Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الجزء الرابع: أبراهام السرفاتي والأطروحات التحريفية الجديدة: الأطروحة الثانية ــ 2 يونيو 2017

Pin it!

يستمر موقع 30 غشت في نشر الجزء الرابع والأخير من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام". وهو الجزء الذي يتعاطى بالدراسة والتحليل والنقد للأطروحات التحريفية الجديدة التي تبلورت وسط منظمة "إلى الأمام"، والتي على أساسها تمت عملية ما سمي ب "إعادة البناء" في بداية ثمانينيات القرن الماضي.خ1.gif

في هذه الحلقة، وبعد نشر الأطروحة الأولى، يقدم الموقع الأطروحة الثانية للخط التحريفي الجديد، وهي تتضمن محورين، الأول: "من الأطروحات الماركسية ــ اللينينية التأسيسية حول التحريفية إلى المراجعات التحريفية الجديدة"، و الثاني: "أبراهام السرفاتي و ستالين و تروتسكي".

 

 

 

 

تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الرابع

الأطروحة الثانية

من الأطروحات الماركسية ــ اللينينية التأسيسية حول التحريفية إلى المراجعات التحريفية الجديدة

 

بشكل موازي مع عملية تفكيك الخط النظري العام لمنظمة "إلى الأمام"، قام التحريفيون الجدد، بزعامة أبراهام السرفاتي، بإسقاط المنظومة الفكرية و النظرية للمنظمة، المتعلقة بالتحريفية العالمية، و بالانتماء إلى خط الثورة العالمية، الذي دافعت عنه الثورة الصينية و الثورة الألبانية.

و قد مرت هذه السيرورة بمرحلتين أساسيتين، دامت الأولى إلى حدود سقوط الاتحاد السوفياتي، و جدار برلين،و جاءت الثانية بعد ذلك. و قد انتظر التحريفيون الجدد،إلى حدود 1992،للإعلان عن موقفهم من ذلك السقوط، بعد ما سبق لهم أن روجوا مجموعة من الأوهام، و الأفكار التحريفية، حول الاتحاد السوفياتي و الأحزاب الشيوعية التحريفية.

بالاعتماد على البيان الصادر عن منظمة "إلى الأمام" بمناسبة الذكرى 22 لتأسيسها، نجد أن البيان المذكور، قد استعمل مصطلحات جديدة، من قبيل "الاشتراكية المبقرطة" للاتحاد السوفياتي سابقا، مما يعني أن ما سقط في الاتحاد السوفياتي، هو "الاشتراكية المبقرطة"، و ليس التحريفية، و هذا، ما نقرأه في الفقرة التالية:

"تميزت الأيام الأخيرة لشهر غشت 91، مع انهيار ما كان متبقيا من "الاشتراكية المبقرطة" في الاتحاد السوفياتي سابقا ...".

و في سياق تحليل وضع ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، جاء في البيان ما يلي:

"و مع ذلك، و رغم الاضطراب الإديولوجي، الذي استولى على اللذين كانوا يثقون أكثر من اللازم بالنموذج السوفياتي، تنتظم في العالم أنوية المقاومة، خاصة، من طرف أولئك الذين يستخرجون الدروس من التساؤلات المشروعة، التي يطرحها انهيار هذا النموذج".

نحن هنا، فقط، أمام انهيار نموذج، لكن ما هي ياترى الدروس المستخلصة من التساؤلات المشروعة، التي يتحدث عنها البيان؟ فلنقرأ الجواب من نفس المرجع، دائما:

"إن بلدانا من العالم الثالث، كالفيتنام و كوبا، التي كانت قد شرعت في بناء الاشتراكية، انطلاقا من ثورات شعبية، و اتبعت النموذج السوفياتي، تبدل مجهودا لتصحيح النتائج السلبية، و هذا، بالنسبة لكوبا بالرغم من التطويق الإمبريالي، أما الصين، فهي،لا تزال مستمرة في تشييد طريقها الخاص نحو الاشتراكية".

