Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الرابعة من دراسة " مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام" “ ــ 16 دجنبر 2016

Pin it!

خ1.gif

استمرارا في نشر حلقات دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام"، يقدم موقع "30 غشت" للمناضلين و القراء الحلقة الرابعة والتي تضم الفصل التاسع من القسم الثاني للجزء الأول من هذه الدراسة، و الفصل يحمل عنوان: " خطاطة أولية لتطور الصراعات داخل منظمة إلى الأمام". 

 

 

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الأول

 

القسم الثاني

الفصل التاسع : خطاطة أولية لتطور الصراعات داخل منظمة "إلى الأمام"

أ- المرحلة الأولى :1970-1980:

ـــــ فترة 30 غشت 1970-20 نونبر1972:

تميزت هذه الفترة بتأسيس منظمة "إلى الأمام" في 30 غشت 1970، حيث أصدرت وثيقتها التأسيسية الأولى تحت عنوان: "سقطت الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري".

خلال هذه الفترة و بعد دخول المنظمة تجربتها السياسية الأولى، و أمام تحديات القمع و تطور الصراع الطبقي و تحديات المهام المطروحة عليها، ظهرت تناقضات و صراعات إيديولوجية داخل المنظمة، خاصة أن الوثيقة التأسيسية لم تجب بشكل دقيق عن العديد من القضايا السياسية و التنظيمية التي طرحت على عاتق المنظمة خلال هذه الفترة.

على أرضية خط العفوية الذي كان سائدا خلال هذه الفترة، و في محاولات للخروج منه، تصارعت ثلاث خطوط متناقضة:

* خط كان يدعو إلى البناء الذاتي للمنظمة، و الابتعاد عن النضالات الجماهيرية، و التقليص من العمل الدعائي و التحريضي حتى تستطيع المنظمة بناء الأطر الثورية التي ستقود الثورة. و كان لهذا الطرح وجه سياسي يتمثل في الدعوة إلى التعامل مع القوى السياسية و الإصلاحية (أحزاب الكتلة الوطنية أنذاك)، و عرف هذا الاتجاه باتجاه رايموند بنعيم.

* خط غيفاري، كان يدعو إلى حرب العصابات كطريق للثورة المغربية، كان هذا الخط متأثرا بتجارب أمريكا اللاتينية. كان هذا الاتجاه يرفض فكرة بناء الحزب الثوري، كمقدمة لإنجاز الثورة المغربية، و يؤكد على مفهوم بناء جبهة ثورية شعبية. كان بلخضر جمال هو زعيم هذا الاتجاه (دكتور صيدلة و صيدلي و اختصاصي في الأعشاب الطبية، أصبح ذو شهرة عالمية في هذا المجال).

* خط ثوري ماركسي ــ لينيني، كان متأثرا بالثورة الثقافية الصينية، و إسهامات و فكر ماو تسي تونغ، و مدافعا عن خط حرب التحرير الشعبية، و خط الجماهير كما حدده ماو تسي تونغ، و عموما يمكن تسميته بخط "القواعد الحمراء المتحركة"، و من أبرز ممثلي هذا الاتجاه أبراهام السرفاتي.

إن ما يميز صراع الخطوط في هاته الفترة، أن الصراع كان داخليا، قاده رفاق من داخل المنظمة. و قد شكل الصراع ضد الخط الأول و الثاني إحدى مراحل تطور سيرورة بناء الخط الثوري للمنظمة خلال هذه الفترة التي انتهت ببناء خط سياسي و تنظيمي و استراتيجي للمنظمة، عبرت عنه مجموعة من الوثائق منها "مسودة الاستراتيجية الثورية" و وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم : نقد ونقد ذاتي".

و قد وضعت اعتقالات ينايرــ فبراير1972، و التي استمرت إلى حدود شهر ماي من تلك السنة، حدا لوجود الخط الثاني، الذي كشف القمع عن وجود عمل تكتلي كان يقوم به أصحاب هذا الإتجاه من داخل المنظمة، حيث شكلوا تنظيما داخل التنظيم، و كانوا وراء تأسيس ما سمي ب"وكالة الأنباء الشعبية".

إن هذا العمل التكتلي، قد ساهم بشكل كبير في الضربة التي تعرضت لها منظمة "إلى الأمام" سنة 1972.

أما الخط الأول، فقد استمر يصارع حتى بعد الندوة الوطنية الأولى التي تم هزمه فيها على يد عناصر الخط الثوري. و في حدود ماي ـــ يونيو 72، و تحت ضغط المتابعات التي كان يتعرض لها رفاق المنظمة، قام زعيم هذا الاتجاه بابتزاز هذه الأخيرة، عندما اشترط عليها إخراجه من المغرب بكل الوسائل، و إلا سيفشي كل الأسرار التي يعرفها عن المنظمة إذا ما تم اعتقاله، و كان ذلك بمثابة نهايته السياسية، بينما استمر بعض أتباعه في المواجهة إلى حدود منتصف 1973. و قام هذا الاتجاه بعمل تكتلي بعد الندوة الوطنية الأولى على مستوى فرع الرباط، انفجرت على إثره صراعات قوية مع هذا الاتجاه.

