Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الثالثة من دراسة "مسلسل تصفية منظمة إلى الأمام "ــ 2 دجنبر 2016

Pin it!

خ1.gif

استمرارا في عرض حلقات "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام"، ينشر موقع "30 غشت" اللحظة فصلين من القسم الثاني للجزء الأول، و هما الفصل السابع بعنوان : جدلية التناقض و الصراع بين الخطوط داخل منظمة "إلى الأمام"، و الفصل الثامن بعنوان سيرورات بناء الخط العام لمنظمة "إلى الأمام" و حركة التناقضات

 

 

 

 

تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الأول

القسم الثاني

 

 

الفصل السابع :

جدلية التناقض و الصراع بين الخطوط داخل منظمة "إلى الأمام"

 

بالعودة إلى تاريخ نشوء الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، الذي يعود إلى سنة 1970، تتفق كل الكتابات ـــــ و إن اختلفت في تقييم ذلك ـــــ حول تأثير عوامل متفاعلة فيما بينها تاريخيا و جدليا، أدت إلى تبلور"الحملم" كمشروع إيديولوجي و سياسي ثوري، طرح على نفسه ضرورة بناء الحزب الثوري الماركسي ــ اللينيني للطبقة العاملة المغربية، في أفق قيادة الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية في المغرب، و ذلك على طريق بناء المجتمع الاشتراكي وصولا إلى المجتمع اللاطبقي: المجتمع الشيوعي، و كل هذا ضمن منظور استراتيجي أممي معاد للتحريفية العالمية، و منخرط في خط الثورة العالمية الذي دافعت عنه آنذاك الثورة الصينية و الألبانية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني و حزب العمل الألباني. و لقد كان لهذا الخط الأممي انعكاسا قويا على الفصائل الثورية العربية و المغاربية خصوصا بعد هزيمة 5 يونيو 1967، التي كشفت عن الطبيعة البورجوازية الصغيرة للأنظمة "الوطنية" المشاركة في الحرب، و كذا الطبيعة الإصلاحية و التحريفية للأحزاب الشيوعية العربية القائمة آنذاك. هكذا بدأت معالم خط جديد للثورة العربية تتبلور لعب فيه اليسار الثوري الفلسطيني دورا مهما، فكان طبيعيا أن يدمج اليسار الماركسي ــ اللينيني المغربي أفق الثورة المغربية بمشروع الثورة العربية الجديد.

إن هذا التحول جاء على خلفية الصراعات الطبقية بالمغرب، و انفضاح طبيعة الأحزاب الإصلاحية و الحزب الشيوعي التحريفي المغربي، و نشوء شروط تاريخية جديدة لبناء الحزب الثوري الماركسي ــ اللينيني للطبقة العاملة المغربية طليعة كفاحات الجماهير الشعبية.

إن العوامل الثلاث يجب النظر إليها كسيرورات ثلاث متناقضة و جدلية بانشطاراتها و متغيراتها و بتأثيراتها المتبادلة و بخصوصياتها و كونيتها. لا يتعلق الأمر هنا بأحداث معزولة و خاضعة لصدفة المكان و الزمان، بل خاضعة جدليا لضرورات الصراعات الطبقية عالميا و وطنيا ...

بناءا عليه، فإن كان لتلك العوامل الثلاث تأثيرها الموضوعي في نشأة و تبلور الخطوط الثورية، في مرحلة الصعود بالنسبة للحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، خلال العقد الأول لوجودها (1970-1980)، فنفس السيرورات التي دخلت في أطوار جديدة من تطورها، تميزت عموما بتراجع الثورة العالمية نتيجة الهزائم التي منيت بها على يد الامبريالية و الرجعية و التحريفية الصينية و بتواطؤ مع التحريفية العالمية (دولا و أحزابا)، كان لها تأثير كبير على نفس الحركة، مما أدخلها مرحلة الانحدار و التلاشي لتحل آخر فصائلها نفسها سنة 1994.