بعد استعمال مفهوم النموذج، للتعبير عن سقوط النظام التحريفي في الاتحاد السوفياتي، و ذلك دون التعبير عن الطبيعة السياسية و الإديولوجية و الطبقية للنظام الذي سقط، يظهر أن كتبة البيان المذكور أعلاه، و تحت إشراف زعيمهم التحريفي، رئيس تحرير مجلة "إلى الأمام"، كانوا يغطون في نوم عميق، لما استفاقوا، تجلى لهم فيما يتجلى للنائم، أن مجموعة من البلدان (كوبا، فيتنام، الصين) قد خرجت من أخطائها، و شرعت في تشييد و بناء الإشتراكية مجددة إياها و مطورة لها، و الحال، لو أخذنا نموذجين فقط، و هما النموذج الصيني و الفيتنامي، سنجد أن العالم كله، إلا أصحاب البيان إياه، قد أدرك أن هذين البلدين، قد شرعا بالفعل، في العودة إلى الرأسمالية، و على أوسع نطاق.

هكذا إذن، أصبحت التحريفية في هذه البلدان، طريقا لتجديد الاشتراكية، و ما الانقلاب، و النهج، اللذان قادهما دينغ سياو بينغ في الصين، سوى طريقا خاصا نحو الاشتراكية.

لم يكن هذا التحول في المواقف، لدى التحريفيين الجدد بقيادة زعيمهم أبراهام السرفاتي، مفاجئا، فقد أتحفنا منظر التحريفية الجديدة، خلال الثمانينات، بمجموعة من الأطروحات، طالما، رددها في السجن المركزي إبان ذلك العقد، فخلال حقبة غورباتشوف، على رأس قيادة الحزب "الشيوعي" السوفياتي، كان أبراهام السرفاتي يروج لأطروحته، التي مفادها، أن الإتجاهات التحريفية و التكنوقراطية، التي كانت مهيمنة على قيادة الحزب في الستينات، و السبعينات، قد تجووزت في جانبها الأساسي، بفضل حركة عميقة، منبثقة من الشرائح الطليعية للطبقة العاملة السوفياتية، المدعمة بأحسن مثقفيها، هذه الحركة ستجد تجسيدها في المؤتمر 27 للحزب.

هكذا إذن، استعادت البروليتاريا السوفياتية، بقيادة غورباتشوف، موقعها و قيادتها للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي.

فلنقرأ ما أتحفنا به في هذا الصدد، علما أنه لم ينس في سياق حديثه، من مغالطتنا في موضوع قطيعة منظمة "إلى الأمام" مع الاتحاد السوفياتي، حين أخبرنا أننا في الواقع لم نصل، كما يقول، كمنظمة لمثل هذه القطيعة، الشيئ الذي تناقضه كل الوثائق الأساسية للمنظمة، منذ التأسيس في غشت 1970، و إلى حدود 1980، يقول أبراهام السرفاتي :

"يجب أن نوضح هنا، هذه النقطة الثانية، لقد ظن عدد منا، أن تشكل هذا "اليسارالجديد" الماركسي ــ اللينيني، كان يستجيب، ليس فقط لمواجهة التيار التحريفي في العالم العربي،و لضرورة بلورة مستقلة لنظرية و ممارسة ثورية بروليتارية، تتلاءم و الواقع الملموس لبلداننا، و لكن أيضا لضرورة الابتعاد، بل القطيعة مع الحركة الشيوعية العالمية، التي كانت آنذاك، تحت هيمنة الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي، الخاضع هو نفسه للتحريفية، يظهر أنه يمكن، أن يصحح اليوم هذا التصور الثاني – رغم أننا في الواقع ،لم نصل كمنظمة إلى مثل هذه القطيعة – و كما سأبين ذلك، في دراسة مقبلة حول المؤتمر 27 للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي، فإن الاتجاهات التحريفية و التكنوقراطية، التي كانت مهيمنة في قيادة الحزب في الستينات و السبعينات قد تجووزت، في جانبها الأساسي، بفضل حركة عميقة منبثقة من الشرائح الطليعية للطبقة العاملة السوفياتية المدعمة من أحسن مثقفيها، و قد وجدت هذه الحركة تجسيدا في المؤتمر 27.

