Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحلقة الثالثة ــ الجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية منظمة " إلى الأمام " " ــ 24 فبراير 2017

Pin it!

خ1.gif

بعد نشر الموقع للحلقة الأولى من القسم الأول للجزء الثالث من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية " إلى الأمام " "، و التي تضمنت الفصل الأول، و الحلقة الثانية منه، التي تضمنت الفصل الثاني، يضع الموقع نشرا لكل من الفصل الثالث و الرابع و الخامس ضمن الحلقة الثالثة، منهيا بها فصول القسم الأول من هذا الجزء الثالث الذي سيعمل الموقع لاحقا على نشر فصول القسم الثاني منه.

  

  

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

  

 

الجزء الثالث

القسم الأول

دور الأطروحات التحريفية الجديدة في مسلسل تصفية منظمة "إلى الأمام"

"إن جدلية التاريخ، بما أنها انتصار للماركسية كنظرية، فهي تجبر أعداءها على التلبس بلباس الماركسيين".

La dialectique de l’histoire est telle que la victoire du marxisme en matière de théorie oblige ses ennemis à se déguiser en marxistes

Lénine .œuvres. tome 18 . p 608

 

الفصل الثالث :   ندوة الفرع و خلاصاتها : فبراير 1983  

إن القراءة المتأنية لتقرير لجنة الفرع، و الوثائق ذات الصلة بمشروع إعادة البناء، تثبت تخبط العملية نتيجة تناقضاتها البنيوية، و سيتبث النقاش استمرار التناقضات و انعكاساتها داخل الفرع (السجن- الداخل) و تكريس منهجية اللاتقييم كأسلوب رئيسي للعمل، و هو المنهج الذي، إلى جانب مجموعة من التصورات سيؤدي إلى الانهيار، و يكفي إلقاء نظرة على خلاصات و قرارات الندوة، لكي نتأكد من هذه المنهجية العقيمة،التي تسند مجموعة من الأطروحات الخاطئة.

و مما جاء في خلاصات الندوة حول الإستراتيجية و العنف الثوري:

- بعد هذا يخلص المشاركون في الندوة إلى الاتفاقات التالية:

"يتفق كل الرفاق على أنه يجب ألا ننتظر حتى نحدد استراتيجية دقيقة لكي نخرج للممارسة، لذا يجب أن نتفق على الشعارات الاستراتيجية العامة و الرئيسية الملزمة لنا في نشاطنا الجماهيري اليومي".

و في نفس الاتجاه و بالنسبة للعنف الثوري جاء ما يلي:

"يعتبر كافة الرفاق أن شعار العنف الثوري الجماهيري المنظم إيجابي و يجب تدقيقه لاحقا على أساس التحليل الملموس للواقع الملموس".

هكذا أصبحت "الانتظارية" هي الخط الاستراتيجي، أي أن التنظيم لا يستند إلى أي استراتيجية، ما عدا ما أسماه ب"العنف الثوري الجماهيري المنظم"،و هذا لعمري قمة السفسطة و الديماغوجية، ما دام هذا الشعار يعني كل شئ ، ولا شئ في نفس الوقت، و ينطبق نفس الأمر على الخلاصة السادسة، حيث نقرأ ما يلي:

" كما أجمع الرفاق على عدم استعمال صيغة "المنظمة الشيوعية" أو "الماركسية ــ اللينينية"، و أكدوا تشبتهم بالمبادئ الشيوعية، و طالبوا بهذا الصدد برفع توصية إلى "القيادة".

عموما، فكل خلاصات الندوة لا تختلف عن السابقة أعلاه، علما أن تقرير "لجنة الفرع"، لم يتضمن أي تقييم للتجربة، و خاصة تلك التي انخرط فيها المشاركون في الندوة، و معهم أعضاء القيادة بالسجن المركزي منذ 1980، و هكذا، و جوابا عن متحفظ على هذا التقرير (ممتنع عن التصويت) الذي كان يعتبر أنه على أعضاء لجنة الفرع، خلافا للتقرير الذي جاء كجرد تاريخي، أن يقدموا للندوة تقييما لنشاط الفرع خلال السنوات الأخيرة مع استخلاص دروسها الأساسية لانطلاقة جديدة لعمل المنظمة، فجاء الجواب عن طريق ممثل لجنة الفرع، فيما يشبه المثل العربي الذي يقول : "العذر أكبر من الزلة"حيث كان الجواب:

"إن الخلافات التي كانت داخلها (المنظمة) لا تسمح بمثل هذا التقييم، و هذا لم يكن ليمنع رفاق الفرع من القيام بمثل هذا التقييم، على ضوء تقرير لجنة الفرع" (المقتطف نشر ضمن أحد أعداد الشيوعي التي غطت أعمال ندوة نهاية يناير 1982).