عموما يمكن اعتبار التناقض بين الخط الإصلاحي (خط بنعيم) و الخط الثوري في هذه الفترة، تناقضا رئيسيا، بينما شكل التناقض مع الخط اليسراوي الغيفاري تناقضا ثانويا (خط بلخضر)، و إن دار الصراع أحيانا، و في نفس الوقت بين الخطوط الثلاثة.

إن ما يميز هذه الفترة كذلك، أن سيرورة بناء الخط الثوري الجديد، قد تمت على قاعدة الانشطار داخل الخط الأول التأسيسي و كذلك في تفاعل مع الخطوط الأخرى. و من المعروف أن هذه الفترة انتهت بانتصار الخط الثوري الذي تعبر وثيقة: " 10 أشهر من كفاح التنظيم..." عن أهم خلاصاته الجديدة.

ـــــ فترة 20 نونبر1972 ــــ نونبر 1974:

لعل أهم مميزات هاته الفترة، هي دخول منظمة "إلى الأمام" في إعادة بناء ذاتها بناءا على خلاصات تجربة سنتين من نضالها، تلك الخلاصات التي حددت خطوطها العريضة وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التتظيم: نقد و نقد ذاتي" الصادرة بتاريخ 20 نونبر 1972. كان على المنظمة أن تترجم تلك الخلاصات إلى مهام سياسية و تنظيمية يكثفها شعار "من أجل بناء منظمة طليعية، صلبة و راسخة جماهيريا". و على مدى سنتين عرفت المنظمة تطورا هاما في خطها السياسي و التنظيمي و الاستراتيجي.

حصل هذا التطور في ظل أوضاع سياسية داخل المغرب، من أبرز مميزاتها الهجوم الذي دشنه النظام الكمبرادوري، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ليوم 16 غشت 1972، على الحركة الجماهيرية و القوى الديموقراطية و الثورية و الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، في محاولة لإعادة ترميم قاعدته السياسية المهزوزة و تركيز نظامه الكمبرادوري الذي تعرض لهزات قوية، فكان القمع الفاشي إحدى السمات الرئيسية لهذه الفترة، التي ستتميز بدخول قضية الصحراء على الخط،و قبلها انفجار حركة 3 مارس الثورية التي فجرتها مجموعات مسلحة تابعة للخط الوطني الثوري داخل "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية". و في سياق التحديات التي واجهتها الحملم، برزت تحاليل مختلفة للوضع السياسي العام بالبلاد و للمهام الملقاة على تلك الحركة. و بعد نقاشات أولية بين منظمة "إلى الأمام" و منظمة "23 مارس"، تبين أن الخلافات كبيرة و جوهرية، فانفجر الصراع بين الفصيلين و أخذ طابعا جماهيريا و مفتوحا. انطلق الخلاف بعد إصدار منظمة "23 مارس" لوثيقة "خطة عمل داخل الطبقة العاملة"، تلك الوثيقة التي قام محمد الكرفاتي الملقب ب"حميد" بصياغتها . و يعتبر محمد الكرفاتي آنذاك ممثلا و قائدا للتيار اليميني داخل تلك المنظمة. و كما سبق أن أوردنا في صفحات سابقة، لم تكن الوثيقة مجرد خطة عمل، بل تحليلا متكاملا يعرض لمجموعة من الطروحات تتناول تحديدا لطبيعة النظام، تقييم المرحلة السياسية، تحليل و تقييم واقع الحركة الجماهيرية، الموقف من الفلاحين، نظرية الأطر و بناء الحزب الثوري، و بشكل غير مباشر جوانب من الاستراتيجية الثورية. فيما يخص الطرح المتكامل للاستراتيجية فقد تم تقديمه في يناير 1974، من طرف محمد الكرفاتي، بمناسبة اجتماع تنسيقي مع منظمة "إلى الأمام"، و يتلخص مضمونها في تصور احتمال قيام انتفاضة بمناسبة الذكرى العاشرة لانتفاضة 23 مارس بالدار البيضاء. كان التصور يقوم على فكرة إطلاق الحركة التلاميذية بالدار البيضاء لانتفاضة تجر معها الطبقة العاملة بالمدينة.

ابتداءا من أبريل 73، و إلى حدود صدور بيان 22 يونيو 1974 الموقع من طرف المنظمتين، خاض الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" صراعا مريرا ضد الخط اليميني داخل منظمة "23 مارس"، ذلك الخط الذي أطلقت عليه المنظمة "خط التراجع" أو "خط الردة داخل الحركة الجماهيرية"، و قد تركزت وجهة نظر الخط الثوري في مجموعة من الوثائق أهمها "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية ــ اللينينية" أبريل 1973.

و لمزيد من التدقيق، فالخط اليميني لمنظمة "23 مارس" كان آنذاك يتشكل من تيارين:

- تيار محمد الكرفاتي و كان يحظى حينها بالأغلبية داخل اللجنة المركزية لمنظمة "23 مارس" بالداخل، هذا التيار عبرت عن مواقفه وثيقة "خطة عمل داخل الطبقة العاملة".

- تيار عبد السلام المؤذن ( تيار الأقلية داخل الاتجاه اليميني)، و كانت له خلافات مع الأول في بعض القضايا كقضية الصحراء (الدفاع عن مغربية الصحراء)، و التأكيد على الطابع الديموقراطي المناهض ل"الأتوقراطية" في ما يخص المرحلة الاستراتيجية، فيما يشبه التخلي عن مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية كطرح استراتيجي، مقابل الدعوة إلى انتفاضة من أجل إسقاط الملكية.

