Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الجزء الثاني : الحلقة الأولى: "مسلسل تصفية منظمة إلى الأمام"ـ 6 يناير 2016

Pin it!

خ1.gif

يبدأ موقع "30 غشت" في نشر أقسام و فصول الجزء الثاني من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" “، و تتضمن الحلقة الأولى هنا، الفصل الأول من القسم الأول لهذا الجزء الثاني.

 

 

 

تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

 

الجزء الثاني

القسم الأول

دور الأطروحات الإصلاحية في تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام".

 

الفصل الأول :

الهجوم الإديولوجي للنظام الكمبرادوري و البورجوازية الوطنية و ظهور الاتجاهات الإصلاحية التحريفية داخل الحملم.  

 

في خريف 1975، عاودت الاتجاهات الإصلاحية، الظهور من جديد داخل الحملم، و استمر تطورها و انتشارها خلال السنوات اللاحقة، على خلفية الضربات التي تعرضت لها فصائل الحملم، و مما يميز صعود هذه التيارات التحريفية الجديدة، استهدافها للخط العام للحملم، و في مقدمة ذلك ،هجومها على خط "الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية"، معلنة بشكل سافر أو ملتو، عن انطلاق ما أسمته بمسميات مختلفة "خط النضال الديموقراطي" أو خط " النضال الراديكالي"، مستفيدة في ذلك من مجموعة من الأخطاء التي ارتكبتها الحملم.

إن الأطروحات الجديدة، أصبحت تمثل خطورة أكبر على الحملم، لكونها أكثر تبلورا و بناءا من سابقاتها، التي سبق أن ذكرنا بها في صفحات سابقة، و هي بذلك ستقدم نفسها كبديل لتجربة سابقة و كحل "واقعي" لأزمة الحملم التي فجرتها اعتقالات 74 – 75 – 76.

قبل التطرق لهذه الأطروحات التحريفية الجديدة ، لابد من التذكير ببعض المعطيات التاريخية ، التي تضع هذه الأطروحات في سياقها العام، كانعكاس لصراع الطبقات في المغرب آنذاك، و لما كان يمور داخل الطبقات الكمبرادورية و البورجوازية الوطنية و الصغيرة، و قيام مثقفي هذه الطبقات بأدوار محددة في هذه الصراعات، تعبيرا عن تحالفات جديدة تستجيب لمشروع النظام الكمبرادوري في إعادة بناء قاعدته السياسية و الطبقية بعد المحاولتين الانقلابيتين التي هزت أركانه. و سنؤكد هنا على بعض الجوانب السياسية و الإديولوجية (خصوصا الإديولوجية) و نترك جانبا المعطيات الاقتصادية لهذه الفترة و المعروفة بما يكفي.

 

- 1- الهجوم الإديولوجي للنظام الكمبرادوري و البرجوازية الوطنية

 

لقد عرف بالفعل، منتصف السبعينات من القرن الماضي، قمة الهجوم الإديولوجي الذي قام به النظام، في سياق إعادة ترتيب أوضاعه المهزوزة على إثر المحاولتين الانقلابيتين السابق ذكرها، و بعد إرساء تحالف سياسي مع أحزاب البورجوازية الوطنية (حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، مستغلا في ذلك قضية الصحراء، التي كانت فرصة سانحة للنظام الكمبرادوري،لإطلاق حملات شوفينية ضد الجزائر، و الدخول، بل و استمرار اجتثاث الحملم و القوى الثورية. و إذا كانت الأوضاع الاقتصادية، التي تطورت في هذه الفترة، و استمرت في التفاقم إلى حدود انتقاضة 20 يونيو 1981 معروفة، فإن بعض الجوانب الإيديولوجية ظلت مجهولة، أو تم التغاضي عنها، مما لا يقدم الصورة كاملة لتطورات الصراع الطبقي في المغرب آنذاك، و انعكاساتها داخل الحملم و داخل منظمة "إلى الأمام"، و في هذا السياق برز مثقفو البورجوازية الوطنية كأدوات تم استعمالها في التغطية على جرائم النظام، و القيام بالتنظير لشرعنته.

