الكمبرادوري في بلدنا، فالحديث مثلا عن ارتفاع أسعار المواد الأولية  لا يمكن فهمه خارج إدراك أن حوالي 85% من صناعة المواد الأولية تملكها النواة الصلبة للكتلة الطبقية السائدة، فعندما تعلن ما يسمى بالحكومة عن الزيادات في الأسعار فذلك ليس إلا تطبيق لأوامر عليا  لا يملك فيها الوزراء أي اختيار، بل ليس عليهم إلا التنفيذ و التنفيذ دائما .

IV ــ واجهتي الصراع الطبقي : الحرب الاقتصادية الطبقية و الحرب البكتريولوجية الطبقية

إن سيرورة تراكم الرأسمال الامبريالي – الكمبرادوري في بلادنا تتأثر بشكل كبير بعاملين أساسيين:

1- تأثير انتشار كوفيد 19 في تعميق أزمة الرأسمالية العالمية نتيجة توقف العديد من القطاعات الإنتاجية و التجارية و انعكاسها عل حلقتي الإنتاج و التبادل، و تأثر قانون العرض و الطلب بذلك زاد منه الخلل الذي أصاب وسائل النقل العالمية. لقد أصبحت الدول الرأسمالية الكبرى مهددة بالندرة و الخصاص فيما يتعلق بالمواد الأساسية، كما أن جميع المواد و البضائع بدأت تعرف ارتفاعا صاروخيا في الأسعار. إن هذه الأوضاع نفسها ساهمت في ارتفاع صاروخي في أثمان البترول و الغاز، و تتهيأ كل الدول الرأسمالية الكبرى لاستقبال هذا الوضع الجديد غير المسبوق و الخطير في نفس الوقت على استمرارية النظام الرأسمالي. إن الأنظمة الرأسمالية التابعة في سياستها الاقتصادية لمراكز الرأسمال العالمي ستتأثر بشكل كبير، و سينعكس ذلك على سياسات الاستيراد و التصدير في البلدان التابعة.

في هذا الإطار دخلت مرحلة الحرب الاقتصادية الطبقية ضد الشعب المغربي و فئاته الكادحة مرحلة جديدة ستعمق مسلسل الأبارتايد الاقتصادي و الاجتماعي الذي تعيشه البلاد. هكذا أعلن قانون المالية لسنة 2022 عن مجموعة من التدابير تروم رفع الدعم تدريجيا عن السكر و التقليص من حصة الدقيق الوطني للقمح اللين، ثم التحرير الكلي للحصة المحددة من الدعم للقمح اللين و السكر القالب و المجزأ و 50% من غاز البوتان في سنة 2023.

لاستنزاف آخر ما تبقى من مدخرات الجماهير الشعبية، التي قضت عليها مرحلة الحجر الصحي المفروضة دكتاتوريا، أطلق العنان لما يسمى بحرية الأسعار، و هكذا، و في خضم انتخابات النظام "التشريعية" ثم بعد إطلاق ما يسمى بجواز التلقيح، أطلقت حكومة النظام بطريقة مكيافيلية سلسلة من الزيادات في أسعار المواد الأساسية بالنسبة لحياة الجماهير من قبيل "الماقارونية" و العدس و الفول وعلب السردين و قمح الفينو و السميد ...

و في سياق هذا الهجوم تمت إضافة و الزيادة في الضرائب الداخلية على الاستهلاك، سواء منها المطبقة على المنتجات أو الآلات و الأجهزة التي تشتغل بالكهرباء من قبيل الثلاجات و المجمدات وآلات الغسيل و المصابيح، وتنحصر الزيادات في ما بين 100 و 500 درهم.

أما الضرائب الداخلية على الاستهلاك المطبقة على الآلات الإلكترونية و البطاريات من قبيل التلفاز و الحواسيب المحمولة و المستعملة في المكاتب و الألواح الإلكترونية و الهواتف المحمولة، فستكون الزيادة ما بين 100 و 200 درهم.

إن هذا الهجوم المعلن و الإجهاز على القدرة الشرائية للمغاربة، الذي يخدم اللوبيات و الفئات البورجوازية الكمبرادورية المتحكمة في القطاع الغذائي، و في قطاع إنتاج ا لآلات و الأدوات المستعملة في البيوت، لهو هجوم شرس و حرب طبقية تمس المواد الأساسية و غيرها المعتمدة في أطباق و بيوت الأسر المغربية التي يتميز وضعها بالهشاشة، و نعني بذلك وجودها في حالة فقر و معاناة من غلاء المعيشة و العجز عن القيام بتحاليل كوفيد 19، في ظل أوضاع تتميز بارتفاع أثمان الأدوية و تكشير المصحات الخاصة عن أنيابها و رفعها من أثمان العلاج بشكل خيالي.

سيتم أيضا فرض مساهمات ضريبية على مختلف الدخول عبر الاقتطاعات من الأجور.

إن هذا الهجوم الطبقي الشرس، والذي لم تظهر بعد كل عناصره ليهدد بتحويل المغرب إلى ساحة حرب طبقية واسعة النطاق.

2 – وصول مديونية المغرب إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، يمارس النظام التعتيم حولها مما جعل الاقتصاديين و الصحافة المختصة تختلف في تقييمها للأرقام التي وصلتها المديونية. كل هذا يقع في ظروف تتميز بتدهور كل المؤشرات على الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و التنموي للبلاد، و هو ما تؤكده كل النشرات و الأوراق الصادرة عن المنظمات الدولية. و هناك حديث عن فراغ خزينة الدولة و تراجع كبير في احتياط العملات. إن هذا هو الوضع الذي يحكم الدولة الكمبرادورية بمؤسسات و صناديق التمويل، التي تقترض منها، و يساهم ارتفاع الفوائد و زيادتها باستمرار في تعميق أزمة النظام. لقد أعلن النظام نفسه عن فشل مشروعه التنموي المسمى "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، و إطلاقه لمشروع آخر أسماه "النموذج التنموي الجديد".

عموما، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن عجز ميزانية المغرب قد تضاعف تقريبا خلال سنة 2020 بانتقاله من 46،5 مليار درهم إلى 180 مليار درهم، أي ما يمثل 7،6% من الناتج الداخلي الخام.

أما معدل المديونية العمومية الشاملة في المغرب، فقد انتقل من 80،4% من الناتج الداخلي الخام سنة 2019 إلى ما يزيد عن 94% من الناتج الداخلي الخام سنة 2020.

