Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الخامسة من دراسة " مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام" “ ــ 24 دجنبر 2016

Pin it!

خ1.gif

يستمر الموقع في نشر حلقات دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام"، حيث يقدم الموقع اللحظة الحلقة الخامسة و التي تضم الفصل العاشر كفصل أخير للجزء الأول من هذه الدراسة، علما أن هذه الأخيرة تتألف من أربعة أجزاء يضم كل جزء منها أقساما هي بدورها تنقسم إلى فصول.

 

 

 

تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الأول

القسم الثاني

 

الفصل العاشر:

- في أهمية فترة نونبر1974– دجنبر 1976:

لقد توقفنا طويلا عند هذه الفترة نظرا لما كانت تمر بها من تناقضات داخل تجربة المنظمة و خطها السياسي، و لهذا بالغ الأهمية في فهم التناقضات اللاحقة و إدراكها، تلكم التناقضات التي انفجرت و اتخذت شكل اتجاهات و تيارات ستتصارع فيما بينها، سواء تعلق الأمر بالتيارات الإصلاحية أو بالاتجاه التحريفي الذي سيسود خط المنظمة ابتداءا من 1980.

و بالفعل عرف خط المنظمة خلال هذه الفترة انشطارا، نتيجة تعايش نواة ثورية داخله و أخرى إصلاحية، و ذلك تحت وقع الصراعات الطبقية للفترة أعلاه، فبدأ يحصل نوع من التراكم الكمي بالنسبة لسيرورة تطور الخط الإصلاحي، و سنرى لاحقا كيف تطور ذلك في ظل فترة 1978 – 1979، حين أعلن الخط الإصلاحي عن نفسه بشكل جلي حيث وصلت سيرورة تطوره درجة عليا.

إن هذا الاتجاه الإصلاحي الذي قادته قيادة المنظمة خلال هذه الفترة (خاصة أعضاء الكتابة)، قد بدأ يتبلور كتيار انتهازي متناقض ظاهريا، حيث كان يجمع بين الانتهازيتين: يمينية إصلاحية: كما عبر عن ذلك الموقف من الإصلاحية و البرنامج الديموقراطي، و مضمون الجبهة العريضة لعزل النظام القائم، و يسراوية : من خلال تقوقعه داخل الشبيبة المدرسية، و التنظير لذلك التقوقع و تحويل قضية الصحراء، ضمن خطة دعائية، إلى نقطة وحيدة في البرنامج الديموقراطي، ثم الدخول في معركة هجومية خاسرة عبر القفز على الوضع الذاتي و الاستهانة بقوة العدو، و النفخ في الذات، و السقوط في الذاتية و الإرادوية المفرطة بالقفز على الشروط الموضوعية و تغليب العامل الذاتي، في ظل غياب شبه تام للمسألة التنظيمية (القيادة، الأطر، الهياكل التنظيمية) ، و العجز عن تطوير الخط السياسي من أجل إنجاز قفزة نوعية للمنظمة.

هكذا بدأت تتشكل معالم خط إصلاحي سيعلن عن نفسه بجلاء خاصة في فترة 1978– 1979.

دون إدراك تناقضات هاته الفترة، خاصة على مستوى الخط السياسي، لا يمكن إدراك طبيعة الهجوم الذي شنته الاتجاهات الإصلاحية و التصفوية و التحريفية على الخط الثوري للمنظمة، باعتباره خطا يسراويا مسؤولا عن الضربات التي تعرضت لها المنظمة، و على هذا الأساس رفضت جميعها مبدأ التقييم الشامل للتجربة و المحاسبة الفردية و الجماعية و تقديم النقد و النقد الذاتي للمنظمة و للقيادة و للرفاق، في سياق سيرورة ثورية من أجل إعادة بناء الخط السياسي للمنظمة و تثويره و بلترته بارتباط مع البناء التنظيمي و السياسي و الإديولوجي.

إن الهجوم على الشبيبة المدرسية، من خلال الهجوم على المؤتمر 15 للحركة الطلابية،و النقابة الوطنية للتلاميذ، كان مشجبا علقت عليه أخطاءها القاتلة. و اتخذ هذا الهجوم شعار "نقد المقدمة التكتيكية" كمفهوم مسؤول عن أخطاء التجربة، و الحال أن هذا النقد لم يكن له من الثورية إلآ الإسم، و سرعان ما سقط في العداء للشبيبة المدرسية، و هي فئة زاخرة بالطاقات الثورية المنتمية إلى أبناء العمال و الفلاحين الفقراء، لدرجة أن البعض اتخذ قرار مغادرته هذا القطاع في بداية الثمانينات، و ذلك تحت مبرر الذهاب إلى الطبقة العاملة.

و إذا كان نقد مفهوم "الشبيبة المدرسية مقدمة تكتيكية" قد لعب هذا الدور من جهة، فقد شكل شعار" الذهاب إلى الطبقة العاملة و التجذر داخلها" مشتركا ثانيا لكل التيارات الانتهازية،كما تظهر ذلك التجربة التاريخية. فالاتجاه الإصلاحي بقيادة المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري، و تعويضا لمفهوم "الشبيبة المدرسية مقدمة تكتيكية" قد دعا إلى بناء "جبهة القوى الديموقراطية و الثورية" كطريق جديد للتجدر داخل الطبقة العاملة، بينما دعا الاتجاه التصفوي بقيادة عبد الله زعزاع و عبد الفتاح الفاكهاني إلى حل الحركة الماركسية ــ اللينينية، باعتبارها برجوازية صغيرة ،و الذهاب كأفراد إلى الطبقة العاملة، و قد كان هذا مفهومهما لتجاوز "المقدمة التكتيكية" قبل أن يتحولا إلى الفكر الديموقراطي للثورة الفرنسية.

أما التيار التحريفي المعروف بخط "إعادة البناء" ، فقد أعلن عما أسماه الذهاب المباشر إلى الطبقة العاملة و التخلي عن الشبيبة المدرسية، و قد ساهم هو الآخر في تبخيس الطاقة الثورية لدى الحركة الطلابية و التلاميذية، و فتح بذلك الأبواب للقوى الظلامية لتأخذ مكانها داخل الجامعة و الحركة التلاميذية، علما أن هذا التيار عجز عجزا تاما عن التجذر داخل الطبقة العاملة، معيدا إنتاج تجربة نونبر 74 – دجنبر 76، حيث انتهى به المآل إلى السقوط و الفشل و التخلي عن الفكر الماركسي ــ اللينيني لصالح الفكر الديموقراطي و الحقوقي، بغطاء ماركسي فضفاض فاقد للروح الثورية.

دون إدراك لهذه التناقضات التي تطورت خلال فترة نونبر 74 - دجنبر76، ثم ما تلاها إلى حدود 1979، لا يستطيع المرء أن يدرك الشروط التي تشكلت على أساسها، تلك الأرضية السياسية المناهضة للحركة الطلابية و للشبيبة المدرسية و للطبقة العاملة و للنظرية الماركسية ــ اللينينية.

إن ما كان مضمرا من التناقضات خلال فترة نونبر 74- دجنبر 76،سينفجر في الفترات اللاحقة ليعلن عن نفسه في واضحة النهار، كخطوط إصلاحية، تصفوية و تحريفية.

إن النظرية المادية الجدلية للتطور، تعلمنا كيف تتطور الأشياء بقوة ذاتها (تناقضاتها الداخلية ) و بتفاعل مع أشياء أخرى (سيرورات مختلفة) و كيف تتطور الأشياء، و كيف يحصل الانقطاع داخل التدرج.

-فترة يناير 1976 – مارس 1977

تبتدئ هذه الفترة، من 16 يناير 1976 و تنتهي في 7 مارس 1977، و هو اليوم الذي تم فيه نقل معتقلي الحركة الماركسية ــ اللينينية من سجني الدار البيضاء (غبيلة وعين برجة) إلى السجن المركزي بالقنيطرة، بعد صدور الأحكام في حق المجموعة بكاملها و المعروفة بمجموعة 139.

خلال هاته الفترة، لعبت مجموعة 26 دورا مركزيا و أساسيا في الأحداث المرتبطة بهذه الفترة داخل سجن غبيلة، و في العلاقة مع المجموعتين اللتين تم نقلهما من "درب مولاي الشريف" إلى سجن عين برجة (هاتين المجموعتين تنتميان إلى حملة اعتقالات دجنبر 1975 - مارس 1976).

عموما، تميزت هاته الفترة بتسارع الأحداث السياسية بالمغرب، مباشرة بعد خطاب نونبر 1975 للنظام و إطلاق ما سمي ب "المسيرة الخضراء"، ثم دخول جيش النظام إلى الصحراء الغربية، بعد إبرام الاتفاقية السرية الثلاثية (المعروفة باتفاقية مدريد) بين اسبانيا و المغرب و موريطانيا، و التي أعلنت عن تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب و موريطانيا، و انطلاق المعارك بين جيش النظام و قوات البوليساريو، و إعلان هاته الأخيرة عن تأسيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" بالصحراء في نهاية فبراير 1976.