في هذا السياق، احتل كتاب "المثقف جدا"عبد الله العروي و عنوانه "الجزائر و قضية الصحراء المغربية"، موقعا متميزا في تلك الحملة الإديولوجية، التي ساهم فيها العديد من مثقفي حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي، و من أبرزهم فتح الله ولعلو. و مما أعطى لكتاب العروي أهمية خاصة، لدى مثقفي و مناضلي البورجوازية الصغيرة، كون صاحبه، كان يحظى بسمعة تقدمية لدى مثقفي اليسار الأوربي، و هو الأمر الذي أدركه الحسن الثاني جيدا، فوظف هذا المثقف الانتهازي، لخدمة مصالح الدولة الكمبرادورية، فأسند له مجموعة من المسؤوليات، منها مبعوث النظام إلى الخارج حول الصحراء.

في سياق تلك المهام، زادت حماسة عبد الله العروي عن الحد، فبلغ به الأمر حد إنكار وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، في وقت كانت المعتقلات السرية مكتظة بهم، و قد تعرف العالم، فيما بعد، على أسماء تلك المعتقلات الأسطورية،التي تم فيها الزج بخيرة أبناء الشعب المغربي. و إذا كان الشعب المغربي، قد بدأ يسائل "ذاكرة الملك"،عن تلك الجرائم الشنيعة التي ارتكبها، فلا بد من يوم ستساءل فيه ذاكرة المؤرخ ،الذي "يسكت دهرا و ينطق كفرا"،و لا زال كذلك على نهجه إلى يومنا هذا.

خلال هذه الحقبة، عرف المغرب،إحدى أكبر المعارك الإيديولوجية التي خاضها النظام الكمبرادوري ضد الحركة الثورية عموما، و الحملم خصوصا، ساهم فيها كذلك، و بالنيابة عنه، مثقفو البورجوازية الوطنية و البورجوازية الصغيرة الإصلاحية. ففي ظل هذه الفترة، كان حزب الاستقلال، الذي أذهله انتشار الفكر الماركسي ــ اللينيني، و القيم النضالية الثورية وسط الشباب، و وسط الأساتذة، و في الجامعات و الثانويات، قد أطلق منذ 1973، حملات إديولوجية مسعورة، وصلت إلى حد المطالبة بحل "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" و التغطية على المجازر التي ارتكبت في حق مناضليه، و كذا الحملات القمعية التي تعرضت لها الحملم، حيث ساهمت جرائده الصفراء، و إعلاميوه المرتزقة، في إطلاق حملات إديولوجية مسعورة في إطار ما نسميه، الحملة الإديولوجية للنظام الكمبرادوري و حزب "البورجوازية الوطنية " ضد الفكر الماركسي ــ اللينيني و الحملم، و ذلك تحت شعار ضرورة مواجهة الأفكار الهدامة و الدخيلة و البعيدة عن الإسلام. و قام مثقفو الحزب بمحاولات فاشلة، لتقديم ما كانوا يسمونه بالبديل، من خلال الدعوة إلى إديولوجية التعادلية، و من خلال محاولات تلقين منظور الحزب، لتاريخ الحركة الوطنية المغربية للأجيال الجديدة، التي لم تعش تلك الفترة من خلال كتاب عبد الكريم غلاب حول الحركة الوطنية، هذا الكتاب الذي فجر سجالات قوية بين جريدة "العلم" لسان حزب الاستقلال، و جريدة حزب الاتحاد الاشتراكي.

هكذا دخلت البورجوازية الوطنية و البورجوازية الصغيرة، من خلال مثقفيها و منظريها، معركة تاريخ المغرب، فلكل طبقة منظورها لتاريخ المغرب. و بطبيعة الحال، كان النظام الكمبرادوري وراء الدخول في هذه الحملة الإديولوجية، التي لم تكن تستهدف أحدا غير الحملم، التي قال عنها الحسن الثاني فيما بعد،و عن أحد فصائلها، أنه لن يغفر لها كونها أعادت النظر في تاريخ المغرب.