لقد دخل معدل المديونية العمومية في المغرب مرحلة خطيرة، لحد أن ثلاث أشهر وكالات دولية للتنقيط و هي: ستاندارت أند بورس، فيتش، موديس، قد عبرت عن تخوفاتها من المستوى الذي وصلته المديونية العمومية الشاملة للمغرب، و قامت بتنقيطه في الاتجاه السلبي.

حسب المعايير المتعارف عليها دوليا، فبلد كالمغرب لا يجب عليه أن يتجاوز حاجز 60% بالنسبة لمديونيته، و هو السقف الأعلى الذي لا يجب أن تتجاوزه المديونية.

إن مسار الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي الذي ساهم كوفيد 19 في تعميقها، لسائر نحو التعمق أكثر، بما يهدد بحالة غير مسبوقة، يقف أمامها كل اقتصاديي العالم عاجزين عن التنبؤ بمستقبلها و لو ليوم واحد، و الظاهر أن الشهور المقبلة تنبئ بالأسوأ إلى حد أن هناك حديث عن دخول البلدان الرأسمالية الكبرى مرحلة خصاص مخيفة ستعرف الأسعار خلالها زيادات قياسية.

لقد بدأ المغرب يعرف انهيارا لصادراته من المنتجات و الخدمات، من بينها تراجع مبيعات السيارات و أجزائها، و نفس الشيء يحصل بالنسبة لتصدير لوازم اللباس  و الأجزاء الخاصة بالطيران. و يعرف قطاع السياحة الذي يمثل 12% من الناتج الداخلي الخام و الشغل أزمة خانقة، بحيث انهارت نسبة 22% من مداخيله العامة نتيجة إغلاق الحدود و الحد من التنقل الذي صاحب كوفيد 19.

كل هذه العوامل التي لم نرد التفصيل فيها، تدفع في اتجاه دخول المغرب سنوات عجاف تكذب كل وعود الحكومة، و تؤشر للأسوأ في مجال الأسعار و المزيد من فرض الضرائب و زيادة معدل البطالة و فقدان مناصب الشغل و إفلاس آلاف المقاولات المتوسطة و الصغيرة (حوالي 20 ألف).

3 – حرب الإبادة و فضائح النظام الكمبرادوري خلال الحجر الصحي:

لقد سارعت حكومة اخنوش وبطريقة ماكيافيلية مرة أخرى بعد قرارات التراجعات الجزئية فيما يخص استعمال جواز اللقاء، بسحب مشروع قرار من البرلمان خاص بالإثراء الغير القانوني، ولعل وراء الأكمة ما وراءها خاصة ورئيس الحكومة متهم بسرقة 17 مليار درهم وصديقه الحزبي وزير الصحة متورط حتى النخاع في العديد من الصفقات خاصة المتعلقة بكوفيد 19. وسوف نكتفي هنا بوزارة الصحة لنرى أعمال الوزير المكلف بإبادة الشعب المغربي.

أ – فضيحة الشركة الغامضة ماروك فاكس:

ارتبط اسم هذه الشركة بشخص يدعى سمير مشهور، الذي يقدم نفسه بأسماء مختلفة حسب الأماكن و الأوقات، فتارة يسمي نفسه الدكتور مشور، و تارة أخرى سام مشور، و في حالة أخرى أصبح ماك هور كما يقول بالانجليزية أيام(أنا) ماك هور، و تظهر التحقيقات أن الرجل اسمه سمير مشهور، أصله من مدينة القنيطرة حاصل على البكالوريا و قضى سنة واحدة في كلية العلوم بمدينة الرباط ، أبوه شرطي الوظيفة، و هاجر إلى كندا، حيث حصل على ماستر لا علاقة له بالبحث العلمي و لا بالطب، و لم يحصل على أي دكتوراه في أي مجال من المجالات، رغم أن الإعلام المخزني  يقدمه  كدكتور و كبطل قومي، حيث يستقبل كضيف شرف في برامج تلفزيونية، باعتباره الرجل الذي لعب دورا أساسيا في تزويد المغرب باللقاحات.

من المعلوم أن الإعلام المخزني، بما فيه إعلام وزارة الصحة يظل صامتا حينما يتعلق الأمر بكيفية ذلك، و تحت أي مسمى، فلا شيء تسرب عن ذلك تفصيليا و بشكل رسمي، و إنما الأمور يتم الحديث فيها في الغرف المظلمة، و هذا ما أدى ببعض المواقع المختصة في التحقيقات الصحافية مثل موقع "دسك" إلى القيام بتحقيق في الموضوع ليتأكد أن العملية هي عملية دولة تختفي وراءها مصالح خاصة مستفيدة من سوق تسيل اللعاب عبر تداول من الداخل ملفوف بالغموض و الأسرار، و هي جريمة يعاقب عليها القانون في جميع دول العالم.

لقد تبث أن هناك استعمال للمعلومات و الموقع لصالح طرف خاص ضدا على قوانين المنافسة العاملة في القطاع. و هنا يظهر البطل القومي المسمى سمير مشهور، الذي يحتل منصب نائب رئيس "سامسونغ بيولوجيك"، و الذي رفض الجواب عن أسئلة موقع "دسك"، الذي استمر في التحقيق، فتبين له أن السيد سمير مشهور قد دخل في شراكة مع "ماريتا كروب"، الهولدينغ، الذي يمتلكه رجل الأعمال رحال بولغوت ذو الجنسية المزدوجة مغربي – إيطالي، وقد أصبح سمير مشهور المسير الوحيد للشركة التي ستحمل اسم "ماروك فاكس".

باعتباره كذلك، دخل سمير مشهور في شراكة مع مختبر صيني لاستيراد اللقاحات، و سيكلف خالد آيت الطالب وزير الصحة السيد ماك، عفوا سمير مشهور، عبر رسالة موقعة بتاريخ 18 أبريل 2020، بتلك المهمة، أي قضية دولة لصالح شركة خاصة، و يظهر من تصريحات مشهور أن الرجل كان على اتصال مع شخصيات متعددة، من بينها بن شعبون و بوريطة، و نور الدين بوطيب و آخرون من الأجهزة النافذة، و عندما طرح السؤال حول وجود هذه الشركة أنكر السيد مشهور وجودها إلا أن الوثائق و الوقائع تكشف عكس ذلك.

