Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الثانية ــ الجزء الثاني : دراسة "مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام " " 13 يناير 2017

Pin it!

خ1.gif

 

استمرارا في نشر حلقات دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام"، يقدم موقع "30 غشت" الحلقة الثانية من الجزء الثاني، و هي تتضمن الفصل الثاني بعنوان: " الثورة الوطنية الديمقراطية على الطريقة اليعتوية"، و الفصل الثالث بعنوان: " الثورة الوطنية الديمقراطية على الطريقة الأنوالية". 

 

 

 

 

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

 

 

الجزء الثاني

القسم الأول

الفصل الثاني

الثورة الوطنية الديموقراطية على الطريقة اليعتوية

شكلت سنوات السبعينات، من القرن الماضي، فترة تحولات داخل الأحزاب الإصلاحية المغربية (حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب التقدم و الاشتراكية ). فبعد فترة مرتبكة مرت منها هذه الأحزاب ، تشكل الكتلة الوطنية 1970، و الموقف من دستور 1970، و "حركة 3 مارس"، التي فجرها الجناح الجذري داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بزعامة الفقيه البصري، و ما تلاها من اعتقالات و محاكمات و تصفيات و إعدامات التي تعرض لها مناضلو هذا الاتجاه ، و التي جمعت في شباكها العديد من مناضلي الحزب الذين لم يكونوا منتسبين لهذا الاتجاه ، و توقيف جريدة" المحرر" ، انخرطت من جديد في اللعبة السياسية، الذي حدد الحسن الثاني مصالحها تحت مسميات عدة : "المسلسل الديموقراطي"، "الوحدة الوطنية"، الإجماع الوطني" ... و بطبيعة الحال، كانت قضية الصحراء محورية في هذه السياسة الكمبرادورية لإعادة بناء القاعدة السياسية و الاجتماعية للنظام ، بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين.

خلال حقب مختلفة من هذا العقد، انبرى مثقفون و سياسيون و مفكرون، منتمون إلى البورجوازية الصغيرة و المتوسطة، للتأسيس لهذا التحالف "المقدس" بين النظام الكمبرادوري و قوى الإصلاح . و قد سبق لنا أن رأينا كيف أسس المؤرخ عبد الله العروي لهذا التحالف من خلال قراءة لتاريخ المغرب، جعلت من الدولة المخزنية مركز و محور كل شيء، فيما يخص بناء وحدة الشعب المغربي و الأمة المغربية و الدفاع عن التراب الوطني. هذا هو الدرس الذي قدمه العروي للأحزاب الإصلاحية، التي جعلت من التحالف مع النظام،عقيدة رسمية لها و خطا أحمر لايمكن تجاوزه، و من يفعل سيواجه باعتباره يمس بمقدسات البلاد و على رأسها المؤسسة الملكية.

لقد انخرط حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اللعبة، بعد تصفية إرثه الثوري في مواجهة النظام، و لرموز ذلك الإرث، و جاء المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975، ليؤسس لما سمي بخط "النضال الديموقراطي"، الذي طالما تغنت به كل التيارات اليمينية التي انبثقت عن الحملم، و على شاكلتها و مقاسها تبلورت الخطوط المسماة "ديموقراطية" لدى هذه التيارات اليمينية الإصلاحية.

أما حزب التحرر و الاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا)، هذا الحزب الغارق في تحريفيته، و الذي تخصص في محاربة الحملم، منذ نشأتها، و بالأخص منظمة "إلى الأمام"، الذي سبق أن أدلى بأسماء مؤسسيها للنظام و أجهزته القمعية، في تصريح شهير في جريدة "لادبيش" المغربية، معلنا بذلك عن عدائه للفكر الثوري الماركسي ــ اللينيني و للحركة التي تحمله، و استعداده لخدمة النظام الكمبرادوري.

هكذا تميزت سبعينات القرن الماضي، بحملات مسعورة على منظمة "إلى الأمام" من طرف هذا الحزب المتعفن، بلغت حدا أزعج حتى حلفائه الإصلاحيين، و قد واكبت هذه الحملات المسعورة، حملات أخرى ذات طابع إديولوجي، كان الحزب يهدف منها اجتثاث ما كان يسميه بمنابع "اليسراوية"، و قد تخصصت جريدة "البيان" (إلى جانب دعامات أخرى دعائية، من كراسات و كتب و مقالات ...) - التي كان يطلق عليها المناضلون الثوريون "البيان و التبيين فيما زور من أقوال لينين"- أو "البيان و التبيين فيما قاله برجنيف و كوسيغين"، في مهاجمة الحملم إديولوجيا، حيث كانت صفحاتها اليومية، تنشر حلقات متتالية من كتاب لينين "المرض الطفولي للشيوعية"، و ذلك في محاولة مزعومة لتعرية الجذور الإديولوجية و الطبقية لليسراوية المتمثلة في منظمة "إلى الأمام" و الحملم، و بطبيعة الحال كان ذلك محاولة لتقديم الحزب لنفسه، كممثل للفكر الماركسي ــ اللينيني "الصحيح" بالمغرب. و قد بلغت نذالة الحزب، و انخراطه المتحمس في خدمة النظام جدا،أن أسياده التحريفيون من قادة الاتحاد السوفياتي قد أطلقوا على هذا الحزب"اللقيط" "الحزب الشيوعي الملكي الرجعي".

لا يهمنا هنا في هذا الجزء من هذه الدراسة، الخوض في مجمل خطه التحريفي، و جذوره التاريخية، فسنخصص لذلك بعض الصفحات في دراسة أخرى، بل الذي يهمنا هنا، هو الإشارة إلى أحد المفاهيم التي شكلت ميدانا للخلافات داخل الحملم، بحيث شكل الهجوم على مفهوم "الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية" مدخلا لكل الطروحات التحريفية و الإصلاحية الجديدة.

إن لذلك أهمية كبرى، فيما يخص توضيح الطبيعة الإديولوجية و الطبقية للتحريفيين الجدد، الذين قاموا، و في ظروف جديدة، بإعادة صياغة للأطروحات التحريفية بالمغرب، ابتداءا من منتصف السبعينات ، و على امتداد الثمانينات و التسعينات، ليعودوا بشكل مباشر (حالة قادة التيار التحريفي داخل منظمة "23 مارس"، و الذين سبق لهم أن أسسوا "منظمة العمل الديموقراطي الشعبي" قبل تأسيس " الحزب الاشتراكي الديموقراطي" ، ثم حل أنفسهم و العودة من حيث جاءوا ،أي العودة إلى الحزب الأم :الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) ،أو ليس الرجوع إلى الأصل أصل!! أو بشكل رمزي، من خلال تأسيس أحزاب سياسية تقبل باللعبة، كما سطرها النظام، و تصفق لدور" القوى الديموقراطية و الوطنية " في التغيير، و تبني "خطوط ديموقراطية"، بعد التخلي عن الماركسية ــ اللينينية و الإرث الثوري للحملم.

