Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع" ــ فيكتور سيرج ــ الفصل الأول ــ الحلقة الرابعة"

Pin it!

استمرارا في نشره لترجمة الفصل الأول من كتاب "ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع"، لكاتبه "فيكتور سيرج"، يقدم موقع 30 غشت الحلقة الرابعة من هذا الفصل، وهي تتضمن الجزء العاشر، الحادي عشر، الاثنا عشر، الثالث عشر، الرابع عشر، الخامس عشر، السادس عشر، السابع عشر، الثامن عشر والتاسع عشر.

الحلقة الرابعة

الفصل الأول: الجزء العاشر، الحادي عشر، الاثنا عشر، الثالث عشر، الرابع عشر، الخامس عشر، السادس عشر، السابع عشر، الثامن عشر، والتاسع عشر

X- الاستفزاز سلاح ذو حدين

تحتوي الملفات الخاصة على عروض خدمة موجهة للشرطة، لقد مررت بالصدفة على مجلد من المراسلات مع دول أجنبية، حيث يمكننا أن نرى على التوالي "شخص دانماركي حاصل على تعليم عالي" و "طالب من كورسيكا من عائلة راقية" "يبحث عن عمل في الشرطة السرية لصاحب الجلالة قيصر روسيا ...". إن المساعدة المالية الممنوحة لسيروفا تشهد على اهتمام (عناية) الشرطة بموظفيها، حتى، وإن كانوا خارج الإطار، فالإدارة لا تضع في اللائحة السوداء إلا العملاء اللذين ضبطوا في حالة تلبس بالكذب والنصب والاحتيال، واصفة إياهم بالمبتزين، ويفقدون كل حق بالاعتراف من طرف الدولة.

من ناحية أخرى، فالآخرون يمكنهم الحصول على كل شي، الإبقاء أو الإعفاء من الخدمة العسكرية، عفو خافض للحكم، عفو شامل، امتيازات مختلفة بعد الإدانات الرسمية، المعاشات المؤقتة، أو معاشات تقاعدية، كل شيء، وحتى التدابير التي تعتمد على القيصر نفسه. لقد رأينا كيف أن القيصر يمنح للاستفزازيين القدامى أسماء شخصية جديدة، إن اسم العائلة أو اسم الأب له قيمة دينية وفقا للطقوس الأرثودوكسية، وبالتالي فإن الرئيس الروحي للكنيسة الروسية ينتهك قوانين الدين نفسها ... لكن ذلك يتم فعله من أجل مخبر جيد.

لقد انتهى الأمر بالاستفزاز إلى أن يصبح مؤسسة حقيقية، ويمكن أن يتراوح العدد الإجمالي للأشخاص اللذين شاركوا في الحركة الثورية، وقدموا الخدمات للشرطة على مدى 20 عاما، بين 35 ألف و 40 ألف، وتشير التقديرات أن نصف هذا العدد تقريبا قد تم كشفه، ومع ذلك استمر بضعة آلاف من المخبرين في العيش مع الإفلات من العقاب في روسيا نفسها، ولم يكن تحديد هويتهم ممكنا بعد، وقد كان من بين هذا الحشد، رجال ذوو قيمة، هؤلاء هم نفسهم اللذين لعبوا دورا ملموسا في الحركة الثورية.

حتى سنة 1909، كان يوجد على رأس الحزب الاشتراكي الثوري، المهندس إيفنو آزيف، الذي كان منذ 1890 يوقع باسمه بكل بساطة تقاريره إلى الشرطة. كان آزيف أحد اللذين نظموا إعدام الدوق الكبير سيرجو، وكذلك الوزير بليهف وحشد آخر. كان هو الذي يقود، قبل أن يرسلهم إلى الموت، أبطال مثل كالييف و إيغورسزونوف.

في اللجنة المركزية البلشفية، كان على رأس مجموعة الحزب في الدوما، كما رأينا ذلك سابقا، العميل السري مالنوفسكي.

إن الاستفزاز الذي بلغ هذا الحجم الكبير، أصبح في حد ذاته خطرا على النظام، الذي يستخدمه، خاصة بالنسبة لرجالات هذا النظام، إننا نعرف مثلا، أن أحد أعلى موظفي وزارة الداخلية، البوليسي راتشكوفسكي كان على علم، بل و وافق على مشاريع تصفية بلهيف و سيرج الدوق الكبير.

كان ستولبين، الذي كان على علم جيدا بهذه الأشياء، في خرجاته، يذهب برفقة رئيس الشرطة غيراسيموف حيث كان وجوده ضمانا ضد الهجمات المرتكبة بتحريض من الاستفزازيين. علاوة على ذلك، فقد قتل ستولبين من طرف الأناركي بوغروف الذي كان ينتمي إلى الشرطة.

ورغم كل شيء ما زال الاستفزاز مزدهرا حتى في الوقت الذي اندلعت فيه الثورة. لقد تلقى العملاء الاستفزازيون مدفوعاتهم الشهرية النهائية في الأيام الأخيرة من فبراير 1917، أي قبل أسبوع من انهيار الاستبداد.

حاول عدد من الثوار المخلصين استعمال الاستفزاز. فبيتروف، وهو اشتراكي ثوري، الذي ترك ذكريات مأساة شديدة، قد دخل الأوخرانا من أجل محاربتها بشكل أفضل من الداخل.  بعد سجنه، وتعرضه لرفض أول من طرف مدير الشرطة، قام بادعاء الجنون ليتم إرساله إلى منفى حيث الهروب ممكن، وقد نجح في كل ذلك وهرب، ثم عاد حرا ليعرض خدماته، ولكن سرعان ما اقتنع أن له خصم مخيف، وخان رغما عنه، وقد انتحر بتروف، بعد أن قام بإعدام الكولونيل كاربوف (1909).

نجح الماكسيماليست (الماكسيمالية، تيار فوضوي ظهر في روسيا بين 1883 و 1892 ضمن مجموعة أوزفوبوزديني ترودا، و سيعود هذا التيار للبروز سنة 1906 عن طريق جماعة من الشعبويين انبثقوا من الحزب الاشتراكي الثوري الفلاحي)، سلومون ريس (مورتيمر)، منظم جماعة إرهابية جريئة للغاية (1906- 1907) في وقت ما، في التلاعب بالأمن، الذي أصبح عميله السري، و تشكل حالة سلومون رايس استثناء ملحوظا، يكاد لا يصدق، و الذي لا يمكن تفسيره إلا بالتقاليد الخاصة و بارتباك "الأوخرانا" بعد ثورة 1905.

انطلاقا من القاعدة العامة، فمن المستحيل التلاعب بالشرطة، ومن المستحيل على ثوري اختراق أسرارها، والعميل السري الأكثر ثقة، لا يتعامل أبدا مع أكثر من ضابط أو اثنين من ضباط الشرطة، لا يستطيع الحصول على أي شيء منهم، لكن تلك التي تخدم أقل كلماته وحتى أكاذيبه، يتم الكشف عنها بسرعة.

من ناحية أخرى، أدى تطور الاستفزاز في كثير من الأحيان إلى جعل الأوخرانا تقوم بتخطيط المؤامرات البالغة التعقيد، التي قد لا تكون لها الكلمة الأخيرة دائما. هكذا، كان من الضروري، بالنسبة لأهدافها في 1907، أن تعمل على فرار ذلك رايس نفسه، فمدير الشرطة لا يتردد في أن يذهب حتى النهاية في هذا الهدف، أي حتى الجريمة، فقد نظم اثنان من رجال الدرك تحت الأوامر، هروب هذا الثوري، وقد كشف التحقيق القضائي الذي تم إجراؤه بشكل سيء دورهما. بعد تقديمهما أمام مجلس الحرب وتجاهلهما رسميا من قبل رؤسائهم، حكم عليهما بالأشغال الشاقة.

XI ــــــ الجواسيس الروس في الخارج : حالة م. ريموند ريكولي

لقد امتدت تفرعات الأوخرانا بطبيعة الحال إلى الخارج، فملفاتها تحتوي على معلومات عن عدد الأشخاص، اللذين يقطنون خارج حدود الإمبراطورية، واللذين لم يعودوا أبدا إلى روسيا.

فعلى الرغم أنني أتيت إلى روسيا لأول مرة سنة 1919، فقد وجدت سلسلة كاملة من البطاقات باسمي هناك، فقد تابعت الشرطة الروسية بأكبر قدر من الاهتمام شؤون الثوار التي حدثت في الخارج. لقد وجدت في بتروغراد ملفا ضخما حول قضية الأناركيين الروس ترويانوفسكي و كريتشك، اللذين تم القبض عليهما خلال حرب باريس، وقد تم تضمين ذلك الملف محاضر الاستجوابات في قصر العدل بباريس، وسواء كانوا روسا أو أجانب، فالأناركيون، علاوة على ذلك، كانوا بصفة خاصة مراقبين في كل مكان من خلال رعاية الأوخرانا، التي حافظت على مراسلات منتظمة مع أجهزة الأمن في لندن و روما و برلين الخ...

