Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الصراعات الطبقية بالمغرب و حركة 20فبراير:السياقات، التحديدات والأفق الثوري (1998 – 2012) الحلقة الثالثة

Pin it!

يقدم موقع 30 غشت الحلقة الثالثة من دراسة: "الصراعات الطبقية بالمغرب و حركة 20 فبراير: السياقات، التحديدات و الأفق الثوري ــ (1998 – 2012)" بقلم الرفيق: وليد الزرقطوني، وتضم هذه الحلقة المحاور التالية:

-IV- الكتلة الطبقية السائدة: سيرورة التراكم الرأسمالي الكمبرادوري وبنيات التحكم السياسي الاستبدادي.

تقديم

1 ـ الكتلة الطبقية السائدة بين الوحدة الاستراتيجية والتناقضات الثانوية

-2- الأزمة العالمية للإمبريالية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الكومبرادوري بالمغرب (2000 – 2012)

-3- الملكية كفئة مهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة ونواتها الصلبة

-4 - دولة كومبرادورية واحدة وحكومتان في خدمة النظام الملكي

في أسفل صفحة هذه الحلقة، يوجد رابط الحلقة بصيغة ب.د.ف. (PDF) ــ

الحلقة الثالثة

 

-IV- الكتلة الطبقية السائدة: سيرورة التراكم الرأسمالي الكمبرادوري وبنيات التحكم السياسي الاستبدادي.

تقديم

يدخل النظام الرأسمالي السائد في المغرب ضمن أنظمة الرأسمالية التابعة المندمجة في وحدة نظامية أشمل هي النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي، وإن هذا الارتهان والاندماج العضوي بالنظام الرأسمالي العالمي جعله دائم التأثر، وبشكل تبعي، لتقلباته وتغيراته، وبالتالي ارتباطه الدائم بالاستراتيجيات والسياسات التي يرسمها.

ترجع البدايات الأولى لتشكل النظام الرأسمالي التبعي في المغرب إلى منتصف القرن 19، حيث بدأ الربط التبعي للمغرب بالرأسمال العالمي عبر شبكة من علاقات التبادل غير المتكافئ بدعم من فئات السماسرة التجار – النواة الأولى للبورجوازية الكومبرادورية – وخلال المرحلة ما بين بداية القرن العشرين وخاصة منذ 1912 إلى 1956 تاريخ الاستقلال الشكلي، سيتم إرساء دعائم الرأسمالية التبعية وبنياتها، وقد ترافق ذلك مع انتقال الرأسمالية العالمية إلى مرحلتها الامبريالية.

1 ـ الكتلة الطبقية السائدة بين الوحدة الاستراتيجية والتناقضات الثانوية

من المعلوم تاريخيا أن النظام الاستعماري بالمغرب دعم سلطته السياسية عبر تحالف متين مع فئات الإقطاع المغربية (الكلاوي، العيادي، المتوكي، الكندافي ...) والنظام المخزني التقليدي الذي تقف على رأسه مؤسسة السلطان. وقد كان هذا التحالف هو القاعدة المحلية للاستعمار الفرنسي الذي همش فئات عريضة من البورجوازية التجارية الكبيرة، وو جه ضربة قوية للبورجوازية المتوسطة في المدن مما جعل قيادات الحركة الوطنية تنبثق من داخل هاته الفئات المنتمية للبورجوازية المتوسطة والصغيرة (تجار المدن التقليدية، تجار درب عمر بالدار البيضاء).

ومن البديهي أن التحالف الاستعماري الإقطاعي المخزني قام على حساب المصالح الأساسية للفلاحين المغاربة (نزع أراضي القبائل تحت عدة مسميات: الاستيطان الرسمي والخاص) إضافة إلى استيلاء كبار الإقطاعيين على آلاف الهكتارات التابعة للقبائل في أهم مناطق المغرب. ويعتبر هربيرت ليوطي مهندس هذه التحالفات ومخطط السياسة الاستعمارية بالمغرب (نظام الحماية، نظام الأراضي، نظام التحالفات السياسية ونظام الدولة المخزنية بالمغرب)، وهو من قام بتثبيت نظام الحكم التقليدي المخزني بالمغرب.

يقول ليوطي في خطاب له أمام مجموعة من الأعيان المغاربة:

"تعرفون جميعا درجة العناية التي سأعمل بها دائما لكي تتم المحافظة على نفس الدرجات والتراتبية والتي ستظل محترمة، كذلك كي يظل الناس في مكانهم كما كانوا، ويظل منهم القادة الطبيعيون يقودون والآخرون يطيعون".

كان الماريشال ليوطي رجل فرنسا ومصالحها بامتياز، وساعد على التخطيط البعيد لبقائها في المغرب إلى فترة متأخرة.

بعد اتفافية " إيكس ليبان "، ودخول المغرب مرحلة الاستقلال الشكلي، تغيرت خريطة التحالفات السائدة في ظل مرحلة استعمار جديد بالاعتماد على أنوية البورجوازية الكومبرادورية التي تشكلت خلال الحقبة الاستعمارية والملاكين العقاريين، وذلك تحت إشراف النظام الملكي المخزني، وبدعم كامل من الامبريالية بشكل خاص. وقد خاض هذا التحالف حربا شعواء لاستئصال منظمات الجماهير الشعبية (المقاومة المسلحة وجيش التحرير الوطني …) وفي نفس الوقت اتبع سياسة احتواء قيادة الحركة الوطنية مستفيدا من تناقضات قياداتها البورجوازية المنتمية إلى فئات مختلفة من البورجوازية (البورجوازية التجارية الكبيرة، البورجوازية المتوسطة والبورجوازية الصغيرة).

وفي مطلع الستينات كان التحالف قد حقق أهم أهدافه ليدخل مرحلة جديدة في تعزيز وتدعيم نظام الرأسمالية التبعية تحت السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية لكتلة طبقية ما لبثت تتعزز وتتدعم باستمرار، وتتشكل من بورجوازية كومبرادورية وملاكين عقاريين كبار، هاتان الفئتان ستبنيان تحالفهما الاستراتيجي تحت قيادة النظام الملكي المخزني.

و دون الخوض في تفاصيل السيرورة التاريخية المؤدية إلى تشكل الكتلة الطبقية السائدة بالمغرب، فقد تشكل مكوناها الأساسيان – البورجوازية الكومبرادورية و الملاكون العقاريون الكبار – ضمن مسلسل تداخلت فيه وارتبطت بشكل عضوي مصالحهما و أنشطتهما الاقتصادية و الاستراتيجية و مصالح الرأسمال الامبريالي (خصوصا الفرنسي)، وذلك منذ بداية الستينات، و على امتداد عشرين سنة ( 60- 80) توسعت قاعدتهما الاجتماعية (توسع الملاكين العقاريين الرأسماليين في البوادي على حساب الملاكين العقاريين شبه الإقطاعيين)، و استفادت البورجوازية الكومبرادورية من السياسات الاقتصادية للنظام في دعم مكانتها في الاقتصاد.

في سياق سيرورة اقتصادية واجتماعية نشأت من داخل الكتلة الطبقية السائدة فئة احتكارية جديدة، وتتموقع العائلة الملكية في قلب هذه الشريحة بل تقودها، وتمتد أنشطتها وملكيتها إلى كل أقسام الرأسمال التجاري والبنكي والصناعي والزراعي. وبتلازم مع هاته البنية نشأت وترعرعت بيروقراطية عسكرية ومدنية كأدوات للقمع والإرهاب البوليسي، وفي نفس الوقت كقوة اقتصادية مبنية على النهب واقتصاد الريع (ما يسمى عموما ب "المافيات المخزنية").

ويتميز الرأسمال الكومبرادوري بالمغرب بتبعية مطلقة للرأسمال الامبريالي (خاصة الفرنسي والأمريكي) عبر علاقات اندماجية وبنيوية، كما يتميز بطابعه الطفيلي والمضارباتي. كذلك، ونظرا لظروف نشأة طبقة كبار الملاكين العقاريين الرأسماليين، فهؤلاء يتميزون بخاصية أساسية، كونهم يجمعون بين ملكية الرأسمال الزراعي (استخلاص فائض القيمة من خلال استغلال قوة العمل) والسيادة المباشرة على علاقات الإنتاج (ملكية الأرض وتحصيل الريع العقاري)، وقد مثل هؤلاء دائما القاعدة الاجتماعية الأساسية للنظام القائم.

أما الفئة البيروقراطية المدنية والعسكرية، فقد سهر النظام، منذ الاستقلال الشكلي، على تشكيل وتقوية هذه الفئة لضرورات القمع البوليسي لإرساء نظام الرأسمالية التبعية وتدعيمه. وقد استفادت هاته الفئات النافذة في أجهزة الدولة المخزنية من مواقعها الإدارية والسياسية لمراكمة الثروات والاغتناء السريع من خلال استعمال النفوذ والعلاقات الزبونية والرشوة والتسلط والابتزاز والمضاربات في الأراضي الجماعية وعن طريق عروض التوريد للقطاع العام وعقود المقاولات من الباطن (المناولة) وتجارة المخدرات، وعموما كل ما يتعلق باقتصاد الريع.