قام النظام الكمبرادوري، بتوظيف عدد من المثقفين و الكتاب، مغاربة و أجانب، لكتابة جوانب من هذا التاريخ (تاريخ تحت الطلب). في هذا السياق انخرط كتاب "التحدي"، و كاتبه"موريس دريون"، الذي كتب في نفس الوقت سيناريو فيلم "المسيرة الخضراء"، كما طلب الحسن الثاني من عبد الهادي بوطالب، و من أمثاله، بكتابة كتاب يدافع عن العلويين. و قد طلب في نفس الوقت من عبد الله العروي بالالتحاق بالمجموعة، و لما تحفظ، طلب منه وضع كتاب حول الجزائر، هكذا انضبط العروي، و جمع مجموعة من المقالات، كان قد أصدرها في مجلة "لاماليف" خلال سنتي 1975 و1976، و ذلك حول موضوع الصحراء. هكذا جاء كتاب "الجزائر و قضية الصحراء المغربية"، الذي فرض النظام الكمبرادوري توزيعه على الإدارات المغربية، كما وضع في رفوف مكتبات وكالات الأنباء الدولية، إلى جانب كتاب التحدي، و قد شكل هذا الكتاب أحد المصادر التي اعتمدت عليها التيارات الإصلاحية داخل الحملم لمواجهة الخط الثوري داخلها.

لقد كانت هذه الحملة الإديولوجية المضادة للنظام الكمبرادوري، عملا مشتركا، بين النظام و الأحزاب الإصلاحية، تحت شعار استراتيجي "الإجماع الوطني"، علما أن نظام البورجوازية الكمبرادورية، كان يفتقر لإطار مؤسساتي (حزب سياسي) قادر على إعادة إنتاج نخب قيادية، فما بالك، ببناء نظرية منسجمة للمجتمع المغربي، فمن هنا ضعف قاعدته السياسية و الإديولوجية،التي تنمي هشاشته، و من هنا كذلك تظهر أهمية هذا "الإجماع الوطني" الذي يتأسس على قاعدته التحالف السياسي مع البورجوازية الوطنية،لشرعنة النظام الكمبرادوري و سحب الاستمرارية التاريخية عليه، و من هنا كذلك يمكن فهم تلك الشعارات التي كانت تتردد ك "الحسن الباني للأمة المغربية" و"الحسن المحرر"... و إطلاق مفهوم "الديموقراطية الحسنية" الذي برع في الترويج له أحمد العلوي مدير جريدة"لوماتان" . فهذا التوهيم السياسي و الإديولوجي، سيعتمد على المرجعية التاريخية، لتبريره ، و لتقديم الحسن الثاني، كاستمرارية لبناء الدولة الوطنية (الدولة التي انبنت منذ 12 قرنا) مع مؤسسها حسب زعمهم "إدريس"، ضد مخاطر السيطرة الامبريالية، أي الاعتماد على التاريخ لتبرير تحالف "المستبد المستنير" مع قوى الحركة الوطنية البورجوازية، و لتبريرالموقف من الصحراء كذلك. و ما يهمنا هنا، هو الكيفية التي أسس بها عبد الله العروي لشرعية النظام المخزني بطروحات غاية في المثالية، و تقفز على حقائق التاريخ.

