Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الثالثة ــ الجزء الثاني من دراسة "مسلسل تصفية منظمة " إلى الأمام " " ـ 20 يناير 2017

Pin it!

خ1.gif

 

يستمر موقع "30 غشتفي نشر حلقات دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام". نضع أمام قراء الموقع نص الحلقة الثالثة و التي تتضمن الفصل الرابع من القسم الثاني للجزء الثاني من الدراسة التي تتألف من أربعة اجزاء. عنوان هذا الفصل الرابع هو "الأطروحات الإصلاحية داخل منظمة "إلى الأمام" ".

 

 

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

 

 

الجزء الثاني

القسم الثاني

 

الفصل الرابع : الأطروحات الإصلاحية داخل منظمة "إلى الأمام"

 

تميز الوضع الداخلي لمنظمة "إلى الأمام"، خلال الفترة الممتدة من 1971 إلى حدود نهاية 1972، بظهور تيارين داخلها، أحدهما "يسراوي" و الآخر إصلاحي يميني ، و قد شكل الصراع ضدهما، على خلفية الشروط السياسية التي كانت تجتازها البلاد و نتائجها على المنظمة، من قمع و اعتقالات، و بروز وضع تنظيمي مهلهل، يتحكم فيه خط سياسي عفوي يحتقر التنظيم، و يركز على التحريض و الحركية و العمل الدعائي السياسي بمعزل عن تصور تنظيمي يحكم جدلية الدعاية، التحريض و التنظيم، إحدى لحظات تطور الخط السياسي الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، و الذي هيئت له مجموعة من الوثائق، و توجه صدور الوثيقة التاريخية للمنظمة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم، نقد ونقد ذاتي" المعروفة ب "تقرير20 نونبر"، التي صدرت في 20 نونبر 1972.

لقد حددت هذه الوثيقة، الخطوط العريضة لخط المنظمة للفترة الممتدة من نونبر1972 إلى نونبر1974.

خلال هذه الحقبة، صدرت العديد من الوثائق، التي قامت بتعميق خط المنظمة سياسيا و إديولوجيا و استراتيجيا و تنظيميا.

لم تكن الأطروحات الإصلاحية لريموند بنعيم، خلال سنتي 1971-1972، رغم طابعها اليميني، المتجسد في تبن لخط داخلي (بناء المنظمة خارج عواصف النضال الطبقي الجماهيري، في تجاهل تام لخط الجماهير، و هو ما يقابل تصور ما سمي ب "الخط الداخلي" داخل منظمة "23 مارس"، و لهاته الأطروحة تاريخ داخل الحركة الشيوعية العالمية، كما يدل على ذلك تاريخ بناء حزب العمل الألباني، متلبورة بشكل كافي من حيث الأسس و المنطلقات، و من حيث القدرة على التأثير داخل المنظمة، رغم سيادة خط العفوية آنذاك.

إن ادعاء زعيم "الإصلاحيين الجدد" (المقصود هنا المشتري بلعباس) ، بأن خط المنظمة الجديد في نونبر1972، كان دمجا بين خط رايموند بنعيم و خط النضال الجماهيري، يعتبر طرحا مغلوطا و كاذبا خاصة، لما يدعي أن الشهيد عبد اللطيف زروال قام بالدمج بين هذين الخطين. و الحال، أن صاحبنا يثبت عدم إدراكه لمعنى خط الجماهير، فخط الجماهير لم يكن سائدا خلال فترة 1970 – 1972، لسبب بسيط، هو أن ما كان سائدا هو خط العفوية، أما خط الجماهير بمعناه الماركسي ــ اللينيني، فلا يتناقض مع إعطاء الأهمية لبناء التنظيم في معمعان النضال الجماهيري، و هذا ما تبنته المنظمة ابتداءا من نونبر1972.

إن خط الجماهير، له أبعاد فلسفية و إديولوجية و سياسية و تنظيمية و أساليب عمل منبثقة عنها، و الكل في ترابط جدلي. أما ما كان يدافع عنه بنعيم، فهو تصور مثقفي بورجوازي صغير.

و أما خط العفوية، فقد كان يحتقر التنظيم، و يتصور العمل الجماهيري، كمجرد تحريض و دعاية و صراع فوقي ضد البيروقراطية و الإصلاحية، و القيام بأعمال جماهيرية، تحكمها "الحركوية" و "الشعاراتية"، بعيدا عن إنجاز مهمات التجذر داخل الجماهير، و بناء أداتها الثورية، و بذلك يمكن القول، ردا على مزاعم "المشتري بلعباس"، حول ما أسماه بالتوفيق بين الخطين، بأن خط 20 نونبر 1972 لا علاقة له بادعاءه، و سنرى فيما بعد، كيف تم استثمار حالة ريموند بنعيم، لإضفاء نوع من الشرعية على التيار الإصلاحي، الذي تطور، ابتداءا من نونبر 1974، و عرف أوجه سنة 1979.  

- 1- تطور الخط الإصلاحي داخل المنظمة ابتداءا من نونبر 1974 إلى حدود مارس 1976 .

بعد الضربة التي تعرضت لها منظمة "إلى الأمام" في نونبر 1974 و في يناير 1975، انفرد زعماء التيار الإصلاحي بقيادة المنظمة، حيث تحملوا مسؤولية القضاء عليها في الداخل، ابتداءا من مارس 1976. سيدعي القادة الإصلاحيون، أن مسؤولية ما آلت إليه المنظمة في هاته الفترة، يعود إلى سيادة خط انتهازي يسراوي، و هي اللازمة التي سيظلون يرددونها، في محاولة منهم لتبرير انهيارهم أمام الجلاد، و رفضهم تقديم أي نقد ذاتي حول ذلك، متجاوزين بكل وقاحة خط المنظمة حول الصمود الذي ساهموا في بلورته.

بعد اعتقال هؤلاء من طرف الأجهزة القمعية، و انتقالهم إلى السجن، سوف لن يتوقفا، عن ترديد لازمتهم حول ما أسموه بمسؤولية الخط "اليسراوي"، و الذي أصبح مرادفا بحسب دعايتهم، للخط الثوري للمنظمة الذي سيواجههم في معركة طاحنة، بين الخطين، ستشهدها السجون (سجنا غبيلة و عين برجة) و خاصة في السجن المركزي بالقنيطرة.

بطبيعة الحال، لا يمكننا إدراك مناورات أصحاب الخط الإصلاحي، دون العودة إلى تجربة قيادتهم للمنظمة ابتداءا من نونبر 1974 و إلى حدود مارس 1976، إنها الحقبة، التي تحكم على ممارستهم، و مسؤوليتهم فيما آل إليه وضع المنظمة.

رغم القمع الذي تعرضت له المنظمة، و رغم الحصار البوليسي و السياسي الذي بدأت تعاني منه، على يد النظام الكمبرادوري و القوى الإصلاحية المتحالفة معه، في إطار ما يسمى آنذاك ب "الإجماع الوطني" و"السلم الاجتماعي" و"المسلسل الديموقراطي"، و رغم فقدان المنظمة للعديد من الأطر المجربة، و اندحار كامل لفصيل من الحملم ،أي منظمة "23 مارس" في نونبر 1974 ، فإن كل هذا، لم يكن دافعا كافيا لدى هؤلاء القادة، للقيام بتقييم شامل للتجربة، و إعداد المنظمة لمرحلة جديدة، خاصيتها الضعف الذاتي، و اشتداد القمع و الحصار، و انتشار الأطروحات الإصلاحية الشوفينية ،الداعية إلى ضرورة اجتثاثها (دور حزب التقدم و الاشتراكية و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال ).

في ظل وضع داخلي للمنظمة، يتميز بظهور العديد من التساؤلات، لدى قواعد المنظمة حول مسارها و آفاقها، و مع بداية انتشار السلبية و اللامبالاة و نوع من اليأس، انتظرت القواعد حتى حدود غشت 1975، حيث أصدرت القيادة، ما أسمته بتقييم للتجربة، لا يرقى إلى الحد الأدنى لمفهوم التقييم النقدي، بالمعنى الماركسي ــ اللينيني، و تجلى ذلك في إرجاع ما وقع للمنظمة، إلى مجرد مسألة تتعلق بجوانب تقنية، من قبيل المواعيد،المفاتيح، استعمال البيوت، و غيره.