كأن مسؤولي لجنة الفرع أرادوا القول: عليكم بالمناقشة إذا شئتم، رغم اننا لا نخبركم بما جرى و يجري، فالتناقضات لا تسمح لنا بذلك،و هذا مرة أخرى، لقمة السفسطة و الهروب من الواقع بدل معالجة تناقضاته، فليس على المناضلين أن يناقشوا إلا ما قدمنا لهم باعتبارنا لجنة الفرع، اي أنه ليس من واجبنا أن نطلعكم على الآراء المتناقضة و المختلفة داخليا، فاقبلوا الصورة التي نقدمها لكم.  

 

الفصل الرابع :   تناقض الواقع و انطراح التساؤلات: أمثلة مختلفة

أثارت وثائق "إعادة البناء"لدى مجموعة من المناضلين الذين انخرطوا في هذا المسلسل،عدة أسئلة و تساؤلات، تبين إلى أي حد لم تكن تلك الأوراق تجيب عن انتظارات الواقع الذي أشكل على المناضلين فهمه و استنباط مهام تغييره، و مع ذلك ظل أصحاب "إعادة البناء" متشبتين بأطروحاتهم، و واضعين، من أوكلت لهم مهمة الإشراف العملي على إنجاز ذلك المشروع الفاشل، في ورطة، و هم أصلا ينتمون إلى الجيل الثاني أو الثالث من مناضلي المنظمة، الذين لم تكن لهم معرفة بوثائقها و تجربتها، و كانوا ينتظرون ما أسموه ب "القيادة" في شبه تقديس لها، أن تزودهم بالأجوبة التي تنير لهم الطريق، إلا أن هذه الإنارة جاءت عطبا و ظلاما دامسا، فظل هؤلاء المناضلون يتخبطون في تناقضات لا قدرة لهم على حلها، إلى أن هبت رياح القمع من جديد في خريف 1985.

كان الأمر طبيعيا، لأن مشروع "إعادة البناء" و قادته،الذين جعلوا من "غياب الاستراتيجية"، استراتيجية لهم، و من بنية مهلهلة تنظيميا،خطا تنظيميا، بعدما تم التخلي،عن مجموعة من المفاهيم التنظيمية اللينينية، إضافة إلى غياب خط إديولوجي واضح، و السقوط في "الوسطية" كشكل أولي للتحريفية، كما يشد كل هذه الخيوط الغياب التام لأي تقييم شامل لتجربة المنظمة و خطها، و الاكتفاء بما سمي بالتقييمات الجزئية، و القطاعية، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، و هذا أحد أسباب المغالطات، التي تزعم أنه كان هناك تقييم لتجربة المنظمة، لأن مجموع التقييمات الجزئية يساوي تقييما شاملا، و هذه نظرة ذاتية تجمع بين الانتقائية و التجريبية و البراغماتية.

إن مجموع أوراق ما سمي ب "إعادة البناء"، قد قدمت الأرضيات و المرتكزات الأولى لمشروع تحريفي جديد، بحيث أنه تحت يافطة الماركسية ــ اللينينية، و شعار بناء "منظمة ماركسية ــ لينينية طليعية، صلبة و راسخة جماهيريا"، قامت بزرع البذور الأولى للتحريفية داخل المنظمة، تلك التحريفية التي ستنبث أعشابها السامة في تربة أكثر ملاءمة بعد سقوط ما سمي ب "إعادة البناء" في خريف 1985.

 

الفصل الخامس :   عودة إلى وثيقة "القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية"  

1- حول "نظرية الغموض الاستراتيجي"  

في أحد أعداد النشرة الداخلية "الشيوعي"، صدر مقال تحت عنوان "التخبط السياسي نتيجة حتمية للصراع بدون هوادة"، في ماي 1982 موقع ب "رفيق قيادي"،وهو عبارة عن رد على نص لأحد رفاقه، يحمل اسم مبروك، الذي كان قد أصدر مقالا تحت عنوان "نقاش نصوص القيادة المعدة للندوة". يتعلق الأمر هنا برد على نقد وثيقة "القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية"، قام به أحد المساهمين في "إعادة البناء"(أحد أبرز قادة هذه العملية)، وهو من خلال ذلك يبرز طبيعة و مضمون الاستراتيجية الجديدة التي قامت عليها عملية "إعادة البناء"، فإلى جانب العديد من الأخطاء في المفاهيم ،هناك عموميات لا ترقى إلى مستوى التحليل الموضوعي، ثم هناك نقطتان أساسيتان تميزت بهما الوثيقة :

1- تغييب الآفاق الأممية و القومية و المغاربية للثورة المغربية (تحليل التناقضات على الصعيد العالمي و العربي و الجيوستراتيجي، و تحديد المعسكرات و التحالفات المرحلية و الاستراتيجية).