في أبريل 2020، أمضى السيد مشهور اتفاقا مع "يوكسي واتسون" و هو مختبر صيني، من أجل استيراد و توزيع و بيع اللقاحات، فحصل الاتفاق على توزيع مليوني جرعة خاصة بالأطفال سنويا من طرف شركة "ماروك فاكس"، كما تم اتفاق على أن تقوم الشركة بما يسمى ب "فيل أند فينيش" لنفس المنتوج ضمن عقد جديد، و ذلك في إطار المنافسة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، و الحال أن شركة "ماروك فاكس" ستحقق من هذا المشروع مليار و 700 مليون درهم اعتبارا لعدد الوحدات (مليونين) المضروب في ثمن الوحدة ( 854 درهم للواحدة ) مما يعطي بالضبط مليار و 708 مليون درهم، و نقف عند هذا الحد فيما يتعلق بالفضيحة الأولى، التي تمت في سرية تامة، و يتبين للجميع مدى وطنية وزير الصحة و أمثاله من العصابة المتحكمة في وزارة الصحة.

ب – تقرير المهمة الاستطلاعية لمجلس النواب حول الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة منذ ظهور كوفيد 19:

إن الفضيحة الثانية التي لا يستطيع "الوطني الممتاز" وزير لا صحة المغرب أن يقف في مواجهتها، بعدما دعاه أصدقاؤه في البرلمان للحضور فلاذ بالفرار و بالصمت المطلق إلى يومنا هذا، و التي لا يستطيع حتى ذباب النظام المخزني بمبرر "أن الجزائر هي من وراء ذلك" أن يعترف بها، فقد جاءت من شاهد من أهلها عن طريق التقرير الذي تقدمت به المهمة الاستطلاعية لمجلس النواب حول الصفقات، التي أبرمتها وزارة الصحة خلال فترة كورونا.

لقد رصد التقرير العديد من المعطيات الصادمة حول الاختلالات التي مست عملية تدبير صفقات عمومية بملايير الدراهم. هكذا، تم تسجيل خروقات تمس القانون الذي يمنع المقاولات غير المصرح بها  و غير المسجلة لدى وزارة الصحة من الاشتغال في سوق الدواء و المستلزمات الطبية، فوقفت اللجنة المكلفة عل أشياء كثيرة، من قبيل عدم حصول عدد من الشركات المتعاقد معها عل الترخيصات القانونية الضرورية المنصوص عليها في المادة 7 من القانون، بينما العشرات من الشركات تم حرمانها من الولوج إلى الطلبيات العمومية، و سجلت اللجنة كذلك، أنه خلال فترة كوفيد استفادت 45 شركة دون شواهد التسجيل، مما يعتبر حسب نفس اللجنة ضربا لمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص، و أعطت اللجنة أمثلة عن وضعية الصفقات التفاوضية من خلال بعض الأمثلة منها الصفقة التفاوضية رقم 29، الخاصة باقتناء الكواشف و التحاليل السيرولوجية و قيمتها 21 مليار درهم لم يتم تأدية إلا 158 مليون درهم منها، و الباقي ظل مجهول المصير و المسار، حيث لا تعرف الجهة التي حط فيها أو رسي فيها، ثم أعلنت اللجنة أنها اكتشفت أن جزءا كبيرا من الكواشف و التحاليل السيرولوجية شبه منتهية الصلاحية و  لا تتعدى مدة صلاحيتها سوى شهرين فقط . هكذا انتهت صلاحية جزء كبير منها بتواريخ 14 يوليوز 2020، 1 غشت 2020، و 8 غشت 2020.

إن إبرام الصفقة كان بتاريخ 14 ماي 2020، أي يتعين أن يكون ثلث التحاليل تفوق مدة صلاحيتها سنتين كاملتين، مما يعني أن الصفقة كانت على شكل خرذة. و قد تم تنفيذ الجزء الأكبر من الصفقة مما يعرض صحة و سلامة المواطنين إلى الخطر، و لا يتعلق الأمر هنا بسلامة الكواشف فقط، بل كذلك بمدى صحة و سلامة نتائج الفحص، و لاحظ التقرير أنه بعد كل هذا تمت العودة إلى نفس الشركة لعقد صفقات جديدة لعلها شركة "ماروك فاكس" المذكورة فضائحها أعلاه، مما يعني وجود رصد و سبق إصرار.

بالنسبة للصفقة التفاوضية رقم 58، بمبلغ أزيد من 62 مليون درهم لنفس الغرض فتعاني هي نفسها من نفس الاختلالات، و ينطبق الأمر كذلك على الصفقة رقم 91 بقيمة 2363346،36 درهم، و الصفقة ذات صلة بلوازم الكواشف، و الحال نفسه بالنسبة للصفقة رقم 15 بمبلغ 1014444 درهم (مصدر كل هذه المعلومات هو مقال تحت عنوان: "تقرير برلماني يفجر فضائح" صفقات وزارة الصحة خلال تدبير جائحة كورونا، عبد الرحيم العسري،  15 يوليوز 2021، هسبريس.

- ج - تدبير الجائحة أم حرب إبادة : أدوات الجريمة

ما أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تحول كوفيد 19 إلى جائحة عالمية، و ظهور حالات الإصابة الأولى، حتى أعلن النظام الكمبرادوري عن حالة الطوارئ الصحية، التي تحولت إلى حالة حجر صحي شامل صاحبته منذ البداية تعبئة شاملة لكل القوى القمعية في البلاد، التي بدأت تستعرض عضلاتها في مداخل المدن و بين شوارعها و أزقتها ناشرة الرعب و جو الإرهاب في نفوس المواطنين، زاد من حدته التحرك الدائم لجيوش المقدمين و الشيوخ و القواد و البلطجية. لقد ظهر منذ البداية أن المقاربة أمنية- قمعية، و ساد جو الإرهاب ليل نهار تذكر به كل ساعة و حين صفارات الإنذار تطلقها سيارات الوحدات القمعية.

لقد ظهر جليا أن اختيار النظام يتمثل في خوض حرب طبقية حقيقية ضد جماهير الشعب المغربي، انطلقت مع انطلاق ما يسمى "الطوارئ الصحية" التي ما زالت مستمرة، و قد مست أغلب المواطنين في قوت يومهم من خلال فقدان مناصب الشغل و إصابة مشاريعهم الصغيرة و المتوسطة بالإفلاس و معاناتهم من غلاء المعيشة و الارتفاع الصاروخي للأسعار...

أمام هذه الأوضاع المتردية و القمع الوحشي تفجرت نضالات الجماهير في كل مكان و في كل القطاعات، لكن النظام واجهها بالقمع الوحشي و بالاعتقالات، و تحت مبرر جائحة كوفيد 19 أصبح كل بصيص من الحريات الديموقراطية  و الأساسية منعدما، فقد أظهر النظام وجهه الدكتاتوري الحقيقي، فتحولت البلاد إلى فضاء يمارس فيه دكتاتوريته بكل عنجهية و احتقار للمواطنين.

