Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الثانية ــ الجزء الثالث : دراسة "مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام " " 17 فبراير 2017

Pin it!

 

 ضمن القسم الأول للجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية "إلى الأمام" “، و الذي نشر منه الفصل الأول بعنوان: “ خط "إعادة البناء (1979 ــ 1985)" : تناقضات الوضع الداخلي، سقوط التجربة و انطلاق مسلسل المراجعات". ينشر موقع 30 غشت الحلقة الثانية من هذا الجزء، و هي تتضمن الفصل الثاني بعنوان: وثائق إعادة البناء".

  

 

  

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

  

الجزء الثالث

القسم الأول

دور الأطروحات التحريفية الجديدة في مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام"

 "إن جدلية التاريخ، بما أنها انتصار للماركسية كنظرية، فهي تجبر أعداءها على التلبس بلباس الماركسيين".

 La dialectique de l’histoire est telle que la victoire du marxisme en matière de théorie oblige ses ennemis à se déguiser en marxistes

Lénine .œuvres. tome 18 . p 608

 الفصل الثاني

 وثائق "إعادة البناء"

 

الوثيقة الأولى:

"وضعية المنظمة و المتطلبات العاجلة لإعادة البناء: البرنامج الوطني"

 

حددت الوثيقة مظاهر الأزمة داخل المنظمة، و داخل الحملم، و حددت شعارا مركزيا: إعادة بناء منظمة "إلى الأمام" "كمنظمة ماركسية ــ لينينية صلبة و راسخة جماهيريا، و ذلك بناءا على مجموعة من المفاهيم و التصورات:

1-مفهوم إعادة البناء و ارتباط البناء بتقييم التجربة.

تقول الوثيقة:

"ليس مسألة إعادة البناء، بمسألة تنظيمية محضة، بل هي مهمة مزدوجة، تعني من جهة بناء منظمتنا تنظيميا،و من جهة ثانية بناء خطها السياسي، و بالتالي فإن الحديث عن البناء التنظيمي من جهة و البناء السياسي من جهة أخرى، و السؤال المطروح، هو كيف نتعامل مع هذه المهمة المزدوجة؟ كيف نعالج التناقض بين البناء السياسي و البناء التنظيمي؟ هل تكون الأولوية للبناء التنظيمي أم للبناء السياسي؟ هل نقوم بإعادة بناء التنظيم حاليا و نغفل مهمة الخط السياسي، أو نوقف عملية البناء التنظيمي في انتظار اكتمال البناء السياسي؟"

حسب الوثيقة، فالتصور الأول يؤدي إلى بناء هش للمنظمة، و بالتالي إلى إعادة إنتاج تجربة 1976- 1977، أما التصور الثاني فيؤدي إلى انتظارية قاتلة، ترهن البناء التنظيمي بالبناء السياسي، الذي لا أحد يدري أين و كيف يتم و متى ينتهي إذا ظل يجري في معزل عن البناء التنظيمي. فكيف يحل التناقض بين طرفي إعادة البناء؟

جواب الوثيقة:

"إن مثل هذا التناقض يجد حله الصحيح، إذا نظرنا إلى إعادة البناء كمسلسل، مسلسل البناء التنظيمي و السياسي للمنظمة، و الذي يتم خلاله البناء التنظيمي و السياسي، و ينطلق من حد أدنى من البناء التنظيمي (على أساس تصور أولي لمهام المنظمة: ضرورة توحيد الفروع، الأولوية للتجذر داخل الطبقة العاملة...)،و هذا الحد الأدنى، يمكن المنظمة، من جهة، من ممارسة نشاطها الفعلي في الساحة النضالية، و يمكن جميع فروعها في المساهمة الفعلية في بناء الخط السياسي. و هكذا يستمر البناء التنظيمي و البناء السياسي في تفاعل فيما بينهما، فكلاهما يقدم الآخر مما يسمح تدريجيا بتحقيق مهمة إعادة بناء منظمتنا كمنظمة صلبة و راسخة جماهيريا، و في هذا المسلسل من البناء التنظيمي و السياسي للمنظمة سيأتي المؤتمر كحدث بارز يسجل خلاصات الإنجازات السياسية و التنظيمية الحاصلة و للدفع بالمسلسل لإنجاز حلقات جديدة".

كيفما كان الحال، مسلسل أو غير مسلسل، فالعملية ستنطلق مما أسمته الحد الأدنى التنظيمي الذي يرتكز على تصور أولي للمهام، و منها ضرورة توحيد الفروع و إعطاء الأولوية للتجدر داخل الطبقة العاملة، مما يسمح حسب الوثيقة من تمكين المنظمة من ممارسة نشاطها الفعلي في الساحة النضالية، و يمكن جميع فروعها من المساهمة الفعلية في بناء الخط السياسي. بما أن المسلسل يحركه تناقض التنظيم ــــ الخط السياسي، و بما أن لكل تناقض طرف رئيسي، فالطرف الرئيسي حسب الوثيقة هو التنظيم، بما يعني أن التنظيم أولا و الخط السياسي ثانيا، علما أن المعني هنا تنظيم سياسي تعرض للقمع و التخريب و الشتات، و بدأت تنتشر وسطه مجموعة من الأفكار و الإديولوجيات، فهنا أصبحت الممارسة هي الطرف الرئيسي، أي ان الحركة كل شيء و الهدف لاشيء، أما النظرية فلا حضور لها أو هي طرف ثاني. إن عملية إعادة البناء في واقعها الحقيقي، كانت شبيهة بعملية التجميع أكثر منها عملية التوحيد، هكذا يجمع ما لا يجمع في انتظار أن يرفع!

دائما، و في إطار تحديد مفهوم إعادة البناء، طرحت مهمة التقييم النقدي لتجربة منظمة "إلى الأمام" و الحملم، كإحدى المرتكزات الأساسية لعملية إعادة البناء، و سنرى الآن كيف نظر أصحاب الوثيقة لتلك المهمة المركزية. بطبيعة الحال فهم يقدمون لنا مجموعة من الاحتمالات و الفرضيات لتحديد أكثرها صحة و صوابا :

 

- التقييم النقدي للتجربة و إعادة البناء/ علاقة جدلية.

 

- هناك تصوران خاطئان يمكن السقوط فيهما عند تناول هذه العلاقة:

1- اعتبار التقييم أولا، مما يؤدي إلى عملية مثقفية تسقط في الانتظارية و الشلل، و الحال، أن الهدف الوحيد من عملية التقييم هو توفير إحدى الشروط الضرورية لإعادة البناء.

2- المرور إلى عملية البناء السياسي و التنظيمي بالقفز على التقييم الجماعي المنظم لتجربة المنظمة و الحملم، مما يؤدي إلى تكرار الأخطاء السابقة تحت أزياء جديدة.

3- أما الموقف الصحيح، فلا يفصل عملية التقييم عن عملية البناء، لكن كيف ذلك؟ تجيب الوثيقة :

"أن نلجأ إلى التقييم الجزئي، كلما طرحت علينا عملية بناء جزئية، و لكن يكتمل مسلسل التقييم باكتمال مسلسل البناء".

إذن، فمسلسل التقييم يؤدي إلى اكتمال مسلسل البناء، و بعملية حسابية، فإن التقييم النقدي يساوي مجموع التقييمات الجزئية، و مجموع التقييمات الجزئية يساوي تقييما شاملا. هكذا، إذا انطلقنا من اعتبار" الكل أكبر من مجموع أجزائه"، و من المنهجية الديالكتيكية التي تجمع بين التحليل الكمي و التحليل الكيفي، بين التحليل و التفكيك و التركيب، و تحديد الجوهري و الثانوي و المنطقي و التاريخي، و ربط ذلك بسيرورة تحكمها تناقضات رئيسية و ثانوية تتبادلان التحديد، فإننا انطلاقا من المنظور أعلاه للتقييم، لا نجد أي تقييم حقيقي، بقدر ما نجد شذر مدر، أي مجموعة من النتف قيل عنها أنها تقييمات جزئية ،لا يجمع بينها خط رابط و منطق داخلي، و لعمري إنها قمة التجريبية، و هو ما حكم سيرورة "إعادة البناء" من بدايتها إلى نهايتها المعروفة. و من هنا،لا فائدة من التذكير، كما جاء في الوثيقة، ب"أن إعادة البناء مرتبطة بتقييم نقدي لتجربة المنظمة و الحملم ،وعلى المبادئ الماركسية الثابثة، و التجربة البروليتارية العالمية، و على المعرفة الموضوعية لواقع الصراع الطبقي في البلاد، و آفاق تطوره".

بمنظور أصحاب "إعادة البناء"، فإن عملية البناء هاته، تنطلق من حد أدنى من البناء التنظيمي الموافق لتصور أولي لمهام المنظمة، و المعتمد على تقييم جزئي لتجربة المنظمة، بما يعني أن مجموع التقييمات الجزئية تعني تقييما شاملا على أساسه تتم عملية إعادة البناء. إذن ،لا وجود للديالكتيك و لا للمنهج الماركسي ــ اللينيني، و لا لتجارب الحركة البروليتارية العالمية و لا ، و لا ... لقد حددت الوثيقة، مجموعة من المهام التنظيمية العاجلة في سياق مشروع إعادة البناء، الذي يعتمد على الحد الأدنى من التنظيم، و الحد الأدنى من المهام، و الحد الأدنى من التقييم.