في جميع العواصم الكبرى، كان هناك رئيس بوليس روسي يقيم بشكل دائم، فخلال الحرب شغل السيد كراسينيتكوف، وهو مستشار السفارة رسميا هذا المنصب الحساس في باريس، وفي الوقت الذي اندلعت فيه الثورة الروسية، كان حوالي 15 من عملاء الاستفزاز في باريس في مختلف مجموعات الهجرة الروسية.

عندما اضطر آخر سفير لآخر قيصر إلى إحالة التفويض إلى خلف له عينته الحكومة المؤقتة، تعهدت لجنة مؤلفة من شخصيات مشهورة من جالية المهاجرين في باريس بدراسة أوراق السيد كراسيلنيكوف. لقد تعرفت بسهولة على العملاء السريين، وكانت لديها من المفاجآت الأخرى، تلك التي تتعلق بأحد أعضاء الصحافة الفرنسية، وهو صحفي ذو ميول "وطنية" من النوع الشائع آنذاك، في شارع دي غرينيل، يتقاضى مرتبا بصفته مخبرا وجاسوسا، إنه السيد ريموندريكولي المحرر في جريدة لوفيغارو، حيث كان مسؤولا عن خانة السياسة الخارجية.

في تعاونه الغامض مع السيد كراسيلنيكوف، قام السيد ريموند ريكولي، الذي كان خاضعا للنظام المفروض على المخبرين، باستبدال اسمه باللقب غير الجذاب راتمير.

وكمهنة كلب، اسم مناسب، كان راتمير يبلغ الأوخرانا عن زملائه في الصحافة الفرنسية، وكان يطبق في الفيغارو وخارجها سياسة الأوخرانا، كما كان يقبض 500 فرنك شهريا لقاء عمله ذاك. هذه الحقائق معروفة جدا، سيتم العثور عليها في جميع الأنحاء، أعتقد أنها طبعت في وقت مبكر من عام 1918، في باريس، في تقرير ضخم من قبل السيد أغافونوف، عضو لجنة التحقيق من المهاجرين الباريسيين حول الاستفزاز الروسي في فرنسا. من المؤكد أن أعضاء هذه اللجنة – بعضهم ما زال يعيش في باريس - لم ينسوا بالتأكيد راتمير–ريكولي. زد على ذلك، فإن روني مارشان قد نشر في لومانيتي سنة1922، الأدلة المستخرجة من محفوظات الأوخرانا في بتروغراد، النشاط البوليسي للسيد ريكولي، وتشبت هذا الأخير بالإنكار، ولا أحد صدقه، ومع ذلك لم يلفظه زملاؤه، وهذا أمر مفهوم، فقضية إفساد الصحافة من قبل الحكومات الأجنبية وإرشاؤها، هي قضية عادية تماما وجاري بها العمل.

XII ــــــ الغرف السوداء والبوليس الدولي

كانت تحت إمرة كراسلنيكوف مصلحة كاملة من المحققين والمخبرين، وأجور غامضة موظفة في المهام المنحطة، مثل مراقبة مراسلات الثوريين (الغرفة السوداء الخاصة، الخ ...).

في 1913 -1914، (ولا أظن أنها خضعت إلى تغيرات مهمة حتى الثورة)، كانت الوكالة السرية للأوخرانا في فرنسا فعليا تحت قيادة السيد بيتارد موران الذي يصل راتبه إلى 1000 فرنك في الشهر.

لقد سجلت حول كشف الأجور لهؤلاء العملاء، أسماء وأماكن سكنى، ولا أعتقد أن نشرها سيكون غير نافع، ونقدمها هنا:

العملاء السريون في الخارج الموضوعين تحت قيادة بيتارد – موران(باريس):

Invernitzi (Calvi, Corse), Henri Durin (Gênes), Sambaine (Paris), A. ou R. Sauvard (Cannes), Vogt (Menton), Berthold (Paris), Fontaine (Cap-Martin), Henri Neuhaus (Cap-Martin), Vincent Vizzardelli (Grenoble), Barthes (San Remo), Ch. Delangle (San Remo), Georges Coussonet (CapMartin), O. Rougeaux (Menton), E. Levêque (Cap-Martin), Fontana (Cap-Martin), Arthur Frumento (Alassis), Soustrov ou Sourkhanov et David (Paris), Dusossois (Cap-Martin), R. Gottlieb (Nice), Godard (Nice), Roselli (Zurich), Mme G. Richard (Paris), Jean Abersold (Londres), J. Bint (Cannes), Karl Voltz (Berlin), Mlle Drouchot, Mme Tiercelin, Mme Fagon, [François] Jollivet, Rivet.

كان ثلاثة أشخاص قد أعطيت لهم منح من طرف الوكالة السرية لباريس: الأرملة فارس، الأرملة ريغو، و ن.ن تشاتشنيكوف.

إن التواجد المؤقت لعدد من العملاء في كاب – مارتان أو في أماكن أخرى هو أقل أهمية، ويفسر ذلك بالحاجة لمقتفي الأثر، ولم يكن لدى كل هؤلاء العملاء مشكل فيما يتعلق بالتنقلات.

لقد تمكنوا من تنظيم "غرفة سوداء خاصة رائعة" في جميع أنحاء أوروبا، ولدينا في بتروغراد حزمة كاملة من حزم الرسائل المتبادلة بين باريس و نيس و روما و جنيف و برلين و لندن الخ ... لقد تم حفظ جميع المراسلات بين سافينكوف و تشرنون عندما كانا يعيشان في فرنسا، في أرشيفات الشرطة في بتروغراد، كما تم اعتراض المراسلات بين هآس و دان، كما هو الحال لعدد من المراسلات الأخرى، كيف ذلك؟

الحارس أو ساعي بريد المرسل إليه، أو أخيرا، مستخدم بريد، تمت بدون شك مكافأتهم بكل سخاء، يحتفظون لبعض الوقت – الوقت الكافي لاستنساخها – بالرسائل الموجهة إلى الأشخاص تحت الرقابة – وقد كانت المستنسخات في كثير من الأحيان من عمل أناس لا يعرفون اللغة المستعملة من طرف أصحاب الرسائل. علاوة على ذلك، فأخطاء بسيطة مرتكبة تكشفها، فهي تحمل - وهي مستنسخة أيضا- طابع الإرسال والعنوان، وقد كانت تنقل إلى بيتروغراد بأقصى سرعة.

كان البوليس الروسي بالخارج يتعاون بطبيعة الحال مع البوليس المحلي، بينما كان العملاء الاستفزازيون، اللذين يجهلهم الجميع، يلعبون دورهم كثوريين، ومن حولهم يعمل جواسيس كراسيلنيكوف، الذين يتم تجاهلهم رسميا، لكن في الواقع تتم مساعدتهم وتشجيعهم.

تظهر حقائق نموذجية صغيرة، طبيعة المساعدة التي قدمتها لهم السلطات الفرنسية، فقد وافق العميل فرانسسكو ليوني، الذي كان منخرطا في علاقات مع بورتزيف على تسليم بعض أسرار السيد بيتارد مونين له مقابل تمويل. لقد جرحه زميله فونتانا، الذي سرق صورته، بضربة عكاز في مقهى قرب محطة قطار ليون (باريس، 28 يونيو 1913) وبعد اعتقال المعتدي وجدوه يحمل بطاقتي عميل الأمن الفرنسي ومسدس، وتم نقله إلى المخفر تحت تهمة رباعية، تتمثل في "اغتصاب الوظائف، حمل الأسلحة المحظورة، ضرب وجرح، وتهديدات بالموت"، وقد أطلق سراحه 24 ساعة بعد ذلك بتدخل من السيد كراسيلنيكوف - بعد أن تم رفض وضعه الرسمي كعميل أمن روسي - أما بالنسبة لليوني المتهور، فقد استطاعت السفارة الروسية الحصول على طرده من فرنسا. وقد روت رسالة من كراسيلنيكوف كل هذه الأحداث لمدير الأمن، وأبلغته بالخطوات المتخذة لطرد بورتسيف من إيطاليا.

وفي رسالة أخرى، أبلغ نفس كراسيلينكوف الأوخرانا، أن تدخلات الاشتراكيين بشأن تصرفات الشرطة الروسية المعنية "لم تعد تشكل مصدر خوف وفقا للسلطات الفرنسية، فالاشتراكيون الفرنسيون لهم مشاغل أخرى في الوقت الحالي".

 XIII ـــــ برامج التشفير، الغرفة السوداء مرة أخرى

لكن ماذا لو استخدم الثوريون في رسائلهم أرقاما متفق عليها؟

عند ذلك كانت الأوخرانا تكلف محققا عبقريا بفك تشفير رسائلهم، وقد شهدوا لي أنه لا يفشل أبدا في ذلك. هذا المتخصص، الاستثنائي، المسمى زيبين، الذي اكتسب سمعته العظيمة لحد أنه خلال ثورة مارس تم الاحتفاظ به، فانتقل إلى خدمة الحكومة الجديدة، والتي أعتقد أنها استخدمته في مكافحة التجسس المضاد.