في ظل تعمق تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للشعب المغربي، نتيجة السياسات اللاوطنية،اللاديموقراطية،اللاشعبية للنظام الكمبرادوري، و في سياق تحالف سياسي بين النظام و القوى الإصلاحية،على قاعدة القبول بالسلم الاجتماعي و دعم مواقف النظام في قضية الصحراء، في هذه الأجواء المحمومة، تم نقل مجموعة 26، و قبلها مجموعة 79، ثم مجموعتي 1976 المنتميتان لحملة اعتقالات دجنبر1975 – مارس1976، إلى السجن، و نعني بها مجموعة 61 و مجموعة 66.

ابتداءا من منتصف يناير 1976، و بتفاعل مع الأحداث،عرفت مجموعة 26 نشاطا سياسيا مكثفا، نتج عنه مجموعة من المواقف و التحاليل، كانت تعبر إما عن مواقف سياسية مختلفة من تلك الأحداث الجارية على الساحة السياسية في المغرب و في الصحراء الغربية، و إما تعبيرا عن مواقف تمس القضايا الداخلية للمنظمتين "إلى الأمام" و "23 مارس"، أو تتعلق بقضايا خلافية بينهما. و من الملاحظات التي يجب تسجيلها، أن الاتصال بين مجموعتي المنظمتين داخل مجموعة 26، قد تم في ظل نتائج الاجتثاث التام لمنظمة "23 مارس"، و سقوط خط يميني داخلها سقوطا مدويا نظرا لما تحمله الزعيم اليميني محمد الكرفاتي.

بعد القرارات التنظيمية الأولى للمنظمة، و بعد إبداع أساليب متعددة للتواصل بين الرفاق، انخرطت المنظمة في نقاشات سياسية داخلية، تمحورت حول مجموعة من القضايا: الوضع السياسي، الاستراتيجية الثورية للمنظمة، المسألة الأمازيغية، الوحدة مع التيار الثوري لمنظمة "23 مارس" و مواجهة الطروحات اليمينية داخل منظمة "23 مارس".

هذا الوضع الجديد، أدى و تحت تأثير الاعتقالات و تقييم نتائجها و تحديد المسؤوليات السياسية و التنظيمية، إلى انشطار أفقي و عمودي داخل منظمة"23مارس"، ظهر على إثره تياران متصارعان: التيار الثوري الذي رفض قرارات القيادة الجديدة و رفض الاعتراف بشرعيتها، و أبرز ممثلي هذا التيار داخل مجموعة 26، الشهيد جبيهة رحال، و تيار يميني إصلاحي شوفيني سيعرف بتيار "مغربية الصحراء"، و كان يمثله داخل مجموعة 26 عبد السلام المؤذن و عبد العالي بنشقرون و علال الأزهر، و كانوا يمثلون تيار الأقلية داخل مجموعة "23 مارس" في سجن غبيلة.

لقد تولدت عن نقاش هذه القضايا، داخل منظمة "إلى الأمام"، و بالعلاقة مع التيار الثوري داخل منظمة "23مارس"، مجموعة من الوثائق ذات الصلة، من أهمها وثيقة "لنستعد" (تحليل سياسي للوضع في المغرب) ، وثيقة "هل يشكل سكان الصحراء الغربية شعبا؟" (محاولة التأسيس لمفهوم "شعب صحراوي" من الناحية التاريخية) وثيقة "الجمهورية العربية في الصحراء، انطلاقة الثورة في الغرب العربي" (المعروفة ب 13 نقطة) (صدرت هاته الوثائق في أكتوبر 76)، وثيقة "البرنامج الديموقراطي" ( طرح للبرنامج الديموقراطي مستمد، مع بعض التطوير، من وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" الصادرة في أكتوبر 74).

وثيقة "المرحلوية أو المنشفية الجديدة"، وثيقة "التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي"، وثيقة حول الأمازيغية.

بعد مجموعة من المعارك خاضها المعتقلون السياسيون، اضطر النظام إلى فك العزلة عن المعتقلين، و أصبح من الممكن التواصل مباشرة فيما بينهم، مما أدى إلى هيكلة تنظيمية بالنسبة لكل فصيل، و في نفس الوقت تشكل إطار تنظيمي موسع يجمع بين أطر المنظمتين (خارج ثلاثي الصحراء المغربية ،أو ما كان يسمى باليمين الإصلاحي).

هكذا، و في سياق مناقشة الوثائق المذكورة أعلاه، و الحماس الذي تولد عن ذلك لصالح الرغبة في الوحدة بين الفصيلين، توحدت الرؤى و التصورات، و على قاعدتها انطلقت سيرورة جديدة للوحدة ترجمتها المواقف الموحدة في المعارك النضالية داخل السجن.

في ظل هذا السياق، احتل الصراع ضد اتجاه يمينيي "23 مارس" و قيادته، موقعا رئيسيا، بهدف تعرية طبيعة مواقفه التحريفية الجديدة، و في نفس الوقت التقدم بخطوات كبيرة بهدف تحقيق وحدة منظمة "إلى الأمام" و التيار الثوري لمنظمة "23 مارس" الرافض لشرعية القيادة الجديدة. و قد شكلت محاكمة يناير 1977 – فبراير 1977، قمة هذا الصراع بين توجهين متناقضين بشكل كبير داخل الحملم.

هكذا عبرت سيرورة الصراعات السياسية و الإديولوجية داخل الحملم، و بارتباط وثيق بالتطورات السياسية داخل البلاد، عن ولادة تناقض رئيسي بين الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" و الخط اليميني الإصلاحي الشوفيني البورجوازي الصغير الذي استحوذ على قيادة منظمة "23 مارس". لقد كان تناقضا رئيسيا من داخل الحملم، و خارج منظمة "إلى الأمام". و في نفس الوقت كانت هناك سيرورة تناقض جديد، قد بدأت تتطور وتعلن عن نفسها، جمعت هاته السيرورة، بين الخط الثوري و الخط الإصلاحي داخل منظمة "إلى الأمام"، إلا أنه في تلك الشروط الموضوعية و الذاتية، ظل تناقضا ثانويا، تمحور حول بعض القضايا تتعلق بالموقف من المحاكمة.

تلكم، هي أهم التناقضات التي مرت منها المنظمة خلال هذه الفترة، التي حددنا أهم خصائصها، لكن لابد من الإشارة إلى أن الخط الثوري، الذي حافظ على جوهر الأطروحات الأساسية لمنظمة "إلى الأمام"، و دافع باستماتة عن الخط العام الإيديلوجي و الإستراتيجي للحملم و لمنظمة "إلى الأمام"، كان يحمل في نفس الوقت، و في طياته بذور مواقف إصلاحية، تم التعبير عنها في مجموعة من المواقف داخل بعض الوثائق التي أنتجتها الفترة أعلاه بشكل عام ك"الخطة التكتيكية المشتركة" (انظر مفهوم "الجبهة العريضة للنظام القائم"، "البرنامج الديموقراطي" لأكتوبر 76 )، إضافة إلى مواقف أخرى موروثة عن فترة نونبر 1975 – دجنبر1976،التي أفرزت في نفس الوقت اتجاها بيروقراطيا في الممارسات التنظيمية داخل المنظمة، جسدها مفهوم لوحدة المنظمة كتصور فوقي، تمليه قيادة المنظمة على باقي إطاراتها، و كذلك، و في غياب إطلاق تقييم شامل لتجربة المنظمة، ظل الموقف السائد يقول بصحة خط منظمة "إلى الأمام، و من تمة التأكيد المستمر على شعار"وحدة الفكر و الإرادة و الممارسة". و بالنسبة لتقييم التجربة، فقد تم تأجيلها إلى ما بعد المحاكمة.

- فترة مارس 1977 – أبريل 1979:

تبتدئ هذه الفترة، بوصول مجموعة معتقلي الحملم التي حوكمت في محاكمة الدار البيضاء، في يناير 1977 – فبراير1977، بعد صدور الأحكام القاسية في حقها، من طرف قضاة كراكيز، و بتوجيه مباشر من النظام الكمبرادوري، إلى السجن المركزي بالقنيطرة. و تنتهي، في أبريل 1979، حيث وصل الصراع بين الاتجاه الثوري لمنظمة "إلى الأمام" و الاتجاه الإصلاحي أوجه.