لم يكن لهذا التقييم ، أي بعد سياسي و إديولوجي، يساهم في رفع المعنويات، و فتح الطريق نحو أفق جديد، تتقدم فيه المنظمة على طريق إنجاز مهامها الثورية، من أجل بناء حزب الطبقة العاملة الماركسي ــ اللينيني، بل مقابل هذا التصور، سادت نظرة "تقنوية" للأخطاء و لوضع المنظمة الذاتي، و تحولت مهمة بناء الأطر الثورية، إلى مجرد تكوين داخلي مثقفي، تمحور حول قراءة الأوراق و حفظها، فلم يكن غريبا إذن، أن نجد لذى العديد من المناضلين الذين انتموا إلى هذه الفترة الإتجاه نحو حفظ الوثائق و استعراضها.

أما على مستوى التحاليل السياسية، فلم تقم القيادة أو ما تبقى منها ، بمجهود يذكر لتعميق فهم المنظمة لطبيعة الوضع السياسي في البلاد، سواء من حيث أزمة النظام، أو وضع الأحزاب الإصلاحية ، و واقع الحركة الجماهيرية.

أما التحاليل التي قدمتها القيادة، فاكتفت بتحديد طبيعة المرحلة على مستوى النضال، و من تم اعتبارها ذات طبيعة ديموقراطية. و في هذا السياق، تمت بلورة برنامج ديموقراطي، يراعي شروط التحالف مع القوى الإصلاحية ، فأصدرت القيادة العدد 21 من جريدة "إلى الأمام"، الذي تضمن بنود ذلك "البرنامج الديموقراطي".

انطلاقا من هذا الطرح، كان السكوت عن الأحزاب الإصلاحية ،هو سيد الموقف إلى حدود غشت 1975، في وقت كانت فيه هذه القوى الإصلاحية، تعارض أي شكل من أشكال النضال، و تدعو إلى "السلم الاجتماعي".

لقد تميزت فترة دجنبر 1974، و حتى حدود دجنبر1975، بسكوت مطبق عن الإصلاحية ، رغم هجوماتها و حملاتها المسعورة ضد المنظمة (و السكوت هنا علامة الرضى). و قد اعتمدت القيادة الإصلاحية على مضمون وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" التي سبق ذكرها، و التي كانت تتضمن مفاهيم محددة حول تشكيل "الجبهة العريضة "من أجل عزل النظام و الدعوة إلى التحالف مع القوى الإصلاحية من أجل تحقيق ذلك.

لقد شكلت هذه الوثيقة، بالفعل، إحدى مصادر التوجهات الإصلاحية سواء بالنسبة لهاته الفترة، أو من داخل السجن، ابتداءا من سنة 1976 ( "البرنامج الديموقراطي" جريدة "إلى الأمام" عدد 21 سنة 1975، و كذلك في بعض جوانبها وثيقة"من أجل عزل الحكم الرجعي العميل، تعزيز الوحدة النضالية،تحقيق البرنامج الديموقراطي" ( بيان صادر في 12 فبراير 1975، موقع من طرف المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام").

و بعدما لم يجد أسلوب المغازلة للقوى الإصلاحية، التي ازدادت حقدا و شراسة، في مواجهة المنظمة، أصدرت القيادة،أو ما تبقى منها،و من سيصبحون رموز التيار الإصلاحي فيما بعد، مقالا أسمته "الأحزاب الملكية"، صدر في العدد 25 من جريدة "إلى الأمام"، قامت فيه بالهجوم على القوى الإصلاحية، لكن دون أن تنسى تطوير البرنامج الديموقراطي، من أجل مغازلتها.

هكذا، لم تستطع هذه القيادة، التخلص من اتجاهها نحو تغليب التكتيك،على حساب الطرح الاستراتيجي، لتسقط في الإصلاحية، في وقت لم تكن تتوفر فيه شروط التحالف، و لو في حدودها الدنيا، في إطار برنامج نضالي، مع القوى الإصلاحية، السائرة في ركب النظام، و الداعمة لسياساته، و المدافعة عنه بحماس، و المشاركة في حملات مسعورة شوفينية ضد المنظمة. و قد كان لهذه المواقف، تأثير على معنويات المناضلين الذين وجدوا انفسهم في مواجهة النظام و القوى الإصلاحية على حد سواء، بتصورات مرتبكة، تقوم على مغازلة القوى الإصلاحية أحيانا، و قد طالت مدة السكوت عنها (سنة تقريبا) ، و الهجوم عليها تارة أخرى، دون التخلص من أسلوب المغازلة، مما أسقط المنظمة في موقف إصلاحي من هذه القوى الإصلاحية.

إذا كان موقف هؤلاء الذين تحملوا مسؤولية قيادة المنظمة في هذه الفترة، ذا طبيعة يمينية ، فبماذا تميز موقفهم بالنسبة للمهام الأخرى.

لمناقشة هذا الجانب، نعود إلى الخطة الدعائية التي بلورها هؤلاء القادة لسنة 1975- 1976. ارتكزت هذه الخطة الدعائية على محورين هما:

-1-الارتباط و الاهتمام بمشاكل الجماهير.

-2-طرح قضية الصحراء للدفاع عن مبدأ تقرير المصير و إعادة البناء على أسس وطنية ديموقراطية.

كانت النقطة الأولى تعني الإجابة على مهمة التجذر داخل الجماهير، عبر تصعيد الدعاية لفك العزلة، و التقدم في الارتباط بالجماهير، و هنا لم تتخلص القيادة الإصلاحية، من تناقضها الناتج عن كيفية مواجهة الوضع السياسي القائم، متشبتة بضرورة الحضور السياسي الوازن داخل ما يسمى ب "الساحة السياسية" و بطبيعة الحال، لن يجد هذا الاتجاه أحسن من التقوقع داخل الشبيبة المدرسية، نظرا لديناميتها الإديولوجية و السياسية. هكذا أصبح شعار التجذر داخل الطبقة العاملة و الفلاحين و الجماهير الكادحة ،غطاءا للتقوقع داخل الشبيبة المدرسية، و من هنا، نفهم ذلك الهجوم الشرس الذي قاده "الإصلاحيون الجدد" داخل المنظمة ضد الشبيبة المدرسية، و ضد الحركة الطلابية خاصة، فقد كان النقد إطلاقيا، و لم يشر في أي لحظة إلى أخطاء و مسؤولية هؤلاء "القادة"، فقاموا بسحب هذا المنظور على كل تجربة المنظمة، ليسهلوا هجومهم على خطها الثوري. و من الناحية العملية، أسقطوا تجربتهم لسنتي 1975 – 1976،على الفترة الممتدة ،من نونبر 1972 إلى نونبر1974، كما لو أن المنظمة و الحملم،لم تكن في أي لحظة من تاريخها، ذات محاولات للارتباط بالطبقة العاملة ، و لإطلاق بدايات عمل داخلها. و في هذا السياق تميز " بيان من داخل السجن المركزي إلى الشباب المغربي." الذي دبجه زعيم الإصلاحيين بتركيزه على هذه الأطروحة.

و قد سار على هذا المنوال، لسبب أو لآخر، كل من وجد في هذه الأطروحة ،خدمة أو مصلحة في اعتمادها، لتأسيس خطه الإصلاحي أو التحريفي، كما سنقف على ذلك لاحقا.

في سؤال عن واقع المنظمة قبل الاعتقالات، اعترف زعيم الإصلاحيين بنقيض ما كتبه في بيانه الشهير، حيث قال أن سنة 1974، كانت أوج ما وصلت إليه المنظمة، وأن قاعدة المنظمة، كانت تضم المئات من الطلبة و التلاميذ و العمال و رجال التعليم و المهندسين و الفلاحين و سكان الأحياء الشعبية، و بالنسبة للتواجد العمالي للمنظمة، فقد ذكر القطاعات التالية: بالنسبة لمدينة الدار البيضاء قطاع المكتب الوطني للكهرباء، السكك الحديدية ، النسيج، و بالنسبة لمدينة فاس قطاع النسيج، و نفس الشيئ بالنسبة لمدينة طنجة،أما بالنسبة لمدينة خريبكة قطاع الفوسفاط، و بالنسبة لمدينة جرادة: قطاع الفحم الحجري، بينما تمحور العمل وسط الفلاحين في بعض المناطق مثل بني ملال. نذكر كل هذا لتبيان سذاجة و سطحية و تبسيطية الأطروحات، التي تختزل تجربة الحملم في قطاع الشبيبة المدرسية، و لا حاجة كذلك، للعودة إلى الحقبة السابقة، حيث تواجدت تجارب مختلفة للعمل وسط العمال و الفلاحين مثال تجربة منطقة الغرب و غيرها .