يبدو أن أكثر الأرقام تنوعا يمكن فك شفرتها، فسواء استخدمت مجموعات هندسية أو حسابية فإن حساب الاحتمالات يسمح بالعثور على بعض القرائن. ومع ذلك، لا يتطلب الأمر سوى نقطة بداية – أدنى مفتاح - لفك شفرتها. قيل لي أن رفاقا استخدموا، من أجل التواصل، بعض الكتب، حيث وافقوا على وضع علامات على صفحات معينة. لقد وجد زيبين، وهو عالم نفس جيد، هذه الكتب وصفحاتها.

وقد كتب الشرطي السابق السيد إ. باكاي:

"إن الأرقام المستندة إلى نصوص لكتاب معروفين، ونماذج مقدمة من أدلة المنظمات الثورية حول الترتيب الرأسي للأسماء أو العملات" لا قيمة لها.

غالبا ما يتم الحصول على أرقام المنظمات المركزية بواسطة محرضين، أو يتم فك شفرتها على المدى الطويل بعد عمل دقيق. يعتبر بكاي أن أفضل الأرقام الشائعة الاستخدام، هي تلك التي يمكن أن توفرها النصوص المطبوعة غير المعروفة. قام زيبين بتكوين مجموعة من الخزائن من صناديق وملفات، حيث يمكن العثور على الفور على أسماء جميع المدن في روسيا، على سبيل المثال، هناك شارع سان ألكسندر، اسم جميع المدن التي توجد بها هذه المدارس  أو تلك المصانع، ألقاب وأسماء جميع الأشخاص المشتبه فيهم، اللذين يعيشون في الإمبراطورية، الخ ...كانت لديه قوائم أبجدية للطلاب والبحارة والضباط، الخ ... وقد وجدوا في رسالة بريئة جدا في ظاهرها هذه الكلمات البسيطة : "لقد ذهب الأسمر الصغير هذا المساء إلى الشارع الكبير"، و أيضا جملة أخرى تتعلق ب "طالب الطب" : كان يكفي فتح بعض الخزائن لمعرفة ما إذا تم رصد الأسمر الصغير بالفعل، وفي أية مدينة توجد بها كلية طب والشارع الكبير. كانت ثلاثة أو أربعة أدلة مماثلة كافية لتقديم احتمال جدي.

في جميع المراسلات التي تم رصدها أو القبض عليها، تم تحديد أدنى إشارة إلى شخص محدد على البطاقات التي تشير أرقامها إلى النص الفعلي للرسائل، فالخزائن بالكامل مليئة بهذه الحروف، ثلاث رسائل عادية جدا، تنبثق عن مناضلين تفرقوا في منطقة ما، وتشير بالمناسبة إلى الرابعة، قد تكون كافية لتسليمه.

يجب التأكيد على الأمر التالي:

إن مراقبة المراسلات بواسطة الغرف السوداء - الذي يعتبر تقليدا صارما للشرطة بإنكار وجودها، ولكن بدونها لا توجد شرطة – أمر بالغ الأهمية. تتم مراقبة بريد الأشخاص المشتبه فيهم أو المعروفين، أولا، يكون الفرز، الذي تتم ممارسته عشوائيا باعتراض الأحرف الموجودة على مظروف "المرجو الإرسال إلى" أولئك اللذين تظهر اشتراكاتهم مسطرة بطريقة تقليدية، تلك الموجودة في كلمة تجذب الانتباه بأي شكل من الأشكال.

 توفر الرسائل المفتوحة بشكل عشوائي مستندات مفيدة بنفس درجة مراقبة مراسلة مناضلين مؤهلين، ويسعى هؤلاء في الواقع إلى الالتزام في رسائلهم (بينما الحذر الوحيد الحقيقي، وهو في الغالب مستحيل، هو عدم معالجة أشياء تهم الحركة، حتى ولو كان ذلك بشكل غير مباشر)، في حين أن القاسم المشترك لأعضاء الحزب – المجهولين – هو إهمال أبسط الاحتياطات.

تستنسخ الأوخرانا ثلاثة نسخ بالنسبة للرسائل المهمة: واحدة لإدارة الرقابة، واحدة لإدارة الأمن العام، والثالثة لإدارة الشرطة المحلية. تصل الرسالة إلى المرسل إليه في بعض الحالات. ومثلا، عندما كان يجب الكشف كيميائيا عن حبر سري... كانت الشرطة تحتفظ بالأصل، ويتوصل المرسل إليه بنسخة مزيفة، مقلدة تماما، وهذا يكون من عمل أخصائي مبدع.

يتم استعمال طرق متنوعة لفتح الرسائل حسب براعة المسؤولين: تبخير الأظرفة وإزالة أختام الشمع، الذي يتم إرجاعه بعد ذلك بشفرة حلاقة ساخنة، الخ ... في أغلب الأحيان، لا يتم لصق زوايا المظروف بشكل كامل، بعد ذلك يتم إدخال جهاز مصنوع من قضيب معدني في الفتحة ويتم لف الرسالة حوله بلطف، بحيث يصبح من السهل إزالتها ثم إعادتها دون فتح الطية.

لا يتم توصيل الرسائل المعترضة مطلقا إلى العدالة، حتى لا يلقي ذلك أي ضوء، وإن كان غير مباشر، حول عمل الغرفة السوداء، فقد كان يتم استعمالها في إعداد تقارير الشرطة، ولم تكن غرفة فك الشفرة تهتم فقد ببرنامج تشفير الثوريين، بل تقوم أيضا بجمع صور الأرقام الدبلوماسية للقوى الكبرى.

XIV - تركيب المعلومات. منهجية المبيانات

لحد الآن، لم نعالج إلا ميكانيزم الملاحظة عند الأمن الروسي، لقد كانت طرقها، من بعض النواحي تحليلية. يتم البحث والتنقيب والتسجيل، وسواء تعلق الأمر بتنظيم، أو بمناضل، فالطرق هي نفسها. بعد مدة – التي يمكن أن تكون قصيرة – يتوفر الأمن على أربعة أنواع من المعطيات حول الخصم:

1) تلك المتعلقة بالمراقبة الخارجية (التتبع، اقتفاء الأثر)، حيث تلخص النتائج في جداول شاملة، تسلط الضوء على أفعاله، حركاته، عاداته، معارفه ومحيطه.

2) تلك المتعلقة بالوكالة السرية والمخبرين، التي تقدم معلومات عن أفكاره ونواياه وأعماله ونشاطه السري.

3) تلك التي يمكن أن توفرها القراءة المتأنية للصحف والمنشورات الثورية.

4) مراسلاته، أو مراسلات بشأنه من أطراف ثالثة، تكمل الكل.

إن درجة دقة المعلومات التي يقدمها العملاء السريون، كانت بطبيعة الحال متنوعة. إن الانطباع العام الذي تعطيه الملفات، هو كونها صحيحة بشكل كبير إلى حد ما، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنظمات قوية التجذر.

تتوفر ملفات البوليس على محضر مفصل عن كل اجتماع سري، وملخص عن كل خطاب هام، ونسخة عن كل منشور سري، حتى وإن كان مستنسخا.

ها هو الأمن إذن، في حوزته توثيقا غزيرا، وعمل الملاحظة والتحليل قد تم، فيبدأ على التو، عمل التصنيف والتركيب حسب منهج علمي، وهذه النتائج يتم التعبير عنها بمبيانات.

لنبسط هذا، ونأخذ عنوانا: "علاقات بوريس سافينكوف"، هذا الجدول الذي يبلغ علوه 40 سم وعرضه 70 سم، بشكل يسمح بإلقاء نظرة للوهلة الأولى، يلخص كل المعلومات، التي تم تسجيلها عن علاقات هذا الإرهابي:

في الوسط يوجد مستطيل مشكلا بطاقة زيارة تحمل اسمه بخط اليد. من هذا المستطيل تشع خطوط، التي تربطه بدوائر ملونة صغيرة، تشع من هذه الدوائر في غالب الأحيان خطوط تربطها بدوائر أخرى، وهكذا دواليك.

بهذا الشكل، يمكن لعلاقات أحد الأشخاص، حتى وإن كانت غير مباشرة، أن تظهر على الفور، مهما كان عدد وسائطه، بوعي أو بغير وعي، التي تربطه بشخص ما.

تمثل الدوائر الحمراء في جدول علاقات سافينكوف، علاقاته "الكفاحية"، وتنقسم إلى ثلاث مجموعات، تتكون من تسعة، ثمانية، أو ستة أشخاص، كلهم أسماؤهم محددة وكذلك ألقابهم. تمثل الدوائر الخضراء الأشخاص اللذين لهم معه، أو كانت له معهم علاقات مباشرة سياسية أو غيرها: يوجد 37، وتمثل الدوائر الصفراء العائلة (تسعة أفراد)، وتشير الدوائر البنية إلى الأشخاص، اللذين لهم علاقة مع أصدقائه ومعارفه ... كل هذا في بتروغراد، كما تشير علامات أخرى إلى علاقاته في كييف.