- "اللجنة العلمية" ورقة توت في يد النظام الكمبرادوري

بعدما أعلن النظام حالة الطوارئ الصحية، التي تحولت بقوة الواقع إلى أحكام عرفية، و أعدم كل بصيص من الحريات الديموقراطية و الأساسية، أعلن النظام من خلال وزارة الصحة أنه شكل لجنة "علمية" يستفتيها في أمور تدبير الجائحة، و ذلك لإعطاء نوع من المصداقية لقراراته الدكتاتورية. و بالفعل تحولت هذه اللجنة الغامضة في كل شيء إلى أداة من أدوات الدكتاتورية لممارسة حرب بيولوجية ضد الشعب المغربي. و في ظل الأوضاع المغربية المتميزة بالازدواجية لدى السلطة المخزنية، فمحور الداخلية هو الذي يقرر، لأن الداخلية وزارة سيادة أعلى من سلطة وزارة الصحة، و بالتالي فالقرار يتوجه إلى وزارة الصحة لتنفيذه، و بدورها تتوجه هذه الأخيرة إلى اللجنة المسماة علمية لكي تقول كلمة في الأمر، أي أن تكرر توجيهات وزارة الصحة التي توجهها بدورها وزارة الداخلية، و بطبيعة الحال لا تملك إلا الاتفاق عليها، و بعد ذلك تنقل الأمور إلى رئاسة الحكومة، التي تصادق عليها و تعلنها قانونا يطبق عل المغاربة خارج أي شرعية قانونية أو حقوقية أو دستورية أو دولية، فتنطلق الأجهزة القمعية لفرضها بالقوة و العنف و تغريم المخالفين، و منعهم من التنقل و العمل .

إن وزارة الداخلية كما هو معلوم وزارة "سيادية" بلغة النظام، بمعنى آخر تابعة لرأس النظام، و منه تكتسب شرعيتها المباشرة، و لا علاقة لها بالانتخابات أو غيرها. أما وزارة الصحة فهي بؤرة تنطلق منها سياسات تأزيم الأوضاع الصحية للمغاربة، و تخضع بدورها للتوجيهات العليا المستمدة من توجيهات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و قد أصبحت وزارة الصحة مركز مافيات تتاجر بصحة المواطنين عبر إبرام الصفقات التي تعد بالملايير، فليس غريبا أن تقال بسرعة خارقة وزيرة الصحة الجديدة و إعادة الوزير السابق إلى مكانه، و ذلك لضمان سلاسة و تدفق الأموال و سرية العمليات. و تقدر الأموال المنهوبة على أقل تقدير بما يزيد عن 17 مليار درهم. ومن المعروف أن العديد من الشركات العالمية المنتجة للأدوية تقوم بتجريب أدويتها في المغرب.....

 -"اللجنة العلمية": علماء أم عملاء؟

إن اللجنة المسماة علمية، ليس لها من العلم إلا الاسم، يترأسها شخص أستاذ في كلية الصيدلة لا علاقة له بموضوع الفيروسات( الفيرولوجيا)،  منذ تأسيسها لم تفصح اللجنة عن أعضائها الأشباح، و لا عن مضمون اجتماعاتها، و لا تقوم بأي دور تنويري للناس عبر الإعلام السمعي – البصري الذي يؤدي المغاربة الضريبة عنه، و بالإضافة إلى غياب الشفافية لأعمالها، تنم بعض التصريحات لأعضائها عن استهتار بصحة المواطنين و رفض تحمل مسؤولية نتائج اللقاحات المستعملة و التي ما زالت كلها في طور التجريب، و لم تبلغ اللجنة نتائج التلقيح التجريبي الذي طبق على مئات المغاربة، و ترفض لحد الآن الاعتراف بالنتائج المعلنة من طرف المواطنين، و التي تشير إلى وجود وفيات كثيرة و أمراض و إعاقات مختلفة، من قبيل الشلل و تختر الدم و الإصابة بالوهن وضعف المناعة، و الإصابة بكوفيد 19 رغم التلقيح، و قد ازداد الأمر خطورة مع إعلان التلقيح الثالث، حيث ينشر المواطنون بالصوت و الصورة أخبار الوفيات و الشلل و غيرها من الأمراض كل يوم . أمام كل هذا، ظلت اللجنة العلمية صماء، تختبئ وراء الصمت المطبق بأسلوب المافيات الإجرامية.

إن اللجنة المسماة علمية أداة إبادة إجرامية في يد النظام الكمبرادوري، كغطاء لسياساته الوحشية، أداة يبرر بها حربه الطبقية الإبادية البيولوجية، التي يخوضها ضد الشعب المغربي.

إن هؤلاء العملاء و الخونة و العلماء المزيفون "العياشة"، اللذين يلمون المال لما بالمتاجرة بمآسي الشعب المغربي ليستحقون أن يندد بهم، بل أن يقدموا للمحاكمة.

- حكومة الكراكيز و الدولة العميقة:

إن المتتبع للنقاش الدائر حاليا حول موضوع التلقيح و فرض جواز التلقيح، ليجد تناقضا حادا في لغة بعض المعارضين، لأنهم لا يضعون الأمور في سياقها الحقيقي، فجل المتدخلين يتحدثون كما لو أن المغرب دولة ديموقراطية تنطبق عليها كامل عناصر و مقومات الدولة الديمقراطية، علما أن دولة منافقة كهذه من عاداتها أن تلهف كل المطالب العادلة و تفرغها من مضمونها، سواء تعلق الأمر بحقوق الإنسان أو الحديث عن الديموقراطية و ما يسمى بالدولة الديموقراطية الحداثية أو الحديث عن البيئة و التنمية المستدامة، فدولة كهذه لا تعترف  لا بالحقوق و لا بالمطالب ولا بحرية التعبير و التنظيم.

إن من لا يضع هذه الدولة ضمن إطار تحليلي واضح، لن يدرك أبدا أن وزارة الصحة و ما يسمى باللجنة العلمية، ليستا إلا امتدادين للمديريات و اللجن الصحية الاستعمارية، التي كانت تتعقب الناس و تضع بالنسبة للمغاربة جوازا صحيا للدخول إلى الأحياء الأوروبية. إن عدم إدراك طبيعة هذه الدولة و نظامها السياسي لن يدرك أن اللجنة المسماة علمية ليست إلا أداة من أدوات الصراع الطبقي البكتريولوجي في يد الدولة المخزنية الكمبرادورية، و كما قلنا سابقا، لإن المغرب ذو طبيعة شبه مستعمرة، يجمع بين خصائص دولة تابعة و الإقطاع، دولة تحت الحماية الثلاثية: الفرنسية و الأمريكية و الصهيونية، تستعمل كمدخل لنهب و قمع و استغلال خيرات الشعوب الإفريقية.