تميزت هذه الفترة، بإصدار منظمة "إلى الأمام" بالسجن المركزي بالقنيطرة في يونيو 1977، لقرارات تنظيمية، بناءا على نظامها الداخلي، و مبادئها الثورية التي كانت تحث على الصمود في وجه القمع و التعذيب خاصة بالنسبة لقيادتها، و أطرها، و استندت في ذلك، فضلا عن نظامها الداخلي، إلى معايير مستمدة من وثائقها الداخلية، مثال وثيقة"حول الصمود" المعروفة ب "كيف نتجاوز القمع".

هكذا، فبالنسبة لأعضاء القيادة و الأطر المحترفة، فهؤلاء يمثلون درجة أولى في مواجهة التعذيب و الاعتقالات، و تعني بالنسبة لهم الصمود أو الموت. أما بالنسبة للباقي، و الذي يتشكل من أعضاء المنظمة الذين ليسوا أطرا محترفة، و مناضلي التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية، فيمثلون درجة ثانية، و تعني ضرورة تحليهم بالصمود، لكن دون إلزامهم بنفس المسؤولية، و نفس الدرجة ،كما هو الحال بالنسبة للفئة الأولى.

على قاعدة الاحتكام إلى هذه المبادئ، التي ساهم في تسطيرها بعض ممن ستطبق عليهم، أصدرت قيادة المنظمة في زمانه و مكانه، قرارات يونيو الشهيرة، و التي جمدت عضوية مجموعة من قادة المنظمة و أطرها و هم المشتري بلعباس، عبد الفتاح الفاكهاني، عبد الله زعزاع، عبد الله المنصوري، مصطفى التمسماني، بويسف الركاب... كما أصدرت المنظمة قرار الطرد في حق مصطفى فزوان.

و قد طالبت قيادة المنظمة من المجموعة التي تم تجميد عضويتها، تقديم نقد ذاتي أمام أطر المنظمة و مناضليها. و قد تفاوتت ممارسات من تم تجميد عضويتهم، بين تعرض بعضهم للتعذيب قبل إفشاء أسرار تنظيمية حساسة، و بين من لم يلحقهم التعذيب، و قبلوا التعاون بطواعية مع أجهزة القمع مثل المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري، و كذلك من ساهموا في التحقيق و استنطاق بعض المناضلين حد الذهاب إلى مواعيد للمشاركة في اعتقال رفاق و مناضلين، و هذا مما استوجب في حقهم الطرد بسبب التعامل المكشوف مع العدو.

قيل الكثير، بل وسال مداد غزير حول هاته القرارات، و تأرجح الموقف منها بين قبولها، و بين رفضها،حسب طبيعة الاتجاهات، فالاتجاه الإصلاحي، بقيادة بلعباس و المنصوري، رفضها رفضا قاطعا منذ البداية، بينما اعتبرت التيارات التصفوية و التحريفية أيضا، إلى حد ما، تلك القرارات أخطاءا، لكون مسؤولية الضربة لا تعود للصمود من عدمه، و لكن لطبيعة الخط السياسي المسؤول عنها، سواء بشكل كامل، كما هو الحال عند التصفويين، الذين اعتبروا الحملم برجوازية صغيرة، و بالتالي لا معنى لمسألة الصمود،أو الذين ردوا ذلك إلى وجود انتهازية يسارية أو يمينية في الخط السياسي للمنظمة، فكل هؤلاء تصرفوا كما لو أن هذا الخطأ أو ذاك في الخط السياسي يبرر عدم الصمود، بل تناسوا أحد الأركان الأساسية لاستمرار المنظمات الثورية. و الغريب في الأمر، أن بعض هؤلاء كان ممن ساهم في صياغة وثيقة "حول الصمود"، و الأغرب من ذلك، أن التجربة الملموسة على الأرض، قد أثبتت وجود ممارسات ثورية لدى العديد من المناضلين كانوا ينتمون إلى التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية، و نفس الشيء لدى مجموعة من أطر المنظمة غير القيادية، و هؤلاء و أولئك، رفعوا راية المنظمة عاليا أمام جلادي النظام، بينما انفضح بعض القياديين الذين كانوا دون مستوى مناضلين من التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية.

لقد كان السؤال المركزي خلال بداية هذه الفترة، لدى أغلبية أطر و مناضلي المنظمة، هو هل يستمر مجموعة من الأطر في قيادة المنظمة، بعدما تبث تعاملها المكشوف و تواطئها مع الأجهزة القمعية.

في لحظة عقدية كهاته، كان الجواب في هذا الاتجاه أو ذاك يحدد مسار المنظمة، و يحكم عليها إما بالاستمرار أو بالانهيار. لقد كانت معنويات المناضلين تحت الصفر، في وضع حساس نفسيا و سياسيا، فهل كان من المقبول أن يجتمع مناضل من المناضلين في نفس الإطار التنظيمي، بل و تحت قيادة من قام باستنطاقه و ساعد على إفشاء أسراره مثال عبد الله المنصوري، المشتري بلعباس، فزوان مصطفى ...

كانت اللحظة دقيقة أشد الدقة، فمن مارس 1977 إلى حدود يونيو 1977، تداولت اللجنة القيادية بالسجن المركزي بالقنيطرة (حي أ1 و حي أ2)، حول الأوضاع الذاتية للتنظيم في الموضوع، و استمعت إلى تقارير قواعد المنظمة و أطرها، قبل أن تصدر قرارات يونيو 1977، و كان لصدور هذه القرارات تأثير كبير على نفسية المناضلين و الأطر، ساهم إلى حد كبير في رفع معنوياتهم، و بذلك يمكن القول، أن تلك القرارات كانت قد حظيت بشعبية كبيرة، و بذلك استطاعت اللجنة القيادية، بدفاعها عن الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، قد أعادت اللحمة إلى المنظمة و أكدت مصداقية عملها الثوري، مما هيئ الظروف لخوض المعارك البطولية المقبلة التي عرفها السجن المركزي و السجون الأخرى، و في مقدمتها معركة 7 نونبر 1977، التي سقطت فيها الرفيقة سعيدة لمنبهي، كأول شهيدة امرأة للحملم و لمنظمة "إلى الأمام"، و ذلك يوم 11 دجنبر 1977.

لقد شكل الدخول في معركة نونبر 1977، جزءا من خطة بلورتها قيادة المنظمة بالسجن المركزي (حي أ1 و حي أ2)، و ذلك انطلاقا من تحليل سياسي عام، و تقييم للأوضاع الذاتية، داخل فصائل الحملم، المتولدة عن القمع، و تجربة المرور من المعتقل السري "درب مولاي الشريف" (لن ندخل هنا في تفاصيل هذه الأوضاع )، و قد تضمنت هذه الخطة ثلاثة محاور:

- الاستعداد لإنجاز التقييم الشامل لتجربة المنظمة و الحملم.

- العمل على تحقيق وحدة الماركسيين ــ اللينينيين المنتمين إلى الفصائل الثلاثة ("إلى الأمام"، "23 مارس" و "لنخدم الشعب").

- العمل على إعادة بناء منظمة ماركسية ــ لينينية موحدة (تضم الفصائل الثلاثة في وحدة اندماجية).

بعد إصدار قرارات يونيو 1977، تم تحديد مهمة الدخول في معركة نضالية من داخل السجون كمهمة تعبوية، تساعد من جهة، على الخروج من آثار الانهزامية التي قاد إليها الخط اليميني داخل منظمة "23 مارس"، و الذي كان مسؤولا عن ضربة نونبر 74 القاصمة لظهر المنظمة، و كذلك لف منظمة "إلى الأمام" حول خط نضالي ثوري يساعد على إعادة اللحمة إليها، و من جهة أخرى تهييء الشروط المناسبة لإطلاق نقاش واسع حول تجربة الحملم و المنظمة، يساهم في تهييء الأرضية الإيديولوجية و السياسية و التنظيمية أيضا لوحدة الماركسيين ــ اللينينيين المغاربة. نعني هنا تحقيق مجموعة من المطالب تساعد على فك العزلة الاجتماعية و السياسية المفروضة على المعتقلين السياسيين.

لقد ساهم التيار الإصلاحي في ضرب هذا البرنامج، مستغلا بعض الهفوات التي سقطت فيها قيادة المنظمة في السجن المركزي (حي أ1 وحي أ2)، لما تم اتخاذ قرار الدخول في معركة فبراير 1978 من أجل سن قانون "المعتقل السياسي".