لم يكن حظ حزب التحرر و الاشتراكية في استقطاب هؤلاء، مماثلا لزميله حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و ذلك لضعفه و تقوقعه و الذهاب بعيدا في العمالة و خدمة النظام، فهو اليوم، عضو في حكومة الإخوان الكراكوزية.

بالنسبة لموضوعنا حول "الثورة الوطنية لديموقراطية على الطريقة اليعتوية"، فلن نجد أحسن من العودة إلى أطروحات المؤتمر الوطني الثاني لحزب التقدم و الاشتراكية الذي انعقد أيام 23- 24 – 25 فبراير 1979، بمدينة الدار البيضاء، مشكلا إحدى المحطات الأساسية التي تميز بها هذا الحزب، و زعيمه التاريخي السيد علي يعته "التحريفي الأول"، في الهجوم على الحملم و خاصة منظمة "إلى الأمام".

خلال هذا المؤتمر، ألقى السيد يعتة التحريفي حتى النخاع، خطابا مطولا، دام ساعات ،أتحف به المشاركين في ذلك المؤتمر بمجموعة من الأطروحات التحريفية، سنقتبس بعضا منها لتبيان المشترك بين جميع الطروحات التحريفية التي انتشرت في نفس الفترة، و سنركز على تصورات السيد يعتة لما يسميه ب "الثورة الوطنية الديموقراطية"، و بطبيعة الحال يدخل هذا في سياق ما أسماه "الطريق المغربي نحو الاشتراكية"، و هو غطاء استعمله جمييع التحريفيين عبر العالم ( فرنسا، إيطاليا...).

و لنبدأ من الأول، يعرف علي يعتة في أطروحته حول الرأسمالية في المغرب،هاته الأخيرة، كما يلي:

"الرأسمالية نظام مستورد و جائر"، و "الرأسمالية في شكلها الحالي المسمى بالليبرالية الاقتصادية، ليست إلا وليدة الاستعمار الجديد، و هو الوجه المغربي لنظام الاستغلال، الذي توجد أزرار تسييره في باريس أو بون أو واشنطن".

تظهر هنا، تفاهة التحليل الذي يقفز على الطبيعة الجوهرية للرأسمالية التابعة للمغرب، و كذلك، عن طبيعة الرأسمال الكمبرادوري السائد في ظل بنية رأسمالية كمبرادورية، التي تتحكم في سيرورة تراكم الرأسمال، و لذلك بالغ الأهمية في التحديد الاستراتيجي : التناقض الرئيسي، التحالفات، الطبقات الأساسية، قيادة الطبقة العاملة وحزبها الثوري، السلطة الثورية و طبيعة السلطة في المغرب.

و لتبرير ضرورة "الثورة الوطنية الديموقراطية" يقول علي يعتة: "الإنتاج الصغير هو السائد في البادية و في الاقتصاد عموما، و التركيب الطبقي الناتج عن هذه البنية التحتية، يتبلور بأوليغارشية قوية و بورجوازية صغيرة كثيرة، و أن جهاز الإنتاج في مجمله مندمج في علاقة الاستعمار الجديد بالتبعية، و في النهاية يخلص إلى "أن التحليل المجرد للظروف الملموسة، لا يظهر في الوضعية الحالية ميزانا للقوى، من شأنه أن يطرح المرور إلى الاشتراكية كمهمة الساعة".

هكذا، لا ينظر صاحبنا إلى الرأسمالية القائمة بالمغرب (نحن الآن في سنة 1979)، إلا كنظام مستورد و جائر، بما يعني أن علاقته بالمغرب خارجية. و من هنا ندرك، لماذا يستعمل علي يعتة مصطلح "الأوليغارشية"، الذي لا يعني في آخر المطاف، سوى أقلية من ذوي المال و النفوذ، يعيشون بشكل طفيلي فوق ظهر القطاع المنتج، أما تبرير "الثورة الوطنية الديموقراطية "فيرجعه علي يعتة إلى ميزان القوى، الذي يميل لصالح أوليغارشية قوية، و في غير صالح بورجوازية صغيرة كثيرة.

إنه لبؤس في التحليل، فهل يعني القبول بمفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية فقط، لأن ميزان القوى لصالح "الأوليغارشية"؟ فماذا لو تغير ميزان القوى، هل سننتقل إلى"الثورة الاشتراكية؟". إنه لفهم غريب،ذلك أننا سننتقل إلى الثورة الاشتراكية قبل إنجاز الثورة الديموقراطية، كما لو أن هذه الأخيرة مجرد "قاعة انتظار" في انتظار تحسن الأجواء، لإعلان الانتقال إلى "الثورة الاشتراكية". لعل "السيد" يعتة لم يستطع التخلص من النزعة الاقتصادوية السطحية في تحليله هذا، و هو بطبيعة الحال، كان يحاول إعفاء نفسه من محاولة تدقيق الواقع المغربي الملموس.

و فيما يخص تحديد التناقضات التي تخترق المجتمع المغربي، فسيعمل علي يعتة على تفكيكها، و الفصل فيما بينها، و تغييب أي محدد يجمع بينها، فهي تتحرك في نفس الزمان و المكان، و تتساوى فيما بينها تماما كلعبة الحظ، قد يغيب أحدها أو يضمر، و يظهر آخر، و لا ندري لماذا؟ و كيف؟. فما هي هذه التناقضات حسب الأستاذ علي يعتة التحريفي:

1- الأمة بأسرها في وجه المصالح الامبريالية و أقلية قليلة من البرجوازيين.

2- الفلاحون الفقراء و البروليتاريا الزراعية ضد الملاكين العقاريين من أجل الإصلاح الزراعي.

3-الطبقة العاملة و البورجوازية الصغيرة و المتوسطة في وجه الاستغلال و هيمنة الأوليغارشية.