إن الدولة التي أسسها المارشال ليوطي بعد عقد الحماية سنة 1912، و استمرت من خلال اتفاقية "إيكس ليبان" الخيانية 1956، لتعمق باستمرار طابعها الخياني و الرجعي مقابل بقائها و استمرارها، و إنها لمستعدة لتوقيع عقود أخرى من الحماية كما حصل مع الكيان الصهيوني، حيث أصبح الصهاينة بعده يصولون و يجولون في كل المجالات فوق أرض المغرب، و يتحدثون في واضحة النهار عن حمايتهم للمغرب، و الحفاظ على دولته في إطار ما يسمى ب "اتفاقية أبراهام" الخيانية.

في بلاد المغرب تتوالى الحكومات و يظل الوضع هو نفسه لا يتغير، يقول المغاربة دائما "إن الوضع سيتغير لكن لا شيء يتغير" مما يعني "في مكانك سر"، يأخذ رئيس حكومة مكان آخر و تبقى دار لقمان على حالها.

إن الدولة في المغرب تلعب لعبة مزدوجة، تقسم الأدوار بين حكومة ظاهرة و دولة عميقة (ديب ستايت)، و في ظل هذه الازدواجية يعامل المغاربة كفئران معرضين باستمرار لفخاخ الحكومة، التي تصطادهم لتقدمهم باستمرار إلى الدولة العميقة، ولذلك تتغير الفخاخ مع كل حكومة جديدة، لكن الفئران ستلتهم دائما من طرف مصاصي الدماء، اللذين يشكلون الدولة العميقة، التي تزداد قوة كلما امتصت أكثر دماء الفئران. إن هذه اللعبة المزدوجة، التي تقودها الدولة العميقة، و تحرك خيوطها لشبيهة بلعبة القط و الفأر المشهورة (طوم و جيري).

في مغرب الدولة المخزنية لا أحد له الحق بالمطالبة بأي شيء لأن المخزن يكره ذلك، و ليس للمواطن سوى أن يتسول و يتوسل لأصحاب الحال، اللذين يظلون أسياد المكان، فقد يفقرونك أو يغنوك حسب رغباتهم و أحوالهم، ذلك هو المخزن صاحب الجلالة يعلو و لا يعلى عليه.

إن المغاربة في حكم المخزن ليسوا سوى رعايا لن يصلوا أبدا سن الرشد، يجب إخضاعهم باستمرار و ضربهم بسبب أو بدون سبب حتى يظلوا خاضعين، و في حكم المخزن كما صرح بذلك الحسن الثاني باستمرار، فإن المغاربة لا يستحقون الديموقراطية، لأنهم لم ينضجوا لها.

إن المخزن، هذا السرطان الذي مد خيوطه في كل مكان، يعتبر نفسه فوق كل قانون، إنه متعالي، و يأخذ مشروعيته الإلاهية بمبرر أن لديه جينات شريفية (نوع من الجينات لا تتوفر للمغاربة تماما كما كان في فرنسا قبل الثورة، حيث كان النبلاء من الإقطاعيين و الملوك يعتبرون أنفسهم ذوي الدم الأزرق).

إن دولة المخزن دولة فاشلة (فايلد ستايت) و منافقة غير قادرة على ضمان السير الطبيعي و العادي لمؤسسات الدولة التي خلقتها، غير قادرة كذلك على ضمان النظام العام و دولة القانون، لأنها دولة لا قانون و فوق القا نون، و تقترب كثيرا من الدولة المارقة (الروغ ستايت) كما يعرفها الأمريكيون، أي دولة غير قادرة بشكل مزمن عن التعامل مع العالم الخارجي.

إننا نستعمل هذه الصفات للدولة المخزنية، لتعريف مظاهرها الخارجية، ذلك أن هذه الأوصاف رغم أنها تقدم مقاربات تعتمد على ظاهر الأشياء، فهي مفيدة للوصف من الناحية التجريبية، لكنها تظل قاصرة عن سبر أغوار هذه الدولة القديمة و المتجددة، التي تعبر في العمق عن مصالح كتلة طبقية تتشكل أساسا من البورجوازية الكمبرادورية المرتبطة بنيويا بمصالح الرأسمال الامبريالي (الفرنسي خاصة) و كبار الملاكين العقاريين الرأسماليين (المعمرون الجدد)، وتشكل الأسرة المالكة النواة الصلبة و الشريحة المهيمنة داخل هذه الكتلة، و هي التي تقوم برص هذه الفئات و الشرائح ضمن سلسلة واسعة من العلاقات و المصالح، و ليس المخزن سوى أداتها الضاربة و القمعية الموجهة ضد الشعب المغربي، و ليس له من عقيدة سوى مواجهة جماهير الشعب المغربي حفاظا على مصالح الحاكمين.

بإرثها التاريخي، تنهل الدولة المخزنية من ثقافة قمعية استمدتها من قرون الاستبداد والاضطهاد، التي مارسها السلاطين و قوادهم و باشواتهم، و بالاعتماد على الأعيان الإقطاعيين، الذين كانت تقتطع لهم الأراضي على حساب أراضي القبائل المغربية، وذلك لضمان قاعدة اجتماعية تكون في خدمة المخزن، و تسهر على مصالحه وسط القبائل، فالمخزن ينهل كذلك من ثقافة الأحكام السلطانية، التي أسس لها فقهاء السلطان في الأزمنة الإسلامية المختلفة، و التي تسمح أحيانا بإعدام ثلثي الشعب حفاظا على الثلث الآخر.

لم تكن الدولة المخزنية في حاجة إلى ماكيافيل بل تفوقت عليه أحيانا، و مارست سياسة فرق تسد منذ القديم من أجل التحكم في الشعب المغربي، بل ذهبت بعيدا في معاملاتها القمعية بقطع الرؤوس و تعليقها فوق أسوار المدن لبث جو الخوف من المخزن و إرهاب كل المعارضين، و قد ظلت هذه السياسة إلى حدود القرن 19، و بعد دخول الاستعمار الفرنسي و خيانة المخزن التاريخية أخذ القمع طابعا آخر وشكلا جديدا زاوج بين السلطة الرمزية التقليدية للسلطان و الأجهزة القمعية الفرنسية، فحروب ما سمي بالتهدئة، و التي سقط فيها آلاف المغاربة من رجال ونساء و أطفال، كانت تتم بظهائر سلطانية، و بعد الاستقلال الشكلي، استفاد النظام المخزني من الأدوار التي سبق أن قام بها الاستعمار الفرنسي عندما انتزع من القبائل المغربية أسلحتها، التي كانت تضمن لها مواجهة المخزن و استبداده، و قام بتأسيس أجهزة قمعية جديدة تحت رعاية أمريكية و فرنسية و صهيونية تضمن استمراره و بقاءه.