 

و حول دور القيادة الوطنية:

تقول الوثيقة:

"لابد للقيادة الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، و ذلك باعتمادها على الماركسية ــ اللينينية و على المركزية الديموقراطية و على الرصيد الإديولوجي و السياسي و التنظيمي الإيجابي للمنظمة و الحملم، و تعمل على مسايرة و توجيه عمل المنظمة في مختلف الفروع التي تعاني من التفكك السياسي و التنظيمي".

 

و حول مفهوم الوحدة:

تقول الوثيقة:

"لأن الوحدة هي وحدها تشكل الإطار الصحيح الملائم للصراع الإيجابي الهادف إلى إخراج منظمتنا من أزمتها الراهنة و إعادة بنائها كمنظمة صلبة و راسخة جماهيريا، و لأن الوحدة هي الضمانة لإنجاز المهام كمنظمة موحدة مع مراعاة خصوصية كل فرد".

بعد هذا الطرح، تحدد الوثيقة الكيفية التي سيقوم عليها تنظيم الصراع الديموقراطي داخل المنظمة، خاصة و أن مطلب الديموقراطية و شعار وحدة – نقد – وحدة، كانا مطروحان من طرف العديد من الرفاق. و بطبيعة الحال، قدمت "القيادة الجديدة" "تقييما جزئيا"، لما كانت عليه المنظمة في التجربة السابقة، و مما جاء فيه :

"من بين السلبيات الهامة لتجربة منظمتنا، ضعف المساهمة الفعالة لجميع أعضائها أطرا و مناضلين في بلورة خطها الإديولوجي و السياسي و التنظيمي. لقد كان الصراع الديموقراطي المنظم شبه منعدم داخلها . مما أدى إلى وحدة سطحية للمنظمة لم تصمد أمام زوابع القمع و الخلافات في الرؤية لتجربة المنظمة و لمتطلبات الصراع الطبقي في ظروفه الراهنة."

و سنترك جانبا هذا التقييم الذي، و لاشك ، يحمل جزءا من الحقيقة، لكن دون طرح للأسباب و الجذور و العوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة في ذلك، و نعود لطرح الكيفية التي تم بها تحديد تنظيم الصراع الديموقراطي داخل المنظمة و خارجها :

 

- إصدار النشرة الداخلية المركزية (الشيوعي) إلى جانب نشرات داخلية على مستوى الفروع.

- إعطاء طابع أوسع لهذا الصراع بتوسيعه ليصل إلى باقي الفصائل الماركسية ــ اللينينية الثورية، و تتم هذه العملية عبر تبليغ النشرة الداخلية بصفة منظمة للفصائل الماركسية ــ اللينينية، و كذلك تخصيص جزء من الجريدة الجماهيرية المركزية "إلى الأمام" للصراع الجماهيري المنظم ،أي ركنا يفتح أمام جميع الثوريين داخل المنظمة و خارجها للتعبير عن وجهة نظرهم، يمكن أن تكون مناقضة لوجهات نظر المنظمة، و ذلك حول مواضيع ترى المنظمة أن فتح صراع جماهيري سيكون مفيدا في هذا الصدد لتطور المنظمة و الحملم و البروليتاريا بصفة عامة.

"إننا واثقون من أن الصراع الديموقراطي داخل المنظمة، و بالطرح الذي طرح في هذه النقطة، سيساهم في تمتين وحدة المنظمة و سيمكنها من تفادي الانقسامات و التجميد و الصراعات الفوضوية اللامسؤولة".

- إصدار الجريدة المركزية الجماهيرية "إلى الأمام" يشكل ضرورة من ضرورات إعادة بناء منظمة ماركسية ــ لينينية صلبة متجدرة وسط العمال و الفلاحين، و أن دورها هو التعريف بخط المنظمة المبلور ديموقراطيا وسطها، و المساهمة في تنظيم الجماهير و ربطها سياسيا بمنظمتنا".

لقد وقفنا أعلاه ،عند مفهوم إعادة البناء لدى هذا التيار الذي سيقود عملية إعادة البناء، و بينا جزءا من تناقضاته و هشاشة مرتكزاته، كما عرضنا للكيفية و للأساليب و الأدوات التي حددها للوصول إلى تحقيق مشروعه في إعادة البناء تحت شعار "إعادة بناء منظمة ماركسية ــ لينينية صلبة و راسخة جماهيريا".

 

1-اليمين الجديد و استغلال الشرعية من أجل الانفراد بكل شيء

 

منذ هذه اللحظة أصبح أعضاء اللجنة الوطنية يطلقون على أنفسهم مصطلح القيادة الوطنية ، و هو مصطلح غريب عن أدبيات المنظمة، و أصبحت عبارة "رفيق قيادي" ذات رنين... لم يأت ذلك صدفة، بل قام هؤلاء باستنساخ تجربة "تقرير 20 نونبر"، بإعطائهم دورا مركزيا مطلقا للقيادة لتقوم بإعادة بناء المنظمة ك "منظمة ماركسية ــ لينينية صلبة و راسخة جماهيريا"، بل ذهب بهم الأمر إلى تشبيه ورقتهم بوثيقة 20 نونبر 1972، التي قامت بإنجاز تقييم شامل لتجربة المنظمة، و إصدار خلاصات و قرارات و إجراءات تنظيمية و سياسية لإعادة بنائها، و لا مجال للمقارنة بين الوثيقتين، فهل قدمت وثيقتهم تقييما شاملا حقا، أو تقريرا شاملا عن الاعتقالات و تسلسلها و المسؤوليات التي يتحملها أعضاء التنظيم و أطره و قيادته و هياكله، و هل ربطت ذلك بالخط السياسي أولا، و حددت طبيعة هذا الخط السياسي، و بناء على وضوح سياسي، مستندا على دروس التجربة تم تحديد مهمات سياسية و تنظيمية للدخول في إعادة بناء المنظمة؟

كل هذه الأسئلة و غيرها، تجعلنا نحكم على هذا الرأي الخاطئ لسبب بسيط، و هو أنه لا قياس مع وجود الفارق، و الفارق هنا ليس شكليا بل نوعيا، و سواء في هاته الوثيقة، أو فيما قبلها، كان هناك ادعاء بضرورة تطبيق المركزية الديموقراطية، لكن المدقق في مجريات الأمور، لن يجد سوى مركزية بيروقراطية فوقية محتكرة لكل شيء.

 

2-"الشرعية" و"الوحدة" كدعامة لمركزية مفرطة

 

انطلاقا من مفهوم "الشرعية" سيصبح كل نقد هو نزع ل "شرعية القيادة"، بما يعني أن القيادة أصبحت تفعل ما تشاء، و الأمر هنا يتعلق بالانفراد بإعادة البناء.و لإدراك هذا الأمر يمكن التذكير بما يلي:

بعد الوصول إلى حي (أ1)، قامت مجموعة من "اللجنة الوطنية" القادمة من حي (ج)، و معها عبد اللطيف اللعبي الذي تم استعماله، رغم وضعه التنظيمي الذي تم إخفاؤه عن الرفاق، بتدشين نهج تنظيمي جديد، حينما دعوا إلى اجتماع بين الرفاق المسؤولين في حي( أ ) و حي (ج)، و دعوا أبراهام السرفاتي لحضور هذا الاجتماع، في تجاهل تام للمعطيات التنظيمية، و دون استحضار لخطورة الأخطاء التي ارتكبها هذا الأخير، و للخلافات القائمة بينه و بين رفاق الفرع، و هو صاحب نظرية "التوجيه و التسيير" الشهيرة... هكذا أعاد هؤلاء الرفاق أبراهام السرفاتي إلى قيادة المنظمة، مستغلين "شرعيتهم"، و هذا مثال صارخ على ما يطلقون عليه ب"المركزية الديموقراطية".

لقد أسس مهندسو "إعادة البناء" مفهومهم للقيادة و دورها المركزي،عبر استنساخ الدور الذي أعطاه تقرير 20 نونبر 1972 ل "اللجنة الوطنية" للمنظمة،أي استحضار دور المركزية في عملية إعادة البناء. و في ظل شعار "إعادة البناء" الذي حدده هؤلاء الرفاق، أصبحت هاته المركزية مطلقة، و كما رأينا أعلاه، فعملية "إعادة البناء" تقوم على حد أدنى سياسي و تنظيمي، يقوم بدوره على تقييم أولي أو جزئي للتجربة و مهام أولية. بهذا المعنى الذي حددنا طبيعته سابقا،أصبح بإمكان هذه القيادة أن تقزم مساهمة تنظيمات المنظمة، و تبعد عنها أي نقاش أو صراع سياسي و فكري، يهدف بالفعل إلى إعادة بناء الخط السياسي و التنظيمي و الاستراتيجي للمنظمة، و خلال الصراع حول هذا الموضوع، سيصبح ما اصطلح عليه ب "الحد الأدنى من البناء السياسي و التنظيمي" "حق القيادة" في الانفراد بإعادة البناء، و إقصاء وجهات النظر الأخرى المخالفة ( مثل وجهة نظر "أصحاب التقييم الشامل و إعادة البناء") ، و كذلك تصبح "القيادة" تبني التنظيم"، و ما على الآخرين سوى الاحتفاظ بآرائهم. بالإضافة إلى مفهوم الشرعية، و استعمال مفهوم المركزية استعمالا بيروقراطيا، ثم استعمال شعار "وحدة المنظمة فوق كل شيء" و تحت غطائه، تم رفض النقاش السياسي العام لمدة طويلة، و ذلك بمبرر وجود تناقضات ستفجر المنظمة، و لذلك أصبح شعار الوحدة الفوقية البيروقراطية المفروضة و الفارغة من أي مضمون حقيقي هو نهج "القيادة الجديدة". و بعد معارك طويلة، و نضال مستميت من طرف مجموعة من الرفاق، تم القبول بالنقاش عبر تشكيل مجموعات أو لجان للنقاش مع تمييع هذا الأخير، و جعله لا نهائيا وبدون أهداف، في وقت، بدأ فيه أصحاب هذا النهج، في الشروع في "إعادة البناء". هكذا بدأت الأخبار والمعطيات تتوارد على الرفاق،الذين أصبحوا أمام أمر واقع ، لقد انطلقت "القيادة"في إنجاز مشروعها، كما هو الحال بالنسبة للإعلان عن إصدار جريدة "إلى الأمام"، دون أية مناقشة للأرضية السياسية لتلك الجريدة، و أن مناقشة الرفاق لها لا تتم إلا بعد إصدارها، و قد مورس نفس الأمر عند التعامل مع الأرضيات المختلفة.