وقد عرفت الشريحة المدنية من الفئة البيروقراطية تطورا كبيرا منذ أواسط السبعينات على الخصوص نتيجة نهج النظام الكومبرادوري استراتيجية الاحتواء/ القمع الجديدة المعروفة "بالمسلسل الديموقراطي". وفي هذا السياق تقوى جهاز وزارة الداخلية ووجهها الأول ادريس البصري. وقد مكن النظام هذه الفئة وهذا الجهاز من كل الإمكانيات الاقتصادية والسياسية والإدارية والقمعية حتى تلعب دورها كاملا في تنفيذ استراتيجية "ديموقراطية الواجهة "منذ أواسط السبعينات.

منذ نهاية الثمانينات، وبداية التسعينات، وفي سياق الهجوم الاستراتيجي الذي شنته الرأسمالية "المعولمة" لتحرير الأسواق والمعاملات وتعميق إخضاعها لشروط الشركات متعددة الجنسيات، يعرف نظام الرأسمالية التبعية في المغرب تطورات جديدة في اتجاه الخضوع أكثر لمتطلبات الرأسمال الاحتكاري العالمي وسياسات مؤسساته الدولية، وتذهب هذه التطورات في اتجاه تعميق التبعية وإخضاع التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية المغربية التابعة للشروط والمتطلبات الجديدة للرأسمال الاحتكاري العالمي.

وفي سياق هذه السيرورة الجديدة، تقود الفئة الاحتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة عملية الاستجابة والتأقلم مع هذه المتطلبات، عبر ما تسميه تعميق الانفتاح على السوق العالمية وتأهيل المغرب لدخول العولمة (شعار سقطت فيه أيضا بعض القوى التي تدعي اليسارية) وتوفير الشروط وتأمينها للرأسمال الخاص الداخلي والخارجي، وذلك بحكم موقعها الهيمني داخل الكتلة الطبقية السائدة، وبحكم أنها البوابة الرئيسية لتمرير مخططات الرأسمال الاحتكاري الامبريالي العالمي.

وإذا كان موقعها هذا- باعتبارها الفئة الاحتكارية – يسمح لها بالتأقلم مع الواقع الجديد بحيث لا تجد صعوبة اقتصادية كبرى في ذلك، فإن الوضع الجديد جعل الفئات الأخرى من الكتلة الطبقية تجد صعوبة في التأقلم مع المتطلبات الجديدة مما خلق تناقضات ثانوية وسط الكتلة.

لا يمكن إدراك التطورات السياسية للمغرب الحالي دون استيعاب أساس هذه التناقضات التي تعتمل داخل الكتلة الطبقية برمتها وداخل فئاتها نفسها.

وإذا كان التناقض وسط الفئة الاحتكارية، والذي حكمه رهان التمركز على مستوى قطاعات استراتيجية (الأبناك، التأمينات ...)، وتميز بصراع محور العائلة الملكية ومحور عثمان بنجلون، قد انتهى لصالح المحور الأول حيث أصبح الملك متدخلا سياسيا واقتصاديا بشكل سافر، وهو ما يسميه البعض ب " المخزن الاقتصادي ")، فإن التناقض بين الفئة الاحتكارية والفئة البيروقراطية الكبيرة لا زال قائما، إضافة إلى تطور التناقض في العلاقة مع طبقة الملاكين العقاريين الرأسماليين.

إن المتتبع للوضع السياسي في ا لبلاد، لابد أن تستوقفه الحملة الواسعة التي تشن ضد من يسمونهم برموز الفساد والمستفيدون من قطاع الريع، ذلك أن الإمبريالية في إطار الهجوم من أجل تحرير الأسواق و المعاملات تريد الوصول مباشرة إلى مراكز القرارات بدون وساطات و عمولات تصب في حسابات مسؤولي الأجهزة الإدارية الرئيسيين، كما أن الشريحة الكومبرادورية الاحتكارية المهيمنة في إطار دعم موقعها التراكمي (عرقلة الفئة البيروقراطية للاستثمارات الأجنبية) تغض الطرف في حدود معينة ضد الحملات المسماة "محاربة الفساد" و"محاربة اقتصاد الريع "، و هي حملات لا تتوجه إلى منبع و مركز هذا الاقتصاد المافيوزي باعتباره مكونا أساسيا للاقتصاد الرأسمالي الكومبرادوري بالمغرب، و الذي يلتصق به التصاقا بنيويا، في حين تقوم الدولة بشكل موازي بالالتفاف على ذلك الدور و التغطية عليه من خلال إبراز و تشجيع فئة تكنوقراطية جديدة و وضعها في مواقع القرار و إشراك ما تسميه بالمجتمع المدني في الاستحواذ على القروض و موارد الدعم الأجنبي و الداخلي و تجديد مسلسل النهب تحت شعارات جديدة و بوجوه جديدة لدرجة أن البعض يدعي وبدون خجل، انطلاقا من الأرقام المعلنة، و المشاريع المنجزة، أن المغرب يعرف نموا للطبقة المتوسطة و صلت نسبتها 53 % من الساكنة النشيطة (بيانات و تصريحات أحمد الحليمي الشهيرة).

وبالنسبة لطبقة الملاكين العقاريين الرأسماليين يقوم النظام بعد توقيع اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة لإنقاذ هذه الطبقة عن طريق ما يسمى بمخطط "المغرب الأخضر"، وذلك دعما لقاعدة اجتماعية أساسية لنظامه الديكتاتوري.

إن طبيعة هذه التناقضات ثانوية، لأنها بين أطراف كتلة طبقية واحدة مصالحها مرتبطة أشد الارتباط بنظام الرأسمالية التبعية، وإن محرك تلك التناقضات الثانوية يرجع إلى الإمكانيات اللامتكافئة للتراكم الرأسمالي التبعي في ظل المرحلة الجديدة و شروطها، و عدم إدراك ذلك يسقط العديد من المناضلين في العديد من المفاهيم و وجهات النظر الخاطئة، من قبيل القول بأن هاذه التناقضات هي بين الفئات العصرية و التقليدية داخل السلطة، أو بين فئات الرأسمال المنتج و المواطن و الشفاف و بين رأسمال الريع و الامتيازات و الابتزاز، إن لذلك أثر كبير على الممارسة السياسية و البرامج النضالية مما يسقط في التصورات الإصلاحية و الانتهازية و الذيلية للنظام.

إن مطلب إصلاح الإدارة و طلب رأس وزارة الداخلية (ادريس البصري) من طرف البنك الدولي (انظر التقرير الشهير للبنك الدولي الصادر سنة 1995) مثلا، لم يكن مسألة تعزيز أو إقرار حقوق الإنسان و دولة الحق و القانون والديموقراطية، بل كان الهدف منه إزاحة إحدى العراقيل التي تقف في وجه التطبيق الكامل لبرنامج التنافسية و التسريع بخطواته لصالح الرأسمال الإمبريالي ووكلائه المحليين، و لهذا رفعت شعارات و مطالب من قبيل الشباك الوحيد للاستثمار و إصلاح القضاء خدمة للاستثمار و غيرها دون أن يستطيع النظام، رغم إزاحة البصري، تحقيق و تطبيق تلك المطالب، ذلك أنه لا يمكن القيام بالفصل في ظل نظام دكتاتوري بين الفئة الاحتكارية للرأسمال الكومبرادوري و الفئة البيروقراطية.

إن هاته الفئة الأخيرة مثلت دائما عصا النظام السياسي برمته. كما أن الملاكين العقاريين الرأسماليين قد مثلوا في مغرب الاستقلال الشكلي القاعدة الاجتماعية الرجعية للنظام المضادة لأي تغيير في البلاد.

إن إحدى خصوصيات الرأسمالية التبعية هي إعادة إنتاج الدكتاتورية، وليس الديموقراطية (يعني السياسية)، ومن يتناسى ذلك فإنه يسقط في أخطاء قاتلة، فكل ما يفعله النظام لا يعدو سوى تجديدا لجلده (على الطريقة الثعبانية).

-2- الأزمة العالمية للإمبريالية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الكومبرادوري بالمغرب (2000 - 2012)

بعد الحديث عن "الاستثناء المغربي" بشكل عام والترويج له في ظل النظام الحالي، تكرر الحديث عن الاستثناء المغربي، ولكن هذه المرة اقتصاديا، لما انفجرت الأزمة المالية والاقتصادية للرأسمالية العالمية سنة 2008، حيث كان وزير المالية يطمئن الجميع بعدم تأثر المغرب بالأزمة، لكن أمواج الأزمة العالمية ما لبثت أن ضربت شواطئ الاقتصاد الرأسمالي الكمبرادوري التبعي بالمغرب، ولازالت تداعياتها مستمرة بحيث أنها مست أكثر من تلث القطاعين الاقتصادي والمالي. ومن انعكاساتها المختلفة:

*انخفاض تحويلات المغاربة العاملين بالخارج بنسبة عالية تجاوزت ملايير الدراهم مما كان له تأثير كبير على ميزان الأداءات.