2- تغيير الموقف الاستراتيجي للمنظمة دون أدنى تقييم، و استبدال الاستراتيجية الثورية للمنظمة بالاستراتيجية تحت مفهوم عام: "العنف الجماهيري المنظم".

إن قيمة هذا النقاش، ترجع إلى كون أحد مبلوري هذه الاستراتيجية العجيبة، و في سياق الدفاع عن وجهة نظره، و هي وجهة نظر كانت تتبناها القيادة، قد كشف عن أشياء مفاجئة و غير منتظرة و غريبة بكل المقاييس، و يتعلق الأمر بما اسميناه بنظرية "الغموض الاستراتيجي"، في هذا المجال ،لا فرق بين أصحاب الوثيقة (القضاياالاستراتيجية في الثورة المغربية) و أصحاب التيار الإصلاحي، الذي قام هو الآخر، تحت غطاء نقد نظرية "الثورة في الغرب العربي"، بوضع إطار محدد للثورة المغربية، خارج أي ربط أممي قومي أو مغاربي، بمعنى أن الثورة المغربية تدور في وعاء مغلق، بعزلها عن أبعادها الثلاث، أصبح واضحا أن الهدف هو الابتعاد عن الخط الأممي الثوري لمنظمة"إلى الأمام"، بمعنى آخر فقدان الهوية الأممية التي جعلت المنظمة منذ تأسيسها تنحو نحو خط معادي للامبريالية و التحريفية على الصعيد العالمي. لقد كانت إسهامات أو خط ماو تسي تونغ ، هو ما يميز المنظمة عن تحريفية الأحزاب الشيوعية، التي كانت تدور في فلك التحريفية العالمية، و على رأسها الاشتراكية الامبريالية المتمثلة في الاتحاد السوفياتي آنذاك، و لهذا مغزى كبير، لأنه يعبد الطريق لعدة مقولات جديدة و مفاهيم، كانت في صلب الخلافات مع التحريفية العالمية، من قبيل الموقف من العنف الثوري و الطريق السلمي إلى الاشتراكية ، و التعايش السلمي مع الامبريالية، و التطور اللارأسمالي لدول العالم الثالث، و دكتاتورية البروليتاريا، و التحالفات على الصعيد العالمي الخ... إن البتر الذي قام به أصحاب الورقة، يجعل الثورة المغربية تدور في وعاء مغلق، كانت وراءه و لا شك خلفيات، ستكشف السنوات اللاحقة طبيعتها و حقيقتها، أي الالتحاق التدريجي بالحركة التحريفية العالمية.

إن الانتقال إلى استراتيجية جديدة، دون أن تتوفر على حد أدنى ضروري ليمكن تسميتها باستراتيجية، كان المقصود منه و لا شك الانتقال من "الغموض الاستراتيجي" إلى الوضوح السياسي و الاستراتيجي ،الذي سيتشكل تدريجيا خاصة بعد فشل عملية "إعادة البناء". و هنا تظهر حقيقة أخرى ، تكشف خلفية هروب أصحاب الورقة من التقييم الشامل لتجربة المنظمة، بل أيضا الهروب من تقييم جزئي لخطها الاستراتيجي ، كمقدمة لبناء خط استراتيجي جديد ، و هذا يكشف تراجعا أساسيا عن الرصيد الاستراتيجي للمنظمة ،خاصة على مستوى المبادئ و المفاهيم الكبرى كالمراحل الثلاث للاستراتيجية الثورية: مرحلة الدفاع الاستراتيجي ، مرحلة التوازن الاستراتيجي، و مرحلة الهجوم الاستراتيجي، و هي المراحل الثلاث، كما حددها ماو تسي تونغ بالنسبة للثورات، و منها الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية (انظر "حول القضايا الاستراتيجية في الثورة الصينية").