 

الوثيقة الثانية:

المهام العاجلة لمنظمتنا  

 

حددت الوثيقة مجموعة من المهام أسمتها بالعاجلة، و طرحتها للنقاش، و عموما، تظل الوثيقة إحدى أهم الوثائق التي استند عليها مشروع "إعادة البناء"، و لم تغير "النقاشات" اللاحقة في جوهرها، و لذلك اعتبرناها إحدى أهم الأوراق التأسيسية ل"إعادة البناء".

- المهام الجماهيرية للمنظمة:

في تطرقها لشعار "التجدر داخل الطبقة العاملة" و الجماهير، تؤكد الوثيقة على دور الندوة الوطنية في تدقيق هذا الشعار، بعدما كان عائما في ظل خط العفوية. لقد اختارت الوثيقة إذن أن تنطلق من الندوة الوطنية ، و هي بذلك، تقفز على أهم المراحل في تطور الخط السياسي لمنظمة "إلى الأمام"،و خاصة بعد "تقرير 20 نونبر"، و ما تلاه من وثائق سياسية أخرى.

- هل يتعلق الأمر بمجرد صدفة، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ في انتظار الجواب طرحت الوثيقة سؤالا هو:

"لماذا فشلت المنظمة رغم تبنيها هذا الشعار في تحويله إلى واقع ملموس، لماذا كانت المنظمة ترفع شعار "التجدر وسط الشبيبة المثقفة"؟

جواب الوثيقة:

"إن تقييما نقديا صريحا لتجربة منظمتنا هو الذي يمكننا من الجواب على هذا السؤال، و هو الذي يمكننا في نفس الوقت من استخلاص دروس ثمينة تجنبنا من السقوط مجددا في الأوهام و المنزلقات و الممارسات البورجوازية الصغيرة التي سقطت فيها منظمتنا. إن هذا التقييم كفيل بفرز الأسباب الموضوعية و التركيب الطبقي البورجوازي الصغير للحملم و الاستقلالية النسبية لحركة الشبيبة المثقفة من المكونات الأخرى للحركة الجماهيرية، سواء العمالية منها أو الفلاحية حيث انعدمت في الواقع الموضوعي شروط التحام عضوي لحركة الشبيبة المثقفة بالحركة العمالية... و الأسباب الذاتية (انغلاق نشاط الحركة الماركسية ــ اللينينية في حدود الشبيبة المثقفة و التنظير لهذا الانغلاق بأطروحة "الشبيبة المدرسية تشكل الطليعة التكتيكية للجماهير"). لقد اعتبرت المنظمة و الحملم بصفة عامة أن التجذر وسط الجماهير الأساسية يمر عبر التجدر وسط الشبيبة المثقفة لأن هذه الأخيرة تشكل الطليعة التكتيكية و هكذا دخلنا في دوامة مفرغة تبني التنظيم وسط الشبيبة المثقفة، و يأتي القمع لتحطيم ما بنيناه، ثم نعيد البناء دون الاستفادة من تجربة الماضي، ليأتي القمع ليحطم ما أعدنا بناءه.".

رغم الاعتراف بغياب التقييم النقدي الصريح لتجربة المنظمة، تدخل الوثيقة في تحديد الجواب، و ربطه بأطروحة الشبيبة المدرسية كمقدمة تكتيكية ...ثم تقفز في الهواء، عابرة للزمان من الندوة الوطنية إلى سنة 1978 – 1979،حيث ساهمت نضالات الحركة الجماهيرية و الطبقة العاملة، بالإضافة إلى القمع، و ما ولده من أزمة، في تحطيم هذه الأطروحة، و كذلك الأطروحة الجديدة القائلة بالتجدر وسط البورجوازية الصغيرة للمرور إلى الجماهير (أطروحة جبهة القوى الثورية و الديموقراطية) ،إذن هناك تاكيد على أطروحة التجدر المباشر وسط الطبقة العاملة ،عبر التواجد المباشر معها في مواقع الإنتاج... بعد هذا، انتقلت الوثيقة إلى اعتبار تجربة "الاحتراف الثوري"، جملة و تفصيلا، تجربة ذات طابع شبكي، دون الوقوف على هذا الطابع الذي دعت إلى تجاوزه، ثم تم التأكيد على أخطاء أخرى سقطت فيها الحملم و المنظمة، من قبيل أساليب العمل البوورجوازي الصغير، بالارتباط بالخط السياسي الخاطئ للمنظمة في العمل الجماهيري و التنظيمي، و من أمثلة ذلك، أساليب العمل الفوقي، كالصراخ ضد البيروقراطية النقابية ،و القيادات الإصلاحية في النقابات العمالية.

لو استعدنا، ما جاء في طرح أصحاب "إعادة البناء" على شكل خطاطة، سنحصل على ما يلي:

أطروحة "الشبيبة المدرسية مقدمة تكتيكية" ← تقوقع داخل فئات بورجوازية صغيرة← فشل التجدر داخل الطبقات الأساسية (عمال، فلاحون)← السقوط في بنية تنظيمية شبكية مثل (الاحتراف الثوري الذي كان، حسب الوثيقة، شبكيا)← تجاوز الأطروحات البورجوازية الصغيرة ( ش.م = مقدمة تكتيكية، جبهة القوى الثورية و الديموقراطية) و التجدر← الذهاب مباشرة إلى الطبقة العاملة و الالتحاق بمواقع الإنتاج ← تغيير أساليب العمل البورجوازية الصغيرة ← إنجاز التجدر= الخروج من الحلقة المفرغة التي سقطت فيها الحملم و المنظمة.

في غياب تقييم نقدي شامل، و بتجاهل للفترة التاريخية، خاصة تلك الممتدة من نونبر 1972 إلى اعتقالات 1976،و بالاحتكام فقط إلى ما جاءت به الندوة الوطنية، قام أصحاب الوثيقة بتقديم عصارة ما يعتبرونه خطا مميزا للمنظمة على المستوى السياسي (الخط الجماهيري الخاطئ) و التنظيمي (تنظيم شبكي أي تنظيم بورجوازي صغير)، و هذا كل ما يستطيع أن يقدمه أصحاب "إعادة البناء" كتصور أحادي لتجربة المنظمة.

هذا إذن، كل ما كان في جعبة أصحابنا، و هو خليط من الانتقائية و النظرة الأحادية الجانب، و عدم إدراك جوهر الخط السياسي، و علاقة الخط السياسي بالخط الاستراتيجي، و بالخط التنظيمي، و بالبرنامج الثوري للمنظمة،كل هذا في ترابط جدلي مع معطيات الصراع الطبقي في تلك الفترة.

فالتبسيطية هنا، هي البتر، و التعامل المبتذل مع التاريخ الثوري للمنظمة، لصالح أطروحة جديدة ستدعي لنفسها الوضوح، في وقت ستعمل فيه على التنظير للتجريبية، و انتظارية مميتة، نتيجة إسقاطها للطرح الاستراتيجي، و إفراغ الإديولوجية الماركسية ــ اللينينية من مضمونها الثوري، لتسقط المشاركين في "إعادة البناء" في وعاء مغلق، كان في عمقه و جوهره، خطا داخليا، يقوم على بناء تنظيم خارج الكفاحات و النضالات الجماهيرية، بما مثله من انتكاسة للخط الثوري للمنظمة. و لعل هذا ما يسمونه بالتقييم الأولي للتجربة، الذي لا يسلح أحدا بالرصيد النضالي للحملم و المنظمة، و لعل هذا كذلك، ما أسقط أصحابنا في عدمية قاتلة، الشئ الذي تبرهن عليه الكثير من أدبياتهم، حينما كان المناضلون يعتقدون أن القيادة تملك كل الأجوبة، و بالتالي تعتبر أجوبتها لا يشوبها شائب، و لا يحيطها الباطل،لا من أمامها و لا من خلفها، لقد كان المناضلون يطرحون الأسئلة و لا يجدون جوابا، إنه استغلال للثقة بكل ما للكلمة من معنى.

