Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الجزء الرابع: أبراهام السرفاتي والأطروحات التحريفية الجديدة: الأطروحة الثالثة ــ 8 يونيو 2017

Pin it!

بعد نشر حلقتين من الجزء الرابع والأخير من دراسة "مسلسل تصفية المنظمة الماركسية ــ اللينينية المغربية إلى الأمام"، واللتان تضمنتا كلا من الأطروحة الأولى والثانية للخط التحريفي الجديد، خ1.gifيضع موقع 30 غشت الأطروحة الثالثة لهذا الخط والتي تحمل عنوان:

" التخلي المزدوج عن المفهوم اللينيني للحزب وعن المهمة التاريخية للبروليتاريا".

 

 

 

 تنبيه: سيجد القارئ مجموعة من الكلمات ملونة بالأسود وسط النص، و هي كذلك للإشارة إلى أن مكان تلك الكلمات تتواجد هوامش النص التي يكفي وضع المؤشر ( curseur) فوق الكلمة كي يظهر الهامش باللون الأسود(من دون نقر).

  

مسلسل تصفية المنظمة الماركسية – اللينينية المغربية "إلى الأمام":

الأحداث، السيرورات، الأطروحات، الملابسات و النتائج

 

الجزء الرابع

 

 

الأطروحة الثالثة

التخلي المزدوج عن المفهوم اللينيني للحزب و عن المهمة التاريخية للبروليتاريا

كثيرا، ما ردد أبراهام السرفاتي، رفضه للمفاهيم اللينينية، و للنظرية اللينينية حول الحزب و الثورة. و في أماكن مختلفة نقرأ ما يلي:

"... هذا الانهيار (يعني الاتحاد السوفياتي) كشف على أن الحزب الطليعي، لم يعد شرطا للتغيير، لأن لا أحد يملك الحقيقة كاملة، و أعاد الاعتبار للمجتمع المدني و دوره و ديناميكيته في عملية التغيير، من خلال إعطاء دور للتقدميين و الديموقراطيين لتقييم كل مرحلة، و تدقيق المتغيرات".

و بعد الدعوة إلى تجاوز الماركسية ــ اللينينية،كنظرية و مفهوم، و في نفس الاستجواب رأى منظر التحريفية الجديدة، بل دعا إلى تجاوز مفهوم الثورة و الحزب الطليعي لدى لينين فيقول:

"لقد ساهم لينين مساهمات عظيمة في الفكر الثوري، لكن مفهومه للثورة و الحزب الطليعي يجب تجاوزه". و في استجواب آخر مع صحيفة لوجورنال، يقول منظر التحريفية الجديدة، في جواب له على أحد الأسئلة:

"لقد قدمت،منذ سنوات، خاصة في فرنسا، نقدا أساسيا، لما يسمى باللينينية، إن ما يميز اللينينية هي نظرية حزب الطليعة. أنا أقول إن هذه النظرية خاطئة تماما، و قادت إلى الكارثة الاتحاد السوفياتي و الأحزاب الثورية في العالم،التي أيضا أصبحت الماركسية عندها عقيدة".

هاجم منظر التحريفية الجديدة المفاهيم اللينينية للحزب على محاور عدة، في نفس الوقت الذي كان فيه يؤسس لمفاهيم تنظيمية جديدة، تتخلى عن مفهوم الحزب و التنظيم كقائد للثورة. و قد صاحب هذا التحول التخلي التام عن مفهوم الثورة اللينيني، الذي يشكل الحزب الطليعي إحدى أدواته الأساسية، و قد صاحب هذا التحول التخلي التام عن الاستراتيجية الثورية، و التأسيس لاستراتيجية "الاختراق الديموقراطي" الإصلاحية.

- 1- الحزب اللينيني في ميزان التحريفية الجديدة و مفهوم "الأنوية الثورية"(النظرية)

- أ- الحزب اللينيني و المسيانية و ادعاء امتلاك الحقيقة الثورية

في مقال لمنظر التحريفية الجديدة، تحت عنوان"النضال من أجل الحرية بالمغرب – تجربة السنوات السوداء"، أبراهام السرفاتي، نقرأ ما يلي:

"... أود أن أنبه إلى الخطر الرئيسي المحدق بالثوريين، ألا و هو المسيانية الثورية التي كانت في هذا القرن المأساوي (يعني الكاتب القرن 20)، المنبع الأول للستالينية. لا يمكن لأي شخص، لأي حزب، أو تيار ثوري، أو تقدمي، أن يدعي امتلاك الحقيقة، الحقيقة الثورية يتم بناؤها من خلال مسلسل دون مرشد أو طليعة، هناك مبادئ تمكننا من مواجهة العدو، و أعني الطغيان، خلال الكفاح المستميت من أجل الحرية، معركة تكون فيها الأخلاق كحقيقة عليا". و في محاولة لتمييز تجربة الحزب اللينيني، خلال القرن 20، يقول أبراهام السرفاتي:"إن ما يطبع هذا القرن 20 هي ثورة أكتوبر، لم يتم بعد القيام بتقييم حصيلة هذه الثورة. لكن الصورة السائدة لدى أجيال من المناضلين في العالم، ظلت و إلى حدود الانهيار النهائي، هي صورة أول ثورة اشتراكية عمالية ناجحة، و هذا بفضل قيادة الحزب الثوري المركزي المنظم على النهج المسمى "لينيني" ، و المسلح بعقيدة معروفة بكونها علمية، و هي الماركسية ــ اللينينية، بعد ثلاثة أرباع قرن جاء الانهيار شاملا ..." و يضيف الكاتب في مكان آخر، في نفس المرجع: "و أعتقد أيضا بأن أحد الأسباب الهيكلية لتعثر منظمة "إلى الأمام" تنظيميا، هو كونها لم تستطع تجاوز التناقض الحاصل، بين تبنيها العقيدة رسميا "لينينية"، و بين ممارسة ترتكز على التنظيم الذاتي للجماهير". يفهم من الفقرات أعلاه، خاصة الفقرة الأولى، أن كل من يحاول امتلاك الحقيقة الثورية، أو يحاول الاقتراب منها، فهو مفقود، لأنه سيصبح مسيانيا، و المسيانية هي ذلك الاعتقاد، بدور ما في تحرير الإنسانية أو المجتمع، و على هذا الأساس ستصبح الماركسية كلها، و مشروعها التاريخي،أي مشروع الطبقة العاملة التاريخي، مجرد يوتوبيا عند الكاتب، كما سيعلنها صراحة في مكان آخر، هكذا لم تعد للماركسية أية حقيقة علمية، و غير هذا ادعاء فقط، ذلك أن الحقيقة الثورية،حسب الكاتب، يتم بناؤها من خلال مسلسل دون مرشد أو طليعة، مما يعني تخلي الكاتب، و بشكل واضح عن دور العلم، و عن دور النظرية الماركسية كعلم للثورة، و من تم تخليه كذلك،و بشكل واضح و صريح، عن النظرية المادية الجدلية لمفهوم المعرفة، و السقوط في التجريبية، هناك تجاهل أن المعرفة العلمية تقوم بالضرورة على نظرية، و على منهج، و بالتالي على قدرة في الاستنتاج و التنبؤ، فالواقع حسب الفهم المادي الجدلي،ليس مجرد ما هو واقع، بل هو الواقع و الإمكان، أي الواقع المنظور إليه في سيرورته، من خلال دراسة قوانين الجدل المادي التي تتحكم في سيرورة تطوره، و لذلك جمعت الماركسية بين الفلسفة و العلم. أما ادعاء أن الحقيقة الثورية، يتم بناؤها من خلال مسلسل دون مرشد أو طليعة، فتذكرنا فلسفيا، بأطروحة ألتوسير التحريفية، التي تنفي أي دور لذات الثورة في سيرورة الصراع الطبقي، من خلال نظريته التي تنظر للواقع كسيرورة بلا ذات، مما يعني ضربا لجدلية الذاتي و الموضوعي، و خروجا عن حقل الفكر الماركسي، إنها البنيوية في أجلى مظاهرها. أما التخلي عن المبادئ، و ادعاء بأن مواجهة الطغيان و العدوان، من أجل الحرية، بالأخلاق كحقيقة عليا، فلا علاقة للموضوع بالمنظور الماركسي للأخلاق، بل سقوط في الكانطية الأخلاقية محبوبة كل التحريفيين، ابتداء من أستاذهم برنشتاين.

