Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الأولى ــ الجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية منظمة ' إلى الأمام' " ــ 10 فبراير 2017

Pin it!

 

 بعد نشر موقع 30 غشت للجزئين الأول و الثاني من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية ‘إلى الأمام’ "، يبدأ الموقع في نشر أقسام و فصول الجزء الثالث منها.

الحلقة الأولى من هذا الجزء الثالث في قسمه الأول و المعنون ب: "دور الأطروحات التحريفية الجديدة في مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام" "، تتضمن الفصل الأول الذي يحمل عنوان" خط "إعادة البناء (1979- 1985 )": تناقضات الوضع الداخلي، سقوط التجربة و انطلاق مسلسل المراجعات ".

 

  

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش بلون مغاير(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الثالث

القسم الأول: دور الأطروحات التحريفية الجديدة في مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام"

"إن جدلية التاريخ، بما أنها انتصار للماركسية كنظرية، فهي تجبر أعداءها على التلبس بلباس الماركسيين".

 

" La dialectique de l’histoire est telle que la victoire du marxisme en matière de théorie oblige ses ennemis à se déguiser en marxistes "

Lénine .œuvres. tome 18 . p 608  

 

الفصل الأول : خط "إعادة البناء (1979- 1985 )": تناقضات الوضع الداخلي، سقوط التجربة و انطلاق مسلسل المراجعات.

تقديم

شكلت السنوات الممتدة من 1979 إلى حدود خريف 1985، الفترة الثانية التي زرعت فيها بذور التحريفية الجديدة داخل منظمة "إلى الأمام" بعد هزيمة الإتجاه التحريفي الأول، و قد تم ذلك تحت راية "الماركسية ــ اللينينية"، و بذلك اختار "التحريفيون الجدد" الشكل الأكثر ذكاءا من بين الأشكال التحريفية، لوضع اللبنات الأولى لبناء خطهم التحريفي الجديد، بعدما تهيأت الأرضية و الظروف المناسبة للقيام بذلك.

لقد جاءت نتائج الصراع ضد الخط التحريفي الإصلاحي اليميني متناقضة، بحيث أن الانتصار على مستوى المنظمة المركزية كان لصالح الخط الثوري، بينما استطاع الخط الإصلاحي اليميني عزل الخط الثوري عن قواعده، و ذلك عن طريق أساليب خبيثة، و قد تجلى ذلك في دوره في تعبئة العديد من المناضلين الذين دفع بهم إلى التوقيع على بيان يونيو 1979. لقد كان بالفعل انتصارا بطعم مر، زاد من مرارته انتقال أفكار اليمين الإصلاحي و استمرارها من داخل المجموعة التي واجهت بشكل متناقض، و إن طغت عليها الوحدة مؤقتا، خلال الصراع ضد اليمين الإصلاحي الذي انتهت به الأمور إلى الردة، بينما استطاعت المجموعة المتأثرة إلى حد كبير بأطروحة اليمين الجديد، أن تحتل موقع الهيمنة في السيرورة الجديدة، التي انفتحت بعد صدور قرارات 12 نونبر1979. و فيما كان يبدو انتصارا للخط الثوري، بدأ يتجلى، كانتصار لخط تحريفي، ينهل من الخط اليميني الجديد و يزيد عليه، و تلك جدلية التاريخ، أي انتقال الفكر الإصلاحي اليميني و بشعارات ماركسية ــ لينينية إلى الصراع ضد الخط الثوري من الداخل. لقد اجتازت سيرورة التناقض، بين الخط الثوري و الخط الإصلاحي الجديد، منذ خريف 1976 مسارات مختلفة، ففي الفترة الممتدة من خريف 1976 و إلى حدود يونيو 1977، كان الصراع محدودا أو ثانويا ، بحكم تأثير عوامل أخرى، و في نفس الوقت لم يكن الخط اليميني الإصلاحي قد أعلن عن نفسه بالكامل، و ظل موقع الهيمنة يحتله الخط الثوري، و استمر ذلك إلى نهاية 1978، لكن خلال هذه السنة تبلور الخط اليميني الإصلاحي، بشكل أصبح معه خطا متكاملا، و استطاع أن ينتشر تدريجيا، بل حقق مجموعة من النجاحات ، حيث كسب إلى صفوفه أبراهام السرفاتي (يناير 1979)، فتهيئت له كل الشروط الموضوعية و الذاتية لإطلاق هجوم واسع مضاد،استطاع معه التيار اليميني الإصلاحي من الانتصار، و فرض "برنامجه الانتقالي" الذي كان يشكل وعاءا لخطه السياسي اليميني، و قد شكلت فترة فبراير- مارس 1979، قمة انتصاره، الذي كان انتصارا مؤقتا، و أصبح بذلك مهيمنا.

لكن في أبريل من سنة 1979، استعاد الخط الثوري هيمنته داخل المنظمة المركزية و وسط المناضلين، فاحتد الصراع بين الاتجاهين، و انتهى بدخول التيار الإصلاحي مرحلة الردة بصدور بيانه الشهير. هكذا، فمن أبريل 1979 إلى نونبر من نفس السنة ، استعاد الخط الثوري موقع الهيمنة داخل المنظمة المركزية، و فقد اليمين موقعه السابق.

إن منطق تبادل المواقع، و منطق علاقات القوى، لم يبلغ نهايته الجدلية، لأن التحول النوعي، ليس فقط تغييرا في المواقع منظور إليها من زاوية كمية، بل لابد من طرح سؤال، ما الذي تبقى بشكل رئيسي من هذا الصراع؟ و ما الذي أصبح في حكم العدم، أو بمعنى آخر ما الذي ينتهي بعد حل التناقض، و ما الذي يولد؟.