تنطلق الوثيقة، و لا شك كباقي الوثائق التي تهم إعادة البناء، من نقد "العدمية" و الأطروحات الإصلاحية التي دعت إلى بناء جبهة القوى الثورية و الديموقراطية، كصيغة جديدة للارتباط بالجماهير و تحقيق التجدر، معتبرة في نفس الوقت أن المسؤول عن فشل التجربة هو الخط "الانتهازي اليساري" الذي ساد داخل المنظمة، و من تم ضرورة محاربته . و قد اعتبر هذا الخط أطروحة المقدمة التكتيكية، و حتى "الشبكية"، من مظاهر "الانتهازية اليسارية"، و السؤال المطروح : ألا يوجد قاسم مشترك بين الاتجاهات الثلاث: الإصلاحي، العدمي و دعاة "إعادة البناء"، رغم أن الأخيرين تلافوا نعت الخط السائد باليسراوية بشكل واضح ؟ فما الجواب على ذلك؟ : إن المشترك هو مهاجمة الخط الثوري للمنظمة من طرف التيارات الثلاثة، باعتباره كان خطا بورجوازيا صغيرا، و المشترك بينهم كذلك، يتمثل في كونهم لم يقيموا أي تصور من تصوراتهم على أساس تقييم شامل للتجربة، و قد كان لكل تيار مصلحته في ذلك. لقد حاربت الأطراف الثلاثة فكرة التقييم الشامل، لهذه الأسباب و غيرها.

 

3-أصحاب إعادة البناء و التجدر وسط الطبقة العاملة

 

عالج أصحاب "إعادة البناء" مهمة التجدر وسط الطبقة العاملة، من خلال مجموعة من القضايا، كالمفهوم اللينيني للطليعة البروليتارية، و النظرية الماركسية للمعرفة، و الكيفية التي يتم بها التجدر، و علاقة التجدر بالعمال و الفلاحين...

 

- المفهوم اللينيني للطليعة البروليتارية عند أصحاب نظرية "إعادة البناء":

تتكون هذه الطلائع البرولتيارية، حسب الوثيقة، داخل عمال المناجم و المؤسسات الصناعية الكبرى، و بتعريف الوثيقة :

"فإن مكاسب نضال هذه القلعات البروليتارية ترفع مستوى المعرفة الحسية لعمال هذه المؤسسات و تشكل قاعدة مادية لبروز و تنامي الوعي الطبقي البروليتاري".

هذا فيما يخص الوعي الطبقي السياسي لدى هذه الطلائع، أما فيما يخص أرضية بناء الحزب البروليتاري فتقول الوثيقة:

"إن انصهار المثقفين الثوريين المتبنين لمواقف البروليتاريا و الذين تصلبوا في إطار نضال منظماتهم الماركسية ــ اللينينية مع هؤلاء العمال الطليعيين هو الذي يشكل أرضية بناء الحزب البروليتاري".

لا يمكن الحديث عن المفهوم اللينيني للطليعة البروليتارية كنواة أساسية للحزب، دون الحديث عن أسس هذا الحزب، أي الإجابة عن سؤال : مما يتشكل الحزب ؟ هل من الطليعة فقط ؟ أم من مستويات مختلفة من الوعي و الممارسة و التنظيم؟

إن التنظيم اللينيني ليس تنظيما نخبويا فوق الجماهير، و لا تنظيما ذيليا للجماهير، بل يوجد في قلب جدلية الطليعة و الجماهير، و هو بهذا المعنى حزب جماهيري ثوري، و ليس حزبا "اشتراكيا ديموقراطيا" بالمعنى الألماني، أو" تريديونيا " بالمعنى الإنجليزي، أو عفويا بالمعنى "اللوكسمبورغي".

و قد ساهم ماو تسي تونغ في تثوير معنى الحزب الشيوعي في علاقته بالجماهير، من خلال بلورته لخط الجماهير، على قاعدة المادية التاريخية و المادية الجدلية.

و في معرض حديثهم عن التجدر وسط الطبقة العاملة، فقد استعان أصحابنا بالنظرية الماركسية للمعرفة، للتطرق إلى موضوعة التبلتر عند المثقف الثوري، الذي يذهب إلى الطبقة العاملة، لكن نسوا أو تناسوا الكيفية التي يتبلور بواسطتها الوعي الطبقي السياسي الثوري لدى الطبقة العاملة.

إذا كان "الاقتصادويون" أو "التراديونيون" يركزون اهتمام العمال على مشاكلهم مع الباطرون، في إطار نظرة لا تولد إلا "وعيا تراديونيا"، فإن تركيز علاقة العامل الطليعي فقط بالمثقف تولد فهما نخبويا للعلاقة بينهما أولا (المثقف هو الأستاذ الذي ينقل المعرفة جاهزة إلى البروليتاري أي أنه مالك للحقيقة، و يقوم بضخها في عقله) ،أما ثانيا،فتضع هذه الأطروحة، العامل خارج العلاقات الطبقية التي تجعله، يكتسب وعيا سياسيا ثوريا، مرتبطا بمصالح طبقته الآنية و البعيدة،أي أن يتعلم كيفية محاكمة كل المواقف و الخطابات الأخرى التي تخفي مصالح طبقية محددة، و لذلك ذهب بعض المثقفين إلى المعامل، و لكن سرعان ما خاب ظنهم، و غادروا تلك المعامل، و ظلوا غير قادرين على فعل أي شيء.

و في إطار منظور جديد، فصلت الوثيقة، مهمة التجذر وسط الطبقة العاملة عن مهمة التجدر وسط الفلاحين، أي علينا أن نتجدر أولا في الطبقة العاملة، و بعد ذلك ننتقل إلى الفلاحين، و كان هذا مخالفا للطروحات الأمامية السابقة، التي قامت على تحاليل محددة، بينما قدم أصحابنا تصورهم الجديد دون تحليل يبرر ذلك.

و عموما، تم التنظير لمهمة "التجدر"، ضمن تصور يقوم على نبذ التحريض، و التركيز على الدعاية فقط، و رفض العمل السري بالمعنى الأمامي، دون إعطاء بديل حقيقي،يقوم على تحليل علمي رصين. و كل هذا، في سياق مراجعة مواقف المنظمة من القوى الإصلاحية، و السكوت عنها، و تكوين الأطر في "وعاء مغلق"، ضمن ما يسمى "بتثوير الحركة الطلابية".

و إذا كان هذا المنظور العام قد تميز بالمرحلوية في تصوره لعلاقة "التحالف العمالي الفلاحي" (التجدر على مرحلتين) فالاقتصادوية كانت هي الأخرى سمة لهذا المنظور، لكيفية تحديد القلعات البروليتارية، و نشوء الوعي البروليتاري الطبقي، و تتجلى ميكانيكية هذا المنظور في طرحه لنشوء الوعي مباشرة من العوامل الموضوعية، و غياب أي طرح لمفهوم الصراع الطبقي، مما أسقط التصور في تحريفية فجة، كما يتسم كذلك بالنخبوية. لقد ساهمت هاته الانحرافات في ظهور نزعة عمالوية بورجوازية صغيرة لدى دعاة "إعادة البناء".

تؤدي هذه النظرة و مثيلاتها، إلى بناء الحزب داخل الطبقة العاملة فقط، في غياب جدلية التحالف العمالي ــ الفلاحي، الشيء الذي أعطى بالفعل"حزبا متقوقعا داخل الطبقة العاملة على المستوى النظري" و في الأوراق بطبيعة الحال، فحصل عجز عن التجدر داخل الطبقة العاملة، و أما الانتقال إلى الفلاحين فحدث و لا حرج، لقد كان هذا تعبيرا عن العجز في بلورة خط سياسي ثوري شامل.

بجوابهم القائل بالذهاب إلى الطبقة العاملة مباشرة، من خلال إرسال "مثقفين ثوريين" تم "تثويرهم" في الجامعات، فشل أصحاب"خط إعادة البناء" في تحقيق التجدر، لأنهم افتقدوا الحلقة الرئيسية المتمثلة في التقييم الشامل للتجربة، مما أسقطهم في "تجريبية" قاتلة، ساهم في تعميقها، غياب خطة سياسية مركزية، تقوم على جدلية الدعاية ــــ التحريض ــــ التنظيم اللينينية. و ما فشل "الجريدة المركزية" في لعب أي دور من هذا القبيل، إلا تعبيرا عن تلك الرؤية المنحرفة لإعادة البناء و التجدر، ففي ثلاثية الدعاية ــــ التحريض ــــ التنظيم ، هناك أسبقية للممارسة الثورية ،لكن في إطار شعار "لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية".

لقد حرم منظرو إعادة البناء العديد من المناضلين، من تلك البوصلة الضرورية لتحقيق مهامهم الثورية، و تحملوا بذلك مسؤولية تاريخية في ضرب المنظمة و تصفيتها بالداخل.