لنقرأ على سبيل المثال:

ب. س له معرفة ب فارفارا إدواردونوفا فارخوفسكايا، التي تعرف 12 شخصا في بتروغراد (الأسماء الشخصية والعائلية، ألخ ...) وخمسة في كييف، ربما لا يعرف ب. س شيئا عن هؤلاء 12 والخمسة أشخاص هؤلاء، وهكذا فإن الشرطة تعرف الشاذة والفاذة عنها أفضل منه. هل يتعلق الأمر بمنظمة؟ فلنأخذ سلسلة من جداول دراسة، يبدو واضحا أنها ملخصات عن منظمة اشتراكية ثورية في مقاطعة فيلنا.

دوائر حمراء هنا وهناك، أنواع كأنها مجموعة من النجوم، تتشابك فيما بينها خطوط بشكل غريب. دعونا نفكك الشفرة:

فيلنا. دائرة حمراء: إيفانوف، المسمى "العجوز". زنقة (رقم)، مهنة. خط على شكل سهم يربطه هنا ب بافيل (نفس المعلومات) وتواريخ تشير لنا إلى 23 فبراير (من الساعة 4 إلى الساعة 5)، يوم 27 (في التاسعة، مساء) ويوم 28 (في الساعة الرابعة) ذهب إيفانوف عند بافل. خط آخر على شكل سهم يربطه بمارفا، جاءت عنده يوم 27 ظهرا. وهكذا تتشابك هذه الخطوط مثل الخطوات في الشارع. إن هذا الجدول يسمح بتتبع ساعة بساعة نشاط منظمة ما.

XV - قياسات الجسم البشري (الأنتروبمتري)، التبليغات والتصفية ...

دعونا نشير هنا إلى وسيلة مساعدة مفيدة للغاية، التي يتوفر عليها الأمن:

قياسات الجسم البشري (طريقة للتعرف على هوية الأشخاص، وخاصة المجرمين، بواسطة سجل للمقاييس الفردية والعلامات المميزة وبصمات الأصابع).

"البرتيوناج" (نسبة إلى السيد برتيون الذي طور هذا النظام) الذي يعد ثمينا بالنسبة لمصالح الهوية القضائية، فكل شخص تم اعتقاله يتم قياس جسمه، بمعنى تصويره عدة مرات من جميع الجوانب، من الأمام، جانبيا، واقف، جالس، وتحدد القياسات بواسطة أدوات التدقيق (شكل الجمجمة وأبعادها، الساعد، القدم، اليد، الخ ... يفحصها متخصصون، اللذين يضعون وصفا علميا (شكل الأنف والأذن، ظلال العيون والندبات وعلامات الجسم) كما تؤخذ بصماته، ويمكن لدراسة تعرجات صغيرة جدا للجلد، أن تكون كافية بعد ذلك لتثبت هويته بدون خطأ تقريبا، بصمة أصابع على كأس أو على مزلاج باب، ففي جميع الأبحاث القضائية، توفر سجلات الأنتروبومتري، المصنفة حسب مؤشرات (علامات) مميزة، معلومات إضافية (تكميلية).

إن أبسط الإشارات قد لا تقل خطورة، فيمكن ملاحظة شكل الأذن ولون العينين وشكل الأنف في الشارع دون إثارة اهتمام. هذه المعطيات تكفي عندئذ لشرطي مجرب لتحديد هوية الرجل رغم التغيرات التي نجح في أن يخضع لها جسمه. إن بعض الرسائل التقليدية، ترسل   بواسطة برقية إشارة علمية.

... من الآن فصاعدا، يصبح المناضلون الرئيسيون معروفين: للشرطة فكرة واضحة عن التنظيم ككل، وهذه المرة، يبقى فقط التحليل الدقيق.

لنفعل شيئا جميلا ونظيفا! إننا نفعله. إنها رسوم بيانية ملونة، بتصوير مائي، معالجة كأنها أعمال مخططة بشكل فني، وضعت لها مفاتيح تشرح العلامات، وأنه رسم تخطيطي للحزب الاشتراكي الثوري، الذي لا يملكه حتى أعضاء اللجنة المركزية لهذا الحزب أنفسهم، أو جدول تنظيم الحزب الاشتراكي البولوني، و للبوند اليهودي و للدعاية في معامل بتروغراد، الخ ...

تتم دراسة كل التنظيمات وكل المجموعات بشكل معمق. بالمناسبة، لا يتم هذا بشكل أفلاطوني! نحن هنا بالقرب من الهدف، إذ يوضح لنا رسم أنيق "مشروع تصفية المنظمة الاشتراكية الديموقراطية في ريغا"، في الأعلى، اللجنة التنفيذية (4 أسماء) ولجنة الدعاية (اسمان)، في الأسفل لجنة ريغا في ارتباط مع 5 مجموعات، التي تخضع لها 26 مجموعة فرعية، 76 في المجموع من الأشخاص لثلاثين مجموعة منظمة. كل ما عليك فعله هو أن تأخذ هؤلاء الناس في شبكة لاستئصال المنظمة الاشتراكية الديموقراطية لريغا كلها ...

XVI- دراسة علمية للحركة الثورية

عندما ينتهي العمل، يشعر مؤلفوه بفخر "مشروع" لدرجة الاحتفاظ به في الذاكرة، ينشرون – بشكل فخم – ألبوم صور لأعضاء المنظمة، التي تمت تصفيتها.

أمامي الألبوم المخصص لتصفية المجموعة الشيوعية الأناركية "الكومنيون" من قبل شرطة موسكو في غشت 1910.

تمثل أربع لوحات فوتوغرافية أدوات وتسليح المجموعة: 18 عشر صورا مصحوبة بنبذة بيوغرافية. ستستخدم المواد - التقارير والسجلات والرسوم البيانية، الخ ...  والتي استخدمت حتى هذه اللحظة بروح عملية مباشرة - من الآن فصاعدا بروح علمية إلى حد ما.

في كل عام يتم نشر مجلد من قبل الأوخرانا، مخصص لموظفيها فقط، يحتوي على سرد موجز، ولكنه كامل، للحالات الرئيسية التي تمت متابعتها، ويقدم معلومات عن الوضع الحالي للحركة الثورية.

كتبت أبحاث (دراسات) ضخمة عن الحركة الثورية، لاستخدامها في تكوين أجيال الدرك الشابة. نجد هناك لكل طرف تاريخه (أصله وتطوره)، ملخص لأفكاره وبرنامجه، سلسلة من الأرقام مصحوبة بنصوص تفسيرية تغطي رسما تخطيطيا لتنظيمه، قرارات آخر اجتماعاته وإشعارات حول أبرز مناضليه. باختصار، دراسة موجزة وكاملة.

 سيكون من الصعب، على سبيل المثال، إعادة كتابة تاريخ الحركة الأناركية في روسيا بشكل خاص، بسبب تشتت الأشخاص والجماعات، والخسائر المذهلة التي عانت منها هذه الحركة أثناء الثورة، وأخيرا كارثتها اللاحقة. لكننا كنا محظوظين لأننا وجدنا في أرشيف الشرطة مجلدا صغيرا ممتازا مفصلا للغاية، يلخص هذه القصة. سيكون من الكافي إضافة بعض الملاحظات ومقدمة قصيرة، لتزويد الجمهور بكتاب له أكبر قدر من الفائدة ...

بالنسبة للأحزاب الكبرى، نشرت الأوخرانا نفسها أعمالا دقيقة بعضها يستحق إعادة طبعه، والذي كله سينفع يوما ما.

توجد عن الحركة الصهيونية اليهودية 156 صفحة من الحجم الكبير، ملاحظة مكتوبة في قسم الشرطة، نشاط الحزب الاشتراكي الديموقراطي خلال الحرب، نص مكثف من 102 صفحة، حالة الحزب الاشتراكي الثوري عام 1908، الخ ... الكثير من الألقاب المأخوذة عشوائيا من الكراسات المأخوذة من قصاصات صحافة شرطة الإمبراطورية، كما أصدرت إدارة الشرطة أيضا أوراق معلومات دورية لموظفيها الكبار.

لأجل القيصر، أنتج في نسخة وحيدة نوع من مجلة مكتوبة بخط اليد، تصدر من 10 إلى 15 مرة في السنة، حيث تم تسجيل أقل حوادث الحركة الثورية – اعتقالات معزولة، عمليات بحث ناجحة، قمع، اضطرابات – لقد كان نيقولا الثاني يعرف كل شيء، ولم يستخف بالمعلومات التي قدمتها الغرف السوداء، وتتم كتابة الملاحظات بشكل متكرر بخط يده.