كان لهذا الصراع السياسي بين المنظمتين أثر كبير على تطور الخط السياسي لمنظمة "23 مارس"، حيث سيتوج بظهور تيار جديد سيعرف لاحقا ب"الاتجاه الإيجابي" الذي كان قريبا من منظمة "إلى الأمام". و بالفعل تم تكريس هذا الواقع الجديد بعد انعقاد الندوة الوطنية لمنظمة "23 مارس" في أبريل 1974 التي انتخبت لجنة وطنية جديدة، تتشكل من 13 عضوا حظي فيها "الاتجاه الإيجابي" بالأغلبية، بينما شارك تيار "مغربية الصحراء" بثلاثة أعضاء هم عبد السلام المؤذن و عبد العالي بنشقرون و علال الأزهر. و أقامت منظمة "23 مارس" ندوة أخرى في شتنبر 1974 للحسم في الموقف من قضية الصحراء.

لقد تجسد هذا التطور في العلاقة بين المنظمتين بصدور "بيان يونيو 1974"، و كراس"طريقان لتحرير الصحراء"- شتنبر 1974- و"الخطة التكتيكية المشتركة" - أكتوبر74-، و عودة "لجنة التوحيد" إلى ممارسة مهامها (أكتوبر74).

في نفس الفترة، و بعد شهور من انفجار الخلاف بين الفصيلين المذكورين أعلاه، انطلق النقاش بين منظمة "إلى الأمام" و الفصيل الثالث، الذي سيعرف فيما بعد ب "لنخدم الشعب".

ظل النقاش بين المنظمتين داخليا، و مر بمجموعة من الأطوار (تبادل الوثائق) توجت بفتح نقاش ديموقراطي يساهم فيه أعضاء التنظيمين، مع الحرص على سرية ذلك. و قد أظهر النقاش آنذاك وجود العديد من الخلافات، تعود إلى تبني فصيل "لنخدم الشعب" لأطروحات يقوم عمادها الاستراتيجي و السياسي على إعطاء الأولوية للعمل في البوادي و تأثير ذلك على الطبيعة الطبقية للحزب الثوري و الأطر الثورية و الموقف من الطبقة العاملة. كما تميز الطرح الاستراتيجي ل "لنخدم الشعب" بتبني فكرة إطلاق العنف الثوري الفردي المباشر دون انتظار، و هو ما كان يطلق عليه في أدبيات هذا الفصيل ب "العمليات ذات صدى"و ب "المبادرة الثاقبة".

إن تطور التناقضات داخل الحملم بالنسبة للفترة المحددة أعلاه، كان انعكاسا لتطور الصراعات الطبقية و التحولات البنيوية السياسية و الاقتصادية التي دخلتها التشكيلة الاجتماعية و الاقتصادية المغربية آنذاك. و بقدر ما كانت انعكاسا لذلك الواقع فقد كانت كذلك تعبيرا عن محاولات لإيجاد الصيغ السياسية و التنظيمية و حتى الاستراتيجية للتدخل و التأثير في ذلك الواقع من طرف المنظمات الماركسية ــ اللينينية.

عموما ما يهمنا هنا، أن تلك المحاولات تطورت ضمن سيرورات متناقضة:

- السيرورة الأولى كان يحركها التناقض بين الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" و الخط اليميني السائد داخل منظمة "23 مارس"، و كان هذابمثابة تناقض رئيسي داخل الحملم، ساهم في تفجير الصراع بين المنظمتين و انعكس على أساليب الصراع مع منظمة "23مارس" فكان الصراع جماهيريا و مفتوحا، لكنه لم يتحول إلى العدائية، نتيجة العلاقات التاريخية المشتركة بين قواعد التنظيمين.

- السيرورة الثانية، التي كانت تجري في نفس الوقت تقريبا، كان محركها التناقض بين الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"و الخط "الماوي" "لنخدم الشعب (المقصود هنا بالماوية المعنى الذي كان يعطى لهذا المفهوم داخل بعض الفصائل اليسارية العالمية،الفرنسية منها خصوصا، و يختلف عن المعاني الجديدة التي أخذها ابتداءا من ثمانينات القرن العشرين).

احتل هذا التناقض موقعا ثانويا في الصراع، انطلاقا من رغبة الطرفين في الوحدة من أجل عزل التيار اليميني داخل الحملم، و انعكس هذا التصور على أسلوب النقاش الرفاقي و الهادئ و الداخلي الذي ساد بين المنظمتين.

لقد كان الطرفان ينطلقان من نفس التشخيص للتناقض الرئيسي داخل الحملم، و من تم الاتفاق على الخصم الرئيسي الذي وجب مواجهته أي الخط اليميني السائد داخل منظمة "23 مارس".

إن هذا الاتفاق لم يكن يعني عدم وجود خلافات إديولوجية و سياسية و استراتيجية هامة، بل على العكس تم التصدي لها بالنقاش الذي سمح بتحديد عناصر الاتفاق و جوانب الخلاف لتعميق النقاش حولها.