لقد أصبح التاريخ في هذه الفترة، رهانا أساسيا من رهانات الصراع السياسي و الإديولوجي، بين القوى الثورية المغربية عموما ،و الحملم خصوصا، لسبب وحيد، هو أن هذه القوى لا تعترف بشرعية النظام المخزني الكمبرادوري، لذلك تميزت كتاباتها بنظرة أخرى لتاريخ المغرب، مختلفة جوهريا عن نظرة القوى الإصلاحية و النظام الكمبرادوري، نظرة تعتمد الفكر المادي الجدلي و التاريخي، و أخرى، تعتمد الفكر المثالي الميتافيزيقي في فهم التاريخ، و لذلك أهمية قصوى في النظر لهذا التاريخ، سواء باعتباره تاريخا للملوك و السلاطين و الدولة المخزنية، أو تاريخا للشعب، بفلاحيه ،و قبائله و كادحيه في المدن و البوادي، و بنضاله ضد دولة المخزن و ضد الاستعمار الغاصب، فالرهان هنا واضح، بين تصورين للتاريخ ، أحدهما رجعي يكرس استمرار الاستبداد و الدكتاتورية باسم استمرارية الدولة منذ 12 قرنا، و الآخر، الذي ينهل من تاريخ طويل للشعب، دفاعا عن الأرض ضد الغصب المخزني، و دفاعا عن الديموقراطية النسبية للقبيلة أو الجماعة، و عن تراث ثقافي و حضاري، اندمج عبره ، و من خلاله ، و عبر قرون، المكونان الأمازيغي و العربي. فإشكالية الاستمرارية غير بريئة، فلكل طرف مشروعه التاريخي، و هنا بيت القصيد. في الحقيقة، فقد ارتبط هذا الصراع في شكله المباشر بقضية الصحراء، لكن سرعان ما تبين أن حدود ذلك أوسع بكثير، و تتعدى حدود قضية سياسية مباشرة آنذاك.

 

- 2 - عبد الله العروي و مفهوم تاريخ الشعب المغربي

 

يعتمد عبد الله العروي في كتابه "الجزائر و قضية الصحراء المغربية" على مفهوم خاص، لتحديد وجود دولة ذات سيادة على الأرض، بدعامات ثلاث حسب وجهة نظره :

 

1- وجود دولة ذات سيادة على أرض محددة، يؤكده اعتراف الغرب بها، من خلال مجموعة من المواثيق (هذا بالنسبة للجانب الخارجي).

2- وجود أمة مغربية يرمز إليها وجود سلطة للسلطان على الأرض.

3- أن الوحدة يتم التعبير عنها من خلال عقد البيعة، الذي يعترف بسلطة السلطان من طرف القبائل (هذا بالنسبة للجانب الداخلي).

 

هكذا وحسب هذا المنظور، يشكل الاعتراف المزدوج، من طرف الدول بالخارج و من طرف القبائل في الداخل، ما يحدد الدولة و الأمة المغربية لدى العروي، فالمقولة القانونية (المواثيق الدولية،عقد البيعة) هي مرتكزات التأسيس لمفهوم الدولة و الأمة و الشعب المغربي، و هو بالمناسبة، ما جعله في نفس الوقت، غير قادر على مناقشة قضية الصحراء خارج القانون الاستعماري.

لم يستطع العروي تجاوز أقدم المفاهيم و المقولات للفكر البورجوازي، مغرقا نفسه في مجموعة من المواثيق الدولية لتبرير وجهة نظره، ناسيا أن ما كان مطلوبا منه كمؤرخ، هو إظهار كيفية نشوء و تطور هذا الشعب و وحدته، و في ظل أية شروط و سياق حصل ذلك من الناحية التاريخية، قبل أن يتحدث عن مفهوم البيعة كوثيقة تأسيسية لهذا التاريخ، فلم يستطع الجواب عن سؤال: لماذا؟ و كيف؟ حين يتعلق الأمر بالبيعة.

بعد كتابه "تاريخ المغارب"، و وقوفه عند حد نقد الكتابات الاستعمارية حول تاريخ المغرب، في محاولة من طرف العروي، لإزاحة النظرة الاستعمارية عن تاريخ المغرب، كان الجميع ينتظرالخطوة الثانية لكتابة هذا التاريخ من منظور آخر، لكن العروي صمت دهرا، وعندما نطق "نطق كفرا".