*انخفاض صادرات المغرب نحو الخارج بنسب عالية وانعكاس ذلك على الميزان التجاري.

*تأثير الأزمة على قطاعات إنتاجية كقطاع النسيج والجلد، وكان من نتائجها إغلاق مجموعة من معامل النسيج وتسريح العاملات والعمال (50 ألف عاملة / 2009 .14 ألف / 2010).

*وضعية قطاع السياحة المتأزم نتيجة تقلص أعداد السياح الأجانب وانعكاسات ذلك على مخزون العملة الصعبة وعلى قطاع الفنادق (تسريح العديد من العاملين والعاملات في هذا القطاع).

*تأثر قطاع البناء (تسريح واسع لعمال البناء).

*قطاع تركيب السيارات وتقلص ساعات العمل وتوقف الإنتاج أحيانا.

*تأثر قطاع الصناعة التقليدية وانعكاس ذلك على الصادرات.

*تزايد أعداد العاطلين، فحسب إحصاء 2011 هناك مليون و 200 ألف عاطل، 25% منهم من ذوي الشهادات العليا، 90 % في المدن، 27 %بدون عمل بسبب توقف الشغل داخل مؤسساتهم التي تم إغلاقها نهائيا. وحسب تقرير للبنك الدولي فنصف شباب المغرب بين 15- 29 سنة إما منقطع عن الدراسة أو عاطل عن العمل.

استدعى الوضع الاجتماعي اجتماعا للحكومة والباطرونا لمناقشة تداعيات الأزمة، حيث سيتم الاتفاق على دعم الحكومة لمجموعة من القطاعات المتضررة من خلال الإعفاءات الضريبية، ومن خلال الإعفاءات من أداء الواجبات الاجتماعية للعمال والاتفاق على إمكانية القيام بتسريح العمال من طرف الشركات، وذلك تحت حماية الدولة وصمت النقابات وتواطؤها، بل وصل الأمر إلى تمكين الشركات من تقليص الحد الأدنى للأجور إلى 1200 درهم (نصف الحد الأدنى الحالي).

إن الحديث عن انعكاسات الأزمة العالمية على التشكيلة الاجتماعية المغربية التابعة يجرنا إلى الحديث عن نوعية التراكم الرأسمالي الكومبرادوري القائم على الاستغلال المكثف للطبقة العاملة، وتحطيم الملكيات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة، بل ضرب وتقويض دعائم وشروط وجود الطبقة البورجوازية المتوسطة رغم كل ادعاءات الاهتمام بها وتشكيل لجن خاصة بدعمها، الشيء الذي تكذبه باستمرار الخطابات الحكومية حول الزيادة في الأسعار (انظر تصريحات رئيس الحكومة).

إن الدولة الكومبرادورية بالمغرب تقود حربا طبقية شرسة ضد الجماهير الكادحة من خلال توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الطبقية، في سياق أزمة بنيوية تعيشها الرأسمالية التبعية المغربية، وفي سياق سياسات "نيولبرالية" مملاة من المؤسسات المالية الرأسمالية العالمية. إن قوانين التراكم الرأسمالي الكومبرادوري ببلادنا لا تعيد إنتاج إلا التخلف الاقتصادي والاجتماعي باعتبارهما قاعدة لإعادة إنتاج نظام سياسي كومبرادوري قائم على ديموقراطية الواجهة التي تعاني منذ السبعينات من تعمق أزمتها التي تصاعدت وتنامت خاصة في التسعينات وبعدها.

لقد دخل التراكم الرأسمالي الكمبرادوري في سياق ارتباطه العضوي البنيوي بالرأسمال الامبريالي العالمي طورا جديدا يتسم بهجوم غير مسبوق على مقدرات البلاد ومواردها (الأراضي الزراعية، الغابات، المياه، عقار البناء ....) في محاولة لتجاوز أزمته الخانقة. وتتم هاته العملية بمشاركة امبريالية كبيرة توافق الهجوم الواسع الذي يشنه الرأسمال الامبريالي العالمي بحثا عن مصادر جديدة لاستثمار الأموال المتجمعة لديه والتي لا تجد إمكانية استثمارها في قطاعات إنتاجية (انظر تحليلنا حول طبيعة الأزمة الرأسمالية).

إن ما يلوكه اقتصاديو النظام، ومنظرو القوى الإصلاحية، من خطابات بعضها ينتقد الأداء الحكومي، ينتمي إلى نفس المنظومة (النيولبرالية) التي تنتجها مختبرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يكثر الحديث عما سمي بالتنمية المستدامة والحكامة الرشيدة والشفافية وغيرها من المصطلحات للتغطية عن الطابع التبعي المتخلف للاقتصاد المغربي، ولتبرير دعوات الاندماج بالعولمة الامبريالية من أجل تحقيق التنمية والإقلاع عبر تحسين الأداء الاقتصادي وتطوير التنافسية وغيرها.

فلا تنمية بدون بناء اقتصاد متمحور على الذات، مما يعني القدرة على السيطرة محليا على عملية التراكم سواء من طرف الطبقة التي تقود العملية، أو الدولة الوطنية التي تسن سياسات تسير في هذا الاتجاه. إن القول بهذا يعني كذلك التحكم في قوى العمل وتمركز فائض العمل والسوق والتكنولوجيا والموارد الطبيعية.

ونعلم منذ ماركس أن دورة الرأسمال تتحرك عبر حلقات مترابطة الشيء الذي تلخصه الخطاطة التالية:

الرأسمال النقدي (1) == الرأسمال السلعي (2) == <رأسمال منتج == <الرأسمال النقدي (2).

إن السيطرة على حلقات هاته الدورة يعني السيطرة على مصادر تموين وتوجيه الاستثمار المنتج، أي القدرة على توجيه سياسة مالية متكيفة مع عملية التراكم. كما أن سيرورة تحول الرأسمال السلعي إلى رأسمال نقدي تتطلب السيطرة على السوق التي يتحقق فيها فائض القيمة، وتحقيق فائض القيمة في سوق متحكم فيها يساهم في دورة إعادة إنتاج موسع للرأسمال، ثم إن عملية التراكم ليست اقتصادية فقط، بل هناك تدخل للدولة سياسي، إيديولوجي وقانوني.

لا يمكن إدراك واقع التبعية والتخلف خارج معالجته ضمن مقاربة تعتمد قانون القيمة المعولم، في ظل جدلية تجمع بين الوطني والعالمي. إن قوة العمل في الدول التابعة تخضع لتراتب معولم لأسعار قوة العمل، (يفوق سعر قوة العمل في الدول الرأسمالية المتقدمة نظيره في الدول التابعة بأكثر من 10 مرات)، علما أن قيمة ساعة العمل واحدة. إن وجود هذا التفاوت الصارخ في الأجور يعني أن هناك استيلاء على فارق فوائض القيمة التي تنتجها الطبقة العاملة في الدول التابعة خلال عملية التبادل، إضافة إلى السيطرة على الموارد الطبيعية من طرف الرأسمال الامبريالي، مما يشكل أساس ريع امبريالي.

إن هاته القاعدة في جوهرها رغم بعض الاستثناءات، لم تتغير مع العولمة الامبريالية الحالية، رغم أن تقسيم العمل قد تغير على الصعيد العالمي، ولم يعد التقسيم قائما بين دول مصنعة ودول زراعية، بل هناك تطور جديد أدى إلى تفكيك قطاعات إنتاجية بالمراكز وإعادة توطينها في دول الجنوب، في سياق نظام إنتاجي ذي بعد عالمي تتحكم فيه الشركات متعددة الاستيطان.

وفي هذا الإطار يمكن اعتبار حديث النظام والقوى السياسية الملتفة حوله من رجعية وإصلاحية عن تحقيق النمو، ضرب من الهذيان الموجه للاستهلاك الداخلي.

فالمغرب لم يعد في العقود الأخيرة، بل وأيضا، في العشر سنوات الأخيرة، قادرا على تحقيق معدلات نمو تتجاوز معدل %3,9 == <1980-1989، %1,3== < 1998.  %3,1==< 1994-2009.و الآن بعد الكلام عن 7% خلال الحملات الانتخابية المخزنية لأحزاب النظام ، وعلى رأسها "الحزب الحاكم" (أو المحكوم) تمت مراجعة ذلك المعدل المزعوم، ليصبح 3%، مما يعني استحالة، و إن كان في إطار اقتصاد ليبرالي، تحقيق نوع من الإقلاع الاقتصادي يسمح بالحد من البطالة و الفقر، و يعود ذلك إلى هشاشة اقتصاد تبعي يقوم على خدمة التراكم الرأسمالي الامبريالي (الاستحواذ على جزء كبير من فائض القيمة وتصديره إلى المراكز الرأسمالية في وضع تبعي، حيث يمثل الرأسمال الكومبرادوري الشريك الضعيف للرأسمال الامبريالي، خاصة الفرنسي، وحيث طبقة الكومبرادور تمثل دور بورجوازية وكيلة).