كثيرا ما يلتبس الأمر على المناضلين عندما يقرأون بعض الوثائق التي ينشرها التحريفيون الجدد، في محاولة لإسقاط نعت التحريفية عنهم.

و بطبيعة الحال يعتمدون على مناهج بورجوازية تقوم على الانتقائية و النزعة "النصية" و الفصل عن السياق التاريخي الملموس، فيسهل تأويلها كما يحلو لهم، نفس المناضلين كذلك يجدون صعوبة في قراءة الوقائع و استنباط جوهرها، و الشيء نفسه بالنسبة لتحديد الفترات و المراحل. و الحال كما قال لينين: "إن الديالكتيك بمعناه الأصلي، هو دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء". و نعلم جيدا "أن قانون التناقض في الأشياء، أي قانون وحدة الضدين، هو القانون الأساسي الأول في الديالكتيك المادي" كما يقول ماو.

إن تطبيق المنهج المادي الجدلي على الوقائع المادية، و الانطلاق من كون الفكر هو انعكاس للمادة التي توجد في حركة دائمة، و اعتبار قانون التناقض ــــ لب الديالكتيك ــــ قانونا كونيا، يحدد المنهجية التي يعتمدها الماركسيون ــ اللينينيون من أجل فهم الظواهر المادية و الأفكار التي تنتج عنها كانعكاس جدلي لها، لا يستقيم إلا إذا انطلق من تطبيقات هذا المنهج التي تجمع بين العام و الخاص في وحدة جدلية، و تنطلق من خمس قضايا أو أطروحات أساسية تخضع لقانون التناقض كقانون كوني. هاته الأطروحات هي :

 

1 ـــــ اعتبار كل واقع بمثابة سيرورة.

 

2 ـــــ كل سيرورة تتضمن نظاما من التناقضات.

 

3 ـــــ من داخل كل سيرورة هناك تناقض رئيسي و تناقضات ثانوية تتبادل التأثير و التحديد فيما بينها.

 

4 ـــــ كل تناقض هو غير متساوق، أي أن أحد طرفي التناقض هو المسيطر على الحركة الشمولية للتناقض، بما يعني وجود طرفين أحدهما رئيسي و الآخر ثانوي.

 

5 ـــــ إن وجود تناقضات مختلفة داخل السيرورة، يستدعي إيجاد حلول مختلفة لتلك التناقضات، و أهم تمييز يمكن القيام به هنا، هو التمييز بين التناقضات العدائية و التناقضات غير العدائية منظور إليهما بشكل جدلي، بما يسمح لنا بفهم التحول الذي قد يحصل لكليهما، فتتحول الأولى إلى الثانية و العكس.

 

إن اعتماد مفهوم السيرورة بمعناه الماركسي ــ اللينيني و تطبيقه على تاريخ الصراعات السياسية و الإديولوجية داخل منظمة "إلى الأمام"،(خاصة الفترة الحاسمة 1976 ـــــ 1979)، يساعد على فهم طبيعة تلك الصراعات التي دارت بين مختلف التيارات، و ذلك لما يوفره من مقولات أساسية كالوحدة و التناقض، التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي، تبادل التأثير بين مختلف التناقضات و تبادل المواقع فيما بينها، و التمييز بين التناقضات التي أصبحت عدائية و تلك التي تكون غير عدائية....

إن الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية و ضمنها منظمة "إلى الأمام"، كانت نتاجا للصراعات الطبقية في المغرب، تأثرت بها، و في نفس الوقت حاولت التأثير فيها، و ينطبق ذلك على سيرورة وحدتها (وحدة كل فصيل كذلك) و تناقضاتها (ظهور اتجاهات و تيارات داخلها) كذلك، كل هذا على قاعدة البنية الاجتماعية لفصائلها، منظور إليها جدليا في العلاقة بالخطوط التي عبرت عنها تاريخيا.