إن وجود البيعة، يعني في حد ذاته، وجود تناقض بين المخزن و القبائل، و بطبيعة الحال، ما كان لنا أن ننتظر من مثقف وظف نفسه لخدمة النظام، أن يجيب عن طبيعة هذا التناقض و مضمونه و أبعاده، و بالمقابل، وظف العروي النظرة الحقوقية التي تعتمد الوثيقة الدبلوماسية و عقد البيعة.

من وجهة نظر تاريخية، لم تكن البيعة مجرد اعتراف بسلطة السلطان، بل تعكس علاقات قوى طبقية، بين الدولة المخزنية و الفلاحين المنظمين في قبائل، و من تم، تمثل وثيقة البيعة تسجيلا لمستوى علاقات القوى بين الطرفين، بمعنى آخر كانت البيعة عقدا، يسجل فيه حقوق القبائل في الرعي و الماء و مقدار الجبايات و تجنيد الرجال من أجل "الحركة" ( بسكون الراء ) و حقوق المرور.

مهما أسبغ العروي على عقد البيعة من مثالية مجردة، فلن يستطيع إخفاء طابعها المدقق و المحدد، أي علاقة سياسية، تحدد حقوق و واجبات الطرفين المتصارعين، التي تتبلور على إثر صراع محدد، و في زمن محدد، يتبعه التفاوض بين المخزن و القبائل، هذا إذا لم تساهم القبائل في القضاء عليه.

إذا كان هناك اعتراف بسلطة السلطان من طرف القبيلة، فلا يكون ذلك ،إلا بقدر احترام السلطان لتلك الحقوق المتضمنة في عقد البيعة، النابعة من الصراع السياسي، و من علاقات قوى طبقية، أو بمعنى آخر، ما يكون رهانا لذلك الصراع بين الطرفين، من وسائل إنتاج (أرض، ماء...) و استخلاص الجبايات ، أي أن الرهان في هذا الصراع الدائم، إنما يدور بين مصالح اقتصادية مادية، و كذلك بين نمط تنظيم اجتماعي، يتميز بالتضامن و التكافل و بالديموقراطية و الاستقلالية النسبيتان، و نظام اجتماعي سياسي، يحتل فيه مفهوم الإمام موقعا رئيسيا، قائما على القهر و العنف و الاستغلال و الاستحواذ على إنتاج الفلاحين و الكادحين في المدن،عبر الإتاوات و الجبايات و تنظيم 'الحركات" و تعيين القواد لفرض ذلك قهرا و عسفا، و إن تاريخ المدن و البوادي مليء بذلك.

إن القدرة السياسية للفلاحين، و سرعة التعبئة الاجتماعية للقبيلة التي ترجع إلى التضامن، بحركيتها التي تعود إلى حيازتها النسبية للأرض، بشبكات تحالفاتها التي يمكن أن تغطي مساحات شاسعة، هو ما يفسر المقاومة الكبيرة للفلاحين (الفلاحون و الرعاة) ضد سيطرة المخزن، إن هذه المقاومة، كانت تعبيرا عن إرادة فئة اجتماعية، للإفلات من الاضطهاد و انتزاع الفائض.

هذا لا يعني أبدا وجود إرادة سياسية لاستقلال مؤسساتي، بل إن المقاومة السياسية و العسكرية للقبائل، كانت تعبيرا أكثر عن نزاع طبقي، حسب النمط الخاص للتنظيم الاجتماعي لبلادنا.

إن مقاومة الفلاحين للمخزن، لا تلغي الشعور بالانتماء لنفس الجماعة، و لنفس الوطن. بعيدا عن ذلك، فمقاومة الفلاحين تدخل في نفس سيرورة التكوين و التأسيس للأمة المغربية، و بالفعل فهذه مسألة أساسية من وجهة نظرنا.

