Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع ــ فيكتور سيرج ــ الحلقة السادسة والأخيرة

Pin it!

يقدم موقع 30 غشت الحلقة السادسة والأخيرة من ترجمة كتاب "ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع"، لكاتبه "فيكتور سيرج". وهي تتضمن بقية الفصل الثالث (الجزء الثامن، التاسع، العاشر والحادي عشر).

الحلقة السادسة والأخيرة

بقية الفصل الثالث: الجزء الثامن، التاسع، العاشر والحادي عشر

ــــــ ــــــ ـــــ 

VIII ـــ إبادة، أخطاء، تجاوزات ومراقبة

دعونا نكرر: إن الرعب أمر رهيب.

في الحرب الأهلية، ينطبق هذا على كل محارب من أجل الحياة- هذه الحرب تتجاهل تقريبا المحايدين-   يجب على الطبقة العاملة، التي تعلمت في مدرسة الرجعيين، والتي تضع المؤامرات فوق رأسها تهديدا بالتصفية، هي نفسها أن تضرب أعداءها حتى الموت.

إن السجن لا يخيف أحدا، فأعمال الشغب تكسر بسهولة كبيرة الأبواب المغلقة، التي يمكن أن تفتحها الرشوة أو براعة المتآمرين أيضا.

هناك ضرورة أخرى تساهم في نشر خراب (دمار) الحرب في ذروة النضال. منذ الجيوش القديمة، كان الهلاك الوسيلة الكلاسيكية لإبقاء القوات تحت الطاعة، لقد نمت ممارستها خلال الحرب العظمى، خاصة على الجبهة الفرنسية بعد تمرد أبريل 1917، فهذا لا ينبغي نسيانه، تتمثل في تصفية رجل واحد على عشرة، بغض النظر عن البراءة أو الذنب الفردي.

في هذا الصدد، هناك ملاحظة ذات طابع تاريخي، ففي عام 1871، تعرض الكومونيون لأكثر من تصفية من قبل الفرساليين، لقد سبق أن أوردنا التقديرات المتوسطة لعدد من تم إطلاق النار عليهم من كاليفيت وهو 20 ألف، في الوقت الذي كان فيه عدد مقاتلي الكومونة 160 ألف مقاتل.

إن منطق الحرب الطبقية عند البرجوازية الفرنسية، الأكثر استنارة في العالم – منطق تاين و رينان – يعلمنا هذا بهذه الأرقام.

لا تعترف طبقة بالهزيمة، ولا تهزم طبقة طالما أن نسبة عالية من الخسائر لم تلحق بها. لنفترض – شهدت روسيا العديد من هذه المواقف في السنوات البطولية للثورة – مدينة تضم 100 ألف من الناس، مقسمة إلى 70 ألف بروليتاري (نقوم بتبسيط: البروليتاريون والعناصر القريبة من البروليتاريا) و30 ألف شخص ينتمون إلى البورجوازية والطبقة المتوسطة، معتادة على اعتبار نفسها تشكل الطبقة الحاكمة الشرعية، وليست محرومة من الوسائل المادية. أليس من الواضح، خاصة إذا كان الصراع يقتصر على المدينة، حيث المقاومة منظمة إلى حد ما لهذه القوة المضادة للثورة، لن تنكسر ما دامت لم تتكبد خسائر مثيرة إلى حد ما؟ أليس أقل خطورة من أن تضرب الثورة بقوة أكبر من أن ألا تضرب بقوة كافية؟

لقد أغدقت البورجوازية في التحذيرات الدموية على  المستغلين، وهاهم ينقلبون عليها، لقد حذرها التاريخ : كلما ألحقت بالطبقات الكادحة (العاملة) من المعاناة والبؤس، ففي يوم تصفية الحسابات، ستؤدي الثمن غاليا كلما قاومتها، مثل المحكمة الثورية للثورة الفرنسية، لكن مع إجراء، بصفة عامة موجز بدرجة أقل، فإن تشيكا الثورة الروسية، حكمت بدون استئناف بلا هوادة على الأعداء الطبقيين، مثل المحكمة الثورية، حكمت أقل على تهم و اتهامات محددة استنادا على الأصول الاجتماعية والموقف السياسي والعقلية والقدرة على إيذاء العدو. تعني المسألة ضرب طبقة من خلال أناس أكثر بكثير من مسألة وزن أفعال محددة جدا. إن العدالة الطبقية لا تتوقف عند اختبار حالات فردية إلا خلال فترات الهدوء.

