Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الجزء الرابع: أبراهام السرفاتي والأطروحات التحريفية الجديدة: الأطروحة الأولى ــ 26 ماي 2017

Pin it!

يقدم موقع 30 غشت الجزء الرابع والأخير من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام". وهو الجزء الذي يتعاطى بالدراسة والتحليل والنقد للأطروحات التحريفية الجديدة التي تبلورت وسط منظمة "إلى الأمام"، والتي على أساسها تمت عملية ما سمي ب "إعادة البناء" في بداية ثمانينيات القرن الماضي.خ1.gif

في هذه الحلقة، وبعد تقديم مركز حول المنظر الرئيسي للتحريفية الجديدة: أبراهام السرفاتي، يقدم الموقع الاطروحة الأولى للخط التحريفي الجديد، وهي تتضمن محورين، الأول بعنوان: "من الماركسية ــ اللينينية ــ إسهامات ماو (خط ماو) إلى الماركسية كمتدولوجيا "، والمحور الثاني بعنوان: "من المادية الفلسفية إلى المثالية الفلسفية".

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأحمر وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش (من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

الجزء الرابع

القسم الأول  

الأطروحات التحريفية الجديدة

أبراهام السرفاتي المنظر الرئيسي الأول للتحريفية الجديدة بالمغرب

تقديم

ولد أبراهام السرفاتي في 16 يناير، سنة 1926، و توفي في 18 نونبر، سنة 2010،عن سن تناهز 84 سنة.

درس السرفاتي بثانوية ليوطي بمدينة الدار البيضاء، و فيها نال شهادة البكالوريا في مادتي الرياضيات و الفلسفة سنة 1943 ، ثم التحق بفرنسا لاستكمال دراسته الجامعية، حيث تخرج من مدرسة المعادن بباريس، كمهندس في قطاع المعادن سنة 1949.

أصبح أبراهام السرفاتي مناضلا في الشبيبة الشيوعية، التابعة للحزب الشيوعي المغربي سنة 1944، و في الخمسينات نفي إلى فرنسا، بسبب مواقفه الوطنية المعادية للاستعمار الفرنسي، و عند الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956، عاد أبراهام السرفاتي إلى المغرب، و في سنة 1959، و بعد تشكيل حكومة عبد الله إبراهيم ، التحق بديوان وزيرها في الاقتصاد عبد الرحيم بوعبيد.

ظل أبراهام السرفاتي عضوا في الحزب الشيوعي المغربي، الذي تم حظره على يد حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1959، إلى حدود 1970.

و تحت تاثير الأفكار الثورية التي أطلقتها الثورة الثقافية الصينية، و انتشرت عبر العالم، كنقد للخطوط التحريفية داخل الاتحاد السوفياتي و الأحزاب الشيوعية التحريفية الدائرة في فلكه، و وصول أصداء الانتفاضة الطلابية الفرنسية في ماي 1968، و تأسيس الفصائل الفلسطينية الثورية، و خاصة، الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، التي جعلت أبراهام السرفاتي يلتقي بأمينها العام نايف حواتمة في عمان بالأردن، و ذلك سنة 1970.

في ظل هذه الأجواء، أخذ مسار حياة أبراهام السرفاتي النضالي، يدخل منعطفا جديدا، أدى به إلى الإلتحاق بطاقم مجلة "أنفاس" المغربية، فأصبح عضوا نشيطا داخل هيئة تحريرها، مساهما بدور كبير في تحول المجلة، من مجلة ثقافية تأسست سنة 1966، إلى مجلة سياسية ابتداءا من 1970، و ذلك إلى جانب مديرها عبد اللطيف اللعبي و آخرين. و خلال هذه الفترة، تشكلت الأفكار الثورية لدى أبراهام السرفاتي،التي جعلته ينسحب ضمن مجموعة من المناضلين الشيوعيين الثوريين، من الحزب الشيوعي التحريفي، و المساهمة في تأسيس منظمة ماركسية ــ لينينية، ستعرف فيما بعد بمنظمة "إلى الأمام" الماركسية ــ اللينينية،و ذلك في 30 غشت 1970.