في الحقيقة، فإن القرار لم يخضع لنقاش معمق داخل أطر المنظمة، بل جاء كرد فعل متسرع بيروقراطي اتخذه أحد المسؤولين - يتعلق الأمر بإدريس بن زكري- كرد فعل ضد تصريحات مسؤولي النظام، المؤشرة على رغبة هذا الأخير في التراجع عن المكتسبات التي حققها إضراب نونبر 77. و قد كان من نتائج هذا القرار، أن قام النظام الكمبرادوري، بتشتيت المعتقلين على مجموعة من السجون، مما عقد مهمة التواصل فيما بينهم، و ساهم في تأجيل تطبيق البرنامج المذكور أعلاه، و كانت تلكم الغلطة التي استغلها الاتجاه اليميني داخل منظمة "إلى الأمام"، حيث دشن خطة جديدة في هجومه على الخط الثوري للمنظمة داخلها، مستغلا حالة التشتت، و نظم مجموعة من التحالفات لإنجاح عمله الهجومي.

في هذه اللحظة بالضبط، ظهرت إلى الوجود الأطروحات الإصلاحية الأكثر اكتمالا، نشير هنا إلى وثيقة "موضوعات حول الوضع السياسي".

لقد قام الاتجاه الإصلاحي ببث أطروحاته خلال سنة 1978، مستفيدا من الأوضاع الجديدة داخل السجون - حالة التشتت بعد توزيع المعتقلين على مجموعة من السجون- ، و من تشكل تحالف مناهض للمنظمة، كان قد أعلن عن نفسه من خلال ما سمي ب "روح الرباط".

تم اللقاء بين هؤلاء، واستطاع التيار الإصلاحي الاستفادة من الهفوات التي كان يتضمنها الخط السياسي للمنظمة (الخطة التكتيكية المشتركة، البرنامج الديموقراطي لسنة 1975، البرنامج الديموقراطي لسنة 76...) ليقدم نفسه كتيار ثوري، يصحح خط المنظمة. و في هذا السياق حاول تأكيد شرعيته،انطلاقا من قراءة نقدية مزعومة لتجربة المنظمة خلال سنة 1975، و من تم قام بمناورة ذكية (ماكرة) بالهجوم على ما أسماه ب "الانحراف اليسراوي"، المسؤول عن الضربة التي تعرضت لها المنظمة، ممهدا الطريق لاستعادة مواقعه التظيمية المفقودة، على إثر الممارسات المخزية داخل المعتقل السري "درب مولاي الشريف" بالدار البيضاء، و التي تصدت لها قرارات يونيو1977.

لقد عرفت الأطروحات الإصلاحية لهذا الاتجاه انتشارا واسعا داخل قواعد المنظمة، في ظل وضع سياسي داخلي،تميز خلال هاته الفترة، بتلك الحركية المحدودة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و التي أدت إلى تأسيس الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، إضافة إلى تنامي نضالات الطبقة العاملة المغربية و الحركة الجماهيرية، الشيء الذي تم استثماره بحذاقة لتقديم الأطروحات الإصلاحية كبديل جديد للخط الثوري للمنظمة، من خلال شعار"وحدة القوى الثورية و الديموقراطية من أجل إسقاط النظام"، في خلط مقصود بين القوى الثورية و الإصلاحية داخل القوى الديموقراطية. لقد قدم هذا الشعار غطاءا و تبريرا لقبول قيادة القوى الإصلاحية، بل المطالبة بالانخراط فيها، باعتبار ذلك مقدمة للتجدر داخل الطبقة العاملة.

لقد بث الاتجاه الإصلاحي، من خلال هجومه المحموم على الخط الثوري للمنظمة، مجموعة من الشعارات مثل ماسمي ب "جبهة القوى الثورية و الديموقراطية"، و"الانتهازية اليسراوية هي المسؤولة عن أخطاء المنظمة"، و الدعوة لشعار"مناهضة الحرب" و التخلي عن مبدأ تقرير المصير، و اعتبار "قضية الصحراء قضية خارجية لا تعنينا" أو أنها "نتاج صراع دولي بين الامبريالية و الاشتراكية الامبريالية" (استعادة لنظرية العوالم الثلاثة)، رغم الاعتراف الظاهري للتيار ب"مفهوم الشعب" (انظر "نقد نظرية الثورة في الغرب العربي"). و قد حقق هذا التيار نجاحا مهما، عندما استطاع أن يكسب إلى صفوفه أبراهام السرفاتي، الذي وصل إلى السجن المركزي بالقنيطرة، قادما من سجن اغبيلة بالدار البيضاء في يناير 1979. و قد شكل هذا الثلاثي (المشتري، المنصوري و السرفاتي)،تحالفا مقدسا في مواجهة النواة الثورية لمنظمة "إلى الأمام" لعدة شهور. و مثل شهر مارس 1979 قمة الهجوم الإصلاحي على المنظمة في السجن المركزي، حيث لعب أبراهام السرفاتي، دورا فاعلا في هذا الهجوم، مستغلا موقعه داخل اللجنة القيادية، لإفشال خطط النواة الثورية في هذه المواجهة و اللعب على الحبلين، من أجل تمرير المواقف الإصلاحية، و تمكن الثلاثي من فرض ما سمي ب "البرنامج الانتقالي"، الذي يكثف خطة الهجوم التي بلورها الثلاثي المذكور. و استطاع التيار اليميني أن يحقق انتصارا مؤقتا في شهر مارس 1979، رغم المقاومة المستميتة للنواة الثورية للمنظمة.

شكل شهر أبريل 1979، بداية نهاية هذا التيار، حينما فك النظام في هذا الشهر، العزلة التي كان قد وضع فيها أغلبية المعتقلين السياسيين، فأعاد الجميع إلى السجن المركزي، ليتشكل تيار واسع مناهض للإصلاحيين، أدى إلى سقوطهم. سيؤدي هذا الوضع الجديد، إلى قيام أبراهام السرفاتي بتجميد عضويته في المنظمة المركزية بالسجن المركزي (حي أ1 و حي أ2)، مبلورا ما سمي ب "نظرية التوجيه و التسيير"، التي دفعت اللجنة القيادية إلى اتخاذ قرار توقيفه من المنظمة.

يعد المشتري بلعباس (أستاذ فلسفة) و عبد الله المنصوري (مهندس كهرباء) مهندسا هذا الخط الإصلاحي، الذي بدأ يترعرع داخل المنظمة، خلال فترة نونبر 1974 – مارس 1976. و تميز هذان العنصران، خلال مسار تطورهما السياسي، بمواقفهما المخالفة لخط المنظمة، خلال فترة التحقيق التي عرفت تصريحات ممجدة للقوى الإصلاحية، و كذا المواقف التي ذكرناها أعلاه خلال محاكمة يناير- فبراير1977، ثم العمل التكتلي من داخل سجن عين برجة بالدار البيضاء، و بعد ذلك، رفض قرارات يونيو 1977، ثم بلورة الأطروحات الإصلاحية، بشكل كامل خلال سنة 1978، و محاولة فرضها خلال سنة 1979. و بعد الفشل الذي مني به هذا التيار في أبريل 1979، سيحاول التحالف مع التيار اليسراوي التصفوي، و ذلك بتوقيعه لبيان التجميد في يونيو1979. و بعد فشل هذا التحالف نتيجة تناقضاته الداخلية، أصدر التيار وثيقته الشهيرة "بيان من داخل السجن المركزي بالقنيطرة إلى الشباب المغربي و الرأي العام الديموقراطي" 22 فبراير 1980. و من غرائب الأمور أن وثيقة السرفاتي المسماة "حول بعض التأملات ..." قد صدرت شهرا بعد ذلك؟!.

و بصدور وثيقة "بيان من داخل السجن المركزي..." انتقل الإصلاحيون الجدد من خط الإصلاح إلى خط الردة.(سنعود إلى الموضوع في فصل مخصص لذلك).

عموما، خلال هذه الفترة الممتدة من مارس 1977 إلى أبريل 1979، شكل التناقض داخل المنظمة بين الخط الثوري و الخط الإصلاحي البرجوازي الصغير، تناقضا رئيسيا (تناقض من داخل "إلى الأمام" )، بينما شكل تناقض الخط الثوري و الخط اليسراوي في صيغتيه،"مجموعة الثلاثة" و مجموعة عبد الله زعزاع أصحاب وثيقة "الحد الفاصل بيننا" تناقضا ثانويا.