يتعلق الأمر هنا بصراعات سياسية و إديولوجية جرت على أرضية الصراعات الطبقية بالمغرب، في فترات مختلفة و محددة، قامت بالتعبير عن مكوناته داخل المنظمة السياسية الواحدة أو داخل الحملم بكاملها، عناصر و تيارات و اتجاهات مختلفة. و هذا الفهم يساعد على تجاوز تلك القراءات التبسيطية و الميكانيكية لتجربة الحملم، كما يساهم في توجيه ضربة قاتلة ل"نظرية المؤامرة" و "المنظور البوليسي للتاريخ"، تلك التصورات التافهة لفهم الأحداث التاريخية (و إن كان هذا التيار أو ذاك يلجأ في بعض الأحيان إلى أسلوب التآمر في خوض الصراع)، و التي كثيرا ما يعشقها المثقفون البرجوازيون الصغار.

إن موضوع هذا النص يتعلق بدراسة الصراعات السياسية و الإديولوجية داخل منظمة "إلى الأمام"، و على الخصوص بالنسبة للفترة الممتدة من 1976 إلى 1980، ثم بعد ذلك يتوجه لدراسة أهم التحولات و التغيرات التي أدت بها في الثمانينات إلى السقوط في التحريفية و الوصول إلى نهايتها سنة 1994.

بناءا على نظرتنا أعلاه فإننا ننظر إلى تلك الصراعات باعتبارها:

 

1- مجموعة من السيرورات كانت تتطور بشكل غير متكافئ في نفس الوقت و في نفس المكان بل أيضا باختلاف الأمكنة و الأزمنة.

هكذا و في كل سيرورة تواجد فاعلون مختلفون و في أوضاع مختلفة: السجون، المنافي ،الداخل، الخارج (المكان)، الانعزال عن الجماهير، تجارب مختلفة و مستويات مختلفة من الوعي و الممارسة، الانتماء، تأثيرات الأفكار على الصعيد العالمي أو الوطني في فترة محددة أو مرحلة محددة (عامل الزمان).

 

2- بكونها خضعت لتأثيرات الصراعات الطبقية بالمغرب، و تشكلت على إثر ذلك ردود فعل و مواقف نسبية لكل تيار، و هذا ما يؤطر موضوعيا تلك الصراعات و تلك المواقف الطبقية التي تم التعبير عنها من طرف الاتجاهات المختلفة.

 

3- ضمن نفس السيرورة، سنجد أن التناقضات و من تمة الاتجاهات أو التيارات التي أفرزتها، كانت تتحرك و تتبادل المواقع و أحيانا يخفي وجود تيار أو اتجاه وجود تيار أو اتجاه آخر، تماما كما يقول ماو.

 

4- خلال الصراع بين الاتجاهات تتكون الأفكار فتتوحد، أو تلتحق ببعضها في وحدة متناقضة جديدة، أو تنشطر من جديد لتخوض الصراع فيما بينها (أمثلة كثيرة عن هذا: صدور بيان تجميد العضوية من منظمة "إلى الأمام" في يونيو 1979 ، ثم بعده "بيان التصحيح " الذي أصدرته مجموعة من داخل نفس المجموعة التي وقعت بيان يونيو 79، نجد كذلك مثال موقف أصحاب "بيان من داخل السجن المركزي بالقنيطرة إلى الشباب المغربي و الرأي العام الديموقراطي" الذين وقعوا بيان يونيو 1979، و مثال انتقال أبراهام السرفاتي من التحالف مع المشتري و المنصوري إلى الإنضمام لمجموعة "خط إعادة البناء"...).

 

5- لا تأخذ الصراعات السياسية و الإديولوجية دائما مجراها في مسار طبيعي، بل تترك انطباعا بعدم الاكتمال، مما يفتح المجال دائما لعودتها من جديد بلبوسات مختلفة، مع الحفاظ على جوهرها، و يعود هذا الأمر إلى كون الخطوط الفاصلة بين التيارات أو الاتجاهات تكون ضبابية أحيانا و واضحة أحيانا أخرى، و ذلك باختلاف الظرفية السياسية و الإديولوجية التي تتطور فيها تلك المواقف، فإما أن تخبو، أو تكون مستترة، أو منفجرة، ضمن صراع حاد على خلفية صراعات طبقية تمر بها الساحة السياسية و الاجتماعية.