إن ما تولد، لم يكن تغيرا جذريا و نوعيا، يعبر عن انتصار الجديد، بقدر ما أن المسألة، ليست سوى استعادة للقديم، من خلال عودة أطروحات اليمين الجديد بشكل آخر، خاصة، أن بعض ممن كانوا يتبنون أطروحاته سرا أو علنا، قد أصبحوا في موقع القيادة، و قد تجلى حينها للعديد من الرفاق و المناضلين أن انتصارهم قد سرق منهم، و قد أصبح هذا جليا بعد نونبر 1979، حيث بدأ الخط الثوري، يعرف انشطارا بين تيارين مختلفين، أصبحت تناقضاتهما تتوسع شيئا فشيئا، لتصبح تناقضات جوهرية. إن الصراع ضد اليمين الجديد، و ضرورة الوحدة من أجل مواجهته، كانت تخفي وجود تناقضات وسط من تصدوا له، و إن ظهر بعضها إلى العلن، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأوضاع التنظيمية. لقد كان الميل لدى جزء من القيادة الجديدة يتجه نحو الاستعداد لتقديم تنازلات كبيرة لمجموعة من العناصر المنهارة، و كذلك للعناصر التي جمدت عضويتها داخل المنظمة. و مما ساهم في زيادة حجم الخلافات، و صعود التناقضات إلى السطح ، أن ذلك الجزء من القيادة، لم يكن يعلن جهارا عن بعض مواقفه الإيديولوجية و السياسية الجديدة (كانوا يمارسون التقية)، الشئ الذي لم يبدأ سوى بعد صدور قرارات 12 نونبر1979، الذي شكل تطبيق خلاصاتها، منطلقا للصراع بين التيار التحريفي الجديد و الرفاق الذين دافعوا عن الخط الثوري للمنظمة، و ذلك من خلال الخلافات التي ظهرت حول مشروع إعادة بناء المنظمة، و قد استمر هذا الصراع إلى حدود شتنبر من سنة 1980، بعدها انفرد خط ما يسمى ب "إعادة البناء" بقيادة المنظمة و فرض توجهه الذي انتهى بفشل و سقوط ما سمي ب "إعادة البناء"في خريف 1985.

- 1- "إلى الأمام" و إشكالية القيادة:

عرفت منظمة "إلى الأمام" خلال المرحلة الممتدة من 30 غشت 1970 إلى حدود 30 غشت 1980، ثلاث أزمات هزت أركان قيادتها، و ارتبطت كلها بفترات القمع التي تعرضت له، و قد كان لكل فترة خصائصها. كشفت تجربة المنظمة، في فترة 30 غشت 1970 ــ 20 نونبر 1972، عن وجود "أزمة قيادة" و خط سياسي، و قد أصبح ذلك جليا ، مع تعرض المنظمة لاعتقالات يناير 1972– ماي 1972، و قد كان لذلك أثر كبير على وضعها الداخلي، و في علاقتها بالجماهير. و بعد الندوة الوطنية الأولى، تم تشكيل "لجنة وطنية" كقيادة مركزية للمنظمة، في محاولة لتجاوز مفهوم التنسيق كأسلوب قيادة الذي كانت تجسده "لجنة التنسيق الوطني"، أول قيادة للمنظمة. لكن تجربة ما بعد الندوة الوطنية ، بينت استحالة تحقيق هذا المفهوم الجديد للقيادة باعتبارها قيادة مركزية، لكون الخط السياسي الذي كانت تسير عليه المنظمة، ظل خطا للعفوية سياسيا و اللامركزية تنظيميا، زاد من حدتهما غياب استراتيجية واضحة. غير أن سنة 1972، عرفت مخاضا فكريا و سياسيا، أدى إلى تقدم نسبي على مستوى الخط السياسي و الاستراتيجي، بينما ظل خط التنظيم يعاني من هفوات الخط السابق (خط العفوية)، و جاء تقرير20 نونبر ليضع الأصبع على هذا المشكل، جاعلا منه نقطة محورية في اهتمامات المنظمة، فاعتبر حلقة مركزية لعملها، بل الطرف الرئيسي في تناقض الخط و المنظمة الثورية. طبعا قدم التقرير تقييما شاملا لتجربة المنظمة و لخطها، شارحا بذلك أسباب و جذور خط العفوية و انعكاساته التنظيمية، و لخص التقرير مضمون مهام المنظمة في شعار "بناء منظمة طليعية، صلبة، و راسخة جماهيريا"، منظمة قائمة على دور هام للقيادة في بناء خطها السياسي، و إنجاز تجذرها داخل الطبقة العاملة و الطبقات الأساسية، منظمة تتشكل أساسا من المحترفين الثوريين، منظمة تعمل على تحقيق وحدة الحملم، ضمن سيرورة بناء حزب الطبقة العاملة المغربي، و قد وضعت الوثيقة مجموعة من الآليات لإنجاز مهامها، من أجل تحقيق شعار "منظمة طليعية، صلبة ، و راسخة جماهيريا " على أساس المركزية الديموقراطية. لقد أطلقت هذه الوثيقة حماسا جديدا داخل المنظمة، لكونها قدمت تقييما شاملا للتجربة و ضمنها الاعتقالات التي تعرضت لهاالمنظمة، و اتخذت قرارات تنظيمية حازمة في حق كل الممارسات الخاطئة.