لم تراقب الأوخرانا فقط أعداء الأوتوقراطية، لقد اعتبرت أنه من الجيد أن يكون لديك أصدقاء، وخاصة معرفة ما يفكرون به. لقد درست الغرفة السوداء على وجه الخصوص رسائل كبار المسؤولين ومستشاري الدولة والوزراء، الحاشية والجنرالات.

تشكل المقاطع المهمة لهذه الرسائل المصنفة حسب المواضيع، وبالتواريخ، في آخر كل ستة أشهر، مجلدا كبيرا مرقونا، يقرأها وحدهم اثنان أو ثلاثة من الشخصيات الكبار. كتب الجنرال "ز" لأميرة "ت" أنها ترفض تعيين السيد "فلان" في مجلس الإمبراطورية، وأن الوزير "ز" يسخر منها في الصالونات، فقد لوحظ هذا (سجل هذا). وزير يعلق بطريقته الخاصة على مشروع قانون، وفاة، خطاب، وتم النسخ والملاحظة بعنوان "معلومات عن الرأي العام" ...

 XVII- حماية شخص القيصر

تتطلب حماية الشخص المقدس الذي يمثله القيصر آلية خاصة. لقد مررت بحوالي ثلاثين كتيبا مخصصا لكيفية إعداد رحلات جلالة الامبراطور، برا وماء وسكة حديدية وسيارات، في الريف، وفي الشوارع وفي المخيمات. تحكم قواعد لا حصر لها تنظيم كل رحلة للقيصر. عندما يضطر إلى المرور عبر الشوارع خلال احتفال ما، يصل الأمر إلى دراسة الطريق التي يمر منها منزلا منزلا، نافذة نافذة، لدرجة يتم التعرف بالضبط على منهم الأشخاص اللذين يسكنون على طول الطريق التي يسلكها، ومن هم الناس اللذين يستقبلون. لقد تم رسم خطط جميع المنازل والشوارع التي يمر منها الموكب، رسوم تعرض الواجهات وتحمل أرقام الشقق وكذلك أسماء المستأجرين، التي تسهل رصد المواقع، ومع ذلك كانت حياة نقولا الثاني عدة مرات تحت رحمة الإرهابيين، وكانت تنقده فقط ظروف طارئة وليس الأوخرانا.

 XVIII - كم يكلف إعدام معين؟

من بين جميع أوراق شرطة القيصر هذه، هناك وثائق لأناس كثيرين مخزنة، كما سبق أن تعرفنا على ذلك، وعلى الرغم من أن هذا خارج الموضوع قليلا، فإني أعتقد بأنه يجب أن أخصص بعض أسطر لسلسلة من الإيصالات البسيطة لمبالغ صغيرة من المال تم العثور عليها مرفقة بملف، لذلك جاءت هذه الأوراق الصغيرة في كثير من الأحيان بعد "تصفية" الجماعات الثورية، تضخيم وإغلاق الملفات التي سبق أن تم ملؤها من طرف المراقبة والتبليغات. كخاتمة، يعلمنا هذا، كم كان يساوي تنفيذ حكم الإعدام بالنسبة لعدالة القيصر، إنها الإيصالات الموقعة لكل أولئك، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، للذين قدموا يد العون للجلاد.

كانت تكاليف إعدام الأخوين مودات ودجافات مصطفى اوغلي، اللذين أدانتهما المحكمة العسكرية القوقازية، كالتالي:

نقل المحكوم عليهما من قلعة ميتك إلى السجن بالسيارات ب 4 روبل، تكاليف أخرى، 4 روبل للحفر، وملأ حفرتين ب 12 روبلا (يوضح ستة حفارين أن كل واحد منهم تلقى روبلين)، 4 روبلات لإقامة المشنقة، 8 روبل للمشرفين على الأعمال، وروبلان نفقات سفر الكاهن (ذهابا وإيابا)، وتلقى الجلاد 50 روبلا، ومصاريف التنقل روبلان. باختصار، فكل هذا ليس غالي الثمن. بالنسبة للكاهن والطبيب فالتكاليف متواضعة، كهنوتية أحدهما، ومهنة الآخر، ألا يعني هذا، التفاني تجاه البشرية.

ربما يجب أن نفتح هنا فصلا جديدا بعنوان: التعذيب، فكل البوليس في العالم يستخدمون بالفعل، بدرجة أقل أو أكثر، "المسألة القروسطية".

في الولايات المتحدة الأمريكية يمارسون "الاستجواب الثالث" الرهيب، وانتشر التعذيب على نطاق واسع منذ تفاقم الصراع الطبقي في أعقاب الحرب. السبيكورانزا الرومانية، الدفاع البولوني، البوليس الألماني والإيطالي واليوغسلافي والاسباني والبلغاري –يتم نسيانهم بالتأكيد – يستخدمونها بشكل واسع.

لقد سبقتهم الأوخرانا في هذا الطريق، ولكن باعتدال معين، بالرغم من أنه وجدت حالات عديدة أيضا للعقاب البدني – أداة السوط الجلدية- في السجون، تظهر الممارسة التي يلحقها البوليس الروسي بهؤلاء المسجونين قبل ثورة 1905، بصفة عامة أنها أكثر إنسانية من تلك التي تلحقهم اليوم في مراكز الاعتقال وللعمال المناضلين في عشرات الدول الأوروبية. وبعد 1905، كان لدى الأوخرانا غرف تعذيب في وارسو وريغا وأوديسا، وفي معظم المراكز الرئيسية على ما يبدو.

XIX- خاتمة : لماذا تظل الثورة لا تقهر؟

كان على الشرطة أن ترى كل شيء، وتسمع كل شيء، وتعرف كل شيء، واستطاعة كل شيء ...

تبدو قوة آليتها وكمالها بالأحرى، رهيبة، حيث وجدت في أعماق النفس البشرية موارد غير متوقعة، ومع ذلك لم تستطع إيقاف أي شيء. فلمدة نصف قرن، دافعت عبثا عن الاستبداد ضد الثورة، التي تتقوى سنة بعد أخرى، ثم إنه سيكون من الخطأ السماح لنفسك بالإعجاب بالرسم التخطيطي، الذي يبدو مثاليا لآلية الأمن الامبراطوري.

 كان هناك في القمة بعض الرجال الأذكياء، وبعض التقنيين ذوي القيمة المهنية العالية، لكن الآلة كلها استندت على سحابة من الموظفين الجهلة، ففي أفضل التقارير التي تم العثور عليها نجد الشناعات الأكثر تسلية، لقد دهن المال تروس الآلة الشاسعة، فقد كان الربح محفزا حقيقيا، ولكنه غير كاف، لا يتم شيء عظيم بدون إيثار، ولم يكن للحكم الاستبدادي مدافعين غير مبالين.

إذا كان لا يزال من الضروري، بعد انهيار 26 مارس 1917 (ثورة فبراير 1917)، أن نثبت، من خلال الحقائق المستعارة من تاريخ الثورة الروسية، الغرور الذي أبدته إدارة الشرطة، يمكننا أن ننتج عددا من الحجج مثل هاته، التي نستعيرها من الشرطي السابق م. إ باكاي. في سنة 1906، بعد قمع الثورة الأولى (1905)، في الوقت الذي أعاد فيه رئيس الشرطة تروسفيتش تنظيم الأوخرانا، فإن المنظمات الثورية في وارسو، تلك التي تنتمي بالأساس للحزب الاشتراكي البولوني "صفت في السنة 20 جنديا و 7 من الدرك و 56 ضابط شرطة و جرح 92 منهم، باختصار دمر 179 من ضباط الإنقاذ، كما دمروا 149 من أماكن شرب الخمر، و شارك مئات الرجال في هذه الأفعال، اللذين ظلوا في معظمهم مجهولين عند البوليس".

يلاحظ م. إ بكاي، أنه في فترات نجاح الثورة، كان عملاء الاستفزاز في كثير من الأحيان يفشلون، لكنهم يعودون للظهور بمجرد عودة الرجعية، مثل الغربان في ساحة المعركة.

في سنة 1917، انهارت الأوتوقراطية، دون أن تتمكن جحافلها من الجواسيس والمستفزين والدرك والجلادين ومراقبي المدينة والكوزاك والقضاة والجنرالات ورجال الدين من تأخير المسار العنيد للتاريخ.

تشير تقارير الأوخرانا التي كتبها غلوباتشيف إلى قرب الثورة، وزود القيصر بتحذيرات لم تكن مجدية، تماما، مثل الأطباء الأكثر تعلما، اللذين يتم استدعاؤهم إلى جانب فراش الموت، لا يمكنهم إلا أن يلاحظوا تقدم المرض دقيقة بدقيقة. لقد رأى ضباط الشرطة في الإمبراطورية، اللذين يعرفون كل شيء، وهم عاجزون، القيصرية تتدحرج نحو الهاوية ... لأن الثورة كانت ثمرة أسباب اقتصادية ونفسية وأخلاقية تتجاوزهم، وبعيدة عن متناولهم. لقد حكم عليهم بالمقاومة دون جدوى والاستسلام. إنه من الوهم الأبدي أن تظن الطبقات الحاكمة أنه يمكن محو النتائج بدون الوصول إلى الأسباب، والتشريع ضد الأناركية أو النقابية (كما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية)، وضد الاشتراكية (مثل ما قام به بسمارك في ألمانيا)، وضد الشيوعية التي نسعى إليها اليوم في كل مكان تقريبا. إنها تجربة تاريخية قديمة.