إن ما يميز هذه الصراعات أنها كانت تجري عموما (مع استثناءات بالنسبة للحركة الطلابية) خارج الحركة الجماهيرية أي بالعزلة عنها، مما كان لا يسمح بوجود أرضية صلبة لتصريفها و الاحتكام إليها، من هنا تنتصب تلك الصعوبة التي يجدها المناضلون خارج السجون من الجيل الثاني و الثالث و غيرهما في فهم ما جرى و إدراك الأساسي منه.

 

6- في ظل أوضاع كهاته، و خاصة عند احتداد التناقضات و تطورها و تشابكها، سيجد الخط الثوري صعوبة في فك تلك الخيوط و إيجاد الأسلوب السليم لفرض نفسه و ضمان انتصاره النهائي.

 

بالنسبة لمنظمة"إلى الأمام" و خلال المرحلة الممتدة من 30 غشت 1970 (تاريخ التأسيس) إلى حدود آخر الاعتقالات في مارس 1976، ظل الخط الثوري للمنطمة سائدا، و إن ظهرت إرهاصات يمينية في خطها السياسي بالنسبة للحقبة الممتدة من نونبر 1974 إلى حدود مارس 1976، لكن الحقبة الممتدة من يناير 1976 إلى بداية 1978 عرفت تعزيزا نسبيا للخط الثوري...

و بالنسبة للفترة السجنية التي تغطي تقريبا ثلاث سنوات - 1976- 1979، عرف الخط الثوري مسارا متناقضا، فمن الانتصار (1976 - 1978) إلى توازن القوى (ابتداءا من مارس78 إلى حدود يناير 79)، ثم جاءت الفترة الثالثة التي تخللتها أشواط مختلفة و متعاقبة، تعاقبت الواحدة تلو الأخرى، من يناير 1979 إلى حدود نهاية 1980، و انتهت بانتصار الخط التحريفي داخل المنظمة (خط"إعادة البناء").

 

و يمكن تحقيب أشواط الفترة الثالثة كما يلي:

 

1- شوط أول امتد من يناير 1979 و انتهى في أبريل 1979، و تميز بصعود اليمين الإصلاحي بقيادة الثلاثي المشتري بلعباس، عبد الله المنصوري و أبراهام السرفاتي، و ذلك في تحالف مقدس ضد الخط الثوري و نواته الثورية المشكلة من مجموعة من الرفاق، و قد استفاد هذا الإتجاه من العزلة التي ضربها النظام الكمبرادوري على المعتقلين السياسيين بعد انطلاق معركة "سن قانون المعتقل السياسي" التي انطلقت في فبراير 1978. كان هذا المعطى الجديد في صالح الاتجاه اليميني داخل السجن المركزي بالقنيطرة، لكون غالبية قواعد التيار الثوري كانت موزعة على السجون الأخرى، و قد استطاع التيار الإصلاحي محاصرة الاتجاه الثوري في معركة غير متكافئة عدديا، مستفيدا في ذلك من انضمام أبراهام السرفاتي إلى التيار الإصلاحي و تبنيه لأطروحاته، لكن مقاومة النواة الثورية للمنظمة داخل السجن المركزي رغم أقليتها العددية، قد أفشل محاولة الاستيلاء على قيادة المنظمة من طرف الاتجاه اليميني الإصلاحي.

 

2- شوط ثاني و دام من أبريل 1979 إلى حدود يونيو 1979. تميز هذا الشوط بهزيمة الاتجاه اليميني خاصة بعد فك العزلة المضروبة على السجون، بعودة المبعدين إلى السجن المركزي، مما أفاد التيار الثوري الذي كان يحظى بشعبية واسعة داخل تلك القواعد العائدة إلى السجن المركزي.