أما النقطة الثانية للخطة الدعائية، و المتمثلة في طرح قضية الصحراء، على قاعدة مبدأ تقرير المصير و إعادة البناء على أسس وطنية ديموقراطية، فلم تجاوز ما طرحته وثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" و بيان يونيو 1974، الذي فرضتهما مواقف تكتيكية تجاه منظمة"23 مارس". و للتذكير، فالوثيقة الأصلية التي قدمتها "إلى الأمام" كأرضية للنقاش قبل صدور بيان 22 يونيو 74، تضمنت مبدأ "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي" ، لكن معارضة منظمة "23 مارس"سيؤدي بالكتابة الوطنية لمنظمة "إلى الأمام"، إلى التنازل عن صيغة "الشعب" لصالح صيغة "الجماهير" ، مع الحفاظ على المضمون العام، و اعتبر ذلك إبانها تنازلا تكتيكيا، لكنه كان انتهازيا في الحقيقة.

بطبيعة الحال، ترك هؤلاء الوضع على حاله (نعني قيادة تلك الفترة)، حتى و قد غابت منظمة "23 مارس"عن الساحة، و أصبحوا رغم طرحهم لمبدأ تقرير المصير، يؤكدون على مبدأ الوحدة على أسس كفاحية وطنية ديموقراطية، و هو موقف ذو نبرة شوفينية غير أممية، فمبدأ تقرير المصير مشروط بالوحدة.

إن هذا الارتباك في الموقف، ينم عن ازدواجية في التعامل مع القضية، من جهة طرح مبدأ تقرير المصير، و من جهة أخرى، مغازلة الأحزاب الإصلاحية،و البحث عن تكتيك للتحالف معها، في وقت كانت فيه هذه القوى تعارض النضالات الجماهيرية، و تدعو إلى "السلم الاجتماعي" و تشارك في حملات شوفينية مسعورة ضد المنظمة.

إن هذا الطرح، لدى هؤلاء، لا يمكن اعتباره أكثر من موقف ديموقراطي تقدمي ،لا يستطيع في نفس الوقت القطع مع التوجه السياسي السائد، في ظرف تطلب استقلالية أكثر للمنظمة، في مواجهة الإصلاحيين و الشوفينيين، و طرح موقف ثوري بديل.

لم يفلح هذا الاتجاه في الجواب على إشكاليتين كانتا تعترض عمل المنظمة آنذاك، من جهة وجود خطر الانعزالية، و من جهة أخرى فقدان الاستقلالية، و بناءا على ذلك، تميزت ممارسته و مواقفه بنزوعات يمينية إصلاحية من جهة، و أخرى يسراوية صبيانية من جهة أخرى، و يظهر ذلك من خلال الموقف من الأحزاب الإصلاحية و تكتيك التحالف معها، و البرنامج الديموقراطي كأرضية لذلك (توجه يميني، تقوقع داخل الشبيبة المدرسية، و التعامل بشكل مجرد مع شعار "تقرير المصير"، و محورة كل العمل الدعائي و المعركة السياسية مع النظام و القوى الإصلاحية حول قضية الصحراء، و إغراق المدن المغربية بالمناشير، و إغفال مهام التجذر، و عدم الاهتمام بالجانب التنظيمي، في ظل غياب تقييم حقيقي للتجربة، و سيادة حركية مفرطة (حركوية)، و التعامل مع النصوص بشكل دغمائي و مثقفي (إنها النزعة اليسراوية في أجلى مظاهرها) ). تلك هي طبيعة الخط الانحرافي الذي تميز به هؤلاء "الإصلاحيون الجدد" خلال الفترة المذكورة أعلاه، حيث كان هروبهم إلى الأمام، بدل الإجابة على الإشكالات الفعلية، التي كانت تنتظر الجواب بالنسبة للمنظمة. و جاء رد النظام الكمبرادوري، المدعوم بالقوى الإصلاحية، قويا، عندما قام باجتثاث المنظمة،ابتداءا من دجنبر 1975 وصولا إلى مارس1976، منظمة كانت في الحقيقة آيلة للسقوط ،على يد هؤلاء "الإصلاحيين الجدد".

هكذا، و بعد اعتقالهم، قام قادة الإتجاه الإصلاحي الجديد، بتقييم لتجربتهم الخاصة، محاولين التخلص من انحرافهم اليسراوي، و التأكيد على الانحراف اليميني، متجاوزين بذلك ازدواجيتهم السابقة، فارتقوا بأفكارهم إلى مستوى خط متكامل.

-2 - تطور الخط الإصلاحي داخل المنظمة، ابتداءا من شتنبر- أكتوبر 1976 إلى حدود فبراير 1980.

بعد انتقال مجموعة 26 إلى السجن المدني "غبيلة" بالدار البيضاء، في16 يناير 1976، و التحاق معتقلي حملة دجنبر 1975- مارس 1976،على شكل مجموعتين، إلى السجن المدني "عين البرجة" بالدار البيضاء، وقع أول احتكاك بين عناصر الاتجاه الإصلاحي الجديد المقيمة بسجن "عين برجة"، و يتعلق الأمر بأربعة عناصر، هم المشتري بلعباس، عبد الفتاح فاكيهاني و عبد الله المنصوري و لعريش عزوز و رفاق مجموعة 26، وكانت المناسبة الموقف من معركة الشهيد عبد اللطيف زروال، التي كان يهيئ لها أطر و رفاق المنظمة، و التي انطلقت في نونبر 1976 تحت شعار "المحاكمة أو إطلاق السراح". و فيما اتفقت أغلبية أطر المنظمة و مناضليها في سجن "عين برجة" مع اقتراح الدخول في الإضراب عن الطعام، سيعارض هؤلاء الأربعة الدخول في الإضراب، تحت مبرر أن الوضع غير مناسب، و أننا سنعزل، كما أن الأحكام ستكون مشددة، و بالتالي لم ير هؤلاء أي مصلحة في الدخول في الإضراب، و بعد نقاش معهم، قرر رفاق المجموعة 26، و معهم أغلبية أطر و مناضلي المنظمة في "عين برجة"، بالإضافة إلى أطر و مناضلي "23 مارس"، سواء في مجموعة 26، أو في مجموعة 79، التي كانت تقبع هي الأخرى في السجن المدني غبيلة،الدخول في إضراب عن الطعام تحت شعار "المحاكمة أو إطلاق السراح".

يقول زعيم الإصلاحيين آنذاك عباس بلمشتري في استجواب له مع جريدة "الأحداث المغربية": أقصى اليسار... إجابة عن سؤال:

- هل يمكن استعادة، و لو بشكل مركز، مضمون وثيقة التقييم التي أصدرتم في سنة 1979 من داخل السجن؟

"كانت هناك محطات، أولاها سنة 1975 قبل الاعتقال، و قمنا فيها بقراءة لتجربة المنظمة منذ تأسيسها، ثم تقييم، أنجزناه مباشرة بعد نقلنا من "درب مولاي الشريف" إلى السجن المدني ب"عين برجة" في دجنبر 1976، و كنت آنذاك أنا و المنصوري فاكيهاني، و قد تضمن هذا التقييم، عناصر يمكن اعتبارها ما زالت قائمة، مثل اعتبار الحركية التي اتبعتها المنظمة، و اتخاذها لمواقف سياسية لا تتلاءم و ظروف العمل السياسي آنذاك، كما أشرنا ، إلى أنه ليس القمع وحده الذي أعاق التجربة، بل هناك قضايا ذات علاقة بالخط السياسي، و العلاقة بالجماهير.... و أعطينا تصورا حول قضية الصحراء آنذاك، في إطار التحضير للمحاكمة ،مفاده أنه لا يجب ان نسقط في لعبة النظام، الذي كان يريد إظهارنا، و كأننا تابعين للبوليساريو، و قلنا انه لا يجب على المناضلين السقوط في هذا الخطأ، بل دعونا لعدم التعبير عن موقف من قضية الصحراء خلال المحاكمة، و حتى من أراد التعبير، فليكن من خلال موقف مرن... على أساس أنه يجب التعامل مع هذه القضية من خلال منظور مغاير و ليس المنظور السابق... و طبعا كنت مع المجموعة التي اعتقلت في أواخر 75 و بداية 76 بالسجن المدني بعين البرجة، فيما كان السرفاتي والآخرون بسجن غبيلة، و هكذا وقع بيننا خلاف داخل قاعة المحكمة، إذ سبق و أن أبلغناهم موقفنا".