لقد اضطهدت الإمبراطورية الرومانية المسيحيين عبثا، وغطت الكاثوليكية أوروبا بالمحارق، دون أن تنجح في هزيمة الهرطقة والحياة. والحقيقة، هي أن الشرطة الروسية كانت غارقة حتى الأذنين، فالتعاطف الغريزي أو الواعي للغالبية العظمى من السكان تحول إلى أعداء النظام القديم، فقد أثار استشهادهم المتكرر تبشير القلة وإعجاب الكثيرين.

على هذا الشعب المسيحي القديم، فإن الحياة الرسولية للدعاة، اللذين تخلوا عن الرفاهية وعن الأمن، كرسوا أنفسهم لجلب الإنجيل الجديد للبؤساء، إلى السجن و إلى منفى سيبيريا، و حتى بالنسبة للموت نفسه، مارست تأثيرا لا يقاوم. لقد كانوا بالفعل "ملح الأرض": كانوا الأفضل، الوحيدون الحاملون للأمل الكبير، ومن أجل ذلك اضطهدوا. وهكذا، كان لديهم القوة الأخلاقية الوحيدة، المتمثلة في تلك الأفكار والمشاعر.

لم تعد الأوتوقراطية مبدءا حيا، لا أحد يعتقد بأهميته، و لم يعد لها إيديولوجيين، فالدين نفسه، من خلال أفواه مفكريه الأكثر صدقا، أدان نظاما لم يعد يرتكز إلا على الاستخدام الممنهج للعنف، فأعظم المسيحيين في روسيا الحديثة، تولستويين  و دوخو بورسيين كانوا  أناركيين، و الحال أن المجتمع، الذي لم يعد يعتمد الأفكار الحية، حيث مبادئها الأساسية ماتت، يمكن أن تصمد على الأكثر بعض الوقت بقوة الجمود، لكن في المجتمع الروسي في السنوات الأخيرة من النظام القديم، اكتسبت الأفكار الجديدة – التخريبية –سلطة بدون ثقل موازين. كل من في الطبقة العاملة وفي البورجوازية الصغيرة وفي الجيش والأسطول، كان ثوريا في التفكير والعمل، يعني "اشتراكيا" بطريقة أو أخرى. لم يكن هناك، كما هو الحال في بلدان أوروبا الغربية طبقة وسطى راضية، فلم يكن يدافع عن النظام القديم إلا رجال الدين الكبار ونبلاء المحكمة وقطاع المال وعدد قليل من السياسيين. باختصار، من طرف أرستقراطية قليلة العدد، لذلك وجدت الأفكار الثورية أرضية مواتية في كل مكان، لفترة طويلة أعطى النبلاء والبورجوازية للثورة زهرة أجيالهم الشابة، وعندما كان يختبئ مناضل، كان يلاقي العديد من المساعدات العفوية المخلصة، وبدون حساب، وعندما كان يتم القبض على ثوري – يحدث ذلك في أحيان كثيرة – فإن الجنود المكلفين بنقله يتعاطفون معه، وأنه من بين سجانيه، كان هناك "رفاق" تقريبا، لدرجة أنه في معظم  السجون كان من السهل الاتصال سريا بالخارج، وتسهل هذه التعاطفات الفرار أيضا، فقد كان غيرشوني، المحكوم عليه بالإعدام،  يتم نقله من زنزانة لأخرى يلتقي دركيين، اللذين كانوا "أصدقاء". و وجد بورتزيف في معركته ضد الاستفزاز مساعدة لا تقدر بثمن من مسؤول كبير في الداخلية، بالصدفة رجلا شريفا، م لوبوخين ومن شرطي سابق، هو م. باكاي.

كنت أعرف ثورية كانت حارسة في أحد السجون، فحالة "حراس" تم تحويلهم من طرف المعتقلين لم تكن غير نادرة. أما عن الحالة الذهنية للعناصر الأكثر تخلفا – من وجهة نظر ثورية- من السكان، فإن هذه الحقائق هي مجرد أعراض. وهذه فقط أسباب سطحية واضحة متداخلة مع أسباب أخرى عميقة. إن قوة الأفكار والقوة الأخلاقية والتنظيم والعقلية الثورية، لم تكن إلا نتائج لوضعية اقتصادية، التي ينتهي تطورها إلى الثورة.

تجسد الأوتوقراطية الروسية قوة أرستقراطية لكبار ملاك الأراضي وأوليغارشية مالية تخضع لتأثيرات خارجية، أعاقتها المؤسسات التي لا تساعد إلا قليلا تطور البورجوازية.

كانت الطبقات المتوسطة للمدن، التي تمثل قلة قليلة، مفتقرة للتأثير السياسي، غير راضية، تقدم أطفالها – شباب المدارس والمثقفين- إلى الثورة، إلى ثورة ليبيرالية، وهذا أمر مفهوم، لا ترى أي أفق آت من الموجيك والعامل.

تمردت البورجوازية الكبيرة، الصناعية والتجارية والمالية متمنية إقامة نظام ملكي دستوري على "الطريقة الإنجليزية"، حيث تسقط السلطة في يدها بشكل طبيعي.

 وبسبب إرهاقها بالضرائب، ولكونها فريسة، في وقت السلم، وفي زمن الازدهار الأوروبي الكبير، لمجاعات دورية، ولأنها محبطة من طرف محتكري الفودكا، مستغلة بشكل وحشي من قبل رجل الدين والشرطي والبيروقراطي والمالك الكبير، فقد استقبلت الجماهير الفلاحية بحماسة، منذ أكثر من نصف قرن دعوات الثوار، اللذين يوجدون في الطبقات الدنيا: "خذ الأرض يا فلاح".

 وبما أنها زودت الجيش بالغالبية العظمى من أفراده، فإن حطب الحروب في لياوبانغ، وموكدين (معارك كبرى بين الجيش الروسي والياباني 1905 انتهت بهزيمة الجيش الروسي)، وككل جلادي الانتفاضات، فالجيش المخدوم من قبل المنظمات العسكرية للأحزاب السرية، الجيش الذي أبقته مجالس الحرب و "نظام تكميم الأفواه" تحت الطاعة، كان يختمر وسط المرارة.

مع تطور الصناعة الرأسمالية، نمت بسرعة طبقة عاملة لا تزال شابة، محرومة من الحق الأساسي في التحدث بلغتها، حيث أعمال الوعي، والحق في التنظيم في الجمعيات وإصدار الجرائد، كانت غير قائمة في النظام الروسي القديم، كما كانت الطبقة العاملة الروسية جاهلة خدع الديموقراطية البرلمانية، تعيش في الأكواخ القذرة وتكسب أجورا منخفضة وتتعرض لعسف الشرطة، باختصار، وفي ظل وضع، هي فيه، أمام الحقائق العارية للصراع الطبقي، أصبحت أكثر وعيا بمصالحها يوما عن يوم.

كانت ثلاثون قومية غير روسية، أو تم إلحاقها بالإمبراطورية عن طريق الحرب، محرومة من حقها الأساسي في التحدث بلغتها، وجعلت الامبراطورية من المستحيل أن تكون لها ثقافة وطنية، فقد تم ترويسها بالقوة، وإبقاؤها تحت النير، فقط بإجراءات مستمرة من القمع.

في بولونيا وفنلندا وأوكرانيا ودول البلطيق، وفي القوقاز، اندلعت ثورات وطنية جاهزة للاندماج مع الثورة الزراعية وتمرد العمال والثورة البورجوازية، وطرحت القضية اليهودية في كل مكان.

في قمة السلطة سلالة منحلة محاطة بالأغبياء، يعالج مصفف الشعر فيليب الصحة الضعيفة للوريث المفترض بالتنويم المغناطيسي.

يعين راسبوتين ويقيل الوزراء في مكاتب خاصة، يسرق الجنرالات الجيش، وكبار الشخصيات ينهبون الدولة، بين هذه السلطة والأمة، بيروقراطية لا تعد ولا تحصى، تعيش بشكل رئيسي على الرشاوى. وسط الجماهير، منظمات ثورية واسعة ومنضبطة، نشطة باستمرار، مستفيدة من تجربة طويلة، كنوع من الهيبة ودعم يقدمه تقليد رائع.