إن هذا التوجه الخارجي للاقتصاد المغربي يقوم على حساب التنمية الداخلية للبلاد، مضاف إليها تخلي الدولة في إطار الاختيارات النيولبرالية، وفي سياق رأسمالية تابعة، عن أي دور في دعم اقتصاد متمحور حول الذات يقوم على تلبية الحاجات الأساسية للجماهير، ويحقق التراكم الضروري لتحقيق التنمية.

إن هشاشة هذا الاقتصاد تجد أسبابها في طبيعة النظام الاقتصادي التبعي الذي تنخرط فيه الكتلة الطبقية السائدة من موقع الشريك الضعيف للرأسمال الامبريالي العالمي. فكل عقود الاستقلال الشكلي، ومنها العقد الأخير، لا تخرج عن هذا الإطار، ولذلك نجد السياسات الاقتصادية تتخبط في أزمة مستمرة لا تستطيع الفكاك منها. فكل المظاهر الاقتصادية تتأثر بالظرفية الاقتصادية للاتحاد الأوربي، وضعف الاستثمارات العمومية والخاصة، وضعف القدرة التنافسية للاقتصاد، وضعف السوق الداخلية، وضعف الناتج الداخلي الخام، وغيرها، تكشف طبيعة هذا النظام الاقتصادي التبعي المتخلف بحيث أن كل المؤشرات تدل على التطور السلبي للقطاعات الأساسية. فبعد تحقيق ما كان يسميه النظام بالاكتفاء الذاتي الغذائي تحول إلى الحديث عن تحقيق الأمن الغذائي (تراجع إنتاج الحبوب).

و يعرف القطاع الصناعي تراجعا في النمو، من 17% إلى 7% ،كما يظل الإنتاج الصناعي ضعيفا من حيث بنيته ومردوديته، ويقوم بالتوجه نحو التصدير في ظل ضعف السوق الداخلية، نظرا لضعف قدرة استهلاك الأسرة المغربية عموما، هذا ما يفسر توجه القطاعات الصناعية نحو تنمية الصادرات بارتباط مع استغلال و تصدير الموارد الطبيعية للبلاد (فلاحية، معدنية، صيدلية ...)،كما أن القطاع يعاني من تواجد مجموعات رأسمالية احتكارية تتوفر على حمايات و امتيازات من طرف الدولة و محيط القصر ( أونا ) مما يحد من وتيرة التصنيع لغياب المنافسة، رغم تغني النظام و أزلامه بذلك. و بطبيعة الحال في سياق اتفاقيات الشراكة مع أوروبا و أمريكا، و في ظل سيادة احتكار الكومبرادور و فئته المهيمنة على مصادر التمويل (الأبناك و غيرها)، و بسط احتكاره على مؤسسات الاستثمار ( S N I : الشركة الوطنية للاستثمار )، و تمقطبه في جل قطاعات الاقتصاد المغربي (الأرض، العقار، السياحة، الأبناك، المناجم، التأمينات، الصناعات الغذائية ....)، يستحيل أن يحقق المغرب أي تطور على مستوى قطاعه الصناعي، اللهم فتح الأبواب أمام الشركات متعددة الاستيطان، و استفادة الكومبرادور من ذلك.

إن الأزمة في المغرب هي أزمة تراكم رأسمالي كومبرادوري لكتلة طبقية مرتبطة عضويا و بنيويا بالرأسمال الامبريالي، و بالتالي فالأزمة مزدوجة، لكونها ستتطور في سياق أزمة بنيوية عميقة تعرفها الرأسمالية العالمية، مما يفسر شراسة الهجوم الذي يقوم به الرأسمالان الإمبريالي و الكومبرادوري في إطار شراكتهما و تراتبية العلاقة القائمة بينهما (الشريك القوي و الآخر الضعيف)، وبطبيعة الحال يتوفر الرأسمال الكومبرادوري على خدمات الدولة التي تخدم مصالحه، وتتوفر على أدوات لتصريف السياسات التي تخدم مصالح كتلة طبقية كومبرادورية، و يتم استعمال "سياسة الميزانية" لتكريس الاختيارات السياسية المالية النيولبرالية، فمثلا، عندما يراد تقليص عجز الميزانية و المديونية الخارجية، يتم الضغط على الموارد الداخلية ومعدلات الفائدة (خصخصة قطاعات أساسية ...)، مما يساهم في ارتفاع المديونية العمومية (بلغت سنة 2001  95,45% من الناتج الداخلي الإجمالي) في وقت تراجعت فيه المداخيل الجمركية، مما دفع في اتجاه الضغط الضريبي برفع معدلات الضرائب على المنتجات و الخدمات الأساسية الواسعة الاستهلاك، مما يساهم في ضرب القدرة الشرائية للكادحين و الفئات المتوسطة.

وفي سياق اقتصاد كومبرادوري، تهيمن الضرائب غير المباشرة على بنية العائدات الجبائية، ويعود هذا إلى عدة عوامل تفضح السياسة الطبقية للنظام منها:

تطور حجم الاقتصاد غير المهيكل في بنية الناتج الداخلي الإجمالي إلى جانب غياب الضريبة على الثروة، وعلى الشركات (الحكومة الحالية رفضت التصويت على الضريبة على الثروة أمام برلمان النظام).

هذا علما أن الضريبة على الشركات تشكل موضوع غش وتهرب جبائيين (التملص الضريبي)، في وقت قامت فيه الدولة بتخفيض معدل الضريبة على الشركات، أما بالنسبة للضريبة العامة على الدخل، بخلاف المهن الحرة والقطاع الخاص والشركات التي يتحكم في وعاء ضرائبها المباشرة، فإن الضريبة على الأجر تقتطع من المنبع. وتبلغ حصة الضرائب غير المباشرة في العائدات الجبائية (2003= 46 %) مقابل انخفاض في الضرائب المباشرة نتيجة انخفاض الضريبة على الشركات. هذا دون إغفال الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة الذي يؤدي المستهلك ثمنها في نهاية المطاف. و تعرف حصة الرسوم الجمركية تراجعا مستمرا نتيجة تطبيق اتفاقيات الشراكة و التبادل الحر.

بصدد بعض الأرقام الفاضحة:

لا يجد المرء عناء كبيرا، في كشف و فضح سياسات النظام في ظل ما يسمى ب "العهد الجديد"، فهي تفقأ العين. وتكفي إطلالة على ما تنشره الصحف و المجلات المغربية و الأجنبية، و ما تكشفه مواقع الأنترنت و تقارير المؤسسات الدولية والمنظمات الحقوقية، ليتأكد من زيف الخطاب المخزني و أبواقه المختلفة. فالمغرب دائما في مؤخرة المراتب على الصعيد الدولي:

*في سلم التنمية البشرية لا ينزل عن المرتبة 130.

*قطاع التعليم "حسب اليونسكو، الرتبة 106 من مجموع 128 دولة==<يحتل المغرب مواقع متأخرة عربيا إلى جانب موريتانيا، اليمن، دجيبوتي ...

*الأمية: بالنسبة للفئة العمرية أكثر من 15 سنة ==< الرتبة 115 من مجموع 128 دولة (50% من الساكنة)

*المدارس = 18 ألف بدون ماء و صرف صحي، 80 %من المدارس القروية بدون تجهيزات صحية، الأطفال الذين يصلون السنة الأولى ابتدائي الرتبة 97 من مجموع 128 دولة (انخفاض نسبة المتمدرسين)، نصف الأطفال المسجلون في السنة الأولى لايتممون السلك الابتدائي، الأطفال الذين يصلون الخامسة ابتدائي الرتبة 88 من مجموع 128 دولة، نسبة الرسوب 13% في الابتدائي، 17% في الثانوي، 30%في السنة الثالثة إعدادي و السنة الثانية بكالوريا.

يصنف المغرب، من بين 130 دولة، ضمن 30 دولة متأخرة، الأقل تطورا في مجال التعليم.

*السكن: 327الف براكة موزعة عبر 81 مدينة. حسب التصريحات الرسمية للدولة أنه ابتداءا من 2004 سيتم القضاء على جميع دور الصفيح، و الحال أنه منذ 2006 وإلى حدود 2012 انضافت 200ألف براكة.

*التسول : أكثر من 200ألف متسول ( 51% منهم نساء ).