ينتمي أبراهام السرفاتي إلى عائلة يهودية مغربية بورجوازية من أصول أندلسية، و قد لعب أدوارا مختلفة في مغرب ما بعد 1956، كمثقف و اقتصادي و مهندس و أستاذ جامعي و مدير تقني بالمكتب الشريف للفوسفاط، كما لعب أدوارا مختلفة في تاريخ منظمة "إلى الأمام"،كأحد قادتها المؤسسين، ثم كأحد قادة الاتجاه الثوري داخلها، من 1970 إلى 1979، و في يناير1979 التحق بالإتجاه الإصلاحي اليميني بقيادة المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري، و شكل مع قادته الثالوث الذي قاد حربا قذرة ضد المنظمة و خطها الثوري، و بعد التحاق رفيقيه في التحالف الإصلاحي المقدس بخط الردة، التحق من جديد بالقيادة التي تشكلت سنة 1979، فأصبح أحد قادة الخط التحريفي الجديد، الذي أشرف على ما سمي بإعادة بناء المنظمة في الثمانينات، و هي العملية التي انتهت بالفشل في خريف 1985، كما كان أبراهام السرفاتي وراء بروز أهم الأطروحات التحريفية الجديدة داخل المنظمة، و التي انتهت بحلها سنة 1994، بعد التخلي الشامل عن خطها الإديولوجي و السياسي الثوري.

بحكم انتمائه الاجتماعي، ظلت تجربة أبراهام السرفاتي النضالية،عبارة عن معايشة و مسايرة غير مباشرة، دون احتكاك مباشر بالجماهير، أي متابعة فكرية و نقدية، و مسايرة تنظيمية ليس إلا، و ذلك ، من خلال انتمائه فقط للهياكل التنظيمية للمنظمة، و بذلك، توفرت عوامل موضوعية و ذاتية لتربي داخله نزعة مثقفوية يسارية أحيانا، و يمينية أحيانا أخرى، حاول مرارا التخلص منها، لكن دون جدوى، لحد أنه صرح ذات مرة، و على رؤوس الملأ ، و أمام مجموعة من مناضلي "إلى الأمام"، أنه طول حياته كان هيجليا، و في ذلك أكثر من معنى.

و دون تبخيس لدوره التاريخي في بلورة الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، خاصة، من 1970 إلى 1979، يمكن القول، أن الحضور الوازن للشهيد عبد اللطيف زروال داخل منظمة "إلى الأمام"، خاصة، بعد الندوة الوطنية الأولى و خصوصا، منذ صيف 1972، لعب دورا كابحا و ضابطا لتأرجحات أبراهام السرفاتي. لكن منذ استشهاد الرفيق عبد اللطيف زروال، في 14 نونبر 1974، و بالأخص منذ 1976، بدأت التأرجحات تعود بالتدريج، سواء على مستوى الفكر، أو على مستوى الممارسة، لتعرف أعلى أشكالها سنة 1979، بعد تشكيله مع الثنائي المشتري بلعباس و عبد الله المنصوري ثلاثيا إصلاحيا يمينيا، قام بأدوار كبرى في محاربة الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، ثم انخرط أبراهام السرفاتي، بعد ذلك، في خط متواصل نحو معانقة خطوط تحريفية، سبق له أن عاش بعضها، قبيل تأسيس المنظمة، ثم عاد إليها بمستويات أعلى و أعمق في ثمانينات القرن الماضي. و مما يجعل مهمة رصد تلك الانحرافات عملية معقدة، كون فكره، لم يخضع لحد الآن للتحليل و التركيب، رغم أن الأمر يتعلق فعلا بوجود فكر تحريفي متكامل، سيلقي بظلاله على تجربة الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، و الحركة الثورية المغربية، بحيث لم تنج النماذج القائمة الآن، لما يسمى باليسار الجديد بالمغرب، من تاثير هذا الفكر و جاذبيته، بمعنى أنها تولدت في شروط تاريخية محددة ، من تحت عباءة هذا الفكر التحريفي، سواء بشكل مباشر، كما هو الحال بالنسبة للنهج الديموقراطي الذي يدعي الاستمرارية لمنظمة "إلى الأمام" ـــــ و في حقيقة الأمر للخط التحريفي داخلها ـــــ أو بشكل غير مباشر، لفصائل أخرى تدعي الانتماء لليسار.

لقد ظل أبراهام السرفاتي، يعوض عن الممارسة النضالية المباشرة، بقراءة الكتب، مما جعل فكره يظهر في مجموعة من المجالات، و كأنه منتفخ و متضخم، تختلط فيه الوقائع المادية و الأوهام البورجوازية الصغيرة التي تعوض عن هذا الواقع المغيب لديه. و كان من الحتمي، أن تؤدي به تلك الطروحات التحريفية المتبناة خلال عقد الثمانينات، و المدفوعة إلى مداها الأقصى، خاصة بعد عودته إلى المغرب سنة 1999، إلى الدعوة إلى مبايعة الملكية، عبر الدعوة إلى تبني قيادتها لما يسمى بالمجتمع الديموقراطي الحداثي، لتنتهي بذلك حياته النضالية نهاية مأساوية.