من المضحك- المبكي، أنه لو تتبعنا الخيط الرابط لفكر أبراهام السرفاتي التحريفي سنجد، و هذا من مفارقات هذا الفكر، أن ماسقط في الاتحاد السوفياتي، هو نظام اشتراكي بقيادة حزب شيوعي، تقوده الطبقة العاملة السوفياتية، و خيرة مثقفيها، لكن ما نقرِأه في بيان الذكرى 22 مخالف لذلك، عندما يخبرنا أن ما سقط هو "الاشتراكية المبقرطة للاتحاد السوفياتي سابقا".

و بعد سنتين من التأمل، قام منظر التحريفية الجديدة بالمغرب، أبراهام السرفاتي، بدورة من 360 درجة، في نص له تحت عنوان "تأملات نظرية".

ففي حديثه عن مسار الثورة البلشفية، يقول:

"بل الأفظع من ذلك، حيث اتضح ، أن هذه الثورة (يعني الثورة البلشفية)، تحولت خلال العشرينيات إلى نقيضها، مولدة وجها من الوجوه البشعة للتوتاليتارية، التي أدمت قرننا الحالي. في هذه الشروط، يلزم علينا، أن نراجع ما كان يظهر كأدوات لإنجاح هذه الثورة، و أساسا مفهوم الحزب الثوري".

بعد الاتحاد السوفياتي و كوبا و الفيتنام، عالج كاتب مقال"الثورات الاشتراكية في العالم الثالث"، مجموعة من الحالات، تنبعث منها رائحة تحريفية جديدة، حيث ينتقل إلى أفغانستان في جولته المكوكية حول الحركة الشيوعية العالمية، التي بدأت تتجدد، فكتب قائلا:

"و ما كان من بد التفكير أيضا في التمزقات الدموية للحكم الثوري في أفغانستان سنة 1979، حيث كادت سياسة التدمير الذاتي، المنتهجة من طرف حفيظ الله أمين رئيس أفغانستان، أن تؤدي إلى نفس النهاية، لولا التدخل السوفياتي في دجنبر 1979، ذلك التدخل الذي نعرف ثمنه الباهض على المستوى الدولي".

و لتبرير هذا الموقف المزري عن أفغانستان، حيث كان قد قام انقلاب عسكري، بقيادة حزب شيوعي تحريفي، منفصل كل الانفصال عن الجماهير الأفغانية، و مدعم من طرف الاشتراكية الامبريالية السوفياتية (تحت قيادة ليونيد بريجنيف)، التي لم تجد غضاضة في التدخل لحماية نظام يدور في فلكها، فوقع الغزو السوفياتي لأفغانستان، الذي أعطى مبررا للامبريالية الأمريكية للتدخل، مما أفضى إلى سقوط نظام نجيب الله، و سيطرة الإقطاعية و الظلامية، على الحكم في هذا البلد.

لم يجد منظر التحريفية الجديدة، ما يقوله، لتبرير هذا الموقف، و التنظير له، سوى تفسيرا منهجيا مفاده أنه "لايجب مقارنة الثورات الشعبية البروليتارية لهذا القرن السائر نحو الاشتراكية (نحن الآن في سنة 1987) بمثل أعلى مطلق، بل يجب وضعها في إطار ديناميتها التاريخية من جهة، و بالمقارنة مع البدائل الملموسة الممكنة (و تلك مسألة أكثر وضوحا بالنسبة للعالم الثالث ). و إن التصرف بشكل مغاير، هو تصرف لا مسؤول إزاء الشعب".

بتبنيه لفكرة اللامثل أعلى، و لا نموذج للبناء الاشتراكي، تخلى منظر التحريفية الجديدة ، عن الحقائق العامة للماركسية ــ اللينينية، باعتبارها نظرية البروليتاريا العالمية، و باعتبار طابعها الأممي: "يا عمال العالم و يا شعوبه المضطهدة اتحدوا".