*الصحة 0,5 طبيب لكل 1000مواطن.

*الهجرة السرية : 300 ألف مهاجر سري حسب منظمة العمل الدولية يشكلون 10% من مجموع المهاجرين السريين عبر العالم.

*الرشوة: المرتبة 89، و تقدر بمليار و نصف أي ما يوازي 500 ألف سكن متوسط و 25 ألف مدرسة في الوسط القروي، أو عشرات من المستشفيات و المستوصفات.

-3- الملكية كفئة مهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة ونواتها الصلبة

غالبا ما يتم الخلط لدى المناضلين الثوريين بين شكل النظام السياسي (ملكية استبدادية) والطبيعة الطبقية للدولة باعتبارها دولة رأسمالية تابعة، بما يعني خضوعها لمنطقين مترابطين ومندمجين:

ـ منطق الرأسمال الكمبرادوري.

ـ منطق الرأسمال الامبريالي.

ويغلب على الخطاب اليساري استعمال مفهوم "المخزن" الذي يساهم بدوره في بسط ستار من الغموض يلف المواقف والشعارات التي تلوكها القوى الإصلاحية والتحريفية، وخير مثال على ذلك شعار "إسقاط المخزن" الذي يطرح كما لو أنه شعار جذري، والحقيقة أنه شعار إصلاحي ليس إلا. والحال أن الشكل الملموس للتراكم الرأسمالي الكمبرادوري ببلادنا يشترط النهب كأسلوب ملموس لتحقيقه، وذلك في سياق رأسمالية وحشية ومتخلفة ذات ارتباط بنظام سياسي يقوم على المركزة المزدوجة للسلطتين: الاقتصادية والسياسية.

إن الملكية ببلادنا ليست فقط نظاما سياسيا ذو طبيعة استبدادية، بل إنها الإسمنت الذي يرص الكتلة الطبقية السائدة أو نواتها الصلبة، وهي الفئة المهيمنة داخلها فمنطق النهب جزء عضوي وبنيوي في سلوكها الهيمني الطبقي.

تقوم ميكانيزمات النهب الكمبرادوري الهيمني للشريحة الملكية داخل الكتلة الطبقية السائدة على العناصر الأساسية التالية:

-1-استعمال الدولة الكمبرادورية كقاعدة للتراكم الرأسمالي الكمبرادوري عن طريق النهب، وتتموقع الدولة في قلب إنتاج وإعادة إنتاج سيرورة التراكم لصالح الفئة المهيمنة (العائلة الملكية)، فليست الدولة مجرد بنية فوقية لاقتصاد رأسمالي تبعي.

في هذا الإطار، تكيف السياسات العمومية للدولة مع حسابات الأجندة الخاصة للشركات الملكية قطاعيا وشموليا.

-2-هناك تمفصل وطيد بين الاستعمال الإراثي للدولة الرأسمالية التابعة (الدولة هي الملك) والسيطرة الاقتصادية الواسعة في القطاع الخاص. إن هذا المنحى تعمق مع سياسة الخصخصة التي جاءت معززة للاحتكارات الخاصة المرتبطة بالفئة االمهيمنة (العائلة الملكية) وتشكل "أونا" والشركة الوطنية للاستثمار العمود الفقري لهاته الهيمنة.

-3-استخدام السياسات العمومية عن طريق السياسة الضريبية، الضبط الاقتصادي، توجيه القروض، إعداد العقار، التحكم في الطلبات والأسواق العمومية لخدمة سيرورة توسيع الرأسمال الملكي، بما يعني أن وظيفة القطاع العمومي هي ضمان تراكم الرأسمال الملكي، وتحقيق أرباح استثنائية عالية. هكذا يتحقق التداخل بين الدائرتين العمومية والخاصة، وأساس ذلك هو استعمال الدولة والفضاء العمومي، باعتباره حق يورث، أي ملكية خاصة، فالدولة هنا ليست فقط جهازا مؤسساتيا، سياسيا وماديا لتنظيم علاقات السيطرة الطبقية، بل قاعدة للتراكم عن طريق النهب.

-4- لقد انبنت الكتلة الطبقية السائدة بالمغرب وتبنينت في الحقبة الممتدة بين 1960 و1980، وذلك بمشاركة البورجوازية الكومبرادورية والملاكين العقاريين الرأسماليين (المعمرين الجدد)، في سياق لعبت فيه الدولة دورا أساسيا. و قد تولد عن سيرورة التطور هاته، تقلص تدريجي لموقع الملاكين العقاريين شبه الإقطاعيين. والخاصية الأساسية لهذا التكون أنه تم ضمن مسار تشكل الرأسمال الاحتكاري الكومبرادوري كشريحة مهيمنة وسط الكتلة الطبقية السائدة، وباعتبارها كذلك، فقد لعبت دور عامل مرتب ومنظم لعملية التمأسس والبنينة للفئات والشرائح المكونة للكتلة الطبقية السائدة.

يشكل الرأسمال الاحتكاري الكومبرادوري المندمج عضويا بالرأسمال الاحتكاري الامبريالي (الفرنسي خصوصا) شريك هذا الأخير وقاعدته في الهيمنة على النشاطات الاقتصادية والسياسية للبلاد، فهو العبارة التي تحول بواسطتها القيم المنتجة والفائض الاقتصادي نحو المراكز الامبريالية (خاصة الفرنسية).

-5- بحكم علاقة الاندماج بين الرأسمال الكومبرادوري والرأسمال الامبريالي، كان من الطبيعي أن يتأثر الأول بدخول الثاني طور العولمة الجديد، لتتعمق الروابط ضمن تمفصل يحركه منطق الرأسمالية "المعولمة"، القائم على مزيد من نهب خيرات شعوب العالم، وطبعا قادت هاته السيرورة الجديدة الفئة المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة، في اتجاه المزيد من نهب خيرات البلاد، وفي ظل سيرورة تراكم للرأسمال الكومبرادوري خدمت الفئة الملكية بامتياز، ودعمت سيطرتها المطلقة على باقي الفئات الأخرى، وهذا سر بعض التناقضات التي تطفو على السطح كلما عمقت الظرفية هذا التطور غير المتكافئ لسيرورة التراكم.

لقد كان لاتفاقات الشراكة أثرها على الرأسمال الكمبرادوري، وخاصة فئته المهيمنة (الفئة الملكية)، ففتح الأسواق تم على مقاس الرأسمال الكومبرادوري، وخاصة بالنسبة للفئة الملكية (Tanger med, Tgv)، اتفاقات التصدير لصالح Agrobusness الأوروبي والضيعات الملكية، وقطاع الطاقات المتجددة، وهو بالمناسبة مشار إليه في اتفاقات "الاتحاد من أجل المتوسط" (Nareva)، الاستفادة من التدفقات المالية المحصل عليها في إطار برنامج Meda، تجديد التجهيزات المائية، بناء الطرق السيارة وإصلاح الإدارة العمومية...

بطبيعة الحال تتم عملية تحويل السياسات العمومية لخدمة الاستثمارات، بجعلها وثيقة الارتباط بميكانيزمات التمويل الأوروبي، من خلال عقود تجمع القطاع العام والقطاع الخاص، والهدف من ذلك تعزيز البنيات لصالح الرساميل الأوروبية، وتبرهن على ذلك المساعدات المقدمة في إطار اتفاق الشراكة، سواء للمنعشين العقاريين لاقتناء مساحات عقارية في المناطق السياحية، أو بالنسبة للقطاع الصناعي لتعزيز أو خلق فضاءات صناعية في إطار ما يسميه المثقفون العضويون للكمبرادور ب"المهن العالمية للمغرب"، أي أنشطة المناولة في قطاعات مثل السيارات، الإلكترونيك، الصناعات الغذائية، السياحة، تكنولوجيا الإعلام والاتصال، قطاع الطيران، ويخضع برنامج Emergence لهذا المنطق.(نذكر هنا بأن شركات الكاك 40 تراقب 750 شركة من 1200 شركة صناعية نصفها فرنسي، أي 35٪ من الإنتاج الصناعي و170000 منصب شغل ورقم معاملات يقدر ب 60 مليار درهم).

إن عملية تمركز الرأسمال الكمبرادوري تتم الآن في سياق قالب توفره اتفاقات الشراكة لصالح الفئة الكمبرادورية المهيمنة (الفئة الملكية)، وفي إطار تعميق أشكال التبعية للمراكز الرأسمالية، فكم هي خاطئة تلك التفسيرات السطحية التي تجعل من سياسات النهب والرشوة والزبونية وغيرها، مجرد ممارسات تعود إلى غياب دولة القانون والحكامة الرشيدة واستقلالية القضاء، والحقيقة التي تفقع العين، هي أن هاته السياسات مرتبطة عضويا بنظام التراكم الكومبرادوري المسيطر، وذات صلة كذلك بميكانيزمات التبعية، إنه تراكم لصالح كتلة طبقية سائدة، ذات قاعدة متقلصة تجمع ناهبي المغرب القدامى والجدد من الأسر المخزنية وغير المخزنية (حوالي 500 عائلة).

