يبدأ موقع "30 غشت" في نشر أقسام و فصول الجزء الثاني من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" “، و تتضمن الحلقة الأولى هنا، الفصل الأول من القسم الأول لهذا الجزء الثاني.
تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).
مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":
الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج
الجزء الثاني
القسم الأول
دور الأطروحات الإصلاحية في تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام".
الفصل الأول :
الهجوم الإديولوجي للنظام الكمبرادوري و البورجوازية الوطنية و ظهور الاتجاهات الإصلاحية التحريفية داخل الحملم.
في خريف 1975، عاودت الاتجاهات الإصلاحية، الظهور من جديد داخل الحملم، و استمر تطورها و انتشارها خلال السنوات اللاحقة، على خلفية الضربات التي تعرضت لها فصائل الحملم، و مما يميز صعود هذه التيارات التحريفية الجديدة، استهدافها للخط العام للحملم، و في مقدمة ذلك ،هجومها على خط "الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية"، معلنة بشكل سافر أو ملتو، عن انطلاق ما أسمته بمسميات مختلفة "خط النضال الديموقراطي" أو خط " النضال الراديكالي"، مستفيدة في ذلك من مجموعة من الأخطاء التي ارتكبتها الحملم.
إن الأطروحات الجديدة، أصبحت تمثل خطورة أكبر على الحملم، لكونها أكثر تبلورا و بناءا من سابقاتها، التي سبق أن ذكرنا بها في صفحات سابقة، و هي بذلك ستقدم نفسها كبديل لتجربة سابقة و كحل "واقعي" لأزمة الحملم التي فجرتها اعتقالات 74 – 75 – 76.
قبل التطرق لهذه الأطروحات التحريفية الجديدة ، لابد من التذكير ببعض المعطيات التاريخية ، التي تضع هذه الأطروحات في سياقها العام، كانعكاس لصراع الطبقات في المغرب آنذاك، و لما كان يمور داخل الطبقات الكمبرادورية و البورجوازية الوطنية و الصغيرة، و قيام مثقفي هذه الطبقات بأدوار محددة في هذه الصراعات، تعبيرا عن تحالفات جديدة تستجيب لمشروع النظام الكمبرادوري في إعادة بناء قاعدته السياسية و الطبقية بعد المحاولتين الانقلابيتين التي هزت أركانه. و سنؤكد هنا على بعض الجوانب السياسية و الإديولوجية (خصوصا الإديولوجية) و نترك جانبا المعطيات الاقتصادية لهذه الفترة و المعروفة بما يكفي.
- 1- الهجوم الإديولوجي للنظام الكمبرادوري و البرجوازية الوطنية
لقد عرف بالفعل، منتصف السبعينات من القرن الماضي، قمة الهجوم الإديولوجي الذي قام به النظام، في سياق إعادة ترتيب أوضاعه المهزوزة على إثر المحاولتين الانقلابيتين السابق ذكرها، و بعد إرساء تحالف سياسي مع أحزاب البورجوازية الوطنية (حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، مستغلا في ذلك قضية الصحراء، التي كانت فرصة سانحة للنظام الكمبرادوري،لإطلاق حملات شوفينية ضد الجزائر، و الدخول، بل و استمرار اجتثاث الحملم و القوى الثورية. و إذا كانت الأوضاع الاقتصادية، التي تطورت في هذه الفترة، و استمرت في التفاقم إلى حدود انتقاضة 20 يونيو 1981 معروفة، فإن بعض الجوانب الإيديولوجية ظلت مجهولة، أو تم التغاضي عنها، مما لا يقدم الصورة كاملة لتطورات الصراع الطبقي في المغرب آنذاك، و انعكاساتها داخل الحملم و داخل منظمة "إلى الأمام"، و في هذا السياق برز مثقفو البورجوازية الوطنية كأدوات تم استعمالها في التغطية على جرائم النظام، و القيام بالتنظير لشرعنته.
في هذا السياق، احتل كتاب "المثقف جدا"عبد الله العروي و عنوانه "الجزائر و قضية الصحراء المغربية"، موقعا متميزا في تلك الحملة الإديولوجية، التي ساهم فيها العديد من مثقفي حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي، و من أبرزهم فتح الله ولعلو. و مما أعطى لكتاب العروي أهمية خاصة، لدى مثقفي و مناضلي البورجوازية الصغيرة، كون صاحبه، كان يحظى بسمعة تقدمية لدى مثقفي اليسار الأوربي، و هو الأمر الذي أدركه الحسن الثاني جيدا، فوظف هذا المثقف الانتهازي، لخدمة مصالح الدولة الكمبرادورية، فأسند له مجموعة من المسؤوليات، منها مبعوث النظام إلى الخارج حول الصحراء.