هكذا، انطلقت أول عملية حقيقية لبناء منظمة "إلى الأمام" كمنظمة ثورية ماركسية ــ لينينية، و من نونبر 1972 إلى نونبر 1974، عرفت المنظمة مسارا تصاعديا و تراكميا في خطها السياسي و الإيديولوجي و التنظيمي، و هو الأمر الذي تترجمه العديد من وثائقها المنتمية إلى هاته الفترة. بطبيعة الحال، لعب صراع الخطوط داخل الحملم دورا مهما في تطور خط المنظمة، و قد كان صراعا "خارجيا"، لعبت فيه قيادة المنظمة دورا مركزيا. إن هذا الصراع، شكل غطاءا لمبالغات في فهم دور القيادة المنصوص عليه في تقرير 20 نونبر، تمثل أساسا في إخفاء أو تهميش بعض التناقضات السياسية أو الإديولوجية،التي كانت تظهر بين الفينة و الأخرى، و لم تستثن أي إطار من إطارات المنظمة، و تولد عن هذا، نوع من البيروقراطية، و مفهوم خاطئ لوحدة المنظمة كوحدة فوقية تحققها القيادة. اجتازت المنظمة هاته الفترة، بدون مشاكل كبيرة ظاهريا، و كانت سهام نقدها موجهة أساسا نحو الخطوط الأخرى داخل الحملم. لكن هذا الوضع لم يستمر طويلا، فما أن ضربت رياح القمع المنظمة في نونبر 1974– يناير 1975،حتى اهتزت أركان قيادتها من جديد، ذلك أن الحملة قد أودت بمجموعة من قيادييها و أطرها المجربة، و أضعفت بنيتها التنظيمية، سواء على مستوى التنظيم المركزي أو على مستوى القيادة. هكذا دشن القمع، مرة أخرى، بداية أزمة للقيادة و للتنظيم المركزي، امتدت من يناير 1975 إلى مارس 1976، و قد أبانت هذه الضربة عن هشاشة الوحدة التي انبنت خلال الفترة السابقة، كما تبين خطأ الاستمرارية المتعلق بدور قيادة المنظمة القائم على المركزية المفرطة، و على مفهوم سطحي و فوقي لوحدتها. و قد أبانت هاته الفترة، عن عجز القيادة في تنظيم صراع الخطوط من أجل تقويم الأخطاء و الانحرافات و التقدم، في ظل وضع جديد، يتميز بمحاولات التطويق و القضاء على المنظمة من طرف النظام الكمبرادوري و تحالف القوى الإصلاحية معه، مما كان يستوجب مراجعة في الخط التكتيكي، و القيام بتنظيم تراجع استراتيجي، يضمن حماية و بقاء المنظمة على المدى المتوسط و البعيد. و رغم أن المنظمة أكدت في أدبياتها مرارا ،على ضرورة تعلم علم التراجع بارتباط مع علم الهجوم، بالشكل الذي صاغه القادة الشيوعيون الكبار من أمثال لينين، لكن صراع المنظمة مع خط التراجع داخل "23 مارس"، قد جعل من كل طرح لتنظيم التراجع "مشبوها" إذا لم يعتبر يمينيا، و قد كان هذا خطأ فادحا، و بدل القيام بذلك ، ظلت قيادة المنظمة تسير في خط هجومي محموم و مغامر، في ظل موازين قوى مختلة بشكل كبير لصالح النظام الكمبرادوري و حلفائه الإصلاحيين، و هذا يخالف كل منطق للصراع السياسي أو العسكري، مما جعل القيادة المتجاهلة لقوانين الصراع، تخبط خبط عشواء تارة نحو اليمين (مغازلة القوى الإصلاحية) و تارة نحو اليسار(التقوقع داخل الشبيبة المدرسية، و شن الهجوم من داخلها على النظام و القوى الإصلاحية). خلال هذه الحقبة، لم يكن هناك أي اهتمام حقيقي بمسألة القيادة، بمنظور يقوم على تقييم شامل للاعتقالات و للتجربة، و على تحيين للأطروحات السياسية، على ضوء مستجدات الوضع السياسي للبلاد، و تحيين و تطوير تكتيكات المنظمة، في ظل هجوم كاسح للنظام المتحالف مع القوى الإصلاحية، و انتشار واسع للشوفينية، و دخول الأحزاب و النقابات في تطبيق سياسة السلم الاجتماعي و مناهضة كل نضال جماهيري. أما في الفترة الممتدة من يناير 1976 إلى حدود غشت 1980، فقد تجمعت كل تناقضات الفترة السابقة، و دخلت المنظمة، في مسار متراكم لسيرورات متناقضة و متعددة، و لم تستطع القيادة الخروج من وضعها الذاتي المتأزم، نتيجة تراكم الأخطاء و الانهيارات المتتالية لمجموعة من القادة، خلال حملة دجنبر 1975 – مارس 1976، و ما تلاها، من مواقف و تصريحات لأقطاب "اليمين الجديد" الذي بدأ يتبلور داخل المنظمة. تبين هاته الفترة، عجز ما تبقى من قيادة المنظمة عن تحمل المسؤولية لإخراج المنظمة من أزمتها و أزمة قيادتها، و ذلك عن طريق القيام بتركيب نظري جديد، نابع من تقييم شامل لكل السيرورات التراكمية التي عرفتها، و كذلك عن طريق تقديم حصيلة التجربة، و تهييئ شروط تقييمها عن طريق النقد و النقد الذاتي، الشئ الذي لم يكن ممكنا خارج تنظيم صراع الخطوط، يسمح بفتح الطريق الثوري، و تقديم تركيب جديد للخط و دروس التجربة ضمن فهم سديد للوضع الطبقي بالبلاد.

و قد شكل منظور "إعادة البناء" لدى "القيادة" أو ما تبقى منها، تعبيرا عن ذلك العجز، و تلك الأزمة ،التي لم تستطع المنظمة تجاوزها، و أدت إلى سيادة خط تحريفي داخلها. و من اللافت للنظر، أن معتنقي خط "إعادة البناء"، و في مقدمتهم القيادة الجديدة، في منظورهم لدور القيادة، لم يختلفوا عن تصور القيادة لدى الاتجاه الذي ساد خلال فترة يناير 1975 – مارس1976، أي أن هناك نفس الدور المعطى للقيادة، و بالتالي نفس الانحراف، بما يعنيه من تكريس للبيروقراطية و تقديس للقيادة، و بناء وحدة فوقية للمنظمة، و إن الخطير في الأمر، أن يحصل هذا في وقت فقدت فيه القيادة قسطا كبيرا من مكانتها و مصداقيتها لدى الغالبية العظمى من الرفاق و المناضلين، نتيجة للأخطاء، التي ارتكبها مجموعة من القادة ينتمون إلى الكتابة الوطنية و اللجنة الوطنية.