كانت هذه هي القوى العميقة، التي عملت من أجل الثورة وضدها، وعلى أمل لا معنى له لمنع الانهيار، مدت الأوخرانا أسلاكها الشائكة الرقيقة. في هذه الوضعية السيئة عملت الشرطة بمهارة، وسواء نجحت مثلا في تصفية "منظمة الاشتراكي الديموقراطي" في ريغا، 70 اعتقالات قطعت رأس الحركة في المنطقة. لنفترض للحظة، التصفية الكاملة قد تمت، ولا أحد نجا منها، فماذا بعد؟

أولا، لم تمر هذه الاعتقالات 70 دون أن يلاحظها أحد، وكان كل واحد من المناضلين على اتصال بعشرة أشخاص على الأقل، و وجد 700 شخص على الأقل فجأة أنفسهم أمام هذه الحقيقة الصادمة: اعتقال أناس صادقين و شجعان، حيث كانت كل جريمتهم أنهم يريدون الصالح العام ...

إن المحاكمات والإدانات والمآسي الشخصية التي تنتج عنها، يسبب انفجارا من التعاطف والاهتمام تجاه الثوريين، وإذا نجح أحدهم في إسماع صوت قوي من قفص الاتهام، فيمكن القول على وجه اليقين، أنه يجب على المنظمة عند سماع نداء ذلك الصوت أن تجدد الولادة من الرماد: لم تكن المسألة سوى مسألة وقت.

بعد ذلك، ما العمل مع المناضلين السبعين المسجونين؟ لا يمكن إلا حبسهم لفترة طويلة بما فيه الكفاية، أو نفيهم إلى المناطق الخالية في سيبيريا، فليكن، ففي السجن – أو في سيبيريا- سيجدون رفاقا، معلمين وتلاميذ، يستغلون الراحة القسرية التي يمنحوهم إياها للدراسة، وأن تكون لأفكارهم ثقافة نظرية. في المعاناة المشتركة يتصلبون، ينصهرون، ويتحمسون. عاجلا أو آجلا، هربا أو عفوا – بفضل الإضرابات العامة أو أتمموا مدد سجنهم، سيعودون للحياة الاجتماعية، والثوريون القدامى "غير الشرعيين" هذه المرة، وبالأخص، هم أكثر قوة من ذي قبل. ليس كلهم بالتأكيد، فبعضهم سيموت في الطريق: انتقاء مؤلم له أهميته، وذكرى الأصدقاء اللذين تم فقدانهم، ستجعل الناجين غير قابلين للتصالح...

في النهاية، لا تكتمل التصفية أبدا، فاحتياطات الثوار تنقد البعض، ومصالح الاستفزاز نفسها تتطلب إطلاق سراح بعض الأشخاص، وتتدخل الصدفة في نفس الاتجاه، والفارون، رغم أنهم وضعوا في مواقف صعبة جدا، فسرعان ما سيجدون أنفسهم قادرين على الاستفادة من تدابير ملائمة.

اعتمد القمع فقط على الخوف، لكن هل يكون الخوف كافيا لمواجهة الحاجة وروح العدالة والذكاء والعقل، هل كل القوى الثورية تظهر قوة هائلة وعميقة للعوامل الاقتصادية للثورة؟ بالاعتماد على التخويف يغفل الرجعيون حقيقة أنهم يثيرون المزيد من السخط والكراهية والعطش للاستشهاد أكثر من الخوف الحقيقي. إنهم يخيفون الضعيف فقط: إنهم يغضبون الأفضل ويصهرون عزم الأقوياء.

وماذا عن المستفزين؟

للوهلة الأولى، يمكن أن يتسببوا في أضرار فادحة للحركة الثورية، فهل هذا صحيح حقا؟

بفضل مساهمتهم، يمكن للشرطة بالتأكيد من زيادة عدد الاعتقالات و "التصفيات" للجماعات، وفي ظروف معينة، يمكن أن تحبط الأهداف السياسية الأكثر عمقا، يمكن أن تفقد مناضلين ثمينين. غالبا ما كان المستفزون، هم الممونون المباشرون للجلاد. كل هذا فظيع بالتأكيد، لكن الحقيقة، أن الاستفزاز لا يمكن أن يضر بالأشخاص أو الجماعات، وأنه يكاد يكون عاجزا ضد الحركة الثورية ككل (إذا ما توفرت بعض الشروط كوجود قيادة صلبة للحركة – المترجم -).

لقد رأينا عميلا استفزازيا مسؤولا عن إدخال الأدب البلشفي إلى روسيا (1912)، وآخرا (مالينوفسكي) يلقي خطبا في الدوما كتبها لينين، وثالث نظم إعدام بليهفي. في الحالة الأولى يمكن لمخادعنا أن يسلم كمية كبيرة إلى حد ما من المطبوعات إلى الشرطة، ومع ذلك لا يستطيع، تحت طائلة "حرقه" على الفور، تسليمه، جميع الأدبيات، وعدم تسليمه حتى كمية قليلة نسبيا. كان إذن سيساهم، طوعا أو كرها في نشرها (الأدبيات)، ومع ذلك، سواء تم نشر كتيب الدعاية عن طريق عميل سري، أو عن طريق مناضل مخلص، فالنتيجة هي نفسها: الشيء الرئيسي هو قراءته، وأن تنفيذ حكم الإعدام في بليهفي سواء نظمه آزيف أو سافينكوف فهذا لا يهمنا، لا يهمنا كثيرا، وإن كانت تلعب لعبة كاماريلا البوليسية، صراع الواحدة مع الأخرى، فالأساسي هو أن يختفي بليهفي، ومصالح الثورة في هذه القضية أكبر بكثير من مصالح المكيافلليين الصغار والسمعة السيئة للأوخرانا.

عندما دوى صوت لينين في مجلس الدوما عبر العميل السري ماليونفسكي، سيكون من الخطأ أن تفرح وزارة الداخلية بنجاح عميلها المؤجر، وكلمة لينين تعتبر أكثر أهمية بالنسبة للبلاد من كلمة واحد بئيس في حد ذاته، وحتى يتمكن المرء، كما يبدو لي من إعطاء العميل الاستفزازي تعريفين متساويين، ولكن حيث الثاني هو الأهم بكثير:

1) العميل الاستفزازي هو ثوري مزور.

2) العميل الاستفزازي هو الشرطي الذي يخدم الثورة رغما عنه، لأنه يجب دائما أن يظهر أنه يخدمها.

لكن في هذه المسألة، لا يوجد مظهر دعاية، نضال، إرهاب فكل هذا حقيقة. نحن لا نناضل نصف نضال أو نضالا سطحيا، فقد أحس بها بؤساء، أولئك اللذين في لحظة جبن اندفعوا إلى هذا الوحل.

نشر غوركي ذات مرة في كتابه "اعتبارات غير ذات راهنية" رسالة غريبة لعميل استفزازي، فقد كتب الرجل شيئا مثل هذا:

"كان عندي وعي بعاري، لكن كنت أعلم جيدا أنه لا يمكن تأخير بثانية انتصار الثورة".

إن الحقيقة، هي أن الاستفزاز يسمم النضال، إنه يحث على الإرهاب حتى عندما يفضل الثوار الامتناع عنه.

فماذا يجب عمله بالفعل بخائن؟

إن فكرة إبعاده لا يمكن أن تتأتى لأي أحد، ففي نزاع بين الشرطة والثوار، فإن الاستفزاز يضيف عنصرا من المكائد والمعاناة والكراهية والازدراء.

 هل هذا خطير على الثورة كما على الشرطة؟

إني أعتقد عكس ذلك، من وجهة نظر أخرى، فإن الشرطة والاستفزاز لهما مصلحة مباشرة في أن تكون الحركة الثورية دائما مهددة.

إذا لزم الأمر، عوض التخلي عن مصدر آخر للربح، سيدبرون مؤامرات بأنفسهم: لقد تمت رؤية هذا. هنا تتعارض مصلحة الشرطة بشكل واضح مع مصلحة النظام، التي تتمثل مهمتها في الدفاع عنه. إن لعب مثل هؤلاء العملاء الاستفزازيين على نطاق معين، يمكن أن يخلق خطرا على الدولة نفسها. لقد نظم آزيف ذات مرة هجوما ضد القيصر، هجوم لم ينجح بسبب ظروف طارئة وغير متوقعة (فشل أحد الثوار (ضعف، عجز). في ذلك الوقت، كانت مصلحة آزيف الشخصية – التي كانت أعز عليه، بلا شك أكثر من أمن الإمبراطورية- تتطلب عملا رائعا: كان يثقل عليه شك في الحزب الاشتراكي الثوري، الذي عرض حياته للخطر، ومن ناحية أخرى، تساءلنا عما إذا كانت الهجمات التي نجح فيها لم تكن تخدم نوايا بعض المفلسين (لا يملك سنتيما). يمكن أن يكون ذلك ممكنا، لكن مؤامرات مثل هذه بين أصحاب السلطة، لا تشهد إلا على انحلال نظام، وتساهم شيئا فشيئا في سقوطه.

إن الاستفزاز أكثر خطورة، لعدم الثقة التي يزرعها وسط المناضلين، فبمجرد الكشف عن بعض الخونة، تختفي الثقة داخل المنظمات، إنه أمر رهيب، لأن الثقة في الحزب هي لحمة كل قوة ثورية.