إن هذا الانتصار الذي حققه الاتجاه الثوري بقيادة نواته الثورية، دفع الاتجاه الإصلاحي إلى تنظيم هجوم مضاد، مستفيدا من ظهور اتجاه تصفوي يدعو إلى حل فصائل الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية ،بدعوى أنها برجوازية صغيرة، و قد استطاع هذا الاتجاه، و تحت شعارات "براقة" اختراق العديد من قواعد التيار الثوري، و تزعم هذا الاتجاه كل من عبد الله زعزاع و عبد الفتاح الفاكهاني. هكذا قام تحالف سياسي انتهازي ظرفي بين الاتجاهين الإصلاحي و التصفوي أدى إلى صدور "بيان يونيو 1979" و الذي شكل ضربة قوية للتيار الثوري، لكن سرعان ما انفجر التناقض بين الاتجاهان العفوي ــ التصفوي و الإصلاحي المتحالفان ليصبح انشطارا نهائيا بعد صدور "بيان تصحيحي" من الاتجاه الأول.

 

3- شوط ثالث خاض غماره الاتجاه الثوري لمنظمة "إلى الأمام" دفاعا عن الإرث الثوري للحملم و للمنظمة، و ذلك ضد الاتجاهين التصفوي و الإصلاحي. في هاته الفترة كان التصفويون قد انتقلوا إلى الواجهة في معركتهم ضد المنظمة، بينما كان الاتجاه الإصلاحي يعرف تفككا و تراجعا انتهى به الأمر في الأخير إلى هامشية قاتلة خاصة بعد صدور "بيانه من داخل السجن". و تميز هذا الشوط بالتحاق بعض الرفاق من مجموعة 1972 الذين عززوا نسبيا النواة الثورية، وإن كانت لهم مواقف أخرى ستظهر على السطح بمجرد انتهاء المعركة ضد التصفويين و الإصلاحيين في نونبر 1979. كما التحق أبراهام السرفاتي بالمنظمة من جديد قبل صدور تلك القرارات، بعدما دعم بيان التجميد دون توقيعه.

لقد دام هذا الشوط الثالث من يونيو 1979 إلى 12 نونبر 1979.

 

4- شوط رابع انطلقت أطواره ابتداءا من نونبر 1979 و انتهت في خريف 1980. لقد كان هذا الشوط حاسما في تحديد مسار منظمة "إلى الأمام" لأنه أدخلها في مرحلة جديدة من تاريخها، و به انتهت المرحلة الثورية الممتدة من 30 غشت 1970 إلى خريف 1980.

و تميز هذا الشوط بصراع حاد بين ما تبقى من الاتجاه الثوري و مجموعة جديدة متنافرة ضمت عناصر من اللجنة الوطنية للمنظمة (عبد الحميد أمين، علي فقير، أبراهام السرفاتي و ادريس بنزكري) و عناصر "وسطية" أو "يسراوية متطرفة"، البعض من هذه الأخيرة قد تم ضمه إلى اللجنة الوطنية التي أصبح يطلق عليها "القيادة" و تعرف هاته المجموعة ب"خط إعادة البناء"، بينما دافع الخط الثوري عن مفهوم مخالف أكد على أهمية "التقييم الشامل" في سيرورة "إعادة البناء"و سنرى لاحقا تفاصيل ذلك لتفنيد أطروحات "التحريفيين الجدد" حول هاته الحقبة.

تميز هذا الشوط ببداية التراجع عن الخط الثوري للمنظمة و انطلاق مجموعة من المراجعات عبر فترتين مختلفتين لكل منهما خصائصها (سنعرض لتفاصيلها في فصول لاحقة )، فترة أولى ابتدأت من خريف 1979 و انتهت في خريف 1985. أما الفترة الثانية فقد انطلقت بعد خريف 1985، و استمرت إلى حدود حل المنظمة في ربيع 1994. و قد تميزت هاته الفترة بأهم المراجعات التحريفية لخط المنظمة الإديولوجي و السياسي، و السقوط في التحريفية إديولوجيا و الإصلاحية سياسيا.