و إذا استطاعت المنظمة في السجن، أن تحافظ على حد أدنى من تماسكها من يناير 1976 إلى نونبر 1979، فيعود ذلك إلى الدور الذي قام به مجموعة من أطرها و رفاقها، و ليس للقيادة كقيادة أي نصيب في ذلك، و نخص هنا بالذكر، الدور الذي قامت به "اللجنة القيادية"، من مارس 1977 إلى نونبر 1979 (لقد سبق ذكر أسماء أعضائها ، علما أن تركيبتها كانت تتغير حسب الظروف بينما ظل ثلاث رفاق تابثين فيها و هم ادريس بن زكري، فؤاد الهيلالي، ادريس الزايدي، على عاتق هؤلاء وقع عبئ رص صفوف المنظمة و هيكلتها و إعادة الثقة فيها، و كل القرارات التي صدرت في هذه الفترة كانت من إنجازها، كما أن المعارك النضالية من داخل السجن كانت تخطط من طرفها، و تحملت عبئ التنسيق مع أطراف المنظمة بالداخل و الخارج )، و التي كان أغلب أعضائها، لا يوجدون في اللجنة الوطنية الفاقدة لكل مصداقية، و المنزوعة من كل اعتبار، خاصة و أن مجموعة منها، قد سقطت تباعا كما تسقط أوراق الخريف أمام ضربات الجلاد دون أدنى محاولة للصمود. أما مفهوم الوحدة من خلال دور مبالغ فيه للجنة الوطنية، فقد أصبح في ظل تلك الأوضاع غير ذي نجاعة أو فعالية، بل لا يحظى بأي قبول من طرف أغلب الأطر و المناضلين، لأن إعادة بناء وحدة المنظمة، كان يتطلب إجماعا واسعا حول خط ثوري، ينبني في صراع ضد الخطوط الإصلاحية اليمينية و التحريفية، و الاستعداد "للسباحة ضد التيار" على المدى البعيد ،و تحقيق قفزة نوعية على مستوى المنظور التنظيمي، ليس فقط بالاعتماد على تقرير "20 نونبر" ، بل بإدماج مكتسبات وثيقة "القانون الداخلي" للمنظمة، و الانطلاق من "التقييم الشامل" لتطوير ذلك الخط التنظيمي. لكن الذي حصل، أن دعاة خط "إعادة البناء" أعادوا أخطاء ما تبقى من القيادة في فترة يناير 1975 – مارس 1976، و لكن في ظروف جديدة بالغة الخطورة، فقد كان لقادة هذه الفترة ما يبرر تصورهم، لأنهم كانوا يعتقدون باستمرار القيادة على نفس التوجه السابق، و قد كانت، استمرارية هذا الوهم لدى القيادة الجديدة، التي تشكلت ابتداءا من صيف 1979، أمرا قاتلا. و يعود ذلك، لكون هذه القيادة، لم تعد موجودة بالفعل، فقد انهارت كهيكل، و إن ظل بعض الأفراد منها خارج هذا التقييم. و في ظل سيادة هذا المفهوم البيروقراطي التحريفي لإعادة البناء، لم تكن الترميمات، التي قام بها البعض من أجل إعادة تكوين قيادة جديدة ، سوى هروبا في الأزمة و ذرا للرماد. لننظر، إلى حال قيادة المنظمة منذ انتخابها في يناير 1972، لقد انتخبت الندوة الوطنية الأولى قيادة تضم حوالي 13 عضوا، 5 منهم أعضاء في الكتابة الوطنية و هم: أبراهام السرفاتي، عبد اللطيف اللعبي ، عبد اللطيف زروال، المشتري بلعباس،عبد الحميد أمين، أما الباقون فكانوا أعضاءا في اللجنة الوطنية و هم: علي فقير، فؤاد الهلالي، عبد الفتاح فاكيهاني، محمد الموساوي، المحجوب آيت غنو،العربي، عبد الله زعزاع... خلال سنة 1972، تم اعتقال عبد الحميد أمين و عبد اللطيف اللعبي و علي فقير و محمد الموساوي، بينما انسحب المحجوب آيت غنو من المنظمة في مايو 1972، و تم طرد "العربي" منها، نظرا لاكتشاف ازدواجية انتمائه التنظيمي، و بعد نونبر 1972، ألحقت الكتابة عضوان جديدان باللجنة الوطنية، هما إدريس بنزكري و الصافي حمادي، و هكذا لم يتبق من الكتابة سوى ثلاثة أعضاء، وأصبحت اللجنة الوطنية ، بعد انضمام بنزكري و الصافي، تضم بالإضافة إلى أعضاء الكتابة الثلاث، 8 أعضاء. و في سنة 1973، و بعد إطلاق سراحه من السجن، تم ضم عبد الفتاح فاكيهاني إلى الكتابة الوطنية، و أتت حملة نونبر 1974 – يناير1975،على رفاق آخرين ، و هم عبد اللطيف زروال، أبراهام السرفاتي، عبد الله زعزاع و إدريس بنزكري، فلم يبق سوى ثلاثة أعضاء من القيادة، و هم المشتري بلعباس، عبد الفتاح فاكيهاني (أعضاء الكتابة الوطنية) و الصافي حمادي عضو اللجنة الوطنية بما مجموعه ثلاثة أعضاء. و من المعلوم، أنه بعد حملة دجنبر1975 – مارس 1976، سقط مجموع ما تبقى من المنظمة في أيدي القمع، مما استوجب توقيف المسؤولين عن ذلك السقوط.

هكذا كان حال القيادة، حينما كان البعض يضع تصورا لإعادة تشكيل قيادة جديدة بنفس الشرعية السابقة، و بنفس المنظور السابق لدور القيادة في بناء الخط و بناء التنظيم، فممن ستتكون القيادة الجديدة، التي رفضت تقديم الحصيلة عن مسؤولياتها التاريخية، الممتدة من يناير 1972 إلى حدود سنة 1979؟ بمعنى آخر، فقد رفضت مفهوم التقييم الشامل للتجربة، بما فيها تقييم تجربة الاعتقالات، و محاسبة المسؤولين عنها، و اتخاذ القرارات المناسبة في حقهم، و تقديم نقد و نقد ذاتي كمدخل لمسلسل جديد من أجل إعادة بناء المنظمة خطا و تنظيما و تصورا استراتيجيا، الشيء الذي لم يتم إنجازه، و ظلت أجيال كاملة تجهل مضمون ما جرى خلال تلك التجربة، و خلال الاعتقالات، مما ساعد على انتشار الغموض و المغالطات و "الأوهام المقدسة" لبعض الأشخاص، و التخبط، كلما حاول البعض الكتابة عن هذه المرحلة الأساسية من تاريخ منظمة "إلى الأمام" و الحملم. هكذا، لم تتطرق هذه القيادة الجديدة لمسؤولياتها ، فيما يخص عدم إنجازها للمهام المسطرة في تقرير 20 نونبر1972، سواء تعلق الأمر بفترة 1972 – 1974 (بناء منظمة طليعية، صلبة، و راسخة جماهيريا ،و إنجاز التجذر داخل الطبقة العاملة و الفلاحين) أو بالنسبة للفترة الممتدة من نونبر 1974 إلى مارس 1976 (إنجاز تقييم شامل للتجربة و للاعتقالات، و العمل على إنقاذ المنظمة و حمايتها ضمن تصورات سياسية جديدة) أو بالنسبة للفترة كذلك بين يناير 1976 و نونبر 1979 (عدم إنجاز التقييم الشامل، و تقديم تصور سديد لإعادة البناء).

خلال صيف 1979، تشكلت قيادة جديدة، كنتاج لترميم و ترقيع قام بهما ثلاثة عناصر من القيادة السابقة، و هم عبد الحميد أمين، علي فقير، و التحق بهما أبراهام السرفاتي، بعد مفاوضات مشروطة، منها فتح النقاش مع المجمدين و عودتهم إلى المنظمة (و سنرى فيما بعد، تفاصيل هذه المواقف السرفاتية)، أما عبد اللطيف اللعبي، فقد كان يقدم من طرف أصدقائه من معتقلي سنة 1972، بأنه عضو في القيادة، ليتبين فيما بعد، أنه كان موقوفا، نتيجة ممارسات خطيرة داخل السجن، تم إخفاؤها على الرفاق، و قد قام هذا الأخير بدوره، بالدفاع عن نفسه سرا، و كال الاتهامات الخطيرة لأصحابه، وقد غادر اللعبي السجن في يوليوز 1980، كما غادر المنظمة بشكل نهائي.