-الحكومة المخزنية الحالية و سياسة تقسيم المغاربة :

-ا-المغاربة، "أغلبية" و "أقلية":

عند كل خروج إعلامي، أو وقوف أمام البرلمان المخزني، يتحدث وزير اللاصحة الأبله الجاهل بقوانين حقوق الإنسان و المواثيق الدولية، ذو الثقافة السياسية الضعيفة و الهشة عن وجود "أغلبية" من المغاربة قد استجابوا لسياسته التلقيحية و عن "أقلية" لا زالت لم تستجب و ترفض ذلك، و لما احتد نضال الشعب المغربي ضد سياسة فرض التلقيح و ما سمي بجواز التلقيح دعا "الأقلية"، كما فعل ذلك بفاس، إلى التحلي بالوطنية و الإنسانية. و خارج أي نقاش حول أعداد ما يسميه ب "الأغلبية" و "الأقلية"، فليس هناك سياسة إعلامية شفافة من طرف الدولة المخزنية، ويبدو من خطاب وزير اللاصحة، أن المغاربة اللذين سماهم "أغلبية"، قد قاموا بذلك بكل عفوية و تلقائية، و الحال أنهم أجبروا على ذلك إجبارا عن طريق القمع و الضغوط و التهديدات غير المباشرة و الاعتقالات و الطرد من العمل و الغرامات، و ملئ صناديق النظام بها.

لقد سبق للإدارة الفرنسية، في إطار حملة لمواجهة إحدى الجوائح، أن طالبت من سكان مدينة الرباط أن يقوموا باصطياد الفئران مقابل مكافأة عن كل فأر، أو ليست الغرامة المنتزعة من المغاربة غير المتوفرين على الجواز شبيهة بمكافأة اصطياد الفئران، لكن لصالح الدولة المخزنية. إن وزير اللاصحة هو بمثابة صائد فئران لصالح مستخدميه.

إن السياسة المنتهجة في تدبير ما يسمى بالحجر الصحي ليست سوى تعبير أصيل عن دكتاتورية صحية أسندت إلى دولة دكتاتورية، فتحولت إلى كابوس أسود يقض مضجع المغاربة، و قلبت حياتهم رأسا على عقب و جعلتهم في حيص بيص من أمرهم. لقد أراد وزير اللاصحة أن يختبئ وراء "أغلبية" ليشرعن سياسته الإجرامية الإبادية ضد الشعب المغربي، و التي لا تعبر سوى على مصالح من يتحكمون من وراء ستار في دواليب الدولة المخزنية.

هكذا إذن، انفضحت لعبة "الأغلبية" و "الأقلية" لتعبر عن مصالح أقلية لا تتعدى 3% من عدد سكان المغرب، كما باءت بالفشل محاولة تمرير تقسيم المغاربة إلى "أغلبية" و "أقلية" عندما خرجت عبر ربوع المغرب جماهير واسعة من الملقحين و غير الملقحين تدين سياسة التقسيم عبر ما سمي بجواز التلقيح، الذي حرم غير الملقحين من أبسط حقوقهم الاجتماعية و الاقتصادية و المدنية. لقد فشلت سياسة الأبارتايد الصحي و تكسرت على صخرة مقاومة الشعب المغربي.

- ب - لعبة الأفيون و العصا، أو الدين في مواجهة غير الملقحين

أمام اتساع نضالات الجماهير الشعبية و معارضتها للحجر الصحي المخزني، لم يتورع النظام الكمبرادوري بعد فشل سياسته القمعية في الالتجاء إلى الدين و استغلاله للضغط على غير الملقحين، و ذلك عبر خطب يوم الجمعة في المساجد، تلك الخطبة التي قام وزير الأوقاف البوتشيشي  بصياغتها و توزيعها على أئمة المساجد. هكذا، اضطر أئمة المساجد المساكين بأمر من وزارة الأوقاف إلى دعوة الناس غير الملقحين تلقيح أنفسهم و ألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، و هذا أمر ينهى عنه الله! لقد وضع الوزير البوتشيشي أئمة المساجد في ورطة، و هم اللذين لا خيار لهم غير الامتثال للأوامر، علما أن نفس الوزيرطرد العديد منهم، بل قدم من قدم منهم إلى المحاكمة، و ذلك بمبرر تعاطيهم للسياسة من قلب المساجد بمنطق حلال علينا حرام عليكم، و ليس ذلك من غرائب الأمور، فقد كان أئمة المساجد يدعون في خطب الجمعة على اليهود و الصهاينة، و اليوم مع ترسيم العلاقات أرغموا على الصمت.

إن السؤال المطروح الآن هو، من ألقى بمن و بماذا؟ و لعل الناس تذكروا حكاية الثعلب، الذي أذن في الناس و دعاهم إلى الصلاة، فخلصوا في الأخير إلى أنه "مخطئ من يظن أن للثعلب دينا"، فمن ألقى الناس إلى التهلكة؟ أليس سياسات النظام في مجال الصحة و التعليم و الشغل و غيرها هي التي ألقت بالناس إلى التهلكة؟ أ ليست الجرعات الفاسدة واللقاحات التي ما زالت في مرحلة التجريب هي التي تسببت في هلاك العديد من الناس شيوخا وشبابا ونساء وأطفالا. و "هل التلقيح هو بوحي من الله وحديث رسوله؟" وهل نزل الوحي على وزير اللاصحة، ومتى؟ وهل شركة "ماروك فاكس" مباركة من الله؟ لقد جعل وزير الأوقاف نفسه ومن وراءه هؤلاء الأئمة المساكين عرضة للتندر والسخرية إلى حد أن الناس أصبحوا يقولون تهكما "من لم يتلقح فلا جمعة له".

إن السياسة مصالح والمصالح تعبر عن طبقات، وإقحام الدين لإعطاء شرعية دينية لإحدى المواقف، هو تقسيم للمجتمع على أساس ديني، بعد أن تم تقسيمه إلى "أغلبية" و "أقلية"، فالملقحون هم الفئة المؤمنة وغير الملقحين هم الفئة الضالة، وهذه الأخيرة منبوذة من طرف الأولى. إنها محاولة يائسة مرة أخرى لتقسيم الشعب المغربي، بعد انفضاح سياسة الأبارتايد الصحية وفشل سياسة العصا.