إن هذه التصريحات المتأخرة لزعيم الإصلاحيين، و هي تثبت كشهادة (شهد شاهد من أهلها)، على استمرارية الخط الإصلاحي بالنسبة للفترات السابقة على الاعتقال، و قد بينا ذلك أعلاه، لكن الشهادة تضمنت مجموعة من المغالطات، منها ادعاء إنجاز تقييم شامل لتجربة المنظمة منذ تأسيسها، و ذلك خلال سنة 1975، و الحال، أن تقييم غشت 1975، الصادر في النشرة الداخلية للمنظمة "الشيوعي" لم يتعد حدود تقييم اعتقالات نونبر 1974- يناير 1975، و حتى و هو يقوم بذلك بالنسبة لهاته الفترة، فإنه لم يتعد حدود بعض الجوانب التقنية في الأخطاء، كما ذكرنا سالفا، و في فصول سابقة، و هذه ليست إلا أكذوبة، أما ما أسماه بالتقييم الذي أنجز من طرفهم في دجنبر 1976، اي من طرف الثلاثي المشتري- المنصوري- فاكيهاني، فقد كان رد فعل من طرفهم، و جوابا منهم على مطلب المحاسبة و المساءلة عن تجربتهم في درب مولاي الشريف، التي لم تكن مشرفة، و هذا مطلب كانت ترفعه أغلب القواعد و الأطر داخل مجموعة "عين برجة"، التي كانت تضم أكثر من 120 رفيقا و مناضلا، و كان أغلبها، ينادي بضرورة محاسبة هؤلاء، خاصة و أن البعض منهم تعامل بشكل مكشوف مع الأجهزة القمعية.

فليس غريبا أن نجد لدى هؤلاء "الإصلاحيين الجدد"، رفضا مستمرا لإنجاز مهمة التقييم الشامل، و تقديم النقد الذاتي الجماعي و الفردي للأخطاء لعموم المنظمة و للجماهير، و لذلك سيعومون الأمر فيما يسمى بسيادة الخط الانتهازي اليساري داخل المنظمة، و يعتبرونه هو المسؤول و وجدوا، كما سيفعل نظراؤهم فيما بعد، ضالتهم في الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية، فانهالوا عليها بالنقد المثالي، حد جعلها كبش فداء، لكل ما تعرضت له المنظمة.

بطبيعة الحال، فصاحب الشهادة، يقوم بالتعويم و التعميم، حتى لا تنكشف الحقيقة حينما يقول: "و قد تضمن هذا التقييم عناصر يمكن اعتبارها ما زالت قائمة، مثل اعتبار الحركية التي اتبعتها المنظمة، و اتخاذها لمواقف سياسية لا تتلاءم و ظروف العمل السياسي آنذاك، كما أشرنا إلى أنه ليس القمع وحده الذي أعاق التجربة، بل هناك قضايا ذات علاقة بالخط السياسي و العلاقة بالجماهير..."

أما فيما يتعلق بالتحضير للمحاكمة، فما لا يوضحه صاحب الشهادة، هو تلك الحملة التي قام بها النظام،عبر ممثلي القوى الإصلاحية، من محامين ذائعي الصيت، للضغط على المعتقلين من أجل عدم طرح موقف من النظام في المحاكمة، أو على الأقل تلطيفه، و التخلي عن طرح موقف من قضية الصحراء خلال المحاكمة، و مقابل ذلك،أعطوا الوعد بأحكام مخففة، و لما لا خروج عدد كبير من المعتقلين. و ما لم يذكره صاحب الشهادة، تصريحه أمام قاضي التحقيق، الذي مدح فيه "القوى الوطنية و الديموقراطية"، و لم يتخل عن ذلك فيما بعد ، بل الأخطر من ذلك، انخراط جماعته في نفس حملة القوى الإصلاحية الداعية إلى عدم طرح تلك المواقف خلال المحاكمة، و بطبيعة الحال، كان ذلك احتياجا ضروريا للنظام الكمبرادوري، و "لإجماعه الوطني" مع القوى الإصلاحية، بحيث كان التحالف الكمبرادوري-الإصلاحي يرفض أي موقف مخالف، يخرق هذا "الإجماع الوطني" حول النظام.

لقد كان الوضع السياسي في البلاد، يفرض موقفا ثوريا مبدئيا، يكسر زجاج هذا الإجماع الوطني المزيف، و الدفاع عن المواقف المبدئية لمنظمة "إلى الأمام" و للحملم، بما فيها الدفاع عن موقفها من النظام الكمبرادوري، و الوقوف إلى جانب الجماهير، و الدفاع عن مطالبها المشروعة، إلى غير ذلك من المواقف المبدئية و المشرفة. أما الموقف الثاني، فقد كان يعني انبطاحا أمام النظام و القوى الإصلاحية، و السقوط في مستنقع الانتهازية، و خدمة مصالح النظام الكمبرادوري، كان هناك خياران لا ثالث لهما.

- 3- أساليب الإصلاحيين الجدد و تكتيكاتهم في الصراع.

على امتداد الفترة الممتدة ، من دجنبر1976 إلى حدود ما بعد فبراير 1980، خاض "الإصلاحيون الجدد"، صراعا مستمرا ضد الخط الثوري للمنظمة، مستعملين كل الوسائل و الأساليب بما فيها الدنيئة، منها نخر المنظمة من الداخل و نسفها،و قد بلغت درجة الاعتماد و المساندة من طرف القوى الإصلاحية مستوى غير مسبوق،تمثل في الدعم الهام الذي قدمه الحزب الرئيسي للإصلاحية"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، الذي قام بطبع وثيقتهم المشهورة: "بيان إلى الشباب والرأي العام الديموقراطي" و توزيعها على أوسع نطاق، بل قام باستعمالها ضد المناضلين المخلصين داخل نفس الحزب.

يقول عبد الرحيم بوعبيد في محاضرة له بمدينة القنيطرة حول "مهامنا و عملنا اليومي، و التي نشرت مقتطفات منها في جريدة المحرر، عدد 7 ، غشت 1980، ص 3:

"لقد وصلتني في الحزب رسالة من بعض إخواننا الذين لا زالوا في السجون، و نأمل أن تشملهم قرارات الإفراج التي شملت غيرهم ... هؤلاء كانوا يعتبرون أنفسهم متياسرين، و من حق كل واحد أن يسير في الاتجاه الذي يقتنع به، إلى أن نلتقي مرة أخرى في المسيرة الطويلة الحقيقية التي تميز المناضلين من غيرهم، هؤلاء الإخوان قاموا بفضل نزاهتهم الفكرية و جرأتهم، بممارسة نقد ذاتي وأرسلوا لنا وثيقة أعتبر أن على كل مناضل منا أن يطلع عليها، لأن الأمر يتعلق بشباب أدركوا خطر الانتهازية السياسية سواء كانت صادرة عن البرجوازية أو البيروقراطية أو التياسر. لهذا أيها الإخوان، أيتها الأخوات فإننا اليوم في الاتحاد الاشتراكي نطمئن على مسيرتنا النضالية التي جاءت بنتائج إيجابية منذ أن قررنا سنة 1972 بأن نرفع الحجر البيروقراطي علينا كحزب، و على الطبقة العاملة كتنظيم نقابي، انطلق في غمرة النضال منذ سنتين من خلال ميلاد الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، و هو القرار الذي تجاوز ذلك الشعار الكاذب المتعلق بوحدة الطبقة العاملة".

لقد شكل هذا الدعم المباشر من طرف القيادة الإصلاحية للاتحاد الاشتراكي تتويجا لحرب مستمرة ضد الحملم بشكل عام، و منظمة "إلى الأمام" بشكل خاص، خلال حقبة السبعينات. و الجديد في الأمر، هو الانخراط المباشر في دعم تيار، ناهض من داخل المنظمة، الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، و جاء لخدمة هدفين أساسيين و هما:

1- المساهمة في تدمير منظمة "إلى الأمام"، و من خلال ذلك القضاء على بذور أي فكر ثوري، مخالف للتوجهات الإصلاحية لأحزاب البرجوازية الصغيرة. و تشكل وثيقة "بيان إلى الشباب و الرأي العام الديموقراطي"أرضية مناسبة للقيام بهذا الدور، خاصة أن زعماء تيار" الإصلاحيين الجدد"، قد دعوا إلى التحالف مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، للقضاء على ما أسموه الانتهازية اليسارية داخل منظمة "إلى الأمام".