-6- إن تعميق التبعية للمراكز الامبريالية وسيادة منطق التراكم القائم على السلب والنهب، لا يعمق فقط الفوارق الطبقية، بل يساهم في إعادة إنتاج سياسات جهوية، كاستمرارية للمنطق الاستعماري (المغرب النافع والمغرب غير النافع) في شروط جديدة، يتم فيها سن سياسات انتقائية للمناطق، وكذا الاحتياجات بحسب نفعها ومردوديتها للرأسمال الكومبرادوري والامبريالي، والنتيجة هي الحكم على مناطق بكاملها وقطاعات واسعة من الجماهير بالفقر والهشاشة والتهميش. إنها سياسة "الاستعمار الداخلي" للمغاربة، الذين يرمى بهم في البراريك ومدن القصدير والتكدس في ضواحي المدن.... إن وراء هاته السياسات منطق مزدوج يقوم على ضمان، بكل الطرق، إعادة الإنتاج الموسع للرأسمال الكومبرادوري، وفي نفس الوقت منطق نقل القيمة (الخصخصة، الريع) والاستحواذ على الموارد العمومية، إضافة إلى نمو الأنشطة غير المنتجة المالية والمضارباتية، والنتيجة هي تحقيق الربح السريع والعالي وليس التنمية. فهل بالإمكان التكلم عن التنمية في الوقت الذي عرفت فيه القدرة الشرائية للمواطن انخفاضا مستمرا، وذلك منذ 1980، وهل يصح الكلام في ذلك، في الوقت الذي تضاعفت فيه نسبة الفقر المطلق خلال العشر سنوات الأخيرة (20% من السكان) وغالبية الأسر تعيش باجر واحد، بينما من يتوفرون على 10000درهم وأكثر لا يتعدى 5% ، ويقدر النقص في السكن بمليون وحدة سكنية ووووووووو.....

-7- إن الحقائق على الأرض تكذب مزاعم الأبواق الإعلامية للنظام، وخطابات أحزابه ومؤسساته السياسية، كما تفند الأوهام الإصلاحية حول إمكانية إصلاح النظام دون المساس بجوهره، ويحاول مثقفو النظام وتقنوقراطيوه تسويق ما يسمى بالنموذج الاقتصادي المغربي أساس "الاستثناء المغربي" كما يزعمون، إن "الحشوية" (أي ملازمو الحاشية الملكية) بعدما امتلأت بطونهم بما يسبغ عليهم من نعم سخية، بدأوا من كثرة التخم التي أصابتهم يتقيأون سمومهم، ويقدمونها في طبق لمن يريد أن يستمع إليهم كما لو أن الواقع يولد من بطونهم النثنة ("كروش الحرام" بتعبير المغاربة).

إن سيرورة التراكم الرأسمالي الكومبرادوري القائم على النهب من خلال الاستيلاء على الموارد العمومية لا يستطيع الإفلات من تناقضاته الخاصة، فتراجع مداخيل الدولة (الخصخصة، المديونية، تراجع المداخيل الضريبية، هروب الأموال والرساميل إلى الخارج، تزايد المصاريف غير المنتجة، ميزانية القصر الضخمة، سياسة التسلح الباهظة التكاليف، فاتورة الطاقة، الفوترة الغذائية، ارتفاع أثمان المواد الأولية) يعمق أزمة النظام ويؤجج تناقضاته وسيسرع بانفجارها.

أما النموذج الاستهلاكي المستورد، الذي يسوقه هذا النموذج، فهو غير قادر على الصمود، ذلك أن انتعاشه يفترض وجود فئات اجتماعية قادرة على الاندماج فيه، فباستثناء الفئات العليا من البورجوازية المتوسطة، وأقلية تتشكل من البورجوازية الكبيرة، فلا قدرة للأغلبية الساحقة من الجماهير، التي يسحقها النموذج الاقتصادي على الانخراط فيه، بحكم واقع الفقر والهشاشة والتراجع المستمر للقدرة الشرائية، نموذج استهلاكي مستورد وسوق داخلية ضعيفة، وهو دليل آخر على ترهات النظام ومن يسير على نهجه.

بعد ادعاءات حكومة عباس الفاسي عن عدم تأثر المغرب بالأزمة العالمية، وبعد ديماغوجية حزب العدالة والتنمية عن تحقيق نمو بمعدل 7% ، ومع تشكيل حكومة نصف ملتحية، فقد أصبحت الحقائق تفقع العين، فمنطق السياسات التصديرية يصل مرحلة الباب المسدود، نتيجة الأزمة التي تضرب منطقة الأورو، وكذا ضعف تنافسية اقتصاد الرأسمالية التبعية ببلادنا، ولا حديث الآن إلا عن تراجع الميزان التجاري وميزان الأداءات واحتياطي المغرب من العملة الصعبة وانكماش القطاع السياحي وتراجع عائدات المواطنين المغاربة بالخارج.

لا يقوم هذا النموذج الكومبرادوري على تطوير الإنتاجية وتحويل الفائض المنتج لصالح التنمية، بل يعمل بمنطق النهب وتحويل الموارد العمومية وانتشار المضاربات والبحث عن الربح العالي والسريع واقتسام الغنيمة مع الرأسمال الامبريالي.

يعمل نظام الرأسمالية التبعية ببلادنا باستمرار على تخفيض قيمة قوة العمل المغربية، بمساهمته في ضرب شروط إعادة إنتاجها (الصحة، التعليم، الولوج الى الخدمات العمومية الأساسية ...) وبذلك يعمل على توفير يد عاملة رخيصة تباع بأبخس الأثمان للرأسمال الامبريالي والكومبرادوري، و تتعرض الطبقة العاملة والفلاحون الصغار لاستغلال مكثف (أجور زهيدة، ظروف عمل قرووسطية، باطرونا مستبدة، المرونة، الهشاشة...). في بلادنا 43 ألف شركة تعمل بأجور أقل من الحد الأدنى، 37.2% من الأجور المصرح بها أقل من smig ، مليون من المتقاعدين يحصلون على 600 درهم شهريا، 7,4 مليون بدون تقاعد... هذه صور عن النموذج الكومبرادوري للتنمية، الذي يولد الغنى الفاحش لطبقة تعيش على الاستهلاك الكمالي والبذخ، وأغلبية ساحقة من الجماهير تعيش في فقر مدقع وتدهور مستمر لظروف العيش والصحة والعمل.

إن منطق النهب والاستغلال والتفقير الذي تولده سيرورة التراكم الرأسمالي الكمبرادوري، ومنطق تحويل القيم وفوائض القيمة المرتفعة التي يسلكها الرأسمال الامبريالي ببلادنا، يولدان باستمرار منطق المواجهة والنضال، مما أصبح يطرح بإلحاح تقدم الماركسيين - اللينينيين في بناء الحزب الثوري الماركسي - اللينيني للطبقة العاملة والكادحين.

-4 - دولة كومبرادورية واحدة وحكومتان في خدمة النظام الملكي

لا يمكن إدراك الوظيفة السياسية لديموقراطية الواجهة، بدون ربطها بالبنية الاقتصادية للرأسمالية التابعة ببلادنا، إن البنى الفوقية السياسية تتحدد بشكل جدلي بطبيعة الرأسمال الكمبرادوري المهيمن داخل التشكيلة الاجتماعية المغربية، وقد رأينا أن منطق تراكم الرأسمال الكومبرادوري، الذي تقوده الفئة الملكية المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة، يقوم على النهب كسمة أساسية (الاستغلال المكثف للطبقة العاملة والسطو على خيرات البلاد).

كثيرا ما تسقط القوى الإصلاحية والتحريفية في استعمالات خاطئة لمفهوم الريع، متأثرة بالمفاهيم الليبرالية السائدة، التي تعمل على إخفاء وجود تمركز للملكية الصناعية والعقارية، والتوزيع غير المتساوي للثروة، إضافة لتحكم منطق فائض الربح العالي في تحديد السياسات الاجتماعية والاقتصادية.

من هذا المنطلق، توزع القوى الإصلاحية والتحريفية الوهم، من خلال طرحها لمطالب مثل "دولة القانون في الأعمال"، و"الحد من الدور الاقتصادي للملك"، وغير ذلك من الشعارات البراقة، دون قدرة حقيقية على مواجهة الطبيعة الطبقية لنظام كومبرادوري، يستطيع الالتفاف على تلك المطالب، وتغليف مواقفه بشتى المصطلحات والمناورات.