لقد كان للقمع الذي تعرضت له الحملم ابتداءا من نونبر 1974 انعكاس كبير على مسار السيرورتين و تحول التناقضات و انتقالها، و يمكن القول أن الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، قد تطور في هذه الفترة كما تشهد على ذلك وثائقها تحت تاثير ثلاث سيرورات :

- سيرورة الصراعات الطبقية في المغرب خلال الفترة المحددة أعلاه.

- سيرورة الصراع ضد الخط اليميني داخل منظمة "23 مارس" الذي احتل فيه التناقض الطابع الرئيسي من موقع الحملم ككل.

- سيرورة التناقض مع خط منظمة "لنخدم الشعب" الذي كان ثانويا بالنسبة للتناقض الأول.

بخلاف الفترة الممتدة من 30 غشت إلى حدود نونبر 1972، التي تميزت بتطور الخط السياسي العام ضمن تناقضات داخلية للمنظمة كانت محركا لذلك التطور، نجد أن الفترة الثانية تميزت بانتقال التناقض من داخل المنظمة إلى خارجها، و شكل هذا التحول محركا أساسيا أو شرطا أساسيا لتطور خط المنظمة بارتباط مع تطور السيرورة الأولى.

إن هذا الانتقال للتناقض، لا يعني أن المنظمة كانت تتطور خلال هاته الفترة بدون تناقضات داخلية كما تعبر عن ذلك التساؤلات التي كان يطرحها الرفاق خلال ندوات المنظمة،أو داخل الخلايا القاعدية للمنظمة، فقد كانت اجتماعات تلك الإطارات التنظيمية مناسبة تظهر فيها خلافات أو تقييمات مختلفة حول الوضع السياسي أو حول طبيعة مهام المنظمة و أولوياتها، كما يؤكد ذلك ظهور مواقف داعية لخوض الكفاح المسلح تحت تأثير "حركة 3 مارس1973"، أو الدعوات إلى تقليص التواجد في الشبيبة المدرسية و التركيز اكثر على العمل وسط الطبقة العاملة و الفلاحين. لكن هذه التناقضات ،بقدر ما كانت انعكاسا للشروط الموضوعية، بقدر ما تاثرت بالتناقض الرئيسي داخل الحملم الذي لعب دورا طاردا لتلك التناقضات، التي كانت تواجه بتأكيد قيادة المنظمة على صحة الخط السياسي (و هذا صحيح إلى حد ما)، و ضرورة اتسام التنظيم ب "وحدة الفكر و الإرادة و الممارسة" مما كان يساهم في طمس التناقضات و طردها من التنظيم بدون معالجتها و حلها سياسيا و إديولوجيا. و تولد عن هذا الطرح تصور بيروقراطي لدور القيادة في بناء الخط السياسي، مما جعله حكرا على هذه الأخيرة، و قد نتج هذا الفهم عن تأويل خاطئ لخلاصات "تقرير 20 نونبر 1972"، و سيكون لهذا الطرح نتائج سلبية على المنظمة عندما ستهب عاصفة القمع الوحشي ابتداءا من نونبر 1974 و ما تلاها.

ــــ فترة نونبر 1974 مارس 1976:

بعد الضربات المتتالية التي تعرضت لها الحملم منذ نهاية صيف 1972، و استمرت خلال سنتي 1973 و 1974، أعلن النظام الكمبرادوري في خريف 1974 (خطاب أكادير 1974) عن نيته و رغبته في اجتثاث الحملم و الحركة الثورية و ذلك في سياق محاولاته لترميم وضعه الداخلي المهزوز بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في يوليوز 1971 و غشت 1972. 

و بعد أسابيع من هذا الخطاب المشؤوم، هبت رياح قمع وحشي عصف بالعديد من أطر و مناضلي الحملم، فقد دشن النظام الكمبرادوري في خريف 74 أكبر هجمة فاشية على الحملم استمرت إلى حدود مارس 1976، حيث سيزج بالمئات من المناضلين في قبو المعتقلات السرية المظلمة للنظام، و سيتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الجسدي و النفسي خلال مدد طويلة، قبل أن تصدر في حقهم أحكام قاسية تعد بمئات السنين.

لقد استطاعت أجهزة القمع الفاشية للنظام الكمبرادوري - في خريف 1974- القضاء النهائي على وجود منظمة "23 مارس" بالداخل، وتأثرت منظمة"إلى الأمام" بتلك الاعتقالات،حيث تعرض العديد من قادتها و أطرها للاعتقال، مما أضعفها، لكن دون أن تستطيع أجهزة القمع القضاء عليها نهائيا بالداخل، حيث نجا مجموعة من قادتها و أطرها، فاستمرت المواجهة بينها و بين النظام إلى حدود مارس 1976، حيث استطاع لأول مرة القضاء على وجودها بالداخل (نجا من الاعتقالات العديد من مناضلي التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية التابعة للمنظمة المركزية، بينما تعرضت المنظمة المركزية للاجتثات).