لقد أصبحنا حسب الكاتب، ذوي أخلاق تسبح في السماء الأبدية لعالم المثل الأفلاطوني، عن طريقها نناضل من أجل الحرية الأبدية المعلقة في السماء، و هذا في حد ذاته، تجاوز للمفهو الماركسي الأساسي الذي يربط الحرية بالضرورة، و يعتبرالمجتمع الشيوعي انتقالا من ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية، حيث يتخلص الإنسان من الإكراهات المادية و الاقتصادية، ليبني عالم الحرية الحقيقية، و ليس الحرية بمعناها البورجوازي : حرية المستغل (بكسر الغين) و المضطهد (بكسر الهاء) في استغلال و اضطهاد المستغل(بفتح الغين) و المضطهد (بفتح الهاء). إن مجتمع الرفاق، ليس مجتمع الأخوة و المساواة البورجوازية، بل مجتمع تنعدم فيه شروط الاستغلال الاقتصادي، و الاضطهاد السياسي، و الطبقي، و الجنسي... .

عموما، تذكرنا المقولات السرفاتية حول الحقيقة الثورية، و الأخلاق العليا، و غيرها، بالنظرية البرنشتاينية التحريفية، التي أرادت أن تفصل بين الاشتراكية و أسسها العلمية و الفلسفية، لتجعل منها مجرد أخلاق و نظرية، لا يمكن إثباتها علميا، و هو ما أطلق عليه العديد من الماركسيين اسم "الكانطية الجديدة".

- ب- حول الحزب اللينيني و إشكالية الوعي السياسي الطبقي

احتلت إشكالية الحزب الثوري بمفهومه اللينيني، حيزا هاما، في المشروع التحريفي الشامل لأبراهام السرفاتي. و كان الهجوم على النظرية اللينينية للحزب الثوري، إحدى المداخل لمحاولات تحطيم الفكر الماركسي ــ اللينيني، و نواته اللينينية، حيث أعلن منظر التحريفية الجديدة، عن رفضه لمفهومي لينين، عن حزب الطبقة العاملة الثوري، و عن الثورة، التي يشكل الأول أداتها الثورية، يقول ابراهام السرفاتي:

"و بهذا الصدد يجب العودة إلى مسألة ما تزال أساسية بالنسبة للحركة الماركسية العالمية. إنها مسألة الحزب الثوري. و بصدد نموذج الحزب الوارد في "ما العمل" للينين، نعلم أن لينين نفسه، اعتبر لاحقا أن هذا النموذج لا يشكل الطريق الصحيح لبناء حزب ثوري، و في آخر المطاف، لا زال هذا النموذج يحتفظ بشئ ما صحيح، فيه قامت ثورة اكتوبر، و لم يكن الحزب البلشفي في هذه المرحلة، قد صار بعد حزبا بيروقراطيا، و إلا لما استطاع إنجاز هذه الثورة".

تترجم هذه الفقرة بشكل جيد، تلك الطريقة التي دأب منظر التحريفية الجديدة و تلامذته، على استعمالها، كلما انخرطوا في محاكمة أطروحة أو مفهوم، من مفاهيم الماركسية ــ اللينينية.

فماركس نفى كونه ماركسيا، و لينين اعتبر أن نموذجه التنظيمي لا يشكل طريقا صحيحا لبناء الحزب الثوري، و بين هذا و ذاك، لا شك أن في الحزب اللينيني شئ ما صحيح ، لأنه لولا ذلك، لما قامت ثورة أكتوبر الاشتراكية. إنها منهجية تتوخى زعزعة قناعة المناضلين بمبادئ الماركسية ــ اللينينية للحزب الثوري، عبر التشكيك في جدوائيتها، و ذلك على لسان لينين منظرها الأول، و لأن تلك الزعزعة يجب أن تراعي نفسية المناضل، الذي تربى على تلك القناعات، فلا بد أن نطمئنه بعض الشيء، بالقول: و مع ذلك هناك شئ ما صحيح في الحزب اللينيني، و ما ذلك إلا مقدمة لخطوات أخرى ستنسف النظرية اللينينية للحزب الثوري باعتبارها، و باعتبار بنية حزبها، مسؤولان عن الدكتاتورية و التوتاليتارية، التي أدمت القرن العشرين، و هذا الزعم، هو ما سنراه لاحقا.

-ج- أبراهام السرفاتي و إشكالية الوعي السياسي الطبقي عند لينين

تحتل النظرية الثورية، و إشكالية الوعي السياسي الطبقي في المفهموم اللينيني للحزب الثوري،أهمية مركزية، بحيث لا يمكن استيعاب الأطروحة اللينينية خارج ذلك. و بطبيعة الحال، كان منظر التحريفية الجديدة، يدرك جيدا أن تحطيم النظرية اللينينية للحزب الثوري، يستدعي تحطيم نواتها الأساسية، المرتبطة بمفهوم الوعي السياسي الطبقي و تبلوره داخل الطبقة العاملة. و بناءا على ذلك، خصص العديد من هجوماته على تلك النظرية اللينينية حول الوعي السياسي الطبقي. يقول أبراهام السرفاتي:

"و هناك أمر آخر مهم للغاية، ذلك أنه لم يعد ممكنا القول اليوم، بأن الماركسية تزود الحركة العمالية بالعلم من خارجها، أي من خلال المثقفين، لقد كان القول بذلك خطأ (حتى عندما كتب لينين آنذاك، فإنه لم يعمل إلا على استعادة القولة الشهيرة لكاوتسكي، و لم يكن ذلك تفكيره هو)، و لقد ساد الإلتباس لمدة طويلة، لقد كان الأمر خاطأ، هذا في البداية، أما اليوم فقد صار غير ذي معنى، فلا وجود لإسهام للعلم جاهز، بشكل تام و نهائي، و لا يمكن له أن يوجد، و عندما تصبح هذه الجماهير واعية لضرورة النضال – و بطبيعة الحال لن يتحقق ذلك تلقائيا – ستنطلق دينامية واسعة، تفتح المجال لقيام ديالكتيك بين الجماهير و الأنوية الثورية، أقول أنوية ثورية، و ليس حزبا بالضرورة (الحزب بالمعنى العام)".

و بعد رفض بشكل مطلق، للنظرية الكاوتسكية اللينينية حول الوعي السياسي الطبقي، يقترح منظر التحريفية الجديدة بديله للحزب الثوري اللينيني، و الذي أطلق عليه، اسم "الأنوية الثورية"، "بديلا" استقاه من الكتابات التروتسكية.