إن حل هذه التناقضات، يدخل في إطار الثورة الوطنية الديموقراطية ضد الامبريالية و الأوليغارشية، حسب علي يعتة، و يكون تحقيق ذلك عن طريق أداة الجبهة العريضة. و على هذا الأساس، يحدد علي يعتة مفهومه "للثورة الوطنية الديموقراطية، و طرحه الاستراتيجي. يقول في هذا الصدد: "إن "الثورة الوطنية الديموقراطية" كما يدل على ذلك اسمها ،هي قبل كل شيء،الشعار الوطني المعادي للامبريالية، و القادر على جمع أوسع الجماهير، و الجبهة الطبقية العريضة،"الدفاع عن الوحدة الترابية" و "تحرير الاقتصاد"، و هي ديموقراطية، لأنها تسعى إلى توسيع الديموقراطية، و الدفاع عن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للشغيلة و الشعب، و الحد من سيطرة الأوليغارشية و إضعاف الرجعية، و خلال هذه المرحلة، فإن العرقلة الرئيسية التي ينبغي محاربتها هي الامبرياليية و الأوليغارشية التي تدعمها و تغذيها. إن هذه القوى هي التي تستغل العمال و الثروات الوطنية، و تحول دون تطور الاقتصاد، و تسحق صغار المنتجين، و تزعج هذا القطاع أو ذاك من البورجوازية الوطنية، إن تعبئة الشعب ،و على رأسه الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين الفقراء و المحرومين من الأرض،هو الوسيلة الوحيدة لإزالة العرقلة".

هذا فيما يخص الطرح الاستراتيجي، أما فيما يخص تكتيك "الثورة الوطنية الديموقراطية"، يقول علي يعتة:

"إن تكتيك الثورة الوطنية الديموقراطية يأخذ بعين الاعتبار أن كل معركة تم ربحها، و كل مشكل تم حله تخلق ظروفا جديدة و أفضل لمجابهة معارك و مشاكل أخرى".

و سيحاول علي يعتة شرح ذلك فيقول ب"جدليته" المعروفة "إن العناصر المكونة للثورة الوطنية الديموقراطية مرتبطة فيما بينها جدليا" إن معركة الصحراء مرتبطة بقضية الديموقراطية التي جعلتها ممكنة، قد أدت إلى نجاحات جديدة لمسلسل الديموقراطية، و هما معا مكنتنا من إعادة تسييس و تعبئة الجماهير. و هذا يفيد في جبهة أخرى، و في نفس الوقت فإن تطور التصنيع سيزيد في ثقل الطبقة العاملة و سيغير ميزان القوى داخل المجتمع، و هناك أيضا الإصلاح الزراعي، و بفضل تعبئة الطاقات الفلاحية سيفتح الطريق للتحولات الاقتصادية و سيضعف نفوذ البنيات الفوقية الإقطاعية".

تتوافق في هذا الطرح التكتيكي العجيب، كل جوانب "نظرية تراكم القوى " الإصلاحية و التحريفية، كما تطل علينا نظرية القوى المنتجة التحريفية، و التي ترتكز على الاقتصادوية و الميكانيكية في النظر إلى العلاقة بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج، و بين البنى التحتية و البنى الفوقية، و قد كانت وراء العديد من الأخطاء التي أدت إلى سقوط التجارب الاشتراكية، و يقوم جوهر هذه النظرية على اعتماد دور "القوى الإنتاجية" كمحرك للتاريخ و ليس الصراع الطبقي كمحرك للتاريخ.

لقد أصبحت "الثورة الوطنية الديموقراطية "،على يد علي يعتة التحريفي ، مجموعة من الملفات يتم معالجتها و حلها،حسب درجة و نضج كل ملف، في ظل التساوي بين مختلف التناقضات التي يتم حلها، دون الاعتماد على أي تناقض رئيسي، مما أصبح يسمح بإنجاز "الثورة الوطنية الديموقراطية "حسب عبقرية علي يعتة ، دون إسقاط الأوليغارشية و الرجعية و الامبريالية، و لا ضرورة لاستيلاء الطبقة العاملة و حلفائها على السلطة السياسية حسب هذا المنظور.

في منظور علي يعتة، فإن الحزب الثوري هو "مكتب دراسات" يتابع مسيرة الثورة الوطنية الديموقراطية ،عبر إبداء النصح لجميع الطبقات الاجتماعية، لخدمة مصالح "الثورة الوطنية الديموقراطية"، فعلى الطبقة العاملة و حزبها أي "مكتب الدراسات" (لهذا أحاط علي يعتة نفسه بالعديد من التكنوقراط) توجيه النصح لتصحيح هذه الطبقات لأخطائها، دون حاجة لاستيلاء الطبقة العاملة و حلفائها على السلطة، و اكتفائها بالضبط و تصحيح الأخطاء.

هكذا وفر السيد يعتة" للثورة الوطنية الديموقراطية "عصا سحرية، تسمح بحل التناقضات الطبقية، دون حاجة إلى مجابهة أو صراع، بل في وئام تام بين مختلف الطبقات (نظرية التعاون الطبقي) نحن هنا مع أليس في بلاد العجائب، و إذا اقتضى الأمر شيئا آخرا، فسيكفي عند الضرورة القصوى قليلا من "تحمار العينين" و"تخنزير" و من بعد "كلشي يبقى على خاطرو"، خاصة و أن الكل هذا، سينتقل معنا إلى "الاشتراكية"، و يقيم علي يعتة خلطا للنماذج التي تمثل الثورة الوطنية الديموقراطية، فهو يضع في سلة واحدة النموذج المصري و الأندونيسي و اليمن الجنوبي و الكوبي.

بطبيعة الحال، يعتبر هذا الطرح، استنساخا سافرا للأطروحة الخروتشوفية القائلة بإمكانية "التطور اللارأسمالي"في بلدان العالم الثالث، و هذه الأطروحة هي نقيض الطرح الماركسي ــ اللينيني لاستراتيجية" الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية".