كانت الحملم قبل هبوب عاصفة نونبر74 منكبة على ترتيب أوضاعها الداخلية، استعدادا لقفزة جديدة في العلاقات بين فصائلها الثلاث، خاصة بعد صدور"بيان 22 يونيو 1974" و"طريقان لتحرير الصحراء" ( شتنبر 1974) و"الخطة التكتيكية المشتركة" (اكتوبر 1974)، وثائق ساهمت في تقريب وجهات النظر بين منظمة "إلى الأمام" و منظمة "23 مارس"، كان من نتائجها مباشرة عودة "لجنة التوحيد" المشتركة بينهما لتعمل من جديد، فأصدرت "نشرة الوحدة"، التي جسدت تعبيرا عن عودة الروح الوحدوية إلى العلاقات بين التنظيمين، بعد فترة من الصراعات السياسية بينهما. و بشكل مواز قطعت العلاقات الوحدوية بين منظمة "إلى الأمام" و منظمة "لنخدم الشعب" أشواطا متقدمة، بعد الحوار الاستراتيجي الذي دار بينهما و الذي تلخصه وثيقة "من أجل خط ماركسي- لينيني لحزب البروليتاريا المغربي"( 8 مارس 1974).

قضت حملة النظام الكمبرادوري القمعية، ابتداءا من خريف 74،على هاته السيرورة الوحدوية بين الفصائل الثلاث. هكذا وجدت منظمة"إلى الأمام" نفسها وحيدة في مواجهة النظام الكمبرادوري و ترسانته القمعية المدعومة و الموجهة من طرف المخابرات الامبريالية و خاصة الفرنسية منها.

تشكل هاته الفترة إحدى أخطر الفترات التي مر منها تاريخ المنظمة النضالي، لقد وضع القمع الفاشي، في ظروف سياسية بالغة التعقيد، وجودها و استمراريتها الثورية على المحك.

دامت هاته الفترة 15 شهرا، تميزت بتصاعد غير مسبوق للقمع و الترهيب و انتشار الحملات الشوفينية على يد أبواق النظام الكمبرادوري و القوى الإصلاحية. و تعرضت المنظمة للحصار و التطويق من طرف التحالف القائم بين النظام و الأحزاب الإصلاحية تحت شعارات زائفة من قبيل "الوحدة الوطنية" و"الإجماع الوطني". و تفننت أبواق الأحزاب البرجوازية الإصلاحية في الهجوم على المنظمة و التحريض عليها، مستغلة في ذلك الحملة الشوفينية التي كان يبتها النظام حول الصحراء. و بقبولها لشعار "السلم الاجتماعي"، عارضت القوى البرجوازية الإصلاحية النضالات الجماهيرية، و قامت من أجل ذلك بالهجوم على المنظمة و التحريض عليها و كشف مناضليها، و تعرضت الحركة الجماهيرية التي كان سخطها يزداد على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية التي ازدادت سوءا، لحملات واسعة كانت تهدف بث الفكر الشوفيني داخلها و وأد كل روح نضالية لديها و إخضاعها لسياسة السلم الإجتماعي المفروضة من طرف النظام و القوى الإصلاحية.

لقد شكلت قضية الصحراء غطاءا لحملات قمع وحشية ضد مناضلي الحركة الطلابية و الحركة الجماهيرية و مناضلي المنظمة. و عموما، تميزت هاته الفترة بدخول النظام، مرحلة جديدة في مسلسل إعادة ترتيب وضعه الداخلي، و إقامة قاعدة سياسية لحكمه الفاقد لأي شرعية، مستغلا قضية الصحراء لجر القوى الإصلاحية لتحالف جديد معه على قاعدة شعارات مزيفة من قبيل: "الوحدة الوطنية" و"الإجماع الوطني" حول الصحراء و"المسلسل الديموقراطي" الخ...

هذه بتركيز، الشروط الموضوعية، فكيف أثرت على المنظمة؟ و كيف تعاملت معها ؟

1- تنظيميا: فقدت المنظمة خلال حملة نونبر 1974 يناير 1975، عددا هاما من قادتها و أطرها الثورية المجربة، و كان لذلك أثر بالغ على استمراريتها، في ظل غياب تام لمنظمة "23 مارس" التي تعرضت لضربة قوية في نونبر 1974. و ساهم هذان العنصران في إضعافها و وضعاها أمام تحد كبير لضمان استمراريتها.

2- سياسيا: كان الخط السياسي للمنظمة إلى حدود نونبر 74، مؤطرا بالتحاليل السياسية التي جاءت بها مجموعة من الوثائق، أهمها وثيقتي: "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية ــ اللينينية "( 6 أبريل 1973) و " نحو تهييئ شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية" ( 20 أكتوبر1973 ).

إن قيادة المنظمة في هاته الفترة كانت ملزمة بالاستمرار في إنجاز المهام المسطرة في الوثيقتين، مع اعتبار المستجدات، و تحيين التحاليل السياسية، و المزيد من التدقيق في المهام التنظيمية خاصة بعد ضربة نونبر 74 – يناير 75.

لقد قامت الوثيقتان المشار إليهما أعلاه، بتدقيق المهام التي سطرتها وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم: نقد ونقد ذاتي" ( 20 نونبر 1972 )، و التي يلخصها شعار"من أجل بناء منظمة طليعية، صلبة و راسخة جماهيريا".

إن هذا التدقيق كان يعني تطوير خط المنظمة في العديد من القضايا ذات صلة بأزمة النظام، واقع القوى الإصلاحية، الحركة الجماهيرية، طبيعة الفترة و المرحلة، وحدة الحملم الخ.