انتهى هذا الشوط بعزلة الخط الثوري و هزيمته في ظروف سياسية و إديولوجية و تنظيمية بالغة التعقيد. لكن سيرورة الأفكار التي عبر عنها ظلت حية، و إن انتقلت إلى سياقات مختلفة سواء بالداخل (الجامعات، لدى بعض المناضلين) أو بالخارج (فرع المنظمة ببلجيكا). لقد كان للبعد الجغرافي و تباعد الأماكن أثر كبير في أخذ تلك الأفكار خصوصيات معينة أصبح من غير الممكن التحكم فيها.

 

7- إن الانتقال إلى سيرورة جديدة أطلق عليها "مسلسل إعادة البناء" لا يعني أن بعض المناضلين لم يستمروا من "الداخل" في طرح مجموعة من الأسئلة و القضايا حول التوجه الجديد للمنظمة، لكن تلك التساؤلات لم تجد لها جوابا لأنها كانت تعبر عن نفسها من داخل سيرورة جديدة كانت تسير بخطى متسارعة نحو التحريفية. لقد استمر هؤلاء المناضلين في طرح تساؤلاتهم تلك إلى حدود ندوة "الداخل" التي انعقدت أيام 28 و29 و30 يناير 1983. و بعد ذلك بدأت تتقلص و تتوارى تدريجيا إلى أن انتصر الخط التحريفي نهائيا. و عموما فأغلب أولائك الذين عبروا عن تلك المواقف المعارضة أو المتحفظة، قد انتهى بهم المطاف إلى قبول الخط التحريفي و الانخراط السياسي و التنظيمي تحت لوائه أو الابتعاد نهائيا عن أي عمل سياسي.

في خضم النضال المبدئي ضد التيارات الإصلاحية و التصفوية و التحريفية، تؤكد التجربة التاريخية للحركة الشيوعية العالمية و الحملم، صحة المقولات اللينينية حول الاتجاهات الوسطية و اليسراوية التي تشكل عموما دعامة للإنتهازية و التحريفية بمختلف منوعاتها و تلاوينها، و قد لعبت بالفعل دورا هاما في هزيمة الخط الثوري و انتصار الخط التحريفي، فالوسطيون عموما يقدمون متنفسا للتحريفية لكونهم يرفضون الصراع المبدئي ضدها و يؤمنون بإمكانية التعايش و الوحدة معها، أما اليسراويون بشعاراتهم المجردة و الجوفاء و باساليبهم في الصراع يقدمون خدمات كبيرة للتحريفية تستطيع من خلالها تقديم نفسها ك "بديل ثوري".

 

الفصل الثامن :

سيرورات بناء الخط العام لمنظمة"إلى الأمام" و حركة التناقضات

 

إن عملية بناء الخط الثوري لمنظمة ماركسية ــ لينينية سيرورة متناقضة تتأثر بالضرورة بالصراعات الطبقية الملموسة، و بالصراعات السياسية و الإديولوجية و الفكرية المعبرة عن مصالح مختلف الطبقات، سواء كانت طبقات سائدة أو مسودة، و تتأثر البنية الإديولوجية و السياسية و التنظيمية و الطرح الاستراتيجي و البرنامج و البنية الطبقية و مجموع الممارسات الفعلية للتنظيم الماركسي بتلك الصراعات التي يشكل التنظيم الثوري أحد الأدوات الأساسية للتدخل من أجل التأثير فيها. إن التحاليل المختلفة و صراع الأفكار و التصورات، إضافة إلى صراع القديم و الجديد أشياء لا يمكن تجنبها، لأن التنظيم السياسي كائن حي يشكل التناقض محرك تطوره ضمن سيرورة متناقضة بالضرورة، فجدلية الوحدة و التناقض من أجل وحدة جديدة، هي التعبير عن خط التطور إلى الأمام ضمن سيرورة ثورية صاعدة أو تحول نحو سيرورة مضادة (إصلاحية، تحريفية...).