و من المعروف، و في سياق الصراع من أجل الهيمنة على العالم، في إطار ما يسمى بالثنائية القطبية، قام تحريفيو الاتحاد السوفياتي، بعد الهيمنة على العديد من حركات التحرر الوطني، بتحويل الماركسية ــ اللينينية إلى"منهج تقنوي" للخروج من التخلف و تحقيق التنمية، عبر التحالف مع البورجوازية الصغيرة و الوطنية و أنظمتها في دول العالم الثالث (انظر تجارب إثيوبيا، الصومال، أنغولا، الموزمبيق ... ). و من البديهي، فلا أحد كان ينتظر من هذا التحريفي العتيق أو شيخ التحريفية في المغرب، أن يقدم طرحا ثوريا حقيقيا لمفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية، لكن ما يهمنا هنا تلك الكيفية التي صاغ بها وصفته السحرية العجيبة لمفهوم الثورة الديموقراطية ،عبر تقديم طرح سطحي لمفهوم الرأسمالية بالمغرب (مجرد شكل مستورد)، يعتمد على وجود فئة اجتماعية ضعيفة لكنها مدعمة من طرف الامبريالية ، تعرقل مسار الثورة الوطنية الديموقراطية، في هذا الإطار لا يختلف الطرح اليعتوي عن الطرح الأنوالي لمفهوم "النضال الرادكالي"، الذي يعتمد هو الآخر على وجود فئة طفيلية سائدة، مما يجعل كل فئات البورجوازية معنية بتحقيق الثورة الوطنية الديموقراطية، بل و التسليم لها بالقيادة.

في الطرح اليعتوي، فالطبقات الاجتماعية تتواجد بعضها إلى جانب بعض، لا تحكمها بنية اقتصادية محددة، فنحن هنا أمام أوليغارشية طفيلية و طبقات أخرى لا وجود لمحدد عام يجمع بينها، و بطبيعة الحال، يغيب علي يعتة مفهوم الصراع الطبقي بشكل مقصود، و يقوم - بخلط للأوراق - على الجمع بين طبقات وفئات اجتماعية في كتل طبقية ثلاث، بدون الاعتماد على مفاهيم الانتماء، إما إلى أنماط إنتاج و إما إلى أشكال إنتاج، أو بالاعتماد على قسمة العمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المقاييس الأخرى كالموقع في الإنتاج، و الثروة، و الدخل، بل سنجد الطبقة العاملة إلى جانب البورجوازية الصغيرة و المتوسطة ككتلة واحدة، و العمال الزراعيين إلى جانب الفلاحين الفقراء، بل و الأمة بأسرها في مواجهة أقلية قليلة من البورجوازيين أي الأوليغارشية، فليس هناك مشكل سلطة، و لا حديث عن طبيعة السلطة، و لا أهمية لقيادة حزب الطبقة العاملة، بل هناك مشكل عرقلة يجب إزاحته عبر توسيع الديموقراطية، و الحد من تأثير و نفوذ الأوليغارشية، قبل الانتقال إلى الثورة الاشتراكية.

نفهم هنا جيدا، لماذا غيب السيد يعتة مفهوم التناقض الرئيسي عبر خلطته الطبقية، و كيف أصبحت "الثورة الوطنية الديموقراطية" مجرد طرح مرتبط بميزان القوى فقط، و ندرك كذلك كيف ارتبط الطرح الاستراتيجي المفكك بتكتيكات مفككة لا يجمعها رابط و لا يحددها محدد.

و بالنسية للانتقال إلى الاشتراكية سنجد، و في سياق الثورة الوطنية الديموقراطية، التي يتم إنجازها دون أخذ السلطة من طرف الطبقة العاملة و حلفائها الأساسيين، و بقيادة حزبها الثوري، و بطبيعة الحال سيتحول الأمر لصالح البورجوازية الصغيرة و المتوسطة، و سيصبح دور الطبقة العاملة و حزبها قابعا في الورق، يسدي النصح للبورجوازية الصغيرة، و يتحول إلى قوة اقتراحية سنجد علي يعتة يقول عنها :

"و على القوى الثورية مسؤولية اقتراح الأشكال الأكثر ليونة لإدماج القطاع الخاص و خاصة المؤسسات الصغرى و المتوسطة ضمن التخطيط، ثم ضمن الاقتصاد الاشتراكي، عن طريق الشركات المختلطة و أشكال أخرى من الاشتراك عن طريق التعاون..."

"و في نهاية الأمر فإن الأشكال الملموسة للمرور إلى مرحلة البناء الاشتراكي مرتبطة بميزان القوى الموجود و المتطور خلال مرحلة الثورة الديموقراطية".

هكذا،لا يتعلق الأمر هنا، سوى بنوع من اقتصاد رأسمالية الدولة، لا علاقة له بالاشتراكية، و هو في هذا لا يختلف عن الطرح الاتحادي(الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) لما تم تسميته ب "الاشتراكية" (بعض التأميمات، إصلاح زراعي ...).

بالنسبة لعلي يعتة، فقد كان طرحه تطبيقا لنموذج لما أسمته الخروتشوفية و التحريفية في الاتحاد السوفياتي، بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ب "الطريق اللارأسمالي" للتطور في بلدان العالم الثالث، الذي سبق وأن شرحنا معناه.

 

الفصل الثالث

الثورة الوطنية الديموقراطية على الطريقة الأنوالية

 

تتعدد أقنعة التحريفية، و تتبدل أشكالها، حسب الظروف و المراحل التاريخية ، و حسب خصائص هذا البلد أو ذاك، لكنها تحافظ على جوهرها المعادي للثورة الاشتراكية، و لخط الطبقة العاملة الثوري، و ذلك باعتبارها إحدى منوعات الفكر البورجوازي من داخل الطبقة العاملة، و في حقل الماركسية نفسها، بعدما عجز الفكر البورجوازي عن الانتصار على الفكر الماركسي، فانتقل إلى الصراع ضد الماركسية من داخل حقلها نفسه، و لذلك يتشدق التحريفيون دائما بانتمائهم للفكر الماركسي، بعد القيام بهذه المراجعات أو تلك للأسس الفلسفية و الاقتصادية و السياسية و الإديولوجية للماركسية.

لقد تقمصت التحريفية الكلاسيكية بالمغرب و التحريفية الجديدة ذات الطابع المنشفي هذا الدور، فلعبت دورا أساسيا في محاربة الفكر الماركسي ــ اللينيني و الخط الثوري، و إفشال مشروع بناء حزب الطبقة العاملة الثوري. فقد تغنت التحريفية الكلاسيكية، بتبنيها لخط "الثورة الوطنية الديموقراطية"، بعدما أفرغته من أي مضمون ثوري، و قامت بتكييفه مع خط التحريفية العالمية القائل بمفهوم "الطريق اللارأسمالي للتطور"، ذلك المفهوم الذي شكل إحدى المقومات الأساسية للتحريفية الخروتشوفية و تلامذتها من بعدها، و إحدى مداخل هيمنتها على حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، و إخضاعها لمنطق النفوذ و الهيمنة في الصراع الدائر آنذاك بين "الاشتراكية" الامبريالية السوفياتية و الامبريالية الأمريكية.