و لأن بناء منظمة طليعية، صلبة و راسخة جماهيريا، لا يمكن أن يتم خارج الارتباط بالحركة الجماهيرية، الذي يلخصه شعار "الصمود و الارتباط بالحركة الجماهيرية"، فتحديد طبيعة الفترة التي كانت تمر منها الحركة الجماهيرية، كان ضروريا لتحديد المهام و تدقيقها، فكان شعار "نحو تهييء شروط قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية".

إن قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية، كان يقوم على خمس مرتكزات أساسية هي:

1- مقاومة الجماهير لهجوم النظام على قاعدة الأوضاع المادية المزرية التي تعيشها.

2- اعتبار موازين القوى مختلة لصالح النظام.

3- بناء الحزب الماركسي ــ اللينيني، بالاستناد إلى مقاومة الجماهير و صمودها.

4- سياسيا، و بالارتكاز إلى حد أدنى من مقاومة الجماهير و صمودها، شن النضال من أجل تحسين أوضاعها المعيشية، و تحقيق بعض الحريات الديموقراطية و توقيف القمع و الطرد و التوقيف...

5- مراعاة قوانين بناء الحزب الثوري خلال فترات الجزر( انظر وثيقة "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو" ( صيف 1973 ).

خلال هاته الفترة، تميزت التحاليل السياسية التي أصدرتها قيادة المنظمة (أو ما تبقى منها) بتأكيدها على استمرارية أزمة النظام، و نمو الحركة الجماهيرية (كما جاءت بها الوثيقتان "الوضع الراهن ..." و"نحوتهييئ شروط ..." مع تحديد طبيعة النضال آنذاك باعتباره نضالا ديموقراطيا ( الفترة ديموقراطية).

و على أساس هذا التحديد قامت القيادة ببلورة برنامج ديموقراطي،يراعي شروط التحالف مع القوى الإصلاحية، و قد صدر البرنامج الديموقراطي في العدد 21 من جريدة "إلى الأمام".

بالنسبة للخطة الدعائية التي تمت بلورتها من طرف أعضاء القيادة فقد كانت ترتكز على محورين هما :

1- الارتباط بمشاكل الجماهير و الاهتمام بها.

2- الدفاع عن تقرير المصير "للجماهير الصحراوية "و إعادة البناء على أسس وطنية ديموقراطية.

لقد كان الهدف من الخطة الدعائية فك العزلة والحصار الذي تتعرض له المنظمة عبر تصعيد الدعاية و التقدم في الارتباط بالجماهير.

في غشت 1975، صدر بالنشرة الداخلية للمنظمة "الشيوعي" (عدد صيف 75) تقييم للاعتقالات التي تعرضت لها المنظمة في نونبر 74 و يناير75. و من الملفت للنظر، أن هذا التقييم ركز اساسا على الجوانب التقنية في تقييم الضربة التي تعرضت لها المنظمة (استعمال المنازل ،المفاتيح، المواعيد، التحركات).

إن التأخير الحاصل في إنجاز مهمة التقييم لا يمكن تبريره بالظروف الصعبة التي كانت تمر منها المنظمة خلال هاته الفترة، و من غير المفهوم كذلك أن لا يتعدى التقييم المنجز حدود تحليل تقني للاعتقالات، فالتقييم عادة ما يكون لحظة حاسمة، يرتقي فيها التنظيم الثوري بخطه السياسي، الذي يكون حافزا للحماس و لحشد الطاقات من أجل تصليب التنظيم، عبر سيرورة التثوير و البلترة و التقدم نحو إنجاز المهام الأساسية، و هذا لم يحصل، مما ساعد على خنق المنظمة و إنجاح مخططات النظام في ضربها، و يتحمل أعضاء القيادة الذين نجوا من الاعتقالات مسؤولية جسيمة في ذلك. و سنرى فيما بعد كيف تصرف هؤلاء مع الضربة التي تعرضت لها المنظمة ابتداءا من دجنبر 1975 وصولا إلى مارس 1976.

- التخبط السياسي للقيادة و تناقضات الواقع:

إن الوقوف على وثائق هذه الفترة و خطة العمل النابعة منها أو الخاضعة لتحاليل جديدة على إيقاع الصراعات الطبقية و السياسات المرتبطة بها، سواء لدى النظام الكمبرادوري أو القوى الإصلاحية المتحالفة معه، في سياق إعادة بناء القاعدة السياسية للنظام، بعد الضربات التي وجهت لها من طرف نضالات الحركة الجماهيرية، و التناقضات التي تفجرت من داخل النظام نفسه على شكل انقلابين في يوليوز 1971 و غشت 1972، تظهر أن النظام كان يتحرك في إطار خطة واسعة من أجل إعادة بناء شرعيته المهزوزة.

في مثل هذه الظروف، وجدت المنظمة نفسها محاصرة و مطوقة من طرف التحالف الكمبرادوري- الإصلاحي، و اتخذ هذا الوضع بحكم التطورات السياسية الجديدة، أبعادا خطيرة خاصة بعد الحملة الأولى للاعتقالات في نونبر1974 ويناير 1975، تلك الاعتقالات التي أدت إلى تصفية فصيل بكامله من الحركة الماركسية ــ اللينينية ( فصيل 23 مارس) و اعتقال مجموعة من قادة المنظمة وأطرها المجربة،و على رأسهم الشهيد القائد عبد اللطيف زروال.