تبدو لنا الأخطاء والتجاوزات والمغالاة قاتلة بوجه خاص تجاه الأوساط الاجتماعية، التي يجب على البروليتاريا أن تسعى إلى حشدها: الفلاحون المتوسطون، الفئات الدنيا من الطبقات المتوسطة والمثقفون بدون ثروة، وأيضا تجاه المنشقين عن الثورة والثوريين المخلصين، اللذين أبعدتهم الإيديولوجيات عن إدراك حقائق الثورة، واتخذوا مواقف معادية للثورة بشكل موضوعي، أتذكر أولئك الأناركيين، اللذين حين كان الأسطول الأحمر يدافع بمشقة عن كرونشتادت و بتروغراد (1920) ضد سرب انجليزي، واصلوا هم على الدوام، على متن قوارب قليلة دعايتهم القديمة الجيدة المضادة للعسكرة! أفكر أيضا في الاشتراكيين الثوريين اليساريين، اللذين حاولوا في سنة 1918 إلقاء جمهورية السوفييت، الخالية من الجيش والموارد من أي نوع، في حرب جديدة ضد الامبريالية الألمانية، التي كانت لا تزال قوية.

 بين هؤلاء "الثوار" الضائعين ورجال النظام القديم سعى القمع الثوري، ويجب أن يسعى دائما للتمييز، لكن تحقيق ذلك ليس ممكنا دائما.

في كل معركة اجتماعية، لا يمكن تجنب نسبة معينة من التجاوزات والتعسفات والأخطاء. إن واجب كل حزب وكل ثوري العمل على تقييده، وتعتمد أهميته في نهاية المطاف فقط على العوامل التالية:

1) نسبة القوى الموجودة ودرجة شدة الصراع.

2) درجة تنظيم النشاط الثوري، وفعالية مراقبة حزب البروليتاريا لنشاطه.

3) درجة ثقافة الجماهير البروليتارية والفلاحية.

إن درجة القساوة تنتج عن الظروف المادية للصراع:

إن السجون المزدحمة للثورة البروليتارية، لا يمكن مقارنتها من حيث النظافة والوضع الصحي، ب "السجون الجيدة" للبورجوازية ... في الوقت العادي.

في الأحياء المحاصرة، حيث تسود المجاعة والتيفوس، يموت في السجن أكثر بقليل مما يموت في الخارج. ما العمل في ذلك؟

- عندما يكون السجن مكتظا بالبروليتاريين والفلاحين، فإن هذا السؤال، الذي لا معنى له، لا يثير قلق المحسنين، ففي الوقت الذي كان فيه الكومونيون سجناء في مخيم ساتوري ينامون في العراء، على الأرض وفي الوحل، يرتجفون من جراء ليال مروعة، في المطر الغزير – ممنوعون من الوقوف، إذ يؤمر الحراس بإطلاق النار على أي شخص يقف –

كتب الفيلسوف الكبير تين: "لقد وضع هؤلاء البؤساء أنفسهم خارج البشرية ...".

في اليوم التالي من الاستيلاء على السلطة، قامت البروليتاريا، التي استحثتها مهام لا حصر لها، بحل أهمها:

أولا: التموين والتنظيم الحضري والدفاع الخارجي والداخلي، وجرد البضائع المصادرة والاستيلاء على الثروات. لقد كرست أحسن قواها لهذا الأمر.

لم يبق للقمع الثوري – وهذا بسبب الأخطاء والتجاوزات – سوى أفراد من الدرجة الثانية، تحت قيادة رؤساء يتم أخذهم بشكل مطلق من بين الرجال الأكثر صلابة وأنقى (الشيء الذي كان في دكتاتورية البروليتاريا في روسيا) دزيرجينسكي كمثال، وفي هنغاريا أوتو كورفن كمثال.

غالبا ما تكون مهام الدفاع الداخلي للثورة هي الأكثر حساسية والأكثر صعوبة والأكثر إيلاما، وأحيانا الأكثر رعبا.

يجب على بعض أفضل الثوريين - على درجة عالية من الوعي، ذوي ضمير، وقناعات لا تتزعزع - أن يكرسوا أنفسهم لها، فبواسطتهم، تمارس سيطرة الحزب.