هكذا، شكلت مقاومة الاستعمار البرتغالي و الاسباني و الفرنسي، المسار نفسه لوحدة شعبنا المسلح، في وحدة للفلاحين المنظمين في قبائل، وحدة سكان المدن، لأن وحدة شعبنا تشكلت خلال سيرورة طويلة ضمن هذا الصراع المزدوج، و لأن هاتين المقاومتين تداخلتا، بسبب خيانة المخزن، خلال تغلغل الرأسمال التجاري و المالي الإستعماري، تجاه المحتل العسكري الأجنبي الاسباني و الفرنسي.

إن الواقع التأسيسي للأمة المغربية، هو تبلور وحدة الشعب، في ظل هذه المقاومة المزدوجة. إن الواقع التأسيسي للأمة المغربية، ليس فعل قانون (البيعة)، بل إن الواقع التأسيسي للأمة المغربية، هو وحدة الشعب في سيرورة النضال ضد الاضطهاد الطبقي لدولة المخزن،و ضد الاحتلال الأجنبي.

ليست الدولة هي التي تؤسس الأمة، إن أساس وطننا هو وحدة الشعب، و وحدة الشعب تشكلت ضد المخزن و ضد المحتل الاستعماري.

إن تشكل الأمة المغربية،ليس فقط نتاج سلطة المخزن، و ليس أيضا بمجيء البورجوازية التجارية "الموحدة عن طريق السوق".

إن العنصر المحرك، ليس هو سلطة المخزن، و هذا ما يفسر عدم استقرارية البيعة. هكذا، فالميزة الرئيسية للبيعة،هو عدم استقراريتها، و بالفعل، فمضمونها امتيازات المخزن المنتزعة، أو الممنوحة ، تتم إعادة النظر فيها عند أقل فرصة تعتبرها القبائل في غير صالحها.

قدم العروي إذن، طرحا مثاليا لتاريخ المغرب، و المؤرخ الذي حاول نزع النظرة الكولونيالية عن تاريخ المغرب (و هي خطوة محترمة)، قام على النقيض، حين أسبغ الطابع المخزني على تاريخ المغرب، فتاريخ المغرب هو تاريخ المخزن، و على هذا الأساس قدم العروي مفهوما للدولة كدولة موحدة (بفتح الواو)، فوق المصالح الاجتماعية المتصارعة، فوق الطبقات، دولة حكم (بفتح الحاء و الكاف) بين المطامع و التوترات و الصراعات المختلفة، دولة تدبر الأمة، و تضحي بالمصالح الخاصة المناقضة للمصالح العامة.

بطبيعة الحال، يبتعد العروي عن الكلام عن طبيعة تلك الدولة و نوعيتها و مضمون علاقتها بالفلاحين – القبائل كمثال،لا تهمه علاقات الإنتاج الأساسية و الموضوعية، التي تندرج ضمنها و تحددها طبيعة العلاقة بين الدولة و الفلاحين، أو القبائل، فالمخزن عند العروي، هو المدافع في كل مكان، و في كل زمان عن سيادة البلاد و وحدتها الترابية. ففي مثل هكذا تحليل، وحد العروي بشكل تام و شامل، مصالح الشعب المغربي و مصالح المخزن، مبرءا الدولة المخزنية من جرائمها التاريخية في حق الشعب المغربي، و ذلك بشكل فظ و ديماغوجي.

هذه النظرة، بغض النظر عن طابعها الشوفيني العنصري، الموروث عن الحركة الوطنية البورجوازية، فهي تعبر عن مصالح "البورجوازية الوطنية" التواقة إلى التحالف مع النظام الكمبرادوري، من خلال نظرة موحدة للتاريخ ، و بدور الدولة في هذا التاريخ، كدولة فوق الطبقات، و مدافعة عن المصالح الوطنية، في كل زمان و مكان، في الماضي و الحاضر و المستقبل، و لعل مفهوم الدولة الوطنية لدى الاتحاد الاشتراكي خير تعبير عن ذلك.