إذا كانت الحملة الاولى، لم تستطع أن تقضي نهائيا على المنظمة، بحكم صمود رفاقها، فإن هاته الأخيرة قد فقدت مع ذلك نواة أساسية من أطرها.

في ظل هاته الأوضاع، حاول ما تبقى من الكتابة الوطنية (عضوان و هما المشتري بلعباس و عبدالفتاح فاكيهاني) و اللجنة الوطنية (الصافي حمادي)، العمل من أجل استمرار المنظمة و الدفاع عن وجودها. بطبيعة الحال قام التوجه الذي قاد هذه الفترة، بالاعتماد على الوثائق الأساسية للمنظمة أحيانا، و بتقديم تحاليل جديدة أحيانا أخرى، بصياغة أجوبة في محاولة للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها المنظمة، نتيجة الضربة التي تعرضت لها، و سنحاول تلمس التناقضات التي طبعت ذلك التوجه الجديد من خلال التطرق لأربعة محاور:

1) التكتيك المرحلي و الجبهة العريضة لعزل النظام القائم

بطبيعة الحال، اعتمدت القيادة في تصورها للجبهة على وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة "، التي بلورت فكرة "الجبهة العريضة لعزل النظام"، على قاعدة تصور ل"البرنامج الديموقراطي".

فكيف تقدمت القيادة بطرحها لطبيعة المرحلة و لتكتيك التحالفات؟

انطلاقا من تشخيصها لطبيعة المرحلة، قدمت القيادة برنامجا ديموقراطيا ( انظر وثيقة "البرنامج الديموقراطي" الصادرة في جريدة "إلى الأمام" العدد 21، 1975).

خلال هاته الفترة، بلورت القيادة تصورا جديدا للتحالف مع الأحزاب الإصلاحية، سرعان ما سيثبت الواقع المادي تناقضه و تهافته، نظرا لكون القوى الإصلاحية كانت على تحالف سياسي متين مع النظام، في ظرفية طغت فيها على السطح قضية الصحراء، و ما ارتبط بها من شعارات "الوحدة الوطنية" و"الإجماع الوطني" و "المغرب الجديد" و "السلم الإجتماعي" الخ......

على قاعدة هذا التحالف، و انطلاقا من دورها في مخطط النظام الكمبرادوري، كانت القوى الإصلاحية (الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، حزب التقدم و الاشتراكية الحزب الشيوعي التحريفي المغربي)، في إطار الدور الموكول لها، تقوم بحملات مسعورة و شوفينية مقيتة ضد منظمة "إلى الأمام" (انظر مقالات و افتتاحيات جرائد الأحزاب الإصلاحية، و خاصة مقال صدر في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" تحت عنوان "حكاية البؤرة الثورية في الغرب العربي ــ غشت 1975 )، بالإضافة إلى كون هذه القوى، في إطار تحالفها مع النظام،كانت تدافع عن ما تسميه "السلم الاجتماعي"، بما يعني محاربة كل النضالات الجماهيرية.

هكذا و في محاولة لمغازلتها، سكتت قيادة المنظمة عن هذه القوى الإصلاحية،في وقت كانت تقوم بهجوم شرس على المنظمة، و دام هذا السكوت شبه الكلي إلى حدود غشت 1975، حينما أصدرت القيادة العدد 25 من جريدة "إلى الأمام" (1975 )، و تضمن مقالا تحت عنوان: "حول الأحزاب الملكية" اعتبر تطويرا للبرنامج الديموقراطي السابق.

و تضمن المقال هجوما على الأحزاب الإصلاحية، و في نفس الوقت قام بمحاولة لتطوير "البرنامج الديموقرطي" لمغازلتها.

هكذا سقط تصور القيادة في العديد من التناقضات، ما بين الهجوم على الأحزاب الإصلاحية، و مغازلتها بتقديم نقد ذاتي لها عن مفهوم "محترفي السياسة"، الذي كانت تنعت به المنظمة القوى الإصلاحية، و كذا عن الحلقية اتجاهها، ما بين الخوف من الانعزالية و فقدان الاستقلالية.

و على العموم، كان السقوط في مغازلة القوى الإصلاحية خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و السقوط في عجز عن تقييم طبيعة و نوعية تحالفها السياسي مع النظام من جهة، و من جهة أخرى غياب القيام بتقدير صحيح للقوى الديموقراطية الثورية.

هكذا، تم السقوط في فصل إصلاحي بين المهام الاستراتيجية و المهام التكتيكية، بتغليب الثانية و فصلها عن الأولى، مما تولد عنه خلط بين الجبهة الثورية كطرح استراتيجي و الجبهة العريضة أو الجبهة النضالية كطرح تكتيكي.

2- الخطة الدعائية: الواقع و التناقض

خلال هذه الفترة بلورت قيادة المنظمة خطة دعائية جوابا على الإشكالات التي كانت تعترض نشاطها، و قامت على دعامة ترتكز على محورين و هما :

أ- الدعوة إلى الارتباط بالجماهير جوابا على خطر العزلة (الانعزالية)

إن الدعوة إلى هذا الارتباط، لم تقم على تقييم شامل لتجربة المنظمة، بل حتى إدراك – و هو امر يفقع العين- أن المنظمة أصبحت الآن متقوقعة داخل الشبيبة المدرسية، خاصة خلال هذه الفترة ،حيث ظهر مفهوم خاطئ في تقدير حركة الشبيبة المدرسية. لقد كانت الدعوة إلى الارتباط بالجماهير مجرد تغطية عن التقوقع داخل الشبيبة المدرسية، و قد ساهمت التنظيرات الخاطئة حول مفهوم "المقدمة التكتيكية" في توهيم الصورة و بث الضبابية.