إن هذه المراقبة السياسية والأخلاقية المتواصلة في هذا المجال، كما في جميع المجالات الأخرى، تظهر، في نفس الوقت تدخل النخبة الأكثر وعيا من الطبقة العاملة، وتلك بالكاد الأقل مباشرة من الجماهير الشعبية، التي وضع الحزب جميع ممارسات نشاطه تحت سيطرتها الفعالة.

 إنه يضمن الروح الطبقية للقمع، فإليه يرجع التقليل من احتمالات الأخطاء والتجاوزات بما يتناسب مع القوى، التي يمكن أن تطلقها طليعة البروليتاريا في هذا القطاع.

 IX ـــ قمع واستفزاز

لقد وقفنا طويلا على الاستفزاز، عند دراستنا للأوخرانا، إنه ليس عنصرا ضروريا في تقنية كل شرطة، فمهمة الشرطة هي المراقبة والمعرفة والتنبؤ: لا أن تستفز، تزرع وتحفز.

في الدول البورجوازية، فإن الاستفزاز البوليسي غير المعروف تقريبا في أوقات القوة، اكتسب أهمية واسعة كلما تراجع النظام وضعف وانزلق نحو الهاوية.

إن الأخبار كافية لإقناعنا، فهو عمليا غير ذي أهمية في الحركة العمالية في فرنسا وبلجيكا وإنجلترا، بلدان الازدهار النسبي للرأسمالية، ولم يكن الاستفزاز في ألمانيا في أعقاب الأزمة الثورية في أواخر سنة 1923، أقل أهمية من تلك التي كانت في روسيا بعد ثورة 1905. كشفت محاكمة لايبزيغ، المعروفة باسم محاكمة تشيكا الألمانية، والتي فبركت خلالها شرطة برلين عملية سطو ليلية (مارس – أبريل 1925) في منزل أحد المحامين، الاشتراكي كورت روزنفيلد، للأمن العام الرايخ، كواليس تشبه إلى حد كبير الأوخرانا القديمة.

في بلد آخر، حيث الرجعية، في احتكاك، لما يقارب العامين، مع ثورة شعبية – بلغاريا – نفس الظاهرة ولكن أكثر حدة.

في بولونيا، أصبح الابتزاز سلاح بامتياز للرجعية ضد الحركة العمالية.

دعونا نقتصر على هذه الأمثلة:

إن الاستفزاز البوليسي هو بشكل خاص، سلاح أو -شر- الأنظمة المنحلة (المتداعية)، وإدراكا منها لعجزها في التنبؤ والمنع، فإن شرطتها تثير مبادرات يتم قمعها بعد ذلك.

 إن الاستفزاز هو أيضا فعل عفوي، أولي، ناتج عن معنويات شرطة محاصرة تجاوزتها الأحداث، والتي لا تستطيع أداء مهمة إلى ما لا نهاية، فوق قوتها، وتريد مع ذلك تبرير الانتظار ونفقة أسيادها.

X ـــ متى يكون القمع فعالا؟

كانت الأوخرانا غير قادرة على منع سقوط الأوتوقراطية، لكن التشيكا ساهمت بشكل كبير في منع الإطاحة بسلطة السوفييت. لقد سقطت الأوتوقراطية الروسية بالفعل أكثر مما تمت الإطاحة بها. إن زعزعة واحدة كانت كافية. هذا البناء القديم الذي أكله الدود، الذي تمنى الغالبية العظمى من السكان أن ينهار.

لقد كان التطور الاقتصادي لروسيا يتطلب ثورة، فما الذي يمكن أن يفعله الأمن العام إزاء ذلك؟ هل كان عليه أن يعالج تضارب المصالح، التي كانت تشكل مواقع متواجهة بين أعداء خطيرين مستعدين لفعل أي شيء للخروج من وضع ليس له نتيجة أخرى سوى الحرب الطبقية، البورجوازية الصناعية والمالية، الملكية الكبيرة، النبلاء، المثقفون، وغير المصنفين، والبروليتاريا والجماهير الفلاحية؟

لا يمكن لعمله أن يوفر للنظام القديم، وأيضا شرط أن يتفق مع إجراءات ذكية للسياسة العامة، إلا بقاء محدودا، فهذا الجيل من رجال الدرك والعملاء الاستفزازيين بشكل عام، لا يمكنه صد اندفاع الأمواج ضد الجرف القديم المتصدع، المتهالك، المستعد لدفنهم تحت أنقاضهم، يا لها من مهزلة.