- فترة أبريل 1979 – نونبر1979

تتميز سيرورة تطور" التيار اليسراوي"، بكونها تخترق كل السيرورات الأخرى، و هنا لا بد من التمييز بين اتجاهين مختلفين، ينتميان إلى نفس السيرورة، اتجاه يسراوي ظل مختبئا في عباءة الخط الثوري، و كان يتحرك من داخله، سواء كأشخاص معزولين، أو كمجموعة متكتلة، و بين اتجاه تقدم للصراع ضد الخط الثوري، بعد تجميد عضويته من المنظمة ، و تشكيل أرضية سياسية تعمم مواقفه الإيديولوجية و السياسية الجديدة، و هذا الاتجاه عرف باتجاه وثيقة "الحد الفاصل بيننا"، و تزعمه كل من عبد الله زعزاع، عضو سابق في اللجنة الوطنية للمنظمة و عبد الفتاح فاكهاني، عضو سابق بالكتابة الوطنية، صدرت قرارات تجميد عضويتهما من المنظمة في يونيو1977، بينما أعلنا عن تجميد عضويتهما في المنظمة في يونيو1979، و قد لعبا دورا حاسما، في تحالف يونيو 1979، الذي ضم كلا من"الاتجاه التصفوي" الذي كانا يمثلانه، و الاتجاه الإصلاحي الذي كان يمثله المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري، و كان يدعمه من وراء ستار أبراهام السرفاتي، الذي لم يوقع وثيقة "بيان تجميد العضوية من المنظمة" في يونيو 1979، و حتى لا نتهم بالتجني على التاريخ، نشير إلى أن أبراهام السرفاتي قد اعترف أنه كان يقوم بذلك بالفعل، كما جاء في اعترافاته في وثيقة "حول بعض التأملات النقد الذاتية...".

لقد عرف الخط التصفوي بموقفه الشهير، الذي اعتبر كل الحملم، بيمينها و يسارها برجوازية صغيرة، و أصدر دعوته بحلها.

أما تيار ما سمي ب "مجموعة الثلاثة" (أحمد أيت بناصر، عبد الرحمان النوضة و محمد السريفي)، فقد تميز أصحابه بما يميز اليسراوية كقاعدة عامة:

- ركوب التيار الثوري و الخط الثوري ليسهل محاربته من الداخل، أو كما يقول ماو تسي تونغ "التلويح بالعلم الأحمر،لمحاربة العلم الأحمر" و هو ما يعني به كذلك، في قولته الشهيرة حول قوانين الصراع داخل الحزب: "إن وجود تيار ما يخفي وراءه دائما تيارا آخر".

- خوض الصراع بلا هوادة، ليس بهدف إنقاذ المريض، و لكن بهدف الإجهاز عليه، و ذلك من خلال شخصنة الهجومات على الرفاق و المناضلين، بل تعدى الأمر في ذلك إلى شن هجومات على عائلات المناضلين و المعتقلين. كان هذا التيار يدعي الانتماء إلى الخط الثوري، في محاولة لشرعنة وجوده. و من تم كانت مشاركته في الصراع ضد اليمين الإصلاحي مفيدة لهذا الأخير، الذي تمكن بذكاء سياسي، من الركوب على أخطاء هذا التيار، و توجيه السهام السامة ضد الخط الثوري.

- اتسام أصحابه بنظرة زعامتية، و بحث مستمر عن المواقع، و استعمال الأكاذيب و الديماغوجية و تحريف الصراع و تمييعه، عبر الانخراط في تعداد أخطاء الرفاق و التركيز على أشخاصهم (شخصنة الصراع).

- عدم الثبات في المواقف، و الانتقال من موقف إلى آخر، و من تم السقوط في التحالفات اللامبدئية،كما يعبر عن ذلك تشكل المجموعة نفسها، و ليس غريبا أن أبرز عناصره قد التحقت بالقيادة الجديدة و ساهمت في عملية الانقلاب على الخط الثوري، الذي دشنه ما يسمى ب "مسلسل إعادة البناء"، و قد تميز زعيم هذا التحالف (عبد الرحمان نوضة) بخوضه حربا بلا هوادة ضد التيار الثوري، الذي رفض مشروع إعادة البناء التحريفي، و لم تخل اجتماعات القيادة الجديدة من صراعات من نفس النوع، خلال فترة ما يسمى ب "إعادة البناء"، و عند فشلها قام كل طرف من داخلها بتلفيق تهمة المسؤولية عن فشلها للطرف الآخر، قبل أن تعرف هذه القيادة الهشة، مجموعة من الانسحابات، و على رأسها زعيم اليسراويين عبد الرحمان نوضة الذي انسحب من المنظمة لاحقا، و أصدر مجموعة من المقالات ستنصب حول الهجوم على التجربة، على السرية، على العنف الثوري، و على "الستالينية" و على حلفائه السابقين في "مسلسل إعادة البناء"، و قد صدرت تلك المقالات في جرائد مثل جريدة "المواطن"، 1991، و مجلة "المسار الديموقراطي" و في كتاب أسماه "أخطاؤنا" صدر في يوليوز1991.

عرفت هاته الفترة تقاطعا في التناقضات، بحيث دخل الخط الثوري في صراع قوي مع التيارين اليسراويين، و في نفس الوقت استمر في الصراع مع الخط الإصلاحي، لكن بعد صدور بيان يونيو 1979، كقمة للتحالف الإصلاحي – اليسراوي، ثم الانشطار الذي وقع داخل التحالف، بعد صدور "بيان تصحيحي " من الاتجاه الداعي إلى حل الحملم، تحول الصراع مع التيار اليسراوي التصفوي العفوي إلى تناقض رئيسي، بينما أصبح التيار الإصلاحي يتلاشى بحكم الضربات التي تعرض لها، و بحكم تناقضاته الداخلية، و انتهى الصراع ضد التيارين الإصلاحي و اليسراوي بصدور قرارات "12 نونبر 1979"، و تحول الاتجاه اليميني إلى الردة، و التحول التدريجي لدعاة حل الحملم إلى ديموقراطيين، ينهلون من فكر الثورة الفرنسية !!، أما اليسراويون داخل المنظمة، فقد التحقوا بالتيار التحريفي، باستثناء محمد السريفي الذي كان قريبا من أطروحات المشتري بلعباس. لقد تلاشى التيار اليسراوي و اندمج في المجموعة التحريفية الجديدة، التي التحقت بها أيضا عناصر وسطية توفيقية أو غير منسجمة، كانت محسوبة على الخط الثوري، مما ساهم، من بين عوامل أخرى، في انتصار الخط التحريفي، و عزل الخط الثوري، و شروع الخط التحريفي الجديد في ما يسمى بعملية "إعادة البناء"، التي انتهت إلى الفشل باعتقالات نونبر 1985.

- فترة نونبر 1979 – شتنبر 1980.

إن التقسيم المنهجي لمجموع الأحداث و الوقائع التاريخية التي تتولد من تطور تناقضات محددة بين الاتجاهات، لا يعني عدم وجود تداخل بين الفترات، لأن سيرورات التناقض تتطور في نفس الوقت و بشكل متفاوت، بعضها يصبح رئيسيا و الآخر ثانويا، ثم بعد ذلك و بدخول فترة جديدة يتحول الثانوي إلى رئيسي في الصراع.

و قصارى القول، فالتناقض بين الخط الثوري و الخط التحريفي، قد بدأ منذ الفترة السابقة، و إن كان الخط التحريفي لا زال مجرد إرهاصات و مواقف جزئية، تعبر عن نفسها في مواقف مختلفة و ظواهر تحجب جوهر تلك المواقف عن الأنظار، و بالتالي كان يتم التعامل معها كمجرد أخطاء جزئية،أو ثانوية، أمام مواجهة الخط التصفوي التي كانت مهمة رئيسية.

عندما فك النظام العزلة عن مجموعة محاكمة الدار البيضاء يناير- فبراير1977 ، التي كانت تقطن في" حي أ1" و"حي أ 2" ، و عن مجموعة محاكمة الدار البيضاء - غشت 73، و التي كانت تقطن "حي ج "، و كلاهما بالسجن المركزي بالقنيطرة، تم اللقاء بين رفاق منظمة "إلى الأمام" المنتمين إلى المجموعتين، و كان من الطبيعي أن يعاد النظر في الهيكلة التنظيمية للمنظمة داخل السجن المركزي، و كان لكل مجموعة من الرفاق تجربته الخاصة داخل السجن. و من أجل ذلك، سينعقد أول اجتماع بين الرفاق لمعالجة الموضوع، و بما أن لكل مجموعة قيادتها فقد كان ضروريا، أن تجتمع القيادتان لترتيب الوضع التنظيمي الجديد.