2- استعملت القيادة الإصلاحية "للاتحاد الاشتراكي" هذا البيان، لمواجهة الاتجاهات الرادكالية داخل الحزب، و لدعم مواقفها داخله. و لن تتوانى هذه القيادة، فيما بعد، عن طرد الاتجاه المعارض لخطها، و ذلك بدعم من أجهزة النظام (عمال، ولاة، و مسؤولو الأجهزة البوليسية) و اعتقال المعارضين و تقديمهم للمحاكمة.

عموما، فقد تطور صراع الخط الإصلاحي الجديد ضد المنظمة، خلال مدة، تجاوزت ثلاث سنوات، و يمكن تقسيمها إلى أربع فترات لكل منها خصوصيته.

- خلال الفترة الأولى، و التي امتدت من دجنبر 1976 إلى يونيو 1977، خاض اليمين الإصلاحي صراعه ضد الخط الثوري، من خلال الموقف المعارض لمعركة عبد اللطيف زروال، في نونبر 1976، و التي رفعت شعار "المحاكمة أو إطلاق السراح"،و تلا ذلك موقف من المحاكمة نفسها، لما عارض طرح المواقف الثورية للمنظمة داخل المحكمة، بدعوى خطر العزلة و الأحكام المشددة، و قد ظهر هذا الموقف أكثر تشددا، فيما يتعلق بقضية الصحراء، و قد تبين من المراسلات التي كانت بين مجموعة 26 و العناصر الممثلة للاتجاه الإصلاحي بعين برجة، أن الخلافات تمس العديد من القضايا: الاستراتيجية الثورية، الحزب الثوري، الموقف من القوى الإصلاحية، و حول قضية الصحراء. و قد قام قادة الاتجاه الإصلاحي الجديد، بمحاولة تكتلية، لمنع غالبية الرفاق و المناضلين بسجن عين برجة، من المشاركة في إضراب نونبر 1976، و إبعادهم عن النقاش الدائر حول المحاكمة. انتهت هذه المعركة الأولى بعزل التيار الإصلاحي و انفضاحه أمام قواعد المنظمة.

و بعد صدور الأحكام في فبراير 1977، و انتقال المعتقلين السياسيين إلى السجن المركزي بالقنيطرة، يوم سابع مارس 1977، و بعد تشكل قيادة جديدة داخل السجن المركزي (ادريس بن زكري، فؤاد الهيلالي، ادريس الزايدي، محمد السريفي، عبد الرحمان النوضة)، مدعمة من أغلبية الرفاق و المناضلين، و استجابة لطلبات القواعد المستاءة من تصرفات قادة الاتجاه الإصلاحي خلال فترة الاعتقال السري، و بالاحتكام إلى النظام الداخلي للمنظمة و لمبادئها، التي تنص على مبدأ الصمود، و من أجل تجاوز الأوضاع النفسية،التي كانت تتأثر بشكل كبير، بالعديد من الممارسات السلبية التي عرفها معتقل "درب مولاي الشريف"، و مجموعة من المعتقلات الأخرى في المدن المختلفة، أصدرت القيادة الجديدة قرارات يونيو 1977، التي قامت بتجميد عضوية مجموعة من الرفاق و المناضلين، و طردت عناصر أخرى، كما تمت مطالبة الذين جمدت عضويتهم بتقديم نقد ذاتي عن ممارساتهم، إبان فترة الاعتقال السري، استنادا على التقارير التي توصلت بها،و التي تم التأكد منها . و من المعلوم أن هذه التقارير، قد تم إنجازها عن طريق الاستماع إلى أغلب الرفاق و المناضلين، حيث كان يتم التأكد من تصريحاتهم. و قد وافق أغلب المجمدين على مضامين تلك التقارير، و قبلوا بتقديم نقد ذاتي عن ممارساتهم إلى المنظمة، ما عدا زعيمي التيار الإصلاحي الجديد،المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري، اللذان رفضا تلك القرارات، و رفضا تقديم أي نقد ذاتي، رغم خطورة الممارسات التي قاما بها داخل المعتقل السري.

أما الفترة الثانية، الممتدة من يونيو 1977 إلى نهاية فبراير1978، فقد تميزت بتواري الاتجاه الإصلاحي، في ظرف كان يتميز بالنضال و الحماس الثوري، الذي كان يترجمه أغلبية المعتقلين السياسيين بالسجن المركزي في إضرابات عن الطعام.

و تحت ستار الاتفاق على المواقف المعلنة آنذاك، لجأ "الإصلاحيون الجدد" إلى أسلوب العمل السري، لنشر مواقفهم وسط قواعد المنظمة.

خلال هذه الحقبة لم يغير "الإصلاحيون الجدد" من مواقفهم، و ظلوا متشبتين بها رغم كل محاولات النقاش معهم، و إذا كانوا قد قبلوا هذه المرة المساهمة في المعارك، فقد كان أساسا من باب ركوب الموج، في انتظار ظروف أحسن،و التي ستتوفر لهم بعد معركة فبراير 1978.

أما الفترة الثالثة، فتبدأ من نهاية فبراير 1978 إلى حدود أبريل 1979، و تميزت هذه الفترة، بتشتيت المعتقلين السياسيين على مجموعة من السجون من طرف النظام الكمبرادوري، و ذلك، كرد فعل على دخول المعتقلين في إضرابهم عن الطعام في فبراير 1978، و قد كان لهذا الوضع الجديد،أثره على البنية التنظيمية للمنظمة، مما عقد إمكانية التواصل بين مختلف الإطارات التنظيمية، كما تغير الوضع داخل السجن المركزي بالقنيطرة لصالح التيار الإصلاحي الجديد ،الذي بدأ يتحرك و يعلن عن نفسه شيئا فشيئا، بالاعتماد على مجموع المجمدين عضويتهم ، و بالاستفادة من انشغال الرفاق بحل العديد من القضايا و المشاكل التنظيمية، الناتجة عن الوضع الجديد.

و إلى سنة 1978، يعود تاريخ صدور أول وثيقة للتيار الإصلاحي الجديد ( موضوعات حول الوضع السياسي ... ) التي كانت تتداول سرا، قبل أن يبادر أصحابها إلى طرحها علانية، ابتداءا من نهاية 1978، و تضمنت هذه الوثيقة أهم أطروحاتهم الإصلاحية الجديدة.

خلال هذه السنة، كسب الإصلاحيون الجدد إلى جانبهم مجموعة من العناصر الإنتهازية أو المتذبذبة، و بدأوا يعدون العدة للهجوم الأخير، خاصة، بعد التحاق أبراهام السرفاتي بالتيار الإصلاحي الجديد.

هكذا، تشكل "الثلاثي الإصلاحي الجديد"، الذي دشن هجومه الكاسح من أجل الإستيلاء على المنظمة، ابتداءا من يناير 1979، و استمر الهجوم الأول إلى حدود أبريل 1979 الذي شكل أوج الصراع بين التيار الإصلاحي و التيار الثوري داخل المنظمة آنذاك. و عندما كان التيار الإصلاحي الجديد مزهوا بانتصاراته، بعدما فرض هيكلة تنظيمية مناسبة داخل السجن المركزي، و بعدما استطاع أن يفرض برنامجه الانتقالي، و بعدما استعان بخدمات أبراهام السرفاتي، تغير الوضع فجائيا، عندما قام النظام بإعادة تجميع المعتقلين السياسيين بالسجن المركزي، لتتغير الكفة من جديد لصالح الاتجاه الثوري، فتم التوقف عن إنجاز بنود "البرنامج الانتقالي"، الذي كان في صالح اليمين الإصلاحي.

عموما، انتهت هذه الفترة، بتوقف "البرنامج الانتقالي"، و إعادة النظر في الهيكلة التنظيمية،على ضوء المستجدات، و الاستعداد للدخول في برنامج جديد، على قاعدة موقف التيار الثوري، الداعي إلى "التقييم الشامل للتجربة و إعادة البناء".

و بالنسبة للفترة الرابعة، و التي تبتدئ من أبريل 1979 و تنتهي في فبراير1980، فقد كانت الأخطر من حيث الهجوم الإصلاحي المضاد، و من حيث الأساليب المستعملة لمواجهة الخط الثوري و المنظمة.