هكذا، مرت تجربة أبراهام السرفاتي السياسية من ثلاثة مراحل، الأولى منها، اتسمت بالتحريفية و الإصلاحية، ثم المرحلة الثورية، و امتدت إلى حدود يناير 1979، ثم بعد ذلك، مرحلة ثالثة، عرفت عودة تدريجية و طويلة المدى إلى التحريفية، في مستوى أعلى، و انتهت بدخوله إلى المغرب، بعدما ساهم في حل منظمة "إلى الأمام" سنة 1994، و سقوطه النهائي في أحضان النظام الكمبرادوري.

و يمكن تصنيف أبراهام السرفاتي، باعتبار ممارساته السياسية، و غزارة إنتاجه الفكري، كأبرز منظر، و زعيم للتحريفية الجديدة بالمغرب، منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي.

أبراهام السرفاتي و الأطروحات التحريفية الجديدة

الأطروحة الأولى

1) من الماركسية ــ اللينينية ــ إسهامات ماو (خط ماو) إلى الماركسية كمتدولوجيا  

في المرحلة الممتدة من 1980 إلى 1994، تم التخلي التدريجي عن الخط الإديولوجي الثوري لمنظمة "إلى الأمام"على يد دعاة خط تحريفي جديد.

و قد قام التحريفيون الجدد داخل المنظمة، من أجل الوصول إلى أهدافهم، بتفكيك الخط الإديولوجي على مراحل، أهمها مرحلتان أساسيتان:

- المرحلة الأولى 1980- 1985 (التفكيك الأول للخط الإديولوجي).

منذ انطلاق مسلسل ما يسمى ب"إعادة بناء المنظمة"، قامت "القيادة الجديدة" التي أشرفت على ذلك، بتفكيك أول للخط الإديولوجي، عن طريق التخلي عن "إسهامات ماو"، كمكون أساسي للخط النظري للمنظمة.

منذ 1972 أصبح خط ماو مكونا أساسيا للخط الإديولوجي للمنظمة، و خلال سنة 1974، عرفت منظمة "إلى الأمام" نقاشا واسعا، بمناسبة إعداد أول نظام داخلي لها، و ذلك على طريق الاستعداد لمؤتمرها الأول، و تضمن المشروع ديباجة أكدت على الخطوط العامة للخط النظري و الفكري و الاستراتيجي للمنظمة، الذي كثفته عبارة "الماركسية ــ اللينينية ــ إسهامات ماو"، و في أكتوبر 1974، و بعد استنفاذ النقاش حول الموضوع، تم الحسم النهائي في مشروع النظام الداخلي، الذي تضمنت ديباجته شعار "الماركسية ــ اللينينية ــ إسهامات ماو" كخط إديولوجي للمنظمة، و حرب التحرير الشعبية كخط استراتيجي للثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية.

هكذا إذن، تم التخلي عن مكون أساسي في الخط الإديولوجي للمنظمة بمبادرة فوقية بيروقراطية، لم تخضع لأي نقاش، رغم المعارضة التي أبداها العديد من الرفاق. كما تم هذا التغيير، خارج أي تقييم للخط الإديولوجي على ضوء التجربة التاريخية للمنظمة، و كذلك خارج الأطر الشرعية التنظيمية التي حددها النظام الداخلي للمنظمة. لقد دشنت القيادة الجديدة نشاطها، بعملية انقلابية،مست الخط الإديولوجي و الإستراتيجي في ذات الآن.

هكذا، تمت عملية ما سمي ب"إعادة بناء" المنظمة، و التي دامت من 1980 إلى 1985، في ظل خط إديولوجي جديد، يتبنى "الماركسية ــ اللينينية" ظاهريا، في وقت، بدا فيه التراجع واضحا عن مجموعة من القضايا التنظيمية و الاستراتيجية، شكلت محاور أساسية في الخط العام لمنظمة "إلى الأمام" (استراتيجية حرب التحرير الشعبية، النظرية اللينينية للحزب،خاصة مفهوم الاحتراف الثوري.)

لقد شكل شعار"الماركسية ــ اللينينية" غطاءا مزيفا، للعديد من التراجعات، التي ستعلن عن نفسها، بشكل واضح، بعد فشل مسلسل "إعادة البناء".