هكذا تشكلت قيادة جديدة، ظلت عبارة عن ائتلاف غير قار، و غير قادر على تجاوز تناقضاته، مما أدى إلى انفجاره في فترات مختلفة، و عرف مجموعة من الانسحابات، منها من انسحب ليس فقط من القيادة، بل من المنظمة ككل (إدريس بنزكري سنة 1984 و عبد الرحمان النوضة بعد ضربة 1985)، و منها من جمد عضويته في القيادة، بل من المنظمة أيضا، بعد الخروج من السجن (عبد الحميد أمين و علي فقير)، أما عبد اللطيف اللعبي، فقد أخذ منحى آخر، و تحول إلى مجرد مناضل ديموقراطي ليبرالي.

لقد كانت القيادة الجديدة، بالفعل، وعاءا لكل التناقضات التي تجمعت خلال سنة1979، زاد من استفحالها ذلك المنظور البيروقراطي للقيادة و لوحدة المنظمة، الذي حاول استعادة ذلك الدور السابق الذي كان لقيادة المنظمة في سنوات ما قبل الاعتقال، مع أن المعطيات و الظروف قد تغيرت، و الأخطاء تراكمت، مما كان يستدعي مراجعة للتصور التنظيمي، و تهييء أرضية للانطلاق على قاعدة مراجعة أولية لتجربة الأخطاء الفردية و الجماعية، و التقدم في التقييم الشامل، و استخراج الدروس و الخلاصات، و اتخاذ القرارات التي يلزمها الوضع، كل هذا في احترام تام لمبادئ المركزية الديموقراطية، التي تسمح لكل الرفاق و حتى المناضلين و الأقلية بالدفاع عن آرائها، أما التركيز على مبدأ المركزية، و اعتبار القيادة وحدها قادرة على الشروع في إعادة بناء المنظمة، و بناء خطها انطلاقا من ادعاء لشرعية مزعومة، بعد انهيار أغلب قادتها، و بقراءة منحرفة ل"تقرير 20 نونبر" تقوم على ذلك الدور المزعوم، الذي لا يرى وحدة المنظمة إلا من جانب واحد، جانب فوقي و سطحي لوحدة المنظمة تنجزه القيادة، فقد أدى هذا إلى الكارثة، أي إلى انهيار المنظمة و تفككها النهائي. إنه لمن الصعب على العديد من رفاق و مناضلي الجيل الثاني من المنظمة، و حتى أجيال المناضلين الماركسيين ــ اللينينيين المغاربة خارجها، أن يدركوا طبيعة هذا التشكيل غير الطبيعي لقيادة جديدة،لا يجمع بينها سوى اتفاقات سطحية، في الوقت الذي كان فيه القاع يمور بتناقضات إديولوجية و سياسية، لا تستطيع أي وحدة سطحية الصمود أمامها. فهل كان بالإمكان تجميع عناصر كان العداء بينها قد وصل حدا لا يطاق (حالة عبد الرحمان النوضة و أبراهام السرفاتي)، و هل كان بالإمكان أن تضم إلى القيادة ،عناصر ساهمت بشكل كبير في محاربة المنظمة و خطها الثوري، بل من أجل ذلك انضمت إلى تحالفات يمينية، و بلغ بها الأمر حد اختلاق الأكاذيب، من قبيل اتهام المنظمة بسرقة 18 مليون سنتيم، إضافة إلى ارتكاب أخطاء تنظيمية فادحة، كالتوقف عن الإضراب عن الطعام، و القبول بلعب دور رجل الإطفاء خلال ذلك الإضراب الذي استشهدت فيه الرفيقة سعيدة لمنبهي، و كذلك الانسحاب من المنظمة، في ظروف صعبة تحت غطاء "نظرية التوجيه و التسيير"، كأن المنظمة مقاولة رأسمالية... (حالة أبراهام السرفاتي) ، و هل كان بالإمكان جمع عناصر متنافرة إديولوجيا، منها من كان يتبنى "الماوية " على الطريقة الأوربية آنذاك، و تصورات دوغمائية و بيروقراطية زعاماتية (عبد الرحمان النوضة)، و منها من كان يسير على طريق مراجعة المواقف الإيديولوجية و التنظيمية و الاستراتيجية للمنظمة، ضمن مقاربة مثقفوية مثالية بورجوازية صغيرة، باحثة عن المنطق الداخلي للأشياء في النصوص فقط، و عجز تام عن فهم السيرورات الواقعية، التي لا تكون الأفكار سوى تعبيرا عنها، و إبستمولوجيا، بالنسبة للماركسية، يعتبر الفكر انعكاسا لحركة المادة المتحركة. مثال ذلك (أبراهام السرفاتي الذي كان منبعا لأفكار غزيرة، لكنها منعزلة عن الواقع، و خاضعة لديه لمنهجية انتقائية، جعلت الممارسة يتجاذبها قطبان : قطب يميني (التحالف مع المشتري و المنصوري) و قطب يسراوي يتميز بأطروحات مثالية، و بأسلوب تعامل فج، فظ و عنيف، و في لحظات أخرى بعاطفوية بورجوازية صغيرة). سيشكل أبراهام السرفاتي ثلاثيا، إلى جانب عبد الحميد أمين و علي فقير، تحكموا في سيرورة إعادة البناء و بصموها ببصامتهم، قبل أن ينفرد أبراهام السرفاتي بكل شئ تقريبا، بعد سقوط ما يسمى ب"مسلسل إعادة البناء" الذي انتهى بالفشل في خريف 1985، و لذلك، عرفت فترة ما بعد 1985، بشكل كبير، صعودا لتأثير أبراهام السرفاتي، الذي أصبح المنظر الأول للخط التحريفي داخل المنظمة، و خارجها بالنسبة للمغرب. أما عبد الحميد أمين، الرفيق الذي حصدته اعتقالات 1972، فقد كان خلافا لأبراهام السرفاتي، الذي كان يهتم بالأفكار كثيرا، رجلا عمليا، يهتم بصياغة التكتيكات، و اتصف بإهمال تام لكل استراتيجية، أو لنقل أن الاستراتيجية لديه هي مجموع التكتيكات، مما يسقطه في براغماتية دائمة و تجريبية كذلك، هذا إضافة إلى العقلية النقابوية و الشكلانية و المثالوية المقدسة للأجهزة و البنيات، إلى جانب النفور من النقاشات النظرية، و هكذا اجتمعت لديه البراغماتية، التجريبية،الاقتصادوية و النزعة البيروقراطية، إلى جانب نظرة غير نقدية للتجارب الاشتراكية، تجعله أقرب إلى خط وسطي في مواجهة التحريفية. أما علي فقير، فهو على النقيض من حيث تقديس العفوية، لكن مع تقديس للبنيات التنظيمية، و نظرة اقتصادوية للعمل الجماهيري، النقابي و غير النقابي، و غياب أي نظرة نقدية لتجارب البناء الاشتراكي، و احتقار للنقاشات النظرية. و إذا كان من شعار يميز الممارسة النضالية، لعبد الحميد أمين فهو شعار "الحركة كل شيء و الهدف لاشيء"، أما شعار "كل ما يتحرك فهو أحمر" فيستطيع تمييز مفهوم النضال الجماهيري لدى علي فقير، الذي يبقى عفويا خارج أي تأطير تنظيمي بل جماهيروي. و بالنسبة للعضوالآخر للقيادة الجديدة، و نعني به إدريس بنزكري، فقد بدأ يتحول آنذاك من نزعة "شعبوية فلاحوية" مقدسة للفلاحين، إلى نزعة مثقفوية، نخبوية، بورجوازية صغيرة، تحت تأثير دراسته الأدبية و اللغوية، التي أسقطته في انبهار بلا حدود بالمنهجية السوسيولوجية للوسيان غولدمان، مبتعدا بذلك عن المنهجية العلمية للمادية التاريخية، و في علاقة بمراكز التدريس في أوربا و الولايات المتحدة الأمريكية ، تحول إدريس بنزكري خاصة، بعد انسحابه من المنظمة، إلى تبني إيديولوجية حقوق الإنسان، و هو ما أهله بعد خروجه من السجن، للعمل في الحقل الحقوقي، الذي توجه، بالانتقال إلى خدمة النظام، في هذا المجال.