في سياق تلك المهام، زادت حماسة عبد الله العروي عن الحد، فبلغ به الأمر حد إنكار وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، في وقت كانت المعتقلات السرية مكتظة بهم، و قد تعرف العالم، فيما بعد، على أسماء تلك المعتقلات الأسطورية،التي تم فيها الزج بخيرة أبناء الشعب المغربي. و إذا كان الشعب المغربي، قد بدأ يسائل "ذاكرة الملك"،عن تلك الجرائم الشنيعة التي ارتكبها، فلا بد من يوم ستساءل فيه ذاكرة المؤرخ ،الذي "يسكت دهرا و ينطق كفرا"،و لا زال كذلك على نهجه إلى يومنا هذا.
خلال هذه الحقبة، عرف المغرب،إحدى أكبر المعارك الإيديولوجية التي خاضها النظام الكمبرادوري ضد الحركة الثورية عموما، و الحملم خصوصا، ساهم فيها كذلك، و بالنيابة عنه، مثقفو البورجوازية الوطنية و البورجوازية الصغيرة الإصلاحية. ففي ظل هذه الفترة، كان حزب الاستقلال، الذي أذهله انتشار الفكر الماركسي ــ اللينيني، و القيم النضالية الثورية وسط الشباب، و وسط الأساتذة، و في الجامعات و الثانويات، قد أطلق منذ 1973، حملات إديولوجية مسعورة، وصلت إلى حد المطالبة بحل "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" و التغطية على المجازر التي ارتكبت في حق مناضليه، و كذا الحملات القمعية التي تعرضت لها الحملم، حيث ساهمت جرائده الصفراء، و إعلاميوه المرتزقة، في إطلاق حملات إديولوجية مسعورة في إطار ما نسميه، الحملة الإديولوجية للنظام الكمبرادوري و حزب "البورجوازية الوطنية " ضد الفكر الماركسي ــ اللينيني و الحملم، و ذلك تحت شعار ضرورة مواجهة الأفكار الهدامة و الدخيلة و البعيدة عن الإسلام. و قام مثقفو الحزب بمحاولات فاشلة، لتقديم ما كانوا يسمونه بالبديل، من خلال الدعوة إلى إديولوجية التعادلية، و من خلال محاولات تلقين منظور الحزب، لتاريخ الحركة الوطنية المغربية للأجيال الجديدة، التي لم تعش تلك الفترة من خلال كتاب عبد الكريم غلاب حول الحركة الوطنية، هذا الكتاب الذي فجر سجالات قوية بين جريدة "العلم" لسان حزب الاستقلال، و جريدة حزب الاتحاد الاشتراكي.
هكذا دخلت البورجوازية الوطنية و البورجوازية الصغيرة، من خلال مثقفيها و منظريها، معركة تاريخ المغرب، فلكل طبقة منظورها لتاريخ المغرب. و بطبيعة الحال، كان النظام الكمبرادوري وراء الدخول في هذه الحملة الإديولوجية، التي لم تكن تستهدف أحدا غير الحملم، التي قال عنها الحسن الثاني فيما بعد،و عن أحد فصائلها، أنه لن يغفر لها كونها أعادت النظر في تاريخ المغرب.
قام النظام الكمبرادوري، بتوظيف عدد من المثقفين و الكتاب، مغاربة و أجانب، لكتابة جوانب من هذا التاريخ (تاريخ تحت الطلب). في هذا السياق انخرط كتاب "التحدي"، و كاتبه"موريس دريون"، الذي كتب في نفس الوقت سيناريو فيلم "المسيرة الخضراء"، كما طلب الحسن الثاني من عبد الهادي بوطالب، و من أمثاله، بكتابة كتاب يدافع عن العلويين. و قد طلب في نفس الوقت من عبد الله العروي بالالتحاق بالمجموعة، و لما تحفظ، طلب منه وضع كتاب حول الجزائر، هكذا انضبط العروي، و جمع مجموعة من المقالات، كان قد أصدرها في مجلة "لاماليف" خلال سنتي 1975 و1976، و ذلك حول موضوع الصحراء. هكذا جاء كتاب "الجزائر و قضية الصحراء المغربية"، الذي فرض النظام الكمبرادوري توزيعه على الإدارات المغربية، كما وضع في رفوف مكتبات وكالات الأنباء الدولية، إلى جانب كتاب التحدي، و قد شكل هذا الكتاب أحد المصادر التي اعتمدت عليها التيارات الإصلاحية داخل الحملم لمواجهة الخط الثوري داخلها.