لقد لجأ النظام إلى طرق جميع الأبواب من أجل فرض دكتاتوريته الصحية بما فيها الباب الديني بعدما فشلت نصائح لجنته العلمية المخزنية ونداءات وزارة اللاصحة، وبعدما خرجت الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج واستنكار جريمة الإبادة الممارسة ضدها، إنها سياسة ترهيبية غير محسوبة العواقب تحول الدين إلى أفيون لتخدير الشعب، وفي نفس الوقت، فالنصوص الدينية حمالة أوجه، فقد ينقلب السحر على الساحر، لتتحول البلاد إلى ساحة للمعارك الدينية. ولحسن الحظ أدرك الوعي الشعبي هذه المؤامرة وتصدى لها بمزيد من المظاهرات والمسيرات، كتعبير على أن الشعب واحد.

- ج -الاحتماء بالوطنية لإنقاذ سياسة النظام اللاصحية:

تستوقف المتتبع للوضع السياسي في المغرب في الفترة الأخيرة، تلك التصريحات المتكررة لوزير اللاصحة، التي تشهر باستمرار شعار الوطنية والإنسانية لدعوة معارضي التلقيح باسمها، وبذلك يكون الوزير قد بدأ يقوم بأعمال التوعية وإعادة تربية المواطنين المغاربة "أنت غير ملقح إذن أنت غير وطني"، وطبعا عدو الإنسانية. و في ظل تغييب لكل الأصوات، التي تستطيع قول شيء في صالح المغاربة، اعتقد الوزير أنه الخطيب المفوه الوحيد في الساحة، و في الحقيقة كما يقول ماركس "على أرض منبسطة فالأكمات البسيطة تظهر كأنها تلال".

يعتقد أزلام النظام ومرتزقته وعملاؤه و عياشوه و إعلامه المخصي أن هناك وطنية واحدة هي وطنيتهم، و الحال أنهم صنعوا وطنية على مقاسهم، معتقدين أن المغاربة نسوا تاريخهم. إن الدولة المخزنية تفرض على المغاربة أشياء تسميها وطنية وتمنع على أي كان الحديث خارج تعريفها للوطنية، فهل هناك وطنية واحدة وهل يمكن للمغاربة أن يتحدثوا بحرية في هذا الموضوع؟

إن الوطنية المخزنية تقوم على قاعدة استغلال واضطهاد ونهب بلادنا وشعبنا، وتضع نفسها في خدمة الامبريالية والصهيونية. لقد اتسع مفهوم الوطنية عند هؤلاء ليضم ضرورة الاعتراف بالكيان الصهيوني ومصادقته وفتح خيرات البلاد في وجهه مقابل حماية ذليلة وبئيسة ينطبق عليها المثل المغربي القائل "كون كان الخوخ يداوي كون داوا راسو"، فالكيان الصهيوني نفسه محمية أمريكية وبدون أمريكا لا يساوي شيئا.

إن لفي التاريخ عبرة، ألم يدعي المارشال بيتان، الذي خضع للاحتلال النازي أنه قام بذلك باسم الوطنية الفرنسية، ألم يكن هتلر هو الآخر يدعي أنه وطني ألماني جاء لإنقاذ ألمانيا، والحال نفسه ينطبق على كل الفاشيين عبر العالم. ويعلق المغاربة بروح الدعابة التي لديهم على أمثال هؤلاء من أزلام النظام وعلى وطنيتهم المزعومة قائلين "لهم الوطن ولنا الوطنية".

إن وطنيتنا التي عمرها آلاف السنين لمليئة بالملاحم والأمجاد التي تحققت في مواجهة العدو الخارجي، و في مواجهة الأنظمة الاستبدادية، و تشكل على أساسها الشعب المغربي ضمن مجموعة من العوامل المحددة كموقع الأرض و اللغة و الثقافة و الجغراقيا و التاريخ و الإنتاج المادي و الصراع الطبقي، عوام ساهمت في صهر وحدة الشعب المغربي ضمن هوية وطنية منفتحة و متحركة اندمج فيها المكون الأمازيغي و العربي و الإفريقي و غيرها.

لقد دافع المغاربة باستمرار عبر التاريخ، و بكل الوسائل عن الأرض و الثقافة و اللغة و عن بنياتهم الديموقراطية القبلية ضد استبداد المخزن و حلفائه،  و عندما ارتكب السلطان عبد الحفيظ خيانته التاريخية بتوقيعه عقد الحماية في مدينة فاس سنة 1912 مقابل 500 فرنك فرنسي، و تمتيعه باللجوء إلى فرنسا، انتفضت قبائل بني وراين، و توجه 20 ألف فارس من القبيلة إلى مدينة فاس ليحاصروها بعدما أطلقوا عبارتهم الشهيرة  "إكليد إيرويمن" (هذا ملك الأجانب) و لولا طائرات المارشال ليوطي لسقطت مدينة فاس في أيدي هؤلاء الفرسان الأبطال. وانتشر صوت بني وراين بين كل قبائل المغرب لتنطلق في كل مكان المرحلة الأولى للمقاومة المسلحة، التي أنتجت أسماء خالدة في التاريخ من قبيل الشيخ ماء العينين وموحا وحمو الزياني وباسلام ومحمد بن عبد الكريم الخطابي وغيرهم كثير، وكل هؤلاء تمت محارتهم من طرف الاستعمار، وبظهائر سلطانية، وذكر فإن الذكرى ...

ولم تنته هذه المقاومة إلا سنة 1934، لتولد مقاومة أخرى ذات طابع سياسي استمرت إلى خمسينيات القرن 20، و لما عجزت عن تحقيق الاستقلال نشأت المقاومة المسلحة في المدن بقيادة الشهيد محمد الزرقطوني، وتأسس جيش التحرير الوطني في الجبال، و بعد خيانة إيكس ليبان تمت تصفية المقاومة و جيش التحرير، و انبثقت معارضة سياسية من داخل حزب الاستقلال سميت لاحقا ب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، و عندما عجزت عن قيادتها للشعب المغربي من أجل التغيير الثوري، و الذي ظهر في انتفاضة 23 مارس المجيدة، نشأ جيل جديد من الثوريين حمل لواء الثورة ضد النظام، جيل قادته الحركة الماركسية – اللينينية المغربية و منظمة "إلى الأمام" .