فما المطلوب حسب منظر التحريفية الجديدة؟ يقول :

"عكس ذلك هو المطلوب: أن نترك الجماهير تبني تنظيماتها الذاتية لتشق طريقها نحو تحررها، طلبة و عمال و فلاحين، عندما يكون ذلك ممكنا (فالأمر صعب للغاية في العالم الثالث)، علينا أن نفسح المجال لهذا التحرر بواسطة مشاريع، بواسطة الأفكار و بواسطة مشاريع، و بواسطة برنامج ،و علينا أن ننزع طابع القدسية عن كل شئ، حينها ستكون الجماهير أكثر حرية في تنظيم ذاتها، سيكون هناك مناضلون غير منظمين بالضرورة، لكنهم مرتبطون بالأفكار الثورية، عبر قنوات متعددة ".

و لمزيد من الدعم لأطروحته، و بعد استعمال الفوضوية ضد لينين، و قبله ماركس، و بعد استعمال التروتسكية ضد ستالين، ثم روزا لوكسمبورغ ضد لينين، يقول أبراهام السرفاتي:

"قلت في كتاب لي سيصدر قريبا (و للقارئ أن ينتظر، فالكتاب لم يصدر أبدا، و هذا إن وجد أصلا)، بأن الانتصار الإديولوجي لماركس على باكونين، ربما كان قويا إلى حد كبير، لذلك فقد يكون مجديا العمل على إدماج إسهامات الفوضوية فيما يخص التنظيم الذاتي للجماهير، و يجب أن نعمل على دمج ما عبرت عنه روزا لوكسمبورغ بصدد المفهوم اللينيني للحزب ..."

- د- حول المركزية الديموقراطية و الحقيقة الثورية

على منوال رفضه للنظرية اللينينية حول الوعي السياسي الطبقي، رفض أبراهام السرفاتي الآلية التنظيمية الأساسية لبناء وحدة الإرادة و الفكر و الممارسة داخل الحزب الثوري، و في العلاقة بالجماهير، و نعني بذلك المركزية الديموقراطية، الآلية التنظيمية الأساسية في الحزب الشيوعي الماركسي ــ اللينيني لبناء خط سياسي سديد، و بناء علاقات تنظيمية ثورية، و جاء رفض ابراهام السرفاتي للمركزية الديموقراطية، تحت شعار استحالة بلورة الحقيقة الثورية داخل اللجنة المركزية للحزب، و داخل قيادته، الشئ الذي ألحقه بأنويته الثورية، القادرة، حسب زعمه، على بلورة تلك الحقيقة الثورية.

يقول أبراهام السرفاتي:

"في الماضي يسود الاعتقاد، أن تطبيق المركزية الديموقراطية داخل الحزب، و في علاقة الحزب بالجماهير، سيقود إلى بلورة الحقيقة الثورية داخل اللجنة المركزية للحزب و داخل قيادته... لكن الأمر ليس كذلك، فالحقيقة الثورية تنبني بالمقاربات المتتابعة في إطار جدلية مستمرة بين هذه الأنوية و الجماهير، لا أتحدث هنا عن الحزب، الذي يهيمن وحده على ما سواه، بل أتحدث عن الأنوية الثورية، قد تكون إحدى هذه الأنوية ذات توجه ماركسي، و أخرى يغلب عليها الطابع اللينيني، و ثالثة في العالم العربي، موسومة بما يسمى "الاشتراكية العربية".

- ه- الحزب اللينيني و"العالم الثالث" و فتوى أبراهام السرفاتي في ذلك

يقول أبراهام السرفاتي، و هو أحد المسؤولين عن الهزائم، التي لحقت بالحركة الماركسية ــ اللينينية، على امتداد عشر سنوات (من 1974 إلى 1985)، و هو يستبطن تلك الهزائم دون القدرة على التخلص منها :

"في دول العالم الثالث، حيث توجد أنظمة دكتاتورية قمعية ،لا يمكن بناء حزب مهيكل ذي لجنة مركزية تجتمع بانتظام، و تبلور خطا سياسيا مقدسا ... إلخ ذلك غير ممكن. لكن، و بالمقابل، يمكن أن تكون لنا أنوية ثورية، و هي لن تستطيع تحقيق استمراريتها، إلا إذا عرفت كيف تتلخص بشكل صريح، من كل إكراهات النماذج البالية للأحزاب الشيوعية، المسيطرة على المنظمات الجماهيرية، و الموجهة للقاعدة، مملية خطها السياسي عليها ...".

و في سياق تسويقه لأطروحته الجديدة حول الأنوية الثورية، لم يفت منظر التحريفية الجديدة، الحديث مرة أخرى عن الحزب اللينيني، حيث يقول في محاضرة له تحت عنوان " انبثاق المجتمع المدني في السياسي في زمن الحداثة" و ذلك بتاريخ 11/12/95، و هنا قام السرفاتي بتطليق اللينينية، و حزبها الثوري الطلاق الثلاث -أي لا رجعة فيه- حيث يقول:

"إن زمن الحزب المرشد، الحزب الطليعي، "الحزب الثوري"، قد ولى إلى غير رجعة، و حتى إذا استطاع أن ينجح هنا أو هناك، نعرف كذلك أن منطقه الداخلي يتضمن المجتمع التوتاليتاري، الذي فشل بشكل بئيس في الشرق. إن المحاولات البديلة للجبهات السياسية العسكرية من أجل التحرر الاجتماعي، التي قاتلت بأمريكا الوسطى ببطولة، و تضحيات كبيرة، تبين أنها مأزق فقط. لكن هل يمكن لنا الإكتفاء بالحيوية الداخلية وحدها للحركات الاجتماعية؟

باعتبار تموقعي القريب من "التعددية الجدرية"، أكثر من الغرامشية الجديدة، قمت منذ سنتين، باقتراح مفهوم الأنوية الثورية المتعددة و المؤقتة، فضاءات ممكنة لتواجه التجارب و أفكار المناضلين الآتين من مختلف منظمات المجتمع المدني، من أجل بلورة رؤية لأهداف النضال في كل نظرة خاصة لهذا النضال".

-2 - مغزى الهجوم السرفاتي على النظرية اللينينية للحزب الثوري

أ- إشكالية الوعي السياسي الطبقي و علاقته بالطبقة العاملة

بالنسبة لإشكالية الوعي السياسي الطبقي، و علاقته بالطبقة العاملة، تلك الإشكالية التي تشكل حجر الزاوية في النظرية اللينينة للحزب الثوري (التنظيم الثوري)، إذ على أساسها ينبني الحزب الثوري اللينيني، و عكسها، أي برفضها، تنبني نقائضها الإصلاحية،و التحريفية، و الفوضوية، و البيروقراطية.

تقوم النظرية اللينينية لحزب الطليعة الثوري،على استيعاب عميق للمفهوم المادي الجدلي، للمعرفة و مستوياتها المختلفة ،و المرتبطة جدليا.

عموما، لا يمكن إدراك القيمة العلمية الثورية للنظرية اللينينية في هذا المجال، دون استحضار كتابات لينين حول الديالكتيك، تلك الكتابات التي تؤكد وحدة المادية الفلسفية و الديالكتيك باعتباره نظرية المعرفة في المادية الجدلية و المنطق.

كما لا يمكن القفز على الإسهام اللينيني،حول نظرية الانعكاس، الذي طبق فيها المنهج الديالكتيكي على تلك النظرية.