 

الوثيقة الثالثة: القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية

بعض الملاحظات:

 

خلافا لكل المفاهيم الاستراتيجية للفكر الماركسي (انظر ماركس، انجلز،لينين،ستالين، ماو ...) ، تتكلم الوثيقة عن ما تسميه باستراتيجية الثورة المغربية في وعاء فارغ مغلق، تنعدم فيه كل الأبعاد الأساسية لتحديد استراتيجية ثورية، كالبعد الأممي للثورة العالمية، تناقضات النظام الامبريالي و انعكاساتها على المغرب، طابع الثورة المغربية و علاقتها بمحيطها المغاربي و العربي، بما يعني آفاقها سواء الديموقراطية الشعبية، أو الاشتراكية. هناك تخلي عن هذه الجوانب، مما يجعل هذا"الفكر الاستراتيجي" معزولا عن كل ما يمور داخل الحركة الثورية و الشيوعية العالمية، بانتصاراتها و إخفاقاتها، و بدل تحليل ملموس للواقع المغربي، و استخلاص دروس الحركة الماركسية ــ اللينينية، هناك قوالب جامدة مكرورة حول الوضع الطبقي في المغرب ... ثم هناك بعض الأخطاء، فيما يخص تحديد التناقضات الطبقية بالمغرب، خاصة فيما يتعلق بالتناقض الأساسي و علاقته بالثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، و مما جاء في هذا المضمار:

"إن التناقض الأساسي في مجتمعنا هو التناقض القائم بين المعسكر الرجعي المشكل من الامبريالية و البورجوازية الكمبرادورية و ملاكي الأراضي الكبار، و الجماهيرالشعبية التي تضم الطبقة العاملة و الجماهير الفلاحية و الجماهير شبه البروليتارية و البورجوازية الصغيرة، أما موقع البورجوازية الوطنية في هذا التناقض الأساسي فهو معقد و يتغير حسب الشروط الملموسة للصراع الطبقي، و بصفة مختصرة يمكن القول أن الجناح التقدمي في البورجوازية الوطنية يمكن أن يلتحق رغم تذبذباته بمصاف الجماهير الشعبية، بينما الجناح المحافظ يمكن أن يلتزم الحياد أو يتم اجتذابه من طرف المعسكر الرجعي.

إن التناقض الأساسي لا يتجلى فقط من خلال المصالح الموضوعية للطبقات الاجتماعية، لكن كذلك من خلال صراعات طبقية ملموسة و التي جسدت على العموم، التناقض بين الجماهير من جهة و الامبريالية و البرجوازية الكمبرادورية و ملاكي الأراضي الكبار من جهة أخرى. إن الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية تشكل الحل التاريخي لحسم التناقض الأساسي في مجتمعنا."

هناك أخطاء في التحليل، ناتجة عن الخلط بين التناقض الأساسي داخل التشكيلة الاجتماعية المغربية، و بين التناقض الرئيسي المحدد للمرحلة الإستراتيجية،و بالشكل الذي أصبحت فيه البرجوازية الوطنية غير ذات معنى، ما دام التناقض الأساسي يتم حله بالثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية (منطقيا تصبح البرجوازية الوطنية خارج هذا الحل). تضمنت الوثيقة كذلك، تغييرا استراتيجيا، فيما يخص موقف منظمة "إلى الأمام"من قضية الصحراء، نعني هنا تخلي النص عن "استراتيجية الثورة في الغرب العربي"، دون تقديم أي تقييم لذلك ،كما جاء في محاور الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية:

"مساندة كفاح الشعب الصحراوي في تقرير المصير و الاستقلال و النضال من أجل وحدة بلدان المغرب العربي، وحدة ديموقراطية، نابعة من إرادة جماهيرها الشعبية".

تغيب في هذا النص أي أرضية لهذا الموقف الجديد الذي تم بثه هكذا.

و فيما يخص أسلوب حسم السلطة تقول الوثيقة:

"إن أسلوب العنف الثوري الصحيح هو العنف الجماهيري"

"إن العنف الثوري الجماهيري يجب ان يكون منظما حتى لا يتم السقوط في العفوية التي تؤدي إلى إهدار الطاقات الثورية الجماهيرية ثم إلى الفشل ثم إلى اليأس"

ستتبنى الوثيقة ما أسمته باستراتيجية "العنف الجماهيري المنظم"، و لتبرير تخليها عن"استراتيجية حرب التحرير الشعبية"، لجأت الوثيقة إلى مجموعة من المقارنات تقول فيها:

"إن الثورة الشعبية ببلادنا ستكون من صنع الجماهير الثورية في المدن و البوادي، خلافا للصين أو الفيتنام خلال النصف الأول من هذا القرن، و اللذين كانا بلدين فلاحيين (10% فقط من السكان في المدن، بروليتاريا قليلة عدديا)، فإن بلادنا تتوفر على طبقة عاملة قوية بالمقارنة مع البلدين المذكورين آنذاك، و تتميز بكون 40 % من سكانه يوجدون في المدن، و هذه النسبة ترتفع باستمرار و بسرعة ، ففي الصين و الفيتنام لعبت البادية و الفلاحون الدور الرئيسي و الحاسم في الثورة، بينما ظل دور المدن رغم أهميته ثانويا بالنسبة للبادية، أما في المغرب فإن المدن ستلعب دون شك نظرا لأهميتها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و لطاقاتها البشرية دورا هاما جدا في الثورة من بدايتها (هذا تؤكده التجربة التاريخية للمقاومة ضد المستعمر بالمدن و كذا الطاقات الثورية التي تفجرت في المدن خلال سنوات الاستعمار الجديد) إلى نهايتها، كما أن البادية ستلعب هي الأخرى دورا لا يقل أهمية عن دور المدن و ذلك نظرا لطاقاتها البشرية و الاقتصادية و للدور السياسي و النضالي لجماهير العمال الزراعيين و الفلاحين"

"إن أشكال العنف الثوري الجماهيري المنظم متعددة، فهناك مثلا الانتفاضة الجماهيرية المسلحة كما حدث خلال ثورة أكتوبر1917 المجيدة، هناك حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد و التي أدت إلى انتصار الثورة الصينية و الفيتنامية، هناك الشكل الذي اتخذه العنف الثوري مع الثورة الساندينية بنيكارغوا الذي يدمج بين الشكلين السابقين مع الاختلاف عنهما معا..."

و حول سؤال"أي شكل من العنف الثوري الجماهيري المنظم يصلح إذن لبلادنا؟" يأتي الجواب كالتالي:

"أما في الفترة الحالية فإن تبني صيغة العنف الثوري الجماهيري المنظم كافي للقيام بجميع مهامنا الثورية، السياسية و التنظيمية و النضالية لمنظمتنا، و على رأسها إنشاء منظمتنا كمنظمة شيوعية، مكافحة، صلبة، متجذرة وسط العمال و الفلاحين."

هكذا تخلى منظروا "إعادة البناء" عن أي استراتيجية ثورية، وأعادوا عقارب التاريخ إلى الوراء، حينما، كان اليسار الثوري الماركسي ــ اللينيني عند نشأته، يعتبر أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يمتلك استراتيجية ثورية، و تم ترديد القولة الشهيرة لليسار الثوري حول "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " بالقول "غياب الاستراتيجية استراتيجيته" و هذا ينطبق على منظري البورجوازية الصغيرة الجدد، حينما جعلوا من غياب الاستراتيجية، استراتيجية في حد ذاتها.  

 

الوثيقة الرابعة:

"في تقييم التجربة ... قضايا تنظيمية"

 

كتبت هاته الوثيقة في شتنبر 1981، و هي عبارة عن نص معروض للنقاش في جريدة الشيوعي، يعالج ما أسماه صاحبه أو أصحابه، بتقييم التجربة التنظيمية، و أهم أخطائها.

لقد تطرقت الوثيقة إلى مرحلة 1970- 1972، دون إدراك لجوهر الخط السياسي الذي ساد في تلك المرحلة، و لم تخصص سوى ستة أسطر لتلك الفترة، و مما جاء فيها:

"لقد عاشت المنظمة مرحلة اللامركزية منذ نشأتها إلى حدود إنجاز "تقرير 20 نونبر"، و اللامركزية في المجال التنظيمي، كانت الترجمة العملية للمفاهيم السياسية و القناعات الإديولوجية المشكلة لدى أعضاء المنظمةآنذاك: فالثورة على الأبواب، و مفهوم الانطلاقة الثوريةللجماهير، كل ذلك، و غيره، تحكم سياسيا في أعضاء المنظمة، و الرؤية الميكانيكية لأوضاع الجماهير، و لمهمات الثوريين، تحكم إديولوجيا في هؤلاء الأعضاء".

و فيما يخص مرحلة ما بعد "تقرير 20 نونبر" 1972 إلى حدود اعتقالات 1976 يقول: "لقد تميز "تقرير 20 نونبر"، و مشروع النظام الداخلي، بالتنظير للتشديد على المركزية، و قد تجلى ذلك في الممارسة فيما بعد. كما اتسم "تقرير 20 نونبر" بعرضه لمسألة الشبيبة المدرسية ، بل أدخلها ضمن حيثيات الخط السياسي للمنظمة. ففي هذا التقرير تم التركيز على نضالات الشبيبة المدرسية، و دور هذه النضالات في "تصحيح" مفاهيم الرفاق آنذك. و استنتج التقرير أن هذه النضالات، أدت إلى التأكيد على صحة أطروحتنا حول دور حركة الشباب الثوري المدرسي كمثقف عضوي للجماهير الكادحة ، و المعبر عن الوعي الحي لهاته الجماهير، بحكم ارتباطها عضويا. و على أساس هذا المنظور الجديد، صاغ التقرير خلاصته في المجال التنظيمي مفادها "أن التنظيم هو تجسيد للخط السياسي و بلورة القوى المتقدمة في كل مرحلة من تفجير الطاقات الثورية الجماهيرية" (التسطير من عندنا).