أما التحريفية الجديدة أو المنشفية الجديدة في بلادنا، فقد قامت بالفصل بين الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية و الثورة الوطنية الديموقراطية، معتبرة أن الأولى "طبقوية"، و أن الثانية واقعية و موضوعية، فسلمت بقيادتها للبورجوازية، متخلية عن المفاهيم الماركسية ــ اللينينية للثورات في بلدان المستعمرات و شبه المستعمرات، أو ذات طابع شبه إقطاعي، شبه رأسمالي، و على رأس هذا التخلي كان ترك مفهوم "الثورة المتواصلة عبر مراحل" اللينيني، و التراجع عن مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية في زمن الامبريالية و الثورات الاشتراكية،هكذا ولدت "المرحلوية"، إحدى سمات الفكر التحريفي الجديد، الذي سلم هو الآخر للبورجوازية بقيادة الثورة الوطنية الديموقراطية، و قام بالفصل بين هاته الأخيرة و الثورة الاشتراكية.

لقد كان مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية أحد العناصر الاستراتيجية في الخط الجديد للحملم عند تأسيسها، و القول بهذا، لا يعني أنه، خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، لم تنشأ محاولات للتضبيب و الاختباء وراء مفهوم "الثورة الوطنية الديموقراطية"، لمحاربة استراتيجية الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، لكن ذلك ظل غامضا، ليصبح ساطعا ابتداءا من منتصف السبعينات، و يتحول إلى خط إيديولوجي و سياسي واضح المعالم على خلفية الضربات التي تعرضت لها الحملم ابتداءا من نونبر 1974، و انتهاءا بضربة دجنبر 1975 – مارس 1976، و في سياق تطور صراع الخطوط الذي عرفته الحملم أنذاك، و الذي تمحور حول مجموعة من القضايا : الخط الإديولوجي، الخط السياسي، الاستراتيجية، التكتيك، أزمة الحملم و طبيعتها ...

لقد كان رهان الصراع بين الخط الثوري و الخط التحريفي يدور حول :

- التشبت بالماركسية ــ اللينينية و الدفاع عن اللينينية و إسهامات الثورات الكبرى : الثورة الروسية، الثورة الصينية، الثورة الألبانية...و ذلك في إطار معالجة تجربة الحملم، و تقييم الضربات التي تعرضت لها، من خلال التأكيد على إرثها الثوري، و العمل على تجاوز أخطائها في أفق بناء وحدتها، و التقدم على طريق بناء الحزب الماركسي ــ اللينيني المغربي.

- و إما العودة إلى الاشتراكية الديموقراطية و الخطوط التحريفية التي أنتجتها، للبحث في مختلف جوانب التجربة، هكذا تبين الفرق بين الطرح اللينيني لعلاقة الثورة الديموقراطية البورجوازية بالثورة الاشتراكية (الثورة المتواصلة عبر مراحل)، و هو المفهوم نفسه، الذي قام عليه مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية بالنسبة للثورات في "العالم الثالث"، و الطرح الاشتراكي الديموقراطي التحريفي للفصل بين المراحل، و التخلي عن قيادة الطبقة العاملة و حزبها الثوري للثورات الديموقراطية البرجوازية. هذا الطرح اتخذ له اسما في التجربة الروسية و هو "المنشفية" التي تحولت إلى عدو سافر للثورة الاشتراكية، إسوة بقادة الاشتراكية الديموقراطية التحريفيين و أحزابهم، أما المنشفية الجديدة في بلادنا التي تبنت هذا الفصل المنشفي الميكانيكي بين المرحلتين، فقد قامت بتكييف مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية مع هذا الطرح، و بذلك أصبح مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية، مرادفا للطرح المنشفي للثورة الديموقراطية بقيادة البورجوازية ،أخذا بعين الاعتبار، ما يسمى بالتأخر التاريخي لبلدنا حسب الطرح المنشفي الجديد.

إن المنشفية الجديدة هي الجواب التحريفي المتطابق، عبر مفهوم "الثورة الوطنية الديموقراطية" مع واقع بلادنا، و باعتباره كذلك فهو يقوم على :

* إنكار الطرح اللينيني القائل بانتهاء الدور الثوري للبورجوازية كطبقة صاعدة في عصر الامبريالية و الثورة الاشتراكية.

* الفصل الميكانيكي بين الثورة الوطنية الديموقراطية البورجوازية و الثورة الاشتراكية، و من تم إنكار دور القيادة للطبقة العاملة و حزبها الثوري خلال المرحلة الديموقراطية البورجوازية.

* إنكار دور الفلاحين كحليف استراتيجي للطبقة العاملة، و من تم تجاهل التحالف العمالي- الفلاحي، كمحور استراتيجي بقيادة الطبقة العاملة، و أنه ضروري لإنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، التي تشمل الثورة الزراعية و هي ركيزتها الأساسية.

* تكريس قيادة البورجوازية و البورجوازية الصغيرة كقيادة طبقية للثورة الوطنية الديموقراطية، و وضع الطبقة العاملة و حزبها الثوري في ذيلية سياسية و استراتيجية للبورجوازية، و على هذا الأساس، كان عليهم أن يقوموا بإسقاط اللينينية، و الاكتفاء بماركسية فضفاضة، فالحزب اللينيني، كحزب للثورة، فلا جدوى منه، فبحثوا عن صيغ أخرى.

 

- الأطروحات الأنوالية

شكل منتصف السبعينات، بداية الظهور من جديد للأطروحات الإصلاحية داخل الحملم، و في هذا الباب، و بعد الاستيلاء على قيادة منظمة"23 مارس"من طرف قيادة جديدة مقيمة بالخارج، انعقدت ندوة لهذا التنظيم في باريس، في خريف 1975، دشنت مرحلة تاريخية جديدة لهذا التنظيم، حيث تم الإعلان عن مواقف جديدة، ستعيد النظر في الخط العام السابق للحملم كله، لتتبنى أطروحات إصلاحية و تحريفية، يمينية جديدة، ستلقي بظلالها على المسار اللاحق لمنظمة "23 مارس"، التي ستتحول على يد هؤلاء، إلى "منظمة العمل الديموقراطي الشعبي".