و الحال، أن معالجة هاته التجارب، كل حالة على حدى، و بارتباط فقط ، مع ما هو ممكن (واقعية فجة)، يؤدي حتما، رغم تحذير كاتب المقال أن غير ذلك هو تصرف لامسؤول تجاه الشعوب، إلى البراغماتية و الانتقائية و التجريبية، و فتح الباب على مصراعيه أمام كل النماذج الإصلاحية و التحريفية، بل حتى منوعات "الاشتراكية" بألوان "اثنية" أو "وطنية" أو "إقليمية"، غير ذات صلة بالفكر الاشتراكي العلمي بتاتا، فبأي منظور سنقيس اشتراكية هذه التجربة أو تلك، ما دامت الخصوصية الوطنية، هي المحدد الوحيد، و المعيار الأوحد، للحكم على مثل تلك التجارب.

بعد افغانستان،عرج منظر التحريفية الجديدة أبراهام السرفاتي على الصين، و ثورتها الثقافية. و نظرا لأهمية تاثير تلك الثورة على نشوء الحملم، و منظمة "إلى الأمام"، فقد خصص جزءا كبيرا من مقاله لهذه الثورة.

يقول أبراهام السرفاتي: "إن حركتنا الماركسية ــ اللينينية، و بالخصوص منظمتنا "إلى الأمام"، قد تأثرت بالثورة الثقافية الصينية، و إذا لم نكن أبدا، ما يسميه الفرنسيون بالماويين، بمعنى تبعية عمياء لكل ما كان يفعل في الصين ،و للمواقف النظرية و السياسية للحزب الشيوعي الصيني، فإننا لم نقم مع ذلك بتقييم نقدي بالمعنى الماركسي للكلمة، أي بتبصر و موضوعية لهذه الثورة، تقييم يحدد إسهاماتها العظيمة لمفهوم و ممارسة بناء الاشتراكية، خاصة في دول العالم الثالث، و كذا أخطائها، و كان المقابل لهذه النظرة اللانقدية للثورة الثقافية الصينية ،هو، أن ظهرت لنا إعادة النظر فيها من طرف القيادة الجديدة للحزب الشيوعي الصيني، بعد وفاة ماوتسي تونغ ، كخيانة تحريفية".

هكذا إذن، بعد هذه التوطئة، التي تدخل القشعريرة إلى أجسامنا، لأننا لم نقم بتقييم موضوعي للثورة الثقافية، و بالتالي هالنا ما وقع بعد ماوتسي تونغ، لحد أننا اعتبرناه خيانة تحريفية. فقد آن الأوان لنأخذ حبة اسبرين، و نستعد للاستماع للجواب الشافي، و الدرر الثمينة، التي تخرج من فم صاحبنا، كما تخرج منيرفا من رأس جوبيتر، فلنستمع إذن لهذا "الجواب الشافي"، يقول منظر التحريفية الجديدة:

"و يظهر لي، أنه حان الوقت، للتطرق إلى هذه المسائل بدم بارد و بموضوعية (و أقوم هنا بنقد ذاتي)، هل يصح مثلا أن نقول، كما يطرح ذلك بتلهايم، أن كل مكتسبات الثورة الصينية منذ 1921، و كل المجهود العظيم من أجل بناء الاشتراكية في الصين، من 1949 إلى 1976، الذي قام به الحزب الشيوعي الصيني، و الجماهير الغفيرة من الشعب الصيني، قد شطبها انقلاب داخلي في القيادة الصينية في أكتوبر 1976؟

ما هو مصير التجربة التي تخوضها الصين منذ عشر سنين؟، هل تستطيع اتجاهاتها السلبية أن تنتصر على كل المكتسبات المتراكمة في قلب البروليتاريا، و الشعب الصيني، و ملايين أطر الحزب الشيوعي الصيني؟، كيف يمكن التمييز في هذه التجربة بين الاتجاهات السلبية و المجهودات السديدة للتكيف أحسن مع واقع المجتمع الصيني، بهدف تطويره نحو الاشتراكية، انطلاقا من هذا الواقع الملموس نفسه؟".