تبين التجربة التاريخية الملموسة، أن "الماركسية ــ اللينينية"، لدى من تحكموا في دواليب القيادة الجديدة، لم تكن سوى خلطة من الأطروحات التحريفية، كانت تعمل بذكاء على ضرب الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام"، و مما سهل تمرير هذه الخلطة، كون أن أهم وثائق "إعادة البناء"،كانت تتميز بميزة أساسية و مشتركة، و هي غياب أي أفق أممي للعمل الثوري للمنظمة، بما كان يعني انقطاعا شبه تام و مقصود، عما كان يدور من نقاشات داخل الحركة الشيوعية الثورية العالمية، و مثال على ذلك، وثائق مثل "حول بعض القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية" (أبريل 1980 موقعة ب "القيادة") التي، خلافا، لكل الوثائق الأساسية لمنظمة "إلى الأمام"، قد غيبت الأبعاد الأممية و العربية و المغاربية للثورة المغربية، و على نفس المنوال، سار "مشروع النظام الداخلي الجديد للمنظمة " لسنة 1982.

بهذا الاتجاه التحريفي، الذي رسمته القيادة الجديدة، يكون قد حصل تقاطع مع الخط الإصلاحي اليميني، الذي دافع هو الآخر عن منظور استراتيجي شوفيني، يعزل الثورة المغربية عن أبعادها الثلاثة (انظر وثيقة "نظرية الثورة في الغرب العربي").

- المرحلة الثانية 1985 – 1994 (التفكيك الثاني للخط الإديولوجي)

بعد التفكيك الأول للخط الإديولوجي، و في مسعى حثيث، لتأسيس خط تحريفي جديد، لجأ التحريفيون الجدد داخل منظمة "إلى الأمام" إلى تفكيك ثان، حينما، قاموا بعملية فصل اللينينية عن الماركسية، و قد تحقق لهم ذلك، في المرحلة الثانية الممتدة من سنة 1985 إلى سنة 1994 (تاريخ حل المنظمة). و إذا كان التفكيك الأول قد مر في صمت، فإن التفكيك الثاني صاحبته تصريحات و كتابات كثيرة، محاولة تبرير هذا الانتقال الجديد من "الماركسية ــ اللينينية إلى الماركسية، ك"متدولوجيا للدينامية الاجتماعية"، أو ما أطلق عليه التحريفيون الجدد ب "الجوهر الحي للماركسية".

لقد شكل فشل مسلسل ما يسمى ب"إعادة البناء"، الذي اشرفت عليه القيادة التحريفية الجديدة، دفعة قوية، للاتجاه التحريفي، لكي يتحرر من القيود السابقة، و لينخرط بشكل كبير، إلى جانب القوى التحريفيية الأخرى، في عملية التصفية النهائية للخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" و للحملم. هكذا، توجهت معاول التحريفيين الجدد رأسا إلى الخط الإديولوجي، و قامت بتخريبه، و الإعلان عن غزوتها على رؤوس الملأ، تحت شعار "إعادة تجديد خط المنظمة الإيديولوجي و التنظيمي".

بهذه الطريقة، تم التخلي النهائي عن اللينينية، و الإعلان عن تبني "الماركسية كمتودلوجيا للدينامية الاجتماعية".

و خلال هذه المرحلة، برز أبراهام السرفاتي، كقائد للجوقة التحريفية الجديدة، بدون منازع، و كأهم منظر للتحريفية الجديدة بالمغرب، مما جعله يستحق لقب "التحريفي الأول بالمغرب". و قد قام أبراهام السرفاتي، خلال سنوات الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي، بمراجعات عديدة للماركسية ــ اللينينية، تميزت بهجوم مسعور على اللينينية، و تحميلها كل الشرور التي ألمت بالتجارب الاشتراكية، خلال القرن 20.

و بطبيعة الحال، و ككل الخطوط التحريفية التي انبثقت من داخل الحركة الشيوعية العالمية، منذ عصر برنشتاين، و التي كانت دائما تقدم نفسها، على أنها تجديد للماركسية، قامت السرفاتية، و من سار على نهجها، بتقديم بضاعتها الفاسدة، على أنها تجديد للخط الإيديولوجي و التنظيمي للمنظمة، بل تجديد للماركسية، التي قام التحريفيون الجدد بسلخها عن مضمونها الثوري.