حين نتكلم عن وجود فئة كومبرادورية احتكارية داخل الكتلة الطبقية السائدة، فذلك بالمعنى اللينيني للاحتكار، وغير خاف الاندماج القائم بين الرأسمال الكومبرادوري وشريكه الرأسمال الامبريالي، فعلى قاعدة هذا الطرح لا يمكن اعتبار الريع الاحتكاري خصوصية للنظام السياسي المغربي، بل سياسة مندمجة بمنطق الرأسمال الامبريالي، وهي تعكس مصالح الفئة المهيمنة داخل الكتلة الطبقية السائدة، ليس فقط الملكية منها، بل الشريحة الاحتكارية برمتها، أما الرشوة (أكبر رشوة هي استعمال الدولة لصالح الفئة الملكية ولصالح العائلات "الكبيرة") فلا يمكن التصدي لها فقط بشعارات مثل، عدم الإفلات من العقاب بالنسبة للجرائم الاقتصادية، بل بالقضاء على النظام وبنياته التي تولدها باستمرار.

في ظل البنيات الاقتصادية، التي تطرقنا لميكانيزماتها، يكون الاستبداد والقمع ضروريان، لضبط التناقضات الاجتماعية والطبقية التي تتولد عنها، القمع الطبقي الحاد وبكل أنواعه المادية والإيديولوجية والسياسية والثقافية، هو ضمانة الاستمرارية لسيرورة التراكم الرأسمالي الكومبرادوري للكتلة الطبقية السائدة، وحليفها الإستراتيجي، الرأسمال الامبريالي.

قبل وفاته هيأ الحسن الثاني شروط انتقال السلطة إلى الملك الجديد، واستفاد في ذلك من تجربة 1956-1960، بتوظيفه "لوطنية" القوى الإصلاحية، فتشكلت حكومة "التوافق المخزني" برئاسة عبدالرحمان اليوسفي، الذي اكتشف فيما بعد عندما غادر الحكومة أنه كان مجرد "طرطور" وسط الحاشية الملكية، التي كانت تقرر في كل شيء، و استطاع النظام أن يوظف عامل الوقت لإعداد إستراتيجيته الجديدة، والتخطيط للمرحلة الجديدة، في ظل السلم الاجتماعي الذي أهدته إياه البيروقراطيات المتعفنة للمركزيات النقابية الرئيسية، وتحت تغطية للشعارات الإصلاحية حول الانتقال الديموقراطي، والإشارات القوية، والعهد الجديد، والملك الشاب، والمفهوم الجديد للسلطة، والمقاولات المواطنة وغيرها، والتحقت فلول المرتدين والخونة بالجوقة المدعمة للملك الجديد، مسوقة أطروحاتها المختلفة، فكافأها النظام بمجموعة من التعيينات على رأس مؤسسات جديدة، وظفت لخدمة وتسويق سياسات النظام (هيئة الإنصاف والمصالحة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تجميع مجموعة من المرتزقة والانتهازيين في حزب سياسي...).

وبعد فترة قصيرة كشف النظام عن وجهه الحقيقي ليسقط القناع، و معه كل مقولات الإصلاحيين والانتهازيين، وتكتشف الجماهير الخدعة وأقنعة النظام، فمن نتائج حركة 20 فبراير أنها سرعت بمسار تغيير جلد النظام، بعدما اضطر إلى صياغة دستوره الجديد والاستفتاء عليه، ثم الانتخابات وتشكيل حكومة نصف إسلامية.

لن ندخل هنا في نقاشات أكاديمية عقيمة حول الدستور الجديد للنظام، ونكتفي بتأكيد طابعه الاستبدادي، و تهمنا هنا، الجوانب الجديدة التي أدخلها النظام الكومبرادوري في المجال السياسي. لم تكن هاته الجوانب وليدة فترة ما بعد دستوره الأخير، الذي قام أساسا بشرعنة ممارسات سياسية كانت مفروضة على مؤسساته، وقبلت بها أحزابه والقوى الإصلاحية، كما لو أنها من طبيعة الأمور، فالمهم الآن أنه جعل لها صفة دستورية.

الملاحظة الأولى: وتتعلق بتحويل حكومة الظل التي تختبئ وراء تسمية "مستشاري الملك" إلى حكومة حقيقية، بعدما شرعن الدستور الجديد لحقه المطلق في اختيار "مستشاريه"، وهكذا ضم الملك إلى جانب مستشاريه القدامى عناصر جديدة، لتتشكل عناصر حكومة حقيقية تضم كل من أزولاي(الاقتصاد)، محمد المعتصم (القانون والعلاقة مع الأحزاب والنقابات)، مصطفى الساهل (وزير الداخلية السابق)، عبد اللطيف المنوني (المكلف السابق بمراجعة الدستور)، عباس الجراري (منظر الشؤون الإسلامية)، الفاسي الفهري (وزير الخارجية السابق)، عمر عزيمان (وزير عدل سابق ورئيس لجنة الجهوية)، ياسر الزناكي (وزير السياحة السابق)، فؤاد عالي الهمة (صديق الملك ومستشار سياسي و مسؤول الأمن القومي) وزليخة الناصري (العلاقة بالمجتمع المدني)، وطبعا كل جوانب السياسة العسكرية والأمنية بيد الملك.

تقرر هاته الحكومة في كل السياسات التي يتفق عليها الملك، و من خصائص هاته الحكومة أنها لا تخضع لا للمراقبة ولا للمحاسبة، ولا أحد يتدخل في شؤونها من أولئك الذين تأتي بهم صناديق الاقتراع، ممن يشكلون حكومة الواجهة (يسمي المغاربة هذه الحكومة ب "المحكومة") أو البرلمان أو المؤسسات الأخرى.

وتقوم حكومة الواجهة بالوظيفة المقررة لها، أي التغطية بالأساس على وجود حكومة أخرى فوق كل محاسبة وكل تغيير تأتي به صناديق الاقتراع، إنها حكومة تقوم بتدبير الشأن اليومي (بالمفرق) لما تقرره حكومة (بالجملة)، أي الحكومة الحقيقية. تثبت حكومة بن كيران هذا التصور كما هو حال سابقتها التوافقية (حكومة اليوسفي). إن حكومة الواجهة ملزمة بإعلان القرارات التي تهم الملفات الساخنة (الإعلان عن الزيادات في أسعار الوقود الخ)، وما أن تحترق حكومة الواجهة وأحزابها المكونة، حتى تأتي مكانها أخرى عبر "صناديق الاقتراع"، حيث لا تتعدى نسبة المشاركة 20% أو يتم تغيير بعض الوزراء، تحت شعار تلوكه الصحافة و القوى المخزنية "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، ذلك بهدف تلطيف الأجواء و احتواء الاحتقانات، و قبل ذلك يكون النظام قد استقطب أحسن أطرها، بعدما يقوم بإغرائها، والنظام هنا خلافا لما كان عليه الوضع أيام إدريس البصري (وزير الداخلية السابق في عهد الحسن الثاني) يقوم بانتقاء واصطفاء النخب، عن طريق المزاوجة بين صناديق الاقتراع والميكانيزمات المخزنية التقليدية لاستقطاب النخب، وذلك لتجديد دمه باستمرار، ويلعب الإعلام دوره في ذلك (برنامج مصطفى العلوي الذي يخضع فيه المرشحون لامتحان مدى إخلاصهم وقدرتهم على خدمة النظام، ويتم ذلك بحضور أمنيين متخصصين وغيرهم).

لقد أتبث النظام الكومبرادوري قدرته على التكيف مع المستجدات، بما يضمن استمراريته والحفاظ على مصالحه الاستراتيجية، و هناك شواهد من التاريخ تثبت ذلك، لكن الأهم هنا، التأكيد على مستجدات المرحلة التي دشنها دخول ملك جديد على خط السياسة بالمغرب بعد وفاة الملك الأب. طبعا تعمل هاته السياسة كاستمرار لما أسسه الأب على امتداد 40 سنة تقريبا، وهي إحدى السنوات الأكثر دموية في تاريخ المغرب، ففي إحدى تصريحاته ميز الحسن الثاني سياسته بما أسماه "اختراع التقليد"(l’invention de la tradition) في إشارة لدور التقاليد المخزنية في حكم البلاد، و على رأس المفاهيم السياسية تقوم "مؤسسة إمارة المؤمنين" بتأسيس شرعنة دينية لوجود الملك على رأس الدولة الكمبرادورية. تاريخيا كان كل من علال الفاسي وعبد الكريم الخطيب هما من اقترحاها على الحسن الثاني تشريفا للملك حسب زعمهم، وكان الملك ذكيا حين أدخلها في أول دستور له، وقد لعب هذا المفهوم في بلورة ازدواجية سياسية تميز النظام الكمبرادوري المغربي، و نعني بذلك التميز اتجاه الإدارة والحكومة، فالملك فوق كل المؤسسات السياسية (دستور، برلمان، حكومة، أحزاب ....). لقد تم وضع هاته المؤسسة لتقف سدا منيعا ضد أي تحول ديموقراطي للبلاد، واستعملت في أشد الفترات دموية لتبرير القمع وسفك دماء الشعب المغربي، و قد أعاد دستور الملك الجديد فرضها على الشعب المغربي بمباركة الأحزاب السياسية، و دون الدخول في التفاصيل حول دور "إمارة المؤمنين"، نكتفي بالقول هنا أنها تجعل من المغاربة مجرد عبيد يعيشون على أرض هي أصلا للملك، ينظر إليهم كرعايا مقيمين عنده، وهنا تبرر القوانين الشرعية الدينية ذلك، باعتبار أرض المغرب أرضا مفتوحة عنوة، أي يعود كل شيء فيها لدار مال المسلمين ويمثلها هنا السلطان أو الملك. فهي إذن، توظف للتغطية على سياسات النهب والسطو ودائما باسم المنفعة العامة، التي يتم تأويلها حسب رغبات الدولة المستبدة.