لم تكن هذه الأطروحات الجديدة ، منفصلة عن مثيلتها داخل صفوف اليسار العربي و خاصة الفلسطيني، الذي بدأ يتراجع عن خطوطه السابقة، لصالح مواقف جديدة، و نشير هنا إلى المواقف اليمينية التي بلورتها "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، تحت مسمى "البرنامج المرحلي للثورة الفلسطينية" الذي شكل مقدمة للتخلي عن المشروع النهائي لتحرير فلسطين، لصالح ما أسمته الجبهة "حل الدولتين" ، القائم على الاعتراف بوجود شعبين هما الشعب الفلسطيني و"الشعب الإسرائيلي"، و لم تتخلف "منظمة العمل الشيوعي" اللبنانية ، بقيادة محسن إبراهيم، الحليف الدائم "للجبهة الديموقراطية"، التي كان يصدر معها بشكل مشترك مجلة "الحرية"،عن الإلتحاق بالأطروحات التحريفية الجديدة.

و إذا كان تحريفيونا عموما، يموهون عن حقيقة أطروحاتهم، بفذلكات تعبيرية للتغطية على تراجعهم و انهزامهم السياسي و الإديولوجي، فزعيم منظمة العمل الشيوعي بلبنان، في استجواب له آنذاك في جريدة "ليبراسيون" الفرنسية، بتاريخ 22 مارس 76، لم يخف حقيقة الموقف التحريفي الجديد لمنظمته، التي كانت تشكل مع "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" بقيادة نايف حواتمة ، محورا إديولوجيا لتحريفيينا الجدد.

يقول محسن إبراهيم في استجوابه، و قد قال القول كله :

"إن شيوعيا لبنانيا ،هو ثوري بالمعنى الذي كان في القرن 18، إننا نناضل من أجل ديموقراطية بورجوازية حقيقية، من أجل أن تتحمل البرجوازية اللبنانية في النهاية قيادة دولة عصرية".

لقد لخص السيد محسن إبراهيم، جوهر الأطروحات التحريفية الجديدة بالعالم العربي، و في بلادنا كذلك، و بعد هذا الطرح يبقى شرح الواضحات من المفضحات.

و بالفعل، لقد شكلت "المرحلوية" أو"المنشفية" الجديدة ،إحدى سمات التحريفية الجديدة ببلادنا.

هكذا، و في معرض إشارتهم لأزمة الحملم آنذاك، و التي يعتبرون جذرها في الخط السياسي و الفكري، الذي سارت عليه الحملم، سنجد القادة الجدد لمنظمة "23 مارس" يقولون مثلا: "حتى و لو امتلكنا خطا صحيحا، فإن عزلتنا قد تطول نسبيا، بمعنى أننا قد نتقدم في فك العزلة تقدما بطيئا،لأسباب أخرى خارجة عن إرادتنا كثوريين، لأنها مرتبطة - أي الأسباب – بالتطور الموضوعي للصراع الطبقي ببلادنا، و بالتالي بالتطور المستقل لحركة الجماهير و لنمو وعيها الجماعي، فلا يكفي في نظرنا، أن يكون الثوريون على صواب، بل لا بد أيضا أن تكتمل كل الشروط الموضوعية الأخرى لتشكل الحزب الثوري، و منها، بعد صحة الخط، أن تميل الجماهير لتقبل بأن تنمو فعاليتها و كفاحيتها الثوريتين".

و في تحديد لطبيعة الأزمة يقول التحريفيون الجدد كذلك:

"أن أزمة الخط في نظرنا ليست بسبب هذا التكتيك أو ذاك، و لا هي في أسلوب العمل و التنظيم، و لا هي حتى أزمة استراتيجية، إنها بالأحرى في هذا كله، و في المنهج الماركسي ــ اللينيني ، الذي زعمنا أننا نحمله عن جدارة و استحقاق...". في تعميق لهذا الطرح عن معنى قولهم : "فهل معنى هذا أننا وضعنا وجود الحركة التاريخي موضوع شك و تساؤل؟ بأحد المعاني نعم. و النتيجة: "لقد أخطأنا الجواب،أخطأنا الانطلاق، لم نمتلك الجواب التاريخي عن إشكالية الحزب الثوري الجماهيري. (و بالتالي لم نبن تاريخيتنا بعد). و ما دامت الحاجة الموضوعية لهذا الحزب موجودة و مستمرة، بل تتضاعف مع التطور و الصراع، فإن هذه الشروط نفسها، تستدعي وجودنا كتنظيم ثوري يطمح إلى التجاوب مع هذه الأوضاع، و إلى تلبية حاجياتها شريطة ألا يفهم وجودنا ميتافيزيقيا، بل فهما جدليا يقيم في "وحدة الهوية" التناقض (إذ لا هوية بدون تناقض)، التناقض الذي يؤدي إلى انسجام مع التاريخ لا إلى عكسه"

و في سياق تبرير طرحهم و البرهنة عليه، يضيف أصحاب هذا الرأي قائلين :

"ألم تعتمد بنية تحاليلنا السياسية، و ميكانيكيا،على ثلاثة مظاهر أو عوامل سطحية: أزمة الحكم مفهومة اقتصادويا، و أزمة إصلاح مفهومة طبقويا، و نمو الحركة الجماهيرية مفهومة رومانسيا".

و بالنسبة لتقييم الحركة الجماهيرية مرحليا، يقول التحريفيون الجدد: "أليست على أساس هذه المعادلة البسيطة و السطحية كنا نحدد سلوكنا السياسي، هذا في الوقت الذي كان فيه الطابع الشعبي للصراع الطبقي، يتراجع إلى الوراء عما كان عليه في السنوات الفارطة، إلى حدود انتفاضة مارس 1965".

و بالنسبة للمرحلة الثانية، أي ما بعد انتفاضة 1965 و إفرازاتها، فيقولون:

"كانت هذه المرحلة بالذات تحتوي على أزمتين في آن معا : أزمة النظام وأزمة الثورة، التي فقدت في زمنها المنظور مخرجها الشعبي الجماهيري و الثوري". و كأن القوم هنا، يريدون القول حسب المثل الشعبي المغربي :" قال ليه باك طاح، قال ليه راه من الخيمة مشى مايل"، بمعنى آخر "جات معطلة"،أي تأخرت عن موعدها مع التاريخ بخمس سنوات، و كان عليها أن تظهر في تلك الحقبة الذهبية.