في مقال صادر في مجلة "إلى الأمام"، تحت عنوان "حول مسار الثورات الاشتراكية في العالم الثالث ــــ تفكير انطلاقا من مأساة يناير1986 في جنوب اليمن ـــــ مجلة "إلى الأمام" عدد 11- 12 يناير 1987، حاول الكاتب (المعني هنا أبراهام السرفاتي)، الترويج لأسطورته حول ما أسماه تجدد و تجديد الأحزاب الشيوعية العربية (أي الأحزاب الشيوعية التحريفية العربية) التي توهم الكاتب، أنها، بدأت تسير في طريق التجديد الثوري، في نفس الوقت الذي دعمت فيه علاقاتها مع الحركة الشيوعية العالمية، التي كانت تعيش هي نفسها مرحلة من التجديد، و ذلك تحت تأثير الثورات الكوبية و الفيتنامية و النكارغوية. و عليه دعا صاحب المقال، بل اعتبر من واجب الثوريين الماركسيين ــ اللينينيين المغاربة و العرب، المساهمة في هذا التجديد، و ليس الابتعاد عنه، "يا ماجاب الغراب لأمه"، كما يقول المثل المصري.

في جواب عن سؤال لأسبوعية "لوجورنال"، (السؤال هو: هل مازلتم ماركسيا ــ لينينيا؟) ،يقول أبراهام السرفاتي:

"بالنسبة لي، فالماركسية هي أساسا ميتودولوجيا، إنها طريقة التحليل للمجتمعات و الدينامية الاجتماعية. لقد قدمت الماركسية نقدا للرأسمالية، لا أكثر من ذلك، ليست نموذجا، ليست بوصلة كما قيل".

و في سؤال آخر لنفس الأسبوعية: هل الماركسية ــ اللينينية طالها النسيان؟

أجاب منظر التحريفية الجديدة:

"لقد قدمت منذ سنوات، خاصة في فرنسا، نقدا أساسيا لما يسمى باللينينية، إن ما يميز اللينينية هي نظرية حزب الطليعة. أنا أقول إن هذه النظرية خاطئة تماما، و قادت الاتحاد السوفياتي إلى الكارثة، و الأحزاب الثورية في العالم أيضا، التي أصبحت الماركسية عندها عقيدة ".

و يعرف أبراهام السرفاتي ماركسيته الجديدة، بما يلي:

"الماركسية، بالنسبة لي، هي أولا، و قبل كل شيئ، إن لم أقل و حسب، ميتودولوجيا الدينامية الاجتماعية، إنها ليست عقيدة، و الماركسيون الفعليون كلهم يعرفون ذلك. و قد عبر ماركس عن ذلك، عندما نفى كونه ماركسيا، ليست عقيدة فحسب، بل، لا يجب أخذها أنها مجموعة وصفات جاهزة للتطبيق، و لا وجود لنموذج ثوري".

قبل الخوض في جوهر الأفكار التحريفية لأبراهام السرفاتي، لا بد من توضيح نقطتين أساسيتين، الأولى، و تهم ما أسماه ب "الماركسيين الفعليين"، و هنا بعد تبخيس اللينينية، و طرد ستالين من لائحة "الماركسيين الفعليين"، نصب منظر التحريفية الجديدة تروتسكي و التروتسكيين في طليعة هؤلاء، يقول السرفاتي:

"... علينا القيام بفرز داخل من سموا برواد الماركسية ـ اللينينية الكبار في القرن 20، و طبعا لا مجال للحديث عن ستالين، بل، و أغتنم هذه الفرصة، لأحيي الحركة التروتسكية، و لأحيي أولئك الذين كانوا على بينة، منذ العشرينيات، من السيرورة الستالينية في الاتحاد السوفياتي".

إنها هدية يقدمها منظر التحريفية الجديدة أبراهام السرفاتي، لأحد رواد التروتسكية العالمية: إرنست منديل، علما، أن هذه الحركة، لم تقدم جوابا عن التحولات التي عرفها الاتحاد السوفياتي، ما دامت مقولاتها و مفاهيمها، لا تتجاوز ما أسمته ب"الدولة العمالية المبقرطة" في الاتحاد السوفياتي، و أوربا الشرقية، الشيء الذي، لا يرقى إلى مستوى الإسهامات الكبرى للحركة الشيوعية الماركسية ــ اللينينية ،بقيادة ماوتسي تونغ، و العديد من الثوريين.

أما استعمال قولة ماركس الشهيرة، بأنه ليس ماركسيا، فلا تعدو كونها تشويها للحقائق التاريخية، و ركوبا على ذلك التزييف، لخدمة و تبرير ترهات تحريفية، على نفس الطريقة، التي يلجأ إليها كل التحريفيين عبر العالم.

و بالعودة إلى التاريخ، سنجد أن أبراهام السرفاتي و أمثاله، يسوقون أكاذيب، و يحرفون الكلم عن مواضعه.