 ليس لدى التشيكا مثل هذه الوظائف السخيفة. في بلد مقسم إلى بيض وحمر، حيث يشكل الحمر الأغلبية بقوة الضرورة، فهي تبحث عن العدو، تنزع سلاحه وتضربه. ليس بيد الأغلبية ضد الأقلية إلا سلاحا واحدا، سلاح من بين أسلحة أخرى، إضافي في نهاية المطاف، والذي لا يحظى بأهمية كبيرة إلا في حالة الخطر من أن يتم المساس بالثورة، برصاصة العدو في الرأس.

 يقال أنه في اليوم التالي على الاستيلاء على السلطة، قضى لينين ليلة كاملة بلا نوم، يكتب مرسوم مصادرة الأراضي، و قال "شريطة أن يكون لدينا الوقت لإصداره. دعونا نحاول، قبل أن ينزعوا منا هذا". إن مصادرة أراضي النبلاء أعطت للبلاشفة دعم الملايين من الفلاحين.

يكون القمع فعالا عندما يكمل تأثير، تدابير فعالة للسياسة العامة. قبل ثورة أكتوبر، عندما رفضت حكومة كرينسكي تلبية مطالب الفلاحين، فإن اعتقال المحرضين الثوريين لم يعمل سوى على زيادة الاضطراب والسخط في القرى. بعد تشريد القوى الاجتماعية، التي تعمل في الريف من خلال مصادرة الأراضي، فإن مصلحة المناطق الريفية من الآن فصاعدا، تدفعهم للدفاع عن سلطة السوفييت والقبض على المحرضين الاشتراكيين الثوريين والملكيين الراغب بعضهم في استغلال شعبيتهم الماضية في الريف، والبعض الآخر اعتمد على الروح الدينية كي يزيل سببا للاضطرابات.

إن القمع سلاح فعال ضد طبقة نشيطة واعية بما تريد، تخدم مصالح الأكثر عددا. في أيدي أرستقراطية متدهورة، حيث تشكل امتيازاتها عقبة أمام التطور الاقتصادي، فهو غير فعال تاريخيا.

علاوة على ذلك فإننا لا نخفيها: يمكن للبورجوازية القوية في فترات حاسمة أن تقدم تقريبا نفس الخدمات التي تقدمها البروليتاريا خلال الحرب الأهلية. يكون القمع فعالا عندما يعمل في اتجاه التطور التاريخي، إنها عاجزة في نهاية المطاف عندما تمشي ضد تطور التاريخ.

XI ـــ وعي الخطر و وعي الهدف

في 20 حالة، في ذروة الحرب الأهلية، كما قبل الاستيلاء على السلطة، تمسك لينين باستعادة تعاليم ماركس حول مسألة اختفاء الدولة والإلغاء النهائي للإكراه في المجتمع الشيوعي. إن أحد الأسباب التي يستحضرها لينين في الدعوة إلى استبدال كلمة اشتراكي ديموقراطي بكلمة شيوعي بالنسبة للحزب البلشفي، هو أن استعمال مصطلح اشتراكي ديموقراطي بدل شيوعي غير صحيح علميا، فالديموقراطية هي أحد أشكال الدولة، بينما نحن الماركسيون ضد كل دولة.

نتذكر أيضا مقالا كتبه لينين في أوقات رهيبة بمناسبة فاتح ماي (1920على ما أعتقد)، أن القبضة الحقيقية للحزب البروليتاري كانت  لا تزال تحافظ على "شيوعية الحرب"،  بينما الرعب الأحمر كان نائما فقط .

أبعد من هذا الحاضر البطولي والرهيب، أبقى رجال الثورة أعينهم ثابتة على الهدف بهدوء، محصنين ضد كل طوباوية، مزدرين للأحلام، ولكن مرتبطين بثبات بالسعي إلى تحقيق الغايات الأساسية للثورة، فقد استحضر لينين القائد بلا منازع للدولة البروليتارية الأولى، لينين، منظم دكتاتورية، ذكر بالمستقبل، حيث العمل والتوزيع لمنتجاته سيخضع للقاعدة: "من كل حسب طاقته، إلى كل حسب حاجته".

هذا هو الفرق الأسمى بين الدولة الرأسمالية والدولة البروليتارية: الدولة العمالية تعمل من أجل اختفائها، الفرق الأسمى بين الإكراه – القمع، الذي تمارسه دكتاتورية البروليتاريا هو أن الأخيرة تشكل سلاحا ضروريا للطبقة التي تعمل على إلغاء كل الإكراهات، لا يجب نسيان هذا أبدا، فهذا الوعي بأعلى الأهداف هو أيضا يعتبر قوة.