إن منظر التحريفية الجديدة أبراهام السرفاتي، يقوم بتشويه مقصود عندما يتكلم عن تزويد الحركة العمالية بالعلم الجاهز، من خارجها، بدل الكلام عن النظرية الثورية،و المساهمة في بلورة وعيها السياسي الطبقي ضمن خطاطة، و مخطط مركزي، يقوم على الجمع الجدلي بين الدعاية و التحريض و التنظيم، و بين الدمج بين النظرية الثورية و الطلائع البروليتارية، أو ما يسمى بالنواة البروليتارية، و في هذا السياق، لا مكان لمعرفة أو علم جاهز يتم إدخاله للطبقة العاملة، كما لو أنه إنجيل مقدس ينبغي حفظه و ترديده. و من جهة أخرى، فالمادية الجدلية ليست أي علم، ففي جوهرها، هي علم الثورة بامتياز، و منهجه الجذري ،أو الأكثر جذرية، لالتصاقه بطبقة اجتماعية،هي الأكثر جذرية، إنه العلم الذي لا ينفي انحيازه للطبقة العاملة، و الكادحين، و المضطهدين و المضطهدات، و المستغلين و المستغلات، بدون مواربة، فهو ليس العلم الأكاديمي الذي يدعي الحياد، و لا مناهج علم الاجتماع البورجوازي، التي تدعي العلمية، و الحيادية، و الانفصال عن الإديولوجية.

هناك تشويه كذلك، من خلال ادعاء منظر التحريفية الجديدة، أن لينين نفسه لم يقل بصحة مفهومه للحزب الثوري، بل، و يعتقد بأن الوضع الحالي، لم يعد يستسغ الكلام عن إيصال ما أسماه بالعلم إلى الطبقة العاملة، بعدما قام بتشويه الطرح اللينيني، بكلامه الكاذب عن العلم الجاهز و النهائي.

إذا تركنا جانبا تشويهاته حول العلم الجاهز، فنحن لا ندري، لماذا أصبح في يومنا هذا، كما يقول الكاتب ، الكلام عن الطرح اللينيني غير ذي معنى.

و لكن الكاتب يجد نفسه أمام إشكالية تبلور الوعي السياسي الطبقي لدى الجماهير، فهل سيكون عفويا؟!

يقوم منظر التحريفية الجديدة بعملية التفاف حول السؤال، عندما يتكلم عن انطلاق الجماهير في نضالها، ستنطلق معها ما يسميه بدينامية واسعة، ستفتح المجال لقيام ديالكتيك بين الجماهير و ما يسميه بالأنوية الثورية، مؤكدا أنه يقول أنوية ثورية، و ليس حزبا بالضرورة.

لقد وضع صاحبنا نفسه في ورطة لا قبل لها، فمن يرفض نظرية الوعي السياسي الطبقي اللينينية، تلك النظرية التي تقيم علاقة جدلية في سيرورة تبلور الوعي السياسي الثوري، بين النواة البروليتارية (الطلائع البروليتارية) و المثقفين الثوريين، تلك الجدلية التي تنصهر فيها النواة البروليتارية، قاعدة الحزب اللينيني، و قاعدة الاحتراف الثوري، المستند إلى منظمة المحترفين الثوريين، حيث يندمج المثقفون الثوريون بالنواة البروليتارية في إطار تنظيم شيوعي، يسقط منظر التحريفية الجديدة في العفوية و التجريبية و الفوضوية، و يضع نفسه خارج إطار النظرية الماركسية، و مفهومها المادي الجدلي للمعرفة.

لقد قلنا إنها علاقة جدلية، فالوعي هنا، يتشكل خارج دائرة العلاقات المباشرة، بين الرأسمالي و العامل، و في نفس الوقت، يتم من الداخل، عبر الطلائع البروليتارية المرتبطة عضويا بجماهير الطبقة العاملة، التي تشكل في نفس الوقت طليعتها، هناك إذن جدلية داخلية و خارجانية في نفس الوقت.

على هذا الأساس، فالحزب اللينيني الطليعي، باعتباره كذلك، ليس ادعاءا، و إنما طليعيته هي عنوان وظيفة تقوم بها الطليعة، و هذا هو أساس الطرح اللينيني، و قد أغناه ماوتسي تونغ، من خلال نص "في الممارسة العملية" و "في التناقض" و من خلال نظرية "خط الجماهير".

إن هذه العلاقة، تعكس في نفس الوقت الإستمرارية، خاصة حينما تكون الجماهير منتفضة، و الانفصال في نفس الوقت، حينما تكون هاته الأخيرة في حالة جزر، و هكذا يسمح الطرح اللينيني للحزب الثوري الطليعي، بضمان استمرارية النضال، من خلال الحفاظ و التطوير للثرات و التاريخ النضالي و صيانة الذاكرة الجمعية للطبقة العاملة، في وقت تجعل الرأسمالية العمال يعودون إلى حياتهم الفردية، و إلى مصالحهم الشخصية، فتضعف جوانب التضامن الطبقي لصالح المصلحة الفردية الأنانية، التي تذكيها الإديولوجية البرجوازية، و عندما تعود الطبقة العاملة لنضالها، فإنها تجد من يهضم و يستوعب تجربتها السابقة، فلا يكون انطلاقها من العدم، و هذا يؤكد جدلية المعرفة التي تتطور بقفزات، و عن طريق قطائع معينة، يجسدها الانتقال من المعرفة الحسية إلى المعرفة العقلية (المجردة، النظرية)، لتعود من جديد إلى الممارسة فتغنيها، و هكذا دواليك، إلى ما لا نهاية.

فمن يقول إن المعرفة جاهزة و نهائية و مطلقة؟!!

فلنعد إذن، إلى صاحبنا، و نرى كيف بإمكان خطاطته، حول ما يسميه بالأنوية الثورية، أن تفعل في الواقع، فالمعادلة حسب طرحه تقوم على ما يلي :

1- حركة جماهيرية منطلقة و عفوية.

2- أنوية ثورية في حالة انتظار، تدخل في علاقة جدلية بهاته الجماهير.

النتيجة = انكشاف طبيعة ما يجمع الطرفين (الجماهير و الأنوية الثورية) كعلاقة خارجانية .

فكل طرف مستقل عن الآخر، فأين هي أسس العلاقة الجدلية، التي يدعيها صاحب نظرية الأنوية الثورية؟، و هل هناك بالفعل سيرورة جدلية، ما دام التناقض القائم ليس جدليا، علما أن جوهر الجدل المادي الماركسي هو قانون التناقض، فكل سيرورة يحركها تناقض رئيسي، و يسود علاقتها طرف رئيسي، أي ما يسمى بالطرف الرئيسي للتناقض، فكلاهما، التناقض الرئيسي و الطرف الرئيسي للتناقض، يحكمان حركة السيرورة الجدلية.

فالقول بأن الطرح اللينيني جدلي، معنى ذلك وجود طرفين متناقضين، تجمعهما وحدة جدلية، و قد يسود هذا الطرف أو ذاك داخل هذه الجدلية، أما في المعادلة السرفاتية، فنحن أمام علاقة ميكانيكية بين جسمين مختلفين، قد يتناقضان أو يتنافران، لكن لا يندمجان أبدا جدليا، اللهم إذا قام احدهما بتحطيم الآخر، بما يعني أن العلاقة ميكانيكية، و هذا هو بيت القصيد، و بمثل هكذا طرح، سقط منظر التحريفية الجديدة، فيما كان لا ينتظر، فقد حاول الهروب من الجدل اللينيني، فسقط في الميكانيكية في أبشع صورها.

لقد أراد السرفاتي، أن يحارب مفهوم الطليعة اللينيني، و هو مفهوم علمي جدلي، بمفهوم آخر، و رغم ادعائه بأنه ضد مفهوم الطليعة، فقد جاء بطليعة ذات مضمون أجوف، طليعة تجلس على أرائكها تنتظر الجماهير الهادرة، تأتيها من كل فج عميق، لتدلو لها بدلوها، و تنير لها طريقها نحو الخلاص الأبدي، لأنها تعتقد فعلا أنها تملك العلم الجاهز، و هذه لعمري لمطبة كبرى، و ما أدراك ما المطبة الكبرى.