هكذا تم التنظير لدور الشبيبة المدرسية، و بذلك، و من خلال انحصار المنظمة في هذا القطاع ، ستفرز بنية تتماشى مع هذا الواقع الجديد، بنية آخذة في التسلسل الهرمي ذات برامج مثقفية، يتم الانتقال من إطار إلى إطار أعلى منه، كلما أنجز البرنامج التثقيفي ... فكان الاستقطاب و الاندراج في السلم التنظيمي، يعتمد على مقاييس مثقفية.

هذا الواقع خلق علاقات داخلية تتميز: بغياب الصراع السياسي و الإديولوجي و سيادة "المونولوتيزم" (تطلق كلمة المونولوتيزم في حقل الفكر السياسي الماركسي على كل تصور للخط السياسي و الفكري ينبذ الخلاف و يؤكد على الوحدة بدون نقد و إعطاء القيادة الحق في كل شيء مما يؤدي إلى تكلس الأفكار و الدوغمائية و موت الحياة الداخلية للتنظيم أو الحزب ...)، بل تربية المناضلين على نبذ الصراع، و ترسيخ في أذهانهم أن كل صراع هو انحلال لأن خط منظمتنا سديد، و المفلسون هم الآخرون (غالبا ما يكونون هم "23 مارس").

لقد جاءت الاعتقالات لتبرز مدى هشاشة المنظمة، و كذلك الانهيارات التي عرفها أعضاء المنظمة. إن الإعتقالات، و ما تبعها يشكل درسا أساسيا، و هو، ليست مسألة صمود المنظمة مرهونة بمدى الإتقان و الإبداع في تقنيات العمل التنظيمي، إنما المسألة تتعلق بنوعية القناعات التي يدافع عنها ذلك التنظيم، و كيف تمت بلورتها عند أعضائه. و لهذا فالتنظيم قبل ان يكون مشكلا تقنيا (ربط العلاقات و تقنيتها)، فهو مشكل خط سياسي مجسد في طبيعة العلاقات السياسية بين أفراد التنظيم، و في طبيعة العلاقات السياسية بين أفراد هذا التنظيم و الجماهير.

فإلى حدود 1976، أصبحت المنظمة عبارة عن شبكة من المناضلين، يعملون ضمن هيكلة معقدة، مثقلة بدورها بمشاكل كبيرة و صغيرة، ناهيك، على أنها كانت في وضعية أمنية مهزوزة جدا.

- تفشي المركزية البيروقراطية، قيادة مفكرة و قاعدة منفذة، قيادة لا تقوم بالنقد الذاتي و قاعدة لا تطالبها بذلك.

فكان من الطبيعي أن تبرز انحرافات و أخطاء كبيرة:

- ضعف نظري و سياسي مدقع، و سيادة الدغمائية و التجريبية كالنظر إلى قضايا المغرب من خلال ما كتب عن روسيا و الصين!!

- سيادة "المونولوتيزم" و نبذ الصراع، و اعتبار كل من له رأي مخالف (إذا وجد) له غموض، و مشوش، و غير مستوعب للخط السياسي للمنظمة.

- التهام جل وقت المنظمة و مجهوداتها من طرف مشاكل المنظمة في المجال التنظيمي.

تمثل الوثيقة، نموذجا صارخا ، معبرا عن تخبط المناضلين في محاولاتهم تقييم التجربة التنظيمية للمنظمة، و تزخر الورقة كذلك بالعديد من "التحف"، فهي عندما تريد أن تنتقد إحدى المقولات التي أثرت على عمل المنظمة، تقوم بنسبتها إلى لينين بالمعنى الحرفي و مما نقرِأه:

"إحدى المقولات السائدة عندنا والمنقولة من "ما العمل"، هذه المقولة التي أوردها لينين في مصارعة الاقتصادوية كتيار سائد وسط الاشتراكيين الديموقراطيين الروس آنذاك و هي : "إن معضلة الثورة المغربية تتمثل في الفارق النوعي بين مستوى الحركة الجماهيرية و مستوى الحركة الماركسية ــ اللينينية و تخلفها كأداة للثورة".

لعلنا نلتمس بعض العذر لمن كتبوا الورقة، لكننا نعود لنستخرج تناقضا آخر، لما أرادت الورقة أن تقيم هذه المقولة و أثرها على نشاط المنظمة حيث تقول:

"إن هذه المقولة بالنسبة لنا خاطئة و صالحة في نفس الوقت.

خاطئة لأنها توهم بأن الجماهير متقدمة نوعيا عن الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، بصدد التوجه نحو الثورة، و هذا يؤدي إلى تصور ساذج و سطحي لهذه الجماهير، و يؤدي إلى تقديس الجماهير، بل يدفع إلى تحديد مهمات لا علاقة لها بالواقع، و إغفال مهمات أولية و ضرورية بالنسبة للجماهير".

و للبرهنة على ذلك جاء في الوثيقة ما يلي :

"فلنأخذ مثلا الدعاية و التحريض، فبما أن الجماهير متقدمة نوعيا كانت دعايتنا (في غالبيتها العظمى) كتابية،على شكل إغراق بعض الأحياء بالمناشير المكتوبة بلغة المثقفين، تحدد مهمات الجماهير، و نرجع إلى قواعدنا سالمين، نحلم بأن تطبق أو تفهم أو تنشر الجماهير فكرها وسطها نظرا لكونها بالضبط في مستوى ذلك".

إن ما يجعل هذا النقد عشوائيا، و عبارة عن عموميات، و غير ذات جدوى، لأنها لا تجيب عن إشكالية محددة في الزمن، و بالتالي، لا تصلح لشيء، ذلك أن وثيقة"تقرير 20 نونبر"، قد قامت بالضبط، بتقييم هذا المجال من نشاط المنظمة، و ربطت ذلك التقييم بمهمات محددة في تلك الوثيقة، بناء على نقد خط سياسي ساد المنظمة منذ تأسيسها إلى حدود نونبر1972، و هو المعروف بخط العفوية. إن ما تتحدث عنه الوثيقة ــــ نعني الوثيقة المشار إليها اعلاه : "في تقييم التجربة: قضايا تنظيمية" ــــ من ممارسات، تتعلق بهذه المرحلة أي قبل صدور الوثيقة – نعني تقرير 20نونبر 1972-. أما بعدها، فقد قطعت المنظمة مع تلك الأساليب،و ربطت ذلك بتقدم العمل السياسي و التنظيمي وسط الجماهير.

هكذا نجد نموذجا مما يسمى لدى دعاة "إعادة البناء" بالتقييم الجزئي(حتى و إن كانت الوثيقة غير رسمية.....).

لكن الورقة لم تتوقف عند هذا الحد، بل أعادت الكرة مرتين، من خلال ما أسمته أطروحة الجماهير تجاوزت القوى الإصلاحية و خلقت إطاراتها الخاصة، و نستشهد في ذلك بالفقرة التالية:

"و تلك المقولة (يعني المقولة الأولى) خاطئة كذلك ،لأنها تبرر لنا الانطلاق من تنظيرات طوباوية، و في خلق أشكال و تقنيات تنظيم الجماهير لا تستجيب إلى حاجيات هذه الجماهير، مثلا من خلال أطروحة الجماهير تجاوزت القوى الإصلاحية و خلقت إطاراتها الخاصة، نبعت فكرة "اللجان العمالية السرية" التي بقيت عندنا حبرا على ورق".

إنه مثال آخر صارخ على الجهل بالتجربة، فالدعوة إلى تشكيل "اللجان العمالية السرية" ، نبعت في ظل خط العفوية و في أوجها، و يتعلق الأمر هنا بعملية شهيرة،انتقل على إثرها مجموعة من الرفاق منقولين في سرب (طابور) من السيارات، كان البعض يفتح له الطريق،بعد التأكد من غياب نقط التفتيش على الطريق المؤدية من الرباط إلى الدار البيضاء،التي كانت هدف رحلة أولئك الرفاق، الذين توزعوا على مجموعات، توجهت نحو الحي الصناعي بعين السبع، فاقتحموا المعامل و المؤسسات الصناعية الكبرى، بالإضافة إلى مواقع السكك الحديدية الأساسية، و المكتب الوطني للكهرباء، و قاموا بتوزيع مناشير بالآلاف، تدعو العمال إلى تشكيل "اللجان العمالية السرية"، و من بين هؤلاء الرفاق و الرفيقات: علي فقير، فؤاد الهيلالي، عبد الحميد أمين ،عبد العزير لمنبهي، بلخضر جمال، محمد البكراوي،زهور بن شمسي، أنيس بلافريج، و رفاق آخرون. لقد كانت بالفعل سلوكا معبرا عن العفوية، كورطيج حقيقي يدعو إلى تشكيل "اللجان العمالية السرية"، حتى أنه لم يفلت من التوزيع أي مصنع أو معمل داخل الحي الصناعي بالمدينة، بل تعدى الأمر إلى السكك الحديدية، و المكتب الوطني للكهرباء . و من غريب الأمور أن أعضاء القافلة، رجعوا إلى قواعدهم سالمين، و قد وقع الحدث سنة 1971، و قد تم تجاوز هذه الأساليب، و تم نقدها حتى قبل صدور "تقرير 20 نونبر".