من خلال الأسطر أعلاه، ندرك أن المقاربة السرفاتية التحريفية، لما وقع في الصين، يغيب عنها أي منظور مادي تاريخي لواقع الصراع السياسي والإديولوجي في الصين، سواء قبل موت ماو تسي تونغ، أو بعده، ومن تمة، لا وجود لتحليل طبقي لطبيعة ما جرى ، وقد سبق له أن نبهنا بعدم تطبيق مثل أعلى على أي تجربة كانت، بل فقط اعتماد الخصوصية الوطنية وحالة الإمكان، التي مرت بها التجربة المحددة، إن هذا المنهج نفسه، هو الذي سيدفعه إلى القول، بل وتبرير ما وقع، باسم التكيف مع الواقع الملموس، لتطوير بناء الاشتراكية في الصين. إنها قمة الضبابية و الإنتهازية الفكرية و السياسية.

هكذا اعتبر منظر التحريفية الجديدة، أن ما وقع في الصين، بعد موت ماو تسي تونغ سنة 1976، و نحن الآن في سنة 1987 (سنة كتابة المقال)، هو تطوير لبناء الاشتراكية في الصين.

ثم، بعدما اعتبر موقف المنظمة من التجربة الصينية و ثورتها الثقافية، بأنه ينم عن نظرة لا نقدية، و بعدما اختزل إسهاماتها العظيمة في مفهوم بناء و ممارسة الاشتراكية، خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث، و بالتالي نزع عنها قيمتها العلمية و الأممية، باعتبارها تقدما هائلا في خط الثورة العالمية، و بعدما سوق مقولة أن ما جرى بعد 1976 في الصين، كان محاولة لتطوير الاشتراكية في هذا البلد، و من تمة، اعتبار دينغ سياو بينغ قائدا ثوريا ملهما، و بعد لف و دوران، من خلال طرح أسئلة مغلوطة و ميتافيزيقية، بدل سؤال من يحكم في الصين؟ و لصالح من؟ و بالتالي تحديد الطبيعة الطبقية للنظام القائم في الصين، بدل التعويم، بطرح أسئلة عائمة من نوع، هل ستنتصر الاتجاهات السلبية أو الإيجابية في التجربة؟ و ذلك للهروب من الأسئلة الحقيقية، التي يطرحها كل ثوري ماركسي ــ لينيني، بعد كل هذا انتقل الكاتب إلى ما اعتبره الأهم، و هو مناقشة أطروحة "الواحد ينقسم إلى قسمين"، زاعما أنه سيقدم في مقال منفصل نقدا نظريا لهذه الأطروحة ( و للقارئ أن ينتظر إلى ما شاء هذا المقال)، فلا مقال حول هذه الأطروحة، و لا الدراسة حول ما وقع في المؤتمر27 للحزب الشيوعي السوفياتي، سيتم إنجازها، بقي الوعد حبرا على ورق، ذلك أن منظر التحريفية الجديدة،سيطلق الفكر الماركسي إلى غير رجعة، لصالح إديولوجية جديدة، عنوانها البارز الحداثة. يقول أبراهام السرفاتي:

"بعد هذا، و دون انتظار القيام بتحليل أوسع، أريد إثارة الانتباه إلى إحدى الأطروحات التي كانت في الواجهة خلال فترة طويلة من الثورة الثقافية الصينية، و التي تشكل الأساس النظري للتعصب الحلقي الذي تهدف الدراسة إدانته. إنها الأطروحة الشهيرة "الواحد ينقسم إلى اثنين". سأقدم في مقال منفصل نقدا نظريا لهذه الأطروحة، نقدا أتمنى أن يبين أنها، خلافا لما كان يزعمه المدافعون عنها، لا علاقة لها، لا بتعاليق لينين حول الجدلية التي تزعم الانتساب إليها، و لا بالأساس النظري للجدلية المادية التي لا تمثل هذه الأطروحة سوى كاريكاتورا رديئا لها. لنذكر على العكس، بالفكرة المركزية التي طورها ماوتسي تونغ في نصوص 1958، حيث كان يؤكد بقوة على هذه المشاكل في إطار حملة ما يسمى ب"مائة زهرة": إن الصراع السياسي (و أفضل هنا كلمة النقاش السياسي) وسط الحزب الثوري من أجل بلورة أو تطوير الخط السياسي، يجب أن يكون هدفه تقوية الوحدة السياسية و الإديولوجية، و من تم التنظيمية للحزب، و يجب خوض الصراع (النقاش) من أجل الوحدة، و ليس الانقسام. لنذكر أيضا، بالرسالة التي أرسلها ماو، في فاتح غشت 1966، إلى تلاميذ بكين، كانوا من ضمن المبدعين ل "داتزي باو" المشهورة خلال الثورة الصينية، بعد أن أكد لهم دعمه، و دعم رفاقه الحار لروحهم الثورية، أضاف ماو:" بالإضافة إلى ذلك، و مع أننا نقدم لكم دعمنا، فإننا نطلب منكم توجيه عنايتكم إلى مشكل الوحدة مع جميع أولئك الذين يمكن الاتحاد معهم، فيما يخص أولائك الذين ارتكبوا أخطاءا كبيرة، يجب بعد توضيحها لهم، إعطاءهم فرصة للعمل، و لتصحيح أخطائهم، و الانطلاق من جديد في الحياة. لقد قال ماركس، أن البروليتاريا لا يجب أن تتحرر وحدها، بل يجب أن تحرر الإنسانية جمعاء،و إذا كانت عاجزة عن تحرير الإنسانية جمعاء، فإنها لن تستطيع أيضا تحرير نفسها بشكل نهائي، أرجوكم أيها الرفاق أن تعطوا عناية فائقة لهذه الحقيقة".

للأسف، لم توجه الثورة الثقافية الصينية أية عناية لهذه الحقيقة، لكن، لا يجب البحث عن أسباب ذلك، إضافة إلى الميدان الأساسي للوقائع الاجتماعية و الثقافية للشعب الصيني في تلك المرحلة من التغيرات العميقة و السريعة، في تفكير ماو في 1966، رغم أنه كان مطبوعا بشكل عميق بالإنسية التي تتميز بها كل أعماله. كان هذا التفكير يسميه انزلاق لا جدلي نحو المانوية. فهذه الرسالة الموجهة إلى تلاميذ بكين، أكثر منها التوجه الملموس الذي أعطى للثورة الثقافية، كانا يرتكزان على تصور أن "المتمردين الثوريين يمتلكون الحقيقة كلها"، حقيقة البروليتاريا، بينما مواقف أولئك الذين يحاربونهم فهي خاطئة تماما، بل خطيرة، أنهم "البورجوازية"، بل حتى كما قالت تشينغ تشينه"العصابة السوداء"، و هل لم يكن ماو تسي تونغ الذي كان عجوزا آنذاك، و كان يخشى في كل شيء تكرار "الخروتشفية" في الصين بعد وفاته، يعتقد هو كذلك، بعد ستالين، و إن كان بشكل مختلف تماما، أن المقاومة السلبية التي يواجه بها مجتمع ذو جذور فلاحية عميقة، السير بسرعة أكثر من اللازم نحو الاشتراكية، ما هي إلا تعبير عن معارضة بعض أطر الحزب؟.

في 1958، وخلال حملة "المئة زهرة" المشهورة، كان ماو تسي تونغ أكثر جدلية، و هكذا كتب: "إن شيئا صحيحا بدون أدنى خطإ هو شيئ لا سابق له في التاريخ، إن هذا الطرح ينفي قانون المتناقضات، إنها وجهة نظر ميتافيزيقية" (نصوص ماو تسي تونغ المنشورة"في منشورات سيرف ،باريس، تحت عنوان"ماوتسي تونغ يتكلم إلى الشعب" ص 495- 496).