هكذا إذن، انفجرت الفقاعات السرفاتية، بمجرد أن مستها أولى نسمات الهواء اللينيني النقي.

بعد هذه الدرر الثمينة التي خرجت من رأس أبراهام السرفاتي، كما تخرج منيرفا من رأس جوبيتير، كما يقول لينين، سيدعي هذا الأخير، أن هذا الطرح اللينيني غير صالح للعالم الثالث. و حين نسأل لماذا يا ترى؟ يذكرنا أبراهام السرفاتي، أن بهذه الدول أنظمة دكتاتورية قمعية، لا تسمح ببناء حزب مهيكل بلجنة مركزية، تجتمع بانتظام و تبلور خطا سياسيا، أسماه الكاتب "مقدسا".

لكن الكاتب تناسى دروس التجارب التاريخية في الصين، و الفيتنام، و أمريكا اللاتينية، و أوروبا الشرقية، و إفريقيا، و في كل بقاع العالم، حيث سادت أو تسود أنظمة دكتاتورية، و حتى النموذج الروسي، لم يقم في بلد ديموقراطي، بل في ظل أوتوقراطية قيصرية استبدادية قروسطية، كانت تتوفر على أخطر جهاز قمع بوليسي في زمانها، و هو الجهاز السيء الذكر، المعروف ب "الأوخرانا".

و ما يمنعه منظر التحريفية الجديدة عن الحزب الطليعي اللينيني، يسلمه هدية لما يسميه بالأنوية الثورية،التي يعتقد أنها تستطيع تحقيق الاستمرارية، إذا عرفت كيف تتخلص بشكل صحيح، من كل إكراهات النماذج البالية للأحزاب الشيوعية المسيطرة على المنظمات الجماهيرية، و التي تملي خطها السياسي على القاعدة.

هكذا إذن، إذا تخلينا عن النموذج اللينيني للحزب الثوري المتسم بالسيطرة على الجماهير، حسب منظر التحريفية الجديدة ، و تبنينا بالمقابل نظرية الأنوية الثورية، سيكون بالإمكان ضمان الاستمرارية، لكن كيف ذلك؟

- علينا بترك الجماهير تبني تنظيماتها الذاتية، لتشق طريقها نحو تحررها، طلبة، و عمالا، و فلاحين، عندما يكون ذلك ممكنا.

- علينا أن نفسح المجال لهذا التحرر بواسطة الأفكار، و بواسطة مشاريع، و بواسطة برنامج، علينا أن ننزع طابع القدسية عن كل شيء، حينها ستكون الجماهير أكثر حرية في تنظيم ذاتها.

و نتيجة هذا الطرح، كما يقول زعيم التحريفيين الجدد نفسه، سيكون هناك مناضلون غير منظمين بالضرورة، لكنهم مرتبطون بالأفكار الثورية، عبر قنوات متعددة.

نجد أنفسنا الآن بهذا الطرح، أمام كشكول، أو لنقل بالدارجة المغربية "خرذولة"، تجمع كل خضر الموسم، مع الفارق، أن "خرذولة" مغذية، و قد تكون ذات نكهة ممتازة، إذا حسن طبخها، أما "خرذولة" صاحبنا، فعسيرة الهضم، قد تساهم في توليد غازات سامة، و حرقة في المعدة.

و الآن، لننظر عن قرب للأشياء، جماهير تتحرك عفويا و تبني تنظيماتها الذاتية، و بذلك تشق طريقها نحو التحرر، نحن هنا أمام طبق من العفوية الممزوجة بالفوضوية، التي تعادي العمل السياسي (لامجال هنا للتذكير بالكتابات الماركسية حول الفوضوية)، ثم، طبق آخر فيه خليط من العفوية و النزعة الدعوية، حيث الاكتفاء بالأفكار، و توزيع المشاريع، و البرامج، كما لو أن الأمر يتعلق بمكتب دراسات، أو منظمة غير حكومية تقدم للجماهير دراسة سوق، أو مشروع برنامج تسمح لها بالتزود بالتحرر المنشود، حتى التخمة.

لاشك أن منظر التحريفية الجديدة هنا، قد استعاد المفهوم الدعوي للحزب اللوكسمبورغي، الذي انتقده لينين، و الذي أدى في آخر المطاف، إلى كارثة فشل الثورة الألمانية 1919، و اغتيال الشهيدين روزا لوكسمبورغ و كارل ليبنيخت، على يد أقطاب الحكومة "الاشتراكية الديموقراطية"، من أمثال فردريك إيربرت، و نوسكه، اللذين أعطيا الأمر باغتيالهما.

إنه النموذج الذي يريد أن يطرحه أبراهام السرفاتي بتلفيق جديد، ليقدمه لنا على شكل مجموعة من الإلكترونات، تتحرك هنا و هناك، بحكم قانون الجاذبية، و بحكم التأثير المغناطيسي للجماهير تارة، و جاذبية الأفكار الثورية تارة أخرى، إنها جدلية رائعة بالفعل، أفكار ثورية معلقة في السماء، و جماهير في الأرض تنتظر الخلاص على الطريقة المسيحية، و مناضلون يطوفون معلقين بين السماء و الأرض، تحت تأثير قانون الجاذبية، إذا اقتربوا من السماء مستهم الأفكار الثورية، و إذا اقتربوا من الأرض نقلوا العدوى إلى الجماهير، كأنهم ملائكة السماء، ينقلون الوحي و يوزعون السور و الآيات و سبحان الله العلي العظيم، و لا حول و لا قوة إلا بالله!!!

ب - المركزية الديموقراطية و الحقيقة الثورية

يعود الكاتب هنا، إلى أطروحته العزيزة على نفسه حول الحقيقة الثورية، لكن هذه المرة من خلال علاقتها بمفهوم المركزية الديموقراطية، حيث يقوم منظر التحريفية الجديدة، بمناقشة إشكالية بلورة الحقيقة الثورية، التي تتبلور من خلال تطبيق المركزية الديموقراطية داخل الحزب، و علاقة هذا الأخير بالجماهير، هاته الحقيقة التي تتشكل داخل اللجنة المركزية، و داخل القيادة، يرى الكاتب هنا،أن ذلك خاطئ، لأن الحقيقة الثورية تبنى بالمقاربات المتتابعة، في إطار جدلية مستمرة بين هذه الأنوية و الجماهير، و تكون حسب رأيه هذه الأنوية ذات توجه ماركسي، و أخرى يغلب عليها الطابع اللينيني، و ثالثة، موسومة بما يسمى ب"الاشتراكية العربية".

يظهر أن صاحبنا، قد أصبح هنا من هواة الطوابع البريدية، فما الذي يجمع تنظيما ماركسيا، و آخر لينينيا، و آخر اشتراكيا عربيا على الطريقة البعثية، أو الناصرية؟

للقارئ، أن يتأمل في الأمر، و سيرى كيف أن صاحبنا، قد فقد كليا أية بوصلة، و لعل هذا ما يسميه انتماءا إلى "التعددية الراديكالية".

إن الكلام عن مفهوم المركزية الديموقراطية، كمفهوم ماركسي ــ لينيني، سيقودنا بالضروررة، إلى الحديث عن الأسس المادية الجدلية و التاريخية لهذا المفهوم، الذي يعكس جيدا مفهوم البراكسيس الثوري الماركسي (انظر"موضوعات حول فيورباخ"، خاصة، الأطروحة الثانية لكارل ماركس).