فتحت وابل من القصف الدعائي، و اللجوء إلى استعمال الأكاذيب و الإشاعات، أخطرها اتهام المنظمة بسرقة 18 مليون سنتيم، و التي قام ابراهام السرفاتي بالمساهمة فيها و تزكيتها، بل لم يكتف بذلك، فقام بالانسحاب من التنظيم المركزي، تحت غطاء نظرية اسماها "التوجيه و التسيير"،كما كال للتيار الثوري كل النعوت. و تحت شعار محاربة "الستالينية"، قام السرفاتي بالترويج لصور بوخارين و إلصاق وصية هذا الأخير في كل مكان.

و توج اليمين الإصلاحي الجديد حملته بتحالف مع التيار التصفوي، حيث تم التوقيع المشترك مع "الإتجاه التصفوي"، على" بيان التجميد للعضوية من المنظمة ( 52 توقيعا ) بينما اكتفى السرفاتي بالاتفاق على مضمون البيان الآنف الذكر، و الدعاية له سرا، و ذلك ما اعترف به، و قد استمر في ذلك إلى حدود شتنبر1979.

عرف هذا الحلف انشطارا جديدا، نتج عن ابتعاد مجموعة "التصفويين" عن اليمين الجديد، فأصدروا "بيانا تصحيحيا" يبررون فيه خلافاتهم مع التيار الإصلاحي الجديد. و بعد نقاشات، مع مجموعة من الرفاق و المناضلين المنتمين للتيارين، و فشل تلك النقاشات، زادت عزلة الاتجاه اليميني الإصلاحي الجديد.

و في يوم 12 نونبر 1979، أصدرت قيادة المنظمة، قرارات الطرد للعناصر الإصلاحية و التصفوية. و جاء رد اليمينيين الإصلاحيين بإصدارهم بيان الردة الشهير في فبراير 1980.

عموما، فقد تأثر الخط اليميني الإصلاحي، بالظروف العامة التي كان يمر منها المعتقلون السياسيون و المنظمة، حسب الفترات أو المراحل، فمن خريف 1976 إلى شتاء 1978، كان الوضع في صالح التيار الثوري، حيث سادت قيم التضامن و النضال و العلاقات الرفاقية و الحياة الجماعية داخل جماعة المعتقلين السياسيين (مجموعة محاكمة يناير- فبراير 77)، إلى أن بدأ الوضع يتغير تدريجيا، فبقدر ما حققت معركة نونبر 1977، نتائج إيجابية و مكتسبات للمعتقلين السياسيين (الزيارة المباشرة، الخروج إلى المستشفيات، إدخال الجرائد و الكتب بسهولة أكبر، حيازة المذياع ... )، بقدر ما كان لهذه الانتصارات نتائج عكسية كذلك، فقد بدأ يدب التفكك و الميوعة و الانتهازية تدريجيا وسط المعتقلين السياسيين، و بدأت الأجهزة القمعية للنظام (إدارة السجون، أجهزة المخابرات ... ) و القوى الإصلاحية ، تحاول اختراق حصن المعتقلين السياسيين، لضرب وحدتهم و النيل من معنوياتهم و إرباك أطروحاتهم، و كان أهم سلاح في ذلك، بث إشاعة الخروج من السجن في كل مناسبة و دون مناسبة. و ظل الوضع يتدهور إلى أن وصل إلى حدوده القصوى، حيث تفككت المجموعة،و انهارت معنوياتها ،و أصبح الكثير من المعتقلين يعيش على وهم إطلاق السراح، و قد واكب الإصلاحيون و التصفويون هاته الأوضاع بنشر أطروحات جديدة يكثفها شعار "المطالبة بإطلاق سراحنا".

على إيقاع هذه التطورات المختلفة، كانت أساليب الاتجاه اليميني الإصلاحي تتطور كذلك، حسب الظرف و المكان، فمن عمل تكتلي سنة 1976، إلى رفض قرارات يونيو 1977، إلى العمل في السر ضد المنظمة و خطها الثوري، إلى بث الإشاعات لعزل القواعد عن القيادة، إلى إطلاق الأكاذيب الهادفة إلى تشويه سمعة المنظمة، و خلق حزازات و توترات مفتعلة بين الرفاق، إلى القيام بمحاولات و مناورات كان الهدف منها إيجاد تحالفات عن طريق الوعد بتوزيع المواقع التنظيمية، مقابل القبول بتحالف سياسي، إلى إنجاز التحالفات مع كل الأطراف لضرب وحدة المنظمة و خطها الثوري، و الاستعانة بالقوى الإصلاحية من أجل ذلك، إلى رفع شعارات "ثورية" لتحقيق أهداف إصلاحية.

- 4 - الاتجاه الإصلاحي الجديد بين النقد يسارا و التوجه يمينا.

لقد رأينا سابقا، أن بذور هذا الاتجاه الإصلاحي ، قد نمت داخل المنظمة خلال الفترة الممتدة من نونبر1974 إلى حدود مارس 1976، و قد رأينا كذلك كيف زاوج "قادة المنظمة " آنذاك بين توجه إصلاحي (مغازلة القوى الإصلاحية و السكوت عنها في أوج حملاتها المسعورة ضد المنظمة) و بين جعل المنظمة تتقوقع داخل الشبيبة المدرسية، و الدخول في خطة هجومية ضد النظام الكمبرادوري، بدون أي تشخيص لموازين القوى الطبقية و السياسية، كرد فعل قائم على المشاعر و الأحاسيس، أكثر منه تشخيص لطبيعة القوى المتصارعة و للوضع الذاتي للمنظمة، و محورة الصراع السياسي حول الصحراء،كنقطة وحيدة، كل هذا في غياب أي تقييم لتجربة المنظمة،بعد الضربات التي تعرضت لها (الاكتفاء بتقييم سطحي و تقنوي للاعتقالات) ،الشئ الذي يفسر غياب أي اهتمام بالوضع التنظيمي و إشكالية الأطر (و هذا ما سميناه بالنزعة "اليسراوية" و "الإرادوية").

إن عدم السقوط التام في مستنقع الإصلاحية، قد أوقفه موقف المنظمة من قضية الصحراء، الذي ما كان ليسمح بتحالف الإصلاحيين الجدد مع القوى الإصلاحية، و هو ما وقع عكسه بالنسبة لمنظمة "23 مارس" .

إن هذا ما يفسر اهتمام الإصلاحيين الجدد بقضيتين أساسيتين يسمح حلهما بتقدم أكثر نحو خط إصلاحي متكامل ، هاتان المسألتان هما: حركة الشبيبة المدرسية (ظلت الحركة الطلابية إحدى المواقع المناهضة للخطوط الإصلاحية) و قضية الصحراء، حيث تميزت المنظمة بموقف ثوري،مقابل موقف إصلاحي شوفيني للقوى الإصلاحية. و قد أشرنا إلى أن الوثائق التي كانت تحمل عناصر توجه إصلاحي، كانت قد تبلورت بين أكتوبر1974 و دجنبر1976، والوثائق المشار إليها أعلاه هي: "الخطة التكتيكية المشتركة"، "البرنامج الديموقراطي"1975 و"البرنامج الديموقراطي"1976.

استغل الإصلاحيون الجدد تلك الثغرات، ليقوموا بنقدها تحت غطاء "ثوري"، هكذا ظهر موقف المناداة ب "إسقاط النظام" ثوريا، بالمقارنة مع شعار "عزل النظام" عن طريق جبهة عريضة، الذي بلورته وثيقة"الخطة التكتيكية المشتركة"، و كذلك شعار "عزل النواة الفاشية" الذي بلورته وثيقة "البرنامج الديموقراطي لدجنبر1976".

أما شعار"الإصلاحيين الجدد" حول "وحدة القوى الثورية و الديموقراطية"، فقد ظهر"ثوريا"، مقارنة بشعار "الجبهة العريضة" أو "وحدة القوى الوطنية الديموقراطية".