في قلب هذا التطور المتناقض، يحتل الخط الإديولوجي دورا أساسيا و مهيمنا (أولوية الإديولوجي ...) في قيادة المنظمة الماركسية ــ اللينينية نحو تحقيق برنامجها و أهدافها المرسومة. إن الصراع النظري لذا أهمية قصوى لمواجهة الانحرافات المختلفة التي لا يمكن تجنبها. فلا حل للتناقض بطرد التناقض، بل بإقرار أهمية خوض صراع الخطوط و احترام المبادئ الماركسية ــ اللينينية للتنظيم. إن كل تناقض يطرد من الباب سيعود من النافذة و بلبوسات مختلفة.

هناك فكرة خاطئة لدى العديد من المناضلين الماركسيين ــ اللينينيين، حين ينظرون أو حين يعتقدون بوجود خط بروليتاري خالي من أي تناقض. إن مثل هذه النظرة تتخلى ببساطة عن الديالكتيك، و تتناسى أو تنسى أن تكون الخط البروليتاري هو نتاج سيرورة ثورية متناقضة، أو لنقل وحدة متناقضة يحكمها طرف سائد الشيء الذي لا ينفي استمرار صراع الطرف الآخر من أجل السيطرة ضمن تلك الوحدة المتناقضة. و يمكن القول كذلك أن كل طرف من طرفي التناقض يتعرض هو الآخر للانشطار بحكم قانون التناقض. هكذا فكل خط ثوري أو بروليتاري يحمل بالضرورة بذور انشطاره و التحول إلى نقيضه، إذا لم تتم معالجة التناقض بشكل سديد، و هو ما قد يجعل ذلك التناقض غير العدائي في البداية يتحول إلى تناقض عدائي. إن أسلوب معالجة التناقضات داخل التنظيم الثوري الماركسي ــ اللينيني يعتبر وسيلة حاسمة في تحقيق القفزات النوعية للتنظيم و التقدم في توضيح خطه الإديولوجي و السياسي دون السقوط في النزعة التوفيقية و المواقف "الوسطية"، و ذلك عبر خوض الصراع المبدئي على قاعدة مبدأ وحدة- نقد- وحدة، و اعتماد مفهوم التركيب الجدلي للمواقف و الأفكار التي يعتبر لينين نموذجها و مثالها الرائع.

 

1) منظمة "إلى الأمام" و حركة التناقضات داخلها

 

منذ لحظة التأسيس (30 غشت 1970) إلى لحظة الحل (ربيع 1994) مرت المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" بمراحل مختلفة في تطورها، كان لكل منها خصائصها و مميزاتها و أثره على الخط الإديولوجي و السياسي و التنظيمي و الاستراتيجي للمنظمة، و بطبيعة الحال فكل مرحلة يمكن تقسيمها إلى فترات. من وجهة نظر تاريخية يمكن تقسيم تاريخ منظمة "إلى الأمام" إلى مرحلتين أساسيتين:

 

أ- المرحلة الأولى: دامت عشر سنوات ـــ 1970 ــــ 1980

 

تتميز هذه المرحلة بسيادة خط ثوري ماركسي ــ لينيني، ظل صامدا في وجه الخطوط اليمينية الإصلاحية منها و التحريفية، و هذا رغم تناقضاته الداخلية و بروز انحرافات يمينية أو يسراوية على خلفية الصراعات الطبقية الدائرة في المغرب و مراحل القمع الشرس الذي كانت تتعرض له المنظمة خلال هذه المرحلة.