إن هذا التأسيس الذي قام به العروي، يخدم بشكل واضح و سافر، أحزاب البورجوازية الوطنية و الصغيرة، في بناء تحالف استراتيجي مع النظام، من خلال تأسيس شرعنة تاريخية له. و من الملاحظ، أنه منذ هذه الفترة، بدأ مؤرخو هذين الحزبين، يعزفون على نبرة واحدة مع النظام، في كل ما يخص تاريخ المغرب، خلافا لمراحل سابقة، كانت تتسم بنظرة نقدية لهذا التاريخ، و إن كانت جزئية و محدودة، بل إن مفهوم "الوطنية" قد أصبح موحدا تقريبا، و بذلك تم تبويء النظام الكمبرادوري كمرجع وحيد ل "الوطنية المغربية"، و في ذلك دلالة على تحول هذه الأحزاب التي انخرطت في كل مسلسلات النظام. إن هذا العمل، قد انخرط في سيرورة جديدة، كان قد دشنها النظام الكمبرادوري من أجل بناء قاعدته السياسية و الاجتماعية، و هي العملية التي استمرت طيلة ما يسمى ب "المسلسل الديموقراطي"، الذي ما أن توفي الحسن الثاني، و في سياق ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ... و إعلان "النظام العالمي الجديد" ، حتى أصبح سياسيو هذه الأحزاب، و بدون مواربة و لا حياء يطلقون على ما أسموه ب "المسلسل الديموقراطي"، الذي استفادوا منه ماديا على حساب الشعب المغربي، سنوات الرصاص ، و مرحلة الانتهاكات الجسيمة، إلى غير ذلك من المسميات، و ما أن نادى الحسن الثاني قيد حياته عليهم، لتشكيل حكومة التوافق حتى هب هؤلاء، يرددون بأنه لم يعد هناك مخزن بالمغرب (تصريح سابق لمحمد اليازغي عضو سابق في حكومة التناوب الذي أضاف أخيرا (2014) في حوار تلفزي ضمن برنامج وثائقي بثته قناة "روسيا اليوم" أن الثورة في المغرب قد تحققت، بعد إعلان النظام عن السكتة القلبية التي تهدد المغرب، مع تأسيس حكومة التناوب؟! ). بطبيعة الحال هيأ النظام لكل ذلك.

بموازاة مع حملاته الإديولوجية، قام النظام بحملات قمعية فاشية، لاجتثاث الحملم و الحركة الثورية المغربية. و بالإضافة إلى الأجهزة القمعية الجديدة التي أنشأها، قام النظام بتأسيس منظمة إجرامية متحكم فيها تحت اسم "الشبيبة الإسلامية"، و هي المسؤولة عن العديد من العمليات الإجرامية، ضد مناضلي الحملم و مناضلي الحركة الثورية المغربية، و قد توجت هذه العصابات الإجرامية عملها باغتيال الشهيد عمر بن جلون.

خلاصة القول، فقد أسس العروي لشرعية النظام المخزني، كموحد للأمة و ضامن لوحدتها، و بدونه لن تنعم بالحياة على هذه الأرض، و قد سار على نهجه مريدوه و أتباعه و المعجبون به، من مثقفي البورجوازية الوطنية و الصغيرة ، و كل الإصلاحيين بمختلف تلاوينهم.

و يكفي المناضلين الثوريين فخرا،حتى و قد دخلوا السجون، و ولجوا المعتقلات و خسروا المعركة مؤقتا ضد النظام، و انتشر الإصلاحيون في صفوفهم كأبواق لتلك السياسات المنتشرة في هذه الحقبة، و المعبرة عن مصالح فئات من البورجوازية الصغيرة و الوطنية، فقد أصدر التاريخ حكمه على هذه المرحلة بكاملها،باعتبارها سنوات رصاص و انتهاكات جسيمة... لكن إصلاحيينا و تحريفيينا،لا يعتبرون، بل هم ماضون في زيغهم، لذلك فالمعركة ما زالت مستمرة، لتحرير المجتمع، و التاريخ، و الثقافة، و الأرض، و الإنسان من الترهات و الأكاذيب، و من الاستيلاب و القهر، و الاضطهاد و الاستغلال.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.