إن إبعاد التقييم الشامل عن مهام المنظمة، خدم وظيفة إبعاد المناضلين عن النقاشات الحقيقية حول الاستراتيجية الثورية، علما أن العدد الكبير منهم لم يكن له أي إلمام بذلك، و سقط في نقاشات مثقفية بعيدة كل البعد عن الاستراتيجية الثورية، بمضمونها الماركسي ــ اللينيني، و في ظل الغموض استطاع بعض المناضلين تلمس تناقضات تلك الورقة، و نفس الشيء بالنسبة للورقة حول "القضايا التكتيكية في خط المنظمة"، حين اعتبروا أن "العنف الجماهيري المنظم" ليس باستراتيجية، و قياسا عليه لا يمكن الحديث عن تكتيك، أو خط تكتيكي، في غياب الاستراتيجية، لكن غياب النظرة الشمولية لدى هؤلاء، جعلتهم يقبلون في الأخير بما سمي ب"استراتيجية العنف الجماهيري المنظم"، و هكذا تم تمرير الورقة، ليتم تبنيها بشكل عام في ندوة يناير 1983 (ندوة الداخل).

بدون الدخول في تفاصيل الصراع و جزئياته، سنتوقف عند إحدى نقط الوثيقة التي دافع فيها صاحب "القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية" عن أطروحته الجديدة ، حول ما يسمى ب"العنف الجماهيري المنظم"، و هي بالمناسبة نفس الأطروحة التي ستتبناها المنظمة خلال ما يسمى ب"إعادة البناء". ينتقد مبروك، صاحب الأرضية بتخليه عن استراتيجية الحرب الشعبية، التي كانت تتبناها منظمة "إلى الأمام"، و يعتبره تخليا عن الوضوح لصالح الغموض، ليس هنا من ضرورة للوقوف على مواقف "مبروك"، و على سلوكاته التي نعرفها جيدا (سبقت الإشارة إليها في الفصول الأولى من هذه الدراسة، و خاصة المتعلقة بسيرورة تطور الاتجاه اليسراوي)، لكن الذي يهمنا هنا، هو التطرق إلى جانب من هذا النقاش الذي دار حول تصدي كاتب هذه المقالة لرفيقه، مدافعا عن الغموض أو خطة الغموض في الطرح الاستراتيجي. فعلى أساس المقتطف أدناه سمينا هذا الطرح ب"نظرية الغموض الاستراتيجي" التي تبلورت كغطاء للتخلي عن أي طرح استراتيجي، دون أدنى تبرير منطقي لهذا الانتقال، من قبيل تقييم استراتيجية "حرب التحرير الشعبية"، التي لم تعد تلائم واقع المغرب (نحن هنا في بداية الثمانينات) حسب الكاتب، و لننظر كيف صاغ جوابه حول التخلي عن الاستراتيجية الثورية للمنظمة.

"إن القيادة بالفعل لم تعد تتبنى حرب التحرير الشعبية كأسلوب لحسم السلطة، و ذلك لاعتبارها بأن هذا الأسلوب، سواء بالشكل الذي مورس بالفيتنام أو الصين، أم بالفهم الذي ساد داخل المنظمة، ليس ملائما للواقع الموضوعي لبلادنا، و لهذا، في انتظار أن نتمكن كمنظمة من معرفة واقع بلادنا بشكل أكثر عمقا و عبر تجدرنا وسط الطبقة العاملة و الفلاحين، اعتبرت القيادة أن تبني صيغة عامة كالعنف الثوري الجماهيري المنظم كافية في الوقت الراهن لتمييزنا عن الإصلاحيين و الانقلابيين و العفويين، و يسمح لنا في نفس الوقت بالقيام بمهامنا الراهنة، أما تحديد الشكل الدقيق لهذا العنف الثوري الجماهيري المنظم فهو رهين بمعرفة أدق لواقع بلادنا الراهن و بتجربتنا في هذا الميدان، و هذا لن يتم فعلا إلا في المستقبل".

إن الرفيق "مبروك" يتهكم و يسخر من هذا الموقف "المضحك"، و لو كانت له نظرة جدلية لهذه المسألة لما سخر من هذا الموقف، يقول مبروك "أعتقد أن أي عاقل لن يقبل استبدال مفهوم واضح بمفهوم غامض، و لن يتفق على أن المفاهيم الغامضة هي التي تكون ملائمة للواقع، هذه الجملة نموذج من التفكير الميتافيزيقي اللاجدلي.