و من جهة أخرى لم يكن هناك تقدير حقيقي لواقع الحركة الجماهيرية الموضوعي و للوضع الذاتي للمنظمة، فنبع عن ذلك تصور هجومي مفرط في المعركة مع النظام الكمبرادوري و القوى الإصلاحية، اتسم بطابع الإرادوية و الذاتية و اليسراوية ( الانتهازية اليسراوية ).

ب- الدفاع عن مبدأ تقرير المصير ل"جماهيرالصحراء"

لم يتجاوز موقف المنظمة في هذه الفترة ما جاء به بيان 22 يونيو 1974 و من المعروف أنه خلال صياغة هذا البيان تخلت منظمة "إلى الأمام" تكتيكيا عن مفهوم "الشعب" الصحراوي لتحقيق تقارب مع منظمة"23 مارس"، و هو موقف انتهازي تحملت مسؤوليته الكتابة الوطنية لمنظمة "إلى الأمام"، و معلوم أن منظمة "23 مارس" كان يخترقها موقفان من قضية الصحراء، أحدهما يتشبت ب "مغربية الصحراء"، و الآخر يدعو إلى تطبيق مبدأ "تقرير المصير"، و صيغة تقرير المصير ل "جماهير الصحراء" هو موقف توفيقي بين الطرفين.

هكذا، لم تقم القيادة خلال هذه الفترة بعد ضربة نونبر 1974- يناير1975، بتصحيح و تدقيق الموقف المبدئي للمنظمة من قضية الصحراء، الشيء الذي لن يتم إلا في اكتوبر من سنة 1976 ، بعد إصدار وثيقة "هل يشكل سكان الصحراء الغربية شعبا؟".

ج- المنظمة بين التركيز على الدعاية و غياب الاهتمام بالتنظيم

لقد عانت المنظمة من ضربة نونبر 74 و يناير 75 على مستوى الكادر التنظيمي، مما وضع أهمية الاهتمام بالأطر و سياسة بناء الأطر على جدول أعمالها، لكن من المفارقات التي تميزت بها الفترة، ضعف هذا الاهتمام، و مما يبرهن على ذلك التأخر في إنجاز تقييم تجربة المنظمة، الذي لم يصدر إلا في صيف 1975،و لم يغط سوى سنتي 74 – 75، لأنه اهتم فقط بالاعتقالات،و لم يقدم سوى تحليلا تقنيا لتلكم الاعتقالات (مشكلة المفاتيح، البيوت،المواعيد ...) و بذلك فوتت المنظمة الفرصة في إنجاز تطوير لخطها السياسي، على ضوء تجربة السنوات الأخيرة، و بذلك حصل عجز في بناء سياسة للأطر بارتباط جدلي مع تطور الخط السياسي. و بالمقابل حصل هروب إلى الأمام في اتجاه التصعيد السياسي من خلال خطة دعائية أدخلت المنظمة في معركة غير متكافئة مع النظام و القوى الإصلاحية، ساهم فيها تحويل قضية الصحراء إلى نقطة محورية و وحيدة في الصراع السياسي مع النظام الكمبرادوري، و كذلك السقوط في تعامل مجرد مع شعار"تقرير المصير".

في ظل هذا الواقع المتناقض الذي كان يؤججه الحصار و التطويق الذي كان يقوم به النظام الكمبرادوري و القوى الإصلاحية المتحالفة معه، كانت التساؤلات من طرف المناضلين و الرفاق تتناسل حول مصير المنظمة و آفاقها، و لم تكن هناك من أجوبة لذلك من طرف القيادة سوى التأكيد على شعار"وحدة الفكر و الإرادة و الممارسة". في ظل هذا الغموض انتشرت الميوعة التنظيمية، و بدأت ظاهرة التراجعات تتسع إلى حد أصبحت معه مدينة الدار البيضاء ليس قبلة للمناضلين و الرفاق المتابعين من أجل متابعة المهام الثورية، بل قبلة للعديد من المتراجعين الذين أصبحوا "جثتا" صعب على المنظمة التخلص منها، خوفا من المخاطر الأمنية التي تشكلها.

د- قضية الصحراء: حدود الموقف و تناقض الواقع

بالنسبة لهاته الفترة، لم يعرف موقف المنظمة أي تطور جديد من قضية الصحراء، و ظل حبيس بيان "22 يونيو 1974" و "طريقان لتحرير الصحراء "، في وقت كان فيه وضع المنظمة يتطلب المزيد من الاستقلالية في مواجهة المواقف الشوفيينية للنظام و القوى الإصلاحية، و التقدم في طرح موقف ثوري بديل.

لذلك خضع الموقف بشكل عام لتأثيرات الرغبة في التحالف مع القوى الإصلاحية من جهة، و في خوض معركة تتجاوز قدرات المنظمة الذاتية مع النظام و القوى الإصلاحية، بالتركيز على نقطة وحيدة أي الصحراء ،من خلال طرح مجرد لمبدأ "تقرير المصير".

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.