كما هو الحال بالنسبة لوثيقة "الخطة التكتيكية المشتركة" و"البرنامج الديموقراطي لدجنبر1976". لقد حاول الإصلاحيون الجدد إعطاء صبغة ثورية لشعارهم حول وحدة القوى الثورية و الديموقراطية من أجل إسقاط النظام، و ذلك دون حتى التمييز بين القوى الثورية و القوى الإصلاحية، و هم في هذا السياق، لم يختلفوا جوهريا مع الطروحات الأنوالية، من حيث السقوط في الذيلية للبرجوازية الصغيرة الإصلاحية، و من حيث زرع الأوهام حول طبيعة النظام، باعتباره بنية فوقية سطحية تستطيع هذه القوى، التي يلفها الشعار، القضاء عليه، و من تم ضرورة الخضوع لهذه القيادة البرجوازية الصغيرة،و قد سبق للأنواليين أو التحريفيين الجدد،أن اختزلوا البنية الامبريالية الكمبرادورية في مجرد وجود لقشرة تتشكل من فئة طفيلية، و من هنا إعطاؤهم دورا أساسيا للبرجوازية و البرجوازية الصغيرة، لبناء ديموقراطية برجوازية، و خلق اقتصاد رأسمالي مستقل، و هو ما سينمي حسب زعمهم الطبقة العاملة،و سيساهم في توفير شروط بناء حزب الطبقة العاملة، و هذا ما أطلقت عليه منظمة "إلى الأمام" اسم "المنشفية الجديدة" أو "المرحلوية".

و السؤال، هو كيف التحق الإصلاحيون الجدد داخل المنظمة بخط "المنشفية الجديدة؟".

لقد تميز الطرح الإصلاحي الجديد بذكاء، سقط معه الكثير من المناضلين في الخطأ، لأنه دعا إلى إسقاط النظام عبر شعار "وحدة القوى الثورية و الديموقراطية"، و هاجم "الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية "، و دعا إلى تحقيق التجذر داخل الطبقة العاملة عبر التحالف مع القوى البرجوازية الصغيرة (الاتحاد الاشتراكي) الذي يتوفر على تأثير كبير، حسب طرحهم، داخل الطبقة العاملة عبر" الكنفدرالية الديموقراطية للشغل" الشئ الذي سيساعد على بناء حزب الطبقة العاملة، و بمعنى آخر، تم تعويض الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية، ب"جبهة القوى الثورية و الديموقراطية". و بالنسبة لقضية الصحراءالتي كانت حجرة كأداء أمام الإتجاه الإصلاحي، سيقوم هذا الأخير، بمهاجمة موقف المنظمة على مراحل، اضطر خلالها إلى الاعتراف الشكلي بمفهوم "الشعب الصحراوي" لتلافي الاتهام بالشوفينية و الوطنية الضيقة، لكن، و في نفس الوقت، قام باعتبار قضية الصحراء كقضية خارجية، و بدأ يشكك في كل مفهوم يروم تحقيق مبدأ نقرير المصير، تحت مبررات شتى، و باستغلال الصراع الدائر على الصعيد العالمي، بين الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية،من أجل مناطق النفوذ، بالقول بخطر تدخل هذه القوى في المنطقة، و انتهى به القول، إلى اختزال القضية في شعار واحد: "مناهضة الحرب".

هكذا، استطاع تيار الإصلاحيين الجدد، أن يحقق الانتقال إلى خط منشفي جديد بطلاء "ثوري"، وكان هذا الانتقال يستدعي تصفية أمرين أساسيين، و هما: قضية الصحراء، و قضية الشبيبة المدرسية (هاجم التيار بشدة قرارات المؤتمر 15 لمنظمة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" و تجربة "النقابة الوطنية للتلاميذ"). لقد قام التيار الإصلاحي الجديد، بتحويل الخط التكتيكي إلى خط استراتيجي عبر شعار"وحدة القوى الثورية و الديموقراطية" لإسقاط النظام، فقد أبرز الصراع ضد الإصلاحيين الجدد وجود خلافات جوهرية بين الخط الثوري و الخط الإصلاحي، فطروحات وثيقة "نقد نظرية الثورة في الغرب العربي"، كانت تسير في اتجاه متعارض مع خط هذه النظرية- نعني نظرية الثورة في الغرب العربي-، و ذلك في قضايا محورية أساسية، فلكل منهما طرحه الاستراتيجي بالنسبة للثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية. من خلال وثائق المنظمة، و من خلال وثيقة "13 نقطة"، فإن الطرح الاستراتيجي للثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، يرتبط بأفق وطني و عربي و أممي، و ذلك على طريق بناء الاشتراكية.

أما طرح الإصلاحيين الجدد، فيقوم على إطار جغرافي محدد ،هو المغرب، عكس الطرح الثوري، الذي يقر بفضاء مفتوح بالنسبة للثورة المغربية، و هذا مفهوم لأن أنصار شعار"وحدة القوى الثورية و الديموقراطية"، قد تخلوا بالفعل عن شعار الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و تبنوا الأطروحة التحريفية حول الثورة الوطنية الديموقراطية، و ذلك حينما حولوا الخط التكتيكي إلى خط استراتيجي، يتحقق عبره حلم الثورة الوطنية الديموقراطية، تحت قيادة البرجوازية الصغيرة. أما بالنسبة لقضية الحزب، فالخلاف كذلك كان واضحا، من حيث أن الطرح الاستراتيجي للمنظمة، و من خلال وثيقة "13 نقطة"، تناول مسألة بناء الحزب الثوري في إطار سيرورة ديالكتيكية، تجمع بين النضال السياسي و النضال المسلح، خلال عملية البناء هذه، اما أصحاب "نقد نظرية الثورة في الغرب العربي" ، فقد كانوا ينظرون، في إطار منظورهم للثورة الوطنية الديموقراطية، إلى بناء الحزب الثوري كمهمة مركزية، و لكن في خط مستقيم، من خلال "نظرية تراكم القوى"، و بناء الحزب عبر الفصل الميكانيكي بين العمل السياسي و العسكري، و كذلك الفصل الميكانيكي بين مختلف مراحل بناء الحزب، من خلال سقوطهم في نظرية ستاتيكية. و بالإضافة إلى هذا و ذاك، جعلوا مهمة التجدر داخل الطبقة العاملة مقرونة بالتحالف مع الإتحاد الإشتراكي، كتعويض عن الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية. كما ظهر الخلاف مع الإتجاه الإصلاحي الجديد حول تقييم طبيعة القوى الوطنية و الديموقراطية الإصلاحية و موقعها في شعارات المنظمة و استراتيجيتها، و يقول المشتري بلعباس في استجواب له في سلسلة "أقصى اليسار..." موضحا مواقع الخلاف في هذه النقطة، و في ما يخص قضية الصحراء كذلك:

"يمكن أن أتذكر نقطتين:

- الموقف من القوى الوطنية، و هو ما عبرت عنه في 1979، و ما وصل إليه السرفاتي نفسه الآن، أي لا يمكن حصول أي تحول سياسي دون القوى الوطنية.

- و حول ما يتعلق بقضية الصحراء، فالحل الذي طرحته أنا و عبد الله المنصوري في الوثيقة،هو الحل الوسط، أي لا يجب أن نناصر الحرب، و لكن أن نبحث عن حل، هو ما يسمى بالحل الثالث اليوم"

في جواب عن سؤالين:

"من الأصل اعتبرنا أن الموقف من قضية الصحراء قد كان متسرعا، و أن هذه قضية صعبة و شائكة و تحتاج إلى تفكير"

"كنا نقول، و هو ما عبرنا عنه في الوثيقة التقييمية لسنة 1979، أن الأمر لا يتعلق بتقرير المصير أو مغربية الصحراء، لأن هذا لا يحل المشكل، بل يتعلق بصراع يجب أن نعمل من أجل حله بشكل سلمي، و أن يكون في اتجاه الوحدة، فهناك تاريخ و علاقات و مشكل صعب، لا بد من البحث عن حل له يريح كل المعنيين به و يرضيهم، و بالتالي ليس من الضروري أن نعبر عن موقف تقرير المصير أو مغربية الصحراء".

إن أطروحة الإصلاحيين الجدد، قد شكلت في حينها، انعكاسا للأوهام الإصلاحية المنتشرة وسط الفئات البرجوازية الصغيرة و المتوسطة. و قد حملت التعبيرات السياسية لهاته الفئات من البرجوازية الصغيرة، تلك الأوهام المعبرة عن مصالحها و عن أوهامها في نفس الوقت، و غالبا ما كانت تغلف تلك الأوهام بشعار "المجلس التأسيسي". فبالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و خاصة بالنسبة للاتجاه المهيمن داخله، و الممثل بشكل رئيسي لفئات من البرجوازية الصغيرة و البرجوازية المتوسطة البيروقراطية، التي يتمثل مشروعها الاستراتيجي ، في بناء نظام لبرجوازية الدولة، تحت شعار ما تسميه ب "الاشتراكية"، و من تمة كان طرح "المجلس التأسيسي" كمعبر للوصول إلى السلطة بطريقة مؤسساتية. و كان الحزب يعتمد على القاعدة الجماهيرية التي يمثلها، و من قوته التفاوضية مع النظام من أجل إعطاء قيمة لمطلبه بتغييرات مؤسساتية، و قد شكل شعار "المجلس التأسيسي" تركيزا لهذا المطلب.