إن المفهوم الواضح لا يكون إيجابيا، و يقدم المعرفة الإنسانية إلا إذا كان مطابقا للواقع و قديما كان للناس مفهوم واضح عن علاقة الفكر و المادة حيث كانوا يعتقدون أن الله هو الذي خلق الدنيا (المادة) و مع تطور الإنتاج و العلوم بدأ الشك في هذا المفهوم الواضح وبدأ الغموض، و كان الغموض ثورة ضد الوضوح السابق، حيث أنه شكل خطوة نحو الوضوح الجديد و الذي يشكل نقيضا للوضوح القديم، و قديما كذلك كان للبشر نظرة "واضحة" حول علاقة الشمس بالأرض، فكانوا يعتقدون أن الشمس تدور حول الأرض، ثم تراكمت بعض المعطيات لدى البشر و أصبح الغموض يسود لدى أكثرهم تقدما (أما المتخلفين فقد بقي لديهم الوضوح السابق) حتى تحول هذا الغموض إلى وضوح جديد مناقض تماما للوضوح القديم، و بالنسبة لخط المنظمة و إلى حدود الاعتقالات الكبرى في 1976، كان أعضاء المنظمة تقريبا يعتبرون خطها بروليتاريا، لكن بعد الاعتقالات و انفجار أزمة الحملم، طرحت القيادة تقييما "غامضا" للخط و اعتبرته خطا متناقضا فيه ما هو بروليتاري و ما هو برجوازي، و كان هذا الغموض ثورة ضد "الوضوح" القديم الذي اتضح أنه غير ملائم للواقع،و فتح هذا الطرح الغامض إمكانية التقدم، بينما التشبت الميتافيزيقي بالوضوح القديم لم يكن من شأنه أن يخدم المنظمة، إن الجدلية تعلمنا أيها الرفيق مبروك بأن معرفة الإنسان للطبيعة و المجتمع معرفة نسبية، فما هو واضح اليوم يصبح غامضا غدا، و هذا الغموض هو مرحلة نحو وضوح جديد، و جوابا على الرفيق مبروك اقول بأن "العاقل" الذي يستعمل المنهج الجدلي هو ذلك "العاقل" الذي ينقل "الغموض" الذي يقربه من معرفة الواقع على الوضوح المثالي الذي يريح باله و يبعده عن متاعب التفكير الجدلي، هذا عن الوضوح و الغموض".

و لعل القارئ سيفاجئ بمثل هكذا طرح، و لكنها الحقيقة الساطعة. لقد جعل منظر الإستراتيجية الثورية لدى أنصار" خط إعادة البناء"من الغموض استراتيجية و لجأ إلى تبرير ذلك باستعمال عقله "الجدلي"جدا، و الحال، أن منظرنا انطبق عليه المثل العربي القائل"العذر أكبر من الزلة" و الجدل المادي بريء من كل فذلكاته "الجدلية". إن المهم في كل هذا هو اعتراف المنظر الإستراتيجي بنظريته الجديدة حول "الغموض الإستراتيجي"، و بعبارة أخرى فقد جعل من اللاستراتيجية استراتيجية و هذا ما صادقت عليه ندوة يناير 1983، و لم يجد المشاركون في الندوة أي حرج في المصادقة على خطة تاكتيكية لعملهم من أجل إعادة البناء، و هذا لعمري قمة في الغموض الإستراتيجي و التاكتيكي غير مسبوق.  

 

2 - بين غياب الاستراتيجية و التخبط التكتيكي  

لقد أدى، غياب الاستراتيجية لدى أنصار "إعادة البناء"إلى لخبطة استراتيجية و تخبط تكتيكي، ظل منعكسا في العديد من الأوراق و المقالات التي ظلت تصدر إلى حدود 1994 موقعة بأسماء أصحابها، و هو ما يعني ذلك الارتباك العام، الذي سيطر على عموم من انخرطوا في ذلك المسلسل، مسلسل "إعادة البناء"، و نستثني هنا وثيقة واحدة سنعود لها في مناسبة أخرى.  

المقال الأول: "حول العلاقة بين الاستراتيجية و التكتيك في الوضع الراهن".  

فيما يخص الطرح الاستراتيجي، يقول صاحب المقال، محاولا التعريف بموقف "المنظمة" من ذلك، و في نفس الوقت، محاولا تبريره و إيجاد الحجج المنطقية له : "طرحت المنظمة أن السبيل للقضاء على النظام القائم هو العنف الثوري الجماهيري المنظم، تاركة مهمة تحديد الأشكال الملموسة لذلك العنف بتقدم المسلسل الثوري و تطور انغراس المنظمة وسط الجماهير الشعبية، و خاصة الطبقة العاملة"

و في محاولة للرد المسبق، عن كل اتهام بالتدرجية و التطورية ، يقول الكاتب:

"قد يظن البعض أننا من دعاة النظرية التطورية و التدرجية للثورة. لا أبدا ، نحن نعتبر أن المسلسل الثوري سيعرف قفزات نوعية تتحول خلالها التحالفات الطبقية و القوى الأساسية و أساليب المواجهة مع النظام و أشكال التنظيم و طابع الحركة النضالية للجماهير الشعبية. غير أننا لا نعتبر أن تلك القفزات ستسقط من السماء بقدرة قادر، أو أنها ستكون نتيجة لحركة عفوية بل إننا نعتبر أن شروط وقوع تلك القفزات النوعية هي التراكمات الكمية من جهة، و قدرة القوى الثورية في توجيه و تنظيم حركة الجماهير، و في مقدمتها الجماهير الكادحة، لذلك فإن العمل على الإسراع بتلك التراكمات عبر بلورة تكتيكات سديدة و في نفس الوقت الاستعداد للقفزة النوعية تعتبر من المهام الأساسية المطروحة على القوى الثورية".

لقد حاول الكاتب أن ينفي عن طرحه كل اتهام ب"التطورية" و"التدرجية"، و ذلك، باللجوء إلى مجموعة من العموميات التي لا تعني شيئا، و ما كان إلا أن سقط في عكس ما توخاه ،أي تبرير ذلك الاتهام بالتطورية و التدرجية ، و سيحاول كذلك إبعاد تهمة العفوية عن أطروحته، و ذلك، باللجوء مرة أخرى إلى العموميات، من قبيل التراكمات الكمية و القفزات النوعية، و قدرة القوى الثورية في توجيه و تنظيم حركة الجماهير، و التكتيكات السديدة للإسراع بالتراكمات الكمية، و لم ينس التذكير بضرورة الاستعداد للقفزة النوعية التي تعتبر من المهام الأساسية المطروحة على القوى الثورية. فكيف يمكن بلورة تكتيكات سديدة في غياب استراتيجية سديدة، التي تظل كامنة في إحدى الزوايا، حتى اللحظة التي تتحقق فيها القفزات النوعية، فتخرج من مكمنها كما يخرج الجن من قمقمه. يتعلق الأمر هنا بنوع من "الدميص" على الطريقة المغربية، أي التعميم من أجل "التغميض"(من الغموض ).

و سيحاول الكاتب، أن يقدم البرنامج التكتيكي المرحلي الذي، بطبيعة الحال، سيساعد على الإسراع بالتراكمات الكمية و تحقيق القفزة النوعية.

يقول الكاتب، بالنسبة لهذا البرنامج ،على المستوى السياسي:

"اتخاذ مواقف سياسية مرنة تركز على العدو الأكثر شراسة (المافيا المخزنية ) و تحاول عزله عبر جر كل القوى السياسية والطبقية الأخرى إلى صف المعارضة، كما تساند القوى المناضلة داخل الأحزاب المعارضة الشرعية، و تدفع في اتجاه خلق جبهة نضالية معها، في نفس الوقت ننتقد تخاذل الجهات اليمينية داخل أحزاب المعارضة البرلمانية".

أما شعار هذه الجبهة النضالية، فهو مناهضة "المافيا المخزنية" و الحكم الفردي الاستبدادي المطلق، بارتباط مع مواجهة المصالح الاقتصادية للمافيا المخزنية.

لقد سبق أن أشرنا ، إلى مجموعة من الطروحات ذات الطبيعة الإصلاحية، التي تخللت مجموعة من وثائق المنظمة.

هكذا ، و في ظل غياب أية استراتيجية، أعاد الكاتب إنتاج أطروحة عفا عنها الزمن، و انتقدتها حتى الاتجاهات الأكثر يمينية. فشعار "المافيات المخزنية" ليس سوى امتدادا لشعارات سبقته من قبيل "عصابات الحسن ــــ عبد الله ــــ الدليمي"، "عزل النظام"،"عزل النواة الفاشية". و بطبيعة الحال يأتي مفهوم "المافيا المخزنية" في آخر السلسلة، مما يعكس تطورا في الخط الإصلاحي، أما الكلام عما سماه الكاتب ب"العدو الأكثر شراسة"، و يعني به "المافيا المخزنية"، فهو مفهوم مستقى من التجربة الفيتنامية، و ليست له أية علاقة بالمنظور الاستراتيجي للثورة الفيتنامية، كما صاغه قادتها الكبار، لأنه شعار صيغ ضمن شعارات أخرى، تخضع لاستراتيجية ثورية، سار عليها حزب العمل الفيتنامي، أما في غياب الاستراتيجية الثورية، كما هو الحال لدى أصحاب"إعادة البناء"، فكل تكتيك يفتقدها، فإما أن يسقط في الإصلاحية اليمينية، و إما في نزعة مغامرة بدون أفق، و شعار مناهضة المافيا المخزنية، كشعار يعتمد على القوى الإصلاحية لتحقيقه، و في غياب أية استراتيجية ثورية ، هو تعبير عن نزوع و خط إصلاحي يميني.