ثاني المفاهيم تمثله "البيعة"، التي يؤكد النظام عليها دائما، وبها ابتدأ الملك الجديد حكمه، وهي كمؤسسة، تشكل ركنا للحكم المخزني، تقوم بوظيفة الحد من أثر القوانين الوضعية، كما تتناقض جوهريا مع كل المساطر التعاقدية لممارسة السلطة حفاظا على طقوس الخنوع والاستعباد.

و ثالث الأثافي تمثله "الشورى"، التي يتم إعادة تأويلها لصالح النظام، فهي ليست اعترافا بسلطة، ولكن بكفاءة هدفها تنوير صاحب السلطة بدون مساس بتفوقه المتعالي.

هذه الثوابت للنظام المخزني تتكيف وتتأقلم مع المستجدات، دون فقدان لجوهرها ولدورها في خدمة دكتاتورية كومبرادورية، و يجد النظام الآن ضالته في مفهوم "الحكامة" الذي التقطه عن طريق المؤسسات المالية الدولية، و هذا الالتقاط ليس بريئا، ذلك أن النظام يعبر عن رغبة دفينة تمثل المثل الأعلى للاستبداد أي :

-1- الحكم بدون الشعب.

-2- الحكم بدون سياسة.

لقد استثمر النظام الكومبرادوري تجربة "التناوب التوافقي" والإحباط السياسي، الذي تولد عنها ليشن هجوما ممنهجا على "السياسة" عن طريق :

-1- إفراغ السياسة من معناها، وذلك عن طريق السياسيين أنفسهم (الأحزاب والمؤسسات السياسية).

-2- نزع الطابع السياسي عن قضايا سياسية هامة (ملف الانتهاكات الجسيمة، الرشوة، الخدمات العمومية، الأمازيغية، الحكامة المحلية، محاربة الأمية، العطالة...).

-3- الالتفاف المزدوج على الأحزاب السياسية والإدارة العمومية، وذلك بنزع الطابع السياسي عن ملفات سياسية.

-4- وضع "السياسي"(le Politique) في أماكن "ليست بأماكن" أي فضاءات بدون جدال ونزاعات، رفض السياسي يخفي ويفشي في نفس الوقت ذلك الرفض الدفين للديموقراطية، والرغبة في الحكم بدون الشعب، ويجد النظام ضالته في مفهوم "الحكامة".

-5- خلق أماكن جديدة للسياسة، تعتبر نفسها غير مسيسة، ونعني بها أسواق الخبرة، الوكالات واللجن التي أصبحت ساحات جديدة للسلطة تمنح لها الملايير.

-6- إبراز دور التقنوقراط بتمجيد الخبرة المحايدة، وعلى الطابع اللاسياسي لمقترحاتها وقراراتها، مع ضرب مصداقية الإدارة العمومية والحكومة واعتبارها غير كفؤة. وترتبط البنيات التكنوقراطية بالقصر، ويسود داخلها خطاب نيوليبيرالي، و هؤلاء التكنوقراط يقدمون باعتبارهم الأكفاء القادرين على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وذلك فوق المصالح الحزبية وصراعاتها، و يشكل هؤلاء التكنوقراط كذلك، الخدام الجدد للقصر والمرتبطين به ويعملون تحت ظله.

-7- الفاعل الثاني الذي تقوم عليه السياسة الجديدة، هو الجمعيات أو الوسط الجمعوي أو ما يسمى بالمجتمع المدني، الذي يقوم بدور الرابط في ممارسة السلطة، وذلك من خلال مراقبتها والتحكم فيها عبر التمويل والمساعدات والزبونية، و ليست مزاعم "التشاركية" التي تتبجح بها هاته الجمعيات، سوى تقنيات للسيطرة، ويقوم دورها الأساسي على تدبير الاستياءات الجماهيرية و ضبط الاحتقانان و لجم الاحتجاجات، عن طريق بعض الحلول الترقيعية لبعض المشاكل المادية (الماء، الكهرباء، محاربة الأمية، التكوين، تدبير العطالة، وأحيانا حتى قضايا سياسية، من قبيل الرشوة والخدمات العمومية وملفات الماضي...).

لقد تكاثرت هاته الجمعيات بشكل كبير (توجد بالمغرب حوالي 70ألف جمعية) و يتم تفريخ المزيد منها كل سنة، ويتمثل دورها الأساسي في إبطال مفعول الطاقة الانفجارية للمطالب الجماهيرية، وترسيخ ثقافة طلب المساعدة بدل ثقافة النضال، وهي بذلك إحدى معيقات تطور الوعي الطبقي للجماهير، وتتميز أساليبها بالتحرك في إطار احترام النظام الاقتصادي والسياسي السائد والانضباط للقوانين القائمة.

تقوم الجمعيات والتكنوقراط بدعم القصر في الحياة السياسية، ويقوم بدعمها ماليا وماديا، ويقوم نظام للترابط المتبادل بين الملكية والجمعيات والتقنوقراط عن طريق الشرعنة المتبادلة، وفي هذا السياق يتحول المخزن إلى حوض لاستقطاب النخب وتجفيف الأحزاب السياسية وغيرها من كفاءاتها وإلحاقها ببنياته.

-8- إن العديد من الباحثين الغربيين رغم مناهجهم الأكاديمية، لم تنطل عليهم معزوفات ديمقراطية الواجهة، ومنهم من اعتبر أن الأمر لا يتعلق بديموقراطية بل لايعدو خلقا "لتعددية لعلاقات السلطة، وعلاقات في السلطة".

-9- تقوم السياسة الحالية للنظام الكومبرادوري على ازدواجية في فضاءات السلطة، فهناك عمل بطابقين :

- ا- الطابق الأعلى، ويضم القصر والعائلات الكبرى والأوليغارشيات، وهو فضاء السياسة "الممتازة" أو العليا، حيث تتمركز مصالح الكتلة الطبقية السائدة وفئاتها المهيمنة (الفئة الملكية).

- ب- الطابق الثاني، و هو مخصص للأحزاب والبرلمان والمؤسسات السياسية وجزء من الفئات العليا للبورجوازية المتوسطة، و هذا الطابق هو فضاء سياسة الدرجة الثانية، أي السياسة المسفهة.

أما الجماهير الكادحة فعليها ان تقبل بنظام الميز السياسي (l’apartheid politique) بعدما فرض عليها نظام الميز الإجتماعي(l’apartheid social).

-10- انطلاقا من هذه السياسة من طابقين و مستويين، أصبح الملك و القصر مركزا لكل سياسة مهما كانت طبيعتها أو درجتها، سواء تعلق الأمر بتصرف أو حدث أو رأي معبر عنه.

إن ما يميز اللحظة السياسية بالمغرب حاليا، حسب إحدى الكاتبات هو (تلك الطريقة للتفكير التي تمتنع عن التفكير بذاتها، و هو ما يميز الآن عالم الأعمال و الحركات الاجتماعية و المثقفين و الشارع و الصحافيين و السياسيين، حيث في صورة مبسطة للسلطة: المصلحة المفكر فيها سياسيا هي ما يحدده المخزن، فهو المبادر في كل شيء).

هكذا أصبحت السياسة ذات مركز واحد احتكاري، بل حصري، و أصبح الكل يطبل و يزمر : قال الملك، فعل الملك، أشار الملك، جلس الملك، نهض الملك، ترأس الملك، إلى غير ذلك من أفعال الافتتان بشخص الملك المتعالي، كما أصبح "الاستثناء المغربي" (دكتاتورية كومبرادورية) عبارة عن حكومتان برأس واحد، أو دولة كومبرادورية واحدة و حكومتان مخزنيتان: حكومة حقيقية ( حكومة الظل ) و حكومة الواجهة (التي جاءت بها " صناديق الاقتراع ")، و هكذا، وبعد ما أبدعته الأنظمة الدكتاتورية العربية من نظام أطلق عليه :" نظام الجملكيات" أبدع النظام الكومبرادوري" دولة الحكومتين برأس واحد".

9 - 4 - 2019

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.