على قاعدة هذا الطرح، كان المغرب عند نشأة الحملم، يعاني أزمتين: أزمة النظام و أزمة الثورة، أي الإقرار بوجود الداء "أزمة الداء" و غياب الدواء"أزمة الدواء" المستحيل، هذا إذا اعتبرنا أن الثورة عملية جراحية جذرية.

و إذا كان طريق الثورة مستحيل آنذاك، حسب هذا الزعم، فقد التفت أصحاب هذه الطروحات التحريفية الجديدة نحو القوى الإصلاحية في البلاد، و التي على كل حال، كانت قد نشأت قبل 1965، فيقولون بصدد العلاقة، التي كانت تحكم اليسار الماركسي ــ اللينيني المغربي بالقوى الإصلاحية، و في محاولة لتقييم ذلك:

"هل يمكن القول أن خطأ العلاقة مع القوى الديموقراطية ليس إلا مجرد خطأ في أسلوب العمل معها أو حتى خطأ في التكتيك، و ليس مرد ذلك إلى خطإ في التشخيص الاستراتيجي لقوى الثورة الوطنية الديموقراطية، بل و إلى مفهوم الصراع الطبقي، للاختصار نقول عنه طبقوي لا تاريخي؟".

بهذا المعنى وضع التحريفيون الجدد القوى الإصلاحية المغربية على خط ما يسمونه بالثورة الوطنية الديموقراطية، و هذا لعمري مفهوم جدا، لأن الثورة الوطنية الديموقراطية، بمنظور هؤلاء ستقودها البورجوازية، و أي طرح غيرهذا فهو طبقوي و لا تاريخي.

و فيما يخص ثنائية الإصلاح و الثورة يقول أصحابنا:

"هل يمكن القول أن قسما كبيرا من اليسار- على الأقل- كان فعلا متخلصا و متجاوزا لمفهوم إيديولوجي تبسيطي يختزل الإستراتيجية أو معضلة الصراع الطبقي في صراع ثنائي حاسم بين الإصلاح (البرلمان ) و العنف (الكفاح المسلح) ، و هل كان فعلا هذا المشكل محور التناقض للصراع الطبقي في هذه المرحلة، أم أنه كان "محورا" لذهنية برجوازية صغيرة عديمة الأفق؟ ثم، ألم يكن هذا الاختزال الاستراتيجي لمعضلة الثورة هو خلفية لكل سلوكنا السياسي؟"

و يأتي الجواب واضحا، فيما يخص الحكم على خط اليسار:

"... مع استذكار الأحداث و سياقاتها، و مع تركيبها جميعا في البنية الفكرية و السياسية التي حكمتها، و حكمت الممارسة بمجملها، و حتى بتناقضاتها الداخلية و تخبطاتها أحيانا سيعطينا في نهاية التحليل هذا "الجمع الكلي" لخط اليسار الذي نقول عنه أنه كان يسراوية في الميدان السياسي، و ذاتية طبقوية في المنهج الفكري.

نحن نلح على هذه الخلاصة و نؤكد عليها لأن وعينا بها يسوق ممارستنا في اتجاه آخر، و يعطي لنقدنا عمقه و شموليته المتناسبة مع حجم الأزمة و حقيقتها الواقعية، فإلى أي حد تقدمنا في هذا المجال؟"

و في ما يخص الحل أو البديل، بمعنى آخر، المشروع الجديد الذي يتلاءم مع الواقع و مع زمنه و الذي كما يقولون يقيم "الهوية" في التناقض فلنقرأ ما يلي:

"إعادة الطابع الشعبي للصراع الطبقي الذي ضمر و شحب لونه، يتطلب و يشترط نضالا ديموقراطيا صبورا على جميع المستويات و منها أساسا تنمية وعي الجماهير بأهمية السلطة أو بأهمية الدولة في إنجاز تحررها الشامل، و هنا، يقع على الثوريين أن يستوعبوا في برنامجهم كل ما يسمى بالحريات الديموقراطية البرجوازية (و من ضمنها البرلمان) أو المؤسسات التمثيلية، و يناضلوا بفعالية من أجلها، لكي يتمكنوا من تجاوزها. الهدف الوحيد الذي يضعه هذا النضال الديموقراطي أمامه هو إخراج الكتلة الجماهيرية الواسعة أو السواد الأعظم من الشعب من سباته السياسي و من سلبيته و من نفوره من العمل الجماعي بوجه عام ومن النضال السياسي بوجه خاص ...بسبب القهر الذي يعيشه يوميا، و بسبب التأخر المجتمعي العام الذي دام عدة قرون..."

"الغاية إذن هي إنشاء العامل الذاتي أو التاريخي لاستقرار الديموقراطية كعلاقات سياسية و كعلاقات مجتمعية و كأساس لأي إنجاز اقتصادي وطني أو اشتراكي، و من هذا المنظور يستمد النضال الديموقراطي كل أهميته و أبعاده الثورية، إلا أنه ليس سهل التحقيق و الإنجاز، كما قد يتصور البعض ...."

و بطبيعة الحال، يحدد التحريفيون الجدد و يميزون الحركة الجماهيرية بما يسمونه "وعيا متأخرا"، الذي لا يتعدى حدود الانفجارات العفوية، التي لا أمل لها في السيادة، مما قد يولد في أحسن الأحوال بدائل ممسوخة، كما هو الحال بالنسبة للتجربة الناصرية بمصر، مما يجعل السؤال حسب وجهة نظرهم يتمحور حول صراع الوعي المتأخر و الوعي الديموقراطي، فأيهما سينتصر؟ يقول أصحاب وجهة النظر هاته :

"و إما سينتصر هذا الوعي الديموقراطي على كل المشاق و عوائقه التاريخية، و ما أعمقها! و بالتالي سنكون مؤهلين، ليس فقط لإنجاز التحرر الاقتصادي و السياسي من الامبريالية، بل و لاجتياز التأخر المجتمعي الذي بدونه لا يبقى للأول من قيمة تاريخية حقيقية، و لذا يخيل إلينا أن هذا الصراع يملك في الوعي المتأخر حظوظا كبيرة، لكننا بكامل وعينا سنناضل في الاتجاه الثاني مهما كان شاقا و طويل الأمد، و مهما كان الأول مغريا بطابعه الثوري السهل، لأن ذلك في رأينا هو الاختيار التاريخي الصحيح الرادكالي حقا و الإشتراكي حقا. هذه هي الأبعاد التي يعطيها خطنا الديموقراطي، و هي كما ترون أكثر من موقف تكتيكي بسيط، بل إنها بالأحرى اختيارا إديولوجيا و سياسيا لطبيعة الثورة نفسها".