لقد قمنا بسرد هذه المعطيات، فقط، لتبيان الكيفية التي يخطئ بها سهم النقد هدفه،حين يتم القفز على السياقات و الفترات و المراحل التاريخية، مما يفقد النقد المقدم كل مصداقية. و نستطيع أن نسرد أشياء أخرى من هذا القبيل،لكن ما يهمنا هنا، هو الكيفية التي تم بها الانتقال إلى الطرح البديل على المستوى التنظيمي:

"و هكذا، فإننا حاليا في مرحلة بناء الخط السياسي و النظري و التنظيمي، أي اننا في مرحلة انطلاق عملية البناء،ول هذا فإن الهيكلة التنظيمية لن تأتي من الأشكال المعقدة و المنمقة أو البلشفية الخالصة. إنها تاتي من جودة أطر المنظمة أنفسهم، و كيف هم مكونون نوعيا، إذن مرة أخرى، ليس المشكل في كم هو عددنا حاليا، بل فيما هي نوعيتنا، و لن نستطيع بلورة نوعية جديدة، إذا ما اكتفينا بعملية تصفيف، أو إعادة ترتيب الصفوف،و إن كانت هذه العملية مطلوبة فإنها غير كافية".

لا شك، أن في هذه الفقرة، تمهيد للتخلي عن البناء التنظيمي السابق للمنظمة بعد الزعم بتقييم التجربة التنظيمية للمنظمة، و قد رأينا نماذج لذلك التهافت، الذي ينم عن جهل كبير بتاريخ المنظمة، هكذا، و فيما أسمته الوثيقة، فنحن في مرحلة بناء الخط السياسي و النظري و التنظيمي، أي أننا في مرحلة انطلاق عملية"إعادة البناء"، بما يعني الانطلاق في مرحلة جديدة ،لا يتوفر فيها خط سياسي و نظري و تنظيمي، بل المطلوب إيجاد هذه الخطوط الثلاثة.

و إذا كان بالاستطاعة التوفر على وثائق، تتطرق إلى جوانب الخط السياسي و التنظيمي، و لو بشكل جزئي أو تبسيطي، فالخط النظري لم يعثر له على أي وثيقة، و السؤال المطروح، هو في ظل أي خط نظري تمت عملية"إعادة البناء"، و نستثني هنا مشروع النظام الداخلي لسنة 1982.

بما أننا في بداية عملية البناء، فعلينا حسب الوثيقة التخلي "عن تلك الأشكال المعقدة و المنمقة أو البلشفية الخالصة..." هنا تظهر علامة التخلي عن المنظور اللينيني للتنظيم الوثيق الارتباط بنظرية المعرفة الماركسية، لصالح بنية تنظيمية بدون سند نظري، أي غياب أي نظرية للتنظيم، ما دام كل تصور تنظيمي يقوم بالضرورة على نظرية للتنظيم، مستلهمة من الخط النظري،الذي تتبناه المنظمة، و أية منظمة، تلك النظرية ذات الصلة الوثيقة بالاستراتيجية الثورية: تنظيم للثورة، يعتمد استراتيجية ثورية، متميز نوعيا، أو تنظيم "اشتراكي ديموقراطي" مهلهل و مفتوح ،تتلاشى فيه الحدود، و ينهج خطا إصلاحيا أو تحريفيا، فإما حزبا "للطليعة الثورية البروليتارية " ، و إما حزب "اشتراكي ديموقراطي" إصلاحي تحريفي ،لا يحتاج تلك الشروط التي حددها لينين ، لبناء تنظيم شيوعي ماركسي ــ لينيني، فالفارق نوعي بين خطين في المسألة التنظيمية، اخترق تاريخ الحركة العمالية الاشتراكية منذ ماركس.

في فقرة -ه- من الوثيقة تحمل عنوان:"حول التجذر في الطبقة العاملة" و مسألة الاحتراف الثوري أو منظمة المحترفين الثوريين تقول الوثيقة:

"إن المشكل الذي كان مطروحا آنذاك، يمس قضية مركزية بالنسبة للحملم ،و هو طبيعتها الطبقية، و كيفية توزيع قواها في مجال العمل التنظيمي، ف "23 مارس"، و حسب طريقة الخط الداخلي، لم تستطع التركيز على الطبقة العاملة، و لا استقطاب عمال إلى صفوفها، أما بالنسبة لنا نحن فإدعاء التوجه إلى كل الطبقات، مكننا من تبرير نظرية الشبيبة المدرسية طليعة تكتيكية و التركيز عليها عمليا".

تحمل الفقرة في طياتها غموضا حول ما تريد تقييمه:

1- ما يتعلق بالخط الداخلي لمنظمة "23 مارس"، و لإزالة اللبس، ف"الخط الداخلي" لمنظمة "23 مارس"، نشأ قبل هذا الوقت بكثير، أي خلال سنتي 1970 و1971، أما في سنة 73، فيتعلق الأمر بوثيقة "خطة عمل داخل الطبقة العاملة " و صاحبها محمد الكرفاتي، و قد طرحها للتركيز على الطبقة العاملة، كجزء من خط سياسي، قائم على تحليل سياسي للوضع في بدايات 1973، و بالتالي، لا يمكن إدراك فشل التجذر داخل الطبقة العاملة بالنسبة لمنظمة"23 مارس"، بمعزل عن ذلك الخط المنحرف عن الماركسية أساسا، فيما يخص مجموعة من الطروحات، فالخلاف هو أعمق مما تتصوره الوثيقة.

أما عن منظمة "إلى الأمام"، و طرحها حول التوجه إلى كل الطبقات، فقد جاءت من منظور لينيني لتشكل الوعي داخل الطبقة العاملة، و لم تقف منظمة "إلى الأمام" عند ويل للمصلين كما تفعل الوثيقة، ففي وثائقها طرحت العمل وسط الطبقة العاملة و داخل الفلاحين، ضمن تصور يقوم في المرحلة الأولى بتركيز للقوى الذاتية داخل الطبقة العاملة ،بدرجة رئيسية، و داخل الفلاحين بدرجة ثانية، و بعدها ينتقل الثقل الرئيسي للعمل داخل الفلاحين، و هو ما أسمته منظمة "إلى الأمام" ب"بناء الحزب البرولتاري، بناء التحالف العمالي ــ الفلاحي مسيرة واحدة، و على هذا الأساس،تسقط أطروحة الوثيقة القائلة بأن الادعاء بالتوجه إلى كل الطبقات، مكننا من تبرير نظرية الشبيبة المدرسية طليعة تكتيكية و التركيز عليها عمليا.

إن كاتب الوثيقة و أمثاله، و لتغيير أطروحاتهم اضطروا إلى إفراغ تاريخ المنظمة، و بالأخص منذ "تقرير 20 نونبر" ، من أي عمل داخل الطبقة العاملة، و ذلك بتمرير أطروحتهم و تعميمها على كل شئ، و من هنا الخطأالقاتل، لأنه يؤدي إلى عدم الفهم للأسباب الحقيقية لعدم التقدم في إنجاز مهام التجذر، و قياسا عليها بناء تصور خاطئ، خاصة، و أنه بعد خمس سنوات فإن الذين قالوا بهذا، لم يتجذروا.

و بعد الإقرار بضرورة بناء منظمة، تتشكل نواتها من المحترفين الثوريين، و بعد الحديث عن ضرورة التخصص داخل هذه المنظمة، و قضايا أخرى، انتقلت الوثيقة في فقرة - و- تحت عنوان "حول البنية أو الهيئة التنظيمية" إلى طرح البديل التنظيمي، فجاء في الوثيقة ما يلي: "فإذا كانت هذه هي الأسس التي يجب أن تقوم عليها هيكلة المنظمة فإننا نعتبر أن الهيكلة القديمة للمنظمة غير صالحة، و الهيكلة الحالية يجب أن تساعد على إنجاز المهمات و ممارسة المركزية الديموقراطية، و عليه يجب التخلص من الإطارات شبه الجماهيرية، هذه الإطارات التي ارتبطت بتجربتنا في إطار الشبيبة المدرسية. فكلما انغمسنا في هذه الشبيبة،كلما ازدادت بنية هذه الإطارات تعقيدا، كما أن هذه الإطارات كانت عرقلة أمام فتح باب المنظمة امام كل العناصر الثورية، و التي هي في مستوى العضوية، بل غالبا ما كانت هذه الإطارات بمثابة مصفاة لتشجيع المونولوتيزم".

" و لهذا فالمنظمة يجب أن تكون عبارة عن خلايا، و قيادة وطنية حاليا، و على رأس كل خلية أمينها، كل الأعضاء متساوون في الحقوق و الواجبات، و مع تقدم المنظمة، و كثرة المهام، و توسع و انتشار المنظمة، يمكن أن تنشأ مستويات تنظيمية و إطارات تنظيمية ملائمة لتلك الوضعية".

إنه غياب المنطق الداخلي،المؤدي إلى فهم لماذا هذه البنية البديلة، فأصبح الإشكال مقحما غير ذي معنى، ثم بعد حذف التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية، سنعود إليها،كلما ازدادت مهام المنظمة و تشابكت تماما، و ذلك كمثل رجل قام بإغلاق نافذة بالإسمنت، ثم أعاد فتحها دون أي سبب.