و هنا يمكن القول، أن صاحبنا لم يتخل عن جوهر اللينينية فقط، بل تخلى عن الماركسية ببساطة، لصالح فكر ضبابي، انتقائي و تجريبي و عفوي و ميكانيكي، برجوازي صغير. إنه تيه البرجوازي الصغير، الذي اكتشف حقيقته من جديد، و عثر على كيانه المفقود، و عاد إلى فردوس أفكاره المعلقة، أي أعاد إنتاج استيلابه نتيجة انفصاله عن الواقع.

و ما دام الواقع لا يرتفع، كما يقول الفقهاء، أو الوقائع عنيدة، كما يقول لينين، فإن منظرنا الفاشل يعوض عن ذلك، بترك العنان لمخيلته تسرح في ملكوت التيه.

يقول أبراهام السرفاتي :

"قلت في كتاب لي سيصدر قريبا،(لم يصدر أبدا؟!!) بأن الانتصار الإديولوجي لماركس على باكونين، ربما كان قويا إلى حد كبير، لذلك فقد يكون مجديا العمل على إدماج إسهامات الفوضوية، فيما يخص التنظيم الذاتي للجماهير. و يجب أن نعمل على دمج ما عبرت عنه روزا لوكسمبورغ بصدد المفهوم اللينيني للحزب".  

ج - اتهام المفهوم اللينيني للحزب بالتوتاليتارية و بديل"الأنوية الثورية" كفضاءات متعددة و مؤقتة

بعد زعمه أن زمن الحزب الطليعي قد ولى، و أن منطقه الداخلي، يتضمن المجتمع التوتاليتاري، الذي فشل بشكل بئيس في الشرق، بل أن المحاولات البديلة له، من قبيل الجبهات السياسية العسكرية في أمريكا الوسطى، لم تكن سوى مأزق ليس إلا.

إذا تركنا جانبا، استقاء الكاتب لمصطلحاته من قاموس الحملات المعادية للشيوعية، إبان الحرب الباردة ــــ أما إشارته إلى التنظيمات السياسية العسكرية في أمريكا الوسطى، ليست إلا مقارنة مغلوطة، و تمويها عن الحقيقة، لكون هذه التنظيمات لم تكن سوى الوجه الآخر للتحريفية و الإصلاحية، أو ما يسمى بالإصلاحية المسلحةــــ فلابد من الوقوف عند جواب له عن سؤال: "هل يمكن لنا الاكتفاء بالحيوية الداخلية للحركات الاجتماعية؟

يجيب الكاتب:

"باعتبار تموقعي القريب من "التعددية الجذرية"، أكثر من الغرامشية الجديدة، قمت منذ سنتين باقتراح مفهوم "الأنوية الثورية" المتعددة و المؤقتة، فضاءات ممكنة لتواجه التجارب و أفكار المناضلين الآتين من مختلف منظمات المجتمع المدني، من أجل بلورة رؤية لأهداف النضال في كل فترة خاصة لهذا النضال".

يذكرنا الكاتب هنا، و دون أن يفطن لذلك، بمرحلة النوادي السياسية الثورية، أو غير الثورية، إبان الثورة الفرنسية، بما يعني إرجاعنا، بعد تفتيت مفهوم النضال و ضرب بنيته الاستراتيجية الموحدة (بكسر الحاء)، إلى ما قبل مرحلة ظهور مفهوم الحزب السياسي. هنا يتأكد الطابع "الدعوي" لهاته التنظيمات، أو الأنوية، المسماة ثورية، التي ليس لها أن تلبور أية استراتيجية ثورية على المستوى البعيد، بل حتى على المدى المتوسط بل تكتفي باعمال مؤقتة، حسب الفترات. إنها فضاءات مؤقتة و بالجمع، لا تنبني فيها أية مركزية، ولا أية إمكانية لبناء الحقيقة الثورية "المطلقة"،فهي تجتمع، و تحل نفسها بنفس الطريقة، بعدما أنهت مهامها، أما أعضاؤها، فيأتون من منظمات المجتمع المدني، و من مشارب مختلفة، دون أي تحديد طبقي واضح، و ما دامت الماركسية ميتودولوجيا، فهي مكسب لكل الطبقات، فلماذا سنحصرها في طبقة واحدة.

لقد قام الكاتب بنزع سلاح الإيديولوجيا من الطبقة العاملة، لأن هذا السلاح يزعجه كثيرا، لذلك كان النزع من جانب واحد، و سيقوم أنصاره فيما بعد، بالكلام عن وجود طبقات عاملة و ليس طبقة عاملة واحدة، بل و اعتبروا أن كل فئة من الطبقة العاملة، لها الحق أن يكون لها حزبها. هنا إذن يتم تفتيت الطبقة العاملة، بالاعتماد على المناهج السوسيولوجية البورجوازية،التي تتكلم عن الفئات و ليس الطبقات، و هذه إحدى الأسلحة، التي يوجهها التحريفيون الجدد المغاربة لضرب مفهوم الحزب الثوري، كما أن الكاتب الذي يدعي تشبته بالماركسية فقط، قد يتخلى عن المفاهيم التي تحدد الإطار الأنسب لنضال الطبقة العاملة و الكادحين، و يعني بها التنظيمات الطبقية للبروليتاريا، من قبيل النقابات و الجمعيات العمالية و الحزب الثوري، و على هذا الأساس أصبح العضو، فيما يسمى ب "الأنوية الثورية"، ملزما بأن يكون عضوا في جمعيات المجتمع المدني، بدل أن يكون عضوا في إحدى إطارات الحزب الثوري، كشرط لعضويته، و مناضلا داخل الإطارات الطبقية للطبقة العاملة و الكادحين عموما.

و نعلم جيدا، هذا الحد الفاصل الذي قام تاريخيا بين المناشفة و البلاشفة في المؤتمرالثاني للحزب سنة 1903.

كان على الكاتب، الذي تخلى عن أي تصور للاستراتيجية الثورية، أن يعالج مسألة التحالفات، ما دام كل عمل سياسي يستدعي القيام ببناء التحالفات، فيقول في الموضوع:

"إن الائتلاف، يجب أن يتأسس، أو يعاد تأسيسه بالنسبة لكل ظرفية ملموسة، بمعنى فترة، أو مرحلة للتحول السياسي. عندما يتحقق الهدف، أو يتم تحقيقه بالنسبة للأساسي، تنبثق أشكال جديدة للنضال، و حركات اجتماعية جديدة، و ضرورات جديدة، و ائتلافات جديدة يمكن أن تتأسس[...] في كل مرحلة لمشروع مضاد، قابل للحياة، و بديل لهذه السلطة المرتكزة بالدرجة الأولى إلى التعريف (التحديد) المشترك لهدف المرحلة، يمكنها تأسيس المنبع الحي للتجديد في كل مرحلة مرحلة، لهاته الائتلافات".

هذا فيما يتعلق بالائتلافات، أما عن هدفها فيقول:

"أجل هنا أيضا، الهدف الأساسي، المتضمن استراتيجيا في هاته الإئتلافات، هو تفتح الفرد، و كل الأفراد، ليس ضد أو بدون الآخرين، و لكن مع الآخرين المتضامنين مع الآخرين، تفتح الفرد المتجذر في هويته و المتجاوز لها في الكوني".

من خلال هذا الكلام، يتبين كأن صاحبنا يحن إلى زمن الأنوار و الثورات البورجوازية، و ناسيا أو متناسيا، أن الزمان قد تقدم، و أن التاريخ قد وضع على جدول أعمال الإنسانية: الإشتراكية أو البربرية، على حد تعبير روزا لوكسمبورغ، إنها رومانسية رجعية، تحن إلى عصور بادت، كانت فيها البورجوازية ثورية، أي طبقة صاعدة. نحن في عصر الإمبريالية، عشية الثورات الإشتراكية،حتى، و أن التاريخ لا يسير في خط مستقيم.