عندما دخل المغرب مرحلة الاستعمار الجديد منذ 1956، و في محاولات مستمرة لتثبيت شرعية النظام الكمبرادوري بالنار و الحديد، أقام النظام الكمبرادوري المحاكمات تلو المحاكمات و نظم الاغتيالات و أعدم الكثير، و أقام مجازر للشعب المغربي عصية على النسيان، من قبيل مجزرة 23 مارس 1965 و انتفاضة يونيو 1981 و انتفاضة 1984، و انتفاضة فاس 1990 ...

استطاع النظام الكمبرادوري أن يفرض على القوى السياسية المعارضة المنبثقة عن الحركة الوطنية أجندته مستغلا في ذلك قضية الصحراء، فأصبحت الوطنية هي ما يقول به رأس النظام إلى حد أن أحد أزلام النظام المسمى أحمد العلوي (وزير سابق ومدير سابق لجريدة لوماتان) حاول أن ينظر لذلك تحت اسم "الحسنية" (لوحاسانيزم) وأصبح لا حديث إلا عن الديموقراطية الحسنية.

رغم هذه الهزيمة استمر الماركسيون - اللينينيون المغاربة يحملون لواء المقاومة والثورة، وعلى طريق ذلك نالوا مئات السنين من الأحكام، واستشهد منهم الكثير، وفي مقدمتهم الشهيد البطل عبد اللطيف زروال، وشهيد الطبقة العاملة المغربية جبيهة رحال ورمز النضال النسائي المغربي الشهيدة سعيدة لمنبهي.

إن الوطنية التي سقط من أجلها خيرة أبناء الشعب المغربي منذ 1912 إلى يومنا هذا ليست بالتأكيد هي وطنية الدولة المخزنية وأزلامها، دولة الكمبرادور والعملاء، وطنية وزير اللاصحة الكوسموبوليتي، واللجنة العلمية الشبح وكل المطبلين والمزمرين لسياسة الكمبرادور اللاوطنية اللاديموقراطية و اللاشعبية.

وراء الوطنية الحقيقية تقف أسماء شامخة مقاومة ومناضلة غنية عن التعريف، وخلف وطنية الكمبرادور تقف أسماء الخونة وعملاء الاستعمار والاستعماريين من قبيل المارشال ليوطي وجنرالات فرنسا والإقطاعيين الكبار، وأمثال أوفقير والدليمي وغيرهم.

لقد حان الوقت ليضع الثوريون والمناضلون خطا فاصلا بين المعسكرين، وحدا بين الوطنيين الحقيقيين والوطنيين المزيفين المرتزقة.

فلن تكون هناك وطنية دون مواجهة الاستعمار والامبريالية والصهيونية، ودون مواجهة الرجعية من أجل الديموقراطية الشعبية وتحرير البلاد من التبعية الاقتصادية والسياسية، وبدون أن تكون في خدمة الشعب وتحرره.

إن موقع "30 غشت" الذي يتابع عن كثب، من موقع التضامن والانخراط النضالي، نضالات الجماهير ضد ما يسمى بجواز التلقيح وإجبارية التلقيح وضد الغلاء الفاحش وتفقير الجماهير الشعبية وإبادتها بيولوجيا:

- يقف إجلالا لأرواح الشهداء والشهيدات، اللذين سقطوا ضحية الحرب البيولوجية، حرب الإبادة الإجرامية ويدعو إلى إعلان يوم وطني للتضامن مع الضحايا وإدانة المجرمين.

- ينوه بنضالات الجماهير الشعبية في كل مكان، ويندد بالقمع والتنكيل الذي تتعرض له الجماهير وخاصة النساء.

- يدعو إلى إعادة كل المطرودين من عملهم من جراء سياسة إجبارية التلقيح، والسماح للجميع بالولوج إلى مقرات عملهم.

- إقالة فورية لوزير الصحة ومحاكمته

- فتح تحقيق مستقل حول وزارة الصحة ومافيات الأدوية

- فتح تحقيق حول الممارسات التي صاحبت الحجر الصحي

- الحل الفوري للجنة المسماة علمية ومحاكمة أعضائها باسم خيانة الأمانة والمشاركة في إبادة الشعب المغربي.

- توقيف إجبارية التلقيح وخاصة تلقيح الأطفال.

- تعويض المواطنين اللذين أصابهم الإفلاس نتيجة السياسات الارتجالية و اللاشعبية، اللاديموقراطية و اللاوطنية.

- إعادة الاعتبار إلى ضحايا التلقيح الارتجالي والعشوائي من مصابين بأمراض خطيرة و وقوف وقفة إجلال و إكرام أمام شهداء الحرب الطبقية الإبادية التي يخوضها النظام ضد الشعب المغربي.

- وضع حد فوري لارتفاع الأسعار والتراجع عن فرض الضرائب على المواطنين التي طالت حتى حاجياتهم الأساسية.

- احترام الحريات الديموقراطية والأساسية للمواطنين والسماح بحق التظاهر.

- إطلاق جميع المعتقلين السياسيين في المغرب.

إن طريق النضال ضد النظام الكمبرادوري طويل وشاق، إنه طريق الجماهير، طريق التحرير، طريق الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية التي رسم معالمها بدمائه الزكية الشهيد القائد عبد اللطيف زروال الذي نحيي اليوم ذكرى استشهاده 47، فتحية إلى شهيدنا البطل وكل شهداء الثورة المغربية.

عاشت نضالات الشعب المغربي

موقع "30 غشت"

في 14 نونبر 2021

هامش:

[1]  ــ إن استعمالنا لمصطلح الحرب البيولوجية ينطلق من التعريف العام المتفق عليه من طرف أغلب المختصين، وعليه فإن الحرب البيولوجية، ويطلق عليها كذلك الحرب البكتيريولوجية، تعني كسلاح بيولوجي استعمال خصائص ضارة لبعض العضويات الدقيقة (الكائنات الحية الدقيقة) أو لبعض أنواع السموم القاتلة بهدف قتل الخصم أو إلغاء دوره وشله ودمغه. من الناحية التاريخية، استعمل هذا السلاح في العديد من الحروب بين الدول كما حصل في الحرب العالمية الأولى والثانية وفي حرب الفيتنام من طرف الأمبريالية الأمريكية. وتشير المعطيات إلى أن هذا السلاح بدأ يستعمل في الأوضاع الداخلية للبلدان خاصة مع انتشار كوفيد 19 واستعمال ما يسمى بالحجر الصحي الذي تحول إلى دكتاتوية صحية في أغلب بلدان العالم. وككل سلاح، فهو محتكر من طرف الطبقات السائدة وبإمكانها استعماله للدفاع عن مصالحها الطبقية، ولذلك نستعمل مصطلح الصراع الطبقي البكتيريولوجي، أو كذلك، مصطلح الحرب الطبقية البكتيريولوجية.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.