و عالج الكاتب طرحه التكتيكي المفتقد للاستراتيجية الثورية، على المستوى التنظيمي كذلك :

"إن الربط بين الاستراتيجية و التكتيك على مستوى أشكال التنظيم السياسي في واقع بلد كالمغرب يتمثل إذن في بلورة أشكال متعددة و مختلفة من التنظيم السياسي منها العلنية بل حتى الشرعية إذا سمحت الظروف الموضوعية بذلك، و شبه العلنية و السرية. أما إعطاء أهمية خاصة لهذا الشكل أو ذاك، فيتعلق بتحديد طبيعة المرحلة التي تمر منها البلاد و الشكل الأنسب لتوفير ربط سديد و محكم بين الاستراتيجية و التكتيك في ظل موازين القوى المحددة. و في اعتبارنا، أن المرحلة الراهنة تسمح بمراكمة القوى الجماهيرية لفرض بناء إطار سياسي علني و ليس شرعي بالضرورة، و ذلك على المدى المتوسط".

ليس هدفنا هنا، مناقشة مفهوم العلاقة بين العمل السري و العلني ، فهناك ما يكفي من الكتب و الوثائق و التجارب ما يغني عن هذا النقاش، فما يهمنا من خلال إبراز هذه الفقرة، هو إظهار الكيفية التي أتبث بها صاحب المقال أطروحته الإصلاحية، فبعد الإقرار بضرورة تأجيل الاستراتيجية، و بعد صياغة ما أسماه بالبرنامج التكتيكي المرحلي، أفصح كاتب المقال عما كان يعني به "الإسراع بالتراكمات الكمية" و"الاستعداد للقفزات النوعية"،أي الاستعداد للدخول في إطار سياسي علني على طريق أن يصبح شرعيا، و ذلك لعمري تتويج لطرح إصلاحي يميني، يجعل من غياب الاستراتيجية استراتيجية، و من التكتيك طريقا للإصلاحية، بالاعتماد على برنامج نضالي يعتمد على القوى الإصلاحية أساسا، و على شعار إصلاحي كذلك يتخلى عن طرح مسالة النظام.

إن الغرق في العموميات و "الطميس" لم يكن له من هدف سوى الوصول إلى تلك النتيجة النهائية.    

المقال الثاني: رأي في مقولة "العنف الجماهيري المنظم"  

يذكرنا الكاتب بالشعار الجديد للمنظمة بعد تخليها عن استراتيجية حرب التحرير الشعبية فيقول:

"إذا كانت منظمة "إلى الأمام"، قد رفعت منذ السنوات الأولى لتأسيسها شعار"حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد"، كشعار استوحته في واقع الأمر من التجربة الصينية بالخصوص، و ليس من الواقع المغربي الملموس، فإنها تمكنت بعد ذلك من تخطيه لترفع شعار "العنف الجماهيري المنظم" في مواجهة العنف الرجعي".

نفهم من هذا، أن الشعار الملموس المرتبط بالواقع المغربي الملموس، هو شعار "العنف الجماهيري المنظم في مواجهة العنف الرجعي"، و دون الدخول في مناقشة ظروف و سياق تبني منظمة "إلى الأمام" لاستراتيجية حرب التحرير الشعبية، أو مناقشة العلاقة الجدلية بين المجرد و الملموس و العام و الخاص، فشعار "العنف الجماهيري المنظم" من الناحية المفاهيمية ليس استراتيجية، بل يصلح عنوانا لكل أشكال العنف الثوري الذي يعتمد على الجماهير،أو خانة لتصنيف تلك الأشكال أو الأساليب، و هنا خلط كبير على مستوى استعمال المفاهيم و المقولات، فيما نعنيه ب:( تصنيف الإستراتيجيات الثورية)( catégorisation des stratégies révolutionnaires). إن شعار "العنف الجماهيري المنظم" ليس استراتيجية، و لا يمكن مفاهيميا أن يكون كذلك، و الحقيقة أنه استعمل كغطاء للتخلي عن أي استراتيجية ، مستغلا في ذلك ضعف المناضلين النظري و الفكري، من أجل تمريره عبر فذلكة كلامية ليس إلا.