لقد أعطينا بروفيلا مختصرا ،عن أهم عناصر القيادة الجديدة، تلك القيادة التي بهذه المواصفات، كان عليها أن تلتقي بجيل ثاني من المناضلين، كانوا في غالبيتهم أعضاء سابقين في تنظيمات ثورية شبه جماهيريية، غير ذوي معرفة بتجربة المنظمة، و خطها السياسي و التنظيمي و الاستراتيجي. لقد بدأت عملية تجميع هؤلاء منذ 1978،على يد رفاق مختلفين في تصوراتهم الإيديولوجية و السياسية، و عندما أطلق مسلسل ما يسمى ب "إعادة البناء"، بدأ شحنهم بمجموعة من الوثائق و الأفكار، قيل إنها تصورات لإعادة البناء.

- 2- من التحالف الثلاثي إلى الائتلاف القيادي الجديد

شكل شهر مارس و كذلك أبريل من سنة 1979 قمة الهجوم اليميني على الخط الثوري للمنظمة، و قاد هذا الهجوم تحالف ثلاثي، ضم كلا من المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري و أبراهام السرفاتي، و قامت أرضية التحالف على قاعدة التحليل السياسي لبلعباس و المنصوري، الذي بدأت أطروحاته تنتشر ابتداءا من النصف الثاني لسنة 1978، لتعرف أوج انتشارها سنة 1979، و استفاد أصحاب هذا التحليل من نمو الحركة الجماهيرية خلال هذه الفترة، خاصة نضالات الطبقة العاملة و قطاعات التعليم و الصحة و غيرها، و قد صاحب هذا النمو انتعاش ظاهري للقوى الإصلاحية في إطار ما يسمى بسياسة "التحريك"، التي تشكل خطا ثابثا لدى هاته القوى، و ذلك من أجل الضغط بغرض التفاوض مع النظام الكمبرادوري، و في سياقها يتم الركوب على المطالب المشروعة للجماهير، و الضغط على النظام لتلبية مطالب "البورجوازية الوطنية" و البورجوازية الصغيرة التي تمثلها هذه القوى، و قد عرفت هذه الفترة، تأسيس الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، و رفع النظام الكمبرادوري الحظر عن "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" بعد استدعاء مجموعة من قادة التيارات الأوطيمية السابقة المنتمية لللاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و قد وجدها اليمينيون الجدد داخل المنظمة، مناسبة مواتية لإطلاق أطروحاتهم الإصلاحية اليمينية، و مهدوا لذلك بهجوم مكثف و حملة شعواء على الشبيبة المدرسية، تحت ستار نقد أطروحة "المقدمة التكتيكية"، التي كانت حسب زعمهم المسؤول الرئيسي عن سقوط تجربة الحملم، و منظمة "إلى الأمام"، و سببا في هامشيتها، و عزلتها، و فشلها في إنجاز التجذر داخل الطبقة العاملة و الجماهير الأساسية و بناء حزب الطبقة العاملة، مما جعلهم يعتبرون أن خط "الانتهازية اليسارية" هو الطابع الرئيسي لخط منظمة "إلى الأمام"، سواء فيما يخص العلاقة بالجماهير الأساسية أو ب"الأحزاب الوطنية"، و بطبيعة الحال، كان اليمينيون الجدد منتشين، فقد أثبتت التجربة، حسب زعمهم، سقوط أطروحات "إلى الأمام" على يد نضالات الطبقة العاملة و "القوى الوطنية و الديموقراطية" التي ازدادت قوة خلال تلك النضالات، مما أبان عن هشاشة و هامشية المنظمة و الحملم!!

و لأن اليمينيين الجدد خططوا لهزم الخط الثوري، كذلك دعاة "إعادة البناء" للمنظمة و الحملم، فالطريق إلى ذلك، حسب ادعائهم، يجب أن يمر عبر هزم خط "الانتهازية اليسارية"، و الاستعانة من أجل ذلك بما سموه "القوى الثورية و الديموقراطية"، و قبل ذلك استفادوا من ثغرات الخط السياسي للمنظمة، كما سبق و أن أشرنا إليه سابقا . و قد قدم اليمينيون الجدد أنفسهم كدعاة تجديد لخط المنظمة، من أجل التجدر داخل الطبقة العاملة و الجماهير الأساسية، و لأنهم واقعيون جدا و يحسبون لموازين القوى الطبقية حسابها، فإن التجدر داخل الطبقة العاملة يمر بالضرورة عبر التحالف مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فبدل "المقدمة التكتيكية" (الشبيبة المدرسية) للوصول إلى الطبقة العاملة، تلك المقدمة التي شكلت "انحرافا يسراويا" داخل المنظمة و الحملم، أصبح لازما حسب اليمينيين الجدد الدخول في تحالف مع القوى المسماة ثورية و ديموقراطية في إطار ما سمي من طرفهم ب"جبهة القوى الثورية و الديموقراطية" من أجل إسقاط النظام. و قد رأينا سابقا، كيف تحولت هذه الدعوة، أي تشكيل "جبهة القوى الثورية و الديموقراطية"، إلى دعوة للالتحاق بالأحزاب الإصلاحية. و قد شكل "البرنامج الانتقالي" الذي قدمه هذا الثلاثي، و حاول فرضه على المنظمة، في ظروف سبق التطرق إليها أعلاه ، وعاءا لأطروحات سياسية و تصورات تنظيمية يمينية، تهدف إلى الاستيلاء على قيادة المنظمة، و جعلها تركب خط الذيلية للقوى الإصلاحية، و التخلي عن استراتيجية الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و قد ضم البرنامج الانتقالي ثلاثة محاور وهي:

1- تحليل الوضع السياسي

2- تقييم تجربة 1977-1978 داخل السجن المركزي

3- مهام المنظمة

كان الهدف من النقطة الأولى، تمرير الأطروحات السياسية لليمين الجديد، الذي اعتقد أنه بتحالفه مع أبراهام السرفاتي، قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الاستيلاء على المنظمة. أما النقطة الثانية، فكانت تعني إسقاط قرارات يونيو 1977، باعتبارها غير شرعية، و باعتبار أن المسؤول عن الأخطاء، هو خط "الانتهازية اليسارية"، و بالتالي، يتم إسقاط كل مسؤولية عن العناصر القيادية سابقا، أو غير القيادية، و التخلي عن ضرورة التقييم الشامل للتجربة، و تقديم النقد الذاتي الفردي و الجماعي، كما ينص على ذلك النظام الداخلي للمنظمة. أما النقطة الثالثة، و في قلبها مهمة إعادة البناء، فقد كانت تعني إعادة بناء المنظمة في إطار خط يميني إصلاحي، يكرس التبعية للقوى الإصلاحية، و يتخلى عن دور قيادة الطبقة العاملة و حزبها الثوري، و يسلم تلك القيادة للقوى الإصلاحية في إطار ما سمي ب"جبهة القوى الثورية و الديموقراطية"، و بطبيعة الحال، فاليمينيون الجدد، كانوا متشبعين بنظرة بيروقرطية تنظر إلى عملية إعادة البناء نظرة فوقية، تنجزها هاته "القيادة الجديدة "الفارة من مسؤوليتها التاريخية في الضربة التي تعرضت لها "إلى الأمام". في أبريل 1979، و بعد عودة مجموع المعتقلين من السجون الأخرى، التي كانوا قد وزعوا عليها، و تجميعهم من جديد داخل السجن المركزي، انقلبت موازين القوى لصالح الخط الثوري في البداية، فسقط "البرنامج الانتقالي" لليمين الجديد، و انفضح التحالف الثلاثي اليميني الذي كان يتشكل من المشتري بلعباس، عبد الله المنصوري و أبراهام السرفاتي.

بعد فترة ذهول و تردد و ترقب لم تدم طويلا، قام اليمين الجديد بقيادة الثلاثي أعلاه، بهجومه المضاد، بعد فشل مخططه في السطو على المنظمة و قيادتها، و دارت "معارك طاحنة" بين التيار الإصلاحي اليميني و التيار الثوري بقيادة "اللجنة القيادية" و مجموع الرفاق الثوريين، و اعتمد اليمين الجديد على استعمال أساليب مكيافيلية لتدمير وحدة الرفاق الثوريين، و القضاء على الشعبية التي كانوا يتمتعون بها داخل قواعد المنظمة.

و تتميز هذه الفترة، بغزارة الدسائس و المناورات و المغالطات و المؤامرات و الأكاذيب و الاتهامات الكاذبة و الإشاعات،التي حاكها اليمين الجديد في حربه الضروس ضد الرفاق الثوريين، و ضد الأطروحات الثورية لمنظمة"إلى الأمام"، و ما "فضيحة 18 مليون سنتيم" السابق ذكرها، إلا واحدة من هاته المؤامرات الدنيئة.

فيما يخص أبراهام السرفاتي، عضو هذه الثلاثية (الترويكا)، فقد ظل يدافع رسميا عن أطروحاتها إلى حدود شتنبر 1979، لكنه في الحقيقة، ظل يدافع سرا عنها، إلى أن انفضح رفيقاه في الثلاثية، بعد إصدارهما ل"بيان من داخل السجن..." ، حيث لم يعد بدا من التنصل من ذلك الانتماء المخزي، فأصدر في مارس 1980 "نقده الذاتي" الشهير،أي شهرا بعد صدور البيان، و لهذا الأمر دلالته التاريخية، و إلى حدود هذه الفترة، أي من أبريل 1979 إلى صدور "نقده الذاتي"، دافع أبراهام السرفاتي عن "بيان التجميد" من العضوية، الموقع من طرف 52 مناضلا حتى و إن لم يوقعه، و حينما صدر موقف المنظمة من ذلك "البيان" الذي ساهم في صياغته و اتفق عليه ظاهريا، فقد استمر في الدفاع عن مواقف المجمدين، و هو الأمر الذي اعترف به في نقده الذاتي. و عندما حاول بعض أطراف "القيادة" إعادة إدماجه داخلها، و كذا عودته إلى التنظيم المركزي المحلي بالسجن المركزي، وضع أبراهام السرفاتي مجموعة من الشروط، بل مارس ضغوطا من أجل النقاش مع هؤلاء (نعني المجمدين)، بغرض عودتهم إلى الإطارات التنظيمية للمنظمة، و هو الأمر الذي استجاب له البعض من "القيادة" تحت شعار ما سمي ب "الترقية التنظيمية"، لكن موقعي "بيان التجميد للعضوية"، و الذي كان يلتف حوله عناصر اليمين الجديد، و العناصر المنتمية إلى "التيار الفوضوي"، أفشلوا كل محاولات ربط الجسور من أجل العودة إلى المنظمة، و أصدرت هذه الأخيرة قرارات 12 نونبر 1979، التي قامت بطرد كل الموقعين على ذلك البيان. لقد تفكك التحالف الثلاثي، حيث انتهى عنصران منه (المشتري والمنصوري) إلى السقوط في الردة، بعد إصدار بيانهما الشهير في فبراير1980، أما أبراهام السرفاتي فقد استعاد موقعه داخل التنظيم المركزي المحلي، بدعم من بعض أطراف القيادة، و مجموعة من "الوسطيين" داخل التنظيم المركزي المحلي.