و يعلم الجميع، أن الحركة الاشتراكية في فرنسا، قد تعرضت إلى ضربة قوية، بعدما تعرضت كومونة باريس لمذبحة رهيبة، لكن بعد ذلك، و في سياق النمو الذي كانت تعرفه أوربا عموما، و فرنسا خصوصا، بدأت تظهر داخل الطبقة العاملة الفرنسية، العديد من التيارات الاشتراكية، أحدها ، كان يدعي انتماءه لكارل ماركس، و كان هذا التيار يعرف ب"الغيسديون"، نسبة لجول غيسد. و لرفع اللبس عن حقيقة هذا الانتماء، كتب انجلز رسالة إلى برنشتاين، بتاريخ 2 نونبر1882، و قد جاء فيها:

"إن ما يسمى ب"الماركسية" بفرنسا، هو حقا مقال خاص جدا، لحد أن ماركس، قال ل لافارغ : إن ما هو مؤكد هو أنني لست ماركسيا".

في حقيقة الأمر، لم يكن الغسديون سوى إحدى منوعات، لما كان يسمى بالاشتراكية الفرنسية، حتى و إن اتفقوا على الاستيلاء على السلطة و التشريك ، لقد ظلوا يجهلون المادية التاريخية و المادية الجدلية، و اختزلوا الماركسية في الاستيلاء على السلطة، و تقول الأسطورة، أن جول غيسد زعيم هذا التيار، المدعي الماركسية، كان يتوفر على كل مؤلفات كارل ماركس التي امتلئت بها مكتبته، و عند مماته، اكتشف أنصاره، أن صفحات تلك الكتب، ظلت ملتصقة مع بعضها، تعبيرا عن أن زعيم التيار لم يطلع عليها أبدا.

و في رسالة أخرى لإنجلز إلى برنشتاين بتاريخ 25 أكتوبر 1882، يرفع فيها اللثام، عن حقيقة اتصاله هو و ماركس بجول غيسد، يقول انجلز:

"فماركس، و أنا، لم تكن لنا أي مراسلة مع غيسد، لم نكتب له إلا في مناسبات تهم بعض القضايا المحددة، و ما كتبه لافارغ لغيسد لا علم لنا به، إلا بصفة عامة، و نحن بعيدون عن كل ما كتبه غيسد للافارغ، و الله وحده يعلم أية مشاريع كانا يتبادلانها، بدون أن نعلم شيئا بتاتا عنها، و ماركس، كما أنا، قدمنا نصائح بين الفينة و الأخرى، إلى غيسد عن طريق لافارغ، لكن قليلا ما تم الأخذ بها. حقا جاء غيسد إلى هنا (المقصود لندن)، حينما كان الأمر يتعلق ببلورة مشروع برنامج للحزب العمالي الفرنسي.

في حضور لافارغ و أنا، أملى عليه ماركس، و هو يمسك بالقلم، حيثيات هذا البرنامج ( ..... )، و لكن قليلا ما كان غيسد يتحدث باسم ماركس، لكن كم كان قليلا ما يعبر غيسد عن ماركس، و يتجلى هذا من خلال إقحام نظريته ،غير ذات المعنى، حول "الحدالأدنى للأجور" ".

مما جاء أعلاه، يتبين أن ماركس و انجلز، كانا على بينة من الواقع الفكري و النظري المدقع لتيار الغسديين، الذي كان يعتبر نفسه ماركسيا، في وقت كان فيه هذا التيار، يجهل جهلا تاما المبادئ الأساسية للنظرية الماركسية (المادية الجدلية و المادية التاريخية)، كجزء من الحركة الاشتراكية الفرنسية ، التي كانت تتحرك بدون مفهوم إديولوجي و برنامج واضح.

و قد ظل هذا الاتجاه سائدا، إلى حدود تأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1920، الذي ورث العديد من نواقص الحركة الاشتراكية الفرنسية، التي سرعان ما عادت لتسود داخل الحزب، و بدورها ورثت الأحزاب الشيوعية المغاربية عن الحزب الشيوعي الفرنسي تلك الانحرافات.

إن قولة ماركس الشهيرة، تعني التبرؤ ممن يدعون الماركسية، و الماركسية منهم براء، و الحال أن المعنيين كانوا جاهلين بمبادئها، و هنا تنفضح أكاذيب الذين تنصلوا من انتماءاتهم السابقة للفكر الماركسي و الماركسي ــ اللينيني، و من هنا كذلك يتضح الاستعمال المغرض للقولة الشهيرة لماركس "إن ما هو مؤكد أنني لست ماركسيا"، بهدف التغطية على تحريفيتهم الجديدة.