يجب على الرفاق الذين يناقشون من أجل البحث عن الحقيقة الثورية، أن يتشبتوا بهذا التواضع، و هذا الحس الجدلي، و هذه الإنسية الماركسية. طبعا يبين التاريخ، أن في مثل هذه النقاشات بين المناضلين الثوريين، يكون أحد التيارات بشكل عام أقرب من هذه الحقيقة الثورية، لكن لا يمكن الاقتراب منها أكثر- دون الوصول إليها بشكل تام أبدا، لأنه ليس هناك حقيقة إنسانية مطلقة –إلا إذا تم أخذ الرأي المخالف، رغم انتقاده، و احترامه دائما، بعين الاعتبار،لأن ذلك الرأي يعكس جزءا من الواقع (و أخذه بعين الإعتبار،لا يعني هنا التوفيق، بل التجاوز الجدلي لنواقص الرأي الأقرب للواقع)، و هذا هو المعنى الذي يجب إعطاؤه لمبدأ احترام رأي الأقلية المسجل في نظامنا الداخلي في 1974. إن ذلك ضروري على صعيد النقاشات الداخلية، كما على مستوى النقاش الجماهيري الضروري و الرفاقي الذي يفرز بشكل ديموقراطي خطة العمل الثوري، التي يجب أن يلتزم بها كل الرفاق في العمل، بعد أن تقرر عبر قنوات المركزية الديموقراطية.على هذه الأسس فقط يمكن بناء قيادة جماعية و حزب ثوري من النمط اللينيني. هل من خلاصات؟"

هل يمكن استخراج بعض الخلاصات؟

لقد وضعنا في الصفحات السابقة بعض البنيات الأولى التي يمكن أن تساهم في تفكير المناضلين الثوريين المغاربة، و خصوصا مناضلي الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، في التصور الذي من شأنه أن يقدم في مهمة بناء الحزب الشيوعي للبروليتاريا المغربية، المنظمة و القائدة للتحالف العمالي- الفلاحي. هذا الحزب الذي تقع عليه مسؤولية قيادة شعبنا في طريق الثورة الوطنية الشعبية و نحو الاشتراكية.

لن نحاول هنا تلخيص، و بالتالي إفقار عناصر التفكير المطروحة في هذه الصفحات، على العكس يتعين على جميع الرفاق إغناؤها في خضم العمل النضالي، العمل النضالي وسط الجماهير الكادحة،و في المقام الأول الطبقة العاملة، و ذلك في إطار صيرورة الاندماج مع العناصر الطليعية لهذه الطبقة، هذه الصيرورة التي من شأنها وحدها أن تضمن انصهار الشيوعيين الحقيقيين.

و إذا كان هذا الشرط لوحده غير كاف لتجنب المخاطر التي حللناها أعلاه، فإنه مع ذلك، ضروري من أجل التقليل من تلك المخاطر، و توفير إمكانية تجاوزها، ذلك أن هذه المخاطر و لأسباب موضوعية، ترتبط بشكل رئيسي بالأصل الطبقي للمثقفين الثوريين، الذين يكونون النواة المؤسسة الأولى للمنظمات الماركسية ــ اللينينية في العالم الثالث، و من ضمنه بلادنا.

إلا أن هذه النواة يجب أن تنفجر، أن تتحول إلى نواة بروليتارية في إطار صيرورة الاندماج مع العناصر الطليعية للبرولتاريا الذين يحملون معهم، و ذلك لأسباب موضوعية أيضا، تصورا بروليتاريا آخر للمعرفة،و الديموقراطية الجماعية الموجهة نحو العمل.

لنذكر في النهاية بهذا المقتطف، من دراسة كتبت في شتنبر1970، و الذي ما زال راهنا لحد الآن: "إن التجربة التاريخية تبين، و حالة إفريقيا تؤكذ ذلك، أن المثقفين الثوريين هم الذين يتوصلون إلى الماركسية في البداية، لكن يتوصلون إليها وهم محملين بانحرافاتهم البرجوازية الصغيرة.