انعقد هذا الاجتماع ابتداءا من التاسعة صباحا و استمر إلى حوالي التاسعة ليلا، و كان هذا الاجتماع ساخنا جدا، نتيجة ممارسة قام بها رفاق "إلى الأمام" القادمون من "حي ج"، و يتحمل مسؤوليتها ثلاثة حضروا هذا الاجتماع، و هم عبد الحميد امين و علي فقير و عبد اللطيف اللعبي. لقد قام هؤلاء بخرق سافر للمبادئ التنظيمية للمنظمة، فيما يشبه محاولة انقلابية، و ذلك دون الأخذ بعين الاعتبار موقف اللجنة القيادية ب "حي أ 1"، بالقفز على الوضع التنظيمي داخل المجموعة. لقد قام هذا الثلاثي بإحضار أبراهام السرفاتي إلى هذا الاجتماع، و قاموا بمحاولة فرضه على الرفاق، مما فجر صراعا حادا بين الرفاق وصل حد تهديد أبراهام السرفاتي بضرب أحد الرفاق في اللجنة القيادية، و لولا تدخل الرفاق ، لتحول الاجتماع إلى حلبة للمبارزة. إن سبب هذا الانفجار يعود أساسا إلى تجاهل الرفاق الثلاثة للوضع التنظيمي لأبراهام السرفاتي، فقاموا بمحاولة التقليل من أهمية ذلك، و الحال أن القرار السابق للجنة القيادية داخل "حي أ 1 " بتجميد عضوية أبراهام السرفاتي، يرتكز على العديد من الحقائق و الممارسات الخطيرة التي ارتكبها هذا الأخير، و التي كانت تساهم في ضرب المنظمة و تخريبها و منها :

* انخراطه في تحالف مقدس مع الاتجاه الإصلاحي وصل إلى حد خطير، حينما ساهم في إضفاء الشرعية على مجموعة من الأكاذيب كان يبثها الإصلاحيون ضد المنظمة، و منها قضية 18 مليون سنتيم الشهيرة، التي اتهم فيها الإصلاحيون المنظمة في السجن بسرقة هذا المبلغ المالي الموجه حسب زعمهم من طرف "لجان مناهضة القمع بالمغرب" ، ذلك الإطار الذي كان يوجد بفرنسا، إلى المعتقلين السياسيين و عائلاتهم. و كان هذا جزء من مخطط خطير، للقضاء على المنظمة، و تلبيس مناضليها الثوريين تهما بعيدة عن الأخلاق النضالية، و ذلك للحد من تأثير و نفوذ المناضلين الثوريين، تمهيدا للاستيلاء على قيادة المنظمة. و بالفعل فقد تم القيام بحملة شعواء معادية، استعملت فيها كل الحيل و الأكاذيب و الإشاعات، لخلق التناقضات بين اللجنة القيادية و قواعد المنظمة، و ما بين أطرها و رفاقها، الشيء الذي تصدى له الرفاق باستماتة منقطعة النظير، دفاعا عن تاريخ المنظمة و مبادئها و خطها النضالي.

لما انفضحت المناورة و أرسل السيد فرانسوا ديلاسودا رئيس "لجنة مناهضة القمع بالمغرب" بيان حقيقة " و علم مجموع المعتقلين بمضمونه، انعقد جمع عام حاشد للمعتقلين السياسيين بالسجن المركزي، فانفضحت مؤامرة الإصلاحيين و أذنابهم، حين بدأ أبراهام السرفاتي يتلكأ، في محاولة للتهرب من مسؤوليته في ذلك، فجابهه مجموعة من المعتقلين (منهم صلاح الوديع) بحقيقة إبلاغه لهم بوجود سطو للمنظمة على ذلك المبلغ المالي المشار إليه أعلاه، فظهر الارتباك على الرجل و عجز عن الجواب.

* سكوته عن ممارسات خطيرة كانت تهدد وحدة المنظمة و استمرارها، و كان لها التأثير البالغ على التطور اللاحق للمنظمة، يتعلق الأمر هنا بتقرير أرسله مسؤولو المنظمة بفرنسا، يكشف عن مخطط دبر لاختراق المنظمة من الداخل، من طرف عناصر تروتسكية، و ذلك بمساعدة كريستين جوفان زوجة أبراهام السرفاتي لاحقا، و بمشاركة إحدى صديقاتها و هي فرنسية مقيمة بالمغرب. و في ندوة أقامها فرع المنظمة بفرنسا، اكتشفت المؤامرة و أعلنت العناصر المندسة عن انتمائها إلى الحركة التروتسكية، مما فجر نقاشات حادة داخل تلك الندوة، و بعد التحقيق توصل الرفاق إلى معرفة الدور الذي قامت به السيدة كريستين جوفان منذ 1977، و كانت تقوم بذلك تحت غطاء علاقتها بأبراهام السرفاتي. كما اكتشف الرفاق، دور هذه الأخيرة، في تخريب العلاقة بين فرع المنظمة بفرنسا و فرعها ببلجيكا، الشيء الذي أدى إلى القطيعة و الانفصال بينهما. و من المعلوم أن هذا العمل التخريبي، و الخسيس، كان جزءا من مخطط واسع من طرف الحركة التروتسكية لاختراق المنظمة، و ضربها من الداخل، مستغلة في ذلك الضربة التي تعرضت لها المنظمة خلال مرحلة نونبر 1974 – مارس 1976، و خاصة ابتداءا من 1977. و كان التروتسكيون يكتبون وثائق أو بيانات و ينسبونها،عن طريق توقيعها،إلى رفاق قياديين في المنظمة أو إلى المنظمة، ثم ينشرونها لخلق البلبلة و الغموض و تعبيد الطريق لأطروحاتهم الانتهازية. و قد قام شخص يقطن باسبانيا، و يعرف باسم عزيز، بصياغة مجموعة من الوثائق المزيفة و إرسالها إلى أماكن مختلفة. لقد كان دور كريستين جوفان رئيسيا في هذا المخطط الجهنمي الخطير، خاصة و أنها كانت تقدم نفسها، كناطق رسمي باسم المنظمة في الداخل و باسم أبراهام السرفاتي.

ما كان لنا لنأتي على هذه التفاصيل،لأن الحركة التروتسكية كانت معروفة بأسلوب الاختراق (أنفلتراسيون أو انفلتريزم )، لولا أن أبراهام السرفاتي، و هو عنصر قيادي (عضو في الكتابة الوطنية) قد توصل بالتقرير سنة 1979 بالسجن المركزي و أخفاه عن المنظمة، و حتى لا ندع مجالا للتشكيك لأننا لا نتجنى على أحد، بل نبغي الحقيقة كاملة و شهادة للتاريخ، فقد استطاع أعضاء اللجنة القيادية بالسجن المركزي"حي أ 1"، و بمعية رفاق آخرين، التوصل بالتقرير بوسائلهم الخاصة و قراءته، و هؤلاء هم : أحمد آيت بناصر، إدريس بنزكري، إدريس الزايدي، فؤاد الهيلالي، عبد الرحمان نوضة و آخرون.

لقد شكل هذا التقرير لحظة خطيرة في تاريخ المنظمة، ساهمت في مجموعة من الانسحابات، و أدت إلى القطيعة التامة بين فرع المنظمة في بلجيكا و فرنسا.

لقد ظل هذا التقرير بالفعل، إحدى الألغاز المسكوت عنها في تاريخ المنظمة، خاصة من طرف التحريفيين الجدد، بعد تحالفهم مع أبراهام السرفاتي في هذه الفترة. و ليس غريبا أن يرفض أبراهام السرفاتي، بعد نفيه إلى فرنسا سنة 1991، مصافحة مجموعة من الرفاق، و من بينهم من صاغوا ذلك التقرير، بل وصلت به الوقاحة إلى حد مطالبتهم بتقديم نقد ذاتي لأنهم مسوا زوجته، و ليس غريبا كذلك،أن يغازل السرفاتي الحركة التروتسكية العالمية، التي نعتها ب "أولئك الذين كانوا على بينة من الأمور منذ البداية".

* خرقه السافر لمبادئ المنظمة و للانضباط الثوري، عندما أوقف إضرابه عن الطعام ،خلال معركة نونبر 1977، و لما لم تمر سوى أيام قليلة على استشهاد سعيدة لمنبهي، بل أكثر من هذا، فبعد انتقاله إلى السجن المركزي في يناير 1979، قام بحملة واسعة ضد مفهوم الاستشهاد و مبدئيته،حين اعتبر الشهادة مبدأ لا علاقة له بالماركسية. و خلال نفس الإضراب، قبل الرجل المجيء إلى السجن المركزي خلال شهر دجنبر 1977، بمعية لجنة شكلها النظام بهدف ضرب الإضراب و توقيفه، معتمدا في ذلك على دور أبراهام السرفاتي، الذي جاء ليساهم في توقيف الإضراب و تقديم العون للجنة النظام، و دعا بالفعل، خلال لقاء بلجنة المفاوضات التي شكلها المعتقلون السياسيون، إلى توقيف الإضراب و عدم الاستمرار فيه، و حاول الضغط في هذا الاتجاه، إلا أن اللجنة القيادية للمنظمة، و في لقاء استعجالي، اتخذت قرار التصدي له بل و طرده إذا اقتضى الأمر ذلك، و عاد أبراهام السرفاتي خالي الوفاض، خاسئا، يجر أذيال الخيبة و الهزيمة إلى سجنه بالدار البيضاء، ففشل مخطط النظام و معه الدور الموكول لأبراهام السرفاتي.