2) من المادية الفلسفية إلى المثالية الفلسفية

انتقل أبراهام السرفاتي، المنظر الرئيسي للتحريفية الجديدة بالمغرب، من الماركسية عموما، إلى ما أصبح يطلق عليه ب"الحداثة"، و جوهرها انبثاق الفرد و الفرد الخلاق، و بعبارة بيديكند (رياضي فرنسي من القرن 19)، قال أبراهام السرفاتي "إننا من جوهر إلاهي، و نمتلك سلطة الخلق".

إنه تناقض صارخ مع جوهر الفكر المادي الجدلي التاريخي، و تبن سافر، ليس للحداثة بقدر ما هو "الحداثوية"بعينها، و ذلك كقاعدة لوجهة نظره الجديدة.

و من خلال، القراءة لمحاضرته المعنونة ب"انبثاق المجتمع المدني في السياسي في زمن الحداثة، بتاريخ 11- 12 – 95، نجد تحديد السرفاتي لمفهومه حول الحداثة و جوهرها، هذا الجوهر الذي يرى منظر التحريفية الجديدة، أنه تم التمويه عنه في هذا القرن (يعني هنا القرن 20)، عن طريق نجاح الجواب الجماعي (الكوليكتفيست ) على المجتمع الرأسمالي (يعني بذلك التجارب الاشتراكية في القرن 20)، فمن رأى حسب زعمه، هذا الفيلم حول انتفاضة سلمية لسكان لبزيغ، في أكتوبر1989، و التي سبقت سقوط جدار برلين، سيفهم، إن لم يكن قد فعل ذلك، فشل هذا الجواب (أي الاشتراكية)، ذلك حسب الكاتب، أن الحداثة هي انبثاق الفرد، التي تتأكد اليوم بقوة أكثر من ذي قبل، على صعيد الكوكب، و ذلك تحت تأثير قوتين محركتين أساسيتين و متلاقيتين، و هما:

- تأثير الأولى، و المعني تأثير الثورة المعلوماتية، التي جعلت الخلق و الإبداع في متناول الفرد، حتى بالنسبة للميادين التكنولوجية، المخصصة لحد الآن، لمالك الرأسمال الخاص، أو العام.

أما القوة الثانية المؤثرة، فهي تحرر النساء، ذلك التحرر، الذي فتح الطريق لتفتح الذاتية الخلاقة لجميع النساء و الرجال، و هذا، غير معروف في تاريخ البشرية.

هكذا إذن، يعتبر الماركسي سابقا أبراهام السرفاتي، أن الحداثة هي في جوهر انبثاق الفرد الخلاق، لحد أن النساء، هن كذلك، و بشكل غير مسبوق في التاريخ، استفدن من ذلك، لتنفتح ذاتيهن الخلاقة.

يقول التحريفي الجديد،أبراهام السرفاتي، على لسان ديديكند: "نحن من جوهر إلاهي، و نمتلك سلطة الخلق".

هكذا، فالحداثة، و جوهرها الفرد، و الفرد الخلاق، بدأ انتصارها منذ قرون، بما يوحي، بانتصار الفكر العقلاني الحداثي البرجوازي، الذي جعل من الفرد المعزول، أساس شعاراته حول المساواة و الحرية و الأخوة. و بطبيعة الحال، تصبح تجارب البناء الاشتراكي، و الثورات الاشتراكية، مجرد قوس تم إغلاقه بعد سقوط هذه التجارب، و بذلك، استعادت الحداثة وهجها و حيويتها و سيرورتها القائمة على انبثاق الفرد الخلاق.

نحن إذن، أمام فكر يعود بنا إلى مفهوم للجوهر الإنساني العابر للتاريخ، أي المعزول عن العلاقات الاجتماعية، جوهر دائم و أبدي و أزلي، جعل هذا الإنسان يمتلك سلطة الخلق، بإيحاء من القوة الإلهية.

يذكرنا هذا، بالكتابات الدينية السماوية، حيث "في البدء كانت الكلمة، و علم آدم الأسماء كلها"، كما يذكرنا بالفلسفة الأفلاطونية المثالية، التي جعلت من عالم المثل المعلقة في السماء، محركا للمعرفة، من خلال التذكر، حيث تتذكر الروح عالما روحيا ،عاشته في زمن ما.

لقد سبق لماركس، أن صوب سهام نقده لمثل هذه الترهات، بموضوعاته الشهيرة حول فيورباخ، و نفس الشيئ فعله في نقده لإيديولوجية حقوق الإنسان، القائمة على الفرد المجرد من كل جوهر اجتماعي و تاريخي، و المعتمدة على فلسفة الحق الطبيعي.