إن هذا الاختيار الإديولوجي و السياسي الجديد لطبيعة "الثورة"من منظور التحريفيين الجدد ، لا بد أن يعتمد على ركيزة محددة، و هذه الركيزة تسمى عند هؤلاء ب "خط النضال الراديكالي". ورد هذا الخط في مقال تحت عنوان"خط النضال الرادكالي" عبر طرحه للسؤال: "ما الهدف من النضال الرادكالي" و الجواب هو ما يلي:

"و بكلمة جامعة، فإن النضال الديموقراطي يهدف إلى خلق شروط نهضة شعبية كاملة تدك جذور التأخر و التبعية إلى الأبد و تؤسس مدخلنا لمواكبة العصر الحديث".

هناك مقال آخر تحت عنوان "الوعي الديموقراطي و الوعي المتأخر" لصاحبه طالع سعود الأطلسي، يقول فيه:

"سواء تعلق الأمر بهذا النوع أو ذاك من أنواع أنظمة الحكم في الوطن العربي، فإن تغييب هذه الديموقراطية استند على معطيات التأخر التاريخي و التخلف الاقتصادي لمجتمعاتنا العربية، و فيما يخص تحديد طبيعة المرحلة : فهي مرحلة يتداخل فيها النضال الديموقراطي الراديكالي بالنضال من أجل استكمال الوحدة الوطنية، و بطبيعة الحال فمتطلبات هذين النضالين هما المسلسل الديموقراطي و الجبهة الداخلية".

يعني هذا، حسب صاحب الطرح، أن العدو الداخلي يتمثل في التأخر و التخلف، أما العدو الخارجي، فيتمثل في خصوم الوحدة الترابية، مما يعني السقوط النهائي لمفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية بمفهومها البورجوازي، أما عن الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية فليست مطروحة أصلا عند منظري التحريفية الجديدة.

هكذا إذن، أظهر المثقفون البرجوازيون الصغار كيف سيدافعون عن اللبرالية: "بث وعي المواطنة، بناء مؤسسات الصراع الاجتماعي و السياسي، تحويل طاقة السخط الشعبي من مخارجه السلبية و سكبها في مجاري منظمة، تبلور بشكل ناضج و عميق و شامل وعي أطراف المجتمع، مصالح هذا و مصالح ذاك، و تجعل مكونات المجتمع كلها تتفاعل مع بعضها و تتأثر فيما بينها، و ذلك على نقيض عملية التطور المحجوزة و المنفلتة سابقا. إن هذا كله ما يضمه عندنا تحت عنوان "النضال الديموقراطي و أهميته التاريخية في تطورنا".

هكذا، و على طريقة الأفلام الكرتونية لديزني لاند، يقوم المناضل الديموقراطي الراديكالي، بدور المحرك أو ما يشبه دور محرك الكراكيز، بسكب طاقة السخط الشعبي في مجاري منظمة تتطور بشكل ناضج، و يبني من أجل ذلك مؤسسات الصراع الاجتماعي و السياسي، فيدخل الناس كل من موقعه و مصلحته في بوثقة مجتمع المواطنة و الديموقراطية و الوعي الديموقراطي بشكل منظم و غير منفلت، ليعلم الجميع مصلحة هذا و مصلحة ذاك. إنه لمجتمع منسجم و مثالي و مواطن، يقوم على تلطيف الصراع الطبقي بين مختلف "الفرقاء"، حيث يعي كل واحد منهم مصلحته و مصلحة الآخر.

فلتحيا الليبرالية و ليسقط الصراع الطبقي!! و في تحفة أخرى أنعم علينا بها الكاتب: "في مواجهة البنيات المتأخرة القائمة فإن الموقف من الديموقراطية يعني بالضبط الموقف من الديموقراطية اللبرالية، إلا إذا تحقق شرط التجاوز، و هو أن تكون الطليعة العمالية للجماهير الكادحة قد تحكمت في زمام الأمور قولا و فعلا... كيف نزرع الأمل في الديموقراطية البرلمانية و نحن مضطرون في نفس الوقت أن نبذر الشك فيها، إننا بالأحرى نريد أن نزرع البرلمانية لنتجاوزها".

و كخلاصة لهذه القراءة، خاصة بالنسبة لمفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية ، نقرأ ما يلي:

"من خلاصات هذه القراءة للواقع العربي انبثق و تشكل اختيارنا الديموقراطي باعتباره الطريق إلى إنجاز الثورة الديموقراطية التي سنوجز مهامها في:

1- تحرير الاقتصاد الوطني و محورته على التصنيع و الإصلاح الزراعي.

2- بناء مؤسسات ديموقراطية و محلية و محورتها على أساس حرية التنظيم الحزبي و حرية التعبير و المعتقد.

3- عقلنة المجتمع و تحديث بناه و خاصة محو الأمية و سن سياسة تعليمية علمية و تحرير المرأة.

4- تحرير فلسطين و توحيد الوطن العربي"

إنه برنامج ليبرالي يتميز بغياب طرح مسألة السلطة، و يعني نهج طريق الاختيار الديموقراطي للوصول إلى المجتمع الليبرالي عبر الانخراط في "المسلسل الديموقراطي"، و حتى شعار "المجلس التأسيسي" فقد تم التخلي عنه.

و فيما يخص الطرح التكتيكي حول الحريات الديموقراطية، فسيصبح متمحورا حول الجبهة الداخلية،أي دعم الكمبرادور و الامبريالية. و الهدف الاستراتيجي هو الديموقراطية البورجوازية الليبرالية، بينما الاختيار الديموقراطي و المسلسل الديموقراطي هما الطريق لبلوغ ذلك.

تظهر هنا الطبيعة الإصلاحية اليمينية و التحريفية لهذا الخط، الذي تخلى عن مفهوم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و عن كل المفاهيم الاستراتيجية الأساسية للثورة : الموقف من السلطة، اعتبار القوى الإصلاحية جزءا من الثورة الوطنية الديموقراطية، التخلي عن مفاهيم الصراع الطبقي و التناقض الرئيسي و الثانوي، و تبني الفكر الليبرالي.

لقد انكشفت طبيعة هذا الخط النضالي الديموقراطي الراديكالي، كخط تحريفي لبرالي.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.