و يحاول الكاتب أن يجتهد في ظل هذا "المفهوم"، فيقول أن العنف الثوري ليس هدفا في حد ذاته، و إنما وسيلة من بين وسائل عدة للتغيير، و هو سيف ذو حدين (...):

"فإذا كان تبني الجماهير الشعبية له، يعتبر مسألة أساسية بل و حاسمة في الخوض فيه، فلا ينبغي الاستهانة بالرأي العام الخارجي وخاصة الغربي حين التفكير في مباشرته فالمعروف أن هناك حساسية كبيرة لديه فيما يخص استعمال العنف من طرف قوى التغيير الجذري، فلإقناعه بضرورة ممارسته، و ضمان مساندته كما هو الشأن بالنسبة للنضال السلمي الذي يخاض ضد القمع و العنف المخزني، لا بد و أن يمر عن طريق إقناعه بأنه يدخل في إطار الدفاع المشروع عن النفس و بأن النضال السلمي غير كافي لمواجهة النظام الدكتاتوري القائم. و بحدوث تلك القناعة لابد من توطيد العلاقات معه و إطلاعه باستمرار على كل جرائم النظام ،و على الخطوات و الإجراءات التي تتخذها الفعاليات و القوى التقدمية و الديموقراطية في مواجهته".

لقد قدم الكاتب هنا، عصارة فكره الرافض للعنف الثوري، حينما أسقط دور الطليعة الثورية في الإعداد للعنف الثوري، و أسقط ذلك على الجماهير التي عليها أن تتبناه لكي يقع، و هذا تراجع عن كل ما راكمته منظمة "إلى الأمام" منذ تقييمها لخط" الانطلاقة الثورية" استراتيجيا و سياسيا و تنظيميا، أما اشتراط موافقة الرأي العام الغربي فهو لعمري لأمر غريب، فالرجل يتحدث كما لو أن ثورات القرن 20 قد وقعت بمباركة الرأي العام الغربي هذا، و نفس الحال ينطبق على حركات التحرر الوطني، و ما تجربة الثورة الجزائرية إلا مثالا عن ذلك، حيث كانت الحكومات الاشتراكية المتتالية في فرنسا تساهم في تقتيل الشعب الجزائري عبر حرب استعمارية بغيضة، إضافة إلى مباركة الحزب الشيوعي التحريفي الفرنسي لتلك الجرائم...

إن وضع شرط ربح الرأي العام الغربي،علما أن الرأي العام ينقسم إلى عدة أقسام: رأي عام ديموقراطي، رأي عام "اشتراكي"، رأي عام شيوعي ثوري ...)، هو فقط للتأكيد على استحالة انطلاق العنف الثوري.

و في الأخير، يكشف الكاتب عن اجتهاده في هذا المجال حين يقول :

"ما أريد أن أصل إليه من كل هذا، هو أن رفع شعار "العنف الثوري الجماهيري المنظم" على المستوى الاستراتيجيي يظل ناقصا بل ضعيفا، و يمكن تعويضه على سبيل المثال بشعار"كل وسائل الدفاع الجماهيري السلمية منها و العنيفة في مواجهة العنف المخزني" على أساس إعطائه شكلا و مضمونا في كل فترة و حين".

كما أن صاحب المقال الأول، قد توصل في خلاصته إلى ضرورة الاستعداد ل "القفزة النوعية"، من خلال التأكيد على ضرورة قيام التنظيم العلني، يصل صاحب المقال الثاني، بعدما أفرغ مفهوم العنف الثوري من مضمونه الحقيقي (مجرد الدفاع عن النفس)، إلى ضرورة تنقيح مفهوم "العنف الثوري الجماهيري المنظم" كطرح استراتيجي، أي أن الكاتب باعتماده على مفهوم فارغ من أي مضمون، يحاول إعطاءه شحنات جديدة تتلاءم مع شرط تبني و مباركة الرأي العام الغربي لاستعمال العنف كورقة أخيرة، أو كدفاع عن النفس (مكره أخاك لا بطل)، و لذلك اقترح استبدال هذا الشعار بشعار آخر:

"كل وسائل الدفاع الجماهيري السلمية منها و العنيفة في مواجهة العنف المخزني"، و نعلم جيدا أن هذا، بالإضافة إلى الخلط المقصود بين مستويات العنف الثوري، و اختزال ذلك في العنف الجماهيري الدفاعي، و مع غياب الهدف الاستراتيجي، هو قمة التحريفية، كان يعني خطوة ضرورية للانتقال إلى طريق "النضال السلمي" ، و التخلي عن أسلوب الحسم الثوري عن طريق تبني استراتيجية ثورية، كضرورة من ضرورات العمل الثوري للطليعة الماركسية ــ اللينينية.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.