 

ب- المرحلة الثانية: 1980 - 1994

 

تتميز هذه المرحلة بانقلاب في السيرورة الثورية للمنظمة لصالح خط تحريفي إصلاحي، دشن منذ سيطرته على قيادة المنظمة سيرورة جديدة أطلق عليها بداية "مسلسل إعادة البناء"، ثم بعد ذلك ما أسماه ب"مراجعات خط المنظمة" بعد إفلاس "مسلسل إعادة البناء" في خريف 1985، و ذلك على طريق الإفلاس النهائي بحل المنظمة في ربيع 1994، و بذلك تحمل قادة "مسلسل إعادة البناء" ثلاث مسؤوليات تاريخية: مسؤولية الضربات التي أدت إلى اجثثات المنظمة خلال فترة 1974-1976، ثم المسؤولية التاريخية في فشل مشروع إعادة بنائها ـــ خريف 1980 ــــ خريف 1985 ـــــ و أخيرا مسؤولية القضاء عليها نهائيا من خلال مسلسل المراجعات التراجعية عن خط الثورة المغربية الإديولوجي و السياسي و الاستراتيجي و الأممي الذي انتهى بحل منظمة "إلى الأمام" سنة 1994.

 

2- سيرورات الصراع و ترابطاتها، التناقضات و تطورها غير المتساوق و اللامتكافئ.

 

يقول لينين: "إن الديالكتيك، بمعناه الأصلي، هو دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء".

وحده الديالكتيك المادي و قانونه الأساسي، قانون التناقض و ما يوفره من منهجية علمية رصينة عبر مجموعة من المفاهيم والمقولات (وحدة الأضداد، التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي، الطرف الرئيسي للتناقض و الطرف الثانوي، التناقض العدائي (التناحري) و التناقض غير العدائي،....) يستطيع التقاط حركة الواقع و تناقضاته من لحظة البداية حتى لحظة نهاية سيرورة تطوره.

إن الاستعمال المنسجم لمبدأ "الواحد ينشطر إلى اثنين" في فهم و دراسة السيرورات و تطور التناقضات داخلها، و تحديد نوعيتها... ثم استحضار ترابط السيرورات (تبادل الفعل)، يسمح بفهم سيرورة تطور الظواهر السياسية داخل التنظيم السياسي الثوري أو الحزب السياسي الثوري، و ذلك لكونه يقوم بالارتقاء بمفهوم الصراع الطبقي الذي سيصبح في قلب الخط الثوري، و هذا ما يسمح لنا بتفسير ظهور صراع الخطوط داخل التنظيم الثوري أو الحزب الثوري، و هو ما تشهد عليه تجربة الحزب البلشفي الروسي و تجربة الحزب الشيوعي الصيني.

إن قانون تطور صراع الخطوط داخل التنظيم الثوري أو الحزب الثوري، يخضع للمنطق الجدلي، كما أن سيرورة تطور المنظمة الثورية خلال المراحل المختلفة من حياتها تخضع بدورها لقانون التناقض و تطور صراع طرفي التناقض ضمن سيرورة واحدة، و احتلال أحد التناقضات الطابع الرئيسي. و هناك تبادل الفعل و التأثير بين مختلف السيرورات المترابطة فيما بينها، على قاعدة انعكاس الصراعات الطبقية في مرحلة أو فترات مختلفة داخل المنظمة الثورية، و بذلك سنجد تلك الصراعات السياسية و الإديولوجية داخل المنظمة تتأثر جدليا بعاملي الزمان و المكان (داخل السجن و خارجه، داخل المغرب أو خارجه، في فترة محددة من الزمن أو في فترة أخرى...)، و تكون أحيانا داخلية نابعة من تناقضات داخل المنظمة، و أحيانا أخرى "خارجية" كما هو الحال في صراعها مع خطوط أخرى داخل فصائل الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية.

و ضمن سيرورة تطور التناقضات، بين الخطوط و الأفكار و التوجهات و التيارات يكون أحد التناقضات تناقضا رئيسيا، دون أن يعني ذلك عدم تبادل التأثير بين مختلف التناقضات التي تتحرك في ظل سيرورة واحدة، تحمل في داخلها مجموعة من السيرورات الأخرى.

إن دراسة تاريخ المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" حسب التقسيم الذي حددناه أعلاه يقر بوجود فترات من داخل كل مرحلة و يؤكد تلك الخصائص التي حددناها أعلاه.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.