هكذا انتقل أبراهام السرفاتي من التحالف الثلاثي اليميني الإصلاحي إلى "الائتلاف القيادي الجديد"، الذي سيضع تصوره لمشروع إعادة بناء المنظمة. و إذا كانت سيرورة تطور الاتجاه اليميني الإصلاحي، قد انتهت بهزيمته، و صدور بيان الردة في فبراير 1980، فإن العديد من أطروحاته، خاصة أن بعض القياديين الجدد، كانوا لا يخفون اتفاقهم مع التحليل السياسي لليمين الإصلاحي، فإن الأساسي من أطروحاتهم السياسية قبل الردة النهائية، قد وجدت منبتا لها داخل "الائتلاف القيادي"الجديد ، ولعب أبراهام السرفاتي دور الناقل في هذه السيرورة المنطلقة لتوها، فالعديد من مرتكزات مشروع" إعادة البناء" الجديد، تضمنت أطروحات يمينية، سبق وأن صاغها اليمينيون الجدد ،خلال فترة "برنامجهم الانتقالي الثلاثي"، و على رأس هذه الأطروحات، تفسير الضربة التي تعرضت لها المنظمة، على أن أسبابها ترجع إلى سيادة الخط الانتهازي اليساري ( التنظير "للشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية" و التقوقع داخلها )، رفض التقييم الشامل و الاكتفاء بتقييمات جزئية و قطاعية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، تبني المنظور الفوقي البيروقراطي لوحدة المنظمة، و لدور القيادة في إعادة بنائها، التخلي عن النقد و النقد الذاتي الفردي و الجماعي للمنظمة و أعضائها، و محاسبة كل من أخل بمبادئها المنصوص عليها في النظام الداخلي، و ذلك تحت مبرر وجود خط سياسي "يسراوي" مسؤول عن التجربة، و على هذا الأساس، لم تقدم هذه القيادة التي ستدعي "الشرعية" أي تقرير عن نشاطها و مسؤوليتها التاريخية، على الأقل منذ تقرير 20 نونبر 1972، الذي جعل من شعار "بناء منظمة طليعية، صلبة و راسخة جماهيريا "مهمة مركزية. إنه الشعارالمركزي ، الذي وجه رسميا عمل القيادة من 20 نونير 1972 إلى حدود صيف 1979.

إن معالجة هذه المسؤولية التاريخية، كان يلزم القيادة، بتقديم تقييم شامل لتجربة المنظمة و لتجربة القيادة، و تقديم النقد الذاتي عن المسؤوليات التاريخية، و في نفس الوقت، إبراز الجوانب الإيجابية في خط المنظمة و تجربتها، بدل جعل "المقدمة التكتيكية "مشجبا تعلق عليه كل الأخطاء بعنوان واحد و وحيد: لقد وجدتها القيادة، و من قبلها اليمين الإصلاحي الجديد ( أوركا): إنها "الانتهازية اليسارية" !! لقد انتعشت هذه الطروحات في تربة كانت ملائمة - بحيث كان جزء من القيادة الجديدة، بعدما ظهرت بعض مظاهر مواقف انحرافية لديه ،خلال خوض الصراع مع اليمين الإصلاحي والعفويين الفوضويين، و التعامل مع قضية السرفاتي من منظور انتهازي الخ - فقد بدأت بوادر مواقف إيديولوجية و سياسية جديدة تعلن عن نفسها تدريجيا قبل التخلي، في تناقض تام مع مبادئ المنظمة المسطرة في نظامها الداخلي، دون اكثرات بتلك المبادئ و قبل أي نقاش حولها، عن فكر ماوتسي تونغ كإحدى مكونات الخط الإديولوجي للمنظمة، و في نفس الوقت التعبير عن مواقف تراجع مواقف المنظمة من التحريفية العالمية، و قد ظهر هذا في مجموعة من النقاشات مع هؤلاء حول بناء الاشتراكية، حيث ظهر الخلاف واضحا حول" نظرية القوى المنتجة" في تفسير الأخطاء، كما تبين أن هؤلاء الرفاق كانوا لا يدمجون تلك الإسهامات العظيمة للثورة الثقافية الصينية، و نفس الشيء بالنسبة لاستراتيجية حرب التحرير الشعبية ،التي تم التخلي عنها، إضافة إلى خلافات حول قضية الصحراء. إن اندماج الأطروحات الإصلاحية اليمينية التي نقلها أساسا أبراهام السرفاتي، و وجود انحرافات إيديولوجية لدى بعض أطراف القيادة الجديدة (عبد الحميد أمين و علي فقير)، شكل التربة المناسبة، بل الوعاء الذي ستعجن فيه الأطروحات التحريفية الجديدة في صيغتها الأولى. إن مشروع إعادة البناء الجديد، هو التركيب الأول للأطروحات التحريفية الجديدة، حيث اندمجت عناصر من فكر سياسي يميني (أطروحة اليمين الجديد) و بذور خط تحريفي على المستوى الإيديولوجي و الاستراتيجي.

و إذا كان أبراهام السرفاتي، ناقل الأطروحات اليمينية إلى داخل الائتلاف اليميني الجديد، خلال الفترة الممتدة من 1979 إلى 1985، فإن هذا الأخير سيصبح بعد خريف 1985، تلك القاطرة التي ستجر معها أصحاب ما سمي بمسلسل "إعادة البناء" نحو مستنقع التحريفية. و قد سارت القاطرة بسرعة فائقة، لحد أن "الوسطيين" الذين تحلقوا حول "ثلاثي القيادة الجديدة"، قد ظلوا في مؤخرة هذا التطور الذي أذهلتهم سرعته، قبل أن يلتحقوا به بكل وثوق في محطات متتالية. إن ما قام به "اليمينيون الجدد" على المستوى السياسي، سيقوم به زعيم التحريفيين الجدد، أبراهام السرفاتي،على المستوى النظري و الإديولوجي، و ذلك كمحاولة لتدمير ركائز و دعائم الفكر الماركسي ــ اللينيني، و تعبيد الطريق نحو الإصلاحية و التحريفية.

هكذا شكلت "السرفاتية"، التركيب النظري و الإيديولوجي الثاني للتحريفية، و ذلك على أنقاض، و من خلال استنبات بذور الفترة السابقة. إن "السرفاتية "هي الخط التحريفي الرئيسي الذي ظهر ببلادنا، ابتداءا من نهاية السبعينات، و ظل مهيمنا إلى حد الآن، و يلقي على عاتق الماركسيين ــ اللينينيين الثوريين المغاربة، مهمة فضحه و تعريته و دحره، و التقدم في بلورة البديل الثوري.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.