من خلال نص "تأملات نظرية"، يقدم الكاتب طرحه للأنوية الثورية، و يحاول أن يربط أسس وجودها بالواقع المغربي، فيقول:

"غير أنني أود أن أطرح منذ الآن تصوري في الشروط الملموسة للثورة المغربية، في المرحلة ، لمسألة التنظيم الثوري (أو بالأحرى التنظيمات الثورية)، إن ما يميز الطور الراهن للصراع بالمغرب (يشكل الطور جزءا من مرحلة)، (إن المرور إلى طور أعلى يتميز بانعطاف دون قطيعة، بينما تتميز المرحلة بالقطيعة)، هو ازدهار تنظيمات متعددة داخل المجتمع المدني المحدد أساسا بالصراع من أجل ديموقراطية حقيقية، و زوال السلطة المخزنية"، و يقول أيضا :

"من الواضح ان التصور الكلاسيكي ل"الحزب اللينيني"، الذي سيقود هذا النضال، عبر الهيمنة على هذه التنظيمات المختلفة، هو في تعارض مع حيوية اجتماعية من هذا القبيل".

و عن سؤال لماذا التنظيم الثوري؟ "أجيب شخصيا بأن الحاجة ــــ في ظل دينامية اجتماعية مثل هاته ـــــ ليست إلى تنظيم ثوري، و إنما إلى "أنوية ثورية".

لكن ماذا يعني أولا مصطلح ثوري، و لماذا أنوية؟

إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ صدور هذا النص، أي سنة 1997، يحاول الكاتب ــــ في تعارض مع كل المفاهيم الماركسية، لما يقرب من 150 سنة ـــــ تحديد الطبيعة الثورية لنواته الثورية، و التأسيس لمفهوم تنظيمه الثوري، من خلال قوله:

"نقول، و يقول كل المناضلين الديموقراطيين و التقدميين المغاربة، "ديموقراطية حقيقية". في الحقيقة تتحدد هذه الديموقراطية أكثر بالسلب، أي نهاية نظام السلطة المخزنية، لكن بما يتعلق الأمر بعد ذلك؟ ما هي الديموقراطية الحقيقية؟"

بإمكان جميع المناضلين تبني شعار سيادة الشعب، لكن كيف تمارس بالملموس؟ و حتى اصطلاح فصل السلط، عندما يستعمل كشعار مركزي، يفسح المجال أمام مساومة مفتعلة مع الحكم المخزني: احتفظوا بالسلطة التنفيذية، لكن اتركوا لنا التشريعية، هذا دون أن يتم حتى الإشارة إلى السلطة القضائية، بل حتى شعار المجلس التأسيسي الذي هو أكثر بكثير جذرية و انسجاما من سابقه، غير خال من الغموضات و الإحتواءات الكاملة. ليس فقط حول مسألة من سيستدعي انتخابات مثل هذا المجلس، إذا ما ظل المخزن قائما. و لكون هذا الشعار (المجلس التأسيسي) يظل حبيس الديموقراطية التمثيلية (البرلمانية)، التي حللها ماركس منذ أولى كتاباته"

"لذلك فإن مفهوم مؤتمر الشعب التأسيسي المركز على الديموقراطية المباشرة، هو أكثر انفتاحا على دينامية اجتماعية ثورية، تشق الطريق لمسلسل إزاحة سلطة المخزن من طرف الشعب".

لكن إلى أين؟ الجواب: لا يمكن أن يحدد ذلك إلا مؤتمر الشعب التأسيسي.

هكذا إذن، أعطانا الكاتب الجواب عن معنى كلمة ثوري، و عن المضمون الثوري لتنظيمه المقترح. إذا أخذنا بعين الاعتبار، مضمون الطور الذي يحدده الكاتب، و الذي يستقي منه التنظيم طبيعته الثورية، نجد أنفسنا أمام تنظيم هو في أحسن الأحوال ديموقراطي ثوري، أي يتحدد بهدف الطور، و لا معنى عند الكاتب لتكرار أسطورة المهمة التاريخية للبروليتاريا، التي تتضمن ادعاء قيادة السيرورة، فذلك هو ما أدى إلى الكارثة التي حصلت في الاتحاد السوفياتي حسب افترائه، و لمن يشك في ذلك نحيله إلى الفقرة التالية:

"إن تاريخ هذا القرن، يبين أنه لا يمكن لأي تنظيم، أن يدعي قدرته على التعبير عن كل هذا، و ليس بمقدور أي تنظيم لوحده، أن يقوم بتنسيق جميع هذه النضالات، إن موضوع، و بالأحرى أسطورة المهمة التاريخية للبرويلتاريا، تتضمن هذا الادعاء، و هو ما أدى إلى الكارثة التي حصلت في الاتحاد السوفياتي في السابق".

عودة إلى الأطروحة الثالثة :

تتمة    أطروحة الأنوية الثورية: من النظرية إلى التطبيق  

ينقلنا أبراهام السرفاتي من عالم النظرية الغامض، إلى حقل الممارسة المنعدم، في محاولة لتجسيد ما جاء به نظريا على أرض الواقع، و سنجد هذا في نصه المعنون ب "الفاعلون الجدد السوسيو- سياسيين في دول الجنوب، مقاربة نظرية و تجربة مغربية".

هكذا،جاء في معرض تقديمه للإشكالية، أن عرضه، يعتمد على ترابط التفكير النظري، و النضال الميداني بالمغرب، في إطار ما أسماه : الانتقال إلى الديموقراطورية، كما أن عرضه أخذ بعين الاعتبار- حسب تصريحه - 25 سنة من العمل السري.

السياق العام:

- الانتقال من دكتاتورية شديدة إلى ديموقراتورية بالمعنى الذي حدده غاليانو، و يحدد زمن ذلك، من 1992 إلى 1996.

- انهيار الاشتراكية الفعلي في شرق أوروبا و الاتحاد السوفياتي.

إن التفكير النظري، حسب التحريفي الجديد، أخذ بعين الاعتبار دروس هذا الانهيار، بالإضافة إلى أخذه بعين الاعتبار تجربة الحركة (الماركسية ــ اللينينية)، و هو يعني بالأساس تجربة ما يسميه ب 25 سنة من العمل السري، و من هنا يحدد المفاهيم التنظيمية التي سادت داخل المنظمة:

1- خط الجماهير الذي حدده ماو تسي تونغ سنة 1943 – 1944.

2-اللجوء في مرحلة قاسية، إلى المفهوم اللينيني لمنظمة المحترفين الثوريين، التي يرى أبراهام السرفاتي، أنها فقدت من حيث البنية فعاليتها، و هنا يقوم بمقارنة بين روسيا 1906- 1913 (طبقة عاملة مهيكلة سياسيا) و المغرب (شبيبة مدرسية كوسط مغذي).

يلاحظ أبراهام السرفاتي، أنه خلال سنوات الثمانينات، ظلت هناك استمرارية في النضالات السياسية نتيجة عاملين :

- المقاومة السياسية في السجون.

- التنظيم لقطاع هام من الشبيبة المدرسية، تحت تأثير هذه المقاومة، و تحت تأثير الأفكار التي كانوا يدافعون عنها منذ 1970، و كمثال على ذلك انتفاضة 1984، التي حركها شباب متأثر بهذه الأفكار، حيث لعب المعتقلون السياسيون دور النواة الثورية.

يتكلم أبراهام السرفاتي عن استمرارية النضالات السياسية، و منها انتفاضة 84، التي يعتقد حسب النص، أنه كان أحد أعضاء أول نواة ثورية لعبت دورها خلال هذه الحقبة. و لا نجد في تحديده للأسباب، أي عامل موضوعي اجتماعي، أو اقتصادي، بل عوامل ترتبط بنتائج لذلك الوضع الموضوعي، فياله من منهج يمشي على رأسه.