إن اندماج هذه العناصر و العناصر الطليعية للبروليتاريا في نفس الحزب، و نفس المنظمة، هو الذي يصهر فكرا جماعيا سديدا، يجعل من هذا الحزب المثقف الجماعي القادر على التعبير عن الوعي العميق للجماهير الشعبية، و أن يصبح هيأة أركانها في النضال. في صيرورة الاندماج هاته بالذات، يجب أن ينتحر المثقفون كطبقة، يجب أن يعرفوا و يفهموا أو يجسدوا في الواقع كون أن العناصر البروليتارية يجب أن تصبح أغلبية في مواقع القيادة، و كون أن الفكر الجماعي و المثقف الجماعي الذين تم صهرهما، هما في جوهرهما بروليتاريين. و يجب التدقيق، أن الأمر لا يتعلق هنا بهذا الفرد أو ذاك، بل بقيادة جماعية، بنية جماعية.

إن صيرورة الاندماج هاته، تستوجب انتقاد الإديولوجيا البرجوازية الصغيرة التي يحملها هؤلاء المثقفون بالضرورة، و التي لا يمكن تصحيحها و تصفيتها إلا في إطار الجماعة التي تلحم العناصر البروليتارية، و حيث يجب أن يكون هؤلاء الآخرين قادرين على تحمل دورهم. و في نهاية المطاف،على فرض هيمنة الفكر البروليتاري، الفكر الماركسي.

إذا عرفنا استخلاص دروس الضربات التي كبدنا العدو، ربما سنكون قادرين على إنجاز خطوة حاسمة في هته الطريق".

أبراهام السرفاتي و ستالين و تروتسكي

لم تخل جل كتابات السرفاتي، منظر التحريفية الجديدة، من هجوم شرس و لاذع على ستالين، الذي أصبح خارج لائحة القادة التاريخيين للحركة الشيوعية العالمية، بل لم يكتف أبراهام السرفاتي بذلك، بل قام بعملية رد الاعتبار، تاريخية، للحركة التروتسكية، و ذلك أمام أحد منظريها الأساسيين، إرنست منديل، يقول التحريفي الجديد، أبراهام السرفاتي، و ذلك في مناظرة زعم تلامذته أنها تاريخية، مع إرنست منديل:

"... علينا القيام بفرز داخل من سموا برواد الماركسية ــ اللينينية الكبار في القرن 20. و طبعا لا مجال للحديث عن ستالين، بل و أغتنم هذه الفرصة ، لأحيي الحركة التروتسكية، و لأحيي أولئك الذين كانوا على بينة منذ العشرينيات من السيرورة الستالينية في الاتحاد السوفياتي".

هكذا، قدم أبراهام السرفاتي هدية لأحد رواد التروتسكية العالمية، علما أن هاته الحركة لم تقدم جوابا عن التحولات التي عرفها الاتحاد السوفياتي، ما دامت مقولاتها و مفاهيمها-كما قلنا سابقا- لا تتجاوز ما أسمته" الدولة العمالية المبقرطة" في الاتحاد السوفياتي و أوربا الشرقية، و هو الشيئ الذي لا يرقى إلى مستوى الإسهامات الكبرى للحركة الشيوعية الماركسية ــ اللينينية العالمية، بقيادة ماو تسي تونغ و العديد من الثوريين الكبار.

إن المقاربة السرفاتية التحريفية الجديدة، تقوم بالقفز على الحقائق التاريخية التي تدين الحركة التروتسكية، و بجرة قلم، اعتقد التحريفي الجديد، أن بإمكانه محو تلك الحقائق، و تقديم هدية للحركة التروتسكية العالمية، من باب التزلف لها، و بطريقة انتهازية، لأن من يعرف تلك الحقائق، و يصمت عنها، بل يدعي أن المعنيين بها كانوا الأكثر بينة من السيرورة المسماة ستالينية. و لعل تلك الحقائق وحدها كفيلة بتوجيه صفعة قوية لمنظر التحريفية الجديدة أبراهام السرفاتي. و قد ظل تلامذته من بعده يجاملون الحركة، و يتقربون منها، و يخطبون ودها.

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.