كان بإمكاننا في نهاية القرن الماضي رعاية الحلم العظيم، بتحول اجتماعي مثالي، لقد كرست العقول الطيبة نفسها له، مزدرية أو مشوهة علم ماركس، فقد كانوا يحلمون بالثورة الاجتماعية على أنها مصادرة غير مؤلمة تقريبا، لأقلية ضئيلة من البلوتوقراطيين، ولماذا البروليتاريا الشهمة، محطمة السيوف القديمة والبنادق الحديثة، لا تمنح تعويضا لمستغليها من المحرومين القدامى؟ إن آخر الأغنياء سيموتون بسلام، عاطلين محاطين بازدراء ساخر.

إن مصادرة الخيرات التي راكمتها الرأسمالية، إلى جانب إعادة التنظيم العقلاني للإنتاج، سيوفر للمجتمع كله الرخاء والأمان على الفور.

إن جميع الإيديولوجيات العمالية ما قبل الحرب مخترقة بهذه الأفكار الخاطئة بدرجة أقل أو أكثر. إن الأسطورة الراديكالية للتقدم تسيطر عليهم، لكن الامبرياليات كانت تهيء مدفعياتها.

في الأممية الثانية، أدركت حفنة من الماركسيين – الثوريين وحدها الخطوط الرئيسية لتطور التاريخ. في فرنسا، فيما يتعلق بمسألة العنف البروليتاري، رأى فقط، بعض الساندكاليين الثوريين الأمر بوضوح ... بينما الرأسمالية، التي كانت غير عادلة وقاسية في السابق بلا شك، لكنها خالقة الثروات، أصبحت في ذروة تاريخها، الذي بدأ في غشت 1914، مدمرة لحضارتها الخاصة ومبيدة شعوبها... لقد تطورت بشكل مذهل في قرن من الاكتشافات والعمل الشاق والتقنية العلمية، في أيدي البورجوازيين الكبار، رؤساء الأبناك والتروستات، كل هذا انقلب ضد الإنسان. كل ما كان يصلح للإنتاج وتوسيع سلطة الإنسان على الطبيعة وإثراء الحياة، استخدم في التدمير والقتل بقوة متزايدة فجأة.

كان يكفي صباح من القصف لتدمير مدينة، عمل قرون من الثقافة، كانت تكفي رصاصة من 6 ملمترات لوقف تام لوظيفة الدماغ الأكثر تنظيما.

لا يمكننا تجاهل أن صراعا امبرياليا جديدا يمكن أن يسبب الموت للحضارة الأوروبية، التي كانت قد تضررت بالفعل. من المعقول أن نتوقع في ظل تقدم "الفن العسكري" إبادة سكان دول بأكملها بالطيران المجهز بأسلحة كيميائية، حيث عصبة الأمم – التي لن تتهم بالديماغوجية الثورية! - أدانت سنة 1924، في وثيقة رسمية، الأخطار دون تسميتها.

إن لحم وعظام ملايين القتلى ما بين 1914 و1918، لم تنته بعد عملية امتصاصها   تحت تراب الآثار الوطنية، حتى أصبح التهديد من جديد يخيم فوق رأس الإنسانية.

يجب، بالنظر بجدية للحقائق القاسية للثورة، تذكر هذه الأشياء. إن التضحيات التي فرضتها الحرب الأهلية، والضرورة التي لا هوادة فيها للرعب وقسوة العنف الثوري، وحتمية الأخطاء المؤلمة، ستبدو عندئذ مقلصة إلى أبعادها الصحيحة. إنها تلك الشرور الصغيرة جدا مقارنة بالكوارث الهائلة.

إذا كان   الأمر غير مجد، فإن صندوق عظام أموات فردان يبررها بشكل كاف.

"الثورة أو الموت"، هذه الكلمة الصادرة عن مقاتل فردان تبقى حقيقة عميقة، ففي الساعات المظلمة القادمة من التاريخ، ستكون هذه هي المعضلة.

 سيأتي زمن الطبقة العاملة لإنجاز هذه المهمة الصعبة ولكنها مفيدة: إنها الثورة.

ترجمة أحمد الشرقاوي

 

 

الحلقة السادسة والأخيرة بصيغة PDF ـ اضغط على صورة الغلاف أسفله

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.