و بما أن إشكالية "الإطارات الوسطية" طرحت نفسها على الكاتب، إذ لا يعقل منطقيا أن يوجد بين المنظمة و الجماهير فراغ، فلابد من إطارات وسطية تؤدي إلى المنظمة، فماذا اقترحت الوثيقة:

"و الإطارات الوسطية ما بين المنظمة و المناضلين الطليعيين وسط الجماهير هم الخلايا المرشحة، إنها إطارات مشكلة من المناضلين الذين برزوا في النضال الثوري و في الكفاحات اليومية للجماهير، و الذين عبر احتكاكنا بهم، يظهرون طاقات و إمكانيات قابلة للتحول داخل المنظمة".

إن هذه الفقرة، تنم عن قمة في الجهل المركب، أي أن يكون المرء جاهلا و يعتقد العكس، و تلك لعمري لطامة كبرى ولنرى عن قرب:

- عموما، فإن التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية في أدبيات منظمة "إلى الأمام"،المستمدة من التجربة البلشفية، هي تلك الحلقات الوسطية التي تتكون من مناضلين طليعيين، بمستويات مختلفة، وعيا و ممارسة، و أخذا بعين الاعتبار نظرية المعرفة الماركسية، و النظرية اللينينية للوعي الطبقي السياسي، تشكل أسلاكا موصلة إلى قلب الحركة الجماهيرية ،بحيث ترتبط المنظمة بتلك الجماهير بوشائج متعددة و متنوعة و مختلفة، تشكل شريانا يغذي المنظمة باستمرار، أما الخلية المرشحة، فهي النقطة الأقرب إلى المنظمة المركزية،حيث يشارك الرفيق المرشح ،الذي لم يعد مجرد مناضل، في الحياة الداخلية للمنظمة خاصة السياسية و الإديولوجية ، و يطلع على وثائقها الداخلية، باستثناء الجوانب التنظيمية، و مدة الترشح لا تكون طويلة نسبيا، فهي محددة زمنيا، بخلاف وضعية المناضلين داخل التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية، التي تبقى مرتبطة بمدى تطور المناضل وعيا و ممارسة، و على هذا الأساس، لاتعتبر الخلايا المرشحة إطارات وسطية، بل جزءا من المنظمة مع وقف التنفيذ جزئيا.

في أدبيات "إلى الأمام"، و عبر تاريخها منذ "تقرير 20 نونبر"، فالإطارات الوسطية هي التنظيمات الثورية شبه الجماهيرية.

هكذا، مرة أخرى، تظهر الوثيقة جهلها بالتاريخ، الذي تريد أن تضع له تقييما، و ما يبنى على خطأ فهو خطأ، كما تقول "القاعدة الشرعية".

 

حول المركزية الديموقراطية

 

من الأطروحات التي قامت الوثيقة بالدعوة إلى نقدها في مجال تطبيق المركزية الديموقراطية جاء ما يلي:

"مواجهة المفاهيم المنحرفة لمبدأ المركزية الديموقراطية كمفهوم المركزية الديموقراطية هي مركزة الآراء السديدة، إذ ليس هناك آراء يمكن التأكد من سدادتها خارج مختبر الممارسة العملية".

تظهر الوثيقة، مرة أخرى، جهل أصحابها بمضمون الأطروحة التي هي في الأصل أطروحة لماوتسي تونغ، يفسر فيها علاقة المركزية بالديموقراطية،حيث شبه قيادة الحزب بمعمل للتحويل، يقوم بتحويل الأفكار و الآراء و المقترحات في علاقة جدلية بين الحزب و الجماهير، التي بقدر ما تكون جيدة و ديموقراطية، فإنها تزود الحزب و القيادة بمواد خام جيدة، تقوم بتحويلها و إعادتها إلى الجماهير .

من هنا، يتجلى التخبط الذي تسقط فيه الوثيقة، كلما أرادت أن تناقش أطروحة من الأطروحات. و لنأخذ مرة أخرى، مثالا على ذلك، لما حاولت الوثيقة نقد "نظرية بناء الحزب تحت نيران العدو" التي تميزت بها منظمة "إلى الأمام"، و تقول الوثيقة:

"و اليوم و نحن أمام نقد تجربتنا، هذا النقد الذي نريد أن يكون علميا أي موضوعيا، لا يسعنا إلا أن نقف عند تجربتنا بهذا الصدد بالذات:

إن تطبيق الأطروحة الآنفة الذكر، اقترن بعدة ممارسات و مفاهيم خاطئة:

- أن المنظمة لم تكن بقادرة على التمييز بين فترات المد و الجزر في الصراع الطبقي، بل إنها غالبا ما ترى نضالات الجماهير في تصاعد مستمر، بينما عرفت تلك النضالات فترات من الجزر مثلا في 73 و75، و لهذا لم يكن من الغريب تعامل المنظمة مع الوضع السياسي انطلاقا من أطروحاتها الاستراتيجية، تلك الأطروحات التي تبلورت في فترات المد النضالي، و نتيجة ذلك ،لم تستطع المنظمة بلورة خطة تكتيكية للتعامل مع كل وضع، تجيب على خصوصياته، و تمكن المنظمة من التلاءم مع متطلبات الانتقال إلى خطة جديدة، كلما تغيرت الشروط.

- و هكذا لم تكن المنظمة تعرف خوض الهجوم و تنظيم التراجع سواء بالنسبة لمناضليها أو بالنسبة للجماهير، بل غالبا ما خاضت المنظمة معارك و هي في العراء!

إن الوثيقة تسقط في خطئين أساسيين:

- أولهما،الاعتقاد أن المنظمة كانت لا تميز بين فترات المد و الجزر في"الصراع الطبقي"، بل إنها غالبا ما كانت تنظر إلى نضالات الجماهير باعتبارها في تصاعد مستمر، في حين أن تلك النضالات،عرفت فترات من الجزر خلال سنتي 1973 و1975، الحقيقة التي لا يعتريها أي شك، أن المنظمة، و بالضبط، حددت ذلك على المستوى النظري ،حينما تكلمت عن "علم الهجوم" و"علم التراجع" اللينينيين و مفهوم "الدفاع الاستراتيجي" و"الهجوم الاستراتيجي" عند ماو تسي تونغ، و على المستوى السياسي، حينما أسست المنظمة ل"مفهوم الصمود و الارتباط بالجماهير" و مفهوم "النضال الدفاعي للجماهير" الذي حددت شروطه لكي يتحقق، من أجل قيادة النضال الدفاعي لتلك الجماهير.

أما كون النضالات، عرفت فترات من الجزر مثلا في1973 و1975، فهو طرح غير دقيق،فسنة 1973 عرفت بالفعل جزرا داخل حركة الشبيبة المدرسية، بينما لم تتوقف النضالات العمالية، التي عرفت توسعا سنة 1975، و لهذا أهمية كبرى، حينما نريد محاسبة القيادة السياسية للمنظمة.

- ثانيهما،القيام بتعميم هاته الأطروحة على تاريخ المنظمة، و هذا غير صحيح، فقد غيرت المنظمة تكتيكها منذ "تقرير 20 نونبر"، حيث تخلت عن الطابع الهجومي، الذي كان سائدا في المنظمة، في المرحلة الممتدة من 1970 إلى 1972، عندما كان خط العفوية سائدا. و من الخطأ و التجني على الحقيقة التاريخية، القول بأن المنظمة استمرت في خطها الهجومي إلى حدود نونبر 1974، أما بعد اعتقالات نونبر 1974 و يناير1975، فقد تغير الوضع، حين ضعفت قيادة المنظمة، و حوصرت بشكل كبير في ظل وضع سياسي بالغ التعقيد، بحيث عجزت أو عجز ما تبقى من القيادة في إدراك جوهر الوضع السياسي و التنظيمي للمنظمة، فدخلت هذه الأخيرة معركة ميؤوس من الانتصار فيها مسبقا، و تحملت تلك القيادة، التي أصبح جل أعضائها فيما بعد، روادا للتيار الإصلاحي بعد الاعتقال، مسؤولية الهروب إلى الأمام، بدل التعاطي النقدي الموضوعي و العلمي مع تجربة المنظمة ،و مع وضعها الذاتي.

إن هذا التوضيح، لذو قيمة تاريخية كبرى حاسمة في تناول التاريخ النضالي لمنظمة "إلى الأمام"، فابتداءا من سنة 1975 و إلى حدود اعتقالات 1976، سقطت المنظمة في نوع من "الإطاروية" و"النزعة المثقفوية"، في محاولة للخروج من وضعها الذاتي، و تجلى ذلك في إفراغ البنية التنظيمية من مضمونها الحقيقي، و في مقاييس الاستقطاب المتسرع لملإ الفراغات التي تركتها الاعتقالات، سواء على مستوى القيادة ،أو على مستوى الأطر. ففي هذه الفترة بالضبط، نشأ مناضلون يحفظون الوثائق عن ظهر قلب، و لا يتوفرون على حد أدنى من النضالية و المقاومة و الصمود، و تجربة الاعتقال خير دليل على ذلك، حيث ساد الانهيار في هذه الفترة بالضبط، ليشكل الأرضية الخصبة لبروز التيارات الإصلاحية و التحريفية و التصفوية في السنوات اللاحقة ،و بالضبط من داخل السجون.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.