و بالنسبة للتحريفيين القدامى و الجدد، باعتبارهم تعبيرات عن مصالح مجموعة من المثقفين البرجوازيين الصغار و من التكنوقراط، يتدثرون بيافطة ماركسية شكلية، فكلاهما كان يحلم بديموقراطية برجوازية، تهيئ الشروط الاقتصادية و السياسية لتطور الطبقة العاملة المغربية، و لانبثاق حزبها،و بالتالي الانتقال إلى الاشتراكية.

هذه الأطروحات، أخذت اسما لها هو "الثورة الوطنية الديموقراطية"، التي لم تكن في الحقيقة، سوى استنساخا للأطروحة المنشفية و محاولة تطبيقها على المغرب. و إذا كان منظور"الثورة الوطنية الديموقراطية" كما بلوره هؤلاء، قد وحدهما، فقد كان الوضع الذاتي لكل طرف منهما، محددا (بجر الدال) في مواقفه التكتيكية.

بالنسبة لحزب التقدم و الاشتراكية، الذي كان يتوفر على قاعدة جماهيرية صغيرة، فقد كان حلمه أخذ مكان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،عن طريق نزع تأثيره عن تلك القاعدة الجماهيرية التي كان يتوفر عليها، و من تمة التقدم كممثل وحيد للطبقة العاملة في هاته المرحلة ذات الطابع الديموقراطي البرجوازي.

أما الأنواليون، الذين كانوا يفتقدون لأي قاعدة جماهيرية، فسيختارون طريق التحالف و التقرب من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و قاموا بالتنظير لذلك عن طريق ما أسموه ب "الكتلة التاريخية الجماهيرية". إن هذا ما يجعلنا نفهم ذلك الصراع المستمر الذي كان قائما بين حزب التقدم و الاشتراكية من جهة، و منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، حول التمثيلية و العلاقة مع الأحزاب الشيوعية التحريفية العالمية.

أما الإصلاحيون الجدد داخل منظمة "إلى الأمام"، كوجه آخر للتحريفية، و عن طريق الدعوة إلى"وحدة القوى الثورية و الديموقراطية من أجل إسقاط النظام"، فقد قاموا بتحويل الطرح التكتيكي إلى طرح استراتيجي، و نظروا لقيادة البرجوازية الصغيرة في مرحلة النضال من أجل إسقاط النظام. و بهذا شكلوا ما يمكن تسميته ب"التحريفية اليسارية"، قبل أن يسقطوا نهائيا في تبني الأطروحات الإصلاحية للاتحاد الاشتراكي أساسا، و قبل أن يدفعهم الصراع إلى الكشف عن أوراقهم بشكل كامل و واضح، و نعني بذلك إصدارهم ل "بيان إلى الشباب المغربي و الرأي العام الديموقراطي".

لقد كان الصراع السياسي و الإديولوجي ضد الإصلاحيين الجدد ،بمثابة صراع بين خطين، خط "الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية" بقيادة الطبقة العاملة و حزبها الثوري، و بالاستناد إلى التحالف العمالي ــــ الفلاحي، كركيزة أساسية ،و بناء الجبهة الديموقراطية الثورية كقيادة سياسية للثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و خط "الثورة الوطنية الديموقراطية" الإصلاحي التحريفي، الداعي إلى تحقيق الديموقراطية البرجوازية، و بناء الرأسمالية، تحت قيادة البرجوازية، و بالفصل بين المرحلتين الديموقراطية و الاشتراكية، و على قاعدة هذا الخلاف الاستراتيجي، تطورت المفاهيم المتناقضة حول مجموعة من القضايا،من قبيل الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية و البرنامج المرحلي، إشكالية الحزب الثوري، الموقف من "القوى الوطنية و الديموقراطية الإصلاحية" و قضية الصحراء. إن هذا التخلي عن المبادئ الماركسية ــ اللينينية، و استنساخ الأطروحات المنشفية،قد أدى بأصحابه إلى ما أسموه في بيانهم ب "الماركسية المتجددة"، كحال كل التحريفيين،الذين عندما يقومون بمراجعاتهم التحريفية، يقدمونها كتجديد للماركسية.

-5 - من الإصلاحية إلى الردة عن خط الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، أو كيف عمق الإصلاحيون الجدد الخط التصفوي؟

لقد رأينا سابقا، كيف قدم الأنواليون أطروحتهم الجديدة حول أزمة الحملم، و كيفية الخروج من تلك الأزمة حسب منظورهم، الذي لم يكن سوى تخليا صريحا و واضحا عن خط الماركسية ــ اللينينية و منظورها للثورة، و بالتالي وضعوا أنفسهم خارج الحملم،أما التصفويون، انطلاقا من مفهومهم للأزمة الذي يضع على قدم المساواة، الخطوط اليسارية او اليمينية داخل الحملم، باعتبارها معا، تعبيرات داخل تنظيمات برجوازية صغيرة، أصبح من الضروري حلها، و الذهاب إلى الطبقة العاملة، معيدين بذلك التاريخ إلى الوراء، بدفاعهم عن العفوية و تصنيفهم الميكانيكي للحملم كتنظيمات برجوازية صغيرة، و قد انتهى بهم الأمر إلى التخلي النهائي عن الماركسية، لصالح طروحات يمكن نعتها بالنسبة للبعض على الأقل ب "الديموقراطية الثورية"، حيث تحتل مبادئ الثورة الفرنسية لسنة1789 مرجعا أساسيا، أما البعض الآخر، فقد اختار طريق الإصلاحية بكل بساطة.

أما الإصلاحيون الجدد، فقد كان عليهم، تحت ضغط الصراع و نتائجه العملية (انشطار مجموعة بيان تجميد العضوية من المنظمة بعد صدور بيان التصحيح من طرف الجماعة التصفوية، صدور قرارات 12 نونبر 1979،التي أعلنت عن طرد هؤلاء جميعا ...)، القيام بتعميق أطروحاتهم و تقديمها في قالب نهائي، بدعم و مساندة سياسية و لوجستيكية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

ففي يوم 22 فبراير 1980، أصدر الإصلاحيون الجدد بيانهم الشهير، تحت عنوان "بيان من داخل السجن المركزي بالقنيطرة إلى الشباب المغربي و الرأي العام الديموقراطي". و قد كان صدور هذا البيان، علامة فارقة في تاريخ هذا الاتجاه، الذي انتقل نهائيا من الإصلاحية إلى الردة عن خط الحملم و منظمة "إلى الأمام". و قد تضمن البيان مجموعة من الأطروحات تصب كلها في نزع الشرعية عن وجود الحملم و منظمة "إلى الأمام".

و قد جاء في مقدمة الوثيقة، أن الموقعين عليها، يحددون قطيعتهم التنظيمية و السياسية مع منظمة "إلى الأمام" منذ 1976. و الحقيقة أن هذه مغالطات كبرى، لكون العناصر الأساسية الموقعة على البيان، استمرت علاقتها بالمنظمة بشكل أو بآخر إلى حدود ماي 1979، و حتى بالنسبة للذين سبق و أن صدر في حقهم قرار تجميد العضوية بصدور بيان يونيو 1977، فقد ظلوا على علاقة سياسية و تنظيمية انضباطية مع المنظمة، من خلال مجموعة من الإطارات التنظيمية ،يعرفها هؤلاء جميعا. أما لماذا اضطر هؤلاء إلى إصدار بيانهم، فيبررونه بضرورة محاربة الانتهازية اليسارية، و بطبيعة الحال بدعم من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. و يقولون في هذا الصدد: "و لقناعتنا بضرورة تعميم وجهة نظرنا في تجربة نعـتبرها نموذجا للفكر الانتهازي اليساري في البلاد، تجربة قد تجد في الواقع الموضوعي من العوامل ما يساعد على إعادة تكرارها، و لربما بأشكال أكثر طفولية".

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.