يهمس باتهامات (داخل التنظيم)، ثم تصاغ في الأعلى، وفي غالب الأحيان يكون من المستحيل كشف حقيقتها، وينتج عن ذلك آلام لا نهائية أكثر خطورة في بعض النواحي من الآلام التي يسببها الاستفزاز الحقيقي.

دعونا نتذكر هذه الأشياء المفجعة:

اتهم باربيس، البطل بلانكي– و بلانكي رغم 40 سنة من السجن، و رغم كل حياته النموذجية، و شخصيته التي لم تروض أبدا، لم يستطع أبدا أن يغتسل من افتراء لا يستحقه، و اتهم باكونين بنفس الشيء، و أن الضحايا أقل شهرة، لكنهم لم يتأثروا على الأقل:

جيريي لوريون، الأناركي، اتهم بالاستفزاز من قبل النائب "الاشتراكي" دولوري، ولكي يغسل نفسه من شك لا يطاق، فقد أطلق النار على العملاء وذهب ليموت في السجن. فيما يشبه ذلك تقريبا، كانت نهاية أحد الشجعان في بلجيكا، وقد كان أناركيا هو أيضا هرتنستين سوكولوف (محاكمة غاند، 1909) الذي وسخته الصحافة الاشتراكية بكل جبن، ومات بسبب ذلك في السجن ...

 إنه تقليد:

يجمع أعداء العمل (الحركة)، والجبناء والمرتاحون في مواقعهم والانتهازيون، طواعية أسلحتهم، من المجاري!  إن الشك والافتراء يعمل على تشويه سمعة الثوار. لا ينتهي الأمر هنا، هذا الشر – الشك وعدم الثقة بيننا – لا يمكن الحد منه إلا بجهد كبير من الإرادة – يجب – وهذا علاوة على ذلك، هو الشرط المسبق لأي نضال منتصر ضد الاستفزاز الحقيقي، الذي يلعب فيه كل اتهام فاضح ضد مناضل يلعب اللعبة – بأنه لا ينبغي إطلاق التهم على الشخص بدون ترو، ولا يجب أبدا أن يصاغ اتهام ضد ثوري قبل تصنيفه، كلما لمس شخص مثل هذا الشكل، يجب على هيئة محلفين من الرفاق أن يحكموا في التهمة أو الافتراء. يجب مراعاة قواعد بسيطة بصرامة مرنة، إذا أراد المرء الحفاظ على الصحة الأخلاقية للمنظمات الثورية. علاوة على ذلك، على الرغم من أنه لا يمكن أن يكون خطرا على الأفراد، لا ينبغي للمرء أن يبالغ في تقدير قوى العميل الاستفزازي: لأنه يعتمد إلى حد كبير على كل مناضل للدفاع عن نفسه بشكل فعال.

لقد اكتسب الثوار الروس في نضالهم الطويل ضد شرطة النظام القديم، معرفة علمية مؤكدة بأساليب وإجراءات الشرطة، وإذا كانت قوية جدا، إلا أنها كانت متفوقة عليها ... مهما كان كمال الرسوم البيانية، التي رسمها المتخصصون في الأوخرانا حول نشاط منظمة معينة، فإنه يمكن للمرء أن يكون متأكدا مسبقا من ملاحظة تلك الفجوات.

نادرا ما قلت أن "تصفية" المجموعة كانت كاملة (تامة): لأنه بسبب الاحتياطات كان ينجو دائما شخص. ففي الجدول الذي تم وضعه بجهد لعلاقات ب. سافينكوف، كانت تنقصه بالتأكيد أسماء، ولا أدري إن كانت الأسماء الأكثر أهمية. (لعل الكاتب لمس جزءا من الحقيقة، و في الواقع التاريخي كانت القيادة البلشفية تجد دائما من يتحمل مسؤولية إعادة بناء التنظيم، حيث تظهر طاقات جديد وكفأة ليست أقل أهمية من سابقيها، و الأمر هنا ليس بمعجزة، بقدر ما هو ذو صلة بعبقرية لينين التنظيمية، وللمزيد من المعرفة، انظر في هذا المجال "رسالة إلى رفيق" و كراسة "ما العمل" لينين – المترجم -) .

اعتبر المناضلون الروس، بالفعل، أن العمل السري يخضع لقوانين صارمة، ففي كل لحظة كانوا يطرحون هذا السؤال: "هل هذا يتوافق مع "التآمر"؟". (المقصود هنا كلمة كونسبيراتفنو الروسية، وهي ذات صلة بنظرية سياسية حول العمل الثوري لدى لينين، انظر كراسة "ما العمل؟" لينين).

لقد كان لقانون "التآمر" منظرين وممارسين بارزين من أكبر الخصوم للأوتوقراطية والرأسمال في روسيا. إن دراسته بشكل جيد سيكون مفيدا للغاية، والتي ربما بسبب بساطته، على وجه التحديد، لا نفكر فيه دائما ... بفضل علم "التآمر" هذا، تمكن الثوريون من العيش بشكل غير قانوني في العواصم الروسية لشهور وسنوات، فقد حدث في بعض الأحيان أن تحولوا –لحاجات القضية – إلى تجار متجولين وحوذيين عند "الأجانب الأغنياء" وإلى خدم، الخ ... وفي كل هذه الحالات، كان عليهم أن يعيشوا أدوارهم. فمن أجل تفجير قصر الشتاء، عاش العامل ستيبان خلتورين هناك لأسابيع حياة العمال الملحقين بالقصر، وكان كاليف مراقب بليهفي في بتروغراد حوذيا، وتمكن لينين و زينوفييف، المطاردان من قبل بوليس كرينسكي من الاختفاء في بتروغراد، لم يكونوا يخرجوا إلا و قد غيروا سحناتهم، فقد كان لينين عامل مصنع.

يخلق العمل غير القانوني مع الوقت، أخلاقا وعقلية، حيث يمكنك رؤية أفضل الضمانات ضد طرق البوليس.

فمن هم البوليس العباقرة؟ وأي خداع ماهر يمكن أن يقارن مع الثوريين، اللذين هم متيقنين من أنفسهم، حذرين، رزينين وشجعان خاضعين لشعار مشترك؟

مهما كان كمال الأساليب المستخدمة لمراقبتهم، ألن يكون هناك دائما في أفعالهم وحركاتهم مجهول متعذر معرفته؟

في المعادلات التي عمل عليها العدو بشق الأنفس، ألا يكون دائما هناك مجهول كبير مخيف؟ هل الخائن والجاسوس المتعقب هو من سيفكك الذكاء الثوري؟ من سيقيس قوة الإرادة الثورية؟ عندما يكون لدى المرء قوانين التاريخ ومصالح المستقبل والضرورات الاقتصادية والأخلاقية، التي تؤدي إلى الثورة.

عندما تعرف بوضوح ماذا تريد، وما هي الأسلحة التي لديك ولدى الخصم، عندما تكون قد اتخذت جانب العمل غير القانوني، عندما تثق في نفسك، وعندما تعمل فقط مع اللذين تثق فيهم، عندما تعلم أن العمل الثوري يتطلب التضحية، وأن جميع بذور الإخلاص تؤتي ثمارها مئة ضعف، فأنت لا تقهر.

... إن الدليل على ذلك، أن آلاف سجلات الأوخرانا، ملايين ملفات جهاز المخابرات والرسومات الرائعة لفنييها، وأعمال علمائها، كل هذه الترسانة الرائعة، هي اليوم في أيدي الشيوعيين الروس.

 لقد هرب "رجال الشرطة" في يوم من أعمال الشغب، من صياح هزء وسخرية الجماهير، وأولئك اللذين وقعوا في الفخ، اختفوا نهائيا في قنوات بتروغراد، وتم إطلاق النار على معظم المسؤولين في الأوخرانا، وعانى جميع المحرضين، اللذين استطعنا تحديدهم من نفس المصير، ولدينا في يوم من الأيام القليل من أجل تنوير رفاقنا الأجانب، جمعنا على شكل نوع من المتحف، عددا ما من الأرشيف السري للأمن الامبراطوري ...

 أقيم معرضنا في واحد من أكثر غرف قصر الشتاء جمالا، ويمكن للزوار أثناء الاقتراب من نافذة تقع بين عمودين من الميلاشيست (حجر أخضر) أن يتصفحوا من خلال كتاب الاعتقال، في قلعة "بيير و بول"، الباستيل المظلم للقيصر، في "القلعات القديمة، التي من خلالها يرون، من على الجانب الآخر من نهر نيفا، يرفرف العلم الأحمر.

إن أولئك اللذين رأوا ذلك، يعرفون أن الثورة قبل أن تنتصر بوقت طويل، هي ثورة لا تقهر.

ترجمة أحمد الشرقاوي

الحلقة الرابعة بصيغة PDF ـ اضغط على صورة الغلاف أسفله

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.