لقد كانت هذه الحملة الإديولوجية المضادة للنظام الكمبرادوري، عملا مشتركا، بين النظام و الأحزاب الإصلاحية، تحت شعار استراتيجي "الإجماع الوطني"، علما أن نظام البورجوازية الكمبرادورية، كان يفتقر لإطار مؤسساتي (حزب سياسي) قادر على إعادة إنتاج نخب قيادية، فما بالك، ببناء نظرية منسجمة للمجتمع المغربي، فمن هنا ضعف قاعدته السياسية و الإديولوجية،التي تنمي هشاشته، و من هنا كذلك تظهر أهمية هذا "الإجماع الوطني" الذي يتأسس على قاعدته التحالف السياسي مع البورجوازية الوطنية،لشرعنة النظام الكمبرادوري و سحب الاستمرارية التاريخية عليه، و من هنا كذلك يمكن فهم تلك الشعارات التي كانت تتردد ك "الحسن الباني للأمة المغربية" و"الحسن المحرر"... و إطلاق مفهوم "الديموقراطية الحسنية" الذي برع في الترويج له أحمد العلوي مدير جريدة"لوماتان" . فهذا التوهيم السياسي و الإديولوجي، سيعتمد على المرجعية التاريخية، لتبريره ، و لتقديم الحسن الثاني، كاستمرارية لبناء الدولة الوطنية (الدولة التي انبنت منذ 12 قرنا) مع مؤسسها حسب زعمهم "إدريس"، ضد مخاطر السيطرة الامبريالية، أي الاعتماد على التاريخ لتبرير تحالف "المستبد المستنير" مع قوى الحركة الوطنية البورجوازية، و لتبريرالموقف من الصحراء كذلك. و ما يهمنا هنا، هو الكيفية التي أسس بها عبد الله العروي لشرعية النظام المخزني بطروحات غاية في المثالية، و تقفز على حقائق التاريخ.
لقد أصبح التاريخ في هذه الفترة، رهانا أساسيا من رهانات الصراع السياسي و الإديولوجي، بين القوى الثورية المغربية عموما ،و الحملم خصوصا، لسبب وحيد، هو أن هذه القوى لا تعترف بشرعية النظام المخزني الكمبرادوري، لذلك تميزت كتاباتها بنظرة أخرى لتاريخ المغرب، مختلفة جوهريا عن نظرة القوى الإصلاحية و النظام الكمبرادوري، نظرة تعتمد الفكر المادي الجدلي و التاريخي، و أخرى، تعتمد الفكر المثالي الميتافيزيقي في فهم التاريخ، و لذلك أهمية قصوى في النظر لهذا التاريخ، سواء باعتباره تاريخا للملوك و السلاطين و الدولة المخزنية، أو تاريخا للشعب، بفلاحيه ،و قبائله و كادحيه في المدن و البوادي، و بنضاله ضد دولة المخزن و ضد الاستعمار الغاصب، فالرهان هنا واضح، بين تصورين للتاريخ ، أحدهما رجعي يكرس استمرار الاستبداد و الدكتاتورية باسم استمرارية الدولة منذ 12 قرنا، و الآخر، الذي ينهل من تاريخ طويل للشعب، دفاعا عن الأرض ضد الغصب المخزني، و دفاعا عن الديموقراطية النسبية للقبيلة أو الجماعة، و عن تراث ثقافي و حضاري، اندمج عبره ، و من خلاله ، و عبر قرون، المكونان الأمازيغي و العربي. فإشكالية الاستمرارية غير بريئة، فلكل طرف مشروعه التاريخي، و هنا بيت القصيد. في الحقيقة، فقد ارتبط هذا الصراع في شكله المباشر بقضية الصحراء، لكن سرعان ما تبين أن حدود ذلك أوسع بكثير، و تتعدى حدود قضية سياسية مباشرة آنذاك.
- 2 - عبد الله العروي و مفهوم تاريخ الشعب المغربي
يعتمد عبد الله العروي في كتابه "الجزائر و قضية الصحراء المغربية" على مفهوم خاص، لتحديد وجود دولة ذات سيادة على الأرض، بدعامات ثلاث حسب وجهة نظره :
1- وجود دولة ذات سيادة على أرض محددة، يؤكده اعتراف الغرب بها، من خلال مجموعة من المواثيق (هذا بالنسبة للجانب الخارجي).
2- وجود أمة مغربية يرمز إليها وجود سلطة للسلطان على الأرض.
3- أن الوحدة يتم التعبير عنها من خلال عقد البيعة، الذي يعترف بسلطة السلطان من طرف القبائل (هذا بالنسبة للجانب الداخلي).