* لقد شكل أبراهام السرفاتي، رأس الرمح في المخطط الإصلاحي و التصفوي ضد المنظمة، و برع في ذلك أيما براعة، مستعملا خبراته التحريفية القديمة الموروثة عن الحزب الشيوعي المغربي التحريفي. هكذا و في تصديه للتيار الثوري، قام أبراهام السرفاتي، باستعمال قضية بوخارين، و ما يسمى عموما بمحاكمات موسكو، ضد الرفاق الثوريين، في محاولة للتشويه و الاتهام بما كان يسميه ب "الستالينية". هكذا ظهرت في ساحة السجن المركزي، صور بوخارين و وصيته الشهيرة، و كان أبراهام السرفاتي يعلقها في كل مكان، و ذلك لتقديم نفسه و من معه كضحية لممارسات ستالينية، و قد عبر في ذلك عن قمة في الديماغوجية، بعد أن تم هزمه سياسيا داخل المنظمة، و هذه إحدى القضايا، كغيرها، التي تم السكوت عنها، و بدل تقييمها، ضرب عليها جدار الصمت من طرف التحريفيين الجدد، تلامذة أبراهام السرفاتي.

* لما انهزم التيار الإصلاحي في غضون أبريل 1979، ضمن التفاف واسع لعدد كبير من المناضلين حول الخط الثوري، أخرج أبراهام السرفاتي ورقة جديدة تسمح له بالمناورة السياسية و التنظيمية، لما أعلن عن نظرية جديدة عرفت ب "نظرية التوجيه و التسيير"، و مضمون هذه النظرية، أن أبراهام السرفاتي، باعتباره عضو الكتابة الوطنية للمنظمة فهو مسؤؤول عن التوجيه، و ليس ملزما بالتسيير، أي المشاركة في الإطارات التنظيمية لفرع المنظمة في السجن المركزي، بما يعني، و في إطار تصور شبيه بمفاهيم التوجيه و التسيير داخل الشركات الرأسمالية الكبرى، أن له الحق في توجيه المنظمة كما يريد، و كان هذا يعني عمليا عدم الالتزام بالمواقف الثورية للمنظمة، و الإعلان عن مواقف إصلاحية مقابل ذلك، انطلاقا مما أسماه بدوره التوجيهي، تماما كما هو الحال بالنسبة لمرشد عام داخل تنظيم إسلامي، أو كما هو الحال بالنسبة لولاية الفقيه لدى شيعة إيران. و بالفعل كان أبراهام السرفاتي يتصل بالفصائل الأخرى داخل السجن، و يبلغها مواقف مناقضة لمواقف المنظمة بالسجن المركزي (للمزيد من المعطيات انظر وثيقة "حول بعض التأملات النقد الذاتية..." لأبراهام السرفاتي).

لقد قام أبراهام السرفاتي بتجميد عضويته بشكل طوعي و إرادي، و بإعلان ذلك على رؤوس الملإ، إلا أن اللجنة القيادية، و بعد اجتماع لها، تداولت في الموضوع و أعلنت قرارها بتوقيفه من المنظمة، استنادا على خرقه السافر لمبادئها التنظيمية و للدور التخريبي الذي يقوم به، و قد جمد السرفاتي عضويته في المنظمة المركزية بالسجن المركزي بالقنيطرة في بداية ماي 1979، و صدر قرار توقيفه من طرف اللجنة القيادية أسبوعا بعد ذلك.

* ليس صعبا جرد المزيد من الممارسات الخطيرة التي مارسها السرفاتي في تلك الفترة، و كان لها الأثر الخطير على المنظمة و استمراريتها، فقط نشير هنا إلى إحدى التصريحات له أمام جمع من المعتقلين، وجاء فيها أنه كان في الحقيقة هيجليا، و أن خط المنظمة كان خاطئا من أساسه. لقد صوب أبراهام السرفاتي مرارا مواقفه، و كيفها، حسب ظرفيات الصراع السياسي و الإيديولوجي، متلونا كالحرباء في سلوك انتهازي، ما أن يغير موقفه حتى ينقلب عليه بسرعة خارقة، استجابة لمطالب الانتهازيين أو الإصلاحيين،الذين برعوا في استغلال نقط ضعفه، و ماركسيته الانتقائية و المثقفية، خلال هذه الحقبة الحاسمة من تاريخ المنظمة، و ما كان لذلك أن يمر دون أن يخلف أثره على العديد من قواعد المنظمة، مما ساهم في زعزعة قناعاتها، بل ضرب أيضا مصداقية المنظمة و الثقة فيها.

و بالعودة إلى ذلك الاجتماع المذكور سابقا، فسيتم اكتشاف حقيقة تنظيمية خطيرة، و هي أن اللذين قاموا بإحضار عبد اللطيف اللعبي إلى ذلك الاجتماع، قد أخفوا عن باقي الرفاق الوضع التنظيمي لهذا الأخير، و قد كانوا الأدرى بأسباب توقيفه عن المنظمة إلى حدود مجيئه إلى حي أ 1، و لن ندخل هنا في تفاصيل تلك الأسباب (سنشير إليها لاحقا)، فما يهمنا هنا ، ما تكشف عنه من طبيعة تآمرية للذين أقدموا على إحضار أبراهام السرفاتي لذلك الاجتماع، و دعموا موقفهم بإحضار أحد الموقوفين من المنظمة، و هو عضو سابق في قيادتها أي عبد اللطيف اللعبي.

لقد كان ذلك مؤشرا على بداية فترة جديدة، ستتطور فيها الأوضاع داخل المنظمة، لتبرز مجموعة من التناقضات، بين من تصدوا رسميا للتصفويين و العفويين، ذلك التصدي الذي كان يخفي التناقضات البينية داخلهم، و التي كانت تنمو تدريجيا، و بدأت تتمحور حول قضايا مختلفة من قبيل تقييم تجربة السجن و الموقف من المجمدين، و حول الأطروحات السياسية للإصلاحيين، إضافة إلى كيفية إدارة الصراع و النقاش مع التصفويين، بحيث كانت تقدم لهم مجموعة من التنازلات، حول ما سمي بأخطاء سنتي 1977 – 1978، و الاستعداد لتقييمها، و هي في نفس الوقت مطالب سابقة للإصلاحيين، قدموها، فيما كان يسمى آنذاك ب "البرنامج الانتقالي"، بل و بتقديم الوعود بتحقيق "ترقية" تنظيمية لهؤلاء، إضافة إلى ظهور معالم ممارسات بيروقراطية لدى ما سيسمى لاحقا "بالقيادة الجديدة".

هكذا و في الوقت الذي كان يتم فيه التصدي للتحالف الإصلاحي- التصفوي، كتحد رئيسي، كان تراكم التناقضات داخل التيار الثوري ينمو بالتدريج، إلى أن تم إصدار قرارات 12 نونبر 1979، التي أعلنت عن طرد كل العناصر التي ابتعدت عن المنظمة سياسيا و إيديولوجيا و رفضت الانضباط لمبادئها، في نفس الوقت، كانت الوثيقة، قد أعلنت عن الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة، من أجل إعادة بناء المنظمة و تقييم تجربتها و فتح الباب لذلك، إلا أن القيادة الجديدة، ما لبثت أن أعلنت عن نيتها الحقيقية، فيما تسميه بتقييم التجربة و إعادة البناء، لتتطور التناقضات بين اتجاهين رئيسيين، اتجاه يرى ضرورة إنجاز التقييم الشامل لتجربة المنظمة و ربط ذلك بإعادة بنائها، و بين اتجاه يؤكد على إعادة البناء أساسا، و إنجاز بعض التقييمات الأولية و الجزئية لدعم ذلك البناء، و قد أظهرت المناوشات الأولى أن الخلاف جوهري، و يمس العديد من القضايا الإيديولوجية و السياسية و التظيمية.