إن هذا الانعطاف ب 360 درجة، انتقل بأبراهام السرفاتي، من الفكر المادي التاريخي (الجماهير صانعة و خالقة التاريخ، عبر صراعها الطبقي، الصراع الطبقي محرك التاريخ)، إلى الفرد الخالق، أي الفرد البورجوازي في المجتمع الرأسمالي، بدل الذات الخالقة في الفكر الثوري الاشتركي العلمي، أي الطبقة العاملة و الجماهيرالكادحة.

لقد استأنفت الحداثة سيرها التاريخي، بعدما حاولت التجارب الاشتراكية التمويه عليها، كما يقول أبراهام السرفاتي، هنا، تتجلى لنا أطروحة "الماركسية مجرد ميتودولوجيا" لا غير، عندما حاول الكاتب، أن يشرح لنا كيف تحركت الحداثة من جديد، بعد سقوط خصمها الاشتراكية.

و نجد هنا كذلك، أن منظر التحريفية الجديدة، قد اعتمد على ما أسماه بالثورة المعلوماتية، باعتبارها محركا أساسيا، على الصعيد الكوني.

هكذا إذن، لم يعد هناك لا طبقات و لا صراع طبقي محركا للتاريخ، و للتطور المجتمعي، كل ما هنالك، أن صاحب هذه النظرة، قد سقط في ميكانيكية فجة، حيث التقنية و التكنولوجيا، خارج العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية، هي محرك الحداثة، أي التاريخ بالمعنى الذي يفهمه السرفاتي، و هذا خروج سافر عن جوهر الفكر الماركسي، حيث الصراع الطبقي المرتبط و المتفاعل جدليا بالبنية الاقتصادية، و حيث أن الناس يغيرون التاريخ في شروط محددة، و ليس من عدم، هؤلاء الناس الخالقون المبدعون هم منتجو الخيرات المادية للمجتمع.

إن الجماهير هي خالقة التاريخ، أما الفرد البرجوازي المعزول، و الوهمي في نفس الوقت، هو حلم البرجوازية بمجتمع على مقاسها : مجتمع الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، و سلطة استغلال و اضطهاد الأغلبية الساحقة من الرجال و النساء، أي المنتجون و المنتجات، الكادحون و الكادحات، هؤلاء و تلكم، الذين سحقتهم و تسحقهم باستمرار، آلة "الحداثة"، التي تغنى بها أبراهام السرفاتي، و معه جوقة التحريفيين الجدد.

لقد أقحم "الماركسي الميتودولوجي"، أي التحريفي الجديد، مسألة تحرر النساء، كمحرك أساسي آخر للحداثة، التي أصبحت إيديولوجية جديدة لديه بدل الاشتراكية، متناسيا، أن المسألة النسائية كقضية اجتماعية ،لا زالت مطروحة على جدول أعمال النضال، من أجل تحرر حقيقي للنساء، و من أجل الاشتراكية، و ضد الباترياركا و الرأسمال. فعن أي تحرر للمرأة يتحدث منظر التحريفية الجديدة؟

إن المرأة التي أصبح لها، في ظل مجتمع الحداثة، إمكانية الخلق و الإبداع، تعني هنا المرأة البورجوازية، التي و إن ناضلت من أجل تحررها، فإنما تفعل ذلك، ضد الرجل من طبقتها، بهدف تحقيق المنافسة الحرة معه، على مستوى الملكية الخاصة، و الحق في استغلال العمال و الكادحين، و ما سياسات المناصفة، و غيرها، سوى تأكيد لذلك، أي البحث عن احتلال أعلى المراتب الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في المجتمع الراسمالي، تلك المراتب، التي تضخ لها أعلى الأجور، و مواقع "الشرف" بين مثيلاتها من النساء البرجوازيات، و بين زملائها الذكور، من البرجوازيين المستغلين(بكسر الغين).

إن منظر التحريفية الجديدة هنا، خلافا لما يظهره انبهاره بالمرأة و تحررها، يثبث و ينتج في نفس الوقت، إحدى مسلمات الفكر النسواني البورجوازي، الذي يختلف جوهريا في غائيته النضالية، عن الفكر الاشتراكي الماركسي ــ اللينيني.

تقول كلارا زتكين، في هذا الصدد:

"إن نضال تحرر المرأة البروليتارية، لا يمكن أن يكون شبيها بذلك الذي تخوضه المرأة البورجوازية، ضد الرجل من طبقتها، بل على العكس، فنضالها هو نضال مع الرجل من طبقتها، ضد طبقة الرأسماليين {....}

إن الهدف النهائي لنضالها، ليس المنافسة الحرة مع الرجل، و لكن انتزاع السلطة السياسية من طرف البروليتاريا".  

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.