أما الانتقال إلى الديموقراتورية، الذي بدأ مع العفو شبه العام، ليوليوز 1994، أي دخول المغرب مرحلة جديدة، فتم تحديده بإطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين).

هكذا إذن، يلجأ صاحبنا إلى مفاهيم غير ذات صلة بالفكر الماركسي و الحقل السياسي الماركسي، و ذلك باعتماده على مفهوم بين – بين

دولة : لا هي دكتاتورية، و لا هي ديموقراطية بعد، أي أنها الاثنان معا، و هذا لعمري لأغرب نظام سياسي عرفه التاريخ، فالدولة هنا دكتاتورية و غير ديكتاتورية، و ديموقراطية و غير ديموقراطية، و هذا خروج واضح عن المفهوم الماركسي، الذي يرى أن كل دولة، هي دكتاتورية تمارسها أقلية ضد الأغلبية، و حتى السلطة البروليتارية هي دكتاتورية تمارسها الأغلبية ضد الأقلية، و حتى في حال التوازن في صراع الطبقات، و بروز طبقة ثالثة، أو عناصر منها، تستولي على السلطة، فلا يعني هذا أن الدولة فقدت دكتاتوريتها، بل تغير النظام السياسي في حقبة محددة.

بالعودة إلى المفهوم اللينيني للتنظيم، و حسب ما يقوله زعيم التحريفية الجديدة، أنه في سنة 1993، اقترح أحدهم، التخلي عن المفهوم اللينيني للحزب الثوري، باعتباره مرشدا لمجموع الحركة الثورية، و تعويضه بمفهوم "الأنوية الثورية" بالجمع، المنبثقة من المجتمع المدني، و التي تمكن عن طريق ترابطها، بلورة الاستراتيجية المناسبة لمرحلة النضالات الجارية، و سيجد صاحبنا مناسبة سانحة لعرض مفاهيمه التنظيمية الجديدة،بعد حل منظمة "إلى الأمام"، و انطلاق محاولة تأسيس "النهج الديموقراطي"، و ذلك من خلال نقده لأحدى الأوراق التأسيسية للنهج الديموقراطي.

يقول أبراهام السرفاتي أن هذا النص يعيدنا إلى المفاهيم و التصورات المقدمة منذ 24 سنة، هي نفسها مأخوذة من المفاهيم المقدمة من طرف لينين، في بداية القرن 20، هذه المفاهيم، إذا كانت قد سمحت بانتصار ثورة أكتوبر، فقد كانت تتضمن بذرة الكارثة التي جاءت بعد ثلاثة أرباع قرن، و في تجربتنا الخاصة في المغرب، هاته المفاهيم سمحت بمواجهة القمع خلال بضع سنوات، و لكن تجاوزها في الممارسة، هو الذي سمح في الثمانينات بالحفاظ على الحركة، و انفتاحها على الطاقات الحالية.

"إن الدرس الأساسي للحركة منذ 15 سنة، هو الأولوية للتنظيم الذاتي للجماهير، أما الدرس الثاني المسجل في المغرب منذ السنوات الأخيرة، هو الأولوية لانبثاق و تثبيت و تعزيز المجتمع المدني".

على هذا الأساس، اعتبر أبراهام السرفاتي، أن هذه النصوص النهجية (نسبة ل "النهج الديموقراطي")، لم تأخذ بعين الاعتبار، التقدم الحاصل في مفاهيم الحركة، و اعتبر تلك النصوص تراجعا ب 25 سنة، أي ربع قرن.

و لتقديم المقترحات، التي تسمح بالتجاوز النهائي للدغمات التنظيمية للماضي، قدم السرفاتي اقتراحات بديلة منها :

1) فيما يخص، العضوية في النهج الديموقراطي، جعل أبراهام السرفاتي من النضال النشيط في منظمة للمجتمع المدني، شرطا لذلك.

2) فيما يخص بنية التنظيم، نظر السرفاتي إلى النهج الديموقراطي، كتيار متواجد على الصعيد الوطني، يجب أن يكون تجمعا لتنظيمات إقليمية، مستقلة ذاتيا، و التي تقوم وحدتها على الارتباط المشترك بنضالات اليسار الجديد، منذ 26 سنة، و بالماركسية كميتودولوجيا حية للفعل الاجتماعي ، و بالمصالح الاستراتيجية للجماهير الكادحة.

3) القيادة هي عبارة عن "لجنة تنسيق" لتبادل التجارب، و ليس لها سلطة على الإقليم المستقل.

4) جريدة للجميع، لكن بدون دور مركزي . و من النكت "الجميلة"، أن مدير الجريدة لا يجب أن يكون عضوا في لجنة التنسيق الوطنية، التي لا سلطة لها على الأقاليم، و الأنكى من كل هذا، ألا يكون منتسبا لأي إقليم، و هذا يعني أن المدير شخصية معلقة في عالم المثل الأفلاطوني، تتابع ما يجري في الأقاليم التي يجب أن يخدمها، دون أن يكون عضوا في لجنة التنسيق الوطني، و لا حتى أن يكون منتسبا لأي إقليم، إنه إنسان وطني، يذكرنا بمفهوم الدولة الهيجلي، فياله من تصور غارق في المثالية الذاتية ...

5) كل جهة تحدد بشكل ديموقراطي توجهاتها، و عمل برنامجها، و تنتخب لجنتها المسيرة.

لقد كانت هاته هي المحاولة الأولى- والأخيرة- لنقل أبراهام السرفاتي لأطروحاته التنظيمية المعادية للنظرية اللينينية، إلى الواقع ، و كما رأينا، فهي تقوم على أساس تنظيم هلامي قوامه تنظيمات اقليمية مستقلة،و لجنة تنسيق وطنية لاسلطة لها على الأقاليم، فمبرر وجودها مختصر في تبادل التجارب بين الأقاليم، أما قاعدة الوحدة المشتركة للتنظيم، فهي تبني الماركسية كمتودولوجيا حية للفعل الإجتماعي، و الإرتباط المشترك بنضالات اليسار الجديد منذ26 سنة، و أما الجريدة فلا دور مركزي لها، و مديرها لا ينتمي للجنة التنسيق الوطنية، و لا ينتسب لأي إقليم، ثم بالإضافة إلى كل هذا ، فالعضوية داخل التنظيم، مشروطة بالعمل داخل منظمات المجتمع المدني.

لقد وجد تلامذته من مؤسسي "النهج الديموقراطي" صعوبة في فهم أطروحاته، رغم تصفيقهم المستمر لنظرية "الأنوية الثورية"، و ازدادت الصعوبة أكثر، بعد محاولات الإنتقال إلى التطبيق العملي، فوضعوا جزءا من النظرية في الدولاب، دون تخلي عن جوهر النظرية، و احتفظوا بجزء كبير، بعدما اضطروا إلى توفير حد أدنى من المركزية التنظيمية - ضمانا لإستمراريتهم – و هذا الجزء الكبير، يتمثل في تبني "الماركسية كمتودولوجيا" لتحليل الدينامية الإجتماعية، رفض المفهوم اللينيني للتنظيم و للمركزية الديموقراطية، نزع أي تمثيلية محلية عن عضو اللجنة الوطنية، فهو لا يمثل إلا نفسه، رفض العمل بالتنظيم الخلوي، و تعويضه بمجالس محلية عائمة، و بحدود مائعة فيما يخص العضوية من غيرها،رفض العمل السياسي وسط الجماهير، و اختزال ذلك في بعض المناسبات.  

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.