عموما، تنامت التناقضات، بشكل صارخ و جلي، بين اتجاهين مختلفين في نظرتهما لمشروع إعادة بناء المنظمة، و ظل مسار هذا التطور ينمو إلى أن أصبح تناقضا رئيسيا، ابتداءا من صدور بيان "إلى عموم رفاق المنظمة" الصادر في 9 يونيو 1980، و الذي وقعه أربعة رفاق من المنظمة، بعدما أصبح النقاش بين الطرفين مستحيلا، لأن القيادة الجديدة حاولت فرض مواقفها، بل الأخطر من ذلك، أنها شرعت في إنجاز ما أسمته ب "مسلسل إعادة البناء"، فأصبح معه النقاش غير ذي معنى، بالنسبة لكل من يناقش من خارج أطروحاتها. و قد سبق أن قلنا، أن القيادة الجديدة قد طعمت بعناصر، انتمت سابقا إلى الاتجاه اليسراوي أو عناصر توفيقية وسطية. أمام هذا الوضع الطارئ، قام مجموعة من الرفاق المنتمين إلى الخط الثوري، بتحمل مسؤوليتهم التاريخية، و إرسال بيان إلى عموم المنظمة بالداخل و الخارج ، و تحميلهم مسؤولية مواجهة هذا الانحراف الخطير. لكن مبادرتهم ستواجه بالمزيد من التهميش من طرف القيادة الجديدة، و بصمت و لا مبالاة مناضلي الداخل و الخارج، إلا ما كان من موقف فرع بلجيكا الذي أعلن عن عدم الاعتراف بشرعية القيادة الجديدة، كما جوبه موقف الرفاق بحملة واسعة من الإشاعات، و تلفيق التهم لهم و تشويه مواقفهم على أوسع نطاق، بل أدى الأمر بمسؤولي ما سمي بإعادة البناء، إلى عزل كل من تم الشك في انتمائه أو تعاطفه معهم، و قد وصلت تلك الإشاعات و الممارسات درجة خطيرة، أدت إلى عزل بعض المناضلين و تلفيق تهم خطيرة لهم.

أمام هذه الحملة المسعورة، أصدر الرفاق الأربعة، موقعوا البيان أعلاه، بيانا جديدا تحت عنوان: "بيان توضيحي حول الإشاعات الأخيرة"، و قد صدر في 16 شتنبر 1980.

لقد انتهت هذه الفترة، بعد صراع محتدم بين الاتجاهين، بانتصار الخط التحريفي للقيادة الجديدة، وهزيمة الخط الثوري و عزله، و شروع الخط التحريفي الجديد فيما يسمى بعملية "إعادة البناء" التي انتهت بالفشل، باعتقالات نونبر 1985، التي قضت على المنظمة بالداخل.

 

- ب – المرحلة الثانية:1980-1994

 

- فترة شتنبر 1980 – نونبر 1985

بعد صيف 1980،انفردت القيادة الجديدة بالوضع، و سارت على نهجها في تطبيق أفكارها حول ما أسمته ب "مسلسل إعادة البناء"، و أصدرت من أجل ذلك مجموعة من الأوراق، ستعتمد عليها في الدخول في هذا المسلسل، و سيتكرس هذا المنحى بعقد ندوة لفرع الداخل في نهاية يناير 1983 التي لم تغير في الاتجاه العام لتلك التصورات و الأوراق، فبدأ العد العكسي لنهاية المنظمة في الداخل، حيث اجتاحت اعتقالات نونبر1985 جل رفاق المنظمة بالداخل، واضعة حدا لوجود المنظمة بالداخل. لقد انتهى مسلسل إعادة البناء بالفشل، و قد تجلت مسؤولية القيادة الجديدة في تلك الضربة.

هكذا، و إذا كانت فترة أبريل 1979 – نونبر 1979، قد شهدت تناميا للتناقض داخل من تصدوا للتصفوية و الإصلاحية، ففي فترة نونبر 1979 – شتنبر 1980، كشفت القيادة الجديدة، عن أولى أطروحاتها التحريفية الجديدة، الشيء الذي اتضح بشكل جلي في الفترة اللاحقة.

- فترة نونبر 1985 – ربيع 1994

خلال هذه الفترة، و بعد الهزيمة التي تعرض لها ما يسمى ب "مسلسل إعادة البناء"، دخل قادة "المسلسل" و أتباعهم، في مراجعات جديدة، على إيقاع الهزيمة و استبطان الهزيمة، التي تم التنظير لها بالشكل والمضمون، الذي قطع نهائيا مع الإرث الثوري للمنظمة و الحركة الشيوعية العالمية، و أخرج المنظمة من دائرة الانتماء إلى الحركة الماركسية ــ اللينينية العالمية و المحلية ، و زج بها في أتون التحريفية العالمية، و متاهات الخطوط الإصلاحية، فشكل ذلك ضربة قاضية للخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام". و لا يستمد التحريفيون الجدد، "شرعيتهم " و "استمراريتهم"، كما يدعون ، إلا من هذا الخط التحريفي، فهم ورثته الشرعيون، فبئس الإرث و بئس الورثة.

إن محور هذه الدراسة، سيتمركز حول تبيان شروط و ظروف نشأة تلك الأطروحات و المواقف و الممارسات الإصلاحية و التحريفية، و تمفصلها مع سياق تطور التحريفية العالمية، و تأثير جذور التحريفية المغربية تاريخيا، كما سيتم التطرق إلى مسار أبرز قادتها، مع تحديد الطابع العام الذي تمثله التحريفية السرفاتية كخط عام للتحريفية الجديدة.

سنتطرق من خلال هذه الدراسة، فيما يخص التحريفية الجديدة، داخل منظمة "إلى الأمام" لفترتين أساسيتين في تطورها : تمتد الأولى من شتنبر 1980 إلى نونبر 1985، و الثانية من نونبر 1985 إلى ربيع 1994.

عموما، شكلت الفترة الانتقالية (شتنبر 1980- نونبر 1985)، التي بدأت ملامحها الأولى تظهر منذ فترة أبريل 1979 ـــ نونبر 1979، و تعمقت مع الفترة التي تلتها، مختبرا للتحريفيين الجدد، شحدوا فيه أسلحتهم التحريفية، و استعدوا للهجوم الواسع على الخط الماركسي ــ اللينيني الثوري للمنظمة، الشيء الذي سيتحقق لهم بعد فشل "مسلسل إعادة البناء" نونبر 1985.

و بشكل عام، عرفت الفترة الانتقالية،العديد من الانسحابات من المنظمة بالداخل و الخارج، كما تم تجميع عدد من المناضلين في سياق ما يسمى ب "إعادة البناء"، سرعان ما ظهرت هشاشته للعيان بعد ضربة نونبر 1985.

خلال هذه الفترة، عرفت "القيادة الجديدة" انفجارا للتناقضات المحتدة داخلها، نتيجة تركيبتها المتناقضة و الهشة، حيث نقل اليسراويون إلى داخلها أساليب صراعاتهم الشخصية، كما فشل الخط أو التيار الوسطي التوفيقي في إيجاد حلول لذلك، و الحفاظ على وحدة هذه القيادة، و فضل آخرون، الابتعاد عن أي دور قيادي، ابتداءا من خروجهم من السجن، كما صاحب ذلك، توقيعات مشبوهة بعدم العودة إلى أي عمل سياسي، و شارك آخرون في إحدى اللوائح المقدمة إلى الحسن الثاني عن طريق دانييل ميتران ( زوجة الرئيس السابق فرنسوا ميتران)، بهدف إطلاق السراح و اللائحة معروفة، و قد أشار الحسن الثاني في إحدى ندواته الصحفية إلى ذلك، حين تراجع عن التزامه بإطلاق سراح هؤلاء، ثم دعا مخاطبيه بعدم اللجوء إلى أصدقائه لطلب العفو (إلى حد الساعة لم يصدر عن أعضاء اللائحة أي تكذيب، رغم كل الطلبات التي تقدم بها مجموعة من المناضلين، في حين قام البعض بالاعتراف بذلك ( بويسف الركاب نموذجا و آخرون) و استمر الآخرون على صمتهم إلى يومنا هذا، و ظل هذا العمل المشين أحد الألغاز و الأسرار المسكوت عنها، و قد ضمت اللائحة عددا من دعاة خط "إعادة البناء" من بينهم أبراهام السرفاتي ... و مجموعة من العناصر المنتمية إلى مجموعات مختلفة (عبد الله زعزاع، بويسف الركاب)، و كان كل ذلك في سياق الإعداد للعمل "شبه الشرعي"، في إطار ما سمي آنذاك، بوجود هامش ديموقراطي، و قد وضع القمع حدا لذلك مع انطلاق انتفاضة يناير 1984.

بعد ضربة نونبر 1985، انفتحت الأبواب على مصراعيها، بالنسبة للخط التحريفي، الذي سيقوم تحت شعار ما يسمى ب "تجديد خط المنظمة"، بمراجعات، أدت إلى التخلي الجوهري عن الأطروحات الثورية الأساسية لمنظمة " إلى الأمام"، لصالح أطروحات تحريفية واضحة.

و إذا كان الخط التحريفي، قد انخرط في توجهات تحريفية في المرحلة الانتقالية (1979 – 1985) تحت شعارات ماركسية ــ لينينية، فإنه بعد 1985، سيتقدم بوجه مكشوف، من خلال المراجعات التي أدت إلى التخلي عن الماركسية ــ اللينينية، و عن الإرث الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، لصالح خط إصلاحي، ديموقراطي، برجوازي صغير.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.